الدين في مصر القديمة

(تم التحويل من الدين المصرى القديم)

جزء من سلسلة مقالات عن
الديانة المصرية القديمة

Eye of Horus bw.svg
المعتقدات الرئيسية

وثنية • وحدة الوجود • تعدد الآلهة
الروح • Duat
الأساطير • علم الأعداد

الشعائر
صيغة التقديم • الجنائز • المعابد
الآلهة
أمون • أمونت • أنوبيس • أنوكت
أپپ • أپيس  • آتن • أتوم
باستت • بات • بس
أبناء حورس الأربعة
گب • هاپي • حتحور • حقت
حورس • إيزيس • خپري  • خنوم
خونسو • كوك • معحص  • ماعت
معفدت • منحيت • مرت سگر
مسخنت • مونتو • مين • مر-ور
موت • نون • نيت • نخبت
نفتيس • نوت • اوزيريس • پاخت
پتاح • رع • رع-حوراختي • رشپ
ساتيس • سخمت • سكر • سركت
سوبك • سوپدو • ست • سشات • شو
تاورت • تف‌نوت • تحوت
واجت • واج-ور • وپ‌واوت • وسرت
النـصـوص
عمدوعت • كتاب التنفس
كتاب المغارات • كتاب الموتى
كتاب الأرض • كتاب الأبواب
كتاب العالم السفلي
غيرهم
الآتونية • لعنة الفراعنة

 ع  ن  ت
Egyptian goddess Isis protecting a mummified pharaoh, a late Ptolemic relief from the Philae Temple, which was first built in the thirtieth dynasty, c. 380-343 B.C. as a temple to Hathor and later enlarged by Greek and Roman rulers of Ancient Egypt who built temples to Isis and Osiris

لو أردنا القرب من حضارة مصر القديمة فيجب علينا أولا وقبل أي شيء القراءة في المعتقدات الدينية والفلسفات الإلهية التي كانت تشكل وجدان وكيان المصري القديم بدئا من الملك الفرعون العظيم حتى راعي أو زارع حرث أرضه في علاء الشمس. حيث أن الدين كان القوة المسيطرة على المصري القديم وحتى أدبه وفنه وقصصه كلها بالتقريب قد أستمدت من الدين والآلهة. هيا بنا نتعرف على بعض الآلهة التي كان يؤمن بها المصري القديم مثل: آلهة السماء - آلهة الشمس - آلهة الزرع - الآلهة الحيوانية - آلهة العلاقات الجنسية - الآلهة البشرية - أوزير - إيزيس وحورس - الآلهة الصغرى - الكهنة - عقيدة الخلود - "كتاب الموتى"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

إن الزمن الذي يتيسر لنا من خلاله متابعة التطورات والتغيرات الدينية في إطار حضارة واحدة متسقة ، لهو عادة في مصر زمن متطاول يمتد منذ تعرفنا على أقدم الوثائق المكتوبة التي ترجع إلى حوالي 3200 ق.م.. وحتى إحراز المسيحية لنصرها النهائي في القرن الثالث الميلادي . وبدءا من بواكير هذه الفترة اكتسبت الديانة المصرية طابعا معقدا ومتطورا على الرغم من أخلاط البقايا التي ظلت عالقة بها من الممارسات الروحية لعصور ما قبل التاريخ (التي لم تكن الكتابة قداخترعت فيها بعد) .[1]

والديانة التي ألهمتها العواطف البشرية يمكن إدراكها بإمعان أكثر بدراسة المدونات المحررة ، بينما تضمن علينا الشواهد الصامتة للأنشطة الإنسانية - في المراحل التي لم تجد وسيلة لتدوين المعطيات الفكرية لهذه الأنشطة في حضارة ما - بأي تفسير صحيح أو على ألأقل غير ممارى فيه عن حقيقة عالم العقائد الدينية .

فمن الصعوبة البالغة أن نستخلص أو نصوغ نتائج محددة خاصة بالديانة في العصور الحجرية القديمة ، حيث لم يصلنا من هذه الدهور السحيقة لعصور ماقبل التاريخ المصرية سوى بعض أدوات صوانية خشنة عثر عليها في أماكنها الأصلية على الهضبة الصحراوية على جانبي النيل ، أو دفعت بها السيول من هذه الهضبة فيما بعد إلى وادي النيل . ولقد كانت كل من الصحراء الليبية في الغرب والعربية في الشرق تزخر في هذه الدهور بالخضرة وينتشر في أنحائها البشر والحيوانات . ونحو نهاية العصر الحجري القديم ، بدأ عصر من الجفاف تراجعت فيه الأحراش عن الهضبة الصحراوية إلى الانحدار إلى مناطق المستنقعات والحياة النباتية في وادي النيل وعلى امتداد مجراه الطويل ، حيث تجد بشرا قد استقر بهم الحال في مستوطنات عديدة بالمواقع التي وصلوا إليها قرب حافة النهر وواديه مستهلين المراحل الأولى للثورة (النيوليتية) عندما مارسوا الزراعة وإن يكن القنص - الذي كان مهنة الصيادين طوال العصور الحجرية القديمة - قد استمر في أداء دوره باعتباره أسلوبا هاما - وإن لم يعد بعد رئيسيا - في الحصول على الطعام . ويمكن أن نفسر بجلاء التنظيم المبكر لهذه المستوطنات في ضوء الطبيعة الخاصة لوادي النهر ، فهنا تربة وإن كانت غنية بخصوبتها ، تحتاج إلى الري بواسطة القنوات وإلى الحماية بدعم الجسور التي تحف بها وهي بدورها لا تنشأ إلا عبر الجهود المشتركة لجماعات منظمة .

ولقد عمرت كلمن مصر العليا والسفلى بهذه المستوطنات أو القرى البدائية من العصر (النيوليثي) أو الثورة الزراعية ، وإن كانت الأولى منها وحدها - وإلى حد بعيد - قد أميط عنها اللثام بواسطة الأثريين عن مستوطناتها ، في حين أن مثل هذه المستوطنات أصبحت حاليا في الدلتا راقدة ومدفونة بعمق تحت الطمى المتراكم الذي يجلبه النيل .

وهناك ثلاث مراحل حضارية يمكن تصنيفها في مصر العليا وتدعى على التوالي : حضارات ((دير تاسا والبدارى ونقادة))وهي أسماء لقرى حديثة اكتشفت وميزت في جوارها لأول مرة البقايا المادية لهذه الحضارات . ولاتختلف هذه الأطوار الثلاثة في الفارق الزمني فقط ، ولكنها تتمايز أيضا في أشكال الفخار والأدوات الأخرى ، وفي الدلتا تبدو مستوطنة (مرمدة بني سلامة) متعاصرة مع طور حضارة (دير تاسا) بالرغم من الإختلافات بينهما ، ومن ناحية أخرى فإن البقايا في موقع المعادي والمتعاصرة مع المراحل الوسيطة والمتأخرة لحضارة ((نقادة)) تشير إلى أن الصعيد والدلتا قد بدءا الانتماء على ذلك الوقت المتأخر من عصور ماقبل التاريخ - إلى حضارة مادية متجانسة أو مشتركة .

ومن الصعوبة البالغة أن نفسر العادة المتعلقة بطريقة دفن الموتى والتي لم تتغير تقريبا طوال العصر (النيوليتي) وهي تتسم بتوسيد الموتى بشكل أو آخر في وضع القرفصاء ، والتي كانت سائدة أيضا في ذلك العصر كل أوروبا وشمال أفريقيا وغرب آسيا ، فالجسد كان يثوى والعمود الفقري منحني والساقان مثنيتان إلى الدرجة التي يلامس فيها الفخذان أحيانا الجسم ذاته ، بينما توضع اليدان أمام الوجه ، وقد اقترح علماء عصور ماقبل التاريخ عدة تفسيرات لإلقاء الضوء على هذه الظاهرة منها : الاقتصاد في المكان والجهد المبذول في إعداد المقبرة ، خاصة وأن الأدوات المستخدمة في الحفر تتسم ببدائيتها وصغرها ، ولكن يبدو أن ذلك لم يكن بالدرجة الأولى من الأهمية ، بقدر الحرص على توسيد الجسد في أقرب الأوضاع الطبيعية إلى النوم ، فإذا صح ذلك التفسير الأخير فإن ذلك يقودنا إلى اعتقاد بأن القدامى يرون الموت ضربا من السبات والراحة التي كان الإنسان البدائي - نتيجة لما تفرضه ضرورات حياته الصعبة من عمل شاق طوال حياته - يتوق إليها دوما .

ووضع القرفصاء الذي مارسه المصريون المبكرون والذي لايمكن تنفيذه إلى بعد الموت الفعلي مازالت تقوم بأدائه بعض القبائل الأفريقية الحديثة حيث تثنى جثث موتاها في موقف مشابه للغاية عند اقتراب الموت من إنسان . هذا ويمكن تفسير وجود بعض الدفنات بأجساد ممتدة أطرافها في عصور ماقبل التاريخ إلى أنها اكتشفت بعد وفاة أصحابها حيث بدأت على أثره في التصلب مماح ال دون تحقيق وضع الفرقصاء عمليا .

والوضع الإعتيادي للجسد المجثى في المقبرة كان الرقود على الجنب الأيسر كما هو الحال في (البداري) وطوال مراحل حضارة (نقادة) ثم استمر بعد ذلك في العصور التاريخية خلال الأسر الملكية الأولى وإلىوقت متأخر في الدولة الوسطى .

وفي نصوص الأهرامات الشهيرة يمكن استخلاص أن الملك الميت كان يسجى على جنبه الأيسر حيث كان مدعوا لأن ينهض ويستدير إلى جانبه الأيمن لكي يتلقى القرابين . وقبل (البداري) كانت أجسام الموتى ترقد على جنوبها اليمنى في حضارة (مرمدة بني سلامة) المبكرة كما كان الوضع كذلك في حضارة (العمرة) في مصر العليا .

ولقد كانت المقابر ممتدة على محورها الأطول من الشمال للجنوب فالشمال المحلي هو الاتجاه الذي يتدفق النهر دوما إليه في أي موقع ، كما أن رأس الميت كانت تتجه إلى الجنوب حتى يمكن للجسد أن يواجه الغرب . وعلى الرغم من ذلك ففي (مرمدة بني سلامة) كانت المقابر تخطط بحيث يمكن للموتى مواجهة الشمال أو الشمال الشرقي بينما في (العمرة) كانت أجسادهم تواجه الشرق . والقاعدة الأخيرة عينها كانت سائدة أيضا في العديد من مقابر حضارة (جرزة) وهي مرحلة وسيطة من (نقادة) ، وأيضا في موقع (طرة) الذي يرجع إلى قرب نهاية عضور ما قبل التاريخ .

والسؤال الذي يطرح نفسه علينا هو : هل للوضع الذي يرقد عليه جسد الميت أو للاتجاه الذي كان يوجه إليه ثم تغير هذا التوجيه من الغرب إلى الشرق أو الشمال - على سبيل المثال - معنى يحمل في طياته تطورا في العقائد الدينية ؟ والحق أن كل ذلك مازال يمثل مشكلة علمية لم تحظ بإجابات شافية ، لكننا نعرف أنه خلال العصور التاريخية كان المكان الذي يفترض أن الموتى سيتوجهون إليه هو الغرب ، فالصحراء الغامضة لا نهائية الإمتداد حيث تغرب الشمس أوحت لفكر المصريين القدماء أن هناك مرقدا تصوريا يتوجه إليه الموتى بدورهم ، بينما كانت الصحراء الشرقية هي الجزء الذي تشرق منه الشمس كل صباح ، وبمراقبة ظهورها اليومي توقع المصريون أن الموتى ستتجدد حياتهم بنفس النسق ، وهي كلها ظواهر طبيعية أوحت لمخيلة المصري منذ عصور ماقبل التاريخ بعادات الدفن المبكرة هذه ، وأيضا فإن تقليد وضع الجسد والرأس في اتجاه الشمال والذي عرفنا سببه الحقيقي من نصوص دينية متأخرة حيث كان يعتقد أن أرواح الموتى تقطن بين النجوم في السماء الشمالية ، ربما كان رجعا مجددا أو إحياء لعقيدة قديمة ظهرت في حضارة (بني سلامة) والتي قد يرجى بها اتجاه دفن الموتى في مقابرها .

وحوالي عصر (نقادة) الوسيط كانت الأواني المزخرفة تحمل رسوما يعتقد أنها لقوارب زود كل منها بقمرات على سطحها ، مازال الغرض منها غامضا حتى الآن ، وربما مثلت سفنا جنائزية في عبورها للنيل ، وأيا كان الأمر فقدعلا كل قمرة منها عمود مرتفع واحد أو مزدوج ، يعلق على قمته شكل حيواني على الأرجح ، بينما يوجد على منتصف المسافة من هذا العمود شريطان ربطا به يخفقان في الهواء ، ونستيطع أن نميز في هذه الرسوم عددا بسيطا من الحيوانات والأشياء مثل سعف النخيل وقمتين لجبلين وأحيانا ثلاث أو أربع قمم وشمس ، وهي علامات من السهل التعرف عليها ، وعلامة تشبه تلك العلامة التي كانت الرمز العقيدي المقدس للإله (مين) فيما بعد ، وفيل وظائر وغزال وماعز ، ومع ذلك كانت الغالبية من هذه الرسوم تمثل فنا تخطيطيا فجا ، لدرجة يصعب أحيانا تمييز مضمونها بقدر كاف من الثقة أو الترجيح ، وإن أمكن في النهاية التعرف على أربعة وعشرين مجموعة مختلفة منها .

ولاشك أن هذه الصاريات بما يخفق فوقها من رسوم - كانت تمثل رموز المعبودات المصرية المبكرة في عصور ماقبل التاريخ ، فهي تشبه كثيرا العلامات المقدسة المعروفة لنا من العصور التاريخية الملاحقة عندما كان الرمز الحيواني أو المادي للآلهة يرفع على صارية عالية تزين بعلمين ، وعلى ذلك فمن المعقول أن نخلص من هذه المقارنة بأن القوارب التي كانت تزخر بها أواني حضارة (نقادة) هذه كانت ترتفع رموز آلهتها المحلية فوق صاريتها إشارة إلى المدينة أو الميناء المحلى الذي تنتمي إليه .

والحق يقال أن هذا التعدد والإختلاف ف رموز المعبودات في عصور ماقبل التاريخ يتسق مع الحقائق الثابتة عن هذا التعدد والاختلاف للآلهة في المراحل التاريخية .

وعلى الرغم من اختفاء الكثير من هذه العلامات وعدم ظهورها في العصور التاريخية مرة أخرى فإن ذلك لايعد دليلا حاسما يحق لنا بموجبه أن نهدر الاستنتاج المذكور آنفا ، فالمعبودات المحلية كانت كثيرا ماتفقد أهميتها وتغوص في أعماق النسيان عندما يتفوق عليها آلهة أخرى منافسة تنتمي إلى أقاليم أو مناطق أضحت أكثر ازدهارا وأعظم قوة .

وعلى الرغم من قيمة الدليل الأثري الذي لايمارى فيه عند التصدي لدراسة العناصر المادية لحضارات عصور ماقبل التاريخ في مصر ، إلا انه يفقد هذه الأهمية نسبيا عند معالجة موضوع الديانة في هذه العصور ، فالقليل من المعلومات المحددة يمكن استخلاصها عن المفاهيم الجنائزية ، كما أننا لانعرف عن المعبودات في هذا الوقت أكثر من كونها متعددة وأن رموزها الحيوانية أو المادية كانت قد تبلورت بالفعل ، ومن هذه المعبودات يمكن أن تميز وبقدر من الترجيح (مين) إله مدينة (قفط) في العصور التاريخية ، وذلك من رمزه المقدس المرسوم على الأواني وعلى سطح إحدى (الصلايات) التي كانت تستخدم لتجهيز المساحيق والكحل اللازم لتزجيج العيون والتي عثر عليها في مقبرة من موقع (العمرة) يمكن نسبتها إلى عصر (نقادة) الوسيط . ومن المجلى أيضا أن تقديس الحيوان بشكل ما يعود إلى عصور قديمة حيث وجدت مقابر من حضارة (البداري) تخصصت لحيوانات منها الغزال والثور والكبش وابن آوى لفت أجسادها بعناية في الحصير أو الكتان .

ومن أواخر عصور ماقبل التاريخ وبداية عصر الأسرات وجدت مجموعة من اللوحات والصلايات الإحتفالية ورؤوس دبابيس القتال حفرت سطوحها بزخارف من رسوم تمثل أحداثا تاريخية ، وتحتل الرموز المقدسة للمعبودات مكانا مميزا وسط هذه التكوينات الفنية ، فعلى صلابة منها لصيد الأسود نجد رمزين كل منهما يمثل صقرا وثالثا يمثل شيئا لوزي الشكل يحمله عدد من الصيادين ، بينما تحمل صلابة أخرى لميدان معركة مغطاة أرضها بأجساد القتلى وطيور الصيد البرية ، وشارتين يعلوهما صقر وظائر (أبيس) زود كل منهما بذراع تقبض على أسير من عين الجنس الذي تنتمي إليه الأجساد الملقاة على أرض المعركة، وعلى صلابة ثالثة تحمل نقشا يمثل تدمير إحدى المدن أو القلاع ، توجد خمسة رموز يعلو اثنين منها حيوان ابن آوى أو الكلب ، والباقي يرتفع على قمتها على التوالي طائر أبيس وصقر وعلامة الإله (مين) المقدسة ، وتنتهي بيد قابضة على حبل من المؤكد أنه قد ربط به أسير بالرغم من تهشم الأجزاء التي تنتهي بها هذه الحبال حاليا . وقد نقش رأس دبوس قتال الملك العقرب الشهير برسوم لساريات رفعت فوقها أقواس وطيور مخنوقة ، بينما هناك رموز أخرى رفعت أمام الملك .

وعلى كل من صلاية نعرمر ودبوس قتاله - وهو الملك الذي يرجح أنه (مينا) الذي ذكرته المدونات المتأخرة - نجد تسجيلا معاصرا لأحداث توحيد مصر العليا والسفلى تحت سيطرة حاكم واحد بها مجموعة من أربع ساريات على قممها ابن آوى ثم شكل بيضاوي غامق (يشبه الرمز اللاحق للإله (خنسو الطيبي) ثم صقرين ، وجميعها محمولة أمام الملك المنتصر .

وبالمقارنة فإن مثل هذه الساريات كانت تشاهد عادة خلال العصور التاريخية في مناظر الأعياد ومواكب الإحتفالات ، وحتى (كليمنت السكندري Clement of Alexandria) الذي كتب في القرن الثالث الميلادي يروى لنا أن المصريين مافتئوا حتى ذلك القرن المتأخر (يحملون في مواكب أعياد آلهتهم تماثيلا ذهبية تمثل كلبين وصقرا وطائر أبيس). وتظهر إلى جانب هذه الساريات نقوش مصاحبة لها تشير إلى صلتها الرمزية بآلهة معينة ، فعلى هذا كانت رموزا لمعبودات كان المصريون منذ بواكير حياتهنم يحملونها معهم إلى أرض المعركة أو ساحة الصيد أو في إحتفالاتهم بأعيادهم المقدسة .

ولقد كانت هناك فضلا عن ذلك ضرب آخر من ساريات الأعلام استخدمت في العصور التاريخية ، يكتب فوق كل منها رمز أو اسم مقاطعة أو إقليم من تلك التي كانت مصر مقسمة إليها إداريا ، أطلق عليها اليونانيون اسم (Nomoi) (قطاعات) . وكان عددها يختلف قليلا من مرحلة تاريخية لأخرى ، لكن الرقم التقليدي الذي وصلنا من العصور التاريخية في شكل قوائم بأسماء هذه الأقاليم كان اثنين وعشرين لمصر العليا وعشرين لمصر السفلى . وهي تمثل البقايا المتأخرة التي آلت إليها دويلات المدن المستقلة في عصور ماقبل التاريخ ، والتي اندمجت تدريجيا ثم وحدت بالقوة قبل العصور التاريخية في مملكتين إحداهما للدلتا والأخرى للصعيد .

ولقد حملت هذه الأقاليم أو بقاياها المتأخرة أسماء يونانية مشتقة من أسماء عواصمها في الفترة البطلمية (فمثلا إقليم <<ليكونبوليس Lykonpolis>> كان اسمه المصري الأصلي <<سيوتي Siowtey>> والذي آل في النهاية إلى اسم أسيوط الراهنة) . وفي النصوص الهيروغليفية كانت أسماء هذه الأقاليم مصطحبة دائما على وجه التقريب برسوم صاريات الأعلام التي تمثلها ، ولعل أقدم هذه النماذج التي وصلتنا هو اسم الإقليم الخامس عشر من مصر العليا في عهد الملك (زيسر) مؤسس الأسرة الثالثة.

ولقد كان الإستقلال السياسي والتشرذم لأقاليم مصر في عصور ماقبل التاريخ يسير جنبا إلى جنب مع التفرق الديني لكل منها ، فكل إقليم له معبوده الخاص به ، يحمل اسمه الذي يظهر به في شكل حيواني أو مادي وتستطيع أن تقول إن الديانة المصرية في مراحلها المبكرة - شأنها في ذلك شأن الحياة الروحية للجماعات البشرية ف المراحل البدائية منها - كانت ديانة فتيشية . فالمعبود المحلي هو إله المدينة وحاميها ، وكان ينظر إليه باعتباره السلطة العليا وسيد المدينة أو المقاطعة التي ينتمي إلهيا . واختفاء العديد من الآلهة المحلية هذه بمرور الوقت يعزى أساسا إلى تعاظم مكانة آلهة محلية أخرى منافسة لها ، بفعل تصاعد النفوذ الإقتصادي والسياسي للمدن أو الأقاليم التي تمثلها الأخيرة ، مما يفضى في النهاية إلى تضاؤل الأولى منها ورفعها إلى الظل تماما ، أو امتصاصها في أقانيم الآلهة الأعظم أهمية وفي حالات أخرى كان ذلك يأخذ صورة اندماج معبودين متشابهين في صفاتهما في كيان معبود واحد .

وقد كان لاستخدام الأعمدة أو ساريات الأعلام هذه للتعبير عن المعبودات المبكرة - أن اتخذ المصريون عند بدء اختراعهم للكتابة شكل هذه السارية كعلامة هيروغليفية للدلالة على المعنى العام للإله أو المقدس . وبالرغم من أن الأشكال المتأخرة لهذه العلامات الدالة على لامعنى المذكور أصبح يشبه كثيرا منظر فأس ، كان في مقدور علماء المصريات تمييزها دائما ، لكن التنفيذ المتقن المتطور ، والألوان التي أضفيت على علامة الفأس أخفت حقيقتها الأصلية التي خرجت من صلبها ، فالشكل الأول المبكر لها منذ عصر الأسرات يحمل بوضوح القطعتين اللتين تمثلان علمين يخفقان أفقيا فوق الصارية والتي تطورت بدورها من رموز صاريات معبودات عصور ماقبل التاريخ ، والتي كانت تخفق في شكل بيضاوي ، أو تتدلى رأسيا إلى أسفل ، وقد كانت العلامة الهيروغليفية المذكورة تقرأ (نتر nutjer) في اللغة المصرية ، ثم أصبحت تنطق (نتى nute) في اللغة القبطية بعد ذلك ، وهي الكلمة التي استخدمت للتعبير عن الإله المسيحي بعد ترجمة العهد الجديد أو الإنجيل إلى اللغة القبطية في القرون الميلادية الأولى .


المعبودات الرئيسية في المرحلة المبكرة

ومن الأهمية البالغة الآن تقديم بيان عن المعبودات الرئيسية التي انبثقت من المرحلة (الفتيشية) المبكرة ، وسيتضمن ذلك البيان بالضرورةالمعبودات التي وردت في آثار الأسرات الأولى ، وكذلك بعضها الذي ظهر فقط في وثائق متأخرة . وإن عدم عثورنا حتى الآن على مظاهر لها ، أو كتابة عنها على الآثار المبكرة يمكن أن يغزى إلى الصدفة وحدها ، كما أن هذا السرد يرتكز أساسا على منهج تصنيفي طبيعي يعتمد على الرمز الحيواني أو المادي العقيدي وليس على أساس جغرافي ، كما يجدر أن ننوه إلى أن اعتمادنا أساسا على أسماء معبودات تنتمي إلى مصر العليا يرجع إلى نقص معلوماتنا عن الديانة (الفتيشية) المبكرة في مصر السفلى كما ذكرنا من قبل .

والحق أن يندر العثور على أشكال أو صور حيوانات أو أشياء مادية مقدسة ترمز مباشرة لمعبودات بعينها ، وإن كان استنتاج وجودها يتم في معظم الحالات من مناظر الحيوانات أو الأشياء التي تستخدم باعتبارها علامات في كتابة أسماء هذه الآلهة . وبعض هذه الحيوانات كانت ترسم في هذا الإطار السابق في مظهرها الحي أو مستقرة على قاعدة مزودة بصولجانات تيجان وريش ، أو ممثلة في أوضاع متنوعة وإن اختلفت من رمز لآخر . ونحن نقدر أن هذه الرسوم كانت لتماثيل أو أشكال منحوتة أصلا من الخشب أو الطفلة أو المعدن . ويؤيد ذلك ثبوت وجود تماثيل للآلهة منذ هذه الفترة البعيدة من حوليات ملوك الأسرات الثلاث الأولى ، حيث كان نحت تمثال منها ، يعد مناسبة أو حدثا هاما يؤرخ له في هذه الحوليات ، فعلى سبيل المثال أن السنة التي نحت فيها تمثال الإله (أنوبيس Anubis) ورد ذكرها في عهد الملك الثاني من الأسرة الأولى .

معبودات على هيئة الحيوانات والطيور

الآله الحيوان
پتاح ثور
تحوت إيبيس/بابون
أمون كبش
حورس/رع صقر
أنوبيس ابن آوى/كلب
سوبك تمساح
حتحور بقرة
سخمت لبؤة
نخبت عقاب
Ejo or Wadjet Egyptian cobra
Khepri Scarab Beetle
Geb Egyptian Goose

(Armour (1986) Qtd. in Morris 1952, p. 23)

ولقد كان الإنسان المبكر ينظر إلى الحيوانات البرية - رغم كونها هدفا للصيد - نظرة ملؤها الهيبة والرهبة ، بسبب ضراوتها أو قوتها ، فعلى صلايات العصور المتأخرة لما قبل التاريخ نجد صورا للأسود والثيران الوحشية ترمز للسلطة المسيطرة ، وهي ترمز بالمثل للملك (نعرمر) في صلايته الشهيرة وهو يطأ تحت قدميه أعداءه الذين ألحق بهم الهزيمة . وظهرت اللبؤة وليس الأسد باعتبارها معبودة فعلية حاملة أسماء عديدة تختلف باختلاف أماكن تقديسها في البلاد فهي (ماتيت Matit) في الإقليم الثاني عشر من مصر العليا ، كما تظهر لأول مرة في مقابر الدورة القديمة (بدير الجبراوي Der el-Gabrawi) ، وهي (محيت Mehit) في (ثنى This) بالولاية الثامنة ، والتي يمكن أن نستشف آثار عبادتها في الأسرة الأولى ، وهي أيضا (بخت Pekhet)في موقع (اسطبل عنتر Speos Artemidos) (12) بالإقليم الثامن أيضا بالصعيد وإن لم نشهد عبادتها تحت الإسم الأخير إلا منذ الدولة الوسطى .

