الدولة السعودية الأولى
الدولة السعودية الأولى | |||||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|
1744–1818 | |||||||||
علم الدرعية | |||||||||
العاصمة | الدرعية | ||||||||
اللغات الشائعة | العربية، الفارسية، التركية العثمانية | ||||||||
الدين | سنة إسلام | ||||||||
الحكومة | ملكية | ||||||||
الإمام | |||||||||
• 1744-1765 | محمد بن سعود | ||||||||
• 1765-1803 | عبد العزيز بن محمد بن سعود | ||||||||
• 1803-1814 | سعود الكبير بن عبد العزيز بن محمد بن سعود | ||||||||
• 1814-1818 | عبد الله بن سعود الكبير بن عبد العزيز | ||||||||
التاريخ | |||||||||
1744 | |||||||||
1818 | |||||||||
| |||||||||
Today part of | السعودية الإمارات العربية قطر البحرين عُمان اليمن |
الدولة السعودية الأولى[1] أو إمارة الدرعية هي دولة تأسست في الدرعية عام 1744 وشملت أجزاء كبيرة من شبه الجزيرة العربية، أسسها محمد بن سعود، أمير الدرعية، والتي اتخذها عاصمة لدولته، وانتهت الدولة السعودية الأولى بسقوط عاصمتها الدرعية بيد القوات المصرية تحت قيادة إبراهيم باشا عام 1818 واستسلام عبدالله بن سعود.
بعد ميثاق الدرعية الذي أُبرم بين محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود توسّع نطاق الدولة وباتت تضمّ نجد وإقليم العارض، ويقصد به الدرعية والرياض والعيينة، ومنفوحة، وضرما، وأقاليم الوشم، وسدير، والخرج، والقصيم، وجبل شمر، وبريدة، والإحساء، وتوسّعت حتى حدود الخليج العربي فضمّت الكويت وقطر وعُمان والأردن والعراق.
كانت نهاية الدولة السعودية الأولى على يد محمد علي باشا والي مصر، حيث أرسل ابنه إبراهيم باشا إلى الحجاز في حملة عسكرية موسعة، وتمكن بعد خوض معارك طاحنة من دخول الحجاز، والوصول إلى الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى، فدمّرها ونهب ما فيها من أموال وخزائن أمرائها، بعد أن تمّ إلقاء القبض على الإمام عبد الله بن سعود مع عدد كبيرٍ من رجالات ومشايخ وأمراء وعلماء وأئمة الدولة السعودية الأولى؛ حيث تمّ اقتيادهم إلى الأستان بعد التحقيق معهم وتنفيذ حكم الإعدام بحقّهم، ويُذكر منهم أمير الخرج عبد الله بن سليمان بن عفيصان، وأمير منطقة الأحساء فهد بن سليمان بن عفيصان، وابن أخيه، كما قتلو علي بن محمد بن عبد الوهاب ورحّلو حجيلان بن حمد أمير القصيم إلى المدينة المنورة وشتتوا شمله، وهكذا تمّ إخضاع السعودية إلى الباب العالي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الخريطة السياسية لشبه الجزيرة العربية
كانت شبه الجزيرة العربية تنقسم إلى عدة أجزاء هي الحجاز ويشمل المناطق الممتدة من شرق البحر الأحمر من تهامة-عسير جنوباً إلى العقبة شمالاً وكان خاضعاً لحكم الأشراف في مكة ثم لسلطة الدولة العثمانية.
بينما كانت بلدان نجد تخضع لنفوذ بعض الأسر مثل آل سعود في الدرعيه وال سعيد في منفوحة دهام بن دواس في الرياض وال سليم في القصيم وبني زيد في الوشم وسبيع في بادية نجد, اما منطقة شمال نجد وعاصمتها حائل فكانت خاضعة لحكم آل علي وقبائل بني رشيد.
أما عسير وجازان التي كانت تسمى المخلاف السليماني نسبة إلى سليمان بن طرف الحكمي ويعتمد السكان على الزراعة والصيد والتجارة وينتشر المذهب السني الشافعي، وفي نجران يوجد المكارمة والمذهب الشيعي الإسماعيلي واشتهرت المنطقة بالقوة العسكرية والخصومة والحرب مع الدولة السعودية الأولى الناشئة.
وكان إقليم الأحساء في شرق الجزيرة العربية على الخليج العربي وتشتهر المنطقة بالزراعة لوجود عيون الأحساء والصيد والتجارة، ويوجد فيها المذهب السني وتتميز بنشاطها العلمي والعلماء، وكان الحكم فيها لأسرة زامل الجبري تلتها السلطة العثمانية وحكم بني خالد.
التاريخ
آل سعود ونشأة إمارة الدرعية
- مقالات مفصلة: آل سعود
- إمارة الدرعية
تنسب بعض المصادر آل سعود إلى قبيلة عنزة، المعروفة بهذا الاسم، في الوقت الحاضر. وهذا شائع، أيضاً، لدى الناس. وذكر بعض المؤرخين أن آل سعود، هم من بني حنيفة. ومن المعلوم أن عنزة، وبني حنيفة، هم من وائل. ومن ثَم، فآل سعود وائليون. وكانت الأسرة السعودية، تدعى آل مقرن، نسبة إلى مقرن بن مرخان، جد محمد بن سعود، مؤسس الدولة السعودية الأولى. وكان أحد أجداد آل سعود، يسمى مانع بن ربيعة المريدي، يقيم بمكان، يقال له الدرعية، قرب بلدة القطيف، على ساحل الخليج العربي، وذلك في النصف الأول من القرن التاسع الهجري.[2].
وكان لمانع المريدي هذا، قريب، يسمى ابن درع، يقيم بمنطقة حجر اليمامة، قريباً من موقع مدينة الرياض الحالية. وكان ابن درع صاحب نفوذ في تلك الجهة. فقدم إليه مانع المريدي، من القطيف، في عام 850هـ/1446م. ومنحه موضعَي غصيبة والمليبيد، في وادي حنيفة[3]. (انظر خريطة وادي حنيفة وروافده، وخريطة الرياض وفروع وادي حنيفة)
وأطلق مانع المريدي، وأتباعه، اسم "الدرعية" على موطنهم الجديد؛ إما إحياء لاسم بلدتهم القديمة، التي هاجروا منها، أو نسبة لقريبه ابن درع، الذي منحهم هذا الموطن، اعترافاً بفضله، وتخليداً لذكره.
وقد قويت هذه الأسرة، وازداد نفوذها في المنطقة، وتوسعت على حساب جيرانها، من آل يزيد، الحنفيين. وكان أمير الدرعية، محمد بن مقرن بن مرخان، جد آل سعود، قد توفي عام 1106هـ/ 1694م. وفي عام 1121هـ/ 1709م، أصبح موسى بن ربيعة بن وطبان، أميراً على البلدة. ثم خلع، فتوجه إلى العيينة. وتولى الإمارة سعود بن محمد بن مقرن، الذي توفي عام 1137هـ/ 1724م. ولم يتول، من بعده، ابنه، محمد بن سعود بن محمد أمارة الدرعية، بل تولاها زيد بن مرخان بن وطبان، لكن محمد بن سعود كان له تأثير قوي على سير الأحداث في البلدة.
وفي عام 1138هـ/1725م، حاول أمير الدرعية، زيد بن مرخان، الاستفادة من ظهور الوباء في العيينة، الذى مات فيه أمير العيينة المشهور، عبد الله بن معمر، وعدد كبير من رجالها. فبدأ يُخَطَّط، مع فريق من قبيلة سُبيع، لمهاجمة هذه البلدة المزدهرة. ولكن أمير العيينة الجديد، محمد بن حمد بن عبدالله بن معمر، المعروف بلقب خرفاش، اتخذ خطة، أنقذته مما يخطَّط ضده؛ إذ دعا أمير الدرعية، زيد بن مرخان إلى التفاوض واعداً إياه، أن يستجيب ما أراده منه. وحينما قدم زيد إليه مع أربعين من رجاله، ومنهم محمد بن سعود، غدر به محمد بن معمر وقتله. وقد تحصن محمد بن سعود، بمن معه، بموضع، ولم يخرجوا، إلا بأمان من الجوهرة بنت عبدالله بن معمر، وكان ذلك عام 1139هـ/1726م. وكان أمير الدرعية المخلوع، موسى بن ربيعة حاضراً تلك الواقعة، في منزل خرفاش، فأصيب برصاصة، توفي على أثرها.
وعاد محمد بن سعود وجماعته إلى الدرعية. واستقل بإدارتها. وأصبح أميراً لها. وبذلك، مضى أكثر من مائتَين وثمانين عاماً، على تأسيس مانع المريدي للدرعية، ولإمارة آل سعود فيها.
واستمرت إمارة محمد بن سعود قرابة أربعين عاماً، من عام 1139 هـ/1726م إلى وفاته، في عام 1179هـ/1765م. وكانت إمارة الدرعية، قد اكتسبت موقعاً مهماً، بين إمارات العارض، بدليل أنها تعرضت لهجوم من حكام الأحساء، بني خالد، عام 1133هـ/ 1720م. وتمكنت من صده.
وشهدت استقراراً داخلياً، بعد تولي محمد بن سعود إمرتها. وفي العقود التالية، نمت أحياء البلدة، واتسعت في جنبات وادي حنيفة وصارت تمتد من اَلْمُلْقَى، شمالاً، إلى حدود بلدة عِرقة، جنوباً. وشملت حدودها مناطق من الوادي مثل: العلب، وسمحة، وغبيراء، وقليلقل، وكتلة، والرفايع، وخيس نصر الله، والسهل، والقرين.وضمت البلدة أحياء عديدة مثل: الطريف، حيث مساكن آل سعود، والبجيري، والبليدة، والطوالع، والسهل، وملوي، وغيرها.
وأسست حصون وقلاع وأبراج على سورها، مثل: حصن الرفايع في قرى عمران، وحصن سمحة، وحصن شمالي الطريف، وحصن شَدِيد اللوح في ظهره ناظرة، وحصن المغترة. وشيدت، في الدرعية، قصور لآل سعود، مثل قصر الطريف، وقصر البليدة، وقصر الشعراء. وقصر ابن طوق في السريحة.
وبعد قيام الدولة السعودية، وتوليها مهمة الدعوة الإصلاحية، التي دعا إليها الشيخ محمد بن عبدالوهاب ـ أطلق أمراء الدرعية على أنفسهم لقب إمام، وهو لقب الحاكم، السياسي والديني، للدولة.
وخلف الإمامَ محمد بن سعود، ابنُه، الأمير عبدالعزيز، الذي ولد عام 1133هـ/1720م. واغتيل في أواخر رجب من عام 1218هـ/نوفمبر1803م. بعد حكم دام 38 سنة، ما بين عامَي 1179هـ ـ 1218هـ/1765-1803م. وكان يقود الغزوات والحملات، في عهد والده. وفتح غير بلدة، بعد معارك فاصلة. وواصل سيرة والده، في التوسع وفتح البلدان، حتى العراق. وصد الغزوات، الموجهة ضد الدرعية. واغتاله، في مسجد الطريف، في الدرعية، رجل كردي، قدم لهذه الغاية، من العمادية، في الموصل. ولقد تزوج الإمام عبد العزيز بن محمد من ابنة الشيخ محمد بن عبدالوهاب.
وبعد الإمام عبدالعزيز، جاء ابنه، الإمام سعود بن عبد العزيز. ولقب، بعد وفاته، بسعود الكبير. وحكم قرابة 11 سنة، ما بين عامَي 1218 ـ 1229هـ/ 1803 ـ 1813م، إذ توفي ليلة الإثنين 11 من جمادى الأولى 1229هـ/مايو 1814م. وكان والده، والشيخ محمد بن عبدالوهاب، قد أخذا البيعة له من أهل نجد، بولاية العهد، في عام 1202هـ/ 1787م. وكان هذا الأمير، أيضاً، يقود الحملات، في عهد والده. فسار في أول غزوة له، عام 1181هـ/ 1767م، فهاجم بلدة العودة، من أعمال منطقة سدير.
ثم خلفه ابنه، الأمير عبد الله بن سعود. وحكم 5 سنوات، بدأت عام 1229هـ/1814م. وفي عهده، سقطت الدولة السعودية الأولى، باستسلامه لقوات إبراهيم باشا، في 8 ذي القعدة عام 1233هـ/9 سبتمبر 1818م. وأعدم، في الآستانة، في صفر عام 1234هـ/ديسمبر 1818م.
ظهور الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وبدء الدعوة الوهابية الإصلاحية
- مقالات مفصلة: محمد بن عبد الوهاب
- الوهابية
ينتمي الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى أسرة آل مُشرف، من فروع آل وُهَبَة، أحد بطون قبيلة تميم. فهو محمد بن عبدالوهاب بن سليمان بن علي بن أحمد بن راشد بن بُريد بن محمد بن بُريد بن مشرف. كان جده، سليمان، عالماً من علماء نجد، في القرن الحادي عشر الهجري. وتولى القضاء في روضة سدير. كما كان والده، عبدالوهاب، قاضياً في بلدة العيينة، ثم عُزل عام 1139هـ، وعين قاضياً لبلدة حريملاء.
ولد الشيخ محمد بن عبدالوهاب في بيت علم، في بلدة العيينة، سنة 1115هـ /1703م. وتلقى تعليمه الأولي على يد والده، وحفظ القرآن الكريم، في صغره. كما درس الفقه والتفسير والحديث. ثم ذهب للحج. ومن مكة المكرمة، توجه إلى المدينة المنورة، ثم عاد إلى العيينة.
وتميز محمد بن عبدالوهاب بقوة الذاكرة، والتعلق بالعلم. فانطلق طالباً المزيد منه. فرحل إلى مكة المكرمة، ثانية، ومنها إلى المدينة المنورة، حيث حضر حلقات الدرس، في الحرم النبوي، للشيخ النجدي، عبدالله بن إبراهيم بن سيف، الذي شجعه على القراءة في الفقه الحنبلي. وتلقى العلم، أيضاً، من عالم الحديث، الشيخ محمد حياة السندي المدني (توفي عام 1165هـ)، الذي تأثر به محمد بن عبدالوهاب، في الدعوة إلى التجديد، ومحاربة البدع في الدين، وما يؤدي إلى الشرك من الأعمال.
وعاد محمد بن عبدالوهاب إلى بلدته، العيينة. ومكث بها عاماً. وتوجه إلى البصرة، ليرضي نهمه في العلم. وفيها درس الفقه، وعلوم الحديث، وقواعد اللغة العربية.
وفي البصرة، التي كانت، آنذاك، تعج بالمذاهب والفِرق، آنس في نفسه القدرة على معارضة الأمور، التي كانت تجري على خلاف الشرع؛ وأن ينكر ما يرتكب، هناك، من البدع التي تفضي إلى الشرك؛ وأن يشترك في النقاش، حول التوحيد والعقيدة، مما أثار عليه بعض الأهلين، وآذوه. ولهذا، أجبر على مغادرة البصرة، فتوجه إلى الزبير، ومنها إلى الأحساء، حيث مكث بعض الوقت، واستفاد من علمائها، مثل عبد الله بن فيروز، ومحمد بن عفالق، وعبد الله بن محمد بن عبداللطيف الشافعي الأحسائي.
وخلال طلبه العلم، عكف الشيخ محمد بن عبدالوهاب، على دراسة كتب شيخ الإسلام، تقي الدين أحمد ابن تيمية (المتوفي عام 728هـ/1327م ). ودرس آثار تلميذه، ابن قيم الجوزية (المتوفي 751هـ/1350م). وتأثر بهما كل التأثر، خاصة رأي ابن تيمية في ضرورة العودة، في أمور الدين، إلى الكتاب وَالسُّنَّة، وما صح عن الصحابة من آثار؛ وتصحيح العقيدة وتنقيتها من بدع المتصوفة والمتكلمة. وتأثر به في محاربته للبدع والمنكرات، التي تؤدي إلى الشرك، مثل الاستغاثة بغير الله، والتوسل بالأولياء والموتى، والاعتقاد أنهم يجلبون النفع، ويدفعون الضر. وكذلك، التبرك بالأضرحة والأشجار، وغير ذلك. وكان الشيخ محمد بن عبد الوهاب، دائم التمثل بآراء ابن تيمية، في كتبه ورسائله.
ورجع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إلى بلدة حريملاء، التي عُيّن أبوه قاضياً لها. وكان وصوله إلى نجد بين عامَي 1144هـ ـ 1149هـ/ 1731 ـ 1736م.
وقد استنكر الشيخ ما كان عليه الناس، في منطقته، من جهل بأمور عقيدتهم، وشيوع البدع والخرافات بينهم. فصح منه العزم على دعوة الناس إلى العقيدة الصحيحة، وإلى التوحيد الخالص لله، وتنقية معتقداتهم مما شابها، من أعمال الشرك. فألف كتابه، "كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد"، الذي لاقى رواجاً كبيراً بين الناس، في نجد[4].
وأهم ما جاء في دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، إحياء عقيدة التوحيد، وإخلاص العبادة لله، وإفراده ـ سبحانه ـ بها؛ ومحاربة الشرك، بأنواعه، وسد الذرائع المؤدية إليه، والتصدي للبدع، التي أحدثت في الدين، والقضاء عليها؛ وتطبيق الشريعة، في كل أمور الحياة. وفي الحقيقة أن هذا هو جوهر الإسلام، ولم يكن الشيخ محمد بن عبدالوهاب، مبتدعاً في ما دعا قومه إليه. ولم يأت بمذهب جديد. ولا هو دعا إلى تشريع مختلف. إنما جدد ما اندرس من أمور الدين، ودعا للعودة إلى النبع الصافي للعقيدة الإسلامية.[5].
وقد انقسم الناس، إزاء هذه الدعوة بين مؤيد ومعارض. فوجدت لها أنصاراً، ممن شرح الله صدورهم لمعرفة الحق. ولاقت معارضة الجهال، من العامة، الذين رفضوا أن يتركوا ما نشئوا عليه. وعارضتها فئة من العلماء، الذين كانت لهم مصالح دنيوية. وكان عبد الوهاب بن سليمان، والد الشيخ محمد، معارضاً لأسلوب ابنه في الدعوة، وليس للدعوة نفسها. وبعد وفاة والده، عام 1153هـ / 1740م، اشتد الشيخ في دعوته. وازداد إنكاره لما يراه باطلاً. وانتشرت الدعوة الإصلاحية في أرجاء المنطقة. وتوافد على الشيخ المؤيدون، ومنهم أمير بلدة العيينة، عثمان بن حمد بن عبد الله بن معمر. خروج الشيخ محمد بن عبد الوهاب، من حريملاء إلى العيينة
انتقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، في عام 1154هـ/1741م، من بلدة حريملاء، إلى بلدة العيينة. وكان في حريملاء قبيلتان متنازعتان. ولإحداهما عبيد يقال لهم الحمّيان، كثر منهم الفسق والفساد. فأراد الشيخ محمد أن يمنعهم من ذلك، وينفذ فيهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فهمّ العبيد أن يفتكوا به ويقتلوه، في الليل، سراً. فلما تسوروا عليه الجدار، انكشف أمرهم، فهربوا. وانتقل الشيخ، بعدها، إلى العيينة.
