الفن في مصر القديمة
عند الحديث عن الفن في مصر القديمة يجب علينا أن نطلع عليه من الجوانب التالية:
العمارة - النحت في الدولة القديمة والدولة الوسطى والإمبراطورية وفي عهد الملوك الساويين - النقوش الغائرة - التصوير - الفنون الصغرى - الموسيقى - الفنون
فقد كان الفن أعظم عناصر هذه الحضارة؛ فنحن نجد في هذه البلاد، وفي عهد يكاد يكون عهد بداية الحضارات ، فناً قوياً ناضجاً أرقى من فن أية دولة حديثة ، ولا يضارعه إلا فن اليونان. لقد كان ما إمتازت به مصر في أول عهودها من عزلة وسلم ، ثم ما تدفق فيها بعدئذ من مغانم الظلم والحرب في عهد تحتمس الثالث و رمسيس الثاني ، مما أتاح لها الفرصة المواتية والوسائل الكفيلة بتشييد المباني الضخمة، ونحت التماثيل المتينة ، والبراعة في عدة فنون أخرى صغيرة ، كادت تبلغ حد الكمال في هذا العهد السحيق. وإن المرء ليقف حائراً مشدوها لا يكاد يصدق ما وضعه الباحثون من نظريات لتطور الرقي البشري إذا نظر إلى منتجات الفن المصري القديم.
وكانت العمارة أفخم الفنون المصرية على الإطلاق، وذلك لما تجمع فيها من روعة وضخامة وصلابة وجمال ومنفعة. وقد بدأ هذا الفن بداية متواضعة بتزيين المقابر ونقش الوجهة الخارجية لجدران المنازل. وكانت كثرة المساكن تبنى من الطين تتخللها في بعض الأحيان أعمال بسيطة من الخشب (كالنوافذ الشبكية اليابانية أو الأبواب الجميلة الحفر)، والسقف المقامة على جذوع النخل السهلة العلاج. وكان يحيط بالدار عادة سور يضم فناء، تصعد منه درج إلى سطح البيت ؛ ومنه ينزل السكان إلى الحجرات. وكان للموسرين من الأهلين حدائق خاصة يعنون بتنسيقها؛ وكان في الحواضر حدائق عامة للفقراء، ولا يكاد يخلو بيت من أزهار الزينة. وكانت جدران المنزل تزين من الداخل بحُصر ملوّنة، وتفرش أرضه بالطنافس ، إذا كان رب الدار ذا سعة. وكان السكان يفضلون الجلوس على هذه الطنافس عن الجلوس على الكراسي وكان المصريون في عهد الدولة القديمة يتناولون الطعام وهم جالسون مرتبعون وأمامهم موائد لا يزيد إرتفاعها على ست بوصات كما يفعل اليابانيون في هذه الأيام ، وكانوا يأكلون بأيديهم على طريقة شكسبير ؛ فلما كان عهد الإمبراطورية وقل ثمن العبيد أصبح أفراد الطبقات العليا يجلسون على كراسي عالية ذات وسائد ، ويقدم لهم خدمهم أصناف الطعام صنفاً بعد صنف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الفترات
- Predynastic
- Old Kingdom(2680 BC-2258 BC)
- Middle Kingdom (2134 BC-1786 BC)
- New Kingdom (1570 BC-1085 BC)
- Amarna Period (1350 BC-1320 BC)
- Late Period
- Ptolemaic
أشكال الفن
العمارة
وكانت أحجار البناء أغلى من أن تستخدم في تشييد المنازل ؛ ولهذا كانت من مواد الترف الخاصة بالكهنة والملوك. وحتى النبلاء أنفسهم- وهم الطائفة الكثيرة الطموح- آثروا المعابد بأكبر قسط من الثروة وبأحسن مواد البناء ؛ ومن أجل هذا فإن القصور كانت تطل على النيل والتي لم يكد يخلو ميل من واحد منها في أيام أمنحوتب الثالث قد تهدمت كلها وعفت آثارها على حين أن أضرحة الآلهة ومقابر الموتى قد بقيت إلى أيامنا هذه. ولما جاءت الأسرة الثانية عشرة لم يعد الهرم الطراز المحبب لمدافن الأموات ، ولهذا إختار خنوم حوتب (حوالي 1180 ق.م.) لمدفنه عند بني حسن شكلاً أهدأ من أشكال الهرم وهو قبر ذو عمد في أحضان الجبل ؛ وما كادت هذه الفكرة تثبت وتستقر حتى إتخذت آلاف الأشكال المختلفة بين التلال الممتدة على جانب النيل الغربي. وهكذا خرجت من رمال مصر ما بين عهد الأهرام والعهد الذي شيد فيه هيكل حتحور عند دندرة- أي في خلال ثلاثة الآلاف عام أو نحوها- ضروب من العمائر المختلفة لم تفقها قط عمائر أية حضارة من الحضارات الأخرى.