أما عقيدة الثور الوحشي فيمكن استنتاجها فقط من العصور المبكرة من ساريات أعلام عدة أقاليم في مصر السفلى ، وكذلك فرس البحر الذي عرف تقديسه فقط منذ عصر متأخر نسبيا ، هو عصر الدولة الحديثة ، بينما قدس التمساح في فترات لاحقة في موقع (الفيوم) وقد كان اسم المعبود التمساح (سوبكSubek) ، والذي حرفه اليونانيون في لغتهم إلى (سوخوس Suchos) .

وقد عثر على العديد من التماثيل الصغيرة للقردة ، وكذلك رسوم لها على بطاقات عاجية ترجع جميعها إلى العصور التاريخية مما يرجح تقديسها منذ وقت مبكر ، وربما كان ممارسة عبادتها في مدينة (خمون Khmum) أو (الأشمونين) الحديثة بالصعيد الأوسط ، والتي أطلق عليها اليونانيون بعد ذلك اسم (هرموبوليس) ، وقد سبقت هذه العقيدة عبادة الإله (تحوت Thoth) أو (جحوتي)في (الأشمونين) ، ورمزه المقدس الطائر (أبيس) في هذه المدينة على مايبدو . والقراءة الأصلية لاسم القرد المقدس غير مؤكدة ، وإن كان اسمه بعد ذلك (هدج - ور Hedj-wer) بمعنى (الأبيض العظيم) أو (أنصع العظماء بياضا) .

أما الرمز الحيواني للمعبود (ست Setekh) كما يظهر على أحجار مقابر الأسرة الأولى فهو يمثل حيوانا يشبه الحمار ، له أرجل طويلة وآذان طويلة أيضا مستعرضة وذيل قصير قائم . كما يبدو أن المصريين الأوائل حوروا ذلك الرمز منذ الدولة القديمة على الأقل إلى شكل حيواني غريب أقرب شبها إلى كلب رابض بعنق مستطيل وآذان مربعة ومقدمة وجه طويلة مقوسة وذيل قائم ، ولم يكن من المستغرب أن فشلت جهود علماء المصريات في تمييز الأصل الحيواني لهذا الكائن .

ولقد كان مهد الإله (ست) هو مدينة (إنبويت Enboyet) (أمبوس Ombos باليونانية) وهي في المقاطعة الخامسة من مصر العليا ، تقع بين الموقعين الحديثين لقريتي (نقادة) و(بلاص) ، ولقد ازدهرت (أمبوس) منذ عصور قبل الأسرات ، يدل على ذلك مقابر هذه العصور المبكرة والممتدة إلى جوار هذه المدينة . ومع قيام الأسرة الأولى انتشرت عقيدة المعبود (ست) خارج حدود المقاطعة الخامسة ، وأصبح (ست) (إله الوجه القبلي) والممثل لهذا الجزء بأسره من البلاد ، وغدا بصلاحيته هذه منافسا خطيرا لعقيدة (حورس Horus) ، وهي منافسة شكلت ملامح هذا الإله فيما بعد ، وكذلك مصيره .

ولقد كانت - عبادة (الغزال Oryx-antelope) في المقاطعة السادسة عشرة من مصر العليا ثابتة من توارد ظهور هذا الحيوان رمزا لها ، وهناك مثال يمكن أن يستشهد به على ذلك في عهد الملك (زوسر) في الدولة القديمة ، وإن كانت عقيدة ذلك الحيوان المقدس قد انحسرت منذ وقت مبكر لحساب الصقر (حورس) .

ولقد قام المصريون باستئناس الكلاب منذ عهد قديم للغاية ، وذلك ربما لفائدتها أثناء طراد الصيد ، واختيرت أنواع عدة منها في أماكن مختلفة باعتبارها رموزا مقدسة وهي أنواع يصعب تمييز أجناسها العلمية حاليا بوضوح من الرسوم التي وردت فهيا . وكان أكثر هذه الأنواع ظهورا في هذه الرسوم ذلك الذي حمل اسم (أوبواوت Upuaut) (فاتح الطريق) معبود (آسيوط) والذي يدل معنى اسمه هذا على طبيعته في الكشف والتجوال ، وربما كان ذلك الاسم مجرد نعت حيث أن اسمه الحقيقي والذي ورد منذ عصر مبكر تماما كان (سد Sed) والذي كان رمزه الذي يعلو ساريته يشبه تماما في مظهره رمز (أوبواوت) أو لواؤه يحمل أمام الملك في ساحة القتال أو مواكب النصر ، ويدل الإسم اليوناني (ليكونبوليس Lykonpolis) (لأسيوط) ومعناه مدينة الذئب ، أن الأغريق قدروا أن الحيوان المقدس للمعبود (أوبواوت) هو الذئب ، أو ربما كان كلبا وحشيا حيث أن (كليمنت الإسكندري Clement of Alexandria) قد أشار إليه بهذه الصفة الأخيرة لكن كان هناك على الأقل كلب حقيقي مقدس هو (أنوبو Anupew) يعرف الآن باسمه الذي أطلقه عليه اليونانيون وهو (أنوبيس Anupis) وكانت عقيدته تمارس في عدة أماكن بالإقليم السابع عشر لمصر العليا ، والتي عرفت عاصمته في العصر اليوناني باسم (كينوبوليس Kynopolis) أي مدينة الكلاب - وكان الحيوان المقدس رمز المعبود (أنوبيس) يمثل راقدا وعلى ظهره ريشة نعامة . ومنذ زمن يصعب التكهن به كان (أنوبيس) إلها للموتى ، وحاميا للمدافن ، وقد يكون سبب ذلك هو أنه كان قديما ينبش القبور بحثا عن عظام الموى ، فكان تقديسه ضربا من التقرب الحادث له لاتقاء شره ، وإحالته إلى حامي من حماة عالم الأموات .

ولقد كان هناك رمز حيواني آخر له صلة وثيقة بالموتى هو (خنتي - أمنتيو Khenti - Amentiu) ويعني اسمه (المقدم من أهل الغرب) وكما يظهر من اسمه فإنه كان الإله الأصلي لأيبدوس ، ثم اندمج بعد ذلك في الإله (أوزيريس) ووحد تماما في كيانه . كما ظهر كلب أو ابن آوى مقدس آخر منذ وقت مبكر في الأسرة الرابعة يبدو أيضا أن له صلة بالموتى حيث رسم في شكل محنط ، لكن لانعرف مركز عبادته الأصلي أو حتى اسمه .

أما الإلهة الأنثى (مافدت Mafdet) ورمزها الحيواني المقدس هو الهرة أو ربما النمس ولقبها (سيدة قلعة الحياة) فقد كانت معروفة منذ الأسرة الأولى أنها المعبودة الحامية من لدغات الثعابين ، حيث كانت القطة المصرية وكذلك النمس دائما قاتلة لهذه الكائنات السامة وأيضا فإن مركز عبادة الإلهة (مافدت) الأصلي غير معروف .

والرخمة أو أنثى النسر كانت الرمز الحيواني المقدس للإلهة (نخبت Nekhbet)التي كان محل عبادتها في مدينة (أنخاب) أو (الكاب) الحديثة كما تحول إليه الإسم المصري القديم على مايبدو ، وهي في المقاطعة الثالثة من الصعيد . ويبدو أن هذه الإلهة لم تمتلك اسما مميزا خاصا بها ، حيث أن (نخبت Nekhbet) يعني ببساطة (سيدة الكاب) . ولقد أضحت هذه الإلهة في عصر ما قبل الأسرات الإلهة الرئيسية للصعيد ، ورمزه الذي حمله ملوك عصر الأسرات في ألقابهم بعد ذلك طوال العصور التاريخية . ولقد كانت هناك إلهة أخرى يرمز لها أيضا بالرخمة هي العبود (موت رية أوشرور Mut of loshrew)وهي منطقة تعد جزءا من مدينة طيبة وإن لم يرد لها ذكر قبل الدولة الوسطى .

وعقيدة الصقر (حورس Horus) كانت لها أهميتها العظمى منذ عصور ما قبل التاريخ واسمه بالمصرية القديمة (حرو Horew) يعني (الساحق) ، وهو اسم يناسب طائرا من طيور القنص يرقى في تحقيقه إلى مسافات عظيمة في ارتفاعاتها . وقد عبد حورس في العديد من المقاطعات التي انتشرت فيها عقيدته قادمة من مركز هام لها في (نخن Nekhen) أي (هيراكونبوليس) اليونانية (الكوم الأحمر) الحديثة في المقاطعة الثالثة من الصعيد . وإن كان يساورنا الشك أن هذا المركز هو الموطن الأصلي لهذه العقيدة ، وقد اختلف الدارسون في تحديد هذا الموطن ، فبعضهم يرى الموطن المبكر في مدينة (بحدت Behdet) بالدلتا على الرغم من أنه منذ وقت يعود إلى بدايات العصور التاريخية كانت مكانة (حورس) قد توطدت في (هيراكونبوليس) ، بل أصبح الرمز المقدس لملك مصر العليا الذي عرف بدوره باسم (حورس) باعتباره لقبا دالا عليه ، ولقد كان لحورس قارب يمثل فيه عابرا الأفق ، وهو بهذا كان يعبر عن طبيعته كإله سمائي .

وهناك مركز هام أيضا لعقيدة ذلك المعبود في الصعيد عرف باسم (بحدت Behdet) مكان مدينة (إدفو) الحديثة وعرف به تحت اسم (حورس) بحدتي أو الإدفوي . وإلى جوار ذلك كان الصقر الطائر المقدس رمزا للعديد من المعبودات الموجودة في مختلف المواقع بمصر والتي توحدت في وقت لاحق مع (حورس) . منها على سبيل المثال المعبود (خنت ختاي Khentekhtay)ومركزه بلدة (أتريب) بالدلتا ، وقدعرفت عقيدته في عصر متأخر نسبيا ، وهناك إله صقر آخر من مدينة (حبنو Hebenu) أو (زاوية الميتين الحديثة) في المقاطعة السادسة عشرة من الصعيد . كما أننا نعرف معبودا آخر تحت اسم (حورس الشمالي) ذكر في وثائق الأسرة الرابعة ، ومركز عقيدته في المقاطعة الثالثة عشرة بمصر الدلتا ، وربما أطلق في (هيراكونبوليس) . ولقد كان هناك أيضا معبودان من الصقور قدسا في كل من (قفط Koptos)في المقاطعة الخامسة و(أفروديتوبوليس) في المقاطعة العاشرة وكلاهما بالصعيد .

واسم وموطن الطائر المقدس (أبيس Ibis) تلك التي كانت لها صلة وطيدة بالإله (تحوت Thoth)غير معروفين لنا ، وقد وجدت آثار هذه العقيدة منذ الأسرة الأولى . وتبدو ساريات أعلامه المرسومة على صلايات عصور ماقبل التاريخ مرجحة أصله الصعيدي . وقد حصل هذا المعبود على لقب (سيد خمون) (نسبة إلى (الأشمونين) الحديثة (هرموبوليس باليونانية Hermopolis) منذ الدولة الوسطى وأضحت منذئذ وحتى العصور المتأخرة في التاريخ المصري أعظم مراكز عقديته أهمية .

ولقد كان الصل أو الكوبرا الرمز المقدس للإلهة الأنثى (وادجت Wedjoyet) وهذا الاسم يعني (الخضراء) وقد كان مركز عقيدته مدينة (بوتو Buto) في المقاطعة السادسة بمصر السفلى ، وقد أضحت هذه الإلهة رمزا لمملكة الدلتا وعاصمتها هي مدينة (بوتو) في ذات الوقت ، وقد أبقي على لقبها بعد التوحيد السياسي لمملكة الدلتا والصعيد ، وأصبح مع لقب المعبودة الرخمة (نخبت) رمزا مزدوجا للقطرين الموحدين .

وعلى مايبدو كان غموض طبيعة الدورة الحياتية للضفدعة بالنسبة للمصريين هو الأمر الذي حدا بهم إلى تقديسها بسبب خصائصها الإخصابة تحت اسم المعبودة (حكات Heket)منذ الأسرة الرابعة على الأقل ، وكانت عقيدتها مركزة في مدينة (أنتينوبوليس Antinoupolis) واسمها المصري (حيور Hiwor) بالمقاطعة السادسة عشرة من الصعيدة .

ومن المثير ندرة اتخاذ السمكة كرمز حيواني لمعبود ما ، ومن ذلك ماعرفنا عن الإلهة الدلفن (نرسNeres) أو ربما (نسر Neser) منذ الأسرات الأولى ، وكانت رمزا للمقاطعة السادسة عشرة بالدلتا ، كما عرفت أيضا إلهة أخرى هي (حاتمحيت Hatmehit) منذ الدولة الوسطى في هذه المقاطعة .

وقد انطبعت في مخيلة الفلاحين الشعبيين في مصر الخصائص المميزة لبعض الحيوانات التي ارتبطت حياتهم بها ، فالثور والكبش قد أثرا على هذه المخيلة بقدراتهما الإنتاجية وقواهما الإخصابية ، أما البقرة فقد ألهمت عنايتها الفائقة بوليدها وحنوها عليه مفهوم تقديسها كرمز للأمومة . وتعود عقيدة العجل (حابي Hapi) بالمصرية و(أبيس Abis باليونانية) إلى الأسرة الأولى الأولى - على الأقل - في رمكز لها في مدينة منف ، كما أن عقيدة عجل آخر هو (مرور Merwer) بالمصرية و (منيفيس Mnevis باليونانية) إلى نفس الوقت تقريبا ، وإن كنا لم نتعرف عليها إلا متأخرا ، ونحن نعرف القليل - فيما عدا بعض الأسماء - عن بعض هذه العجول أو الثيران المقدسة وكلها على الأرجح من الدلتا ، منها على سبل المثال (العجل الأبيض) ، و(العجل الأسود العظيم) و (العجل العظيم) و (العجل المكرس) وكلها تظهر في الدولة لاقديمة ، وقد نالت درجة أقل أو أكثر من التقديس وبينما كان للإثنن الأخيرين كهنة أو خدم الإله ، فإن (العجل الأبيض) وكذلك (أبيس) لم يكن لهما إلآ سدنة أو حفظة فقد يقومون على رعايتهما لايرتقون إلى رتبة الكهانة ، ونعرف أيضا فضلا عن ذلك أن العجل (الأسود العظيم) كان رمز المعبود المقدس للمقاطعة العاشرة بالدلتا .

أما عقيدة (البقرة المقدسة) فقد وجدت لها عدة مراكز ، منها الإقليمان السابع والثاني والعشرون في مصر العليا والإقليم الثالث من الدلتا . وفي عصر مبكر للغاية كان الرمز الحيواني المقدس للإلهة (حتحور) في (دندرة) هو البقرة ، متوحدة معها تماما ، ولذلك فإنه في الرسوم المبكرة يصعب التمييز بينهما حيث صورت على سبيل المثال على لوحة الملك (نعرمر) برأس إنساني وأذني وقرني البقرة ، كما ظهرت أيضا في هذا الشكل داخل مقبرتي الملكين (جر Ddger) (ومربابيا Merpabia) من الأسرة الأولى .

ومنذ الأسرة الأولى عرفنا عن وجود عقائد الكباش المقدسة وفي عهد متأخر عن ذلك عرفنا الإله (خنوم Khnum) ) معبود جزيرة الفنتين في المقاطعة الأولى لمصر العلا ورمزه الحيواني المقدس الكبش ، وكذلك كبش (عنبت Anpet) وربما أيضا كبش مدينة (منديس Mendes) من المقاطعة السادسة عشرة لمصر السفلى وقد توحدا أو ارتبطا بشكل وثيق على ألأقل مع رمز عقيدي ثان لكبش آخر هو (حارشاف Harshaf) ومعناه (الذي فوق بحيرته)وظهر في اليونانية باسم (حارسافيس Harsaphes) وذلك في مركز له بمدينة (هيراكليوبوليس Herakleopolis Magna) بالمقاطعة العشرين من الصعيد ، وجميع هذه الكباش تمثل أو تصور حية أو في وضع جالس فيما عدا واحد منها هو (خرتي Kherty) فيظهر في شكل كبش محنط وفي وضع الرقود ، وهو ينتمي إلى مركز ليست له أهمية قرب مدينة (يتوبوليس Letopolis) في المقاطعة الثانية بالدلتا(38) ، وكل هذه الكباش السابق ذكرها هي من الأنواع المصرية الأصل والمنقرضة خلال عصر الدولة الوسطى ذات القرون الأفقية والمتموجة والمعروفة علميا باسم (Ovis longiceps palaeoaegyptiaca) ، أما الكبش المقدس الذي كان رمزا للإله آمون فقد عرفناه فقط منذ الدولة الوسطى وبعدها ، وهو من النوع ذي القرون المقوسة والذيل العريض والذي عرف علميا باسم (Ovis platyura aegyptiaca) .

والإلهة (باستت Bastet) التي كانت القطة حيوانها المقدس ثبت وجودها منذ الأسرة الثانية على الأقل ، كما أن اسمها اشتق من اسم مدينة (باست Bast) (بوباسطس Bubastis في اللغة اليونانية) وهي مركز عقيدتها في الإقليم الثامن عشر من مصر السفلى ، والأرجح أن حيوانها المقدس لم يكن أصلا القطة بل اللبؤة.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

العقائد النباتية

ولقد كانت العقائد النباتية حتى بواكير العصور المعروفة لنا نادرة ، وإن كانت لدينا أدلة كافية على وجودها . فقد كانت هناك مقاطعتان بمصر العليا تحمل ساريات أعلامها رمزا في شكل أشجار يصعب علينا تمييز نوعها ، وإن كان من المحتمل أن تكون إحداها هي الشجرة المسماه (الدفلى) (أولياندر Oleander) من النوع الدائم الخضرة . وقد اعتبرت بعض الأشجار المعينة - خاصة الضخمة منها - قاعدة أو مثوى لبعض المعبودات ، فهناك شجرة جميز على مقربة من مدينة منف ، كان يعتقد انها مستقر لإلهة أنثى طيبة تنفع الناس ببركتها ، وقد وحدت مثل هذه المعبودات المرتبطة بمثل هذه الأشجار مع الإلهة (حتحور) منذ الدولة القديمة التي منحت لقب (سيدة الجميزة) . ولقد كان من المعتقد أن أرواح الموتى القادمة من المدافن المجاورة على شكل طيور تجد في ظل الجميزة الوارف حاجتها من الطعام والشراب ، تقدمها لها الإلهة الخيرة التي تقطن هذه الشجرة . والحق أن هناك نباتات ارتبطت باسم إله أو إلهة معينة وقدست نزولا على ذلك الاعتبار ، وإن لم ينظر إليها كرمز أو مظهر لهذه الإلهة المرتبطة بها .

عقائد مرتبطة بأشكال مادية غير حية

والعقائد المرتبطة بأشكال مادية غير حية هي ظاهرة (فتيشية) بالغة القدم في تاريخ الديانة ومنها المصرية ، شأنها في ذلك شأن العقائد الحيوانية والنباتية ، وقد ارتبطت هذه الأشياء المادية بالمعابد أو بالملك الحاكم ، وطبيعتها الأصلية البعيدة غير معروفة لنا في معظمها ، ويبدو أن قدامى المصريين حتى في عصورهم المبكرة جدا لم يدركوا أيضا كنهها . ففي مدينة (هليوبوليس Heliopolis) - وهو اسمها اليوناني - كان هناك عمود أو نصب مقدس يسمى (يون Yon) اشتق منه الاسم المصري لها (إيونو Yonew) والذي عرف باسم (أون On) في التوراة بعد ذلك ، وكن يوجد في هذه المدينة أيضا حجر مقدس هو ال(بنبن Benben) على شكل مسلة ، قد تكون السبب في أن اعتبرت المسلات بعد ذلك رمزا ومستقرا للشمس المشرقة . كما عرف أيضا نصب أو عمود آخر هو ال(جد Djed) يأخذ شكل حزمة مضمونة من سيقان نبات غير معروف كانت تقدم له القرابين وتقوم على خدمته المقدسة كهنة مختصون به ، وهو مرتبط على نحو ما باإله (أوزيريس Osiris) منذ وقت مبكر ، على الرغم من أن العمود (جد) لم يكن مرتبطا أصلا بعقيدة أي إله بعينه ، كما كان هناك عمود آخر خشبي ، له تاج في شكل زهرة البردى تعلوه - بدوره - ريشتان وهو الرمز المادي المقدس للمعبود (أوخ Ukh) إله مدينة القوصية (قرب مدينة (مير) الحديثة) ف يالمقاطعة الرابعة عشرة بالصعيد ، ويبدو أنه لم يكن ف الأصل سوى نصب ارتبط على نحو ما مع العقيدة المحلية للإلهة (حتحور) هناك .

وقد اعتبر الكثير من رموز السلطة والقوة كالصولجان والعصى وعلامات الملكية بمثابة أشياء مقدسة ، فالصولجان (سخم Sekhem) ويعني اسمه (القوة) كان يرمز للسلطة وهو محل لقوى إلهية تحبوه بقداسته ومضمون ما يرمز إليه ، وتحمل الآلهة بدورها صولجاناتها الخاصة بها ، وتلقى عبادة خاصة بها في معابدها . وعندما أضحت مدينة (أبيدوس) مراكز عبادة (أوزيريس) كان صولجان هذا الإله - ويطلق عليه أيضا اسم (سخم) - له قداسته الخاصة ، وقمة هذا الصولجان الأوزيري عبارة عن غطاء ذهبي له وجه إنساني تعلوه ريشتان ، وفي وقت متأخر مثل هذا الغطاء الذهبي برأس بشري مكتمل ربما من اعتقاد سائد بأن رأس الإله (أوزيريس) قد دفنت بعد مصرعه المأسوي في منطقة أبيدوس ، أما صولجان الإلهة (إياموت Iamut) فهو يعود في أصله إلى ماض بعيد ، وكان على شكل عصا راع تعلو قمتها ثلاثة وربما أربعة أضلع خشبية أفقية الشكل ومقوسة في طرفيها ، وكذلك يعلو قمة هذه العصا بالإضافة لذلك ريشة واحدة .

وربما تعود قداسة اللحية الإحتفالية للملوك وهي لحية صناعية إلى عهد الملك (واجت أو جت Djet) من الأسرة الأولى وكانت ترمز لقوة مقدسة غامضة تسمى (دواور Dua-wer) وتعني تقريبا (المنتمي العظيم للفجر) . ويعد الدرع الذي يحمل سهمين متقاطعين هو الرمز المادي المقدس للإلهة (نيت Neith) ذات الطبيعة الحربية وهي من أقدم المعبودات التي نعرفها ، وموطن عقيدتها الأصلي هي مدينة (سايس Sais) عاصمة المقاطعتين الرابعة والخامسة بالدلتا ، وقد انتشرت عبادتها بعد التوحيد السياسي للقطرين في الصعيد بمثل ماكانت منتشرة في الدلتا من قبل .

أما الإلهة (سشات Seshat)ربة الكتابة فكان يجسدها أصلا عمود أو نصب على قمته شكل نجم ، بينما كان رمز المعبود (حا Ha) رب الصحراء الغربية هو شكل سلسلة جبلية من قمتين أو ثلاث ترتفع على سارية أو لواء ذك الإله ، أما الرب (إميوت Imiut) أو (الملتف في أربطته) فكان رمزه المادي المقدس هو عمود أو نصب معلق به جلد حيواني ، وقد وحد (إميوت) مع الإله (أنوبيس Anubis) رب الموتى منذ بداية الدولة الوسطى ، وأخيرا كان هناك عمود أو نصب الإله (مين Min) الذي ألمحنا آنفا إلى ظهوره على إحدى صاريات حضارة (نقادة) قرب نهاية عصور ماقبل التاريخ ، وإن كان طبيعة هذا العمود مازالت غامضة ، بل وأحيانا تختلف صورة بعضها عن البعض ، وإن كان ظهوره في عصر (نقادة) أخذ شكل نصب منحوت من حجر أو خشب قد يكون سهما أو حربة ذات رأسين .

والإنتقال العام من مفاهيم ومظاهر الديانة (الفتيشية) بأصولها الحيوانية والنباتية ، أو بأشكالها المادية غير الحية - وعلى النحو الذي عرضنا له - إلى الصورة البشرية أي (أنسنة) المعبودات - إذا صح التعبير - حدث على أرض مصر عندما أحرزت الحضارة المصرية درجة معينة من التمدين ، كما كان الشأن في الحياة الزوجية للشعوب الأخرى . وقد نجم هذا التطور من خلال اتجاهين حفرا مجراهما في تاريخ البشر الفكري ، أولهما انجلاء الكثير من الغموض ومن ثم الرهبة والافتتان بمظاهر الحياة الحيوانية والنباتية من جانب ، وعالم الطبيعة أو المادة غير الحية من جانب آخر ، وذلك باتساع نطاق معرفة البشر عن هذه العوالم ، وثاني هذين الإتجاهين هو تراجع تقدير المزايا الحيوانية أو الطبيعية البحتة مثل جبروت قوة الوحوش أو القدرات الفائقة لتحليق الطيور الجارحة ، أو لغرائز الأمومة في إناث الحيوانات وغيرها من المظاهر . وقد أفضى كل ذلك إلى ازدياد القوى التجريدية لدى البشر ، فأضحت القيم المعنوية أعظم تأثيرا ، وهي القيم التي تطورت وتبلورت مظاهرها في الإنسان أكثر من أية كائنات أخرى ، فالمعبودات التي يعزي إليها قدر جليل من المعرفة والقدرة ، أصبحت تمثل في صورة إنسانية في النهاية . وعلى ذلك فإن وضع الآلهة في هذه الصورة هي علامة تحدد المرحلة الأخرة لهذا التطور ، وإن كانت هذه الصورة لم تشمل كل الآلهة ، كما لم تتأثر بها كل طبقات السكان بنفس القدر . فبينما الطبقات العليا منهم والمتعلمة قد ارتفعت إلى مصاف المفاهيم الإنسانية لآلهتها ، نجد العامة الأكثر بدائية من المزارعين استمروا أكثر احتضانا للمفاهيم الحيوانية والنباتية أو المادية القديمة ، أي لم يكادوا يتجاوزون كثيرا مرحلة الديانة (الفتيشية) .