وربما يكون السبب الأهم في انتقاله، هو قبول أمير العيينة، عثمان بن حمد بن عبد الله بن معمر، دعوته الإصلاحية. يضاف إلى ذلك، أن العيينة، هي مسقط رأس الشيخ، ومكان نشأته الأولى. ووجد في العيينة، كل ترحيب وحفاوة من أميرها. وتزوج الشيخ محمد الجوهرة بنت عبد الله بن معمر، عمة الأمير عثمان، مما زاد من الأواصر بين الشيخ والأمير. وعرض الشيخ على الأمير عثمان، ما قام به، ودعا إليه. وقال له: "إني أرجو، إن قمت بنصر لا إله إلا الله، أن يظهرك الله ـ تعالى ـ وتملك نجداً وأعرابها". فساعده الأمير عثمان بن معمر على ذلك.
وسار الشيخ قدماً في التطبيق الفعلي لدعوته، بعد دعم الأمير له. فقام، مع أنصاره، بقطع الأشجار، التي كان العامة يتوسلون بها. وهدم القبة، التي كانت على قبر، يظن أنه لزيد بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ في الجبيلة؛ وكان العامة يتبركون بها، ويقدمون إليها النذور.
كما قام الشيخ بمعاقبة من لا يؤدون الصلاة مع الجماعة، في المساجد. وأرسل الدعاة إلى البلدان المجاورة، في نجد، لنشر دعوته. ولكن أعظم الأعمال، التي قام بها، فهزت المجتمع، واشتهر بها أمره، في الآفاق، إقامة حد الرجم على امرأة، اعترفت بأنها ارتكبت جريمة الزنا، وهي محصنة. وكان يعلن، بذلك، دخول دعوته مرحلة جديدة مهمة.
فقد أدت هذه الأنشطة إلى زيادة المعارضة للدعوة الإصلاحية، من قبل بعض العلماء، في نجد، الذين رأوا فيها زعزعة لمكانتهم الاجتماعية وبخاصة أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أنكر على بعضهم أخذ أجر من المتخاصمين، مقابل الفصل بينهم، وعدّ ذلك من الرشوة. فقام بعض هؤلاء العلماء بإرسال الرسائل، إلى علماء البصرة والأحساء، يستنهضونهم للرد على دعوة الشيخ.
كل ذلك، لم يمنع الدعوة الوهابية من الانتشار، وإقبال الناس عليها، مما أثار حفيظة الأمراء، خاصة زعماء بني خالد، في الأحساء، التي كانت مصدراً للتجارة، في نجد.
ولهذا، كتب زعيم بني خالد، وحاكم الأحساء والقطيف، سليمان بن محمد بن غرير آل حميد، رسالة إلى صديقه، أمير العيينة، عثمان بن معمر، يطلب منه، أن يتخلص من الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بالقتل. وهدد، في رسالته، بأنه سوف يقطع الخراج أو المعونة الاقتصادية، وهي كثيرة، عن ابن معمر، ويمنعه من استلام دخل مزرعته، في الأحساء؛ وأنه لن يسمح لتجار بلدته، بدخول الأحساء واستخدام موانئها. انتقال الشيخ محمد، من العيينة إلى الدرعية
ما كان في وسع أمير العيينة مخالفة حاكم الأحساء، فطلب من الشيخ محمد، أن يغادر العيينة، بعد أن أخبره بأمر رسالة زعيم الأحساء، وطلبه أن يقتله. ولم تفلح محاولات الشيخ في إقناع الأمير بالصمود، أمام تهديدات حاكم الأحساء، ورفض أوامره.
واختار الشيخ محمد بن عبد الوهاب بلدة الدرعية، التي كان يحكمها محمد بن سعود. ووصلها، عصر اليوم، الذي غادر فيه العيينة، في عام 1157هـ/1744م. وحل ضيفاً على رجل من تلاميذه، يدعى محمد بن سويلم العريني، في أعلى الواحة. وخشي المضيف من سطوة الأمير محمد، خاصة بعد أن أقبل الناس، من مريدي الشيخ، ليأخذوا عنه أمور دينهم، ومن بينهم ثنيان بن سعود، ومشاري بن سعود، شقيقا الأمير محمد بن سعود. وقد بذل الأخوان، ثنيان ومشاري، جهدهما في إقناع الأمير بمقابلة الشيخ. وتروى قصة، مفادها، أن موضي بنت أبي وطبان، زوجة الأمير محمد بن سعود، كانت ذات عقل ومعرفة، سعت لدى زوجها، ليقف إلى جانب الشيخ ويعاضده، بعد ما علمت من أخباره، وما يأمر به وينهى عنه، قائلة: "إن هذا الرجل، أتى إليك، وهو غنيمة ساقها الله لك. فأكرمْه، وعظمْه، واغتنم نصرته". فاقتنع الأمير بقولها، ودعا أخاه، مشاري، وطلب منه أن يدعو الشيخ لمقابلته. ولكن مشاري، استعطف أخاه الأمير، أن يسير بنفسه لمقابلة الشيخ، وقال له: "سرْ إليه برِجلك، وأظهر تعظيمه وتوقيره، ليسلم من أذى الناس".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ميثاق الدرعية، وقيام الدولة السعودية الأولى
- مقالة مفصلة: ميثاق الدرعية
سار الأمير محمد بن سعود، إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب، في بيت ابن سويلم. ورحب به قائلاً: "أبشر ببلاد خير من بلادك. وأبشر بالعز والمنعة". فقال الشيخ: "وأنا أبشرك بالعز والتمكين. وهذه كلمة لا إله إلا الله، من تمسك بها، وعمل بها، ونصرها، ملك بها البلاد والعباد. وهي كلمة التوحيد، وأول ما دعت إليه الرسل، من أولهم إلى آخرهم".
ولا تذكر المصادر تاريخاً لهذه المقابلة المهمة. ولكنها كانت بعد قدوم الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى الدرعية، بفترة قصيرة.
ولقد خشي الأمير محمد بن سعود أمرَين، إن قام بنصرة دعوة الشيخ:
أولهما: أن يهجره الشيخ إلى مكان آخر، ويستبدل به غيره.
ثانيهما: أن يقف الشيخ في وجه ما يأخذه من مال، من أهل الدرعية.
لذلك، أراد الأمير، أن يكون بينه وبين صاحب الدعوة، عهد وميثاق، فقال له:
"يا شيخ، إن هذا دين الله ورسوله، الذي لا شك فيه. وأبشر بالنصرة لك، ولما أمرت به، والجهاد لمن خالف التوحيد. ولكن أريد أن أشرط عليك شرطَين اثنَين:
الأول: نحن إذا قمنا بنصرتك، والجهاد في سبيل الله، وفتح الله لنا ولك البلدان، أخاف أن ترحل عنا وتستبدل بنا غيرنا.
الثاني: إن لي على الدرعية قانوناً (أي ما يدفعه الضعيف إلى القوي، ليحميه ويدافع عنه) آخذه منهم، في وقت الثمار، وأخاف أن تقول، لا تأخذ منهم شيئاً".
فأجاب الشيخ: "أيها الأمير، أما الأول، فابسط يدك. الدم بالدم والهدم بالهدم.
وأما الثاني، فلعل الله أن يفتح لك الفتوحات، فيعوضك الله من الغنائم ما هو خير منها".
ثم بسط محمد بن سعود يده، وبايع الشيخ محمد بن عبد الوهاب على نصرة دين الله ورسوله، والجهاد في سبيل الله، وإقامة شرائع الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
يقول المؤرخ حسين بن غنام: "وقد بقي الشيخ، بيده الحلّ والعقد، والأخذ والإعطاء، والتقديم والتأخير. ولايركب جيش، ولا يصدر رأي من محمد بن سعود، ولا من ابنه، عبدالعزيز، إلا عن قوله ورأيه. فلما فتح الله الرياض، واتسعت ناحية الإسلام، وأمنت السبل، وانقاد كل صعب، من باد وحاضر، جعل الشيخ الأمر بيد عبدالعزيز بن محمد بن سعود، وفوض أمور المسلمين وبيت المال إليه..."
تأسيس الدولة السعودية الأولى (1745 – 1811)
على أثر انتقال محمد بن عبد الوهاب إلى الدرعية لحق به الكثير من أتباعهه من العيينة وسائر واحات نجد. كانت عاصمة الدولة السعودية الشاسعة آنذاك تعيش حياة البؤس. ولم يتمكن ابن سعود حتى من تأمين الأغذية لأعز تلاميد محمد بن عبد الوهاب الذي كان يمارس تأثيره بقوة الإقناع فقط.
واطلع محمد بن عبد الوهاب أتباعه وأنصاره على مبادئ مذهبه وأوحى لهم فكرة ضرورة الجهاد ضد الكفرة. وبعد أولى غزوات الدرعيين على جيرانهم وزعت الغنائم بالعدل طبقا لأحكام الوهابية: الخمس لابن سعود والباقي للجند: ثلث للمشأة وثلثان للخيالة. وكان التمسك بالوهابية يكافأ ماديا. وإذا كان الغزو في السابق مجرد حملة شجاعة، فقد تحول الآن إلى انتزاع أموال المشركين وإحالتها إلى المسلمين الحقيقيين.
ولم تكن عمليات الوهابيين الحربية تختلف عن النزاعات العادية بين الدويلات – الواحات. غارة سريعة وكمين تنصبه بضع عشرات من المحاربين وبضع عشرات من الإبل أو الأغنام التي يتم الاستيلاء عليها في حالة الانتصار وأشجار نخيل مقطوعة وحقل منهوب أو عدة منازل منهوبة – تلك هي (منجزات) الدرعيين في لاسنوات الأولى بعد مجيء محمد بن عبد الوهاب إليهم.
إلا أن راية تجديد الدين منحت أمير الدرعية وزنا ومنزلة. وأخذ مؤرخو نجد يلقبونه بالإمام. وصار يعتبر أميرا للمؤمنين، أي لجميع المنضمين إلى الوهابية. وأثناء الصلاة كان في مقدمة جمهور المصليين.
فرض زعامة الدرعية في وسط نجد
كان المحاربون من العيينة بزعامة بن معمر أنصارا ثابتين للدرعيين، حتى أن أميرا من العيينة قاد القوات التي توحدت في السنوات الأولى. وارتبط عثمان بن معمر بالسعوديين بصلة قربى حيث زوج ابنته من عبد العزيز بن محمد. وفي عام 1748 ولد ابنهما سعود الذي بلغ الوهابيون أوج قوتهم في عهده. إلا أن العداء حتى الموت بين الأقارب ظاهرة عادية تماما في الجزيرة العربية، فلا داعي للدهشة من تطور الأحداث لاحقا. وكان لموقف محمد بن عبد الوهاب الذي لم ينس أن أمير العيينة نفاه منها أهمية حاسمة في التنافس بين حكام الدرعية والعيينة.
واتهموا أمير العيينة كذلك بأنه أجرى مراسلات سرية مع حاكم الإحساء محمد بن عفالق وأعد العدة للخيانة. وفي يونيو 1750 قتله الوهابيون من أبناء واحته بعد صلاة الجمعة. وصار حاكماً للواحة قريبه مشاري بن ابراهيم بن معمر المعتمد على الدرعية. وبعد عشر سنوات فقدت العيينة استقلالها نهائياً. فقد نحى محمد بن عبدالوهاب مشاري وأسكنه الدرعية مع عائلته وعين بدلاً منه شخصاً خاضعاً للسعوديين كلياً. ووصل محمد بن عبد الوهاب شخصياً إلى العيينة وأمر بتدمير قصر آل معمر.
وبعد خمس سنوات من التحالف بين محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود كانت سلطة أمير الدرعية لاتزال موضعاً للشك والمجادلة حتى في أقرب الواحات. وفي 1750-1753 حاولت إمارات منفوحة وحريملاء وضرمى التي كانت بين أوائل الذين تحالفوا مع الوهابيين أن تفصم عرى التبعية للدرعية. وشجع الانتفاضة في حريملاء سليمان أخو محمد بن عبدالوهاب. وبعث إلى كافة أرجاء نجد رسائل شجب فيها تعاليم أخيه. وبتأثير الدعاية المناهضة للوهابية بدأت القلاقل حتى في العيينة. إلا أن عبد العزيز تمكن مع 800 من المشأة و20 من الخيالة من الاستيلاء على حريملا في عام 1755، وفر سليمان إلى سدير.
وظل أمير الرياض دهام بن دواس المنافس الرئيسي للسعوديين. وكانت الغزوات من الدرعية والرياض على بعضهم البعض تجري كل عام تقريبا. وقاتل مع دهام على التوالي سكان مناطق وواحات الوشم وسدير وثادق وحريملا. إلا أن الوهابيين كانوا هم الجانب المهاجم في الغالب.
وعلى مسرح الأحداث في نجد ظهر الإحسائيون من جديد في أواخر الخمسينات، وقد قادهم خلال بضع سنين حتى ذلك الحين زعيم نشيط هو عريمر بن دجين. فقد قاموا بحملة على وسط الجزيرة، ولكنهم لم يوفقوا فيها. وانتقلت المبادرة مرة أخرى إلى الدرعية.
وفي أواخر عام 1764 قام زعيم القبائل البدوية في منطقة نجران الحسن بن هبة الله بحملة على الدرعية. ودحر قوات عبدالعزيز عن آخرها، حيث كبدها حوالي 500 قتيل و 200 أسير. وأبدى محمد بن عبد الوهاب دهاءاً دبلوماسياًُ كبيراً فسارع لعقد الصلح على أساس دفع تعويضات الحرب وتبادل الأسرى. وانسحب النجرانيون دون أن ينتظروا وصول عريعر من الإحساء.
ووصلت قوات عريعر المسلحة بالمدافع إلى ضواحي الدرعية في بداية عام 1765. وانضم إليها الكثير من النجديين، بمن فيهم دهام أمير الرياض وزيد بن زامل أمير الخرج. إلا أن حصار الدرعية أخفق. وفي ذلك العام توفي محمد بن سعود. وخلفه عبد العزيز بن سعود الأول. ويشير ابن غنام وابن بشر إلى أن عبد العزيز لم يكن ولي العرش فقط، بل كان إماما للوهابيين.
وبعد الهزة التي نجمت عن لهزيمة أمام النجرانيين وغزو الإحسائيين تماثلت إمارة السعوديين للشفاء بسرعة. واستمر توسعها بوتائر متسارعة، وفي أواخر الستينات أخضع الوهابيون كلياً الوشم وسدير وهاجموا واحة الزلفى الواقعة شمال شرقي مقاطعة القصيم النجدية الغنية وشنوا حملات ناجحة على البدو جنوبي وشرقي نجد. وخضعت مفارز من قبائل سبيع والظفير للوهابيين. وفي عام 1769-1770 أقسم القسم الأكبر من القصيم يمين الولاء للوهابية والسعوديين.
وفي هذه الظروف غدا وضع الرياض المطرقة من جميع الجهات باتباع أو حلفاء الوهابيين ميئوساً منه. وفي إحدى المناوشات قتل الدرعيون اثنين من أبناء دهام. وتدهورت معنويات أمير الرياض العجوز. وعندما وصل الوهابيون في صيف 1773 إلى الرياض رأوا أن المدينة خالية من سكانها. وفر أمير الرياض مع عائلته. وحذت حذوه أغلبية السكان الذين كانوا يخشون، وليس بدون حق، من ثأر خصومهم القدامى. وهلك كثير من سكان الرياض في الطريق بسبب الحر والعطش، كما سقط الكثيرون بسيوف الوهابيين.
وانتهى الصراع من أجل السيطرة في وسط نجد بعد أن استغرق حوالي ربع قرن. ولكنه لم يخرج عن نطاق النزاع القبلي. وتفيد حسابات المؤرخين التي هي ربما أقل مما في الواقع أن عدد القتلى بلغ 4-5 آلاف شخص يشكل اتباع دهام أكثر من نصفهم. ويمكن أن نوافق على رأي فيلبي الذي كتب يقول:
حتى ذلك الحين كان عبد العزيز يتربع منذ ثماني سنوات على عرش الدرعية التي كانت أكبر شأنا بقليل من سائر الدويلات العديدة في الجزيرة العربية. إلا أن الوهابيين حصلوا على قاعدة متينة لمواصلة توسيع دولتهم. |
كانت سلطة السعوديين قائمة ليس فقط على قوة السلاح. فكل واحة تضم إلى الدولة يصلها من الدرعية علماء وهابيون يدعون إلى التوحيد الحقيقي. وأخذ قسم من سكان نجد يعتبر الدرعية ليس مجرد عاصمة لإمارة قوية بل ومركزا روحيا، ويعتبر حكام الدرعية ليس مجرد أمراء أقوياء بل ومناضلين في سبيل نقاوة الدين. ولا يغيبن عن البال أن العلماء وأنصار الوهابيين في الإمارات المعادية للدرعية كانوا يفتتون المقاومة من الداخل.
وعلى العموم تمكن السعوديون بصعوبة كبيرة، رغم الجهود الهائلة، من قهر مقاومة الأمراء المستقلين. وكان واضحا أثر قوى التجزئة واللامركزية والفوضى القبلية. ولذا تعين مرور عشرة أو إثنى عشر عاما على سقوط الرياض لتقع نجد كلها تحت سيطرة الدرعية.
توحيد وسط الجزيرة العربية
بعد ضم الرياض صار الخصم الرئيسي للسعوديين في نجد هو زيد بن زامل الأمير الداهية الشجاع وحاكم الدلم ومنطقة الخرج كلها. وقد حاول من جديد اجتذاب قبائل نجران للمشاركة في مكافحة الوهابيين. ولهذا الغرض توجه بطلب إلى أمير نجران ليرسل محاربين لنجدته ووعده بمكافأة معينة. ووصل أبناء نجران ولكنهم بدلاً من تقديم النجدة أخذوا يبتزون النقود وينهبون سكان الخرج. فأخفق التحالف المنشود.
وفي منتصف السبعينات دخل محاربو بني خالد وعلى رأسهم عريعر نجد قادمين من الإحساء واحتلوا بريدة في القصيم ونهبوها بوحشية. وكان العديد من حكام واحات نجد المتذمرين من سلطة السعودين مستعدين لدعم الإحسائيين، ولكن عريعر توفي بغتة. وبدأ عند بن خالد صراع من أجل الرئاسة. وفاز في هذا الصراع مؤقتاً أحد أبناء عريعر وهو سعدون، إلا أن أمراء الدرعية أخذوا يحرضون إخوانه ضده. وخلال السنوات القليلة التالية كان الإحسائيون يظهرون في نجد كل عام تقريبا. وشاركت مع بني خالد في الغزوات قبائل سبيع والظفير وبني رشيد. وكان عدد من واحات نجد تارة ينضم إلى الوهابيين وتارة ينفصل عنهم ويعمل بصورة مستقلة وتارة يتحالف مع أعداء الدرعية.
ويبين مشهد هام ذكره منجين سير العمليات الحربية آنذاك. فقد أنشأ الوهابيون قرب الدلم قلعة للتضييف على عمليات مفارز زيد بن زامل. وكانت مشارف القلعة صعبة المنال وقد وقفت في حمايتها عساكر وهابية مختارة. وبغية إخراج العدو من القلعة أنشأ أهل الدلم بإشراف أحد الفرس القانطين في الواحة برجاً متنقلاً على أربع عجلات ولبسوه بالرصاص لحمايته من النار. ودخله محاربون ودحرجه آخرون نحو القلعة. إلا أنه تلكأ عند مشارفها، ولم ينقذ المحاربين القابعين في البرج المتنقل إلى عملية مستميتة لمفرزة من شجعان الدلم.