البرديات
الخزف
النحت
ففي الكرنك والأقصر أيكة من الأعمدة أقامها تحتمس الأول والثالث ، وأمنحوتب الثالث ، وسيتي الأول ، ورمسيس الثاني وغيرهم من الملوك ما بين الأسرة الثانية عشرة والأسرة الثانية والعشرين ؛ وفي مدينة حبو (حوالي 1300 ق.م) صرح متسع الأرجاء، وإن كان لا يضارع الصروح السالفة الذكر في فخامتها، قامت عليه فيما بعد قرية عربية وظلت جاثمة على صدره عدة قرون. وفي أبيدوس (العرابة) شيد هيكل سيتي الأول الذي لم يبق منه إلا خرائب ضخمة قاتمة كئيبة ؛ وفي إلفنتين معبد صغير وهو معبد خنوم (حوالي 1400 ق.م) "اليوناني في دقة بنائه ورشاقته"(191)؛ وفي الدير البحري بهو الأعمدة الذي شادته الملكة حتشبسوت ، وبالقرب منه الرمسيوم وهي أيكة أخرى من العمد والتماثيل الضخام شادها المهندسون والعبيد الذين سخرهم رمسيس الثاني ، وفي جزيرة فيلة هيكل إيزيس الجميل (حوالي 240 ق.م.) المهجور الموحش في هذه الأيام لأن خزان أسوان قد غمر قواعد عمده التي بلغت في عمارتها حد الكمال- وهذه البقايا القليلة المتفرقة إن هي إلا نماذج من الآثار القديمة التي لا تزال تجمل وادي النيل وتنطق خرائبها نفسها بما كان عليه الشعب الذي شادها من قوة وبسالة. ولعل في هذه الصروح إفراطاً في الأعمدة وتقاربها بعضها من بعض لإتقاء حر الشمس اللافح ، ولعل فيها بعدا عن التناسب هو من خصائص الشرق الأقصى ، وإفتقاراً إلى الوحدة ، وهياماً همجياً بالضخامة كهيام أهل هذه الأيام. فإن كان ذلك كذلك فإن فيها أيضاً عظمة وسمواً وجلالاً وقوة؛ فيها الأقواس والعقود وهي إن قلت فما ذلك إلا لقلة الحاجة إليها ، ولكنها من حيث المبادئ التي شيدت عليها تسير في طريق الإنتقال إلى المبادئ التي شيدت عليها العمد والأقواس في بلاد اليونان والرومان وفي أوربا الحديثة، وفيها نقوش للزينة لا يفوقها غيرها من النقوش في تاريخ العالم كله ، وفيها عمد على صورة أعواد البردي والأزورد (اللونس)، وعمد من الطراز الدوري الأول وعمد في صورة نساء ، وتيجان للعمد منها ما هو في صورة حتحور ومنها ما هو على صورة النخيل ؛ وفيها قصور ذات نوافذ قرب السقوف ؛ وفيها عتبات فخمة تمتاز بالقوة والثبات اللذين هما روح الجاذبية القوية في فن العمارة. لعمري إن المصريين لهم أعظم البنائين في التاريخ كله بلا جدال.
ومن الناس من يضيف إلى هذا أنهم أيضا أعظم المثالين، فلقد أنشأوا في بداية تاريخهم تمثال أبي الهول ذلك التمثال الذي يرمز إلى الصفات الأدبية التي اتصف بها أحد الفراعنة الأقوياء؛ ولعل هذا الفرعون هو خفرع. والتمثال لا ينم عن القوة فحسب بل يفصح كذلك عن الصفات الخلقية. ولقد حطمت طلقة من مدافع المماليك أنف التمثال وحلقة لحيته، ولكن ملامحه القوية الضخمة تعبر أحسن تعبير وأقواه عما اتصف به ذلك الملك من قوة ومهابة وهدوء ونضوج، وكلها صفات يجب ألا تفارق الملك. وقد علت هذه الملامح الساكنة ابتسامة خفيفة لم تفارقها منذ خمسة آلاف من السنين، كأنما الفنان المجهول الذي صاغه أو الملك المجهول الذي يرمز التمثال له، كان يفهم كل ما يريد الخلق أن يفهموه عن الخلق. والحق أنه هو " موناليزة " من الصخر الأصم.