أرباب في صور بشرية

ويبدو أن إسباغ الأشكال والصفات الإنسانية قد بدأت منذ وقت مبكر منذ نهايات عصور ماقبل التاريخ ، ففي الصلاية الإردوازية للملك (نعرمر) في بداية عصر الأسرات نجد رسم معبود ذي وجه إنساني وإن حمل ذلك الوجه أذني بقرة، وربما كان هذا الرسم يدل على الإلهة (حتحور) . وقد وجدت ثلاثة تماثيل للإله (مين Min) عثر عليها في كوبتوس Koptos)تعود تقريبا إلى نفس الفترة ، وهي منحوتة في شكل بشري يبدو منه عضو الإخصاب المميز للإله مين ف وضع (الانتشار) ، والجسد عار إلا من حزام ، والرجلان ملتصقتان ببعضهما بنيما الذراعان مشدودان إلى الجنب والرسغ الأيمن به حفرة لعلها كانت أصلا موضع تثبيت السوط الذي يعد أحد علامات الإله (مين) في عصوره التاريخية اللاحقة ، ورأس واحدة من رؤوس التماثيل الثلاثة غير محطمة وإن شوهت ملامحها تماما رغم آثار اللحية الصناعية على وجنتيه ، كما توجد أشكال مختلفة محفورة على سطوح التماثيل تمثل أسماكا وأصدافا لها علاقة بالبحر الأحمر على مايبدو . والأمر الأكثر أهمية أن تمثالين منهما يحملان شكلا غير مميز الأصل ، أصبح في العصور اللاحقة كعلامة هيروغليفية استخدمت في كتابة اسم الإله (مين) ويزيد ارتفاع اثنين منهما أيضا على افتراض أن حالتيهما الأصلية كانت أربعة أمتار .

وقد سجلت حوليات ملوك الأسرة الأولى مناسبة نحت تمثال لذلك الإله . وكتب اسم (مين) بهيئة آدمية ممسكا بيده اليمنى سوطا مرفوعا . وفي عهد الملك (بر إيب سن) من الأسرة الثانية كانت الإلهة (وادجت Wedjoyet)تمثل على الأختام بوجه وجسم بشري ، وكذلك الإله المدعو (آش Ash)(48) رغم أن رأسه أحيانا يشكل على هيئة بشرية ، وأحيانا أخرى على هيئة رأس شبيه برأس الحيوان المقدس للإله ست . وهناك أثر منقوش - من معبد في هليوبوليس - للملك (زوسر) مؤسس الأسرة الثالثة يحمل رسوما لآلهة صورت جميعا في هسئة بشرية .

ويبدو أن مفهوم توحيد الإله (جورس) بالملك الجالس على عرش ، والذي يمكن إرجاعه إلى نهايات عصور ماقبل التاريخ ، قد أثر إيجابيا على التطور نحو تصور الآلهة بشرا ، فصقر (حورس) الذي كان يقبع على ساريات الأعلام استخدم في الكتابة الهيروغليفية خلال المراحل المبكرة من الدولة القديمة كعلامة للتعبير عن معنى إله أو معبود . وقد استبدلت هذه العلامة منذ الأسرة السادسة بعلامة أخرى تمثل شخصا جالسا ذا لحية للدلالة على الإله .

ورغم أثر الكتابة الهيروغليفة نسبيا باتجاه تصور أشكال المعبودات على هيئة بشرية ، إلا أنه كقاعدة عامة كان ذلك في نقاط محدودة للغاية . إذ ظلت أسماء المعبودات - طوال التاريخ المصري - تكتب بوساطة صور الكائنات الحيوانية أو النباتية أو الأشياء المادية غير الحية التي ارتبطت بها في أصولها البعيدة كما ذكرنا .

والعادات الفكرية المحافظة للمصريين جعلت من الصعب التخلي تماما عن كل الخصاص الحيوانية كرموز لمعبوداتهم .

وقد كان من غير الممكن لديهم الإحلال التام لفكرة جديدة محل أخرى قديمة ، وهم إما أن يسمحوا للفكرتين بالتعايش جنبا إلى جنب حتى وإن تجاهلوا تناقضا واضحا في بنية هذا التعايش الملفق ، وإما - إذا أمكن - أن يمزجوا الفكرتين معا في مركب واحد ، فعلى ذلك كان الإله يصور غالبا بجسد بشري ، لكن نادرا ما يعطي أيضا رأسا إنسانيا ، بل يصور عادة برأس حيواني مع جسد بشري وهو الرأس الذي اعتاد المعبود الظهو به في الأصل فالإله (حورس) يصور بجسد إنسان ورأس صقر بينما (أنوبيس) يحمل على جسده الإنساني رأس ابن آوى أو ربما كلب وهو حيوانه المقدس ، أما (ختوم) فكان يحمل رأس كبش ، وكانت هذه الإضافة أو المزج بين الرأس الحيواني والجسد البشري يتم بمهارة ومقدرة فنية فذة ، حيث كانت الرقبة تغطيها طيات غطاء الرأس الذي يرتديه الإله ، وكانت الإلهة (حتحور) رغم أنها تحمل رأسا بشريا ذا وجه أنثوي إلا أن الرأس زود أيضا بقرني بقرة بينهما قرص الشمس ، ولقد كانت الإلهة (مافدت Mafdet) تصور في شكل إنساني كامل غير أن كساءها الذي ترتديه أشبه مايكون بجلد قطة وهي حيوانها المقدس ، وكذك الإلهة (حات محيت Hatmehit كانت تظهر في جسد ورأس بشري تام أيضا ، لكنها كانت تحمل على رأسها رمزها الحيواني المقدس وهو السمكة ،وقد تم تقديم نفس الحل السابق للآلهة التي يرمز لها بشكل مادي غير حي فالمعبودة (نيت) كانت تصور إنسانا بالكامل لكنها كانت تحمل درعا عليه سهمان متقاطعان ، أما الإلهة (سشات) فكان رأسها البشري الأنثوي متوجا بشكل يشبه النجمة مثبتا على قمة عمود أو سارية .

وأخيرا فإن هناك معبودات لاتمثل إلا في هيئة بشرية كاملة بجسد ورأس إنساني مثل الإله (مين) سيد (قفط) والإله (بتاح) سيد (منف) والإله (آتوم) سيد (هليوبوليس) وألإله (آمون) سيد (طيبة) . ويبدو أنها مثلت كذلك منذ البداية ، لكن نزولا على منحى التطور الذي اتبعته الأفكار المتعلقة بالمعبودات في مصر ، فإنه يصعب علينا تجنب الراي القائل بأن هذه الآلهة ذات الهئة الإنسانية الكاملة إنما ترجع إلى مرحلة متأخرة نسبيا في تطور الديانة المصرية وإن كان منها المعبود (مين) الذي قد سبق في مظهره الإنساني بداية التاريخ المصري أو يعود بهذا المظهر إلى الأسرة الأولى على أكثر تقدير .

وأقدم تمثيل معروف لنا للإله (بتاح يوجد على إناء من الألباستر عثر عليه في منطقة (طرخان Tarkhan) ويعود تاريخه إلى حكم الملك (أوديمو Udymu) خامس ملوك الأسرة الأولى ، وعرف الإله أتوم خلال الدولة القديمة ، أما المعبود (آمون) فقد ظهر فقط منذ عصر الدولة الوسطى ، وفارق القدم بنين الإلهين (مين وبتاح)من جانب وبين (أتوم وآمون) يبدو واضحا من خلال اختلاف الحلول التي لجا لها لافنان في تمثل الهيئة الإنسانية التي ظهروا بها ف(أتوم وآمون) وغيرهما من المعبودات التي اكتسبت مظهرها البشري في وقت أحدث نراها رغم ذلك محتفظة لبعض الوقت برؤوس حيواناتها المقدسة أحيانا ، بنيما مثلت أرجلها وأيديها في أثناء سيرها بصحة ودقة فنية ، بينما كان (بتاح ومين) يظهران دائما كتماثيل فوق واعد بأرجل مضمومة إلى بعضها وأيد جامدة لاتكاد تنفصل عن الجسد ويعود ذلك إلى أن فنون النحت في العصور البدائية لم تكن أحرزت بعد تقدمها اللاحق بما يكفي للسماح بأعضاء الجسم بالانفصال الذي تطلبه مظاهر الحركة أحيانا عن جسد التمثال .

ومن الآلهة الأخرى كان (أوزيريس) فقط وإن لم يكن دائما هو الذي يشارك الإلهين (مين وبتاح) هذه الخاصية التصويرية ، وهي حقيقة تؤكد بدورها الأصل المبكر (لأوزيريس) في الوثائق المكتوبة منذ النصف اثاني للأسرة الخامسة ، وإن كان عمود (جد) الذي وجد في إحدى مقابر الأسرة الأولى في حلوان اعتبر دائما دليلا على ألأصل المبكر للإله (أوزيريس) وإن كان يجدر بنا التحفظ في قبول ذلك الدليل حيث إن صلة عمود (جد) كرمز من رموز الإله (أوزيريس) لم تتحقق فيما يبدو إلا في عصر لاحق .

ولقد كان تأثير المتغيرات السياسية هو السبب إلى حد كبير في مصائر العديد من الآلهة في العصور التاريخية ، كالإختفاء التام لبعضها من على مسرح الحياة الدينية ، أو صعود البعض الآخر منها إلى المقام الأكبر ، أو التغير التدريجي في صفات وطبيعة العديد منها ، فالتطورات السياسية أدت أولا إلى توحيد المقاطعات المنفصلة إلى أقاليم ، وهي بدورها في النهاية اندمجت في وحدتين سياسيتن كبيرتين هما مملكتا الدلتا والصعيد ، ثم وصلت هذه التطورات السياسية إلى نهايتها باتحاد هاتين المملكتين في وحدة كبرى ضمت القطرين مصر العليا والسفلى تحت عرش واحد.

الآلهة

إن عبادة الإله حور هي من أقدم المعبودات المصرية ، ودخلت مصر من الجنوب عن طريق النوبة ، وعبادة الإله أوزيريس يرجع أصلها إلى بلدة أبو صير القريبة من سمنود . وعبادة إله الشمس رع يرجع أصلها إلى بلدة عين شمس القريبة من القاهرة. ومن المحتمل أن الجنس الجديد قد زحف على البلاد من شمال سوريا عن طريق فلسطين و سيناء وأحضر معه مدنية أرقى من مدنية الجنس الأصلي الحامي الذي لم يعرف إلا الآلات والأواني الحجرية. أما الغزاة أو النازحون ، فيقال أنهم أدخلوا الى البلاد معرفة المعادن وبحاصة النحاس ، و السياسة . وقد اتفقت المصادر التاريخية على أن الملك مينا هو أول حاكم موحد . ونجد اللغة والزراعة والديانة التي نمت وترعرت في البلاد مصبوعة بصبغة أهلها الأصليين منذ أقدم عهودهم ، ولكنها مدينة للآسيويين الفاتحين بإحضار الحيوانات المنزلية كالثور و الخنزير و الحمار و الماعز ، وكذلك استحضار أقدم الحبوب مثل الشعير و القمح.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الآلهة الرئيسية

وقد أدت هذه الأحداث السياسية إلى علاقات متقاربة بين الآلهة المحلية ، فقد أصبح إله عاصمة ألإقليم - المعبود الرئيسي في الإقليم ، بينما انزوت الآلهة الأخرى إلى مصاف المعبودات الثانوية ، أيضا أضحى إله العاصمة السياسي للمملكة الموحدة بمثابة الإله الأكبر لها جميعا . وفي مجرى هذا التطور حجبت أو ضمرت بعض المعبودات لحساب الآلهة الأكثر أهمية ، أو امتصت واندمجت فها تماما فاقدة قوامها الفردي ، منتهية بذلك إلى النسيان ، وقد عمد كهنة وأتباع الآلهة المحلية المهددة إلى النضال من أجل الحفاظ على آلهتها من هذا المصير ، فأعلنوا أن معبوداتهم ماهي إلا مجرد أقنوم من أقانيم الإله الرئيسي لايختلف معه في جوهر صفاته الخاصة إذا كانا يحملان بالفعل ملامح مشتركة بينهما ، وقد تم على مدى الزمن التوحيد بين الكثير من المعبودات بدرجات مختلفة تتراوح بن المزج التام واختفاء أحدها كليا في كيان الآخر ، أو ظهور المعبود الأقل أهمية كمجرد نعت يضاف إلى ألقاب الإله الأعظم نفوذا وأهمية . فقد امتص (بتاح) إله منفق على سبيل المثال المعبود (سوكر) إله جبانة سقارة فأصبح الأخير لايظهر بعد ذلك إلا في شكل (بتاح - سوكر) وهناك أسلوب آخر لجأ إليه كهنة الآلهة القديمة للحفاظ على كيانها وذلك بإدخالها عضوا في ثالوث إلهي مقدس مع آلهة رئيسية بجعل دورها بينهم دور الزوج أو الزوجة أو الإبن . والنماذج هنا شهيرة في تاريخ الديانة المصرية ، ففي مدينة (أنتينوبوليس Antinoupolis) زوجت الإلهة (حكات) من الإله الكبش (خنوم) وفي منفق ضم ثالوثها المقدس المعبودة اللبؤة سخمت كقرينة للإله (بتاح) بينما لعب الإله (نفرتوم) دور الإبن والعضو الثالث في الثالوث المنسوب إلىمنف .

ولقد تم توحيد مصر تحت تاج ملكي واحد بمبادرة من أحد ملوك (هيراكونبوليس Hierakonpolis) بالصعيد والتي كان إلهها الحامي الصقر (حورس) المعبود السمائي وقد توحد (حورس) مع ملك مصر العليا الذي حمل علاوة على اسمه الشخصي اسم (حورس) باعتباره التجسيد الحي لهذا الإله .

وبذا غدا (حورس) إله المنتصرين ، وأيضا إله الدولة الموحدة الجديدة . ويبدو أن هذا التوحيد السياسي تم بمعونة جوهرية من مدن وأقاليم الصعيد الأخرى مثل (أمبوس Ombos وخمون) (هرموبوليس أو الأشمونين) لأن معبوديهما (ست وتحوت) على التوالي كانت لهما مكانتهما الهامة فيما بعد في عصر المملكة الموحدة وهي أهمية لم تنكر على الإله (تحوت) الذي اعتبر دوما أحد المعبودا العليا ، أما الإله (ست) فقد أسبع عليه لقب (سيد الصعيد) وأصبح منافسا (لحورس) نفسه ، لدرجة أن الملك اعتبر منذ زمن الأسرة الأولى تجسيدا لكل من (حورس وست) معا ، بل لقد أصبح اسم الحورى المرتبط باسم (حورس) منذ الملك (خع سخموي Khasekhemui) من الأسرة الثانية هو (حورس - ست)والذي حمله الملك وأمر بنقشه حتى على أحد الأبواب الجرانيتية في معبد الإله (حورس) (بمدينة (هيراكونبوليس) ، وفي لحظة تاريخية أحرز (ست) تفوقا حاسما على (حورس) وذلك عندما استبدل الملك (بري إيب سن) من الأسرة الثانية الإسم الحوري المزدوج باسم (ست) فقط ثم أثبتت العودة اللاحقة من الملوك التاليين إلى الاسم حورس مرة أخرى ، وإن هذا التفوق لم يكن مجرد تمييز مؤقت . ويبدو أن هذه المنافسة المبكرة بين (حورس وست) كانت هي الأساس التاريخي في تقديم (ست) في أسطورة أوزيريس وحورس) باعتباره منافسا وعدوا لهما .

ومازال علماء المصريات غير متفقين في تحديد الموطن الأصلي للإله (حورس) . فبينما يعتبره البعض أحد الآلهة التي تواجد لها العديد من المراكز العقيدية في عصور ماقبل التاريخ في مختلف بقاع مصر لعليا والسفلى على حد سواء ، لكن مركز عقيدة (حورس) في الصعيد هو الذي يمكن أن نعتبره الأصل لعقيدة (حورس) الملكية في العصور التاريخية ، والبعض الآخر يفسر الأدلة الآثارية تفسيرا مغايرا ، فهم يعتقدون أنها تشير إلى وجود مملكة للوجه البحري في وقت ما في عصور ماقبل التاريخ ، وأن عاصمتها مدينة (بي Pe) (أو بوتو في العصور التالية) كان (حورس) هو إلهها الحامي . وفي تقديرهم أن مملكة الشمال هذه قد غزت مملكة الصعيد التي كانت عاصمتها في ذلك الوقت المبكر مدينة (إنبويت Enboyet) (أو أمبوس بعد ذلك) والتي كان الإله (ست) معبودها الرئيسي . وقد استزرع الغزاة الشماليون عقيدة (حورس) في إدفو أو (بحدت) في الصعيد الأعلى ، وطبقا لهذه الفرضية كان في الأصل إله الدلتا قبل انتقال مراكز عقيدته إلى الصعيد ، وبعد انفصال مصر مرة أخرى إلى مملكتي الدلتا والصعيد المستقلتين أصبح (حورس) معبودا رئيسيا في كل منهما ، ولقد لعب (حورس البحدتي) أو الإدفوي دورا بالغ الخطر في عقيدة الملكية المقدسة وفي الديانة المصرية منذ عهد الأسرات .

ويجدر بنا أن نقر بعدم توفر معلومات جازمة حتى الآن عن متى وكيف أتت عقيدة (حورس) الصقر إلى (بحدت) أو ادفو ، خاصة وأن نصوص الأهرامات وهي أشمل مجموعة للأدب الجنائزي الديني نقشت نصوصها داخل أهرامات الأسرتين الخامسة والسادسة لم يرد بها أي ذكر لحورس ، وماعلينا إلا أن ننتظر ظهور مادة أثرية جديدة لاتخاذ موقف محدد بين الفرضين السابقين .

وقد انتقل الملك (مينا) بعد توحيده للقطرين إلى الشمال في منف التي أصبحت لعدة قرون لاحقة - العاصمة السياسية للبلاد ، بل استمرت دائما إحدى المدن الرئيسية والهامة بعد ذلك ، وعلى أية حال لم يكن من الصعب على (بتاح) الإله الرئيسي للمدينة أن يوطد مركزه في الدولة الجديدة والحفاظ على مكانته طوال التاريخ المصري دون أي مساس أو تغير جوهر طبيعته الإلهية أو صفاته لحساب أي معبود مصري آخر .

وعلى مسافة لست بعيدة عن منف كان هناك مركز ديني هام آخر في مدينة (يونو yonew) (أو هليوبوليس في اللغة اليونانية) وهنا كان يعبد إله الشمس (رع) ، وكان لايظهر في أي شكل حيواني أو بشري . وعند الضرورة كما يمثل في شكل قرص الشمس ويبدو أن العقيدة الشمسية كانت تتمتع بشعبية عظمى في مصر السفلى حتى قبل عصر الأسرات ، وأنها تغلغلت بقوة في مفاهيم الملكية المقدسة في الدلتا ، وعندما تأسست العاصمة الجديدة منف فإن ملوك مصر العليا المنتصرين والذين كانوا التجسيد الحي للإله (حورس) دخلوا بدورهم في بزوغ إله مركب هو الإله (حور آختي) أي (حورس الأفق) وأصبح الملك الذي كان موحدا من قبل مع (حورس) ينظر إليه أيضا باعتباره ابن الإله (رع) أي ابن الشمس .

ومن المحال تحديد اللحظة التاريخية التي احتضنت فيها عقيدة الشمس مفاهيم الملكية الجديدة ، والدليل المبكر في هذا المجال يبدو في اسم ثاني ملوك الأسرة الثانية (رع - نب) والذي يعني (رع السيد) ، كما أن الملك (زوسر) من الأسرة الثالثة حمل لقب (رع الذهبي) ويبدو أن كلا الملكين السابقين وحدا أنفسهما مع (رع) وإن كان ذلك باعتبارهما أبناء له ، لكن ذلك التوحيد لم يكن طويل الأمد حيث تخلى الملوك اللاحقون عن ذلك ، ثم كان (خفرع ومنكاورع) من الأسرة الرابعة هما أول ملكين يضيفان لقب (ابن رع) أي (ابن الشمس) إلى ألقابهما ، كما حمل ذلك اللقب أيضا ثلاثة ملوك قرب نهاية الأسرة الخامسة هم (ني وسررع ، وجد كارع ، وأوناس) ، ثم أصبح ذلك اللقب جزءا لاينفصم أبدا عن أسماء الملك منذ الأسرة السادسة وحتى نهاية التاريخ المصري القديم ، كما كان هذا اللقب يتقدم الاسم الشخصي للملك الذي ولد به . وبذلك أضحى ظاهرا أن الملك كان يعتبر منذ ولادته بمثابة ابن للإله (رع) ، وفي وقت سابق على ذلك ومنذ الملك (جد فرع) من الأسرة الرابعة كان أسماء ملوك بعض هذه الأسرة مركب من اسم (رع)أحيانا منذ ولادتهم أو عند اعتلاء العرش إذا لم يتضمن اسم الولادة العنصر المركب من الإله (رع) ،وطبقا لأسطورة متأخرة فإن ملوك الأسرة الخامسة كانوا أبناءا للإله (رع) من زوجة لأحد كهنة الشمس ، وهي قصة تعكس انتصار عقيدة الشمس خلال عصر هذه الأسرة التي بنى ملوكها معابد للشمس على غرار نموذج معبد الشمس القديم في هليوبوليس .

والحق أنه على الرغممن أن المركز المتفرد للإله (رع) كان قد بدأ في التراجع بعض الشيء قرب نهاية الأسرة الخامسة إلا أن عقيدته كانت قد نفذت بالفعل إلى لب الديانة المصرية ، ووجد العديد من الآلهة المحلية مع (رع). وفي المناظر المبكرة كان الصقر (حورس الإدفوي) يرسم بوضوح وهو يرفرف فوق رأس الملك ، لكن هذا المنظر تغير بعد ذلك ، وأصبح قرص الشمس المجنح يحمي بجناحيه لقب مصر العليا ومصر السفلى ، فالقرص المجنح يمثل الملك الفعلي ، كما أنه يحمل أحد ألقابه (الإله العظيم) الذي يرتبط باسم الملك وكل ذلك يقرر المزج التام بين (رع وحورس) والملك في عقيدة الملكية المقدسة .

وفي عين ذلك الزمن تقريبا الذي حققت فيه عقيدة الشمس توافقها مع مفهوم الملك باعتباره الإله (حورس) ، فإن هذه الديانةالهليوبوليسية نجحت أيضا في الوصول إلى ترضية مع ديانة (أوزيريس) التي نتشرت بشكل لايقاوم من مركز لها في الدلتا إلى الجنوب . وقد قدم (أوزيريس) أصلا من مدينة (جد Djedu) عاصمة الإقليم التاسع بمصر السفلى ، وكان لقب (سيد جد) من أعرق النعوت التي يحملها . وقد سميت هذه المدينةف ي وقت لاحق باسم (بر - أوزير Per - Usire) أي (بيت إله أوزيريس) ، وأطلق عليها الإغريق (بوزيريس bUSIRIS) وعلى الرغم من ذلك يبدو أن (جدو Djedu) كانت الموطن الأم لإله آخر أقدم صولجانا معوج الطرف وفي الأخرى سوط الراعي ، بينما تعلو رأسه ريشتان ، ومن الجلي أن (أوزيريس) امتص ذلك الإله تماما ، ولم يبق منه بعد ذلك سوى لقبه الذي ظهر كلقب للإله (أوزيريس) . ويؤكد ذلك أيضا الهيئة البشرية التامة التي كان يصور فيها (أوزيريس) حاملا على رأسه تاج الصعيد الأبيض ملحقا به ريشتان على الجانبين ومستقرا على زوجين من قرون الكباش . لكن على الرغم من ذلك فإن هناك فارقا جوهريا بن الإلهين ، فبينما (عنجتي) كان حاكما حيا ، فإن (أوزيريس) كان يرسم دائما في شكل شخص ميت قائم ملتف بأربطة طويلة يقبض على الصولجان بيديه .

واسم (أوزير) الذي اشتق منه الإغريق الاسم الإغريق (أوزيريس Osiris) يبدو أن معناه (حدقة العين) أو (مستقر العين) ويبدو أيضا أنه اسم بشري الأصل . ويحتمل أن (أوزيريس) كان ملكا دنيويا حقيقيا أضحى ممجدا أو مقدسا بعد وفاته ، والأسطورة التي نسحبت عنه لم ترتكز اهتمامها على حياته الأولى كملك أو حاكم لمصر ، إنما وجهت اهتمامها على موته وعلى بعثه من جديد بعد مصرعه المأساوي والذي أضحى بعده حاكما أو ملكا على عالم الموتى ، ولا توجد رواية شاملة أو حتى كاملة معروفة حتى الآن لقصة (أوزيريس) في الوثائق المصرية ومصدرنا الرئيسي عن هذه القصة هي عمل المؤرخ الكلاسيكي (بلوتارخ Plutarch) عن (إيزيس وأوزيريس) . وبالطبع هنك إشارات متواترة ومستمرة نجدها في النصوص المصرية من كل العصور يتضح من سياقها أن الأسطورة التي أوردها (بلوتارخ) تتسق في جوهرها مع المفاهيم العقيدية المصرية .

وقرينة (أوزيريس) هي الإلهة (إيزيس) كما كتبها اليونانيون أو (إزت Eset) بالمصرية القديمة وتعني (مستقر) أو (عرش)وعلى ذلك يبدو أن اسمها كان تجسيدا لعرش (أوزيريس) الملكي ، أما أخت (أوزيريس) فهي المعبودة (نفتيس) ، وفي المصرية (نبت حوت Nebthut) وترجمة هذا الاسم هو (سيدة القلعة) وربما كان اسما مصطنعا مقابلا لاسم زوجها الإله (ست Setekh) أخو (أوزيريس) أيضا ، الذي قتله هو ومعاونوه ، لكن (حورس بن أوزيريس) استطاع بعد قتال متطاول مع عمه الشرير أن ينتقم لأبيه ، وأن يخلفه على عرش مصر . وهناك روايتان مختلفتان عن موت (أوزيريس) ، فطبقا للأولى منهما فإنه قتل عند (نديت Nedit) وهو موقع غير معروف لنا حتى الآن ، ثم قطع جسده إلى أشلاه وألقي به في النيل ، وطبقا للرواية الثانية فإن (أوزيريس) أغرق في النهر . وفي كلتا الروايتين فإن بعثه أو إعادته للحياة كان نتيجة لأعمال السحر التي برعت فيها (إيزيس) ، كما أن صلة موته بالنيل يفسر الإعتقاد بأن (أوزيريس) كان إله النيل والفيضان ، وأيضا كان له الخضرة والنبات الذي يعقب ظهورها بانتظام فيضان النهر(58) ، وهي خاصية تبدو واضحة منذ الإشارات المبكرة إليه في النصوص المصرية في نهاية الأسرة الخامسة ، لكن طابع الملكية والسلطة يبدو كثر وضوحا واستمرارا في ملامح هذا الإله ، فكل ملك مصري كان يوحد مع (أوزيريس) بعد وفاته ، وكما بعث (أوزيريس) سيبعث الملك مرة أخرى ، في عالم ما بعد الموت . وفي عصر الثورة الإجتماعية التي تفجرت في أعقاب الدولة القديمة ، امتد أولا مفهوم توحيد الملك الميت مع (أوزريس) إلى أعضاء آخرين من العائلة الملكية والطبقة الأرستقراطية ، ثم شمل بعد ذلك كل طبقات العامة ، فما أن حل عصر الدولة الوسطى إلا وأضحى كل مصري ميت ذكرا كان أم أنثى موحدا مع (أوزيريس) ، يحمل اسم (أوزير) مرتبطا باسمه الشخصي . وقد أضحت مدينة أبيدوس مركزا هاما لعقيدة ذلك الإله بعد انتشار ديانته في الصعيد ، وألقى (أوزيريس) بالإله الأصلي للمدينة (خنتي - أمنتيو Khenti - Amentiu) تدريجيا إلى الظل . وقد أمكن التعرف بالفعل على عدة أماكن تجاور منطقة أبيدوس ورد ذكرها في أسطورة (أوزيريس) . وكان من المعتقد في مصر في وقت ما أن واحدة من أقدم المقابر في أبيدوس وهي مقبرة الملك (دجر Djer) من الأسرة الأولى كانت مستقر جثمان (أوزيريس) نفسه . كما ادعت عدة مدن غيرها بأن جزءا من أشلائه الممزقة قد دفن بها ، والحق أن وجود مقابر ملوك الأسرتين الأ,لى والثانية في أبيدوس لاتثبت في حد ذاتها أن هؤلاء الملوك قد وحدوا أنفسهم مع (أوزيريس) كما فعل الملوك اللاحقون ، وأن عقيدته تواجدت في هذه المدينة في زمنهم .