ورغم المقاومة وسعت الدولة السعودية نفوذها وأراضيها بالتدريج. وبعد احتلال الوهابيين لواحة المجمعة توقف عمل أنشط الدعاة المعاديين للوهابية، ونعني سليمان بن عبد الوهاب. فقد نقل مع عائلته إلى الدرعية حيث ظل حتى وفاته.
وفي مطلع الثمانينات تقرر مصير القصيم نهائياً. فطوال عدة سنوات استمرت القلاقل والنزاعات التي تخللتها عمليات ضد الدرعية. ولم يخفت أوار العداء القديم، وظل باقيا مفعول علاقات التحالف والترابط والنفور والتضاد السابقة. وفي عام 1782 دخل القصيم سعدون بن عريعر على رأس قوات بدوية من بني خالد وشمر والظفير. وكان مصمما على طرد الوهابيين. وانضم إليه زيد بن زامل وقواته. وطوال عدة أسابيع حاصروا بريدة التي ظلت موالية للوهابيين، ولكن دون جدوى هذه المرة. وانحل الائتلاف المعادي للوهابيين وغادر الإحسائيون نجد.
وفي عام 1783 قتل زيد بن زامل. وتزعم الدلم ابنه براك. إلا أن مكانة الأمير الجديد كانت مضعضعة بسبب التنافس داخل الأسرة الحاكمة. وفي الفترة 1783 – 1786 أصاب نجد جفاف مرعب وتفشت المجاعة. وغدت حالة الخرج التي حاصرها الوهابيون ميئوسا منها. وفي عام 1785 تم احتلال الدلم بهجوم سريع. وقتل الأمير وبعض أنصاره. وأقسمت منطقة الخرج كلها يمين الولاء للسعوديين. وعين القائد العسكري الوهابي سليمان بن عفيصان حاكما للدلم.
وفي تلك السنوات على وجه التقريب خضعت للدرعية الأفلاج والدواسر، مع أن الانتفاضات ضد الوهابيين استمرت أمداً طويلاً في الدواسر.
وشعرت أقوى القبائل البدوية في الجزيرة العربية بثقل قبضة حكام الدرعية. وعندما دحر الوهابيون بدو الظفير في عام 1781 انتزعوا منهم كل ما يملكون: أدوات المخيمات و17 ألف نعحة وماعز و5 آلاف جمل و15 حصاناً وقام الوهابيون كذلك بغزوات على آل مرة وقحطان وسبيع وبني خالد. وتوغلوا في الشمال وأخضعوا جبل شمر في النصف الثاني من الثمانينات.
واكتمل التفاف أراضي وسط الجزيرة حول الدرعية. ومع أن بعض العمليات كانت لا تزال جارية في بعض المناطق ضد السعوديين فلم يعد جائزاً اعتبار الأمراء المحليين من منافسيهم. وفي أفضل الأحوال كانوا شبه تابعين لهم، وفي الغالب كانوا صنائع مباشرين للدرعية يؤدون دور الولاة.
وأدى تعزز سلطة آل سعود ونفوذهم عموماً إلى جعل عبدالعزيز ومحمد بن عبدالوهاب يقدمان في عام 1788 على خطوة هامة. فقد أمنا لسعود حق ولي العرش بالوراثة والإمام عبدالعزيز لايزال على قيد الحياة. وأخذ محمد بن عبدالوهاب على عاتقه مهمة جعل مدن ومناطق الدولة تقسم يمين الولاء. وكان سعود حظي أصلا بشعبية واسعة بفضل بسالته وانتصارات الحربية ومشاركته في تصريف شئون الدولة. وكان الإعلان عن ولي العهد قد تعزز أسرة آل سعود لأنه أمن انتقال السلطة بصورة أسهل نسبياً من الأمير إلى ابنه.
إن وراثة الإبن لأبيه شيء معتاد في الجزيرة العربية ولكنه غير الزامي. فالسلطة كانت تنتقل حسب الأقدمية في العمر داخل الفخذ وحسب السجايا الشخصية لأقرب الأقوياء. وتعود الكلمة الحاسمة في اختيار الأمير الجديد إلى كبار الوجهاء. وإن إصرار المؤرخ الوهابي ابن غنام على تبرير شرعية يمين الولاء لسعود يشير إلى أن فكرة لزوم انتقال السلطة من الأب إلى إبنه صادفت، على الأرجح، بعض المقاومة والاعتراض. وبالاعتماد على موارد وسط الجزيرة بدأ الوهابيون تقدماً ناجحاً في جميع الاتجاهات: نحو الشرق والشمال الشرقي – إلى الإحساء وجنوب العراق، ونحو الغرب – إلى الحجاز، ونحو الجنوب الغربي – إلى اليمن، ونحو الجنوب الشرقي – إلى عُمان، ونحو الشمال إلى حدود الشام.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الوهابيون في شرقي الجزيرة
- مقالة مفصلة: الوهابية
مما سهل هجوم الوهابيين على الإحساء النزاعات الداخلية في هذه المنطقة الغنية. وفي عام 1785-1786 دبر أقرب أقرباء سعدون بن عريعر مؤامرة ضده. وطلبوا من شيخ المنتفق ثويني بن عبدالله أن يؤيدهم. فبدأت العمليات الحربية. ومنى سعدون بالهزيمة في الاشتباك الحاسم وولى هاربا. وطلب من الدرعية أن تمنحه اللجوء فاستقبلوه بحفاوه في حاير سبيع. وتفيد بعض المعلومات أنه سرعان ما توفي بعد ذلك. وصار دويحس حاكما للإحساء بعض الوقت.
وخف ضغط الوهابيين على الإحساء فترة قصيرة بسبب الغارة غير المتوقعة التي قام بها شيخ المنتفق ثويني على القصيم في 1786-1787. فقد جمع قوات كبيرة مزودة بالمدفعية. وشاركت معه في هذه الغزوة بعض قبائل شمر وكذلك سكان الزبير. وحطمت قوات ثويني عدة قرى في القصيم ولكنها ردت على أعقابها. وبعد أن عاد ثويني إلى منطقة قبائل المنتفق أراد أن يستولي على البصرة ويعلن عن نفسه حاكما لها. إلا أن والي بغداد سليمان باشا المستقل في الواقع عن الباب العالي هاجم ثويني في خريف 1787 وهزمه قرب مدينة سوق الشيوخ، ثم أمر فيما بعد برصف ثلاثة أبراج من جماجم قتلاه. وفر ثويني وصار حمود بن ثامر شيخا للمنتفق.
وتصادف كثيراً في كتابات مؤرخي الجزيرة التي تتناول بداية نشاط الدولة الوهابية معلومات عن الاشتباكات بين قوات السعوديين والبدو. ولكنه في أواخر الثمانينات تلاحظ مشاركة متزايدة من بدو بعض القبائل في الحملات التي يشنها الوهابيون أنفسهم. وقد كرر ابن بشر الإشارة إلى ذلك مراراً.
وكان الوهابيون يقومون سنوياً بحملات على أعماق الإحساء حتى بلغوا سواحل الخليج. ولم يكتف الوهابيون بغزو واحات شرق الجزيرة وقبائل بني خالد، بل هاجموا كذلك قبيلة المنتفق شمالي الإحساء. وقمع الوهابيون المقاومة بمنتهى القسوة. فقد كتب ابن غنام أن الوهابيين عندما عادوا ذات مرة من الواحات وجدوا (أكثر الرجال...في بيت من البيوت، وكانوا ثلاثمائة نفس فقتلوا جميعا).
وفي خريف 1788 صار بعض أفخاذ قبيلة بني خالد يقاتل في صف الوهابيين. ونصبت الدرعية زيد بن عريعر شيخا لمشايخ بني خالد. إلا أن الإحساء كانت لاتزال غير راضخة بعد، فإن المقاومة اللاحقة التي أبداها سكانها وانتفاضاتهم المتكررة تدل على أن الميول المعادية للوهابية كانت قوية هنا. وربما يعزي ذلك إلى وجود عناصر شيعية قوية في الإحساء، وإلى كون وجهائها الذين تعودوا على اعتبار النجديين جهة لهجماتهم لم يستطيعوا الرضوخ لدور الخضوع.
وفي 1791-1792 اجتاح سعود بالحديد والنار واحات شرقي الجزيرة فاحتل القطيف. وفي تلك الأثناء قام سليمان بن عفيصان بغزوة على قطر. إلا أن الإحساء كلها سرعان ماهبت في انتفاضة عارمة. ودحر بنو خالد صنيعة الوهابيين، وصار شيخا للإحساء براك بن عبدالمحسن الذي بدأ غزواته فورا على البدو والواحات الخاضعة للسعوديين إلا أن بني خالد اندحروا في إحدى المعارك ففقدوا أكثر من ألف شخص. وأعربت واحات الإحساء عن خضوعها لسعود. وظل الوهابيون شهرا في هذه المنطقة فدمروا قباب الأضرحة وجميع العتبات المقدسة للشيعة. وتوجه العلماء الوهابيون إلى المدن والواحات هناك.
وفي معمعان إخضاع الإحساء، في عام 1792، توفي مؤسس الحركة الوهابية محمد بن عبدالوهاب. وكان شخصية بارزة بالنسبة لعصره ومجتمعه وطبقته. وكان يتحلى ببسالة وحماسة متناهيتين. فإن تحدي النظام الديني في الجزيرة العربية آنذاك ومواجهة حماة القديم الهائجين يتطلبان بسالة منقطعة النظير. وتعرضت حياته للخطر مرارا، وقد أجلى ثلاث مرات، ولكن ذلك لم يئن عزيمته. وساعد محمد بن عبدالوهاب لدرجة كبيرة، بخطبه الحماسية وبلاغته، على نجاح الحركة الدينية التي بدأها وعلى توسيع الدولة السعودية. وكتب ابن بشر عنه أنه نشر (راية الجهاد بعد أن كانت فتنا وقتالا). ويقول منجين: (كان يتحلى بأكبر قدر من فن الإقناع ويخلب الألباب بخطبه...).
ويشير مؤلف لمع الشهاب إلى نقطة هامة أخرى وهي أن محمد بن عبدالوهاب بالذات علم سكان الدرعية، كما يزعمون، على صنع واستخدام السلاح الناري. وإذا كان قد اضطلع بهذا الدور الذي لايميز الفقهاء فيمكن الافتراض بأن مكانته في تأسيس إمارة الدرعية وانتصاراتها الحربية أكبر مما يشير إليه مؤرخو نجد. كان محمد بن عبدالوهاب يتحلى بهمة حياتية فائقة. ويقول منجين أنه (كان يهوى النساء وله عشرون زوجة أنجب منهن 18 طفلا). وقد غدا خمسة من أبنائه وكثير من أحفاده فقهاء معروفين. وترك محمد بن عبدالوهاب لورثته أرضا فيها نخيل وأشجار فاكهة وحقول وتبلغ عائداتها 50 ألف درهم ذهبي سنويا، بالإضافة إلى مكتبة تضم بضع مئات من الكتب. وبعد وفاة الشيخ محمد بن عبدالوهاب صار ابنه حسين، وهو ضرير تقريبا، مفتيا للدرعية، وبعده شغل أخوه هذا المنصب.
إن أسرة الفقهاء التي صارت تسمي آل الشيخ قد احتفظت بوزنها ونفوذها ومكانتها في الدولة السعودية حتى اليوم، ولكن أحدا من أحفاد محمد بن عبدالوهاب لم يرتفع إلى منزلة مؤسس الوهابية في إمارة الدرعية. وفي تلك الأثناء بدأت في الإحساء من جديد انتفاضة ضد سلطة النجديين. فقد قتل سكان الهفوف ثلاثين من ممثلي الدرعية – الحاكم والموظفين والعلماء الوهابيين وسحلوا جثثهم في شوارع المدينة ومثلوا بها على رؤوس الأشهاد. وأيدت الهفوف عدة واحات أخرى. وكان صنيعة الوهابيين زيد بن عريعر، زعيم بني خالد، قد خان أسياده وشارك في الانتفاضة.
وفي خريف 1793 توجه سعود مع قوات كبيرة إلى الإحساء. ونهبت قواته البدوية كل ماصادفته في طريقها وقتلت دون رحمة كل من أبدى مقاومة ودمرت بساتين النخيل واستأثرت بمحاصيل التمور ورعت الماشية في الحقول. وكان منافس زيد بن عريعر وخصم الوهابيين سابقا براك بن عبدالمحسن قد انتقل إلى جانبهم. وأعربت الإحساء كلها عن خضوعها لهم. وعين براك بن عبدالمحسن أمير للإحساء، ولكنه حاول في ربيع 1796 أن يتخلص من سلطة الوهابيين الذين انشغلوا بعمليات حربية غربي وجنو غربي نجد. وبعد عدة أشهر وصل سعود مع جيش قوي إلى الإحساء وقمع الحركة فيه من جديد.
وكتب ابن بشر وصف إخضاع الإحساء يقول: (فلما أصبح الصباح وحل سعود بعد صلاة الصبح فلما استووا (يقصد الوهابيين) على ركائبهم وساروا ثوروا بنادقهم دفعة واحدة. فأظلمت المساء وأرجفت الأرض وتأرجح الدخان في الجو وأسقط كثير من النساء الحوامل في الإحساء. ثم نزل سعود... وظهر عليه جميع أهل الإحساء على إحسانه وإساءته. وأمرهم بالخروج إليه فخرجوا فأقام في ذلك المنزل مدة أشهر يقتل من أراد قتله، ويجلي من أراد جلاءه ويحبس من أراد حبسه، ويأخذ من الأموال، ويهدم من المحال، ويبني ثغورا ويهدم دورا، وضرب عليهم الوفا من الدراهم وقبضها منهم. وذلك لما يتكرر منهم من نقض المعهد ومنابذة المسلمين، وجرهم الأعداء عليهم. وأكثر فيهم سعود القتل. فكان مع ناجم بن دهينيم عدة من الرجال يتخطفون في الأسواق لأهل الفسوق ونقاض العهد... فهذا مقتول في البلد، وهذا يخرجونه إلى الخيام ويضرب عنقه عند خيمة سعود، حتى أفناهم إلا قليلا. وحاز سعود الأموال في تلك الغزوة ما لا يعد ولا يحصى. فلما أراد سعود الرحيل من الإحساء أمسك عدة رجال من رؤساء أهلها... وظهر بهم إلى الدرعية وأسكنهم فيها واستعمل في الإحساء أميرا ناجم المذكور، وهو رجل من عامتهم.
هكذا تم إخضاع شرق الجزيرة العربية للوهابيين وصارت تابعة للسعوديين الممتلكات العائدة في الجزء القاري لأسرة آل خليفة الحاكمة في البحرين. وفي بداية التسعينات كانت على أشدها أيضا العمليات الحربية غربي نجد.
إمارة السعوديين والحجاز قبل عام 1802
بعد بدء الحركة الوهابية وتوسع إمارة السعوديين لم تنشب أية صدامات حربية بين حكام الدرعية ووجهاء الحجاز.
ولم تكن سلطة شريف مكة مساعد الذي حكمها من 1752 حتى 1770 متينة. ففي هياة حكمه خيم على مكة خطر فقدان الاستقلال الواسع الذي كانت تتمتع به في الدولة العثمانية. وفي عام 1769 أعلن حاكم القاهرة علي بك استقلال مصر عن الباب العالي. وضم الحجاز إلى ممتلكاته بيد أن محاولة علي بك لتأسيس دولة عربية مستقلة لم تكلل بالنجاح. فتخلص الحجاز من حكم المصريين.
ويقول مؤرخو الجزيرة أن السعوديين ومحمد بن عبدالوهاب أقاموا مع حكام مكة علاقات ودية. وعلى أثر انتقال محمد بن عبدالوهاب إلى الدرعية وصل إلى مكة ثلاثون فقيهاً وهابياً للحصول على موافقة بالحج وإجراء حوار مع فقهاء مكة. واعتبر فقهاء مكة، كما يفيد دحلان تعاليم الوهابيين زندقة فظيعة وكفرا. وأمر شريف مكة بأن تنشر في رسائل بكل مكان أدلة تثبت كفر الوهابيين وبأن يقيد هؤلاء الكفرة بالسلاسل ويزج بهم في السجن. وتمكن قسم منهم من الفرار فحملوا إلى الدرعية أخبار ما حدث.
وفي مطلع السبعينات أجرى محمد بن عبدالوهاب وعبدالعزيز مراسلات مع شريف مكة وتبادلوا الهدايا. وفي تلك السنوات لم يعرقل الإشراف أحيانا حج الوهابيين. وعندما صار سرور حاكما لمكة في عام 1773 بعث إليه عبدالعزيز هدايا ثمينة ليعرب عن المودة.
ويبدو أن حكام مكة والدرعية كانوا يقيمون علاقات ودية معتدلة فيما بينهم طالما أن مصالح النجديين والحجازيين لم تتصادم مباشرة وطالما كان الحجازيون يخشون تدخل المصريين أو الأتراك في شئونهم، أما تعاليم الوهابيين فإن علماء الحجاز ووجهاءه قد استقبلوا بالعداء على الأكثر منذ البداية.
وتمكن حاكم مكة سرور من التخفيف من غلواء عوائل الأشراف وتعزيز مواقعه في الحجاز. ولكنه على أثر وفاة سرور صار شريفاً لمكة في عام 1788 غالب بن مساعد وهو فتى لايمتلك سلطة فعلية فظل لبعض الوقت أداة في أيدي عبيد ومملوكي الأمير السابق الذين أخذوا يضيقون على لاسكان المحليين فصاروا يضمرون لهم حقداً. وهذا ما ساعد غالب في القريب العاجل على التخلص من العبيد العاصين وتعزيز منزلته. وكان غالب محارباً شجاعاً وسياسياً نافذ البصيرة. فاستطاع أن يقيم علاقات طيبة مع القبائل البدوية المجاورة لمكة، وقام بالغزوات معتمدا على هذه القبائل وعلى حرس العبيد المكون من بضع مئات من الأشخاص بعد تجديده.
وفي عام 1790-1791 أعد شريف مكة حملة على نجد من قوات بعشرة آلاف محارب و20 مدفعاً. إلا أن محاولاته في السيطرة على واحات نجد المحصنة قد أخفقت، فتركهه حلفاؤه من بعض قبائل البدو. وعاد إلى مكة مع النواة الأساسية لقواته. وفي صيف 1791 الحق سعود هزيمة ماحقة بحلفاء الشريف في منطقة حائل بعد أن شاركوا في حملاته، ونعني بدو شمر ومطير وبني رشيد. وفي البدو تاركين للوهابيين غنائم وفيرة جداً – حوالي مائة ألف من الغنم والماعز وبضعة آلاف من الإبل.
وبدأت فصائل الوهابيين غزوات على المناطق الواقعة بين نجد والحجاز وعلى الواحات والقبائل الخاضعة لشريف مكة. وفي مايو 1795 حاصر سعود تربة التي هي مركز استراتيجي هام على مشارف الحجاز.
وفي صيف العام نفسه ورداً على هجوم الوهابيين قام الحجازيون بغزوة على نجد. وتشجع غالب بنجاح هذه الغزوة فجهز في شتاء 1795-1796 قوات كبيرة جديدة مزودة بالمدافع للقيام بحملة في أعماق الجزيرة العربية. وقد أبيدت هذه الحملة عن آخرها على يد القوات الموحدة التابعة للدرعية والمكونة من بدو مطير وسبيع والسهول والدواسر والعجمان والرشايدة وبعض من قبائل عتيبة على مايبدو. ويؤكد ابن غنام أن غنائم الوهابيين بلغت 30 ألفاً من الإبل و200 ألف من الغنم والماعز.