وما من شيء في تاريخ النحت أجمل من تمثال خفرع المصنوع من حجر ديوريت والذي يقوم الآن في متحف القاهرة. لقد كان هذا التمثال قديماً في أيام هركستليز ، قدم هركستليز نفسه بالنسبة إلينا؛ مع هذا فقد إجتاز حقبة من الزمان طولها خمسون قرنا ، ثم وصل إلينا ولم تكد تؤثر فيه عوادي الدهر ونوائبه. لقد صنع هذا التمثال من أصلب الحجارة وأشدها إستعصاء على الإنسان ، ولكنه ينقل إلينا أكمل ما يكون النقل قوة الملك (أو الفنان) البدنية ، وسلطانه وعناده وصلابة رأيه وبسالته وذكائه. ويجلس بالقرب منه تمثال عابس متجهم لملك أقدم من صاحب التمثال الأول عهدا وهو تمثال الملك زوسر المصنوع من حجر الجير. ومن بعده يكشف لك الدليل بعود الثقاب عن شفافية تمثال رائع من المرمر هو تمثال منقرع.
ويضارع تمثالا شيخ البلد والكاتب تماثيل الملوك من ناحية الإبداع والإتقان الفني الذي ليس بعده إتقان. ولقد وصل إلينا تمثال الكاتب في عدة أشكال ، وكلها من عهود لا نعلمها علم اليقين ، ولكن أشهرها كلها تمثال الكاتب المتربع المحفوظ في متحف اللوفر. وليس تمثال شيخ البلد لشيخ بحق ولكنه تمثال مُشرفٍ على الفعلة بيده عصا السلطة ، يخطو إلى الأمام كأنه يلاحظ عماله أو يصدر إليهم أوامره. ويبدو أن إسمه هو "كعبيرو" ولكن العمال المصريين الذين أخرجوه من قبره في سقارة قد أدهشهم ما رأوه من تشابه بينه وبين شيخ البلد الذي يسكنونه ، فأوحت إليهم فكاهتهم بهذا اللقب الذي إشتهر به والذي لا يزال إلى اليوم ملازما له. وهذا التمثال المصنوع من الخشب المعرض للبلى ولكن الزمان لم يقو على تشويه جسمه المليء، أو ساقيه الغليظتين ؛ وينم وسط جسمه على ما يتمتع به الملاك في جميع الحضارات من سعة في الرزق وقلة في الكدح ، وينطق وجهه المستدير بقناعة الرجل الذي يعرف مكانته ويفخر بها. ويشعرنا رأسه الأصلع وثوبه المتهدل على واقعية الفن الذي كان في ذلك الوقت قد بلغ من القدم درجة أجازت له أن يثور على التقاليد التي جعلت من الفن القديم مثلاً أعلى يحتذى ؛ ولكن فيه أيضا بساطة جميلة وإنسانية كاملة عبر عنها المثال بلا حقد ولا مرارة ، وعبر عنها في يسر ورشاقة ، تمتاز بهما اليد الواثقة الصَّنَاع. وفي ذلك يقول مسبيرو: "لو أن معرضا أنشئ لروائع الفن في العالم كله لاخترت هذا التمثال ليمثل فيه عظمة الفن المصري" - أو هل أصدق من هذا أن نختص بهذا الشرف تمثال خفرع؟
هذه هي الروائع الفنية من تماثيل الدولة القديمة. ولكن هناك آيات فنية أخرى كثيرة أقل منها روعة، منها تمثال رع حوتب وزوجته الجالسان ، ومنها التمثال القوي للكاهن رنوفو ، ومنها تمثالا الملك فيوبس وولده المصبوبان من النحاس ، ومنها رأس باشق من الذهب ، ومنها الصورتان الهزليتان لعاصر الخمر وللقزم كنمحوتب ، وكلها إلا واحداً منها في المتحف المصري بالقاهرة ، وكلها بلا إستثناء صور ناطقة بأخلاق أصحابها. ولسنا ننكر أن القطع المكبرة منها خشنة غير مصقولة الصنع ، وأن التماثيل قد صنعت وأجسامها وعيونها متجهة إلى الأمام ، على حين أن الأيدي والأقدام قد رسمت من أحد الجانبين ، وذلك جريا وراء عرف غريب متبع في جميع ضروب الفن المصري ، وأن الجسم لم يلق من الفنان عناية كبيرة، وأنه مثل في معظم الأحيان في صورة راسخة مقننة لا تتفق مع الواقع- فكانت أجسام تماثيل النساء كلها تصورهن فتيات في شرخ الشباب وتماثيل الملوك تظهرهم كلهم أقوياء، وأن الفردية وإن كانت قد بلغت في فنهم درجة عالية قد احتفظ بها عادة الرءوس دون الأجسام. ولكن مهما يكن من الجمود والتماثل اللذين لحقا فنون النحت والتصوير والنقش البارز وما فرضه عليها الكهنة من قيود العرف ، ومن سلطان لهم شديد ، بالرغم من هذا كله فإن هذا النقص قد عوضه عمق في التفكير ، وقوة ودقة في التنفيذ ، وما تمتاز به الصناعة من طابع خاص وإتجاه وصقل.