وقد اختفت طبيعة (أوزيريس) كإله محلي تماما ، هذا بفرض أنها كانت قائمة أصلا ، ولم يجد أي مصري مهما كن ولاؤه لمعبود مدينته الخاصة صعوبة في احتضان عقيدة (أوزيريس) . وقد أسهم في هذا الانتشار العام لهذه العقيدة أن (أوزيريس) لم يكن منافسها لأي إله آخر محلي ، فلم يكن هناك إذا أية عقبات حقيقية من تناقضات مع آلهة أو عقائد أخرى تحول دون ذلك الانتشار ، كما كان هناك خاصية مميزة (لأوزيريس) دون بقية أعضاء مجمع الآلهة المصرية ، فقد كان ملكا وإلها ميتا ، فهو بذلك يعنى فقط بعالم الموتى ، وعدالة الدينونة في الدار الأخرى ، بينما ابنه (حورس) المتجسد في الملك الحي يعني بعالم الأحياء ، وكذلك كان الشأن مع الآلهة الأخرى التي كان الملك يوحد معها .

وقد انتهى عصر الثورة الإجتماعية عندما نجح عواهل منطقة (إن مونت En-mont) (أرمنت الحالية) جنوب طيبة في توحيد مصر مرة أخرى ، بعد ظروف الفوضى والإنهيار السياسي التي سادت أثناء هذه الثورة وقيام الأسرة الحادية عشرة . فأسبغ هذا الحدث السياسي أهمية كبرى على إله ميدنتهم الأصلي (مونت Mont) (مونتو)، وانشترت عبادته من (أرمنت) إلى المدن الثلاث المجاورة هي : طيبة والميدامود والطود . وقد تم ذلك التوحيد بقوة السلاح فانعكس ذلك على (مونتو) باعتباره إلها للحرب ، لكن سرعان ماسقطت الأسرة الحادية عشرة من السلطة على يد موظف كبير من أصل طيبي هو (أمنمحات) فضل هو وأعقابه الملكيون إلها آخرا ذا طبيعة غامضة هو المعبود (آمون Amun) إله مدينة طيبة . ويمكن العودة بتاريخ ذلك الإله في طيبة إلى عهد الملك (إنتف الأول Intef I) من الأسرة الحادية عشرة ، حيث وجد اسم ذلك الإله على لوحة في مقبرته الملكية.

وعلى الرغم من الأصل الطيبي (لآمون) إلا أنه فيما يبدو كان قد قدم إليها من (هرموبوليس Hermompolis) (خمون Khmun) حيث كان هو مقابلته الأنثوية المدعوة (أمونت Amaunet) أعضاء في مجمع مقدس بها ، يتضمن أربعة ذكور وأربع إناث من المعبودات ، تجسد فيهم المحيط الأزلي بصفاته الأزلية (الظلمة واللانهائية والخفاء الغامض) (61) . وإعادة توطين (آمون) في موقع جديد يرجع إلى ضرورة منح البلاد الموحدة في شكل الدولة الجديدة إلها رئيسيا ، يمكن أن يلتف حوله كل السكان عامة ، وبذا أصبح (آمون) أكبر الآلهة وأضيفت على طبيعته الأشمونية الأصل ملامح جديدة انتزعت من آلهة هامة أخرى في البلاد كإله منف (بتاح) ، الذي كان هو نفسه موحدا مع الإله الأزلي (تاتنن Tatjenen) والإله الهليوبوليمي (رع Re) ومع (مين Min) معبود مدينة (كوبتوس) (قفط) .

وخلال حكم (أمنمحات الأول) وخلفائه ، كان من الممكن (لآمون) أن يحقق السيادة السريعة التي أراد ملوك الأسرة الثانية عشرة إسباغها عليه ، لولا انتقالهم لعاصمة جديدة في الشمال عند مدخل منخفض الفيوم(63) ، والذي حفزهم إلى ذلك الإمكانيات الزراعية للأراضي المستصلحة التي انتزعوها لحساب الرقعة الزراعية بواسطة مطروعات الري الشهيرة على عهدهم ، وقد رفع ذلك من قدر الإله الحامي للفيوم (سوبك) وآلهة منفق وهليوبوليس المجاورين للعاصمة الجديدة في مواجهة الإله (آمون) رغم أن الأخير كان يطلق عليه لقب (سيد عروش الأرضين) .

وقد تصاعدت أ÷مية (آمون) الحقيية منذ النصر الذي أحرزه أمراء وملوك الأسرة الثامنة عشرة الطيبيون على لاهكسوس ، والتوسع المصري في آسيا الذي أعقب ذلك(64) . وقد تم امتصاص منافسه (الإله رع) بأن وحد مع (آمون) تحت اسم (آمون - رع) وتحت هذا الأقنوم الجديد (لآمون) وبمعونته نجح ملوك هذه الأسرة في تشييد الإمبراطورية التي أضحى (آمون - رع) إلهها الأعلى وبمثابة (ملك الآلهة) في ربوعها ، وكرس معبدان عظيمان لاسم الإله الأكبر في الكرنك (أوبت إسوت Opet - isut) والأقصر (أوبت رسيت Opet-riset) واستخدمت الغنائم التي فاضت بها أملاك مصر من آسيا لإضفاء مزيد من الروعة والفخامة على أبهائها ، وبذلك تدعم مركز الإله (آمون - رع) حتى نهاية تاريخ مصر كأمة مستقلة .

صفات الآلهة

رأينا طائفة من الآلهة المصرية وهي تنبثق تدريجيا من ظلام عصور ماقبل التاريخ ، عندما ظهرت الوثائق الكتابية مع بداية العصور التاريخية . وتتمايز هذه الآلهة عن بعضها البعض بألقابها وأعيادها ، وكذلك المدن والأقاليم التي ارتبطت بها عبادتها في الأصل ، وفي حالات كثيرة استمر ذلك الارتباط طوال فترات التاريخ الكلي للبلاد . وبغض النظر عن هذه الملامح الخارجية لهذه المعبودات فإنه يتعسر إلى حد ما تحديد طبيعتها أو صفاتها الفردية بوضوح تام ، خاصة وأن الوثائق المحررة للدولة القديمة قد صمتت عن مثل هذا التحديد ، مما يقتضي منا محاولة التعرف على هذه الصفات وإعادة بناء عناصرها من وثائق متأخرة كثيرا عن عصر هذه الدولة ، وإن كان ذلك لا يمنعنا من استخلاص بعض المعلومات القيمة في هذا الصدد من نصوص الأهرامات الشهيرة التي بدأت في الظهور منذ نهاية الأسرة الخامسة .

والحق أنه من المحال رسم صورة لديانة مستقة ومنطقية في كل تفاصيلها أو صلاحيتها العامة للإقليم المصري بأسره ، لأن مثل هذه العقيدة الموحدة والمتناسقة لم تتواجد قط ، فالديانة المصرية ليستمن خلق مفكر واحد ، لكنها النتاج الام للعديد من مختلف التيارات اللاهوتية والسياسة . ولم تكن هناك ثمة سلطة مفردة ومسيطرة بشكل كاف طوال التاريخ المصري القديم لكي تختصر كل العقائد المحلية وتوحدها في إطار لاهوتي أو فكري شامل يفرض على كل المصريين بمختلف انتماءاتهم الإقليمية أو الطبقية . حقا لقد حظيت بعض النظم العقائدية بالقبول خارج نطاق الحدود الإقليمية لموطنها الأم ، وذلك كنتيجة للسلطة السياسية والإقتصادية والثقافية التي تمتعت بها هذه المواطن ، لكن ذلك لم يعن التخلي النهائي عن العقائد المحلية للأقاليم والمدن التي انتشرت فيها نظم المراكز ذات النفوذ المتصاعد ، والتي كانت تفرض عادة على العقائد الأصلية في قالب تتوحد فيه معبوداتها أو تجسدها أو تتقمصها الآلهة الجديدة .

وتوحيد معبود مع آخر قد لايكون هو التعبير الصحيح تماما ولعل من الأصوب أن نقرر أنه في مثل هذه الحالات ينظر إلى الإله القديم على أنه مجرد مظهر آخر أو اقنوم للإله الصاعد ، أو على أنه قد تم اختواؤه في جوهر جديد . ومن البديهي أن فكرة التوحيد هذه تبدو غامضة وغير محددة تماما ، والمصريون في هذه المرحلة من تاريخ تطور الفكر الإنساني افتقروا - بالضرورة - للتعريف المنطقي المحدد ، ولا نتوقع منهم أن يشعروا بالحاجة إلى تتبع واضح للأحداث وتجريد الأفكار الدينية التي تنطوي عليها ، وفضلا عن ذلك فإن من غير الإنصاف للمصريين أن نحكم - نزولا على وجود الأعداد الكبيرة من المعبودات التي ظهرت أولا مرتبطة برموز حيوانية أو نباتية أو بأشياء مادية غير حية - بأنهم قد اعتبروا هذه الحيوانات أو الأشياء آلهة في حد ذاتها . والحق أن مثل هذا الحكم المخطئ عليهم قد تبنته شعوب أخرى في العالم القديم ، وهم اليونانيون على وجه التحديد ، الذين سخروا منهم ، وكذلك اضطهدهم المسيحيون في العصور اللاحقة . بناء على ذلك ، ومن الجلي أنه لايوجدعقل حتى لو كان بدائيا يمكن أن يعتقد أن الأشياء المادية أو الحيوانات أو حتى البشر - هم أكثر من مجرد مظهر مرئي ، أو مستقر لقوى مقدسة مجردة . والمصريون مثلهم في ذلك مثل غيرهم من البشر التمسوا - عموما - الاتصال بالقوى فوق الطبيعية وارتأوا أن أفضل السبل إلى ذلك هو اختيار إطار أو محور محدد ومرئي يمكن أن تتجمع فيه الصفات والنعوت التي تعبر عن هذه القوى ، وإن كان ذلك لايمنعنا من أن نقر بطبيعة الحال بأن غير المتعلمين أو عوام الفلاحين ربما أخذوا هذا التجسيد المادي للقوى المقدسة أو الآلهة على الوجه الحرفي والمباشر لهذا التجسيد ، والذي لم تستهدفه الديانة أساسا . فالمعتقدات والمفاهيم التي يتبناها العامة من الناس تمثل وضع الأفكار المجردة للمفكرين والمتعلمين في قالب مادي ، والذين يشكلون الطبقة التي تعطي الملامح الأكث تحديدا للمشاعر والوجدان الديني الغامض ، وبالمثل - ولأغراض فنية بحتة وفي حضارة كان الفن فيها دائما عنصرا هاما - كان التجسيد المادي لبعض المعبودات أمرا لاغنى عنه. فالاحتفاء بالآلهة ذات الأجساد البشرية برؤوس حيوانية على سبيل المثال يمكن أن يعزى أيضا إلى أن هذا الأسلوب هو الأسهل والأكثر توفيقا لتمييز أفرادها المقدسة ، ومن خلال تصوير الرأس الحيواني يمكن بشكل مااسترجاع الخصائص التي تعزى إلى هذه الآلهة .

والموطن الأصلي للآلهة المصرية يقع في ربوع أرض مصر ذاتها ، رغم أنه قد اقترح أحيانا أن البعض منها قد قدم من الخارج دون إثبات ذلك الأصل الأجنبي المفترض ، فأسماؤها مصرية بحتة ويمكن تفسيرها في ضوء اللغة المصرية القديمة . فهي آلهة وطنية خالصة ، وظلت كذلك حتى زمن امتداد النفوذ السياسي المصري إلى الخارج ، حيث انتشرت عقائد هذه الآلهة إلى البلاد المجاورة في النوبة ، والسودان ، وفلسطين وسوريا أما قبل ذلك وفي إطار العزلة الأصلية للبلاد ، فإنها اختصت فقط بمصر والمصريين ، فالأرض التي انطوت عليها سلطاتهم الإلهية كانت هي أرض مصر ، والبشر الذين ارتبطت معهم بعلاقة مقدسة كانوا هم المصريين وحدهم ، فكما أننا لانعرف شيئا عن أية عقيدة إلهية انتشرت في داخل مصر من الخارج ، كذلك لم نسمع إطلاقا عن مصريين بشروا شعوبا أخرى بديانتهم تماما عن العقل المصري ، فعلى الرغم من أن المصريين اعتقدوا أن آلهتهم الوطنية تساعد الفرعون في إحراز النصر في غزوه للأراضي الأجنبية وتأكيد سطوته وسلطة مصر السياسية ، إلا أن ذلك لم يكن هدفه نشر أو تأكيد العقائد الدينية المصرية في هذه البلاد .

وقد أبدى المصريون دوما تسامحا دينيا فما بينهم في داخل مصر نفسها ، كما أبدوا مثل ذلك التسامح مع آلهة البلدان المقهورة . فجنود الحاميات والموظفون منهم في الخارج وإن عمدوا بطبيعة الحال إلى بناء المعابد والهياكل المقدسة لآلهتهم المصرية إلا أنهم نهجوا إزاء الآلهة الأجنبية المحلية - كما كانوا يفعلون دائما في مصر - إزاء أي إله أو إلهة حامية لمديننتهم أو إقليمهم الأصلي على سبيل المثال . وفي مثل هذه الظروف فمن البدهي أن مفاهيم الهرطقة أو التعصب العقيدي لايمكن أن تنمو باستثناء فترة قصيرة وغير عادية خلال ثورة العمارنة الأخناتونية . ومجمل الأمر أنه لم يظهر طوال عصور الديانة المصرية أي مظهر من مظاهر الاضطهاد الديني ، والحق أنه ليس واضحا لنا هل عقيدة أخناتون التوحيدية قد رمت - كهدف لها - إلى الامتداد للخارج أيضا ، لتصبح ديانة عالمية لكل الشعوب داخل نطاق الإمبراطورية المصرية ، على الرغم من توفر بعض ملامح في بقيتها قد تميل بنا إلى هذا الرأي . ولقد كان من الغريب حقا أن تتبع بعض إجراءات عنف في فرض عقيدة (أخناتون) في مصر أو في قهرها بعد ذلك على حد سواء .

والإنسان المصري الذي تحيط به مظاهر الطبيعة ويتوقف عليها وجوده ذاته قد تصور حوله قوى إلهية تقطن العناصر الكونية ، وعلى رأسها الأرض والسماء والأثير وفيضان النيل فضلا عن الشمس والقمر . فهذه القوى التي تجسدت في هيئات بشرية بلورت العديد من الآلهة الكونية ذات الأهمية العامة للجميع ، للدرجة التي لم تعد هذه الآلهة ترتبط في أصولها بأي إقليم أو مدينة في البلاد ، فهي بوجودها في كل مكان لم يكن ثمة حاجة لشكل منظم لعقيدة لها أو معبد محلي محدد بعينه . وطبقا للخيال الشاعري لشعب شرقي أسقط على هذه المعبودات سلوكا إنسانيا ، كما كان يتم الإشارة إليها بلغة الطبيعة البشرية ذاتها ، فدبحت الأساطير حول أشخاصها وأفعالها ، ولم يتردد المصريون حتى في إلصاق بعض مظاهر العنف الإنساني الذي كانوا هم أنفسهم يتعرضون له . وقد وصلنا عدد قليل من هذه الأساطير في صورة كاملة ومن عصور متأخرة نسبيا ولكن إشارات لاحصر لها عن أحداث أسطورية في بعض النصوص القديمة توضح أن هذه الأساطير كانت مزدهرة بالفعل منذ نهاية الأسرة الخامسة على الأقل .

ولم تكن هذه الآلهة والكون الذي تشغله معتبرة خالدة باعتقاد وجود سابق لها لانهائي ، فهي حقا متواجدة في الحاضر . ومظاهر الطبيعة تكررت في الماضي ، وهذه الإستمرارية ف يالماضي يفترض قيامها في أزمان بعيدة سحيقة ، لكن المنطق المصري تطلب وجود لحظة أزلية ما ، تخلقت فيها العناصر الكونية والآلهة المختلفة للمرة الأولى بالضرورة ، أطلق عليها (بدء الخليقة) أو (الوجود الأول) أو بعبارة أخرى (نشوء العالم المرئي) . وقبل هذا الانبثاق الخلقي كان هناك زمن لم تكن فيه ثمة سماء أو أرض أو آلهة أو بشر أو أثير أو نيل جار ، بل لم يكن هناك ثمة أسماء للأشياء ، وبالتالي هذه الأشياء ذاتها . ولقد أثار الأسلوب الذي تم به خلق الآلهة والبشر والأشياء ، المصريين تماما ، فانقسمت الآراء حول ذلك الخلق وقدم اللاهوتيون منهم العديد من النظريات الرامية إلى تفسير نشوء العالم . وكان أعظم ثلاث منها أ÷مة هي فلسفة الأشمونين وهليوبوليس ومنف .

نظريات الخلق في الأشمونين وأون ومنف

وطبقا لفلسفة الأشمونين اللاهوتية لم يكن ثمة شيء ما في البداية سوى اللاوجود أو الفوضى ذاتها ، والتي تخيلها المصريون إما كعنصر عبارة عن (المياه الأزلية) ، أو قوى تتجسد في الإله (نون) الذي أطلق عليه اسم (الواحد القديم) فهو (المبدأ الأول) أو (الأصل الأول) وقوام هذا الأزل خواص أربع يمثل كل منها زوجين ذكر وأنثى من المعبودات . فالخاصية الأولى هي (العمق العظيم) ويجسدها (نون ونونت) ، ثم (اللانهاية) ويجسدها (حوح وحوحت) ، ثم (الظلام المخيم) ويجسده (كوك وكاوكت) فاللارؤية (آمون وآمونت) ولقدأطلق اسم (خمون Khmun) بالمصرية القديمة (أو الأشمونين الحديثة) وتعني (مدينة الثمانية) نسبة إلى الثامون المقدس لهذه الآلهة الأزلية ، والتي أطلق عليها اسم (هرموبوليس Hermopolis) في العصر البطلمي ونحن لانعرف على وجه الدقة تطور الفلسفة الكونية والأشمونية ، حيث أنها اختلطت منذ زمن مبكر خلال فترة الإنتقال الأول بلاهوت هليوبوليس ، حيث قدمت مفهوما أكثر تقدما في تفسير بدء الخليفة فيما بعد . والإله (أتومAtum) معبود هليوبوليس أو عين شمس قد بدأ وجوده الذاتي من فوق قمة تل أزلي انبثق بدوره من المياه أو اللانظام الأزلي ثم نفخ الإله في يده ويزق من فمه الإله (شو Show) وقرينته (تفنوت Tfenet) واللذين نسلا ومن خلال ولادة طبيعية بقية المعبودات الأخرى ، ويعزي إلى أتوم الذي يعني اسمه ف اللغة المصرية (الكامل) أو (لمطلق) ثلاث صفات رئيسية فهو (الموجود بذاته) (الذي أتى إلى الوجود بنفسه) وهو (الأقدم) أو (الأزل) كما أنه (الأوحد) المتفرد بذاته ، وعلى ذلك فهو الحاكم على كل الآلهة الأخرى (سيد الجميع) . ولقد كان (شو) طبقا للرأي السائد الآن يجسد الهواء أو الأثير ، بينما (تفنوت) تمثل الرطوبة ، وبهما بدأ العالم المنظم ف(شو) كأثير كان معطي الحياة أو القوة الخالقة التي اعتمدت عليه في كل عناصرها ، وما الريح والأنسام التي تتنفسها الأحياء إلا من ظواهره وهو لا نهائي وغير مرئي لاتحيد به الأنظار ، ولقد فصل السماء عن الأرض بأن رفعها مالئا الفراغ بينهما بآي وجوده .

ويصعب علينا أن نقرر من كان الأقدم في وجوده الأزلي الإله (نون) أم (أتوم) أم (شو) ، وعلينا حاليا أن نقبل الفرضية في النهاية بأن (أتوم) كان متحققا طوال الوقت في (نون) ، وأن الإله (شو) ولد في عين الوقت الذي انبثق فيه (أتوم) إلى الوجود من الأوقيانوس الأزلي (نون) ، وعلى ذلك فهو قديم عين القدم مثله . ومع (شو وتفنوت) كون (أتوم) ثالثوا من مادة أو جوهر واحد ، وهو مفهوم جوهري قديم ، يذكرنا على نحو ما بالجدل اللاهوتي الذي ثار بين مسيحيي القرنين الرابع والخامس الميلاديين عن العلاقة والأفضلية لأشخاص الثالثو المسيحي الثلاثة . وقد حلل اللاهوت المصري الخلق الميتافيزيقي للإله (شو) بأنه قد تم وجوده من خلال أنسام الحياة ، وهو تفسير يتسق إلى حد بعيد مع طبيعته كإله أثيري قد نفثه (أتوم) مستخدما قواه السحرية . ومنذ أن بشر اللاهوت الهليوبوليسي بأن (أتوم) ما هو إلا مظهر آخر لإله الشمس (رع) فإن الإثنين اندمجا معا في مركب إلهي واحد هو (رع-أتوم) الذي بانبثاقه من دياجير الظلمة المطبقة للأوقيانوس الأزلي غمر ضياؤه كل شيء . وقد شخص المصريون الكون طبقا لهذا المفهوم بتخيل الإله (شو) رافعا بذراعيه الممتدتين إلى أعلى ابنته (نوت) ربة السماء ، بينما (جب) رب الأرض يقع قابعا عند قدميه .

وفي لاهوت أشمونيني)اللاهوت الأشمونيني كانت مدينة الأشمونين ذاتها هي البقعة التي ظهر فيها التل الأزلي لأول مرة ، والذي يعني ظهوره من المحيط الأزلي اكتمال الخطوة الأولى نحو (بدء الخليقة) وعلى ذلك أضفى على هذه البقعة قداسة دائمة أحيط موقع بها بحائط مرتفع مستطيل الشكل كان داخله الموضع الذي يمثل مسرح الخليقة سميت (بحيرة السكينتين Lake of the Two Knives)والتي تمثل الإله نون أو المياه الأزلية التي تتوسطها (جزيرة اللهب) يعلوها تل ، واسم الجزيرة الأخيرة يعني بوضوح أن الضياء قط ظهر منها ، ومن التل الأزل الذي يرتفع فوقها . وفكرة المياه الأزلية وظهور تل أزلي منها يبدو أنها تولدت من ظاهرة الفيضان السنوي المنتظم للنيل الذي يغمر الأرض تدريجيا بمياهه في موسم الفيضان ، بيما تنحسر هذه المياه عند نهايته لتظهر أولا المناطق المرتفعة من الأرض تدريجيا .

ولقد كان هناك الكثير من هذه التلال الأزلية في التاريخ الديني لمصر القديمة . ففي عين شمس كان هذا التل يمثل في العصور التاريخية بتل رملي يعلوه حجر مخروطي الشكل هو الأصل الذي تطورت منه المسلات بعد ذلك ، ومن هذا الحجر المقدس ظهر الإله (أتوم) لأول مرة عند خروجه من المياه الأزلية نون .

وطبقا لرواية قديمة أخذ الإله في هذا الظهور الأول شكل الطائر (البنو Phoenix) الأسطوري . وفي منف كان موقع المدينة بأسره يجسده الإله (تاتنن Tatjenen) الذي يعني (الأرض المرتفعة) أي التي تظهر فوق سطح المياه الأزلية . وعندما أصبحت مدينة طيبة عاصمة مركزية في عصر الإمبراطورية ، كان لديها أيضا تلها الأزلي ، الذي يحدد موقعه عادة في البقعة التي شيد عليها معبد مدينة هابو على الضفة الغربية للنيل .

وفي فترة مابين عصري الأسرتين الثالثة والخامسة ، عندما كانت مدينة منف العاصمة السياسية لكل البلاد ، كانت هناك ثمة ضرورة عقائدية وسياسية معا لإجراء ضرب من المصالحة بين لاهوت هليوبوليس الذي احتل فيه الإله (أتوم) دور الإله الخالق ، وبين لاهوت منف الذي يتمتع فيه الإله (بتاح) بهذا الدور . وعلى ذلك فقد أعلن عن ثامون مقدس يضم ثمانية آلهة بدءا ب(نون) ونزولا بالإله (نفرتوم) بما في ذلك المعبود (أتوم) ، احتواها جميعا الإله (بتاح) متجسدة أشكالها فيه ، والتي لم تكن إلا (بتاح) نفسه ، (فأتوم) هو بمثابة القلب واللسان معا من الإله (بتاح) ، ومظهر هذا القلب المعبود (حورس) ، بينما مظهر اللسان (تحوت) ، وتعبر الفلسفة المنفية عن ذلك مرددة : (في الأصل تم الخلق من اللسان والقلب باعتباره صورة (أتوم) . ولكن (بتاح الأعظم) حبا الآلهة وأرواحها الفعالة بالحياة بفيض من قلبه ولسانه اللذان توحدا منذ البدء في (حورس وتحوت) واللذان هما (بتاح) بعينه الذي يثف تاسوعه المقدس منه كالأسنان التي هي بذور (أتوم) والشفاه التي هي أصابعه ، لأن أتوم قد ولد من بذرته ومن أصابعه . وما هذا التاسوع إلا الشفاه في فم هذا الذي نطق بالأسماء الأولى للأشياء جميعها التي خلقت (شو وتفنوت) وباقي تاسوعه) .