وأرغمت الهزيمة الماحقة غالب على توقيع الصلح. وكان واضحاً أن النجديين متفوقون في القوات. فقد واصلوا تقدمهم نحو الجنوب حتى وصلوا نجران والحدود الشمالية لليمن. ويبدو أن اتصالاتهم مع سكان عسير تعود إلى تلك الفترة.
كانت قبيلة عتيبة الجبارة الخاضعة في السابق لإشراف مكة قد انضمت إلى إمارة الدرعية في 1797-1798. ورافق البدو على تنفيذ كل أحكام الوهابية وتسديد الزكاة ودفع تعويضات الحرب لقاء العمليات العدائية السابقة. ويقول منجين أن البدو دفعوا من كل عائلة أربعة ريالات، ومن كل فخذ كمية معينة من السلاح والخيل والإبل.
وفي عام 1798 حاول غالب الذين ضمت قواته مرتزقة من الأتراك والمصريين والمغاربة أن يتقدم مراراً نحو الخرمة وبيشة، ولكنه دحر على يد فرسان قبيلة سبيع المعادية لدولة الشريف وللأتراك. وسيطر أمير الدرعية على بيشة. وأقدم شريف مكة من جديد على الصلح وسمح للوهابيين بالحج. وبعد عامين، كما يقول ابن بشر، أدى سعود وعائلته وبعض قواته فريضة الحج لأول مرة، وفي السنة التالية قام بالحج للمرة الثانية. وقدم هناك الهدايا بسخاء وحصل على أنصار. وفي هذا الوقت بالذات أقام عثمان المضايفي، وهو من أقرباء شريف مكة، ارتباطا معه وعرض عليه خدماته. وغدا واضحاً أن الوهابيين يكادوون يخضعون الحجاز بالكامل وقد حصل بينه وبين شريف مكه خلاف أسفر عن هروب عثمان المضايفي الى ابن قطنان السبيعي امير بلدة رنيه، وقد وعده بحمايته هو ومن معه وبعدها قام عثمان المضايفي بالولاء الى الدوله السعوديه.
فشل حملتي والي بغداد على الإحساء
في نفس فترة غزو الإحساء، وخصوصا بعد إخضاعها قامت فصائل الوهابيين بحملات على المناطق الواقعة بشماليها. فقد تعرضت لهجماتهم قبائل وقرى جنوب العراق. واستعد والي بغداد الذي دفعه الباب العالي لمحاربة الوهابيين. كان والي بغداد آنذاك يتمتع بحظوة خاصة عند الدولة العثمانية. فبعد الحروب التركية الفارسية المدمرة وبعد الفتن والنزاعات الداخلية استولى المماليك على السلطة في بغداد. واعتبارا من عام 1780 حكم بغداد بصورة مستقلة في الواقع سليمان باشا، وهو مملوك جورجي لوالي بغداد السابق. واضطرت الأستانة إلى للموافقة على تسلمه هذا المنصب.
كان تسوع إمارة الدرعية في هذه المنطقة يستهدف الشمال الشرقي. وفي هذا الاتجاه كانت القبائل العربية تنزح عموماً طوال القرون. فمن المعروف، مثلاً، أن قبائل شمر في القرن الثامن عشر تغلغلت في أعماق العراق بعيدا ًحتى أنها انتقلت إلى ما وراء دجلة. وأثناء القحط الفظيع في وسط الجزيرة في الستينات انتقل بعض سكان نجد إلى الزبير وشمالها.
وكانت قبائل البدو المترحلة في جنوب العراق قد أقامت علاقات وثقى مع مدن العراق وقراه. وكانت لحكام بغداد مصلحة في مساعدة البدو لأجل حماية الطرق التجارية والقرى والمدن، كما كان هؤلاء الحكام يشترون من البدو ماشية الحمل والركوب. وواصل ولاة بغداد تقاليد حكام ما بين النهرين منذ آلاف السنين فراحوا يمنحون الهدايا لشيوخ البدو، بل ويسلحونهم لك يصدوا الحملات البدوية المنطلقة من مناطق وسط الجزيرة العربية. وكان استخدام قبائل المنتفق وغيرهم في محاولة لتقويض سلطة الوهابيين في الإحساء يستجيب كليا لهذه السياسة.
وتزعم ثويني الحملة على الوهابيين. كان زعيم المنتفق السابق هذا قد طاف أمداً طويلاً عندما أجلى بعد إخفاق محاولته لترسيخ أقدامه في البصرة حتى أنه حل بعض الوقت بمثابة ضيف كريم على الدرعية. ثم استولى على السلطة في قبيلته من جديد، كما تفيد بعض الروايات. وتوجه يطلب إلى سليمان باشا ليسلحه ضد الوهابيين. وتقول رواية أخرى أن ثويني أقنع والي بغداد بأن يسلمه السلطة في المنتفق ووعده بالقيام بحملة على نجد ودحر الوهابيين، وعند ذاك نحى سليمان باشا حمود بن ثامر عن رئاسة القبيلة وعين ثويني بدلاً عنه.
وفي مطلع عام 1797 بدأ ثويني حملته على الوهابيين. كان تحت قيادته جنود القوات النظامية بالإضافة إلى فصائل من البصرة والزبير. وانضمت إلى حملته بعض أفخاذ بني خالد برئاسة براك بن عبدالمحسن الذي هرب من الإحساء. وجمع عبدالعزيز كل قواته مدركاً خطورة الموقف. وأمر البدو المخلصين له بأن يحتلوا أراضي قبيلة بنو خالد التي يمكن أن تنضم إلى ثويني، كما أمرهم بحماية الآبار الرئيسية. وعلى أثر ذلك أرسلمت إلى الإحساء أكثر قوات الوهابيين صموداً، وهي مكونة من حضر العارض.
وبدأت في الإحساء معارك طاحنة بين قوات ثويني والوهابيين، إلا أن الحظ ابتسم لحاكم الدرعية فجأة. ففي معمعان الحملة قتل ثويني على يد عبده الأسود طعيس، وهو وهابي متعصب. قطعوا عنق طعيس في الحال إلا أن مقتل ثويني قد قرر مآل النزاع. انفصل بنو خالد بزعامة براك على المنتفق، الأمر الذي جعل الاضطراب يستولي على قوات ثويني. وذعرت فصائل البدو والترك وأخذت تنسحب على عجل إلى الشمال تاركة الأسلحة والذخيرة. ووقع معسكر ثويني كله ومدفعيته في أيدي الوهابيين في يونيو 1797. وطارت الفصائل الوهابية العدو حتى وصلت مشارف الفرات الأوسط. وفي العام التالي تغلغل الوهابيون في بادية الشام، كما وصولوا إلى مدينتي سوق الشيوخ والسمارة في العراق.
في أواخر التسعينات كان الباب العالي يبعث إلى والي بغداد بأوامر متواصلة للقضاء على الوهابيين. وعين علي باشا قائداً للجيش، وقد اختلفت المؤرخون في تحديد وقت الحملة العراقية على الإحساء. وبغية إيضاح التواريخ الفعلية يجدر بنا أن ننطلق من إفادة شاهد العيان بريجيز الذي وصل إلى بغداد بصفة مندوب سياسي بريطاني في لحظة قيام جيش علي بالحملة. تحركت قوات الجيش من بغداد نحو الفرات الأوسط بأحمال ثقيلة وأخذت تستوعب في الطريق المتطوعين من البدو. ولذا ما كان بوسعها أن تظهر في الإحساء قبل أواخر عام 1798 وأوائل عام 1799، وهذا يتفق مع ما أورده ابن بشر وابن سند ومنجين.
كان الجيش الذي بعثه والي بغداد بضم المشأة والخياة وكذلك فصائل البدو غير النظامية من قبائل شمر والمنتفق والظفير. وتجاوز عدد أفراد تلكالقوات عشرة آلاف شخص. وسلم سكان الهفوف والواحات الأخرى وصاروا تحت رحمة علي. وقاتل الوهابيون المتمركزون في الحصون فصدوا ببسالة كل الهجمات. ولم تفد المهاجمين في بعض المواقع لا المدافع ولا آلات الحصار ولا الحفر تحت الأسوار. وانهارت معنويات القوات الهاجمة وبدأت تنسحب والوهابيون يلاحقونها. وجرت مكاتبات بين علي وسعود وتم بينهم الاتفاق على الصلح. وكان السبب في إخفاق علي هو ضعف المعنويات عموماً وصعوبات اجتياز الأماكن الخالية من مياه الشرب والتي يسيطر عليها الوهابيون. ثم إن حماس الهجوم عند الوهابيين لم يستنفد بعد، وقد حول التعصب الديني والانضباط النجديين إلى مقاتلين صامدين.
وفي عام 1799 وصل إلى بغداد ممثل أمير الدرعية لأجل مصادفة الوالي على الاتفاق بين سعود وعلي. وترك لنا بريجيز الذي حضر لقاء رسول الدرعية مع والي بغداد وصفاً طريفاً لهذا اللقاء. فقد جرى في قصر الوالي الإعداد اللازم لترك انطباع لدى سكان البادية. استقبلت رسول الدرعية بطانة سليمان باشا مرتدين أفخر الألبسة وقد ارتسمت إمارات الغضب على وجوههم. وكان الرسول الوهابي في لباس متواضع. وقد أبعد مستقبليه وتوجه رأساً نحو سليمان باشا الذي كان يرتدي لباساً من حرير وفرو مزيناً بأحجار كريمة. وجلس الرسول جنب الباشا وقال له ما فحواه: يا سليمان السلام على من اتبع الهدى. بعثني عبد العزيز لأسلمك هذه الرسالة وأستلم منك تصديقاً على الاتفاقية الموقعة بين ابنه سعود وخادمك علي. فليتم ذلك بسرعة وبالشكل الصحيح. ولعنة الله على من يخون. ثم أضاف بلهجة شديدة: إذا كنت تنشد النصح فاستنصح عبدالعزيز. قال ذلك ملمحاً إلى أن الوهابيون يعتبرون سليمان من المشركين. ومد يده إلى الوالي بالاتفاقية المكتوبة على قصاصة من ورق.
كان واضحاً أن حكام الدرعية لا يقيمون ثمناً للاتفاقية مع والي بغداد. وتوجه مبعوث خاص من سليمان باشا إلى الدرعية لأجل التفاوض مع سعود. وحاول أن يحصل على التزامات من الوهابيين بعدم مهاجمة العتبات الإسلامية في الفرات الأوسط. ولكن سعود قهقه وقال لرسول الوالي: (جميع غربي الفرات لنا وشرفيه له...). ومما شجع الوهابيين الأنباء التي وردت عن دخول جيش نابليون مصر في عام 1798 وعجز الباب العالي أمام الغازي الفرنسي. في عام 1801 حل الإنجليز محل الفرنسيين في مصر. وغدت الجزيرة العربية طرفا بعيدا لمسرح العمليات الحربية الرئيسي. وهذا ما أطلق أيدي الوهابيين في مواصلة توسعهم.
تدمير كربلاء
اختمرت لدى أمراء الدرعية خطة الاستيلاء على كربلاء وفيها العتبات المقدسة الشيعية التي يكرهونها، وخصوصاً ضريح الإمام الحسين حفيد النبي محمد. وحقق الوهابيون نواياهم في مارس – إبريل 1803. اعتاد المستشرقون الأوروبيون والسوفييت على اعتبار أبريل 1801 تاريخاً لتدمير كربلاء. وإذا تناولنا مصادر هذه المعلومات نجد أن هذا التاريخ قد ذكره ج. روسو ول. كورانسيز وبوركهاردت وف. منجين.
أما المراجع التاريخية العربية، ومعها من الأوروبيين فيلبي، فتنقل هذا الحادث إلى العام التالي: مارس– أبريل 1802. والأساس المعتمد في ذلك هو مصنف ابن بشر. ويؤيد هذا التاريخ ابن سند وج. رايسون و(مجلة المنوعات الأدبية). وجميع هذه المصادر قريبة زمنياً من الأحداث.
والقول الفصل بهذا الخصوص، وهو لصالح عام 1802، وارد في تقرير وصل من العراق إلى سفارة روسيا في الأستانة وكتب قبل صيف عام 1803. فالشخص الذي عاش آنذاك في العراق وتحدث شخصياً مع شهود عيان عن تدمير كربلاء من المستبعد أن يخطئ لعام كامل بخصوص تاريخ هذا الحادث الهام. وبالمناسبة فإن مقارنة ذلك بنص التقرير الوارد من العراق عن تدمير كربلاء على يد الوهابيين والذي تضمنه كتاب ج. روسو بعد ست سنوات تدل على تماثلهما الحرفي تقريباً. ومن الصعب القول كيف وصل تقرير القنصل الفرنسي في العراق إلى سفارة روسيا في الأستانة. أما تغيير تاريخ احتلال الوهابيين لكربلاء في كتاب روسو فلعله ناتج عن تهاون المؤلف أو سهو المطبعة.
ويبدو أن روسو وكورانسيز هما المصدر الأول للمعلومات غير الصحيحة بهذا الخصوص. فهما على العموم يتناولان التواريخ بشيء من التصرف. أما بوركهاردت ومنجين المطلعان على مؤلفاتهما فقد أوردا هذا التاريخ دون تمحيص. وقد كتب المستشرق الفرنسي أ. دريو في مقدمته لتقرير رايمون المطبوع أن كورانسيز في مقالاته المبكرة اعتبر عام 1802 أيضا هو تاريخ تدمير كربلاء.
ويقول كاتب التقرير:
رأينا مؤخراً في المصير الرهيب الذي كان من نصيب ضريح الإمام الحسين مثالاً مرعباً على قساوة تعصب الوهابيين. فمن المعروف أنه تجمعت في هذه المدينة ثروات لاتعد ولا تحصى وربما لا يوجد لها مثيل في كنوز الشاه الفارسي. لأنه كانت تتوارد على ضريح الحسين طوال عدة قرون هدايا من الفضة والذهب والأحجار الكريمة وعدد كبير من التحف النادرة... وحتى تيمورلنك صفح عن هذه الحضرة، وكان الجميع يعرفون أن نادر شاه قد نقل إلى ضريح الإمام الحسين وضريح الإمام على قسماً كبيراً من الغنائم الوافرة التي جلبها من حملته على الهند وقدم معه ثروته الشخصية وها هي الثروات الهائلة التي تجمعت في الضريح الأول تثير شهية الوهابيين وجشعهم منذ أمد طويل.. فقد كانوا دوماً يحلمون بنهب هذه المدينة وكانوا واثقين من نجاحهم لدرجة أن دائنيهم حدودا موعد تسديد الديون في ذلك اليوم السعيد الذي تتحقق فيه أحلامهم.
وها قد حل هذا اليوم في الأخير، وهو 20 إبريل 1802. فقد هجم 12 ألف وهابي فجأة على ضريح الإمام الحسين. وبعد أن استولوا على الغنائم الهائلة التي لم تحمل لهم مثلها أكبر الانتصارات تركوا كل ماتبقى للنار والسيف... وهلك العجزة والأطفال والنساء جميعا بسيوف هؤلاء البرابرة. وكانت قساوتهم لاتشبع ولا ترتوي فلم يتوقفوا عن القتل حتى سالت الدماء أنهارا... وبنتيجة هذه الكارثة الدموية هلك أكثر من أربعة آلاف شخص... ونقل الوهابيون ما نهبوه على أكثر من أربعة آلاف جمل. وبعد النهب والقتل دمروا كذلك ضريح الإمام وحولوه إلى كومة من الأقذار والدماء. وحطموا خصوصا المنائر والقباب لأنهم يعتقدون بأن الطابوق الذي بنيت منه مصبوب من ذهب. |
وبنفس هذه الصبغة تقريبا يصف منجين تدمير كربلاء ولكنه يقول أن الوهابيين أقدموا على مجزرة في المدينة، غير أنهم رأفوا بالنساء والأطفال والشيوخ والمعجزة. ودمروا قبة ضريح الحسين. وحصل الوهابيون على أغنى الغنائم، ومنها سيوف مرصعة بالأحجار الكريمة، ولؤلؤة هائلة بحجم بيضة الحمام. وقد استأثر سعود شخصيا بالسيوف واللؤلؤة. واستولوا كذلك على مزهريات وفوانيس من المعادن النفيسة وحل ذهبية ملبسة على الجدران وسجاجيد فارسية ونحاس ملبس بالذهب من السطوح. ووقعت في أيدي الوهابيين كذلك احتياطات فوطات كشمير والأقمشة الهندية وألفان من السيوف العادية وألفان وخمسمائة بندقية وعبيد سود ومبالغ هائلة من النقود المعدنية. واستمر النهب ثماني ساعات. وعند الظهر غادر الوهابيون كربلاء.
وكتب المؤرخ الوهابي ابن بشر عن هذا الحادث يقول:
ولم يواجه الوهابيون أية مقاومة تقريباً. ويعزي ذلك إلى أن قسما من السكان توجهوا للزيارة إلى النجف. ومن المحتمل كذلك أن حاكم كربلاء، وهو سني متعصب، لم يتخذ الإجراءات اللازمة للدفاع عن هذه المدينة.
كان تدمير كربلاء أفدح هزيمة لسليمان باشا العجوز. وكان السلطان يتحين الفرصة من زمان لتنحية هذا الوالي المستقل الذي كان له داخل العراق أيضا خصوم يتحلون بقدر كاف من الفتوة والنشاط. ومما زاد في تدهور وضع الوالي إلى أن الشاه الفارسي فتح علي كان يلومه دوما متهما إياه بالعجز عن تأمين حراسة العتبات الشيعية، ويهدده بإرسال قوات فارسية إلى كربلاء. وبالفعل فبعد بضع سنين من تدمير كربلاء بدأت فارس تحارب ولاية بغداد. إلا أن المسئولين في بغداد كانوا يعتقدون بعدم إمكان إلحاق الهزيمة بالوهابيين في أعماق الجزيرة العربية. ولذا وجهوا جل اهتمامهم لتعزيز المدن وترميم كربلاء وضريح الحسين.
استيلاء الوهابيين على مكة ورد فعل الباب العالي
بعد تدمير كربلاء غدا الحجاز مسرحاً رئيسياً للعمليات الحربية. وحتى ذلك الحين أدى سعود فريضة الحج مع قواته وعائلته مرتين ليستعرض قوته العسكرية ويتأكد من الموقف في الحجاز محلياً. وانضمت قبائل عسير إلى الوهابيين. كانت أحوال غالب في تلك الأثناء معقدة. وأثار ابتزازه وإدارته المتعسفة استياء في [[مكة] والمدن الأخرى. وكانت الرسوم المتزايدة دوماً في جدة قد حرمته من تعاطف السكان. ورجعت كفة النجديين، وصار الأشراف يطلبون السلاح من الأستانة. إلا أن الباب العالي كانت لديه آنذاك هموم أكثر خطورة من تهديد الوهابيين لمكة. وفي أواخر عام 1798 وصل إلى مكة فرمان من السلطان تضمن طلباً بتعزيز تحصينات المدن في الحجاز خوفاً من احتمال هجوم القوات الفرنسية. وجرى ترميم أسوار جدة وأخذ السكان يمارسون الاستعدادات الحربية.
