ردة
الردة لغة: الرجوع و في شرع الإسلام هي قطع الإسلام بقول كفري أو فعل أو اعتقاد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
في القرآن
ومما استدل به المسلمون على ان المسلم قد يقع في الردة ءايات منها قوله تعالى : ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ ﴾ (التوبة/74) و قوله ﴿ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ ﴾ (فصلت/37) و قوله تعالى ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءامَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ (الحجرات/15) . فهذه الآيات تدل على ان المسلم قد يقع في الكفر اذا قال كلاما كفريا او فعل او اعتقد اعتقادات كفرية.
أحكام الردة في الإسلام
لقد بين العلماء المسلمون من المذاهب الاربعة أحكام الردة فقال النووي الشافعي في كتابه روضة الطالبين ما نصه :" الردة : وهي قطع الإسلام ، ويحصل ذلك تارة بالقول الذي هو كفر وتارة بالفعل ، وتحصل الردة بالقول الذي هو كفر سواء صدر عن اعتقاد أو عناد أو استهزاء " ا.هـ.
و قال الشيخ محمد عليش المالكي في كتابه منح الجليل ما نصه :" وسواء كفر ( أي المرتد) بقول صريح في الكفر كقوله: كفرت بالله أو برسول الله أو بالقرءان ، أو: الإله اثنان أو ثلاثة ، أو : العزير ابن الله ، أو بلفظه يقتضيه أي يستلزم اللفظ للكفر استلزاما بينا كجحد مشروعية شىء مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة ، فإنه يستلزم تكذيب القرءان أو الرسول ، وكاعتقاد جسمية الله أو تحيزه" ا.هـ
و قال الفقيه ابن عابدين الحنفي في رد المحتار على الدر المختار ما نصه :" قوله: وركنها إجراء كلمة الكفر على اللسان، هذا بالنسبة إلى الظاهر الذي يحكم به الحاكم، وإلا فقد تكون بدونه كما لو عرض له اعتقاد باطل أو نوى ان يكفر بعد حين" ا.هـ.
و قال البهوتي الحنبلي في شرح كتابه منتهى الإرادات ما نصه :" باب حكم المرتد : وهو لغة الراجع قال الله تعالى : ﴿ ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين (21)﴾ [ سورة المائدة / 21] ، وشرعا من كفر ولو كان مميزا بنطق أو اعتقاد أو فعل أو شك طوعا ولو كان هازلا بعد إسلامه ". ا.هـ.
و من الردة سب الله اوأحد من رسله او القرآن او الملائكة او شعيرة من شعائر الدين الإسلامي او تحريم الحلال البين كالنكاح و البيع و الشراء أو تحليل الحرام البين كشرب الخمر أو السرقة. كذلك من الردة السجود للصنم او الشمس أو القمر أما السجود لإنسان فان كان على وجه العبادة فكفر. و من الردة ايضا اعتقاد ان الله علمه لا يشمل الكليات او الجزئيات او انه عاجز عن شيء او انه يشبه شيئا من خلقه او محتاج إلى شيء من خلقه.
من وقع في الردة بطل نكاحه و صيامه و تيممه وحبطت كل أعماله و إن مات على ردته فلا يرث و لا يورَّث و لا يغسَّل ولا يكفَّن ولا يصلّى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين.
ولا يرجع المرتد إلى الإسلام الا بالنطق بالشهادتين بنية الدخول في الإسلام.
حد الردة ,وشبهات أعداء الإسلام
تثير قضية حد الردة في الإسلام هجوم الخصوم المستمر عليه، وخاصة الغربيين والعلمانيين، الذين يرون أن قتل المرتد عن الإسلام إنما هو ضد حرية الفكر وضد حرية العقيدة، بل إن قطاعًا من المنتمين للإسلام وثقافته يرون أن الآية القرآنية الكريمة:{ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256]، تعني أنه لا مكان لعقوبة المرتد.
ونسي هؤلاء أن النصوص واضحة في كفر المرتد وخطورته، مثل قول الله تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:217].
ولم يحدد القرآن الكريم عقوبة دنيوية، وإنما توعدت الآيات التي فيها ذكر الردة بعقوبة أُخروية للمرتد؛ لكن الفقهاء يستندون على أحاديث نبوية صحيحة لبيان حكم المرتد، ويذهب معظمهم إلى أن المرتد يُقتل لردته عملًا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) [رواه البخاري، (3017)].
إن الذي يرتد عن الإسلام ويجهر بذلك فإنه يكون عدو للإسلام والمسلمين ويعلن حربًا على الإسلام والمسلمين، ولا عجب أن يفرض الإسلام قتل المرتد، فإن كل نظام في العالم حتى الذي لا ينتمي لأي دين، تنص قوانينه أن الخارج عن النظام العام له عقوبة القتل لا غير، فيما يسمونه بالخيانة العظمى.