فبالكلمة المقدسة التي استقرت في القلب ثم نطق بها اللسان خلقت كل الآلهة واستكمل التاسوع . وبهذا النسق خلقت الأرواح الفعالة (kas) (جمع (كا)) والأزواج المؤنثة (Hemset) التي خلقت من لدنها ، ومن الكلمة خرج الطعام والمؤن ، وهكذا خلق أيضا الإنسان ، الذي بأفعاله الطيبة له مايحبه ، وبالرديئة له مايكرهه ، فالحياة توهب لمحبي السلام وللخطاة الموت ولقد قدر لأن يكون (بتاح) أعظم الآلهة ، وأضحى راضيا بعد خلقه لكل الأشياء وللكلمات المقدسة ، وتتخلل نصوص الخليقة للمدرسة المنفية فقرات تقدم في سياقها فهما مدهشا للظواهر الفسيولوجية كما تقرر (أن القلب واللسان لهما للآلهة والبشر والماشية وكل المخلقوات والأشياء الحية ، والقلب يحتفظ بالأفكار بينما اللسان ينطق بالكلمة ، فنظة العين وسمع الأذن وشمة الأنف كلها من القلب . فالقلب مصدر كل معرفة ، منه تنجم المهن والأعمال ونشاط الأيدي والأذرع وكل ماسعى على قدميه ، وكل حركة للأعضاء التي تصدع بالأوامر التي يفكر فيها القلب وينطق بها اللسان والكلمات التي تعطي أثرها في إنجاز كل الأشياء) .

وهنا تبدو قصة بدء العالم الذي خلقه (بتاح) معروضة في أسلوب فكري رفيع ففكرة الخلق تبدأ في العقل أو القلب ثم يتحقق من خلال الكلمة المنطوقة للسان أو الأمر ، وما الآلهة الأخرى إلا اللسان والقلب والأسنان والشفاه للإله (بتاح) .

ورغم مرور ألفين من الأعوام على تبلور وصياغة هذا اللاهوت (المثيولوجي) لمنف فإنه قد احتفظ بأهميته ، لدرجة أن الملك النوبي (شباك Shabaka) أمر بنقله من علىم خطوط بردي مهشم لنيقش على لوحة من الحجر الأسود الصلد ، والحق أن هذا التكوين اللاهوتي ليس له أي مقابل في مثل هذه الفترة المبكرة من تاريخ البشرية .

وفي الفكر المصري كان هنك دائما زمن مايطلق عليه (زمن الآلهة) أو (زمن الإله) والمصريون لا يشيرون إلا هذا الزمن فقط عندما يتحدثون عن حدث في الماضي البعيد ، ولكنهم يشيرون أيضا إلى أزمنة محددة للآلهة (أتوم أو جب أو أوزيريس أو حورس) ، وبشكل أكثر إلى (زمن الإله رع) . وهم عندما يفعلون ذلك ، فإنهم لايعنون مجرد الإشارة الغامضة إلى زمن قد خبرى من الذكرى ، فالواضح أنهم كانوا يعتقدون أن الأرباب عاشت زمنا ما على الأرض أظلت عليها حكمها، أو على وجه التحديد حكم مصر ، ففي كل من تأريخ الكاهن السمنودي (مانيتون Manethos of sebennytus)(9) من مصر القديمة ، الذي كتبه باللغة اليونانية في العصر البطلمي ، وكذلك في بردية مهشمة من عصر (رمسيس الثاني) ومحفوظة حاليا في متحف مدينة (تورين Turin Museum) بإيطاليا - قوائم بأسماء الملوك من البشر ، وعدد سنوات حكمهم ، يلحق بكل منها قائمة أخرى بأسماء الآلهة وعدد سنوات حياتها ف (بردية تورين Turin Papyrus) وعدد سنوات حكمها عند (مانيتون) . ففي (بردية تورين) تضمنت القائمة عشرة آلهة ، لما يصلنا إلا سبعة منها فقط ، هم (جب ، أوزيريس ، ست ، حورس ، تحوت) والإلهة (ماعت Ma'et) ثم (حورس) آخر .

أما المقتطفات التي وردت نقلا عن (مانيتون) فالمرجح أن الأسماء (بتاح ، رع ، شو) كانت تتصدر القائم أصلا . ومن الطريف أن تحوت قد افترض له عدد من سنوات الحياة وصلت إلى 3726 عاما ، بينما عاش (جب) 1773 سنة (وحورس) 300 عاما فقط ، ولقد تضمن العديد من الأساطير ربطا بين الأحداث التي وقعت في مختلف العهود الإلهية ، خاصة في عهد (رع) ، وربما كان أفضل وأكمل نموذجين منهما هما أسطورتي قرص الشمس المجنح ، ودمار البشر .

أسطورة قرص الشمس المجنح

فالأولى يتضمنها نقش هيروغليفي طويل في معبد إدفو يعود إلى عهد الملك (بطليموس السادس عشر Ptolemy XVL) أو (قيصرون Caesarion)، وإن كان هذا النقش يضم بالتأكيد عناصر تعود إلى عهود أقدم من ذلك كثيرا . ويستهل النقش على غرار استهلال أي نص تذكاري أو تأريخي بالعام 363 من حكم ملك مصر العليا والسفلى (رع حور آختي Re-Harakhte) . وإن كان النقش لم يتضمن أية إشارة إلى الشمس مباشرة بل إلى (رع حور آختي) كملك دنيوي تماما كان على رأس جيشه في النوبة عندما أبلغ عن مؤامرة حيكت ضده ، ونسجت خيوطها في مصر ، وإن لم يذكر لنا النص أسماء المتآمرين . ويبدو أن المؤلف تخيلهم ضربا من الأرواح الشريرة أو المعبودات الأقل رتبة ، وقد أبحر (رع حور آختي) في سفينته بالنيل ، منحدرا من النوبة إلى الشمال حتى أرسى أمام مدينة إدفو ، حيث نجده يعود إلى ابنه (حورس) - الذي كان برفقته - بقتال هؤلاء الأعداء ، فيحلق (حورس) في السماء في شكل قرص شمس مجنح مهاجما لهم من عل ، ومنقضا عليهم بضراوة ، حتى إنهم اضطروا إلى الهروب . وعندما يعود (حورس) إلى سفينة أبيه يقترح الإله (تحوت) منحه لقب (حورس بحدتي) أي (حورس الإدفوي) ، ثم يتفقد (رع حور آختي) أرض المعركة في صحبة الإلهة الآسيوية (عشتارت Astarte) . لكن يبدو أن القتال لم يكن قد أخمد تماما بعد ، حيث عمد الأعداء الفارون إلى النزول في الماء في شكل تماسيح وأفراس نهر مهاجمين سفينة (رع حور آختي) لكن (حورس) وأتباعه المسلحون بالحراب والحبال يقضون عليهم . ثم يتقمص (حورس) مرة أخرى قرص الشمس المجنح في مقدمة السفينة وعلى جانبيه الإلهتين (نخبت ووادجت) مستمرا في تعقب الأعداء على امتداد أرض مصر العليا والسفلى موقفا بهم الهزيمة في كل مكان بدءا بطيبة ودندرة و(حبنو Hebenu) في الإقليم السادس عشر من الصعيد ، و(مرت Meret) في الإقليم التاسع عشر منه.

وفي هذه المرحلة من الأسطورة يظهر (حورس بن إيزيس وأوزيريس) إلى جوار (حورس البحدتي) ، بينما يظهر الإله (ست) رئيسا للأعداء المتآمرين ، ثم يختفي (ست) في فجاج الأرض بعد أن يظهر في شكل ثعبان ، ويتأجج القتال مرة أخرى في (تحل Thet) بالمقاطعة العشرين من مصر السفلى وهي مدينة تقع على الحدود مع آسيا قرب البحر ، وبعد تحقيق النصر أيضا في الدلتا ينحدر (حورس) وأتباعه مقلعين إلى النوبة حيث يسحقوا تمردا قام هناك . ويعود (رع حور آختي) ليرسو مع بطانته في إدفو مرة أخرى ، ويقرر مكافأة (حورس) على خدماته الجليلة بأن يأمر بوضع قرص الشمس المجنح في المستقبل في كل معابد وهياكل آلهة وآلهات مصر العليا والسفلى لكي يحفظها من الأعداء ويبقيها بعيدا عنها .

والأسطورة على هذا النسق هي سرد توضيحي عن أصل قرص الشمس المجنح ، وهو الشكل الذي ظهر فيه حورس البحدتي أو الإدفوي) خاصة فوق صروح المعابد في العصور المصرية المتأخرة . وطوال المعارك التي اشتعلت لم يرد ذكر بشر ، فكل المشاركين فيها هم إما آلهة أو جان ، وعلى الرغم من ذلك فإن هناك من يرى أن لهذه الأسطورة أصولا تاريخية ، الأمر الذي يبدو معقولا وإن انقسمت الآراء حول تأريخ ومدى قوة تأثير هذه الأحداث التاريخية . فبعض الدارسين يرجعونها إلى الصراع بين عباد (ست وحورس) الذي أخذ مكانه بالفعل في عهد الملك (بر إيب سن Peribsen) في الأسرة الثانية ، بينما يرى آخرون منهم في هذه الأسطورة إشارة إلى أحداث الثورة المصرية التي نشبت ضد الإحتلال الفارسي في العقود القليلة السابقة مباشرة على عصر الإسكندر الأكبر .

أسطورة دمار البشر

وبينما نرى في أسطورة (حورس البحدتي) كيف يتحول ربما مجرد عداء بشري في الأصل إلى عالم من الأرواح والشياطين ، فإن أسطورة (دمار البشر) تعبر عن الخطيئة التي ارتكبها البشر ضد الإله (رع) . ولقد حدث ذلك في زمن كان (البشر والآلهة فيه شيئا واحدا) يتعايشون معا على ألأرض ، وعندما بلغ الإله (رع) من السن عتيا بدأ البشر في تجديفهم وتآمرهم ضده ، لكنه أدرك أفكارهم ، ودعا الآلهة لكي يسألها المشورة فيما ينبغي عليه فعله مع هؤلاء الخطاة . فاقترحت عليه الآلهة أن يرسل عينه التي هي الشمس متقمصة مظهر المعبودة (حتحور Hathor) لكي تسحق المتآمرين . وبالفعل استعرضت هذه الآلهة قوتها ضدهم مما أكسبها لقب (سخمت Sakhmet) أي (القوية) ، ثم عادت وهي مصممة على الذهاب إليهم كرة أخرى واستئصالهم تماما . وفي هذه الوهلة أدركت (رع) الشفقة على البشر فوجه رسله إلى جزيرة (إلفنتين) لإحضاره قدر كبير من فاكهة حمراء اللون يطلق عليها اسم (ديدي Didi) ثم أمر بتجهيز سبعة الآف أبريق من الجعة مزجت مع هذه الفاكهة حتى يمكن أن تظهر الجعة وكأنها دماء قانية . وفي صباح اليوم الذي أزمعت (حتحور) أن تذهب فيه لتدمير البشر أمر (رع) بأن تصب الخمر في الحقول وعندما قدمت الإلهة وعبت منها أصبحت ثملة تماما مما جعلها تغفل عن ضحاياها ، ومن ثم أمكن إنقاذ البشر من مصير رهيب بفضل تدخل الإله الأكبر (رع) .

وعلى الرغم من ذلك ، فقد ظل (رع) ضائق بآثامهم ، فذهب إلى سمائه ممتطيا ظهر البقرة السمائية تاركا الإله (تحوت) ممثلا له على الأرض ، الذي ظهر للبشر في صورة القمر ، وأعاد الضياء مرة أخرى بعد أن عم الظلام الأرض بارتفاع (رع) عنها . ومن الجلي أن القضية بأسرها هي تفسير (مثيولوج) لاختفاء الشمس عند المغيب وحلول ضوء القمر ليلا .

والحق أن هناك العديد من النصوص التي يمكن من خلالها أن نستنتج مفهوم المصريين عن عصر أقامت فيه الآلهة على الأرض جنبا إلى جنب مع البشر ، ومع ذلك وإلى حد بعيد لس لدينا ثمة سرد كامل ومنسق عن خلق الإنسان نفسه ، فهم يدعون أحيانا (قطيع الإله Cattle of the God) أو (قطيع رع Cattle of re) ، والتخصيص الأخير يضعهم في علاقة وثيقة مع هذا الإله . وعلى ذلك يمكن أن نستنتج بأن (رع) هو خالق البشر أي المصريين عامة ، ويؤيد ذلك أنه في أسطورة (دمار البشر) فإن كلمة (رومي Rome) - التي تطلق على المصريين في اللغة المصرية القديمة - يمكن أن تدل أيضا على دموع الإله (رع) وفي مواضع أخرى يشار إلى البشر على أنهم (أتوا من عينه) بينما كانت الكائنات الأخرى من (صنعه) . لكن دور (رع) في الخلق سبقه اعتقاد بأن الإله الكبش (خنوم) قد شكل كل طفل يولد على عجلة الفخراني ، وربما كان ذلك مجرد صقل لدور (خنوم) الأساسي بخلقه لكل الأشياء الحية ، وهو دور ألهمته قوى الإخصاب الخاقة التي يتمتع بها الكبش رمزه الحيواني المقدس .

تأليه البشر

فالآلهة إذا هي التي خلقت البشر ، بل إنهم فضلا عن ذلك ينطوون في تكوينهم على قبس إلهي ، وليس من المستحيل عليهم أن يصبحوا هم أنفسهم آلهة حال مماتهم ، وإن كان هناك استثناء لذلك ، هي قداسة الملك الحي حال حياته على الأرض . ونحن نعرف العديد من هذه الحالات حيث كان الميت المؤله يحتل عادة قبل وفاته مركزا رفيعا كمنصب وزير الملك وأعظم موظفيه في القطر . وكنموذج لذلك تقديس (كاجمني Kagemni) في نهاية الدولة القديمة ، فنجد أفرادا من أتباع عقيدته - يحملون جميعا اسم (جمن Gemen) وهو اختصار (كاجمني) - يبنون مقابرهم حول مصطبته قرب منف في سقارة . ورغم ذلك لم يكن يطلق عليه لفظ إله وربما كان شيئا قريبا من القديسين . وهناك عقيدة وزير آخر من نفس العصر هو (إزي Isi) كانت منتعشة لقرون عدة بعد وفاته في مدينة إدفو ، حيث يحتمل أنه قد أمضى بقية عمره ودفن بها . وقد أقام العديد من أتباعه لوحات مكرسة ، باسمه أو شيدوا هياكل جنزية في قبره ، ووجهوا صلواتهم إليه وإلى الإله (حورس الإدفوي) ، وإلى (أوزيريس) داعين إياه (إزي الإله الحي) ، وإن لم يكن لدينا دليل على ستمرارية عبادته في عصر الانتقال الثاني .

وقد أله أيضا كل من (إيمحوتب Imhotep وزير ومعماري الملك زوسر العظيم من الأسرة الثالثة (وأمنحوتب بن هابو Amenhotep, Hapu's son)وزير الملك (أمنحوتب الثالث) من الأسرة الثامنة عشرة ،واسترم تقديسهما حتى العصر الصاوي (Saite Period) ، بل وامتدت عقيدتهما محرزة شعبية كبيرة في العصر البطلمي ، وبين الإغريق أنفسهم الذين أطلقوا عليهما على التتابع (إموثس Imuthes) و(أمنوثس بابيوس Amenothes paapios أي ابن هابو) حيث كانوا يمثلون حكمة الأجداد . ولقد أصبح (إيمحتب) إلها للطب ، ووحد مع الإله الإغريقي (أسكلبيوس Asklepios) ، وكان ينظر إليه منذ وقت مبكر في الدولة الحديثة كراعي وحامي للكتاب الذين اعتادوا أن يسكبوا قطراتمن مدادهم قربانا له قبل شروعهم في عملهم، كما اعتبر ابن الإله (بتاح) نفسه من السيدة (خردوعنخ Khreduonkh).

مظاهر الكون في نظر المصري القديم

ولقد كانت المياه الأزلية التي يجسدها الإله (نون Nun) موجودة دائما بالنسبة للمصريين فهي مع (الأخضر العظيم The Great Green) - كما كانوا يطلقون على البحار - كانت تحيط بالأرض التي تطفو على سطحها في شكل قرص مسطح . ويمتد (نون) تحت الأرض حيث نجده دوما إذا ما حفرنا على عمق تحت سطحها ، وما النيل إلا الإله (نون) نفسه خاصة مياه فيضانه التي تغمر مصر كل عام . وطبقا لاعتقاد قديم لم يتخيل عنه اللاهوت المصري قط فإن مياه هذا النهر كانت تتدفق مع مصدرين يقعان في منطقة الشلال الأول قرب مدينة (إلفنتين Elephantine).

وفي نفس الوقت كان يحيط بالأرض من جميع أركانها سلسلة من جبال شاهقة تستقر فوقها السماء التي يطلق عليها (بت Pet) وأحيانا (حريت Hreyet) أي (الأعلى) وتجسدها المعبودة (نوت) . وهناك أيضا سماء أخرى تدعى (نونيت Naunet) تحت الأرض تقابل السماء الأصلية . كما أنه هناك عالم آخر تحتها يدعى (دت Det) أو (دوات Duat كما كانت تقرأ سابقا) . وتبزغ الشمس صباحا من بين جبلين من هذه السلسلة(27) ، وتبدأ رحلتها عبر السماء في قارب يطلق عليه (ماندجت Mandjet) ، وهي تمثل عادة شكل قرص أحمر متوهج بينما يصور إله الشمس في قوامه البشري المكتمل أو برأس كبش داخل القرص ، وأحيانا كقرص يستقر بين لاقدمين الأماميتين للجعران (Beetle The Scrab) (واسمه العلمي الحديث Ateuchus Sacer) ويعد رمز من رموز إله الشمس . ويشتق اسمه (خبرو Kheperer) ، من الفعل المصري (خبر Khoper) بمعنى (يأتي إلى الوجود) ، وهو مايعبر تماما عن طبيعة إله الشمس الذي يأتي إلى الوجود بذاته في أسطورة (بدء الخليفة) ، ويكرر ذلك كل صباح منذئذ . والحق أن الجعران (الجعل) الحقيقي يمكن أن يرى وهو يدفع أمامه كرة مخلفاته التي يضع فيها بيضه أو بذور حياته المتجددة ، والتي أوحت إلى ذهن المصري القديم أنها تماثل دورة قرص الشمس التي تتجدد حياتها أيضا كل يوم .

ويصحب الإله (رع) في مركبه المقدس آلهة عدة يعملون كطاقم به ، وهم عادة الإله (جب وتحوت) وبعض الرموز التي تمثل بعض قوى إله الشمس وهي (حكا Hike) أو السحر ، و(سيا Sia) أي المعرفة ، و (حو Hu) أي النطق الخلاق . وعند الوصول إلى الأفق الغربي ينتقل (رع) من مركبه النهاري إلى قارب ليلي آخر يدعى (مسكت Meseket) ، أو يصور في شكل قرص ينتقل بين القاربين المذكورين مرفوعا بأذرع (إلهة الشرق)دافعة به إلى أيدي (إلهة الغرب) التي تجلس في القارب الليلي . ثم يواصل بعد ذلك الرحلة تحت الأرض في ذلك القارب ملقيا ضياءه ومبددا ظلمة (دت Det) أو العالم السفلي ، لكي يعاود الظهور في الشرق مرة أخرى في بداية اليوم التالي .

وهناك مفاهيم أخرى شعبية ترى في الشمس صورة طفل يخطو داخل فم إلهة السماء (نوت) في المساء ثم يمر خلال جسدها أثناء الليل ، ويولد منها من جديد في الصباح ، وأحيانا في صورة وليد صغير لإلهة السماء التي تتجسد في صورة البقرة السمائية . ولقد كان هناك أيضا مزج بين مختلف هذه التصورات عن الرحلة اليومية لإله الشمس ، وعلى ذلك فليس من المستغرب أن تنقش قصة (دمار البشر) المذكورة آنفا ومعها رسم للإله (رع) في هيئته البشرية الكاملة مبحرا في قاربه المقدس على ظهر بقرة السماء (نوت) . وتمتد فكرة غروب الشمس باعتبارها ابتلاعا له بواسطة إلهة السماء إلى حركة نجوم السماء فهي ترى فها مجرد خنازير صغيرة تختفي في فم (نوت) حيث تلتهمهم في الصباح ، ثم تخرجهم مرة أخرى قبل بدء الليل . ولهذا السبب كانت كلمة (مسوت Mesut) في اللغة المصرية تعني حرفيا (وقت الولادة) .

وقد قدر المصريون أن النجوم هي كائنات إلهية قسمت إلى مجموعتين الأولى (التي لاتغرب أبدا) (Here Who can never set) هي مجموعة النجم القطب التي تلمع نجومها دوما في صفحة السماء ، والمجموعة الثانية (التي لاتعيا أبدا) (there who can never become wary) وهي النجوم التي تظهر في الشرق والتي يمكن رؤيتها في جزء من الليل ثم تختفي الغرب ثانية ، وقد تصور المصريون نجوم هذين المجموعتين بمثابة أطقم في سفينتي الشمس أثناء رحلتهما في النهار والليل فالنجوم (التي لاتغرب أبدا) تصحب الإله (رع) في رحلته النهارية ، وعدم رؤيتها أثناء النهار يعزي فقط إلى أن ضوء الشمس المتوهج قد حجبها . أما النجوم (التي لاتعيا أبدا) فهي تشكل طاقم المركب الليلي وهي تختفي واحدة وراء الأخرى في الأفق الغربي أثناء رحلة الإله في الجزء غير المرئي من الكون .

وفي مثل هذا النظام الكوني لم يكن من السهل إدماج دور القمر في نطاقه إلا باعتباره مظهرا للإله (تحوت) الذي يصحب (رع) في قاربه ، وعندما يفسر العالم بأسره باعتباره وجودا إلهيا متوحدا ، فإن مهمة إلحاق القمر بهذا النظام تصبح أيسر تحققا بأن تعتبر الشمس والقمر عيني الإله (رع) ، فالشمس عينه اليمنى أما اليسرى فهي القمر . ولقد كان الدور الذي لعبه الكوكب الأخير في بواكير الحضارة المصرية بالغ الأهمية حيث كانت دورته التي تأخذ أشكال متطورة في السماء أساسا لتقسيم الوقت إلى وحدات زمنية متساوية تقريبا هي الشهر القمري . وفي مراحل متأخرة لاحظ المصريون أن الوقت يمكن قياسه بدقة أكثر بملاحظة الدورة الشمسية ، ومن ثم لتحديد السنين التي لاتتسق معها الأشهر القمرية تماما . وبالتالي تم التخلي عن التقويم القمري لأغراض عملية ، واحتفظ به المصريون فقط لأغراض العقائد الدينة لتحديد الإحتفالات وتقديم القرابين التي يرتبط تأريخها بالتغييرات التي تطرأ على شكل القمر خلال الشهر القمري . وربما كانت لهذه الأهمية الأصلية لذلك الكوكب صداها في الأسطورة التي احتل فيها إله القمر (تحوت) مركز نائب الإله (رع) في السماء أثناء أوقات الليل وأ"لق عليه عندئذ (رع الساطع ليلا) (Re that shines in the night) ، كما أعتبر (ممثلا) (representative) (لرع ولآتوم) بالإضافة إلى لقب (ميقاتي الزمن) (reckoner of time) .

وكان هناك فيما يبدو إله كوني للسماء أطلق عليه (ور Wer) (أي الواحد العظيم) ، مع تأكيد خاص على طبيعته كإله للضياء توحد في وقت لاحق مع (حورس) ، وكانت هناك الشمس والقمر هما عيناه . وقد حمل لقب (مخنتي إرتي Mekhenti - irty) وتعني (الذي لاتوجد عينان في جبهته He on whose forehead there are no eyes) . وفي هذا الوضع الأخير صورة خيال المصريين كإله حامي للأعمى وللطبيب ولأولائك الذين يعانون من أمراض العيون ، كما كان إله الموسيقيين الذين كانوا على الأغلب من العميان ، بل هو الإله العازف على القيثارة . وهذا النموذج الشعب من المعبودات يوضح كيف أن جوهر إلهي مطلق كما أخرجه العقل اللاهوتي أصلا ، يمكن أن تنزل به المعتقدات الشعبية إلى مستوى بشري في مجمل طبائعه .

وكما أن البشر والكائنات العضوية التي كانت تعد من خلق الإله قد انطوت على قبس من مادته الإلهية كذلك اعتبرت الأشياء المادية غير الحية أجزاء من جسد الإله ، أو أنها قد خرجت من هذا الجسد ، كما هو الحال بالنسبة لمياه النيل ، فهي - كما رأينا من قبل ، وبناء على مفهوم المصري القديم - عطية الإله (نون) ، أو هي كما وصفت أحيانا بأطراف أو أعضاء جسد (أوزيريس) بما في ذلك العرق الذي يفرزه جسده الميت . وما الهواء إلا (أطراف أمون (limbs of Amun)أما حجر الصوان ومعدن الحديد فقد خرجا من جسد ألإله (ست) بينما كانت تعني كلمة (بخور Sonter) في اللغة المصرية (العبيق الإلهي divine odour) .

قدر الإنسان ومصيره

وقدر الإنسان ومصيره يقع بين يدي معبود هو (شوي Shoy) (من فعل sho يعني يقدر) تقدمه إليه سبعة آلهات أو حتحورات عند مولده . وربما كان هذا القدر رديئا فيتحدد به حظوظه السيئة على مدى حياته ، ونوع الميتة التي سيلاقيها ، أما إذا كان ذلك القدر طيبا أطلق عليه (ريننت Renenet) وهو اسم الإلهة الحاضنة التي تعني بالطفل عند ولادته ثم تظله بحمايتها . وفي علاقة (ريننت) بالقدر صورت منذ زمن مبكر كتجسيد للثروة (riches and fortune) واختلطت بعد ذلك بالربة (إرنوتت Ernutet) التي كانت أصلا إلهة للمحاصيل ، لها جسد امرأة ورأس كوبرا ، وربما مبعث ذلك أن الرقطاء كانت توجد عادة بين أعواد القمح الناضجة . والتوحيد بين هاتين الإلهتين فسر بأن المحصور الزراعي في مصر القديمة كان يمثل قوام الثروات وحظوظ الحياة المتوقفة عليها . هذا وقد أطلق أحيانا على كل من (آمون وبتاح وخنوم) اسم (القدر) باعتبارهم الآلهة الفعلية الخالقة للبشر .

ويبدو في مفهوم المصري القديم أن مصائر البشر أو أقدارهم ليست حتما يستحيل تجنبها ، فالإنسان قادر على تغيير قدره من خلال أفعاله إذا أراد الإله له ذلك ، وطالما أن الغد دائما (يقع بين أيدي الإله) فالطفل يولد مصحوبا بالعناية الإلهية ، والوالدان يوطدان صلاتهما بالآلهة فتأمر بأن يولد الطفل لهما ومنذئذ فإن الإنسان يمارس أعماله فقط من خلال رضى الآلهة وموافقتها فالبشر يقترحون الأفعال ، أما الإله فيفرضها ، أو كما عبر عن ذلك أحد حكماء المصريين (الإنسان ينطق بالكلمة أما الأمر فللرب) .