وفي عام 1798 قصفت العمارة البريطانية بقيادة الأميرال بلانكيت مدينة السويس المحتلة من قبل الفرنسيين. وفي طريق العودة ألقت العمارة مراسيها في جدة. وطالب الإنجليز بوقف تجارة الحجاز مع مصر. ورافق الشريف على هذا الطلب شفوياً، ولكن التجارة استمرت، بل وإن غالب أقام اتصالات مع الفرنسيين، ولكنه لم يحل دون إرسال فصيلة من متطوعي الجزيرة الذين حاربوا ضد الفرنسيين في صعيد مصر. ورغم الجهود التي بذلها غالب لزيادة حرسه وفصائل المرتزقة تقلصت قواته العسكرية بسبب انفصال بعض قبائل بدو الحجاز. إلا أن أكبر خسارة مؤلمة بالنسبة له هي انتقال قريبه ومساعده المقرب عثمان المضايفي إلى صف الوهابيين، وقد بدأ هذا الأخير بجمع البدو الذين كانوا في السابق من أنصار غالب. وبدأ المضايفي بهجوم نشيط على الحجاز. وفي عام 1802 استولى بدون قتال تقريباً على مدينة وواحة الطائف ونهبهما بلا رحمة. وقتل الوهابيون حوالي 200 من السكان ودمروا عددا من المنازل. وكان البدو يداهمون المدينة يومياً وينهبون كل ثمين، وقد اتلغوا آلاف الكتب.
وكان تدمير كربلاء لايزال عالقا بالذاكرة في الاستانة، فصار المسئولين هناك يخشون كثيرا على مصير مكة وحاولوا اتخاذ بعض الإجراءات لمقاومة الوهابيين. وفي أواخر مارس 1803 كتب أ. ايتالينسكي سفير روسيا في الاستانة إلى سانت بطرسبورج يقول:
إلا أن محاولات الحيلولة دون سقوط مكة قد أخفقت. ففي أواخر مارس 1803 توجه سعود مع قوات الوهابيين الرئيسية إلى الحجاز. وفي تلك الأثناء كان في مكة حجاج مسلحون من الشام ومصر والمغرب ومسقط وبلدان أخرى. ولكنهم رفضوا المشاركة في العمليات الحربية ضد الوهابيين. أما الشريف الذي ظل مع قلة قليلة من المحاربين المخلصين له فقد فر إلى جدة وأخذ يعزز تحصيناتها على عجل. وبعث سعود إلى أهالي مكة رسالة عرض فيها آراء الوهابيين ووعد بالرأفة بمن ينصاع لهم.
وفي إبريل 1803 دخل الوهابيون بانتظام إلى مكة. وبعد أداء مراسم الحج أخذوا يدمرون كل الأضرحة والمزارات ذات القباب والتي انشئت تكريماً لأبطال فجر الإسلام. ومسحوا من وجه الأرض كل المباني التي لا تناسب معتقداتهم. وألزموا أهالي مكة بأداة الصلاة بانتظام وبدون ألبسة حريرية، كما ألزموهم بعدم التدخين بحضور الآخرين. وأحرقت أكوام الغلايين في الساحات، وحرم بيع التبغ. وألغيت الصلاة ف المساجد تكريما للسلطان العثماني. وعين الوهابيون عبد المعين، شقيق غالب، حاكماً لمكة. وبدلاً من القاضي التركي عين فقيه من الدرعية قاضياً لمكة. وخلافا لسابقه التركي ترك هذا القاضي انطباعاً وكأنه يحكم بالعدل.
أثار نبأ احتلال مكة الذعر والهلع والاكتئاب في الاستانة. وسدد فقدان مكة أقسى ضربة إلى سمعة الخليفة العثماني ومكانته بوصفه حامي الحرمين والمدن المقدسة. فقد كان السلطان – الخليفة يسمي نفسه رسمياً على النحو التالي: (نحن خادم وحامي الحرمين في مكة والمدينة أنبل المدن وأقدس العتبات واللذين تتيمم جميع الأمم شطرهما أثناء الصلاة، وكذلك مدينة القدس الطاهرة. أنا الخليفة الأعلى والملك السعيد لمماليك وأقاليم ومدن لاتعد ولاتحصى تثير حسد ملوك العالم وتقع في آسيا وأوروبا وعلى البحرين الأبيض والأسود وفي الحجاز والعراق...) وغيرها وهكذا دواليك.
وجاء في مذكرة أنباء الاستانة وأخبارها التي أعدتها سفارة روسيا مايلي: (إن الخلافات التي تنهش أحشاء الإمبراطورية التركية ونهب الوهابيين لمكة والأتاوات المتزايدة بلا انقطاع كل ذلك آثار عند رعاع هذه العاصمة استياءا شاملا من الحكومة).
كان يجب القيام بشيء إلا أن الاستانة عجزت عن إرسال قواتها لمحاربة الوهابيين، فطلبت المساعدة من عكا وبغداد. ويقول ايتالينسكي:
وكتب والي بغداد إلى الباب العالي بأنه متوجه في حملة للبحث عنهم في عقر دارهم وأنه ينوي إبادتهم ولديه من أجل ذلك خيالة بخمسة آلاف فارس ومشاة بـ10 آلاف رجل و60 ألف جمل، ويأمل بأن هذه الحملة يمكن أن تتم في غضون ستة أشهر. وطلب من الباب العالي مدفعية وباروداً وخياماً. وعندما استلم الباب العالي هذه المعلومات من حاكمي الشام والعراق أخذ يعلل نفسه بالآمال بالتخلص من الخوف نهائيا في القريب العاجل). إلا أن سفير روسيا يشك في قدرة بغداد على تسديد الضربة ويلاحظ بحق إن الجزار يفكر بالاستيلاء على دمشق الشام أكثر مما يفكر بالحملة على الوهابيين.
ومع ذلك تمكن الباب العالي من إرسال فصيلة تركية غير كبيرة بقيادة شريف باشا إلى الحجاز. ولم يتمكن أمير الدرعية هذه المرة من تثبيت أقدامه في الحجاز لأن عدد قواته تقلص كثيرا بسبب الأمراض. وكتب روسيتي يقول: (إن الأمراض التي تفشت في جيش عبدالوهاب أرغمته على رفع حصار جدة. والتفت قوات شريف باشا بقوات شريف مكة فتمكنت من دخولها). وظلت قلعة المدينة التي رابط فيها فصيل من الوهابيين تبدي مقاومة بعض الوقت ثم سقطت في يوليو 1803.
وكتب ايتالينسكي 25 أغسطس – 3 سبتمبر:
وكان مقتل أمير الدرعية عبدالعزيز ضربة جديدة للوهابيين. ففي خريف عام 1803 قتل في مسجد الطريف بالعاصمة على يد درويش غير معروف يدعى عثمان، وهو كردي من إحدى قرى الموصل. وكان هذا الدرويش قد حل ضيفا على البلاط. وعندما سجد عبدالعزيز أثناء الصلاة في الصف الأمامي من المسلمين هجم هذا الدرويش الذي كان في الصف الثالث على الأمير وقتله بطعنة من خنجر، ثم جرح أخاه عبدالله. وعم المسجد هرج ومرج وتمكن الجريح عبدالله من ضرب الدرويش بالسيف، وأجهز عليه الآخرون في الحال.
وتفيد بعض المعلومات أن قاتل عبدالعزيز شيعي هلك كل أفراد عائلته أثناء غزو كربلاء. وكتب منجين أن عمامته احتوت على رسالة بنص مكتوب بالفارسية: (ربك ودينك يوجبان عليك قتل عبدالعزيز. إذا تمكنت من الفرار ستحظى بمكافأة سخية وإذا مت فأبواب الجنة مفتوحة أمامك). إن هذا النبأ يشبه لدرجة كبيرة تكتيك الإسماعيلية في القرون الوسطى والروايات المرتبطة بنشاطهم. وكان ابن بشر يشك في أن مقتل الإمام عبدالعزيز كان ثأرا لكربلاء، وذلك لأن القاتل كردي والأكراد سنة كما هو معروف. يؤكد مؤلف لمع الشهاب أن والي بغداد بعث عميلا إلى الدرعية ودفع بسخاء لعائلته فيما بعد. ومع ذلك يظل جواب السؤال عن هوية قاتل عبدالعزيز ودوافع سلوكه في طي الافتراضات. فقد كان لدى الوهابيين عدد كبير من الأعداء الحاقدين عليهم.
وأسرع سعود إلى الدرعية بعد مقتل أبيه، وبايعه سكانها في الحال. واعترفت كل المناطق بالأمير الجديد. وبعث سعود إلى حكام المناطق وسائل عاهدهم فيها على أن يلتزم بالعدل، ولكنه سينتقم بلا رحمة من العصاة والمتآمرين.
السيطرة على الحجاز
في العام التالي أخذ الوهابيون من جديد يضيقون على خصومهم في الحجاز واستمرت طوال العام المعارك التي شارك فيها الأتراك إلى جانب قوات الشريف. وفي عام 1805 هاجمت قوات غالب وعددها حوالي 10 آلاف شخص اتحاد القبائل الموالية للوهابيين وعلى رأسها الأمير مسلط بن قطنان السبيعي امير رنيه وهو من شيوخ سبيع ومني الشريف غالب بهزيمة هائله فقد فيها بضع مئات من القتلى، وأغلبهم من ابناء عمومته والأتراك. ويبدو أن حلفاء غالب البدو قد تركوه، بينما دحرت نهائيا الفصيلة التركية في قواته. وعلى أثر ذلك طوق الوهابيون مكة وأعاقوا الحج وتأجج العداء من جديد بين الأتراك والشريف غالب آنذاك، فرفض الأتراك مساعدته.
وفي شتاء عام 1805-1806 عزم سعود على تسديد ضربة قاضية إلى غالب. وحاصر مكة بدو بزعامة عبدالوهاب أبي نقطة وعثمان المضايفي وسالم بن شكبان (أمير بيشة). وفي تلك الفترة (من 1804 حتى 1809) كانت الجزيرة العربية تعاني من قحط شديد. ويفضل طرق القوافل الأمينة كانت الأغذية تصل بانتظام إلى نجد، الأمر الذي خفف من أعباء أهاليه. إلا أن الوضع لم يعد يطاق في مكة المحاصرة. وصار الناس يأكلون الكلاب والجلود. ولم تنجح محاولة الانتقام من أنصار الصلح فطلب غالب ذلك الصلح. ودخلت القوات الوهابية مكة.
وسرعان ما اقتنع غالب بعدم جدوى مقاومته للوهابيين فأعلن الخضوع لهم في عام 1806. وفي العام ذاته وصلت إلى مكة جماعة من العلماء الوهابيين وعلى رأسهم الفقيه حميد بن ناصر للتبشير بأفكار تجديد الإسلام. وكان نجاح الوهابيين في إقامة سلطتهم شمالي مكة من الأسباب التي دفعت غالب للكف عن المقاومة. فمنذ عام 1803 تبني عدد من مشايخ قبائل حرب المذهب الجديد ووصل دعاة الوهابية إليهم. ولم تتكلل بالنجاح محاولة احتلال المدينة المنورة رأسا في عام 1803. إلا أنها استسلمت عام 1805. وفي الوقت ذاته احتل الوهابيون ينبع الواقعة تحت سيطرة شريف مكة.
وتم ضم الحجاز إلى دولة السعوديين. صحيح أن تبعيته للوهابيين كانت أقل من تبعية بعض مناطق نجد أو الإحساء، مثلاً، واحتفظ شريف مكة باستقلال كبير، فلم يدفع الضرائب لا هو ولا رعيته. إلا أن عائداته من الرسوم الجمركية في جدة تقلصت كثيرا، لأنه لم يعد باستطاعته أن يجبي تلك الرسوم من التجار الوهابيين. وتقلصت عائداته الأخرى أيضا.
يقول بوركهاردت:
كانت سلطة سعود في مكة متوازنة مع نفوذ غالب، أما جدة فقد ظلت بالأساس تحت سيطرة غالب. ولتحقيق المزيد من التوازن عين المضايفي حاكماً للطائف وخضعت له بعض قبائل الأطراف.
توقف الحجيج من الدولة العثمانية
اعتباراً من عام 1807 أخذ سعود يؤدي فريضة الحج سنوياً على رأس قواته. وكان عادة يعين موضعاً قرب المدينة المنورة لتجمع الوهابيين ثم يتحرك نحو الجنوب. وفي الطريق تنضم إليه فصائل من عسير والطائف وبدو من مناطق الحدود بين الحجاز ونجد وعسير ومحاربون من مختلف مناطق نجد وجبل شمر بزعامة إمرأتهم. وكان سعود كل مرة يوزع الصدقات في مكة ويتبادل الهدايا مع غالب ويحمل كسوة ثمينة للكعبة. وقد شهد ابن بشر حج سعود ذات مرة وترك وصفاً تفصيلياً له. وقد أجل سعود من الحجاز القضاة والموظفي العثمانيين الذين كانوا في مكة والمدينة. وكان يعزز دوماً تحصينات المدينة المنورة ويحتفظ بحامية قوية فيها يستبدلها كل عام.
واعتباراً من عام 1803 أخذ الوهابيون يعيقون بمختلف الوسائل قوافل الحجاج من أرجاء الدولة العثمانية، ومنها الشام ومصر. كانت قوافل الحجاج التي تتوارد على الحجاز سنوياً تحضر معها المحمل وهو عبارة عن هودج مزين بفخامة على ظهر جعل يحظى بالتقدير. وفي المحمل كسوة الكعبة أو نسخ من القرآن أو نفائس الأحجار الكريمة. ويسير مع الحجاج موسيقيون يعزفون على الطنبور والطبول وغيرها. وكان بعض الحجاج يحضرون معهم مشروبات وترافقهم محظيات. ولا بد أن ينير ذلك تذمر الوهابيين لأنه يتعارض مع أصول الدين ومبادئهم الأخلاقية.
وطالب الوهابيون بأن تصل قوافل الحجاج إلى الحجاز بدون محمل وبدون آلات موسيقية. وأخذوا في الوقت ذاته يزيدون ضريبة الحج. وفي عام 1803 دفع كل حاج شامي إلى الوهابيين 8 بيزات مقابل حق دخول مكة. وسرعان ما اضطر الحجاج إلى دفع 10 بيزات عن الشخص الواحد و10 بيزات عن كل من دواب الركوب و7 بيزات عن كل قنطار من الأحمال و100 كيسة عن مرور القافلة كلها. وفي عام 1805 أخذوا من القافلة الشامية 200 كيسة ولكنهم سمحوا بالدخول لحجاج منفردين. ويقول كورانسيز أن الأتراك حاولوا في عام 1806 شراء حق أداء فريضة الحج بمبلغ هائل هو ألفا كيسة (مليون بيزة) ولكن قافلة الشام لم تتمكن من دخول مكة مع ذلك.
وبغية تأمين السماح بالحج تظاهر والي دمشق يوسف باشا بأنه يلتزم بكل فرائض الوهابية. فقد منع الخمر وأمر بغلق جميع الأسواق في دمشق أثناء الصلاة وفرض تقييدات مشينة على أهل الكتاب (زيا خاصا وهلم جرا)، بل ومنع حلق اللحية. وكتب بازيلي: "إن الوهابيين طالبوا، وليس دون سبب، بعدم احتواء القافلة على غلمان أو حليقي اللحى عموماً". وفي عام 1807-1808 حاولت قافلة الشام أن تدخل مكة بدون جند ولا سلاح ولا موسيقى ولكن دون جدوى. وتوقف في الواقع توارد وفود كبيرة من الحجاج من الباب العالي.
بريطانيا والصراع من أجل عمان
- مقالة مفصلة: الحرب السعودية العمانية
لم يقتصر تقدم الوهابيين على العمليات الحربية في الحجاز وشمال شرقي الجزيرة العربية في بداية العقد الول من القرن التاسع عشر. فقد تمكنوا من فرض سيطرتهم تدريجياً على كل الساحل العربي للخليج بما فيه البحرين وتغلغلوا في أعماق عُمان أكثر فأكثر.
كان سكان عُمان مكونين من مجموعتين من القبائل: الإباضية الهناوية وسنة الغفري. وكان الصراع بين هاتين المجموعتين قد حدد تاريخ عمان طوال القرون. وهو الذي سهل تغلغل الوهابيين إلى هذه البقاع. ونشير، دون أن ندخل في التفاصيل، إلى أن سلطان، أحد أبناء أحمد بن سعيد زعيم وإمام الإباضية الذي طرد الفرس من عمان في عام 1744، صار حاكماً لمسقط في عام 1793. ولكن سلطان لم يعتبر زعيماً روحياً (إماماً)، وأدى ذلك إلى إضعاف سلطته. وعلى الساحل العماني من الخليج، وهو ساحل تخترقه الروافد والخلجان والمرافئ الملائمة، كانت تعيش قبائل أخرى تمارس التجارة البحرية والقرصنة وصيد اللؤلؤ والأسماك. كانوا من أهل السنة وكانوا منعزلين عن الهناوية وعن الغفري. وفي عام 1801 شن سلطان بن أحمد حملة على البحرين. وطلب سكان البحرين النجدة من الدرعية. وطرد الوهابيون المسقطيين وألحقوا بهم خسائل فادحة، ولكنهم جعلوا البحرين تابعة لدولة السعوديين.
وقبل ذلك بقليل بعث عبدالعزيز إلى عمان نسخة من مؤلف لمحمد بن عبدالوهاب، وطالب بتبني المذهب الوهابي والخضوع لسلطة الدرعية. وفهم العمانيون، وأغلبهم من الإباضية، مضمون الكتاب بشكل فريد. فقد كتب المؤرخ العماني ابن رزيق ما معناه أن هذا الكتاب يحلل قتل جميع المسلمين غير المثقفين مع محمد بن عبدالوهاب والاستيلاء على أملاكهم واستعباد أبنائهم واستحلال نسائهم دون موافقة أزواجهم. ورفض الإباضية مطالب الوهابيين، إلا أن الغفري تحالفوا مع أمام الدرعية.
ووردة في لمع الشهاب أن الوهابيين في العقد الأخير من القرن الثامن عشر بدأوا بالحملات على عمان بقيادة علي بن راشد العريني ومطلق المطيري وإبراهيم بن عفيصان وزامل بن سليم السبيعي وحولوا مجموعة واحات البريمي إلى قاعدة لهم. وكانت البريمي ملتقى لطرق القوافل المؤدية إلى شواطئ الخليج العربي وخليج عمان والجبل الأخضر.
وفي عام 1800-1801 قام جيش الوهابيين بحملة موفقة على عمان قادها سالم الحرق أحد مملوكي عبدالعزيز. وأقسم صقر حاكم مدينة رأس الخيمة التي هي مرفأ هام من الناحية الاستراتيجية ومركز لقبيلة القواسم يمين الولاء للوهابيين. ووقعت تحت سيطرتهم المشيخات والإمارات الصغيرة الأخرى على شاطئ الخليج العربي.
وغدا حاكم مسقط سلطان في تبعية للدرعية. حاول أن ينظم المقاومة ضد الوهابيين فصمم على تقوية الصلات مع والي بغداد الذي كان مبعوثوه يحرضونه من زمان على محاربة العدو المشترك. وفي أواخر عام 1804 توجه شخصياً مع أسطول إلى البصرة. وفي طريق العودة إلى مسقط نشبت معركة مع أسطول رأس الخيمة قتل فيها سلطان.