وهذا الذي يرتد عن الإسلام علانية ويجهر بارتداده، إنما يعلن بهذا حربًا على الإسلام ويرفع راية الضلال ويدعو إليها المنفلتين من غير أهل الإسلام، وهو بهذا محارب للمسلمين يؤخذ بما يؤخذ به المحاربون لدين الله.
والمجتمع المسلم يقوم أول ما يقوم على العقيدة والإيمان، فالعقيدة أساس هويته ومحور حياته وروح وجوده، ولهذا لا يسمح لأحد أن ينال من هذا الأساس أو يمس هذه الهوية، ومن هنا كانت الردة المعلنة كبرى الجرائم في نظر الإسلام؛ لأنها خطر على شخصية المجتمع وكيانه المعنوي، وخطر على الضرورة الأولى من الضرورات الخمس "الدين والنفس والنسل والعقل والمال".
والردة عن الإسلام ليست مجرد موقف عقلي، بل هي أيضًا تغير للولاء وتبديل للهوية وتحويل للانتماء.
فالمرتد ينقل ولاءه وانتماءه من أمة إلى أمة أخرى، فهو يخلع نفسه من أمة الإسلام التي كان عضوًا في جسدها وينقم بعقله وقلبه وإرادته إلى خصومها؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا المقام: (فإنه لو لم يقتل ذلك [المرتد] لكان الداخل في الدين يخرج منه؛ فقتله حفظ لأهل الدين وللدين؛ فإن ذلك يمنع من النقص ويمنعهم من الخروج عنه) [مجموع الفتاوى، ابن تيمية، (20/102)].
غير أن هناك طائفة من العلماء يرون أنه رغم كفر المرتد وتوعده بالعقوبة الأخروية إلا أنه ليس له عقوبة دنيوية إلا إذا أضيف إلى الردة جريمة الخروج على جماعة المسلمين، ويستدلون بحديث مسلم والبخاري الذي بيَّن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قتل المسلم لا يُباح إلا في حالة من ثلاث حالات، أو بسبب من ثلاثة أسباب: (النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين المفارق للجماعة) [متفق عليه، رواه البخاري، (6878)، ومسلم، (4470)].
فالسببان الأولان لا علاقة لهما بالردة وعقوبتها، إنما فسَّر كثير من الفقهاء (المارق من الدين المفارق للجماعة) بأنه المرتد، وقرَّروا بناء على ذلك أن المرتد يُقتل حدًا بنص هذا الحديث الصحيح.
وابن تيمية رحمه الله قرر أن المقصود بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المارق من الدين المفارق للجماعة)، يحتمل أن يكون المحارِب قاطع الطريق لا المرتد.
ولقد قبل النبي صلي الله عليه وسلم، توبة جماعة من المرتدين، وأمر بقتل جماعة آخرين، ضموا إلى الردة أمورًا أخرى تتضمن الأذى والضرر للإسلام والمسلمين؛ مثل: أمره بقتل مقيس بن حبابة يوم الفتح، لما ضم إلى ردته السب وقتل المسلم، وأمر بقتل ابن أبي صرح، لما ضم إلى ردته الطعن والافتراء.
وفرق ابن تيمية بين نوعين: أن الردة المجردة تقبل معها التوبة، والردة التي فيها محاربة لله ورسوله والسعي في الأرض بالفساد، لا تُقبل فيها التوبة قبل القدرة.
روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس رضي الله عنه: (أن نفرًا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام، فاستوخموا، فسقمت أجسامهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أفلا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبون من ألبانها وأبوالها؟ قالوا: بلى.
فخرجوا فشربوا من ألبانها وأبوالها فصحوا، فقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأطردوا النعم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل في آثارهم، فأُدرَكوا فجِيء بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم، ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا) [متفق عليه، رواه البخاري، (233)، ومسلم، (4446)].
وفي بعض الروايات: أنه كان للإبل رعاة، وأن العرنيين قتلوهم ومثَّلوا بهم.
وعليه، فإن النفر من عكل وعرينة لم يُقتلوا لمجرد الردة، وإنما قتلوا لكونهم محاربين، فهم قتلوا مع الردة، وأخذوا الأموال، فصاروا قطاع طريق، ومحاربين لله ورسوله.
وقد فرَّق العلماء في أمر البدعة بين المغلظة والمخففة، كما فرقوا في المبتدعين بين الداعية وغير الداعية، وكذلك يجب أن نفرق في أمر الردة الغليظة والخفيفة، وفي أمر المرتدين بين الداعية وغير الداعية، فما كان من الردة مغلظًا، وكان المرتد داعية إلى بدعته بلسانه أو بقلمه، فالأولى في مثله التغليظ في العقوبة، والأخذ بقول جمهور الأمة وظاهر الأحاديث؛ استئصالًا للشر وسدًا لباب الفتنة.