ونجد نموذجا لما يأمله المصري من فضل الآلهة في القائمة التي دبجت بأمر الملك (رمسيس الرابع) يسأل فها الإله (أوزيريس) أمانيه التي يرجو تحقيقها كمثوبة له على أعمال التقوى التي أعرب عنها لهذا الإله . وهو يضمن هذه الأماني ماهو خاص به وبرعاياه ، والذين يخاطب باسمهم الإله . وهو يعبر عن ذلك في أسلوب محدد هو نمط مصري حقيقي قائلا : (لسوف تحبونني بالصحة وبالعمر الطويل ، وبعهد ملكي ممتد ، وبالقوة لكل أطرافي ، البصر لعيني ، السمع لأذني والهناء لقلبي كل يوم ، ولسوف تعطونني الطعام حتى الشبع ، والشراب حتى الثمالة ، وتظلون بذرتي من الأطفال بالحماية ، حتى يصبحوا ملوكا تحكم أرض مصر دوما وإلى الأبد ، ولسوف تعمرون قلبي بالرضا ، وتمنحوني بسمعكم لما أقول ، وستأمرون بفيضانات للنيل مترعة تحقق متطلبات قرابيني وقرابين الآلهة والإلهات سادة مصر العليا والسفلى حفاظا على العجول المقدسة وكل الناس على أرضك ، مع قطعانهم وأشجارهم التي هي من صنع يديك ، لأنك أنت خلقتهم جميعا ولن تتركهم في ضلالة يعمهون) . وهنا تعرض أمامنا القيم والأشياء التي قيمها المصري عاليا ، ألا وهي : الحياة والصحة والعمر الناضج المديد ثم وفرة من طعام وشراب يطلبها لأطفاله ، كما سألها لنفسه ثم فيضان غامر تتوقف عليه رفاهية سكان مصر وثرواتهم من قطان وأشجار كما تتوقف عليه حياة دينية ثرية في ممارستها من التقدمات وقرابين لآلهة البلاد ، وفي النهاية يحث ربه على تحقيق هذه الدعوات بمبرر مقنع لالإله خالق البشر وكل شيء مما يرتب التزاما بأن يحبوههم بعميم رحمته ورعايته ، وألا يعدل عن تلك الخطط الإلهية التي قدرها لهم عندما خلق ذلك العالم .

وليست بحوزتنا وثائق تعود إلى عصر سابق عن الدولة الحديثة تتضمن مفاهيم مكتملة ومتسقة للمصريين عن طبيعة وصورة آلهتهم كما انطبعت لديهم ، ويتعين علينا أن نستخرج مثل هذه المفاهيم من خلال جهد منظم بالمقارنة بين الوثائق المتناثرة والتي تتضمن الإشارات الأكثر حداثة عنها . ففي الدولتين القديمة والوسطى ليس هناك أكثر من مجرد الأسماء الشخصية لأفراد الشعب يمكن أن تعطينا لمحة عن المعتقدات الشعبية وعلاقاتها بهذه الآلهة فعدد كبير من الأسماء المصرية في كل العصور مشتقة من أسماء الآلهة ، أي أنها تتضمن صفة مالها علاقة بمعبود منها ، فالأب عقب ميلاد طفله يطلق عليه اسما مرتبطا بإله ما ، وهي توضح مدى عمق الشعور الديني في حياة الإنسان المصري . وهذا الإسم الشخصي المشتق من اسم إله ما ، كان يمنح بالتأكيد لأن الطفل هو عطية الآلهة إلى والديه ، كما كان من المعتقد أن هذا الإسم المركب حقيق بأن يجلب البركة والحظ لحامله .

طبيعة وصور الآلهة

وفي عصر الدولة القديمة كان الإله يوصف بأنه ثابت وواثق كما أنه يتجلى ويسطع مثل الشمس ، فالآلهة سادة الحياة ، وهم عظماء أقوياء طيبون رحماء نبلاء عادلون شامخون يشعون جمالا ، وهم شأنهم في ذلك شأن البشر لهم قرين (كا)أو عدة قرائن وهي بدورها قوية ظاهرة طيبة عظيمة نبيلة وراسخة، أما (البا) أو المظهر الخارجي من أرواحهم فهي تنجلي كالشمس في سطوعها ، كما أنها عظيمة وطيبة . والآلهة هم الذين يصنعون الطفل ويخرجونه للحياة ويحبونه بالحماية والحب والتربية ، يقفون وراءه حافظين له حياته يغذونه ويغمرونه بالفضل والصحة والثياب رافعين إياه عاليا ، وإجمالا فإن حياته كلها تقع بين أيدي الإله ، لأن الإنسان هو خادم الرب المتبتل في عبادته وحبه . وعلى الرغم من أن معظم الصفات السالفة تعزي إلى الإله (بتاح) إلا أن ذلك مجرد محض صدفة ، لأن الكثرة من أسماء الأعلام التي نعرفها عن الدولة القديمة ارتبطت بالآثار التي عثر على معظمها في منطقة منف . ومن الطبيعي تواتر ظهور اسم الإله الأخرى المشتقة من أسماء آلهة أخرى نجد أن عين الصفات التي وجدناها مرتبطة بأسماء الأفراد المركبة من اسم (بتاح) تعزي إلى هذه الآلهة أيضا أو إلى أي إله آخر ، وفي الحقيقة إلى الآلهة بشكل عام .

ووثائق عصر الدولة الوسطى التي تحمل أسماء أعلام لاتضيف الكثير إلى الصورة السالفة فالآلهة أيضا (رضية ولطيفة) وما البشر إلا أبناؤهم وبناتهم الذين أصبحوا بفضلهم طيبين ، وللمرة الأولى نرى أنهم يشاركون في الإحتفالات ، فهم يتواجدون في صالات الأعمدة وأفناء المعابد بمثل مايتجلون على الملأ في البحيرة أو مقلعين مجدفين في النيل . وإذا كان ثمة جديد يمكن استخلاصه عن صفات الآلهة لم ترد في نصوص الدولة القديمة فهي العلاقات الحميمية بين الآلهة والجماهير في الدولة الوسطى ، وهي علاقات تتسق في مضمونها الجديد مع تصاعد مظاهر الديمقراطية الدينية التي هي إحدى معطيات الثورة الاجتماعية في الفترة بين الدولتين القديمة والوسطى .

والصلوات الموجهة إلى الأرباب أو الترنيمات والأناشيد الدينية كما يطلق عليها علماء المصريات - تخلو إلى حد بعيد وحتى نهاية الدولة الوسطى من أية إشارات إلى العلاقة بين المتعبد وإلهه ، وتتضمن في معظمها وصفا دقيقا نسبيا للمظهر الخارجي الذي تتجلى فيه المعبودات في تماثيلها ورسومها ولتيجانها وصولجاناتها الإلهية ، وعن القوة وألقاب الشرف التي أضيفت على آلهة بعينها من الآلهة الأخرى ، أو التي أطلقها البشر عليها في مختلف المواقع بمصر . وهي صروات منسوجة بخيوط أسطورة غاصة بالإشارات (المثيولوجية) مما يجعل استقرارها فضلا عن فهمها أمر بالغ التعقيد بالنسبة للقارئ المعاصر دون شرح مطول لها . وعلى الرغم من ذك فإن المجازفة بإضافة معلومات ضئيلة للغاية إلى صفات الآلهة من مثل هذه الصلوات لايمنعنا من إيراد نموذجين كاملين منها ، وهما يوضحان لنا أيضا كيف أن المعلومات التي توجد في مثل هذه الأناشيد ، والتي تبدو ظاهريا بأنها غنية بها ، سرعان ما تسفر عن ندرتها وتتبدد في غمار هذه النصوص بمجرد إشباع المصري القديم لمشاعره الدينية إزاء آلهته . والصلاتان اللتان سنقتبسهما هنا إحداهما ، ترتل صباحا للشمس المشرقة ، والأخرى للإله (مين - حورس Min-Horus) وتجري الأولى منها كالتالي :-

(( المجد للإله (حر آختي ، خبري) الذي وجد بذاته ، كما هو جليل إشراقك في الأفق غامرا الأرضين بضيائك وكل الآلهة تبهج لرؤيتك ، كملك لكل السماوات بينما تقبع الكوبرا الملكية على مفرقك ، ويستقر تاجا الوجهين القبلي والبحري على جبهتك ، والإله تحوت ثابت على مقدم سفينتك ، موقعين صارم العقاب بأعدائك ، وعند اقتراب موكبك يقدم هؤلاء الذين في العالم السفلى ليتطلعوا إلى سناء بهائك )) .

الصلاة الثانية كما يلي : ((إنني أعبد (مين) وأعظم (حورس) الذي يرفع شامخا ذراعيه . المجد لك (مين) في ظهوره ورياشه الشاهقة ابن (أوزيريس) المولود من (إيزيس) المقدسة ، العظيم في (محراب سنوت Senut - Sanctuary) القوي في (إبو Ipu)رب (قفط Koptos) ، حورس الرافع ذراعه ، سيد التبجيل ، ذو الكون الجليل عاهل الآلهة جميعا الغني بطبيعته عندما يقدم من أرض (المادجاي Medjau) المبجل في النوبة أنت ، القادم من بلاد (أوترت Uteret) ))

والحق أننا نقابل فقط منذ الدولة الحديثة صلوات تشير إلى المشاعر الشخصية للأفراد إزاء أربابهم.

والقوى الغامضة التي منحت الآلهة قدرتها على إنجاز أفعالها الخارقة التي تقع خارج نطاق قدرات البشر كانت تسمى (حكا Hike) وتعني القوة السحرية . وهي ليست وقفا على الآلهة وحدهم بل قد يحوزها بعض من الأحياء مثل السحرة الذين يفترض إتيانهم بأفعال لا يقدر عليها إلا المعبودات ، وإن كانت الآلهة فقط والملك الحي معهم هم الذين يملكون هذه القوة (حكا) على مستوى أرفع من غيرهم ، وإن كان من الطبيعي إذا استحوذ أحد السحرة من الأحياء على قدر من هذه القوة أكثر من تلك التي يمتلكها معبود بعينه فإن الأخير يصدع لأمره مسخرا لخدمته ومساعدته . ولقد اعتقد السحرة أحيانا أو على الأقل ادعوا بأنهم يملكون معرفة أعظم في ذلك الفن الغامض من أحد المعبودات . والإله في هذه الحالة لا يستحث على الخضوع لمشيئة البشر ، بل يجبر على التخلي عن استقلاليته ويفرض عليه ذلك التعاون . ولم يكن الآلهة والأحياء فقط في حاجة إلى السحر فلقد كان من المعتقد أن الموتى كذلك يحتاجون إليه ربما بدرجة أعظم . والأدب الجنائزي المصري خاصة في نصوص الأهرامات في الدولة القديمة ، ونصوص التوابيت في الدول الوسطى، وفي فصول كتاب الموتى بالدولة الحديثةاحتوت على قدر عظيم من التعاويذ السحرية التي صيغت أصلا لصالح الأحياء ، ثم وضعت في المقابر لمنفعة الموتى . وطبقا للطبيعة فوق البشرية لكل من عالمي الآلهة والموتى - فإن الأفعال التي تأخذ مكانها في هذين العالمين ، وأي اتصال يعقده الأحياء معهم - يتعين أن يتم من خلال القوى السخرية وحدها . فكل فعل ديني هو سحر من وجهة النظر المصرية ، واللغة المصرية القديمة لاتحتوي على كلمة مباشرة تعني (ديانة) وإن كانت كلمة (حكا) أو القوة السحرية أقرب كلماتها إلى ذلك المفهوم .

ومن وجهة نظر عصرية بحتة يمكن أن نقتصر على استخدام كلمة (سحر) للدلالة على الأفعال التي يأتيها الأحياء لصالح موتاهم سواء قام بها ساحر أم أفراد آخرون والتي تنطوي طبيعتها على قدر من الصعوبة من شأنها أن تتطلب استخدام القوى فوق الطبيعية . ومن ذلك يتعين أن يبتهل إلى الآلهة والموتى في طلب عونه للإتيان بهذه الأفعال السحرية . والحق أن مثل هذه الأفعال في حد ذاتها تقع خارج نطاق دراسة الديانة المصرية القديمة .

وانعكاس القوى السحرية تأخذ مظهرها من خلال عمل أو كلمة ، ويمكن ملاحظتها وسير أثرها من كل أحد في عالمنا المرئي ، لكن إلى جانب ذلك العالم وعلى صعيد مقابل فإن هذه القوى لها فاعليتها في عالم آخر تصوري وله وجود حقيقي كعالمنا ، وسحر الآلهة والأحياء من السحرة كان قويا للدرجة التي تبدو آثاره - ليس فقط في عالم مافوق الطبيعة- لكن أيضا في العالم المادي المنظور . فالإله (خنوم يشكل المواليد على عجلة الفخراني وبذلك خلق البشر . ولكن الكلمة - خاصة صيغة الأمر - تملك قوتها السحرية والنطق بها يرجع أثره إلى عالم مافوق الطبيعة ، وهذا هو السبب في أن الكلمات الطيبة المباكرة كانت مطلوبة بينما الشريرة منها كاللعنات يتعين على الأبرار تجنبها . أما أسماء الأفراد والأشياء فكانت ترتبط بجوهر الشخص أو الشيء الذي تطلع عليه ، ومعرفة حقيقة هذه الأسماء يمنح العارف بها سلطة فعالة على حامليها ، فالإله (بتاح) خلق الأشياء في العالم المادي بمجرد أن نطق أسماءها .

أيضا تضمنت الكتابة ما تتضمنه الكلمة والفعل من قوة سحرية ، وهو اعتقاد لم يكن قاصرا بكل المقاييس على مصر القديمة . إذا تذكرنا أن كلمة (أجرومية Grammer) (التي تعني المعرفة وتعلم الكتابة) هي أصلا جذر الكلمة الإنجليزية (Glamour) التي تقابل (تعويذة أو ترتيلة سحرية) ، وكذلك الكلمة الفرنسية (Grimoir) التي تعني (كتاب التعاويذ السحرية) . والكتابة المصرية الهيروغليفية بما تحتويه من علامات صورية لكائنات حية أو أشياء مادية كانت منطوية على طاقة سحرية كامنة أكثر من أي نوع آخر من أنواع الخطوط ، وفضلا على قوة الكلمات السحرية في حد ذاتها فإن الرسوم الفردية للبشر والحيوان التي تشكل العلامات الكتابية المكونة لكلمات تحمل في حد ذاتها أيضا وجودا صحريا . وقد حققت الآلهة التي تستقر أو تتقمص أشكال حيوانات أو أشياء مادية أو التي جسدت الظواهر الطبيعية ومنذ وقت مبكرا - تعبيرا عنها في هيئة بشرية . ولكن إلى جوارها وجدت بعض المعبودات الأخرى التي تعبر عن مفاهيم أو أنشطة مجردة تجسيدا لها ايضا في أشكال إنسانية ، فالعلامات الكتابية الهيروغليفية المصورة في هيئة بشرية أضيفت في سياق تطور الكتابة المصرية إلى المفردات المجردة للغة . وبذلك أصبح ممكنا معاملة مثل هذه العلامات البشرية الشكل على قدم المساواة مع المعبودات الأخرى التي تزخر بها الأساطير والفنون التصويرية ، وكانت تزود عند كتابتها عادة برمز أو علامة معينة تجعل من السهل لأي مصري إدراكها مباشرة .

وقد سبق الحديث عن جسيد مفهوم (القدر) لمبناه الطيب كإله في هيئة بشرية هو (شوي Shoy) وكذلك مفهوم الحضانة أو الرعاية في إلهة أنثى (رننت) Renenet) ويمكن أن نضيف هنا نماذجا لتجسيد الأشياء المادية في شخوص آلهة بشرية فالمعبود (نبري Napri) هو إله القمح ، كما كانت هناك إلهة للذهب (نوب Nub) واسمها أضحى نعتا منذ عصر مبكر من نعوت الإلهة (حتحور) ، كما كانت لقربان ماء التطهير البارد إلهة (كبحوت Kebhowet) ، كذلك جسدت بعض الأنشطة العملية أيضا في شخوص إلهية ذات هيئة بشرية مثل (النسيج Weaving) الذي رمزت له الإله (تايت Tayet)() و(عصير الخمر Wine-pressing) رمز له الإله (شسموShesmu) . وفي نطاق المفاهيم المجردة عن الوقت والتقويم نجد الإلهة (رنبت Ronpet) تجسيدا للسنة المصرية ، بينما المعبودة (آخت|) عن موسم الفيضان و (برويت Proyet) عن الربيع ، أما فصل الصيف فيجسده الإله (شمو Shomu) . وتحدد الكلمة المصرية مؤنثة كانت أم مذكرة جنس المعبود الذي تعبر عنه هذه الكلمة بل إن المفاهيم الجغرافية كانت لها أربابها فالإلهة (سخت Sokhet)(57) ترمز للسهول الزراعية والحقول والإله (حا Ha) رمز عن الصحراء ، أما اتجاه الغرب الجغرافي فتجسده الإلهة (أمنتت Amentet) وهذه الإلهة تصور وهي تحمل العلامات الهيروغليفية التي تعني المفهوم الذي تجسده ، مثل العلامة التي تعطي معنى الحقل والصحراء والغرب على التعاقب . وربما كانت أعظم مظاهر التجسيد الإلهي للمفاهيم المجردة هي الإلهة (ماعت Ma'et) التي شخصت معنى لاحق والصدق ، والتي عبرت عنها اللغة المصرية القديمة بكلمة واحدة هي (ماعت) والربة التي تحمل هذا الاسم الذي ظهر منذ الأسرة الثانية صورة في هيئة بشرية أنثوية منذ عصر مبكر أيضا حاملة على رأسها (ريشة نعام) على ما يبدو والتي أصبحت لسبب لانعرفه رمزا لها . والإلهة (ماعت) هي ابنة إله الشمس (رع) الذي يحكم طبقا لمبادئ راسخة من الحق والعدالة قررها كناموس عام ، ولذلك نرى هذه الربة دوما وهي تقف في مقدمة مركب الشمس المقدسة بصحبة رع خلال رحلته عبر السماء .

ولقد كانت القوة هي أعظم صفات الأرباب تجليا ، وكانت النصوص تشير إليها بالكلمة المصرية التي تعبر عن هذه الصفة (سخم Sekhem) ، بل وعبر عنها بصولجان القوة أو السلطة الملكية وهو ذو شكل خاص أطلق عليه سخم sekhem أي (القوة) . وكان من أوصاف الإله أوزيريس (القوة العظيمة sekhem) أو (قوة سخم) ، كما لقب نفسه (بصولجان القوة العظيم) فعلى الرغم من الهيئة البشرية الكاملة لأوزيريس فقد صور في الشكل المادي كصولجان على جدران معبده في أبيدوس ، وكان يحتفظ بصولجان كبير الحجم يوضع في مقصورة داخل محراب هذا المعبد ، يحمل عبر المدينة في مواكب الأعياد الدينية ، وكان الغطاء الذهبي المنحوت علىش كل رأس إنساني والذي يغطي به هذا الصولجان يذكر بالهيئة البشرية الأصلية للإله أوزيريس وينتهي الصولجان بريشتين مرتفعتين مثبتتين كتاج على الرأس الإنساني للصولجان ، بينما يقبع ثعباني كوبرا على مفرق الرأس المطعم بالخزف الأزرق والأحجار الكريمة والذي زين بالشرائط التي تعطي شكلا أشبه بشعر مستعار (أو باروكة) .

ولو كان المصريون أكثر اتساقا ومنطقة وأقل تناقضا لتعين عليهم أن يضفوا نظاما أكثر انسجاما للآلهة التي واجهتهم عندما حققوا الوحدة السياسية الشاملة للبلاد للمرة الأولى ، ولقد كان من المتيسر لهم أن يحددوا - بجلاء وبصورة أقل تداخلا - صفات كل الآلهة المختلفة وتعريف مجال نشاطها الحيوي ونفوذها في علاقاتها فيما بينها ، كما فعل الإغريق في مجمع آلهتهم المحلية عالمية شاملة . وعندما تفرض السيادة السياسية المرحلية لعاصمة ما تصاعد نفوذ إلهها الحامي فإن السبيل المتاح أمامهم هو توحيد آلهتهم المحلية الأخرى مع هذا الإله لكي تحتفظ جميعها ومن خلاله بطابعها المطلق العام ، وإن كان ذلك لم يحدث لبعض المعبودات الأقل شأنا والتي كان لها مجالاتها المحددة دون تمتعها بطابع مطلق ، وقد أضيفت عليها مؤخرا وبدورها بعض المفاهيم المجردة العامة .

تحوت وأنوبيس

ومن بين الآلهة الهامة إلهان لم يتعاظما يوما ما إلى منزل رفيع مطلق ، وبقيا دائما إلهين من الصف الثاني ، برغم أنهما عبدا في كل أنحاء مصر وهما : (تحوت وأنوبيس) ، وحسب منطق المجتمع البشري كانت صلتهما بالإله الأكبر تشبه مركز الوزير بالبنسبة للملك ، ففي عالم الأحياء كان (تحوت) يرتبط مع الإله الأكبر (رع) ، بينما (أنوبيس) يعمل في عالم إله الموتى (أوزيريس) ، ورغما عن ذلك نجد (تحوت) يتسرب إلى نطاق مملكة (أوزيريس) ويصبح مرتبطا بأنوبيس كما سنعرض لذلك لاحقا .

(وتحوت) إله القمر كان إلها أيضا للحكمة والمعرفة ، ويمكن تفسير هذه العلاقة بالقمر بما أثاره هذا الكوكب في نفوس المصريين القدامى من توقير للأشكال التي كان يتجلى بها على مدار الشهر القمري . ولذلك أطلق على تحوت (سيد السماء) و(الغامض) و(المجلل بالأسرار) و(الصامت) و(رمز الحكمة والوقار) ، كما نعت جمال اللل وهكذا . ولقد كان الإحتفال الأكبر لتحوت يجري في الشهر الأول من التقويم المصري ، ومنذ الدولة الحديثة فصاعدا أطلق على ذلك الشهر اسم تحوت أو (توت) في اللغة والقبطية . والحق أن المظهر الحزين الصامت للطائر (إبيس) كان وراء ارتباطه بتحوت كرمز من رموز هذا الإله الذي كان يطلق عليه مباشرة أحيانا (إبيس Ibis) ، كذلك القرد (البابون Baboon) ارتبط بشكل مابذلك المعبود الذي أطلق عليه أيضا (المهيب العظيم) في العصور الأكثر تأخرا . وألقاب تحوت (العارف) و(المتمرس في المعرفة) تعكس جوهرة كمطلع على عالم السحر وقواه الغامضة فهو (سيد السحر) و(العظيم في السحر) وأيضا هو مخترع الكتابة وواضع القوانين والناموس التقليدي الذي تنطوي عليه الكتب المقدسة . وهو نفسه بصفته كاتبا فذا كان إلها حاميا لطبقة الكتاب المصريين ، وفي الدولة الحديثة صور في شكل تمثال كاتيب جالس يمارس العديد من المهام ، لأنه واهب المناصب لأولئك الذين يحبهم ، خالعا العظمة على من يثبت مهارته منهم في وظيفته لأنه في المنزل الأسمى في هذه المهنة المبجلة فهو (كاتب) أو (كاتب رسائل) الآلهة ( ومسجل حسابات) إله الشمس . وطبقا لأسطورة قديمة عمد بحكمته إلى تهدئة النزاع بين الإلهين المتقاتلين (حورس وست) . وبسحره أمكن له شفاء عين (حورس) التي جرحت أثناء القتال وأصبحت مرة أخرى بارئة (Udjat) من أي سوء ، وقد شملت معارف تحوت لغات الشعوب الأخرى ، وربما لهذا السبب حمل لقب (سبد البلاد الأجنبية منذ الدولة القديمة .

وبصفته كاتبا ، كان تحوت مصاحبا لإله الشمس في العالم السفلي ، مدونا له على لوحته الكتابية نتائج وزن قلوب الموتى في ميزان العدالة ، وهو يؤدي عمله هذا بصدق وإخلاص وإتقان لأنه كان (محبا للحقيقة مبغضا للزيف) .

أخناتون والديانة الآتونية

وكما رأينا من قبل وصل المصريون إلى مفهوم الإله المطلق أو العالمي رغم عدم قدرتهم على التخلي عن الآلهة الأخرى التي توارثوها عن الماضي ، فالإله الأكبر تتبلور مكانته الجديدة تحت العديد من الأسماء طبقا للإقليم أو المؤسسة السياسية المسيطرة لفترة ما ، بينما تعتبر المعبودت الأخرى مجرد صافت أو أقانيم مختلفة للذات الإلهية هذه . وقد حدث مرة واحدة فقط في التاريخ المصري أن بذلك محاولة جادة لتقديم مفهوم توحيدي حقيقي مع إنهاء دور كل الآلهة العديدة الأخرى ةعقائدة المقدسة ، وهي محاولة لم يكن مقدرا لها أن تنال أي فرصة للنجاح حتى ولو فرصة مؤقتة ، مالم تكن قد تمت بمبادرة من شخص يعتلي قمة السلطة في البلاد ، مما أتاح له إمكانية هذا التغيير وهو الملك نفسه (أمنحوتب الرابع)من الأسرة الثامنة عشرة أو (أخناتون) الذي كسب شهرته بصفته المصلح وأيضا المهرطق الأوحد في تاريخ الديانة المصرية. ولسوء الحظ فإننا لانعرف إلا القليل عن هذا لاملك الشاب وعن الدوفع التي قادته إلى هذا الإصلاح الديني ، وتسفر - كما تبدو - صورة عن جسد رقيق ضعيف وعن صحة غير مؤكدة وعلى ذلك فإنه لم يكن معدا لمستقبل عسكري ، وربما أدى به ذلك إلى التركيز على عالم الفكر والتحليق في عالم مافوق الطبيعة . ولقد كان الإله الأعظم في هذا الوقت هو (آمون رع) ، وفي (رع) باعتباره الجوهر الإلهي السمائي ومن المعبود (حورس) ثم (رع حور آختي) الذي صور في جسد إنسان ورأس صقر .