والحق أن فن النحت لم يكن في بلد من البلاد أكثر حيوية مما كان في مصر. إن تمثال الشيخ ليخرج على كل سلطان، وإن المرأة التي تطحن الحب لتقبل عليه بكل ما في نفسها من أحاسيس وما في جسمها من عضلات ، وإن الكاتب ليهم بالكتابة ، وإن آلاف الدمى الصغيرة التي وضعت في المقابر لتقوم بالواجبات الضرورية للموتى قد صيغت كلها بحيث يبدو عليها من مظاهر النشاط والجسد ما نكاد معه أن نعتقد، كما كان يعتقد المصريون الأتقياء، أن الموتى لا يمكن أن يشقوا ما دام هؤلاء الخدم من حولهم.
ولم تصل منتجات فن النحت المصري بعد عهد الأسر الأولى إلى ما كانت عليه في عهدها إلا بعد أن مضت عليها قرون كثيرة. وإذ كان معظم التماثيل إنما صنع للهياكل أو المقابر فقد كان الكهنة هم الذين يقررون إلى حد كبير الأنماط التي يلتزمها الفنان. ومن هذا السبيل تسربت إلى الفن النزعة الدينية المحافظة، فجثم على قلب الفن بسببها كابوس التقاليد، وكان سببا في تدهوره. فلما أن تولى الحكم ملوك الأسرة الثانية عشرة الأقوياء عادت الروح الدنيوية غير الدينية إلى الظهور وأثبتت وجودها، واستعاد الفن شيئاً من قوته القديمة، وفاق الفنانون ما كان عليه أسلافهم الأولون من براعة.
ويوحي رأس أمنمحات الثالث المنحوت من حجر الديوريت ببعث جديد للفن وبعث للأخلاق. ذلك أن الناظر إلى هذا الرأس يستف منه صلابة هذا المليك القدير، ويدرك أن الذي نحته فنان قدير أيضا. وثمة تمثال ضخم لسنوسرت الثالث يزينه رأس ووجه لا تقل الفكرة التي أوحت به، ولا القدرة التي أخرجته، عما أوحت به وأخرجته أية صورة أخرى في تاريخ فن النحت كله. وإن الجذع الباقي من تمثال سنوسريت الأول في متحف القاهرة ليضارع جذع تمثال هرقول في متحف اللوفر. وتكثر تماثيل الحيوانات في كل عصر من عصور التاريخ المصري، وهي كلها تفيض بالحياة ، فهنا نجد فأرا يمضغ بندقة ، وهناك ترى قرداً يضرب على وتر ويكشف عن كل ما لديه من مهارة في هذا الضرب ، أو قنفذاً ليس في أشواكه كلها شوكة فير منتفشة. ثم جاء ملوك الهكسوس وانعدم الفن المصري إلا قليلا وبعث الفن بعثاً ثانياً على ضفاف النيل في حكم حتشبسوت وتحتمس وأمنحوتب ومن تسمى باسميهما من الملوك. ذلك أن الثروة أخذت تتدفق على مصر من سوريا، وتحول مجراها إلى الهياكل وقصور الملوك، وتقطرت منها لتغذي الفنون على اختلاف أنواعها.