وعاد إلى مسقط قريبه بدر الذي كان منفياً إلى الدرعية مؤهلاً بأن يركز أقدامه بمساعدة حماته الوهابيين. وبقى على دست الحكم عدة سنوات وحاول غرس المذهب الوهابي ولكن دون نجاح كبير. فإن أبناء سلطان بن أحمد ثاروا في عام 1807 وأزاحوا بدر وفي البداية التزم حاكم مسقط الجديد سالم ومن بعده أخوه سعيد بالخضوع للسعوديين، ولكنهما رفضا فيما بعد دفع الأتاوات وأخذا يستعدان للعمليات الحربية. وطلب سعيد النجدة من الشاه الفارسي فأرسل إليه هذا بضعة آلاف من الجنود. وفي 1808-1809 بدأ المسقطيون مع حلفائهم من صحار العمليات الحربية ضد رأس الخيمة ولكنهم أعلنوا عن خضوعهم للسعوديين بعد أن فقدوا عدة آلاف من الأشخاص.
وغدا سكان الساحل العماني للخليج العربي، وخصوصاً قبيلة القواسم الذين توحدوا تحت سلطة السعوديين وكفوا عن الحزازات الداخلية، قوة كبيرة راح أسطولها المكون من بضع مئات من السفن الكبيرة والصغيرة يجوب الخليج سيدا فيه. وفرضوا الرسوم والضرائب ونهبوا السفن التجارية العائدة لشركة الهند الشرقية والتي تمخر البحر بين بومباي والبصرة.
ونعيد إلى الأذهان أن المؤرخين الغربيين يركزون على الطابع القرصني المزعوم لسكان ساحل الخليج العربي. إلا أن الحقيقة هي أنهم كانوا يعيشون بالدرجة الأولى على الملاحة البحرية التجارية (دون أن يستنكفوا عن القرصنة إذا سنحت الفرصة) وكانوا يعتبرون السفن البريطانية منافسة فتاكة لهم. وينبغي على الأكثر اعتبار (قرصنتهم) ضد السفن البريطانية حربا ضد القادمين غير المرغوب فيهم.
وقد اصطدم توسع إمارة الدرعية في عمان وساحل الخليج العربي مع المصالح البرياطنية الاستعمارية. في أواخر القرن الثامن عشر ترسخت سيطرة بريطانيا نهائيا على الهند، حيث تمكنت بعد صراع دام قرنين تقريبا من التفوق على سائد منافسيها الأوروبيين. وكان الإنجليز قد سعوا على الإبقاء على الخليج العربي مفتوحا أمام تجارتهم وخاليا من نفوذ أية دولة يمكن أن تهدد الهند. وظلت فرنسا أخطر دولة عليهم في النصف الثاني من القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، ولذا اعتبرا الإنجليز المتمركزون في الهند حملة نابليون على مصر عام 1798 مظهرا للخطر القديم. ولم يغير انهزام الفرنسيين في مصر فيما بعد خططهم (المشكوك في إمكان تحقيقها) الرامية إلى التقدم نحو الهند عن طريق الشام والعراق والخليج العربي مثلا.
وعلى تخوم القرنين الثامن عشر والتاسع عشر صار الوكلاء التجاريون البريطانيون في البلدان المرتبطة بالخليج العربي يتحولون الواحد تلو الآخر إلى ممثلين سياسيين. وفي عام 1798 وقعت بريطانيا معاهدة مع حاكم مسقط موجهة ضد الفرنسيين، ولكنها أرست بداية تبعية مسقط لبريطانيا. وبعد عامين وصل ممثل بريطانيا إلى المدينة.
وحاولت بريطانيا أن تقيم علاقات ودية مع حكومة السعوديين التي كانت تتقوى آنذاك. وكانت وكالة شركة الهند الشرقية التي كانت موجودة في البصرة في أواخر القرن الثامن عشر تبعت الهدايا دوماً إلى سعود. وكانت للإنجليز مصلحة في دعم تجارتهم المنتعشة بين بومباي والبصرة، وكذلك في سلامة الطريق البريدي من الهند إلى الشام عبر البصرة. وحاولوا إقناع الوهابيين بعدم المساس بسعاة البريد من البصرة إلى حلب.
بيد أن الإنجليز لم يكونوا يتورعون كذلك عن استخدام القوات العسكرية. فإن الفصيل الوهابي الذي اقترب في عام 1798-1799 من الوكالة البريطانية المتواجدة آنذاك في أراضي الكويت الحالية قد تراجع أمام مدافع سفينة حربية بريطانية. وبغية تسوية النزاع علىنحو ما وصل إلى الدرعية رينو ممثل شركة الهند الشرقية. وكان يريد الحصول من الوهابيين على ضمانات للمصالح البريطانية في الخليج العربي. ولكنه لم يبلغ مقصده. وحاول الإنجليز في عام 1805 أن يفرضوا الحماية على الكويت إلا أن أميرها عبدالله الصباح فضل أن يبقى مستقلا.
وفي العقد الأول من القرن التاسع عشر شنت السفن الحربية البريطانية عمليات حربية مباشرة ضد أسطول عرب عمان، وفي عام 1805 شنت أول حملة على القواسم. وغدا المسقطيون حلفاء طبيعيين للإنجليز. وفي عام 1809 زحف سعيد بن سلطان بقواته وأسطوله الذي قاده ضابط إنجليزي على رأس الخيمة. وتوجهت إليها عمارة حربية بريطانية. وقام الإنجليز بإنزال قواتهم بعد أن دحروا أسطول العمانيين الضعيف التسليح. وأزالوا المدينة من سطح الأرض ودمروا كل المستودعات وأحواض بناء السفن وقتلوا السكان المحليين. وكانت هزيمة حلقاء السعوديين وأتباعههم ضربة شديدة للدرعية.
وأخذ حاكماً البحرين والزيارة من آل خليفة يبديان تذمرهما من سلطة الوهابيين فاقتيدا إلى الدرعية رهينتين. وهرب أبناؤهما إلى مسقط وطلبوا النجدة من الإنجليز. ودمرت السفن الحربية البريطانية حامية الوهابيين في الزيارة ثم في المنامة. وأخفقت محاولات الدرعية لاستعادة سلطتها في البحرين مع أن البحرانيين ظلوا يدفعون جزية ما إلى السعوديين.
وبعد جلاء الإنجليز من رأس الخيمة عمرها سكانها من جديد. ورغم تدمير رأس الخيمة مجددا في عام 1816 فقد تمكن القواسم في العام التالي من جمع قوات بحرية كبيرة نسبيا وظهروا على بعد 70 ميلا عن بومباي. ولكن تلك الأحداث جرت فيما بعد.
في مطلع القرن التاسع عشر سعى الإنجليز إلى فرض سيطرتهم على البحر في هذه المنطقة. ولم تكن سياستهم آنذاك تنص على تدخل نشيط في الأحداث في الجزيرة العربية. فلم تكن قوى الإنجليز كافية لهذا الغرض، ثم إن المكافأة التي يتوقعونها في صحاري الجزيرة ضئيلة للغاية. وكان خصومهم الفرنسيون قد أبعدوا عموما عن مسرح الجزيرة مع أن نابليون، كما يعتقد المؤرخ التركي المعروف أ. جودت، كان بوسعه أن يقيم اتصالا مع السعوديين. إلا أن فرنسا كانت مشغولة في مسارح العمليات الحربية الأوروبية، ثم إن الفرنسيين فقدوا في عام 1810 جزيرة موريشيس القاعدة الرئيسية لأسطولهم في المحيط الهندي.
وقد بلغ نفوذ الوهابيين في عمان أوجه في عهد القائد العسكري السعودي مطلق المطيري في بداية العقد الثاني من القرن التاسع عشر. وبالرغم من الدعم البريطاني اضطر حاكم مسقط سعيد بن سلطان لدفع 40 ألف ريال إلى أمير الدرعية. ويبدو أن الوهابيين توغلوا في نفس تلك الفترة إلى الجنوب الغربي، إلى ما وراء مسقط، واقتحموا حضرموت، حيث كان أوائل المبشرين الدرعيين قد وصولا في عام 1803-1804. ولم تكن جهودهم الدعائية موفقة آنذاك، إلا أن حضرموت دفعت هذه المرة الجزية إلى الدرعية. غير أن مطلق المطيري قتل في عام 1813 خلال مناوشة غير كبيرة. وفي تلك الأثناء بدأ الغزو المصري للجزيرة، فأخذ الوهابيون يسحبون قواتهم من عمان. وكان بعد هذا البلد وعداء الإباضية للوهابية ومقتل القائد العسكري الموهوب مطلق وغزو المصريين للحجاز والإجراءات المضادة التي اتخدتها بريطانيا – كل تلك العوامل أعاقت توسع إمارة الدرعية في جنوب شرقي الجزيرة.
وفي بدايات القرن التاسع عشر ميلادي امتدت الهجمات والغزوات السعودية شرقًا، لتشمل اراضي عُمان و"الصير" التي تُعرف اليوم بـالإمارات العربية المتحدة فأخذت الدرعية ترسل القادة والفرسان لمحاولة اخضاع المنطقة للحكم السعودي عنوةً. وعلى الرغم ان المنطقة كانت تعيش في حالة ضعف بسبب الصراعات الأهلية بين الحزبين الهناوي والغافري إلا ان معظم القبائل تصدت لهذه الهجمات ببسالة ومن بين هذه القبائل "قبيلة بني ياس" التي كانت تحكم أبو ظبي ودبي واجزاء من قطر، وقبائل أخرى في عُمان الداخل. في عام 1800، وخلال مدة هذه الغزوات كان بنو ياس دائمًا ضد الوهابيين، ولم يستطع الوهابيين ابدا ان يخضعوهم فكانت قبيلة بني ياس تظهر العداء لهم، وقاتلتهم ورفضت أن تخضع لهم ولم يتمكنوا من ارغامهم على دفع الزكاة والتبعية.
وكان من القادة السعوديين:
- ابراهيم بن عفيصان: وكان من اوائل القادة الذين أُرسلوا الى الظفرة لمحاولة ضمها للسيادة السعودية وأُرسل ومعه جيش كبير من الغزاة ودام القتال بينه وبين بني ياس حتى عُقد الصلح، وسُمي بـ"صلح الدرعية".
- مطلق المطيري: استمرت الغزوات النجدية بقيادة "مطلق المطيري" الذي أُمر من قبل إمام الدرعية بغزو عُمان الصير حيث تسكن قبيلة بني ياس ولكنه فشل في الاستيلاء على هذه المنطقة وهُزم ومن معهوبعد هزيمته من قبل بني ياس، اتخذ مطلق المطيري من البريمي مقرًا له. ولم يكن استيلاء مطلق المطيري على البريمي يعني انه كانت له السلطة على عمان وقبائلها او بني ياس، فالبريمي هي قرية من بين مئات القرى في المنطقة، وتاريخيًا البريمي لم تكن عاصمة بني ياس ولا ديارهم، بل هي منطقة متنازع عليها على مر التاريخ.
والصحيح ان عاصمة بني ياس كانت "ابو ظبي" ومعظم عشائر بني ياس تسكن في "الظفرة" والتي هُزم فيها مطلق المطيري ومن معه من الغزاة وفشلوا في الاستيلاء عليها، فقرروا التوجه الى البريمي، وبعدما اتخذ مطلق المطيري قاعدته في البريمي، دخل في معارك عدة مع القبائل العمانية. وكان من المقرر ان يسلك طريقه نحو البريمي عن طريق أراضي بينونة والظفرة ولكن بعد هزيمته من بني ياس انضم لمطلق المطيري جموع من أهل نجد ودخل الى عمان قاصدًا ساحل الباطنة وتصدى لهم عزان بن قيس وحدثت بعدها الهجمات والمعارك بين أهالي الباطنة والمطيري والتي لا تخص "بني ياس" و"الظفرة" حتى قُتل مطلق المطيري سنة 1813 بطريقة شنيعة من قبل قبيلة الحجريين الهناوية، وفصلوا رأسه عن جسده ودُفن بلا رأس.
- عبد العزيز بن غردقة: بعدما فشل مطلق المطيري في الاستيلاء على الظفرة وتوجهه نحو البريمي، أرسل الإمام السعودي القائد "عبد العزيز بن غردقة" ومعه جيش كبير لاخضاع الظفرة وبني ياس، وما ان وصل الى مشارف الظفرة حتى قتلوه بني ياس وقتلوا من معه من الغزاة وأبادوهم عن بكرة أبيهم.
- بتال بن محمد المطيري: هو شقيق "مطلق المطيري"، بعد وفاة مطلق المطيري قدم الى البريمي لاسترجاع حكم أخيه، لكنه فشل فشلًا ذريعًا فهزمته قبائل المنطقة البريمي ومن بين تلك القبائل بني ياس.
وكان ذكر بني ياس كان شبه منقطع في السير النجدية، والسبب انهم بعدما انهزموا على مرتين في الظفرة لم يحاولوا الهجوم عليها مجددًا، واكتفوا باتخاذ البريمي والباطنة معسكرًا لهم للهجوم على عمان الداخل ونواحي مسقط وصحار حتى قُتل كبيرهم مطلق المطيري. وبذلك انتهت الهجمات السعودية الأولى في المنطقة وانتهت دون ان يدوّن التاريخ اي سطوة لهم على الظفرة وبني ياس، بل حتى على عُمان كلها، رغم انهم اخضعوا بعض القبائل العمانية "خصوصًا من الحزب الغافري" ولكن محاولاتهم في ضم الإمارات و عُمان للدولة السعودية الأولى فشلت. وكانت قبيلة بني ياس ومعها قبائل أخرى مثل "الظواهر" و"العوامر" قد تمسكوا بالمذهب المالكي رغم انتشار العقيدة الوهابية في المنطقة اثر هجماتهم، وهذا يدل على ان هذه القبائل لم تخضع للحكم السعودي "الذي ينص في أساسه على المذهب" في الوقت الذي كانت فيه بعض القبائل تسارع لذلك.[6][7] [8] [9]
الزحف على عسير واليمن
على تخوم القرنين الثامن عشر والتاسع عشر انضمت عسير إلى الوهابيين. وعلى أثرها رضخت إمارة أبو عريش للدرعية. ويصعب القول أن سيطرة الوهابيين على المناطق الواقعة جنوبي مكة كانت سيطرة كاملة. فهناك على الأصح حلفاء سعوديين بحقوق منقوصة، وليس رعيةب المعنى الكامل.
وفي وقت زحف الوهابيين على اليمن كان الوضع هناك ملائما لتوسعهم. فالبلاد منقسمة على نفسها بسبب الخلافات الداخلية والفوضى العشائرية والإقطاعية. وفقد أئمة الزيدية سلطتهم على المنطقة الساحلية إلا أن التوسع في اليمن لم يحقق نصراً كاملاً. فإن حملة قوات أمير الدرعية عام 1805-1806 على نجران لم تتكلل بانتصار حاسم مع أن حاميات وهابية ظلت في قلاع تلك المنطقة. ووقعت الحديدة في أيدي الوهابيين مراراً. وظلت المنطقة الجبلية في اليمن مستقلة في الواقع مع أن قوات السعوديين حاصرت صنعاء في عام 1808.
لقد مارس الوهابيون دعاية نشيطة في اليمن وكانوا يرسلون إليها كل عام تقريبا جماعة من العلماء ولكن دون جدوى. وكان الشافعيون من سكان الساحل – تهامة اليمن – يتعاطفون مع المذهب الوهابي بسبب عدائهم لأئمة صنعاء الزيديين. إلا أن الشافعيين ماكانوا راغبين بالتفريط في استقلالهم الفعلي والخضوع للسعوديين.
وكان حمود أبو مسمار صاحب أبي عريش الذي شملت سلطته جزءاً من تهامة اليمن قد انضم إلى الوهابيين، حتى أنه شارك، على مايبدو، في العمليات الحربية ضد أمام صنعاء. إلا أن ما كان يقلقه هو ارتفاع نجم جاره ومنافسه حاكم عسير عبدالوهاب أبو نقطة تحت رعاية الوهابيين. ويقول ابن بشر أن سعود استدعى كلا الرجلين المتنافسين إلى الدرعية وحاول إصلاح ما بينهما ولكن دون جدوى. وأحس سعود بأن روح التمرد تتصاعد عند أبي مسمار فأمره بشن حملة على صنعاء إلا أن صاحب أبي عريش رفض.
وبعد أن توفرت لدى سعود أدلة على عدم ولاء تابعه المشاكس هذا أخذ يجمع المحاربين من كافة أرجاء الجزيرة للقضاء عليه. وبلغ عدد القوات الوهابية حوالي 50 ألف شخص، مع أن هذا الرقم قد تكون فيه مبالغة. وكان يقاتل إلى جانب أبي مسمار بدو من نجران واليمن. وفي أواخر عام 1809 نشبت معركة ضارية قتل فيها أبو نقطة. ولكن قوات أبي مسمار منيت بالهزيمة، ففر من المعركة وراح يعزز مواقعة في عاصمته أبو ريش التي لم يتمكن الوهابيون من احتلالها. وبأمر من سعود شغل منصب أبي نقطة قريبه طامي بن شعيب.
غزو العراق والشام
إذا تناولنا من جديد الوضع في الحدود الشمالية الشرقية للدولة السعودية نرى للوهلة الأولى أن الأحداث تطورت بصورة ملائمة للوهابيين. فما كاد سليمان باشا يقضي نحبه في أغسطس 1802 حتى بدأ صراع مستميت من أجل السلطة شارك فيه الإنجليز والفرنسيون بشكل محموم. وتمكن كيخياه علي قريب سليمان من القضاء على منافسيه فصار والياً لبغداد. واحتفظ بالسلطة خمس سنوات تقريباً. كانت الولاية مضعضعة بسبب القلاقل الداخلية والانتفاضات الشعبية وبسبب نضالات الأكراد المتواصلة. وفي أغسطس 1807 ذبح الوالي على في أحد المساجد. وبعد قليل استولى على منصبه كوجوك سليمان الذي ظل والياً حوالي ثلاث سنوات وانشغل بالحرب ضد الأكراد والوهابيين حتى قتل في أكتوبر 1810. واستمرت الصدامات الحربية مع الفرس في النصف الثاني من العقد الأول من القرن التاسع عشر.
وطوال السنوات التي أعقبت تدمير كربلاء قام الوهابيون بغزوات عنيدة على العراق. ولكن حملاتهم التي استمرت حتى عام 1810 كانت محصورة في نهب القرى غير المحمية وفي نهب البدو. ورغم المشاكل الداخلية في العراق لم يتمكن الوهابيون من تحقيق نجاحات تضاهي غزو كربلاء.
ولم تسفر عن انتصارات حاسمة كذلك غزوات الوهابيين على الشام مع أن القبائل البدوية فيها أخذت تدفع الجزية لأمير الدرعية في مطلع القرن التاسع عشر. وفي عام 1808 بعث سعود رسالة إلى مشايخ دمشق وحلب ومدن الشام الأخرى طالبا تبني المذهب الوهابي والخضوع لسلطة سعود ودفع الجزية. وساد الذعر والاضطراب ودمرت فصائل الوهابيين القرى في أطراف حلب، وتغلغلت في فلسطين في الوقت ذاته. وقد اتخذت إجراءات عاجلة لحماية المدن إلا أن الوهابيين لم يتجرأوا على اقتحامها. وفي عام 1810 قام سعود مع بضعة آلاف من المقاتلين بغزوة جسورة للشام ونهب بضع عشرات من القرى ووصل إلى دمشق تقريبا. وكانت تلك آخر حملة له في الاتجاه الشمالي.