ولقد كانت هناك بالضرورة وفي وقت ما - دوائر دينية تضفي أ÷مية على الطابع المادي البحث لإله الشمس باعتباره قرص الشمس أو (آتون) وهو اسم تردد بتواتر متزايد في عهد (أمنحوتب الثالث) والد (أخناتون) وسلفه الملكي المباشر ، ولقد كان هذا هو مفهوم إله الشمس كما قدمه (أمنحوتب الرابع) ، وفكر فيه باعتباره هو قرص الشمس (آتون) ، لكنه دفع بتأملاته تدريجيا قبل أن يصل بها إلى نهايتها المعروفة ، والحق أنه حتى بعد توليه الملك مشتركا مع والده المسن والمريض كان مايزال يشيد مبانيه الدينية مكرسة للإله (آمون رع). ولم تعكس آثاره حتى هذه المرحلة أية ملامح لما سيكون عليه فكر الدين التوحيدي ف المستقبل ، لكن سرعان مانرى الملك بعد ذلك يقدم صلواته وطقوسه الدينية لإله جديد يحمل اسما طويلا يقرأ كالتالي : (الحي رع حور آختي رب الأفقين الذي يبتهج الأفق باسمه (شو) الذي هو آتون) . وليس من السهل فهم هذا التعريف الذي شكل جوهر تعاليم هذا الملك ، ف(شو) هنا هو إله قديم للأثير ولاضوء (66) ، وليس إلا اسما آخر للمعبود (رع حور آختي) والذي هو قرص الشمس أو (آتون) . ويشير اسم (رع حور آختي) إلى أن هليوبوليس كانت هي المنبع الذي استقى منه (أمنحوتب الرابع) فكره الجديد ، فكل عناصر هذا الفكر قديمة وإن كانت قد صيغت من جديد ، بل وهناك أيضا أدلة تصويرية بأن الإله الجديد كان يمثل حتى في هذه المرحلة في شكل بشري برأس الصقر .

ولقد اقتصر الأمر فقط على تقديم ذلك الإله الجديد على قدم المساواة مع الآلهة الأخرى ولم يكن هناك ثمة قضية جديدة ، فالديانة المصرية عبرت عن تسامحها وكرمها دوما ، وطالما قبلت لاكثير من المعبودات لجديدة القادمة من خارج مصر في مجمع الآلهة المصرية ، ولكن الإهدار الكامل للإله (آمون) وعدم ربط اسمه باسم الإله الجديد قد عقد الأمور ، فبالنسبة (لأمنحوتب الرابع) لم يجعل (لآمون) أي دور في الديانة الجديدة ، ولاريب أن ذلك قد تسبب في تفجير غضب عظيم بين كهنة آمون . وعندما عمد الملك في السنة الخامسة من عهده أو السادسة إلى إعداد ترتيبات الإحتفال بالعيد الثلاثيني أو الحب (سد) - وهو عيد مازالت طبيعته الحقيقية غامضة بالنسبة لنا - كان قد تخلى عن الهيئة البشرية الأصليةلآتون ، وهو الاسم الذي أطلقه على إلهه الجديد ، ثم بدأ في إبرازه كجوهر سمائي في شكل قرص الشمس تخرج منه ألأشعة منتهية بأيدي بشرية ، تحمل كل يد منها العلامة الهيروغليفية الدالة على الحياة ، وهي تكاد تلامس أنف الملك أو أعضاء عائلته المكونة من زوجته الملكة (نفرتيتي) وبناته الأميرات ، حيث لم ينجب (أمنحوتب الرابع) أي أبناء ذكور . والجديد هنا أن الإله (آتون) قد اشترك مع الملك ف الإحتفال بالعيد الثلاثيني وأصبح اسمه حينذاك (آتون الحي العظيم في عيد اليوبيل الثلاثيني) . وبذلك أضحى ذلك الإله سيدا أعلى ، وملكا في عين الوقت كما أحيط اسمه الكامل في خرطوشين ملكيين كأي اسم فرعوني حقيقي .

ولقد قرر أخناتون أخيرا بناء عاصمة ومقر جديد لإلهه ولبلاطه الملكي ، ووقع اختياره لذلك على بقعة لم ترتبط من قبل باسم أي معبود ، أو حتى مخلوق بشري ، تقع قرب منتصف المسافة بين مدينتي طيبة ومنف في جوار قرية العمارنة الحديثة بمصر الوسطى ، مطلقا عليها اسم (أختاتون Akhetaton) أو (أفق آتون) . ومن المؤكد أن الدافع الذي حدا بالملك إلى اتخاذ هذا القرار يرجع إلى المقاومة المتزايدة لكهنة (آمون) ضد إلهه الجديد ، والذي استجاب لها الملك باضطهاده لعقيدة (آمون) وكهنوته ، فعمل على محق ذكرى ذلك الإله من على المعابد والآثار وأزيلت صور وأسماء آمون في موجة من التعصب المتهوس . وقد ذهب الملك بعيدا في ذلك الاتجاه إلى الحد الذي تخلي هو نفسه عن اسمه الأصلي (أمنحوتب) والذي يعني (آمون راض) متخذا له اسما جديدا (أخناتون أي المفيد أو المرضي لآتون) . ولم يقف تعصب الملك عند حدود (آمون) وعقيدته ، بل تنكر أيضا للآلهة الأخرى رغم أن اضطهاده لها كان أقل إصرارا وأوهى تنظيما من اضطهاده (لآمون)، فأزيلت وعطلت معابدهم ، بينما أقيمت الهياكل المقدسة (لآتون) في مختلف مدن مصر ، وبذلك أضحى (آتون) الإله الأوحد وليس مجرد إلها متفردا بين أقرانه . ولقد أزيلت بالتالي صيغة الجمع التي تدل على أكثر من إله واحد (أي آلهة) من وقت لآخر في النقوش القديمة . أما (نفرتيتي) زوجة (أخناتون) فقد غيرت اسمها أيضا إلى (نفر - نفرو - آتون) أي (جميل هو بهاء آتون) كما حملت الأميرات من بنات الملك بدورهن أسماء تحتوي على سم الإله الجديد.

وفي العام السادس من حكم (أخناتون) أضحت البقعة التي تنطوي على مقره الجديد محددة بواسطة عدة لوحات حجرية ضخمة غطيت بالنقوش التذكارية لإنشاء هذا المقر ، وأنجز العمل في بناء المدينة المتسقة بهمة عظيمة التي لم تنس بها شيء بدءا من العديد من معابد (آتون) والقصور الملكية للفرعون وعائلته والمساكن الفسيحة للمقربين من بطانته نزولا بمقابر الملك وأتباعه التي حفرت في التلال الشرقية للعاصمة. وكان المعبد الأكبر (لآتون) يضم بضع أفنية ومذبحا للقرابين مشيدا في الهواء الطلق المفتوح للسماء مشبها بذلك معابد الشمس في الأسرة الخامسة . وعلى نقيض معابد الآلهة التقليدية التي كانت تقبع في محاريبها أو قدس الأقداس بها تماثيل هذه الآلهة دون استثناء في ظلام تام .

وقد انتقل (أخناتون) إلى عاصمته الجديدة آليا على نفسه - في قسم له ضمنه مرسوم تأسيسها - ألا يغادرها مرة أخرى ، ثم استرسل في تأملاتها الروحية دون أن يبذل أي جهد أو اهتمام بالأحداث التي كانت تجري في ذلك الوقت بالممتلكات المصرية في سوريا وفلسطين وهي على حافة الإنهيار تحت ضغط الهجمات التي لاتتوقف من الأعداء. وفي العاما لعاشر من حكم (أخناتون) الملكي تم إسقاط اسم (حورس) من اسم الإله الجديد ، وأصبح الشكل النهائي كالتالي : (رع الحي حاكم الأفقين ، متهلالا في الأفق في اسمه رع ، الأب الذي تجلى مرة أخرى كآتون) . وبذلك اختفت الرابطة الأخيرة التي كانت تصل الديانة الجديدة مع القديمة ، بل ويبدو كما لو أن الفقرة التي تقرأ (الذي تجلى كرة أخرى كآتون) قدمت مفهوما بعود مجدد لحكم إله الشمس المباشر وغير المحدود على الأرض ، والذي انقطع منذ الإرتفاع (المثيولوجي) للإله إلى سماواته العلى . ويقرر الملك في نقوشه أن تعاليمه الجديدة إنماهي فيض من أبيه آتون ، كما لو كانت رؤية إلهية تجلت له كنبي . ولقد كانت المذامين الأكثير بساطة للعقيدة الجديدة مصاغة في شكلها الأفضل في نشيد (آتون) ، والذي وصل لنا منه نصان أحدهما مطول والثاني مختصر دبجهما الملك نفسه في تمجيد الشمس وتعظيم بركاتها من الضوء والحياة والحب والصدق صيغت فقراتها في كلمات بسيطة وإن كانت بالغة التأثير .

ومن المحتم أن العديد من أتباع الملك قد شاركوه إيمانه الديني الجديد ، ليس فقط ممن أحاطوا به في عاصمته ، بل ربما في أماكن أخرى ، وإلا كان من المتعذر تنفيذ أوامره بالكفاءة التي تم بها هذا التنفيذ ، وإن كن من الجانب الآخر أن العقيدة الجديدة قد كسبت العديد من هؤلاء الأتباع بسبب الآفاق الرحبة التي تضعهم عليه هذه العقيدة في البلاط وجهاز الإدارة الأخناتوتي ، كما لم يتردد الملك من غمر غيرهم بعطاياه الثمينة لضمان دعمهم له . ولقد كانت هناك دوائر في البلاد تعتبر (أخناتون) فاقدا للرشد وتفيض بكراهيتها له ، أما بالنسبة للعامة والطبقات الدنيا من الشعب فإن السمو الفكري لمبادئه عزلتهم عنها وزادتهم التصاقا بمعتقداتهم القديمة . ففي حي العمال في العاصمة الجديدة أخناتون وجدت أدلة أثرية على عدم تركهم لأي من آلهتهم القديمة الرئيسية منها أو الصغرى ، مثل المعبودة (توريسToeris) التي كانت تصور في هيئة فرس البحر والإلهين (بس Bes وشد Shed) وكذلك الإلهتين (حتحور وإيزيس) ، وربما أن الملك وحاشيته المقربة لم تلق بإلا إلى الآراء الدينية المتحجرة لهؤلاء العمال من رعاياهم .

ولقد اقترح البعض رأيا مفاده أن مبادرة (أخناتون) الروحية استهدفت أساسا تشييد ديانة عالمية تحظةى بالقبول من كل شعوب الإمبراطورية ، وذلك بتجريدها من الملامح المصرية البحتة ، خاصة في مصاف الأساطير ، وربما كان (أخناتون) مدركا بالفعل للطابع الدولي لإلهه ، ولكن من غير المتوقع أن يكون من ذلك الضرب من الرجال الذي يستوحون مبادئهم من مجرد المتطلبات العملية السياسية . فعلى النقيض من ذلك كان يبدو مدفوعا بحماسه الديني النقي ، وليس ثمة دليل مؤكد على محاولته التبشير بديانته لشعوب خارج حدود مصر ، فيما عدا إطلاق اسم (جم آتون Gematon) على مدينة بالنوبة ، مشتقا من اسم إلهه ، وبنائه لمعبد له هناك . والحق أن كان مستغرقا تماما في ضرب من التبتل والتأمل الباطني لذات إله ، ولم يعرب عن اهتمام له خاص فيما عدا افتتانه بإله وبأفراد عائلته .

وتبدو الأهمية التي عقدها الملك على قيم الحقيقة والصدق في أسلوبه الذي أمر بأن يوصف فيه (الملك الذي يحيا على الصدق) ، ورما كان الصدق هنا دلالة على الواقعية التي أراد أن يضيفها على نفسه ويضيفها غيره عليه . والحق أن العنصرين غير الواقعيين الوحيدين في صور إلهة كانتا فقط الحية المقدسة وأشعة الشمس التي تنتهي بأيدي بشرية قابضة على علامة الحياة. وإن كانت هذه الأيدي قد تبدو مجرد تعبير شعري ، والحية الكوبرا مجرد رمز ملكي قديم . وتبدو لنا هذه الواقعية الجديدة في الدفقة التي دفع لها الملك في شرايين الفن المصري خاصة الأسلوب الذي تم به تنفيذ رسومه الشخصية سواء في التصوير أو النحت . كما نرى في النقوش الكتابية من عهده أن القيم الصوتية المنطوقة للكلمات أضحت تسجل في الكتابة ، كما أن اللغة القديمة التي كان من لاصعب فهمها على ذلك العهد والتي لم تكن بعد مستخدمة دائما قد تم التخلي عنها نهائيا .

ولقد كانت وفاة (أخناتون) بعد حكم استمر سبعة عشر عاما بمثابة بداية النهاية لديانته بعد أن اختفى المبشر الذي نظمه وفرضها معا ، وانطلقت بهذه الوفاة قوى ردود الفعل ضدها . وتحول خليفته الثاني (توت عنخ آمون) (أو الصورة الحية لآتون) إلى الديانة القديمة بعد أن غير اسمه إلى (توت عنخ آمون) أي (الصورة الحية لآمون) ، كما عرف أنه عاد إلى العاصمة الأصلية طيبة حيث دفن هناك. وبدأ اضطهاد ذكرى (أخناتون) منذ العهد الملكي (لحور محب) خليفة (توت عنخ آمون) فدمرت أسماؤه الملكية وصوره ، كما أزيلت أسماء إلهه (آتون) - التي كانت مدونة داخل خراطيش ملكية - من كل مكان وجدت به . ومن المثير رغما عن ذلك أن هذه النقمة كنت موجهة بصفة رئيسية ضد شخص صاحب العقيدة الآتونية ، أكثر مما كانت ضد الإله (آتون) نفسه . والحق أن قرص اشمس الذي تنتهي أشعته بايدي بشرية لم تعد تصور مرة أخرى ، لكنها تركت على لآثار دون أن تمس . أما (أخناتون) فقد احتمل مكانه في التاريخ المصري ، وبالصورة التي رأته بها أعين كهنة (آمون) باعتباره (عدو أخيتاتون الخسيء) ، أما عهده الملكي فقد أشيير إليه (بسنوات الخارج أو المهرطق) .

نحو توحيد البلاد

كانت الجماعات أو القبيلة في حالتها الساذجة تلتف حول صورة حيوان أو نبات سواء أكان حقيقيا أو رمزيا ، وكانت تتخذ ذلك لها بمثابة إله أو وثن تعبده ، وبعد ذلك أخذت القبائل تتجمع وكونت مدنا لكل منها حكومتها.

وهذه المقاطعات كانت في بادئ الأمر مستقلة ، وان كان حكامها لم يطلق عليهم الملوك ، وتجمعت مقاطعات الوجه البحري إلى مملكتين ، الأولى في الغرب وعصامتها بحدت وربما كانت هي نفسها دمنهور حاليا ، والثانية في الشرق وعاصمتها أبو صير بالقرب من سمنود حاليا. وكان اله المملكة الأولى حور واله الثانية عنزتي وقد صار أوزيريس فيما بعد. واندمجت هاتان المملكتان في مملكة واحدة أطلق عليها الوجه البحري وكانت العاصمة الجديدة في بادئ الأمر سايس صا الحجر الحالية في الغربية مركز كفر الزيات ، وكانت الإلهة الرسمية نبت ، ثم أصبحت العاصمة فيما بعد بحدت في دمنهور ، وكان الإله الرسمي فيها هو حور.

وفي الوقت الذي اتحدت فيه الدلتا إلى مملكة واحدة ، تكونت مملكة أخرى في الوجه القبلي مؤلفة من اتحاد عدة مقاطعات عاصمتها بلدة نقادة على مسافة كبيرة من شمالي الأقصر ، وكان الإله المعترف به هو ست مناهض الإله حور ، والظاهر أن الدلتا كانت أقوى من الصعيد ، ولذلك كان ملوك الدلتا أول من فكروا في اتحاد كل مصر تحت سيطرة حاكم واحد. ووحدثت أول ثورة مصرية في الوجه القبلي في نقادة و امبرس (البلاص حاليا) احتجاجا على تسلط الدلتا وانفصل شطراها عن بعض ، فأصبح الوجه البحري للإله حور والوجه القبلي للإله ست وأصبحت مملكة حور أكثر بطشا من مملكة أوزير حتى أنها توصلت إلى إخضاع مملكة ست في الوجه القبلي وقامت بتنظيم وحدة البلاد متخذة عين شمس عاصمة للملك.

ويبدو أن بعض الألهة في الوجه البحري مثل أوزير وحو قد انتقلوا حاملين معهم اسم محل عبادتهم إلى الوجه القبلي. ولذلك نجد اسم المدينة مكررا في القطرين ، فنجد مثلا بلدة عين شمس في الوجه البحري تحت اسم هليوبوليس وبلدة اخرى تحمل نفس الاسم في الوجه القبلي وهي أرمنت وهكذا. ثم قامت عين شمس تطفي نار ثورة دينية في الأشمونيين في مصر الوسطى ، وقد كان الغرض من هذه الثورة أن تحل عبادة إلهها محل عبادة الشمس.

ثم ظهرت مملكتان مستقلتان من جديد في البلاد ، الأولى في الوجه البحري وعاصمتها بوتو المعروفة الآن بتل الفراعنة في شمال دسوق ، والثانية في الوجه القبلي وعاصمتها قفط ثم نخن وهي المعروفة الآن باسم الكوم الأحمر في اتجاه الكاب ، غير أن حور ابن أوزير وهو الذي أخضع نهائيا الوجه القبلي متغلبا على ست ، أصبح الإله الرسمي لكل من هاتين المملكتين.

وقد وحدت البلاد من جديد للمرة الثالثة والأخيرة تحت سلطان عظيم من عظماء أهالي طيبة بالقرب من العرابة المدفونة مركز البلينا. وقد جاء ذكر هذا العظيم في جدول الملوك الذي كتب في عهد الدولة الحديثة باسم مينا ، وقد أطلق عليه اليونان لفظ مينيس. وقد بنى عاصمة جديدة على مقربة من عين شمس العاصمة القديمة ، وقد سماها من-نفر أي الميناء الجميل وهي التي أطلق عليها اليونان اسم منفيس (البدرشين و ميت رهينة) وكان الاله بتاح هو الإله المحلي. ولم يذك رالمصريون إلا أن ملوك الوجه القبلي كانت عاصمتهم نخن. وملوك عاصمة الوجه البحري كانت بوتو ويعرفون كذلك أن ملك الوجه القبلي كان يليس التاج الأبيض وكانت تحميه الألهة النسر نخبت ملك الوجه البحري كانت يلبس التاج الأحمر وتحميه الألهة الصل وزيت أي الثعبان. وذكر إسم مينا ضمن الملوك بحجر بلرم وذلك لأنه محفوظ في بلرمو عاصمة صقلية.

رموز المقاطعات وآلهتها

منذ عهد الأسرة الطينية حوالي 3200 ق.م.3000 ق.م. نرى الأشكال الإلهية المركبة مثل رأس حيوان وجسم إنسان والعكس ويفسر لنا بوضوح انتقال الرمز الى اله بعيد ، كما نشاهد اله العاصمة متميز عن رمز المقاطعة.

وكانت العاصمة تسمى البيت "بر" أو القصر "حت" أو المدينة "فوت" أو الهيكل "زبات" أو المحراب "سخم" أو العمود "إيون" أو الصولجان "واست" للإله كذا. تسمى عاصمة المقاطعة بيت الإله مثال ذلك بوزريس معناها بيت أوزير وبوباسطة وعناها بيت الإلهة باست.

نظرة إجمالية في أصول الديانة المصرية

ديانة القوم أساسها ديانات المقطاعات المختلفة ، وكل اله كانت له منطقة نفوذ ثابتة محدودة في بادئ الأمر ، وهناك آلهة ذات الأهمية النسبية تشاطر الإله الأعظم العبادة بصفتها إما زوجا له أو إبنا ، وأحيانا كان لها عبادة مستقلة وسلطان. فالإلهة حكت التي كانت تتقمص ضفدعة لها أهمية عظمى بصفتها إلهة السحر وإلهة الولادة والبعث. و مالك الحزين الذي سماه اليونان الفنكس واسمه بالمصرية بنو كان مقر عبادته وتقديسه عين شمس وكهنة هذه الجهة كانوا يرون فيه إما الإله أوزير أو روح الإله رع. وفي طيبة نجد الألهة العظيمة موت و رت أي الأم العظيمة وتقصد بصفتها زوجة للإله آمون وكذلك نجد خنسو ابنا لموت وآمون ومنهم جميعا تألف ثالوث طيبة.

والآلهة عند قدماء المصريين كئنات معينة معروفة اتخذ كل منها شكلا ثابتا باقيا لا يتغير ، وقد انفصلت هذه الآلهة عن عالم الأشباح وقد عبد الإنسان بعض الحيوانات لأن فيهم قوة سحرية خاصة ، أو استعطافا لها وقدم خضوعه قرب إليها القربان لينجو من مخالبها وشرورها.

والإسنان له روح مادية تسمى كا تسكن معه في القبر وروح نورانية تسمى با تصعد إلى السماء. أما الآلهة فتختلف عن بني الإنسان وذلك أن الإله يمكنه في كل لحظة أن يترك الجسم الذي يسكن فيه ونتقل إلى حسم آخر كنما يريد لأنه لم يكن عرضة للموت فيما عدا الإله أوزيريس.

ويعتقد المصري القديمة أن الإله قوة أبدية ، وأن الإنسان دائما في حاجة إلى مساعدة الإله. والقوى الطبيعية صارت آلهة مثل: الشمس ، و القمر ، و إله الأرض جب وإلهة السماء نت والإله شو إله الفضاء الذي يفصل بين السماء والأرض. وهناك أساطير مختلفة عن الخلق.

وقد خلقت إقامة الشعائر والطقوس الدينية صلة لا يمكن فصم عراها بين الإله المعبود والإنسان العابد ، وكانت هناك طبقات مختلفة للكهنة.

وكان السحر له تأثير في الديانة المصرية. ومن الأساطير المهمة أسطورة الإله رع وفتكه ببني الإنسان أنهم تآمروا عليه ، وقام تحوت بتخدير حتحور التي أخذت شكل سخمت اللبؤة لتقضي على بني البشر ، وبذلك لم تقض على البشر.

الآلهة حماة النظام الخلقي

وقد مثل المصري العدالة التي تقوم على مبادئها كل المدنية المصرية وحسن سير الجماعة. منذ فجر التاريخ في هيئة إلهة إمرأة وأطلق عليها إسم معات ونسبتها بنت الإله رع إله الكون وزوجها الإله تحوت المنشئ لكل مدنية العالم. والواقع أن نشأة المدنية المصرية التي قوامها العلم والعدل والإدارة الحسنة في نظام الحكم ، يرجع إلى أصل ديني أو اجتهد المصري أن يعزوه إلى أصل ديني وذلك للأن الدين كان متغلغلا فيكل مرافق حياته. فمثل إله العلم تحوت بالطائر إبيس أو القمر وفي يده قلم وقرطاس. ومثل إلهة العدل بإمرأة تحمل ريشة فوق رأسها رمز الرقة والعدالةِ. أما الإدارة ونظام الحكم فكان ممثلا في الإلهة سشات (ومعناها التي تكتب). تمثل على شكل إمرأة جالسة على كرسيها وبيدها قلم و قرطاس.

Egyptian goddess Isis, tomb painting, ca. 1360 BC.
A stele depicting two triads of gods

الإعترافات السلبية- السحر - الفساد

لقد كان الدين في مصر من فوق كل شيء ومن أسفل منه. فنحن نراه فيها في كل مرحلة من مراحله وفي كل شكل من أشكاله، من الطواطم إلى علم اللاهوت. ونرى أثره في الأدب وفي نظام الحكم وفي الفن ، وفي كل شيء عدا الأخلاق. وليس هو مختلف عن الصور والأنواع فحسب ، بل هو أيضا غزير موفور.

ولسنا نجد في بلد من البلاد ، إذا ستثنينا بلاد الرومان والهند ، ما نجده من الآلهة الكثيرة في مصر ، وليس في وسعنا أن ندرس المصري - بل ليس في وسعنا أن ندرس الإنسان على الإطلاق- إلا إذا درسنا آلهته. يقول المصري إن بداية الخلق هي السماء؛ وقد ظلت هي والنيل أكبر أربابه إلى آخر أيامه. ولم تكن الأجرام السماوية العجيبة، في إعتقاده، مجرد أجرام ، بل كانت هي الصور الخارجية لأرواح عظيمة، لآلهة ذوات إرادات - لم تكن متفقة على الدوام- توجه حركاتها المختلفة المعقدة ، وكانت السماء قبة تقف في فضائها الواسع بقرة عظيمة هي الإلهة حتحور والأرض من تحت أقدامها، وبطنها يكسوه جمال عشرة آلاف نجم. وكانت للمصريين عقيدة أخرى (لأن الآلهة والأساطير كانت تختلف من إقليم إلى إقليم) تقول إن السماء هي الإله سيبو النائم في لطف على الأرض ، وهي الإلهة نويت ؛ ومن تزاوج الربين المهولين ولدت كل الأشياء. ومن عقائدهم أن الأبراج والنجوم قد تكون آلهة، من ذلك أن ساحو وسيديت (أي كوكبتي الجبار والشعرى) كانا إلهين مهولين ، وأن ساحو كان يأكل الآلهة ثلاث مرات في اليوم بإنتظام. وكان يحدث في بعض الأحيان أن إلهاً من هذه الآلهة المهولة يأكل القمر ، ولكن ذلك لن يدوم إلا قليلا ، لأن دعاء الناس وغضب الآلهة الأخرى لا يلبثان أن يضطرّا الخنزير النهم إلى أن يتقايأه مرة أخرى. وعلى هذا النحو كان عامة المصريين يفسرون خسوف القمر. وكان القمر إلهاً ولعله كان أقدم ما عبد من الآلهة في مصر ، ولكن الشمس في الدين الرسمي كانت أعظم الآلهة. وكانت تعبد في بعض الأحيان على إنها الإله الأعلى رع أو رى الأب اللامع الذي لقح الأم الأرض بأشعة الحرارة والضوء النافذة. وكانت تصور أحياناً على أنها عجل مقدس يولد مرة في فجر كل يوم، ويمخر عباب السماء في قارب سماوي ثم ينحدر إلى الغرب في كل مساء كما ينحدر الشيخ المسن مترنحاً إلى قبره؛ أو أن الشمس كانت هي الإله حورس مصوراً في صورة باشق رشيق يطير في عظمة وجلال في السماوات يوماً بعد يوم كأنه يشرف من عليائه على مملكته. ولقد أصبح فيما بعد رمزاً متواتراً من الرموز الدينية والملكية.