وقامت تماثيل تحتمس الثالث ورمسيس الثاني تناطح السماء، وغصت أركان الهياكل كلها بمختلف التماثيل ، وكثرت روائع الفن كثرة لم يسبق لها مثيل على أيدي هذا الشعب الذي تملكته نشوة بعثها فيه ما بلغه في زعمه من سيادة على العالم بأسره. إن التمثال النصفي لتلك الملكة العظيمة المنحوت من الحجر الأعبل والمحفوظ في المتحف الفني بنيويورك، وتمثال تحتمس الثالث المصنوع من البازلت والمحفوظ في متحف القاهرة ، وتماثيل أبي الهول المصنوعة في عهد أمنحوتب الثالث والمحفوظة في المتحف البريطاني، وتمثال أخناتون الجالس المصنوع من حجر الجير والمحفوظ في متحف اللوفر، وتمثال هذا الملك نفسه الجاثم وهو يقدم القربان للآلهة جثوماً لا يكاد يصدق الإنسان أنه يفعله والذي مثل الجثوم أكمل تمثيل ، والبقرة المفكرة في الدير البحري التي يرى مسبيرو أنها " تضارع أروع آيات الفن اليوناني والروماني المماثلة لها" وأسدَىْ أمنحوتب الثالث اللذين قال عنهما رسكن أنهما أحسن ما خلفه القدماء على بكرة أبيهم من تماثيل للحيوانات ، والتماثيل الضخمة التي صنعها في الصخر عند أبي سمبل مثالو رمسيس الثاني ، والآثار العجيبة الرائعة التي وجدت في خرائب مَنْحَتِ الفنان تحتمس في تل العمارنة- والتي تشمل نموذجاً من الجبس لرأس إخناتون ينطق بما كان في هذا العهد المليء بالمآسي من نزعة شعرية وتصوفية- والتمثال النصفي الجميل المصنوع من حجر الجير لنفرتيتي زوجة الملك إخناتون ورأس هذه الملكة الجميلة المصنوع من حجر الخرسان وهو أجمل من التمثال النصفي السالف الذكر ، وهذه الأمثلة المنتشرة في بلاد العالم تصور للقارئ صورة من أعمال النحت الكثيرة الرائعة التي يفيض بها عصر الإمبراطورية. ولم تفقد الفاكهة منزلتها بين هذه الروائع الفنية العظيمة؛ فالمثالون المصريون يلهون بالتماثيل الهزلية المضحكة للإنسان والحيوان ؛ وحتى الملوك في عصر إخناتون محطم الأصنام قد جعلها الفنان المصري تبتسم وتلعب . على أن جذوة النهضة الفنية لم تلبث أن خمدت بعد عهد رمسيس الثاني ، وظل الفن المصري من بعده قروناً كثيرة بتكرار الأعمال والأشكال القديمة. وحاول الفن أن ينهض من كبوته في عهد ملوك ساو ، وأن يعود إلى ما كان ينزع إليه كبار الفنانين في عهد الدولة القديمة من إخلاص وبساطة في التصوير. وقد عالج المثالون في عهد هذه الدولة أقسى الحجارة كأحجار البازلت والسربنتين (الحية) والبريشيا والديوريت- ونحتوا منها تماثيل واقعية حية منها تمثال منتيوميحيت ورأساً أصلع من البازلت الأخضر لا يعرف صاحبه يطل الآن على جدران متحف الدولة في برلين. ومما صنعوه من البرونز صورة جميلة للسيدة تكوسشت ، وقد أولعوا أيضا بتصوير ملامح الناس والحيوان وحركاتهم على حقيقتها، فنحتوا تماثيل مضحكة لحيوانات غريبة ، ولعبيد وآلهة، وصنعوا من البرونز رأسي قطة وعنزة هما الآن من منهوبات برلين. ثم إنقض الفرس بعدئذ على البلاد نقضاض الذئاب الكاسرة على الحملان الوديعة المسالمة، ففتحوا مصر وخربوا الهياكل وكبتوا روح البلاد وقضوا على فنونها.