لقد بلغت إمارة الدرعية أقصى حدودها توسعها. وانتشرت سلطة السعوديين في شبه الجزيرة العربية كلها تقريباً، ودفع لهم الجزية حتى سلطان مسقط وإمام اليمن وحكام حضرموت. وخضعت لأمير الدرعية القبائل القاطنة في البوادي والفيافي الممتدة حتى أراضي الهلال الخصيب. وبقدر مؤلف لمع الشهاب عدد السكان الخاضعين للسعوديين في نجد بـ 300 ألف وفي الحجاز وتهامة 400 ألف وفي اليمن 400 ألف أو أكثر وفي شرقي اليمن 200-300 ألف وفي شرقي الجزيرة 400 ألف وفي القبائل المترحلة، مثل عنزة، في البوادي بين المدينة المنورة والشام حوالي 400 ألف، وفي عمان وسواحلها من بدو وحضر 200 ألف. وهكذا ضمت إمارة الدرعية عموما حوالي 2.4 مليون نسمة. وهذا الرقم يبدو واقعيا، مع أن مايخص اليمن قليل أو ربما لم يدرج المؤلف عمداً هذا البلد كله ضمن دولة السعوديين.
دحر الوهابيين على أيدي المصريين (1811-1818)
كان دحر الوهابيين في مكة والمدينة المنورة قد ألحق ضرراً هائلاً بسمعة السلطان العثماني سليم الثالث. فإن خليفة المسلمين وسادن الحرمين الشريفين لم يكن قادراً على تأمين الحج لرعيته وهو واحد من أركان الإسلام الخمسة. وبعد الإطاحة بالسلطان سليم الثالث حاول السلطان الجديد الذي كان في السابق لعبة في أيدي الانكشارية إعادة الحجاز مهما كل الثمن إلى حظيرة الإمبراطورية العثمانية. واتضح أنه لا أمل في محاولات دفع والي بغداد ووالي دمشق إلى العمليات النشيطة ضد الوهابيين.
وكانت الإمكانية الواقعية الوحيدة لدحر إمارة الدرعية هي استخدام قوات والي مصر الذي أخذ يتقوى. وعندما ترسخت أقدام محمد علي في مصر وصار واليا للقاهرة في عام 1805 كلفه الباب العالي بمهمة استعادة الحرمين من الوهابيين. كان الوالي الجديد مشغولاً بتعزيز سلطته ومكافحة منافسيه والمماليك والدفاع عن مصر دون الإنجليز ومهتما بالإصلاحات الداخلية فلم تكن لديه طوال عدة سنين قوي كافية لمعالجة شئون الجزيرة العربية. ولكنه اعتبارا من نهاية عام 1809 أخذ يبدي اهتماما جديا بالتحضير للحملة.
ولم تكن رغبة الباب العالي السبب الرئيسي الوحيد الذي دفع حاكم مصر المستقل في الواقع للقيام بحملة طويلة الأمد وباهظة التكاليف على الجزيرة العربية. كان محمد علي باشا يأمل من وراء تحرير الحرمين الشريفين بتقوية سمعته في الدولة العثمانية كلها وبكسب شعبية كبيرة. وكانت خطط والي القاهرة، مثل خطط علي بك في حينه، تستهدف السيطرة على تجارة السلع الهندية والبن اليمني التي تمر عبر جدة، ثم الاستيلاء على اليمن نفسه. وكان محمد علي ينوي كذلك، من وراء الشعارات النبيلة لتحرير مكة والمدينة المنورة، إخراج الجنود الذين نصبوه على دست الحكم في مصر ولكنهم تحولوا إلى قوة خطيرة للغاية وصاروا يقيدون أعماله. وأخيراً فإن الباب العالي قد وعد، على ما يبدو، في مباحثات غير رسمية بتسليم ولاية دمشق إلى أحد أبناء محمد علي حالما يتم تحرير مكة والمدينة.
كان بضع مئات من العمال يمارسون بناء السفن في السويس، وحتى مارس 1810 كانتهناك تقريبا عشرون سفينة جاهزة. ثم بنيت عدة سفن أخرى. وحول المصريون أحد مرافئ البحر الأحمر إلى قاعدة رئيسية لتموين الحملة وعززوا القلاع في القسم الشمالي من طريق قوافل الحجاج من مصر إلى الحجاز حيث أرسلوا إليها حاميات من الجنود المغاربة المرتزقة، ووزعوا الهدايا على القبائل البدوية.
وفي الأول من مارس 1811 فتك والي مصر بالمماليك في قلعة القاهرة، ثم استمر قتلهم في المدينة كلها. تمت تصفية منافسي محمد علي الخطرين في الوجه البحري. وكانت الحرب في أوروبا قد أزالت مؤقتا خطر اقتحام دولة الدول الأوروبية لمصر وساعدت على القيام بالحملة على الجزيرة العربية. وعين لقيادة الحملة طوسون ابن محمد علي وهو فتى شجاع كان لايزال آنذاك في السادسة عشرة أو الثامنة عشرة من العمر.
وبغية الحصول على تأييد شريف مكة غالب بدأ محمد علي مراسلات سرية معه. ووعده الشريف بالتأييد. وكانت المعلومات التي حصل عليها رجال محمد علي تبعث على الارتياح. فإن سكان الحجاز يكنون العداء للوهابيين وكأنما كانوا ينتظرون الأتراك كمخلصين لهم. (في بادئ الأمر دخل محمد علي الجزيرة العربية وكأنما نزولا عند إرادة السلطان العثماني، ولذا استقبل السكان جيشه بوصفه جيشاً لتركيا). وكانت مثل هذه المعلومات تتوارد على حاكم مصر من مصادر أخرى أيضا، فقرر أن الوقت قد حان.
هزيمة طوسون في وادي الصفراء
في أواخر العقد الأول من القرن التاسع عشر لوحظ ضعف العمليات الهجومية لإمارة الدرعية. فبعد تدمير كربلاء والاستيلاء على الحجاز لم يحقق الوهابيون انتصارت كبيرة. فقد ألحق الإنجليز المتحالفون مع أهل مسقط عدة هزائم شديدة بالوهابيين في البر والبحر ومكنوا البحرين من الخروج على الدرعية. وقامت في عمان تمردات متواصلة على الوهابيين.
وادي الجفاف والقحط في الجزيرة العربية لسنوات عديدة وحتى عام 1809 إلى أضعاف تحرك الدولة السعودية. ومما زاد في الطين بلة وباء الكوليرا الذي تفشى آنذاك. ففي الدرعية وحدها كان يموت يومياً عشرات الأشخاص.
وكانت الخلافات في الأسرة الحاكمة تفتت سلطة السعوديين من الداخل. إلا أن الدول السعودية احتفظت ببعض جوانبها القوية. فإن تعصب الوهابيين القتالى لم يستنفد بعد. وكان أمراء الدرعية لا يزالون قادرين على الاعتماد على مفارز صلبة من حضر نجد وبعض القبائل البدوية. ثم إن الطبيعة الصعبة في الجزيرة أخيرا كانت إلى جانب الوهابيين في الكفاح ضد العدو الخارجي.
كان الجيش المصري المكون من المرتزقة الأتراك والألبان والمغاربة مسلحاً بصورة جيدة، ولديه مدفعية. وكانت لدى العديد من قادته خبرة الحروب ضد الفرنسيين والإنجليز وكانوا مطلعين على التكتيك الحربي الأوروبي. بيد أن الانضباط والمعنويات عند الجيش لم تكن عالية آنذاك. وفي أغسطس 1811 أرسل قسم من القوات المصرية إلى الحجاز بحراً للاستيلاء على ينبع بواسطة الإنزال، بينما توجهت الخيالة بحراً للاستيلاء على ينبع بواسطة الإنزال، بينما توجهت الخيالة بقيادة طوسون إلى هناك براً. ويقول بوركهاردت أنه أرسل عن طريق البحر 1500 جندي، بينما وصل مع طوسون باشا 800 فارس (يذكر عبدالرحيم أ. عبدالرحيم، استنادا إلى الأرشيفات المصرية، إن عدد الذين جاءوا معه ثلاثة آلاف، بمن فيهم البدو).
ووصل مع طوسون واحد من أفضل القادة العسكريين عند محمد علي وهو أحمد الملقب بونابرت، وكان بمثابة مستشار عسكري عنده، وكان هو القائد الفعلي. وفي أكتوبر من العام ذاته احتلت قوات الإنزال البحري المصرية مدينة ينبع، ولم تكن فيها قوات وهابية، بل كان هناك حامية صغيرة خاضعة لشريف مكة ولم تبد في الواقع أية مقاومة. ونهب الجنود كل ماكان في ينبع (من الودائع والأموال والأقمشة والبن وسبوا النساء والبنات الكائنات بالبندر وأخذوهن أسرى ويبيعونهن على بعضهم البعض). ومن المستبعد أن يحظى سلوك الجنود هذا باستحسان السكان. بيد أن المهمة الرئيسية للمرحلة الأولى من الحملة قد نفذت فقد تم الاستيلاء على رأس جسر هام لمواصلة العمليات ضد الوهابيين.
وفي نوفمبر وصل طوسون وخيالته إلى ينبع. ويقول ابن بشر أن أكثر من 14 ألف شخص تحشدوا في ينبع. وحتى لو أخذنا بنظر الاعتبار أن بوركهاردت حاول التقليل بعض الشيء من تعداد القوات المصرية فإن عدم تطابق أرقامه مع أرقام المؤرخ النجدي يثير الدهشة. ويبدو أن حاميات أخرى أرسلها محمد علي سابقا إلى القلاع على طريق القوافل قد التحقت بقوات طوسون في مسيرتها بالإضافة إلى بعض البدو.
ظل طوسون عدة أسابيع في ينبع، وبعد أن وصلته إمدادات من مصر سار بقواته نحو المدينة المنورة. كان سعود مطلعا على استعدادات محمد علي الحربية، فقد أطلعه مخبروه في القاهرة على أنبائها. ويبدو أن ذلك هو سبب اهتمامه المتواصل بتعزيز المدينة المنورة. وعندما احتل طوسون ينبع عبأ سعود أفضل قواته وأرسلها إلى الحجاز بقيادة ابنه عبدالله. وشغل 18 ألفاً من الوهابيين، بمن فيهم 600 من الخيالة، مواقعهم عند وادي الصفراء على منتصف الطريق بين ينبع والمدينة.
ونشبت المعارك الحاسمة في ديسمبر. كان جيش طوسون يلاحق قبيلة حرب التي لم يقم معها علاقات ودية فدخل في ممر جبلي ضيق قرب وادي الصفراء وتعرض لضربات قوات الوهابيين المختارة التي لم يكن لطوسون أي علم بوصولها. وفر الجيش المصري البالغ تعداده 8 آلاف شخص. ولم تنقذ الموقف بسالة طوسون شخصياً. فقد دمرت قواته تدميراً وفقدت نصف أقرادها. ولم ينقذ المصريين من الهلاك عن بكرة أبيهم إلا انشغال الوهابيين بنهب المعسكر الذي تركوه، فعادت إلى ينبع بقية ضئيلة من قوات طوسون إلا أن الوهابيين لم يهاجموا هذه المدينة. فظل المصريون يحتفظون بأهم رأس جسر.
ووصف الجبرتي سلوك جنود طوسون حالما لاحت أولى علامات الهزيمة:
كان الجبرتي من الأزهريين المعارضين لمحمد علي. وقد قدم توضيحاته لأسباب هزيمة القوات المصرية: (ولقد قال لي بعض أكابرهم الذين يدعون الصلاح والتورع أين لنا بالنصر وأكثر عساكرنا على غير الملة وفيهم من لا يتدين بدين ولاينتحل مذهبا وصحبتنا صناديق المسكرات ولايسمع في عرضنا أذان ولا تقام به فريضة ولا يخطر في بالهم ولا خاطرهم شعائر الدين والقوم إذا دخل الوقت أذن المؤذنون وينتظمون صفوفا خلف إمام واحد بخشوع وخضوع وإذا حان وقت الصلاة والحرب قائمة أذن المؤذن وصلوا صلاة الخوف فتتقدم طائفة للحرب وتتأخر أخرى للصلاة وعسكرنا يتعجبون من ذلك لأنهم لم يسمعوا به فضلا عن رؤيته وينادون في معسكرهم هلموا إلى حرب المشركين المحلقين الذقون المستبيحين الزنا واللواط والشاربين الخمر والتاركين للصلاة والآكلين الربا القاتلين الأنفس المستحلين الحرمات).
وبالإضافة إلى الأسباب العسكرية الصرف – عنصر المباغتة عند الوهابيين وسوء الموقع عند القوات المصرية، ومعنويات الوهابيين الي كانت لاتزال مرتفعة، وتدهور معنويات جنود طوسون – لعب دورا كبيرا عجزه في تلك الفترة عن إقامة علاقات ودية مع القبائل البدوية المحلية. فإن قوات طوسون مرت بمناطق كان سكانها حلفاء للوهابيين ولم يقرروا بعد مهاجمتهم.
احتلال الحجاز
كان تصحيح الأوضاع قد تطلب استمالة شيوخ البدو المحليين. وتطلب ذلك أموالا. وسرعان ماوصلت تلك الأموال من مصر. كتب قنصل روسيا في مصر ش. روسيتي: يقول ( إن استمرار تصدير الأطعمة من هنا (من الاسكندرية) إلى مالطة وأسبانيا يقدم له (لمحمد علي) وسيلة لسد العجز في خزينته ويمكنه من أنفاق الأموال اللازمة على استئناف تحصين هذه المدينة... وعلى الاستعدادات الهامة للحملة على عبدالوهاب. والحال تصل من تركيا إلى الاسكندرية بلا انقطاع قوات جديدة يرسلها هو بفصائل صغيرة إلى ينبع عن طريق السويس. ويقال أن عبدالوهاب يتخذ من جانبه إجراءات نشيطة لمواجهة هذه الحملة الجديدة. ويوجد خلاف شديد بين عبدالوهاب المذكور وشريف مكة...). وكتب ش. روسيتي كذلك عن الإشاعات الدائرة عن الاستعداد للحرب بين فرنسا وروسيا. وكان ذلك قد ساعد والي القاهرة في العمل دون أن يعبأ كثيرا بالدول الأوروبية.
ووصلت إلى ينبع إمدادات جديدة ومعدات حربية، واجتذب طوسون بالهدايا الكبيرة شيوخ قبائل جهينة وحرب وكثيراً من الحضر. وخصص راتب شهري لكل شيخ من شيوخ القبائل. كان التذمر من الوهابيين في الحجاز قد تحول من زمان إلى حقد، ولذلك أخذت سياسة طوسو هذه تعود بثمارها. وفي خريف 1812 توجه طوسون على رأس قوات كبيرة نحو المدينة المنورة واقترب منها في أكتوبر دون أن يواجه مقاومة في الطريق. وكانت حامية من الوهابيين بسبعة آلاف شخص تدافع عن المدينة. إلا أن المرض، كما يقول ابن بشر، أصاب قسما كبيرا من الجند. ولم يكن سكان المدينة راغبين كثيرا في القتال إلى جانب الوهابيين.
وأخذ طوسون يقصف المدينة بالمدفعية ففتحت الإنفجارات ثغرات في أسوارها. واستسلمت المدينة المنورة. والتجأت حامية الوهابيين إلى قلعة المدينة، ولكن الجوع أرغمها على ترك القلعة بعد ثلاثة أسابيع، في نوفمبر. ووعد طوسون بالسماح بجلاء بقايا الحامية الوهابية بشروط مشرفة. ويقول منجين أن جنود طوسون تصرفوا تصرفا نبيلا، إلا أن بوركهاردت المطلع عن كثب على سير الحملة يقول أن هؤلاء الجنود قتلوا ونهبوا في الطريق أغلبية الوهابيين. وأرسلت إلى القاهرة 4 آلاف أذن اقتطعت من الوهابيين وأعدت لإرسالها إلى الاستانة. وانتقل آغا المدينة المنورة حسن إلى صف المصريين ولكنه اعتقل ونفى إلى الاستانة حيث أعدم. وعين حاكما للمدينة بدلا عنه توماس قيس وهو اسكتلندي أسر في مصر واعتنق الإسلام.
ولعب الشريف غالب على حبلين. فقد كان مسرورا لهزيمة الوهابيين وكان يأمل في التخلص من ظلمهم بمساعدة المصريين. إلا انه لم يكن راغبا في تقوى مواقع والي القاهرة في الحجاز لدرجة كبيرة. وكان أفضل مايناسب غالب هو استنزاف القوات المصرية وقوات الوهابيين وعودة السلطة الفعلية في الحجاز إليه.
وها هو يقسم الولاء من جديد لسعود الذي أدى فريضة الحج آخر مرة في نهاية عام 1812، ويستعد لتسليم مكة وجدة إلى قوات والي القاهرة. وفي تلك الفترة كان معسكر قوات عبدالله يرابط ليس بعيدا عن مكة. إلا أن مصنفات ابن بشر والمصادر الأخرى لاتشير إلى قيام الوهابيين باستعدادات ما لعمليات حربية. ولم تكن سلبية سعود وابنه تعني بأنهما لم يفهما مدى الخطر الذي يتهددهما. ولايمكن أن يفسر سكوتهما إلا بالحالة الداخلية للدولة الوهابية وعدم الاستقرار في المؤخرة وعدم أمانة البدو.
وفي يناير 1813 احتل فصيل مصري غير كبير مدينة جدة بلا قتال. وخوفا من تلقي ضربة غادرة من غالب سحب عبدالله الحامية الوهابية من مكة وانسحب بجيشه كله إلى الخرمة. وفر عثمان المضايفي وعائلته من الطائف. وسقطت مكة، والطائف بعد بضعة أيام، ووقعتا في يد طوسون بلا قتال. وأعلن غالب، وعلى أثره قبائل الحجاز البدوية، الولاء للأسياد الجدد. وانتزع المصريون الحجاز من الوهابيين بدون جهود حربية كبيرة رغم هزيمتهم الفادحة ولعب الدور الحاسم في انتصارهم عداء الحجازيين لأمير الدرعية وللوهابية وكذلك الذهب المصري الذي وزع بسخاء على وجهاء وأعيان البدو وعلى البدو أنفسهم، وأخيرا انتقال شريف مكة إلى جانب والي القاهرة.
وبمناسبة احتلال المدينتين المقدستين أقيمت في القاهرة احتفالات صاخبة أطلقت فيها نيران المدافع وأجريت الألعاب النارية. وتوجه رسول من محمد علي إلى الاستانة يحمل مفاتيح مكة والمدينة المنورة وجدة. وكتبت السفارة الروسية من الاستانة تقول: "حضر جميع أعضاء الحكومة العثمانية لاستلام المفاتيح في مسجد أيوب، ومن هناك نقلت إلى السلطان في السراي. وفي ذلك اليوم دوت ثلاث مرات صليات المدفعية من جميع بطاريات المدينة والأسطول ومضيق البحر الأسود احتفالا بهذا الحادث. واستمرت الاحتفالات سبعة أيام". وعين السلطان العثماني طوسون واليا لجدة، واستلم محمد علي والشريف غالب هدايا ثمينة من السلطان.
ولم تعد الشهور التالية على المصريين بما يفرحهم. ففي ربيع وصيف 1813 قام الوهابيون بغزوتين موفقتين على الحجاز. وظهر سعود بنفسه قرب المدينة المنورة مع أنه لم يتمكن من احتلالها. وهجم أهالي عسير الذين ظلوا موالين للوهابيين على الفصائل المصرية قرب أسوار مكة وجدة تقريبا.