وكان رع أو الشمس هو الخالق على الدوام، ولما أشرق أول مرة ورأى الأرض صحراء جرداء غمرها بأشعته فبعث فيها النشاط فخرجت من عيونه كل الكائنات الحية من نبات وحيوان وإنسان- مختلطة بعضها ببعض. ولما كان أول من خُلق من الرجال والنساء أبناء رع الأدنين فقد كانوا مكملين سعداء. ولكن أبنائهم انحدروا شيئاً فشيئاً إلى طريق الضلال، فخسروا ما كانوا عليه من سعادة وكمال. وغضب رع من أجل ذلك على خلقه، فأهلك عددا كبيراً من الجنس البشري. على أن العلماء المصريين كانوا يشكون في هذه العقائد الشعبية (كما كان يؤكد بعض العلماء السومريين) أن الخلائق الأولين كانوا كالبهائم لا يستطيعون النطق بألفاظ مفهومة ، ولا يعرفون شيئاً من فنون الحياة. وقصارى القول أن هذه الأساطير كانت في جملتها أساطير دالة على الذكاء تعبر في تقوى وصلاح عن اعتراف الإنسان بفضل الأرض والشمس. وكانت هذه الروح الدينية غزيرة خصبة بلغ من خصبها أن المصريين لم يعبدوا مصدر الحياة فحسب بل عبدوا مع هذا المصدر كل صورة من صور الحياة. فكانت بعض النباتات مقدسة لديهم ، فالنخلة التي تظلل الناس في قلب الصحراء، وعين الماء التي تسقيهم في الواحة، والغيضة التي يلتقون عندها ويستريحون، والجميزة التي تترعرع ترعرعاً عجيباً في الرمال، كانت هذه عندهم، لأسباب قوية لا يستطيع أحد أن ينكرها عليهم أشياء مقدسة. ولقد ظل المصري الساذج إلى آخر أيام حضارته يقرب إليها قرابين الخيار والعنب والتين. ولم يكن هذا كل شيء بل إن الخضر الوضيعة قد وجدت لها من يعبدها، حتى لقد أخذ تين Taine يلهو بالتدليل على أن البصل الذي أغضب بوسويه Bossuet وأحفظه كان من المعبودات على ضفاف النيل.

وكانت الآلهة من الحيوان أكثر ذيوعاً بين المصريين من آلهة النبات. وكانت هذه الآلهة من الكثرة بحيث غصت بها هياكلها كأنها معرض حيوانات صاخبة. وعبد المصريون في هذه المقاطعة أو تلك وفي هذا الوقت أو ذاك العجل والتمساح والصقر والبقرة والإوزة والعنزة والكبش والقط والكلب والدجاجة والخطاف وابن آوي والأفعى؛ وتركوا بعض هذه الدواب تجوس خلال الهياكل ولها من الحرية ما للبقرة المقدسة في الهند حتى هذه الأيام(235). ولما تحولت الآلهة إلى آدميين ظلت محتفظة بصورتها الحيوانية المزدوجة وبرموزها، فكان آمون يمثل بإوزة أو بكبش، و رع يرمز له بصرصور أو عجل، و أوزيريس بعجل أو كبش ، و سبك بتمساح ، و حورس بصقر أو بازى ، و حتحور ببقرة، و تحوت إله الحكمة برباح. وكانت النساء يقدمن أحيانا لهذه الآلهة ليكنّ زوجات لهنّ ، وكان العجل- وهو الذي يتقمصة أوزيريس - صاحب هذا الشرف العظيم بنوع خاص. ويقول أفلوطرخس إن أجمل النساء في منديس كنّ يقدّمن لمضاجعة التيس المقدس. وقد بقيت هذه الشعائر الدينية من بداية الأمر إلى نهايته عنصراً أساسياً قومياً في الديانة المصرية. أما الآلهة من بني الإنسان فقد جاءت إلى مصر في وقت متأخر كثيراً ، ولعلها جاءتها هدايا من غرب آسيا. وكان المصريون يقدسون المعز والعجل تقديساً خاصاً ويعدونهما رمز القدرة الجنسية الخالقة. ولم يكونا مجرد رمزين لأوزير بل كانا تجسيداً له. وكثيراً ما كان أوزيريس يرسم وأعضائه التناسلية كبيرة بارزة دلالة على قوته العظمى ؛ وكان المصريون في المواكب الدينية يحملون له نماذج بهذه الصورة ، أو أخرى ذات ثلاثة قضبان. وكان النساء في بعض المناسبات يحملن مثل هذه الصور الذكرية ويحركنها تحريكا آليا بالخيوط. والعبادة الجنسية لا تظهر فقط في الرسوم الكثيرة التي نراها في نقوش الهياكل ذات قضبان منتصبة، بل إنا فضلا عن هذا نراها كثيرا في الرموز المصرية على هيئة صليب ذي مقبض كان يتخذ رمزاً للاتصال الجنسي وللحياة القوية.

ثم صار الآلهة في آخر الأمر بشراً- أو بعبارة أصح أصبح البشر آلهة. ولم يكن آلهة مصر من الآدميين إلا رجالاً متفوقين أو نساء متفوقات خلقوا في صور عظيمة باسلة، ولكنهم خلقوا من عظام وعضلات ولحم ودم؛ يجوعون ويأكلون، ويظمأون ويشربون ، ويحبون ويتزوجون، ويكرهون ويقتلون، ويشيخون ويموتون ، شأنهم في هذا شأن آلهة اليونان سواء بسواء. من ذلك أن أوزيرس إله النيل المبارك كان يحتفل بموته ولقبه في كل عام، وكان يرمز بموته وبعثه لانخفاض النيل وارتفاعه، ولعلهما كانا يرمزان أيضا لموات الأرض وحياتها. وكان في مقدور كل مصري في عهد الأسر المتأخرة أن يقص كيف غضب ست (أو سيت) إله الجفاف الخبيث الذي أيبس الزرع بأنفاسه المحرقة، كيف غضب هذا الإله الخبيث من أوزيريس (النيل) لأنه يزيد (بفيضه) من خِصب الأرض ؛ فقتله وحكم بجفافه الجبار في مملكة أوزيريس. (ويقصدون بهذا أن النهر الذي يرتفع ماؤه في سنة من السنين)، وظل الأمر كذلك حتى قام حورس الباسل إبن إيزيس فغلب سِتْ ونفاه من الأرض. وعاد أوزيريس بعدئذ إلى الحياة بفضل ما في حب إيزيس من حرارة، وحكم مصر حكماً صالحاً، وحرّم أكل لحم الآدميين ونشر لواء الحضارة، ثم صعد إلى السماء ليحكم فيها ويكون إلهاً. وكانت هذه أسطورة ذات معنى عميق ، ذلك بأن التاريخ- كدين الشرق- ثنائي ، فهو سجل للنزاع بين الخلق والدمار ، وبين الخصب والجفاف ، وبين الشباب المتجدد والفناء، بين الخير والشر ، بين الحياة والموت.

ومن أعمق الأساطير أيضا أسطورة [إيزيس] الأم العظمى. ولم تكن إيزيس أخت أوزيريس وزوجته الوفية فحسب ، بل كانت من بعض الوجوه أجل منه قدراً ، لأنها قهرت الموت بالحب شأنها في ذلك شأن النساء بوجه عام. كذلك لم يكن فضلها مقصوراً على أرض النهر السوداء التي أخصبها مس أوزيرس- النيل فأغنت مصر كلها بإنتاجها- لم يكن فضلها مقصوراً على هذه الأرض ، بل كان لها فضل أعظم من هذا وأنفع ، لقد كانت رمز القوة الخالقة الخفية التي أوجدت الأرض وكل ما عليها من الكائنات الحية، وأوجدت ذلك الحنو الأموي الذي يحيط بالحياة الجديدة حتى يتم نموها مهما كلفها من جهد وعناء. وكانت ترمز في مصر- كما ترمز كالي ، و إستير ، وسيبيل في آسيا ؛ وكما ترالز ديمتر في بلاد اليونان وسيريز في روما- كما ترمز هذه كلها إلى ما للعنصر النسوي من أسبقية وأفضلية وإستقلال في الخَلْق ، وفي الميراث وإلى ما كان للمرأة أول الأمر من زعامة في حرث الأرض ؛ ذلك أن إيزيس (كما تقول الأسطورة) هي التي عثرت على القمح والشعير حين كانا ينموان نمواً برياً في أرض مصر ، وكشفت عنهما لأوزيريس. وكان المصريون يعبدون عبادة قائمة على الحب والإخلاص فصوروا لها صوراً من الجواهر لأنها في عتقادهم أم الإله. وكان كهنتها الحليقون ينشدون لها الأناشيد ويسبحون بحمدها في العشي والإبكار.

وكانت صورة قدسية لها تمثالها وهي ترضع في ريبة طفلها الذي حملت فيه بمعجزة من المعجزات توضع في معبد إبنها المقدس حورس (إله الشمس) في منتصف فصل الشتاء من كل عام، أي في الوقت الذي يتفق ومولد الشمس السنوي في أواخر شهر ديسمبر. ولقد كان لهذه الأساطير والرموز الشعرية الفلسفية أعمق الأثر في الطقوس المسيحية وفي الدين المسيحي، حتى إن المسيحيين الأولين كانوا أحيانا يصلون أمام تمثال إيزيس الذي يصورها وهي ترضع طفلها حورس ، وكانوا يرون فيهما صورة أخرى للأسطورة القديمة النبيلة أسطورة المرأة (أي العنصر النسوي) الخالقة لكل شيء والتي تصبح آخر الأمر أم الإله. وكانت هذه الآلهة- رع (أو آمون كما كان يسميه أهل الجنوب) وأوزيريس ، وإيزيس وحورس- أعظم أرباب مصر. ولما تقادم العهد امتزج رع وآمون وإله آخر هو فتاح فأصبحت ثلاث صور أو مظاهر لإله واحد أعلى يجمعها هي الثلاثة. وكان للمصريين عدد لا يحصى من صغار الآلهة منها أنوبيس إبن آوي ، وشو، وتفنوت، ونفثيس، وكث، وثت؛... ولكننا لا نريد أن نجعل من هذه الصحف متحفاً للآلهة الأموات. إن الملك نفسه كان إلهاً في مصر وكان على الدوام ابن آمون- رع لا يحكم مصر بحقه الإلهي فحسب بل يحكمها أيضا بحق مولده الإلهي، فهو إله رضى أن تكون الأرض موطناً له إلى حين. وكان يرسم على رأسه الصقر رمز حورس وشعار القبيلة ، وتعلو جبهته الأفعى رمز الحكمة والحياة وواهبة القوى السحرية للتاج ، وكان الملك هو الرئيس الديني الأعلى يرأس المواكب والحفلات العظيمة التي تمجد أعياد الآلهة. وبفضل هذه الدعاوى، دعاوى قدسية المولد وقدسية السلطان، استطاع الملوك أن يحكموا حكمهم الطويل غير مستندين فيه إلا إلى قوات ضئيلة.

ومن أجل هذا كان الكهنة في مصر دعامة العرش كما كانوا هم الشرطة السرية القوامة على النظام الإجتماعي. وتطلب هذا الدين الكثير التعقيد أن تقوم عليه طبقة بارعة في فنون السحر والطقوس الدينية لا يمكن الإستغناء عن قدرتها وبراعتها في الوصول إلى الآلهة. وكان منصب الكاهن ينتقل في الواقع إن لم يكن بحكم القانون، من الأب إلى الابن، ومن ثم نشأت طبقة أصبحت على مر الزمن بفضل تقوى الشعب وكرم الملوك أعظم ثراء وأقوى سلطاناً من أمراء الإقطاع ومن الأسرة المالكة نفسها. وكان الكهنة يحصلون على طعامهم وشرابهم من القرابين التي تقدم للآلهة، كما كانت لهم موارد عظيمة من إيراد أطيان الهياكل، ومن صلواتهم وخدماتهم الدينية. وإذ كانوا معفين من الضرائب التي تجبى من سائر الناس ومن السخرة والخدمة العسكرية فقد كان لهم من المكانة والسلطان ما يحسدهم عليه سائر الطبقات. والحق أنهم كانوا جديرين بقسط وافر من هذا السلطان لأنهم هم الذين جمعوا علوم مصر واحتفظوا بها، وهم الذين علموا الشعب وفرضوا على أنفسهم نظاماً دقيقاً قوامه القوة والغيرة. وقد وصفهم هيرودوت وصفاً يكاد يشعرنا بأنه كان يهابهم ويرهبهم قال: "وهم أكثر الناس اهتماما بعبادة الآلهة، ولا يتحللون قط من المراسم الآتية؛.. يلبسون ثياباً من نسيج الكتان نظيفة حديثة الغسل على الدوام.. ويختتنون حرصا منهم على النظافة لأنهم يعتقدون أن النظافة أفضل من الجمال، ويحلقون شعر أجسامهم بأجمعه مرة في كل ثلاثة أيام حتى لا يجد القمل أو غيره من الأقذار مكاناً في أجسامهم.. وهم يغتسلون بالماء البارد مرتين في النهار ومرتين في الليل".

وكان أهم ما يميز هذا الدين توكيده فكرة الخلود. فالمصريون يعتقدون أنه إذا أمكن أن يحيا أوزيريس النيل ، ويحيا النبات كله، بعد موتهما، فإن في مقدور الإنسان أيضا أن يعود إلى الحياة بعد موته، وكان بقاء أجسام الموتى سليمة بصورة تسترعي النظر في أرض مصر الجافة مما ساعد على إثبات هذه العقيدة التي ظلت مسيطرة على الديانة المصرية آلاف السنين ، والتي إنتقلت منهم إلى الدين المسيحي. لقد كان المصريون يعتقدون أن الجسم تسكنه صورة أخرى مصغرة منه تسمى القرينة- الكا- كما تسكنه أيضا روح تقيم فيه إقامة الطائر الذي يرفرف بين الأشجار. وهذه الثلاثة مجتمعة- الجسم والقرينة والروح- تبقى بعد ظاهرة الموت ، وكان في إستطاعتها أن تنجو منه وقتا يطول أو يقصر بقدر ما يحتفظون بالجسم سليماً من البلى؛ ولكنهم إذا جاءوا إلى أوزير مبرئين من جميع الذنوب سمح لهم أن يعيشوا مخلدين في "حقل الفيضان السعيد"- أي في الحدائق السماوية حيث توجد الوفرة والأمن على الدوام. وفي وسع الإنسان أن يحكم على ما كان عليه من يعللون أنفسهم بهذه الآمال من فقر ونكد. إلا أن هذه الحقول الفردوسية لا يمكن الوصول إليها إلا باستخدام صاحب المِعْبر الذي كان للمصريين كما كان شارون ؛ ولم يكن هذا الشيخ الطاعن في السن يقبل في قاربه إلا الرجال والنساء الذين لم يرتكبوا في حياتهم ذنباً ما، وكان أوزيرس يحاسب الموتى ويزن قلب كل من يريد الركوب في كفة ميزان تقابله في الكفة الأخرى ريشة ليتأكد بذلك من صدق قوله. والذين لا ينجحون في هذا الإختبار في النهاية يحكم عليهم بأن يبقوا أبد الدهر في قبورهم يجوعون ويظمئون، ويطعمون من التماسيح البشعة، ولا يخرجون منها أبدا ليروا الشمس.

وكان الكهنة يقولون إن ثمة طرقاً ماهرة لإجتياز هذه الإختبارات ، وكانوا على إستعداد لتعريف الناس بهذه الطرق نظير ثمن يؤدونه لهم. ومن هذه الطرق أن يهيأ القبر بما يحتاجه الميت لغذائه من الطعام والشراب ، وبمن يستطيع الإستعانة بهم من الخدم. ومن تلك الطرق أيضا أن يملأ القبر بالطلاسم التي تحبها الآلهة: من أسماك ، ونسور ، وأفاعي ، وبما هو خير من هذه كلها وهو الجعران- والجعارين ضرب من الخنافس كانت في رأيهم رمزاً لبعث الروح لأنها تتوالد كما كان يبدو لهم بعملية التلقيح. فإذا ما بارك الكاهن هذه الأشياء حسب الطقوس الصحيحة أخافت كل معتد على الميت وقضت على كل شر. وكان خيراً من هذه وتلك أن يشتري كتاب الموتى ، وهو قراطيس ملفوفة أودع فيها الكهنة أدعية وصلوات وصيغاً وتعاويذ من شأنها أن تهدئ من غضب أوزيريس ، بل أن تخدعه. فإذا ما وصلت روح الميت إلى أوزيريس بعد أن تجتاز العدد الكبير من الصعاب والأخطار ، خاطبت القاضي الأكبر بما يشبه هذه الأقوال:


أيا من يعجل سير جناح الزمان ،

يا من يسكن في كل خفايا الحياة،

يا من يحصى كل كلمة أنطق بها -

انظر إنك تستحي مني، وأنا ولدك؛

وقلبك مفعم بالحزن والخجل،

لأني غرتكبت في العالم من الذنوب ما يفعم القلب حزناً،

وقد تماديت في شروري واعتدائي.

ألا فسالمني ، ألا فسالمني ،

وحطم الحواجز القائمة بينك وبيني!

ومر بأن تُمحى كل ذنوبي وتسقط

منسية عن يمينك وشمالك!

أجل امح كل شروري

وامح العار الذي يملأ قلبي

حتى نكون أنت وأنا من هذه اللحظة في سلام


ومن الطرق الأخرى أن تعلن الروح براءتها من الذنوب الكبرى في صورة "إعتراف سلبي". وهذا الإعتراف من أقدم وأنبل ما عبر به الإنسان عن مبادئه الأخلاقية: "سلام عليك ، أيها الإله الأعظم ، رب الصدق والعدالة! لقد وقفت أمامك ، يا رب؛ وجيء بي لكي أشاهد ما لديك من جمال ... أحمل إليك الصدق... إني لم أظلم الناس... لم أظلم الفقراء... لم أفرض على رجل حر عملاً أكثر مما فرضه هو على نفسه... لم أهمل، ولم أرتكب ما تبغضه الآلهة... ولم أكن سببا في أن يسيء السيد معاملة عبده؛ ولم ُأمِت إنساناً من الجوع؛ ولم أُبكِ أحداً ولم أقتل إنساناً... ولم أخن أحداً... ولم ُأنقِص شيئاً من مؤونة الهيكل، ولم أتلف خبز الآلهة... ولم أرتكب عملاً شهوانيا داخل أسوار المعبد المقدسة... ولم أكفر بالآلهة... ولم أغش في الميزان... ولم أنتزع اللبن من أفواه الرضع... ولم أصطد بالشباك طيور الآلهة... أنا طاهر، أنا طاهر، أنا طاهر".

على أن الدين المصري لم يكن فيه ما يقوله عن الأخلاق إلا الشيء القليل ؛ ذلك أن الكهنة قد صرفوا كل همهم إلى بيع الرقى ، وغمغمة العزائم ، وأداء المراسيم والطقوس السحرية، فلم يجدوا متسعاً من الوقت لتعليم الناس المبادئ الخلقية. بل إن كتاب قصة الموتى نفسه ليعلم المؤمنين أن الرقى التي باركها الكهنة تتغلب على جميع ما عساه أن يعترض روح الميت من صعاب في طريقها إلى دار السلام؛ وأهم ما يؤكده هذا الكتاب هو تلاوة الأدعية لا الحياة الطيبة الصالحة. وقد جاء في أحد هذه الملفات: "إذا ما عرف الميت هذا خرج في النهار" أي حيى الحياة الخالدة. ووضعت صيغ التمائم والرقى وبيعت لتخلص الناس من كثير من الذنوب، وتضمن للشيطان نفسه دخول الجنة. وكان من واجب المصري التقي أن يتلو في كل خطوة من خطواته صيغاً عجيبة يتقي بها الشر ويستنزل بها الخير. استمع مثلا إلى ما تقوله أم وآلهة تريد أن تبعد "الشياطين" عن طفلها: "أخرج يا من تأتي في الظلام، وتدخل خلسة... هل أتيت لتقبل هذا الطفل؟ لن أسمح لك بتقبيله... هل أتيت لتأخذه؟ لن أسمح لك بأخذه مني. لقد حصنته منك بعشب- إفيت الذي يؤلمك؛ وبالبصل الذي يؤذيك؛ وبالشهد الذي هو حلو المذاق للأحياء ومر في فم الأموات؛ وبالأجزاء الخبيثة من سمك الإبدو ، وبالسلسلة الفقرية من سمك النهر.

وكانت الآلهة نفسها تستخدم السحر والرقى ليؤذي بعضها بعضاً. وأدب مصر القديم نفسه يفيض بذكر السحرة، السحرة الذين يجففون البحيرات بكلمة ينطقون بها، أو يجعلون الأطراف المقطوعة تقفز إلى أماكنها، أو يحيون الموتى. وكان للملك سحرة يعينونه ويرشدونه؛ وكان الاعتقاد السائد أن له هو نفسه قوة سحرية ينزل بها المطر، أو يرفع بها الماء في النهر. وكانت الحياة مملوءة بالطلاسم والعزائم، والرجم بالغيب؛ وكان لابد لكل باب من إله يخيف الأرواح الخبيثة، أو يطرد ما عساه يقترب منه من أسباب الشؤم؛ وكانوا يعتقدون إعتقادا ثابتاً أن الأطفال الذين يولدون في اليوم الثالث والعشرين من شهر توت سيموتون لا محالة وهم صغار ، وأن الذين يولدون في اليوم العشرين من شهر شرباخ سيفقدون أبصارهم في مستقبل أيامهم. ويقول هيرودوت أن كل يوم وكل شهر مخصص لإله من الآلهة، وأن المصريين كانوا يعينون ما سوف يقع لكل شخص منهم في حياته حسب اليوم الذي ولد فيه، فيعرفون كيف يموت، وماذا سيكون في مستقبل أيامه. ونسي الناس على مر الزمان ما بين الدين والأخلاق من صلات فلم تكن الحياة الصالحة هي السبيل إلى السعادة الأبدية، بل كان السبيل إليها هو السحر والطقوس وإكرام الكهنة. وإلى القارئ ما يقوله في هذا عالم كبير من علماء الآثار المصرية:

"ومن ثم تضاعفت الأخطار التي تكتنف الدار الآخرة، وكان في وسع الكاهن أن يمد الموتى في كل موقف من المواقف الخطرة برقية قوية تنقذه منه لا محالة. وكان لديهم، فضلا عن الرقى الكثيرة التي يستطيع بها الموتى أن يصلوا إلى الدار الآخرة، رقى أخرى تمنع الميت أن يفقد فمه أو قلبه، ورقى غيرها يستطيع بها أن يذكر اسمه، وأن يتنفس، ويأكل ويشرب ويتَّقي أكل فضلاته، ومنها ما يمنع الماء الذي يشربه أن يستحيل لهبا، ومنها ما يحيل الظلام نوراً، ومنها ما يرد عنه الأفاعي وغيرها من الهولات المعادية؛ وما إلى ذلك...

وهكذا فوجئنا بانقطاع أسباب التدرج في نمو المبادئ الأخلاقية التي نستطيع تبينها في الشرق القديم أو على الأقل بوقف هذا النمو إلى حين. ويرجع هذا إلى الأساليب البغيضة التي لجأت إليها طائفة فاسدة من الكهنة حريصة كل الحرص على الكسب من أهون سبيل". تلك كانت حالة الدين في مصر حين ارتقى العرش إخناتون الشاعر المارق وأجج نار الثورة الدينية التي قضت على الإمبراطورية المصرية.

فترة التوحيد

Pharaoh Akhenaten and his family praying to Aten

بعض المعابد الشهيرة:

  • أبو سمبل - Complex of two massive rock temples in southern Egypt on the western bank of the Nile.
  • أبيدوس (Great Temple of Abydos) - Adoration of the early kings, whose cemetery, to which it forms a great funerary chapel, lies behind it.
  • Ain el-Muftella (الواحات البحرية) - Could have served as the city center of El Qasr. It was probably built around the 26th Dynasty.
  • الكرنك - Once part of the ancient capital of Egypt, طيبة.
  • Bani Hasan al Shurruq - Located in Middle Egypt near to Al-Minya and survived the reconstruction of the New Kingdom.
  • إدفو - Ptolemaic temple that is located between Aswan and Luxor.
  • معبد كوم امبو - Controlled the trade routes from Nubia to the Nile Valley.
  • الأقصر - بنى معظمه أمنحوتب الثالث و رمسيس الثاني, وكان مركز Opet Festival.
  • مدينة هابو (Memorial Temple of Ramesses III)- Temple and a complex of temples dating from the New Kingdom.
  • معبد حتشبسوت - Her mortuary temple complex at Deir el-Bahri with a colonnaded structure of perfect harmony, was built nearly one thousand years before the Parthenon.
  • فيلة - Island of Philae with Temple of Hathor which was constructed in the 30th Dynasty and expanded into a complex to include Isis (Aset) and Osiris under Greek and Roman rule.
  • رمسيوم (Memorial Temple of Ramesses II) - The main building, dedicated to the funerary cult, comprised two stone pylons (gateways, some 60 m wide), one after the other, each leading into a courtyard. Beyond the second courtyard, at the centre of the complex, was a covered 48-column hypostyle hall, surrounding the inner sanctuary.
  • مجمع معبد دندرة - Several temples but the all overshadowing building in the complex is the main temple, the Hathor temple.

انظر أيضاً

المصادر

  1. ^ ياروسلاف تشرني (1996). الديانة المصرية القديمة. دار الشروق للنشر. {{cite book}}: Check date values in: |year= (help)

قراءات اضافية

  • Schulz, R. and M. Seidel, "Egypt: The World of the Pharaohs". Könemann, Cologne 1998. ISBN 3-89508-913-3
  • Budge, E. A. Wallis, "Egyptian Religion: Egyptian Ideas of the Future Life (Library of the Mystic Arts)". Citadel Press. August 1, 1991. ISBN 0-8065-1229-6
  • Harris, Geraldine, John Sibbick, and David O'Connor, "Gods and Pharaohs from Egyptian Mythology". Bedrick, 1992. ISBN 0-87226-907-8
  • Hart, George, "Egyptian Myths (Legendary Past Series)". University of Texas Press (1st edition), 1997. ISBN 0-292-72076-9
  • Osman, Ahmed, Moses and Akhenaten. The Secret History of Egypt at the Time of the Exodus, (December 2002, Inner Traditions International, Limited) ISBN 1-59143-004-6
  • Bilolo, Mubabinge, Les cosmo-théologies philosophiques d'Héliopolis et d'Hermopolis. Essai de thématisation et de systématisation, (Academy of African Thought, Sect. I, vol. 2), Kinshasa-Munich 1987; new ed., Munich-Paris, 2004.
  • Bilolo, Mubabinge, "Les cosmo-théologies philosophiques de l’Égypte Antique. Problématique, prémisses herméneutiques et problèmes majeurs, (Academy of African Thought, Sect. I, vol. 1)", Kinshasa-Munich 1986; new ed., Munich-Paris, 2003.
  • Bilolo, Mubabinge, "Métaphysique Pharaonique IIIème millénaire av. J.-C. (Academy of African Thought & C.A. Diop-Center for Egyptological Studies-INADEP, Sect. I, vol. 4)", Kinshasa-Munich 1995 ; new ed., Munich-Paris, 2003.
  • Bilolo, Mubabinge, "Le Créateur et la Création dans la pensée memphite et amarnienne. Approche synoptique du Document Philosophique de Memphis et du Grand Hymne Théologique d'Echnaton, (Academy of African Thought, Sect. I, vol. 2)", Kinshasa-Munich 1988; new ed., Munich-Paris, 2004.
  • Pinch, Geraldine, "Egyptian Mythology: A Guide to the Gods, Goddesses, and Traditions of ancient Egypt". Oxford University Press, 2004. ISBN 0-19-517024-5

وصلات خارجية