الرسم
والعمارة والنحت أهم الفنون المصرية ، ولكنا إذا أدخلنا الوفرة في حسابنا كان علينا أن نضيف إليهما النقوش الغائرة. فليس من شعوب العالم شعب جـــــد فـــي حفر تاريخه وأساطيره كما جد في ذلك قدماء المصريين. وإنا ليدهشنا لأول وهلة ما بين القصص المنقوشة على الحجارة الكريمة من تشابه ممل ، كما يدهشنا ازدحامها وكثرتها، وما فيها من إنعدام التماثل وعدم مراعاة قواعد المنظر ، أو المحاولات غير الموفقة التي بذلوها لمراعاتها بتمثيل الأشياء البعيدة في المنظر فوق القرية ؛ ونحن ندهش حين نرى طول قامة الملك وقصر قامة أعدائه. هذا في النقوش والتصوير ، وفي النحت يصعب علينا أن نألف رؤية عيون وصدور مرسومة كأننا ننظر إليها من الأمام على حين أن الأنوف والذقون والأقدام مرسومة كأننا ننظر إليها من أحد الجانبين- ولكننا في مقابل هذا يروعنا جمال الباشق والأفعى المنقوشين على قبر الملك ونيفيس ، ونقوش الملك زوسر الجيرية على هرم سقارة المدرج ، ونقوش الأمير هزيريه الخشبية التي أستخرجت من قبره في هذا الموضع نفسه ، وصورة اللوبي الجريح المحفورة على قبر من قبور الأسرة الخامسة في أبي صير ، وهي دراسة دقيقة لعضلات الجسم المتوترة من شدة الألم ولا يسعنا أخيراً إلا أن نتأمل في أناة وهدوء النقوش الطويلة التي تقص علينا كيف إجتاح تحتمس الثالث و رمسيس الثاني في حروبهما كل ما إعترض سبيلهما، وندرك روعة النقوش التي حفرت لسيتي الأول في العرابة وفي الكرنك ونتبين ما بلغته من كمال ، ونتبع بعظيم الشوق واللذة النقوش المحفورة على جدران معبد الملكة حتشبسوت في الدير البحري ، والتي يقص علينا ناقشوها قصة البعثة التي أرسلتها هذه الملكة إلى أرض بنت المجهولة (ولعلها بلاد الصومال). وفي هذه النقوش نرى السفن الطويلة منشورة الشراع تدفعها إلى الجنوب مجاديفها المصفوفة، وتمخر المياه المملوءة بحيوان الإخطبوط والحيوانات القشرية وغيرها من دواب البحر ؛ ونرى الأسطول يصل إلى شواطئ ُبنت ويرحب به شعب البلاد ومليكها، وهم ذاهلون ولكنهم مفتتنون. ونرى الملاحين يأتون إلى السفن بآلاف من ضروب المأكولات الشهية؛ ونقرأ فكاهة العامل البُنتي في قوله : "إياك أن تزل قدماك أيها الواقف هنا ؛ كن على حذر! " ثم نصحب السفائن الموقرة بأحمالها وهي عائدة نحو الشمال مملوءة (كما يقول النقش) بعجائب أرض بُنت ، من ذهب ، وأخشاب مختلفة الأنواع ، وأدهان للعيون ، وقردة، وكلاب ، وجلود نموره. مما لم يُعد به أحد لملك من الملوك منذ بداية العالم. وتخترق السفن القناة العظيمة بين البحر الأحمر والنيل، ونرى البعثة ترسو سفنها في أحواض طيبة وتفرغ ما فيها من بضائع مختلفة عند قدمي الملكة. ثم نبصر آخر الأمر ، كأنما قد مضى على وصولها بعض الوقت ، كل هذه السلع المستوردة تزين مصر. ففي كل ناحية حلي من ذهب وأبنوس وصناديق عطور وأدهان وأسنان فيلة وجلود حيوان؛ والأشجار التي جيء بها من ُبنت كأنها قد أينعت في أرض مصر كما كانت في بلادها الأصلية حتى كانت الثيران تتفيأ ظلال أغصانها. إن هذا النقش بلا ريب لمن أعظم النقوش في تاريخ الفن .
والنقش الغائر هو همزة الوصل بين النحت والرسم بالألوان. على أن الرسم الملون لم يرق في مصر إلى منزلة الفن المستقل إلا في عهد البطالمة وبتأثير بلاد اليونان. أما فيما عدا ذلك العهد فقد كان فناً ثانوياً تابعاً لفنون العمارة والنحت والنقش- وكان عمل الرسام هو ملء الخطوط الخارجية التي حفرتها عُدد غيره من الفنانين ؛ ولكنه كان رغم منزلته الثانوية واسع الإنتشار يراه الإنسان أينما حل. فقد كانت معظم التماثيل تدهن، والسطوح كلها تلون. ولما كان هذا الفن سريع التأثر بالزمن ينقصه ثياب فني النحت والبناء، فإنا لا نكاد نجد الآن من الرسوم الملونة التي أخرجها رجال الدولة القديمة إلا صورة رائعة لست أوزات أخرجت من قبر في ميدوم. ولكننا يحق لنا أن نستنتج من هذه الصورة وحدها أن هذا الفن أيضا قد بلغ في عصر الأسر الأولى مبلغاً يدنيه من الكمال. فإذا انتقلنا إلى عهد الدولة الوسطى وجدنا رسوما بالألوان المائية في قبري أيمن وخنوم حوتب ببني حسن ، وهي تزين القبرين زينة جميلة تبعث في الناظر إليها السرور والبهجة، وكما أن صورة "الظباء والزراع" وصورة "القطة ترقب فريستها" لتعدان من أروع الأمثلة لهذا الفن. وقد تنبه الفنان في هاتين الصورتين أيضا إلى العنصر الرئيسي في التصوير ، وهو أن يجعل من رسومه كائنات حية تتحرك وتعيش.
فلما كان عصر الإمبراطورية غصت القبور بالرسوم الملونة، وكان الفنان المصري قد توصل إلى صنع كل لون من ألوان الطيف ، وتاقت نفسه إلى أن يظهر للناس حذقه في إستخدامها فأخذ يحاول تصوير الحياة النشيطة المنتعشة في الحقول المشمسة على جدران المنازل والهياكل والقصور والمقابر وعلى سقوفها كلها ، فصور عليها طيوراً تطير في الهواء، وسمكاً يسبح في الماء، وحيواناً يعيش في الآجام، وصورها كلها في بيئاتها التي تعيش فيها. ونقش الأرض لتبدو كأنها برك شفافة، وحاول أن يجعل السقف تضارع في بهائها ورونقها كواكب السماء، وأحاط هذه الصور كلها بأشكال هندسية وأخرى مركبة من أوراق الشجر تتفاوت من أبسط الرسوم الهادئة إلى أعقدها وأكثرها فتنة. "فصورة الفتاة الراقصة" وفيها أكبر قسط من قوة الابتداع وروح الفن، و "صيد الطيور في قارب" ، والصورة المرسومة بالمغرة والتي تمثل الفتاة الجميلة الهيفاء العارية بين الموسيقيين في قبر نحت بطيبة كل هذه نماذج متفرقة من سكان القبور المصورين. ونلاحظ في هذه الرسوم كما لاحظنا في النقوش الغائرة أن الخطوط جميلة، ولكن التركيب ضعيف؛ وأن المشتركين في عمل واحد يمثلون متفرقين واحداً بعد واحد وهم الذين يجب أن يمثلوا مختلطين. ونرى الرسام هنا يفضل أن يضع أجزاء الصورة بعضها على بعض بدل أن يراعى في وضعها قواعد المنظور ، على أن الجمود الناشئ عن المحافظة على القواعد الشكلية وعلى التقاليد في النحت المصري كان هو السائد في ذلك الوقت ، ولذلك لا يكشف لنا هذا الفن عن الفكاهة الباعثة على البهجة ، أو على الواقعية ، وهما الصفتان اللتان يمتاز بهما فن النحت في ما بعد ذلك العصر. ولكن الصور كلها تسر فيها مع ذلك جدة في التفكير، ويسر في رسم الخطوط وفي التنفيذ، وإخلاص لحياة الكائنات الحية وحركاتها، وغزارة في اللون والزينة تبعث في النفوس البهجة، وتجعل الصور متعة للعين والروح. وملاك القول أن فن الرسم المصري- رغم ما فيه من عيوب- لم يسبقه فن مثله في أية حضارة شرقية إلا في عصر الأسر الوسطى في بلاد الصين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الكتابة الهيروغليفية
| |||||||||
Ra بالهيروغليفية |
---|
الفنون الصغرى
أما الفنون الصغرى فكانت أعظم الفنون في مصر. ذلك أن الحذق والجد اللذين شيدا الكرنك والأهرام ، واللذين ملئا الهياكل بتماثيل الحجارة، قد إنصرفا أيضا إلى تجميل المنازل من داخلها، وتزيين الأجسام، وإبتكار جميع متع الحياة ونعمها. فالنساجون قد صنعوا الطنافس والقماش المزركش الذي يزين الجدران ، والوسائد الغنية بألوانها والرقيقة في نسجها رقة لا يكاد يصدقها العقل وإنتقلت الرسوم التي إبتدعوها منهم إلى سوريا ولا تزال منتشرة فيها إلى هذه الأيام. ولقد كشفت مخلفات توت عنخ آمون عما كان عليه أثاث قدماء المصريين من ترف عجيب ، وعما بلغته كل قطعة وكل جزء من قطعه من صقل بديع، سواء في ذلك كراسيه المكسوة بالفضة والذهب البراقين ، والسرر ذات الرسوم الفخمة والصناعة الدقيقة، وصناديق الجواهر وعلب العطور الدقيقة الصنع الجميلة النقش ، والمزهريات التي لا تضارعها إلا مزهريات الصين. وكانت موائدهم تحمل آنية ثمينة من الفضة والذهب والبرونز ، وكؤوساً من البللور ، وجفانا براقة من حجر الديوريت صقلت ورقت حتى كاد الضوء ينفذ من خلال جدرانها الحجرية. وإن ما اشتملت عليه مخلفات توت عنخ آمون من آنية المرمر، وعثر عليه المنقبون في خرائب بيت أمنحوتب الثالث في طيبة من أقداح على هيئة الأزورد (اللتس) ومن طاسات للشراب ، ليدل على ما بلغته صناعة الخزف من مستوى رفيع. وآخر ما نذكره من هذا جواهر الدولة الوسطى والدولة الحديثة ، وقد كان لهذين العهدين من الحلي الثمينة الكثيرة ما لا يكاد يفوقه شيء في جمال الشكل ودقة الصنع. وتشمل المجاميع الباقية من تلك الأيام قلائد ، وتيجانا ، وخواتم ، وأساور ، ومرايا ، وحليات للصدر ، وسلاسل ، ورصائع ، صيغت من الذهب و الفضة و العقيق و الفلسبار و اللازورد و الجمست ، وكل ما نعرفه من الحجارة الكريمة. وكان سراة المصريين كسراة اليابانيين يسرهم جمال ما يحيط بهم من التحف الصغيرة ، فكان كل مربع صغير من العاج في علب حليهم ينقش ويزين أجمل زينة وأدقها. لقد كان يلبسون أجمل الملابس ، ولكنهم كانوا ينعمون بأحسن عيشة ، وكانوا إذا فرغوا من عملهم اليومي يمتعون أنفسهم بنغمات الموسيقى الهادئة الشجية على العود والقيثارة والصلاصل والناي. وكان للهياكل والقصور فرق من العازفين والمغنيين ، وكان من موظفي قصر الملك "مشرف على الغناء" يقوم بتنظيم العازفين والموسيقيين الذين يسلون الملك. وليس لدينا ما يدل على وجود علامات موسيقية في مصر، ولكن هذا قد يكون مجرد نقص فيما كشف من آثار المصريين. وكان أسنفرو نفر، وريمرى بتاح نابغتي الغناء في أيامهما، وإنا لنستمع من خلال القرون الطويلة صوتهما وهما يناديان بأنهما كانا "يجيبان كل رغبة من رغبات الملك بغنائهما الشجي".
ومن الأمور الشاذة غير المألوفة أن يبقى اسما هذين الفنانين ، وذلك لأن الفنانين الذين خلدوا بجهودهم ذكريات الأمراء والقساوسة والفنانين والملوك أو ملامحهم لم يكن لديهم من الوسائل ما ينقلون به ذكرهم إلى من يجيء من بعدهم، وإن كنا نسمع بإمحوتب مهندس عهد زوسر ، وهو رجل يكاد أن يكون إسمه أسطورة من الأساطير القديمة ، ونسمع عن إنيني الذي أعد رسوم المباني العظيمة أمثال معبد الدير البحري لتحتمس الأول ؛ وعن بويمر ، و حبوسنب ، و ستموت الذين شادوا المباني العظيمة للملكة حتشبسوت ، وعن الفنان تحتمس الذي كشف في بقايا مرسمه كثير من روائع الفن ، وعن بك المثال الفخور الذي يقول لنا أنه لولاه لعفى على اسم إخناتون الزمان. وكان لأمنحوتب الثالث مهندس معماري يسمى أيضا أمنحوتب بن حابو. وكان الملك يضع تحت تصرف هذا المهندس الموهوب ثروة يخطئها الحصر، وذاع اسم هذا الفنان الشهير حتى عبدته مصر فيما بعد واتخذته إلها من آلهتها. لكن الفنانين على الرغم من هذا كانوا يعملون وهم فقراء مغمورون ، ولم تكن لهم عند القساوسة والكبراء الذين يستخدمونهم مكانة أسمى من مكانة الصناع أو أرباب الحرف العاديين. وقد تعاون الدين المصري مع الثروة المصرية على الإيحاء بالفن وإنمائه، وتعاون مع غنى مصر وضياع إمبراطوريتها على إماتته. لقد كان الدين يقدم للفنانين الحوافز والأشكال، ويوحي إليهم بروائع فنهم، ولكنه فرض عليهم من العرف والقيود ما شده إلى الكنيسة بأقوى الروابط. فلما أن مات بين الفنانين الدين الخالص، ماتت بموته الفنون التي كانت تعيش على هذا الدين. تلك هي المأساة التي لا تكاد تنجو من شرها أية مدينة- وهي أن روحها في عقيدتها، وأن هذه الروح قلما تبقى بعد فناء فلسفتها.
الأدب
تطور الفن
انظر أيضاً
المصادر
ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
وصلات خارجية
- History of Ancient Egyptian Art
- Ancient Egyptian Art - Aldokkan
- The Art of ancient Egypt
- Senusret Collection: A well-annotated introduction to the arts of Egypt
- Ancient Egytian Art at the Cincinnati Art Museum
- Ancient Egyptian art discovered in Qurta