وفقد جيش الاحتلال المصري بسبب الإرهاق والحر والأمراض المتواصلة الناجمة عن سوء التغذية وتلوث المياه عددا من الجنود أكبر مما فقده في المعارك. ويقول منجين أن جيش والي القاهرة فقد خلال هذه الحملة 8 آلاف شخص و25 ألف جمل. وكان هلاك دواب الركوب والنقل قد حرم المصريين من إمكانية المناورة والمسيرات البعيدة وإيصال العتاد والذخيرة والأغذية في الوقت اللازم. وبدأت آمال البدو في والي مصر تخيب. وصاروا يتعاونون مع قواته على مضض.
وفي خريف 1813 ابتسم الحظ لطوسون من جديد. فقد قام القائد العسكري الوهابي عثماناً لمضايفي بغارة على الطائف ولكنه منى بالهزيمة وفر. وقبض عليه بدو عتيبة وسلموه إلى غالب. ثم أرسل إلى القاهرة ومنها إلى الاستانة حيث أعدم.
سياسة محمد في الحجاز
كان حاكم مصر يدرك بأن الوهابيين لم ينتهوا رغم احتلال الحجاز. فقرر أن يتوجه شخصياً إلى الجزيرة العربية ويدرس الموقف هناك، ويؤدي فريضة الحج في الوقت ذاته. وفي خريف 1813 وصل محمد علي مع بضعة آلاف من الجنود إلى جدة. واستقبله الشريف غالب، وعاهد أحدهما الآخر بالصداقة، وأقسما على ذلك في الكعبة. إلا أن خلافا جديا كان يختمر بين الوالي والشريف.
كان مركز شريف مكة قوياً بحيث لايسمح بالتطاول السافر على سلطته. وكان مبعث قوته وجود بضعة آلاف من العبيد المسلحين والجنود المرتزقة والحجازيين الموالين له وسيطرته على قلعة مكة. إلا أن الوالي الداهية اعتقل غالب غدراً في أواخر عام 1813 بزعم أن السلطان طلب ذلك وأرغم محمد علي شريف مكة تحت تهديد الموت بأن يصدر أمره إلى أبنائه ليكفوا عن المقاومة، وبعد ذلك نفاه مع عائلته كلها إلى القاهرة. وعين محمد علي بدلاً منه صنيعته يحيى بن سرور وهو من أقرباء الشريف غالب وصادر أموال الشريف من نقود وإناث وبضائع وبن وتوابل بلغت قيمتها مايعادل 250 ألف جنيه استرليني.
إلا أن السلطان أمر بإعادة قسم من تلك الأموال إلى الشريف يتلخص في إخضاع الحجاز بصورة تامة. فقد جرد شريف مكة من السلطة والنفوذ واستبعد احتمال انتقال غالب إلى صف الوهابيين. ووضع يده على مداخيل الشريف السابقة كلها تقريبا وساعد ذلك على تمويل الحملة الباهظة. وأخيرا حرم الباب العالي من إمكانية الاستفادة من التناقضات بينه وبين غالب.
إلا أن النتيجة المباشرة لغدر محمد علي تجلت في غضب سكان الحجاز، وخصوصا البدو، ولجوء الكثير من عوائل الوجهاء إلى الوهابيين خوفا من التنكيل ومشاركتها في الحرب إلى جانب الوهابيين. وكان من بين هؤلاء الشريف راجح وهو قائد عسكري شجاع. كما التجأ إلى الوهابيين جزء من حرس غالب. ومن الناحية العسكرية كان الإخفاق يلاحق محمد علي في بادئ الأمر. ففي أواخر 1812 وأوائل 1814 منيت قواته بالهزيمة في تربة والقنفذة.
وعندما استولى الإنزال البحري على مدينة القنفذة قتل الجنود كثيرا من السكان العزل وقطعوا آذانهم لإرسالها إلى الاستانة كدليل على البسالة في القتال. وقال ج. فيناتي الذي شارك في هذا الإنزال أن الجنود كانوا أحيانا يقطعون آذان الأحياء لكي يحصلوا على المكافأة الموعودة. وتوحد السكان المحليون الغاضبون بسبب ذلك حول طامي أمير عسير الذي حاصر القنفذة وقطع عنها مياه الآبار الموجودة حولها ثم بدأ الهجوم بعد أن استنزف قوى المحاصرين. وفر الجنود إلى السفن في هرج ومرج. وقتل الكثيرون منهم وغرق آخرون أو هلكوا في الطريق بسبب العطش.
كان محمد علي يدرك بأنه إذا لم يحقق نصرا حاسما في الجزيرة العربية فإن مكانته في مصر سوف تنتزع، ولذا بدأ باتخاذ إجراءات عاجلة لمواصلة الحملة. وفرضت ضرائب إضافية على الفلاحين المصريين، ووصلت إلى جدة إمدادات جديدة وذخيرة وعتاد وأغذية. فصارت المدينة بمثابة مستودع رئيسي. ووصلت عدة مئات من الخيالة من بدو ليبيا الموالين لمحمد علي باشا. وكانوا سندا ثمينا له لأنهم متعودون على العمليات في الظروف الصحراوية. وازدادت وسائط النقل بآلاف الجمال التي اشترى محمد علي بعضها من الشام وجلب البدو الليبيون بعضها الآخر. واتفق محمد علي مع إمام مسقط حول إرسال السفن لنقل القوات.
واتخذت خطوات لتحسين العلاقات مع السكان المحليين. وألغى محمد علي بعض الأتاوات المرهقة جدا وقلص الرسوم الجمركية في جدة. ووزع النقود على المحتاجين ورمم الكعبة وقدم الهدايا لعلماء الدين وكشف خصيصا عن روعه وتدينه. وأمر جنوده بأن لايمارسوا النهب والتنكيل وأن يدفعوا ثمن ما يأخذونه من أغذية. وتغير موقف الحجازيين من قوات محمد علي نحو الأفضل. إلا أن الأمر الرئيسي يتلخص في استئناف الحج. فقد استلم البدو نقودا من قافلة الشام بعد أن كانت السلطات العثمانية لاتدفع شيئا منذ عشر سنين، وأسفر توارد عشرات الآلاف من الحجاج عن ازدهار أحوال سكان الحجاز من جديد.
وكانت وفاة إمام الدرعية سعود في ربيع 1814 قد أفادت والي مصر. فإن موهبة سعود في ربيع 1814 قد أفادت والي مصر. فإن موهبة سعود كقائد عسكري ورجل دولة معروفة للجميع. ولم يبخل ابن بشر بالكلمات في مدحه، فرسم له صورة الحاكم المثالي التي وردت أوصافها في الكثير من الروايات الشفهية وفي الأدب العربي. ويقول المؤرخ أن سعود كان محبوبا عند الرعية. وكان جيد الاطلاع على الكتاب والسنة بفضل تعلمه على يد محمد بن عبدالوهاب. وقد كافح في سبيل الإسلام وخاض الجهاد ببسالة. وكتب وصايا للرعية أدهشت الجميع بعمق معرفة الفقه، ودلل على أفكاره بآيات من القرآن وأقوال من الحديث ومقتطفات مما كتبه أشهر الفقهاء. ودعا إلى الامتناع عن المحظورات: الزنا والنميمة والافتراء والأكاذيب والربا. وكان متواضعا ورعا سخيا وكان بسيطا في معاملة المقربين إليه. كان فطينا حا الذكاء وقد حظي بإعجاب كبير وشعبية واسعة.
في فترة وفاة سعود كان الوهابيون قد فقدوا الحجاز كله وعمان والبحرين وقسما من تهامة. وتسلم ابنه عبدالله دولة انتابها الخراب. وبعد أن قهر مقاومة المتذمرين ثبت مركزه على العرش وأخذ يستعد لمواصلة الحرب ضد جيش محمد علي. وتشير أغلبية المؤرخين إلى أن عبدالله كان محاربا شجاعا، ولكنه أقل من والده من حيث الدهاء السياسي والمرونة وسائر خصال رجال الدولة. وربما كان في هذا القول بعض الحق. فالتاريخ يدين المغلوبين بوصفهم غير موهوبين، مع أن الملابسات أقوى منهم في كثير من الأحيان.
انتصار المصريين في معركة بسل وتقدمهم نحو عسير
- مقالة مفصلة: معركة بسل
أخذت سياسة محمد علي في الحجاز تؤتى ببعض الثمار. فقد تمكن من تحسين العلاقات مع البدو. والدليل على ذلك ما قاله ابن بشر من أن عبدالله هاجم مرارا القبائل البدوية الحجازية الموالية لمحمد علي. واضطر إمام الدرعية إلى القيام بحملة تنكيلية ضد بدو مطير أيضا. وفي أواخر عام 1814 وبداية 1815 حشد الوهابيون في بسل، على مقربة من تربة، جيشا بلغ 30 ألفا كما يقول ابن بشر، و20 ألفا كما يقول بوركهاردت. وأكثر من نصفه أحضره طامي بن شعيب من عسير. وترأس تلك القوات الموحدة فيصل شقيق عبدالله. وفي كانون الثاني (يناير) 1815 نشبت معركة انتصرت فيها قوات محمد علي المتحالفة مع البدو. ودفع محمد على 6 ريالات مقابل كل قتيل من الأعداء. واحتفل محمد علي بالنصر حيث أعدم في مكة مئات الأسرى. وبلغت خسائر الوهابيين عدة آلاف.
ثم احتلت قوات محمد علي تربة وعسير. ووصل المصريون إلى ساحل البحر الأحمر واستولوا على القنفذة. وجرى تسليم زعيم عسير طامي بن شعيب إلى محمد علي الذي أرسله إلى مصر ثم إلى الاستانة حيث أعدم. وكان محمد علي ينصب على القبائل البدوية في كل مكان أناسا طائعين له. وبنتيجة العمليات الحازمة التي شنها محمد علي تم دحر الوهابيين في عسير وفي المناطق الهامة من الناحية الاستراتيجية بين الحجاز ونجد وعسير. وبعد عدة أشهر عاد محمد علي إلى مصر حيث وصلته أنباء عن القلاقل. وبالإضافة إلى ذلك كان محمد علي، بعد احتلال الحلفاء لباريس، يخشى من إنزال جديد يقوم به الإنجليز على مصر أو من هجوم الأتراك.
دخول طوسون القصيم والصلح مع عبدالله
لم تكلل بالنجاح محاولة طوسون الأولى لدخول القصيم. فقد عاد أدراجه عندما علم بظهور عبد الله مع قوات كبيرة. إلا أن التذمر في القصيم من سلطة الوهابيين قد اشتد. واتصل وجهاء الرس بطوسون ووعدوه بالمساعدة إذا دخل القصيم. وتحرك طوسون بلا إبطاء مع عدد غير كبير من القوات نحو مدينة الرس ودخلها. ودمر هنا قسما من التحصينات وفرض الضرائب على لاسكان ونصب معسكرا على مقربة من المدينة مؤمنا تزويد الجيش بالأغذية على حساب السكان المحليين. فلم يتمكن من تأمين المؤن من المدينة المنورة بصورة منتظمة.
وكانت قوات عبدالله مرابطة في عنيزة. وقام الوهابيون بهجمات متفرقة باتجاه الرس وكانوا يستولون على قسم من القوافل القادمة من المدينة المنورة. فقد رفع فصيل الإمدادات الذي قاده توماس قيس في كمين نصبه الوهابيون وأبيد. واستمرت العمليات الحربية سجالا طوال عدة شهور حتى صيف عام 1815. غدت حالة طوسون عصيبة للغاية. فإن ضغط الوهابيين الشديد كان يمكن أن يدمره. بيد أن قوى عبدالله لم تكن كافية علىمايبدو، ثم أنه كان يخشى تمرد أهل القصيم في مؤخرته. وتم توقيع الصلح بشروط تعكس توازن القوى المترجرج هذا.
ونص الاتفاق على توقف العمليات الحربية. وترك جيش طوسون القصيم وكف المصريون عن التدخل في شئون نجد. وتأكد ضمان حرية التجارة والحج للجميع. وأورد ابن بشر وبوركهاردت كلاهما هذه المعلومات عن الاتفاقية. إلا أن الرحالة بوركهاردت أورد بضعة شروط أخرى من الاتفاقية: يجب أن تخضع لعبدالله كل القبائل المتواجدة شرقي الحناكية. ويقول بوركهاردت كذلك أن عبدالله وافق على اعتبار نفسه من رعية السلطن العثماني. ويؤكد المؤرخ المصري المعاصر أ. عبدالرحيم هذه الحقيقة استنادا إلى وثائق من أرشيفات القاهرة.
ووصل مبعوثو عبدالله مع طوسون إلى القاهرة خريف عام 1815. وبعد انسحاب طوسون أخذ عبدالله ينحي أمراء القصيم الذين تعاونوا مباشرة مع طوسون، وبدأ كذلك عمليات تأديبية ضد بدو حرب ومطير الذين خانوا العهد. وإلى الجنوب من ذلك، في مناطق بيشة وتربة ورينة التي كانت، باعتقاد بوركهاردت، مستثناة من الاتفاقية بين عبدالله وطوسون، استمرت الصدامات بين الوهابيين والقوات المصرية. وأثارت أعمال عبدالله التذمر في القصيم، ناهيك عن البدو، فأرسلت شكاوي إلى محمد علي. في المراسلات التي جرت بين عبدالله وبين محمد علي وابنه وردت إشارات متكررة إلى خرق الوهابيين لشروط الاتفاقية.
ارتفعت منزلة محمد علي في الدولة العثمانية بفرض سيطرة مصر على الحجاز. وأخذ محمد علي يطالب الباب العالي بتسليمه الشام على سبيل المكافأة عن الانتصارات في الحجاز. ولذا أصبحت أكثر إلحاحا بالنسبة له مهمة تثبيت أقدامه في الحجاز وفي الجزيرة العربية عموما بتفويض الدولة السعودية الأولى نهائياً.
احتلال ابراهيم باشا لنجد
عين إبراهيم الإبن الأكبر لمحمد علي لقيادة الحملة هذه المرة. وظلت معروفة إحدى الطرائف التي قيلت بمناسبة تعيين إبراهيم قائداً للحملة الجديدة. يقال أن محمد علي جمع قواده العسكريين في القاهرة قبيل بدء الحملة ليناقش معهم خطة العمليات. ثم أشار محمد علي إلى تفاحة موجودة وسط سجادة كبيرة مفروشة في القاعة. وقال: من يحضر هذه التفاحة ويسلمها لي دون أن يمس السجادة برجليه سيقود القوات. انبطح المقربون إلى الوالي على الأرضية ولكنهم لم يبلغوا التفاحة. وعند ذاك اقترب إبنه إبراهيم، وهو قصير القامة، من السجادة فطواها وبلغ التفاحة وسلمها إلى أبيه. وهكذا لمح لأبيه كما يقال، أن القوات المصرية تحت قيادة سوف تطوى (سجادة) بوادي الجزيرة في البداية بتأمين المواصلات والعلاقات الطيبة مع السكان المحليين.
كانت مثل هذه المبادئ بالفعل أساساً للسياسة المصرية في الجزيرة العربية أثناء حملة إبراهيم. فقد كان يفهم جيدا أن التوغل في أعماق الجزيرة مستحيل بدون مساعدة البدو، ولذا سعى إلى اجتذابهم. ولهذا الغرض ألغى إبراهيم الزكاة الوهابية على البدو، وراح يدفع المال نقدا لقاء كل الخدمات. إلا أن فلاحي مصر هم الذين دفعوا ثمن انتصارات إبراهيم.
كان إبراهيم عارفاً بمدى العداء الذي خلفته تصرفات وتعسف جنوده المتباينين في الحجاز، ولذا حاول أن يترك انطباعاً طيباً عند الأعراب بورعه وتقواه ونبله وإيفائه بالوعد. وقد قطع بكل حزم دابر أية أعمال للعنف ضد السكان المحليين إلى أن تم تدمير الدرعية.
في تلك الأثناء أصاب الضعف دولة السعوديين. وكانت القبائل البدوية الرئيسية مستعدة في أية لحظة لتقلب لها ظهر المجن. وابتعد وجهاء وأعيان واحات وسط الجزيرة عن الوهابيين بسبب التوقف التام تقريبا في مسيل الثروات المنهوبة. وكان السكان الحضر يتذمرون من الحروب المتواصلة الطويلة الأمد والأتاوات التي لاتنقطع. ولم تكن منزلة عبدالله رفيعة كمنزلة أبيه سعود. ولم يبق سندا لأمراء الدرعية في كل مكان إلا علماء الدين الوهابيون.
وما كان بوسع المصريين أن يرسلوا إلى نجد قوات غفيرة. إلا أن جنودهم صاروا يختلفون عن أولئك الذين قاموا بالإنزال في الحجاز قبل ست سنوات. فهم الآن يجيدون تدبير حصار القلاع وبناء الطوابي الحامية من الهجمات المباغتة واستخدام المدفعية بمهارة ليست قليلة. وكان مع إبراهيم مدربون من جيش نابليون وأطباء أوربيون.
أما عساكر عبدالله فقد ظلت على غرار المتطوعة العشائرية والحضرية كما كانت سابقا. وكان الوهابيون متخلفين عن المصريين من حيث الإعداد الحربي. صحيح إنهم كانوا يقاتلون في ظروف مناخية تعودوا عليها ويدافعون هذه المرة عن ديارهم ونخيلهم وحقولهم، إلا أن وطنيتهم النجدية لم تكن قوية، وكانت المشاعر التي يكنونها لآل سعود آنذاك متعارضة.
ويبدو أن عبدالله كان يدرك تعقد الموقف بالنسبة له. كان ينوي دحر المصريين في معركة مكشوفة، وفي حالة الإخفاق كان يريد أن يرغمهم على محاصرة واحة محصنة بعد أخرى وينسحب إلى وسط نجد. وكانت صعوبات الحملة وسط الجزيرة البعيد عن قواعد التموين لا بد أن ترغم المصريين، كما يعتقد على التخلي عن نيتهم في احتلال نجد.
وفي خريف 1816 وصل إبراهيم إلى المدينة المنورة مع قوات كبيرة. وجاءته من مصر قوات جديدة وأغذية ومعدات. واجتذب إبراهيم القبائل في ضواحي المدينة للعمل معه وبدأ زحفه البطيء على نجد. وبعد أن احتل الحناكية أنشأ فيها معسكرا محصنا. ودعا إليها زعماء القبائل المجاورة وقدم لهم الهدايا واستعرض جيشه أمامهم. وفي تلك الأثناء وصل من الاستانة نبأ منحه لقب باشا. وكان ذلك بمثابة مغازلة لمشاعره لا أكثر، فهو لا يعني أي دعم له.
وفي تلك الأثناء كانت القبائل البدوية تبتعد عن عبدالله الواحدة تلو الأخرى. فإن زعيم مطير فيصل آل دويش، مثلاً، جاء إلى إبراهيم وعرض عليه خدماته مقابل تعيينه فيما بعد أميراً للدرعية. ووصل عبدالله إلى القصيم وهاجم المصريين ولكنه منى بهزيمة. وقتل كثيرون من الوهابيين واقتطعت آذانهم وأرسلت إلى القاهرة.
وفي صيف 1817 اقترب إبراهيم من الرس وبدأ حصاراً استمر عدة شهور. ودافع المحاصرون عن أنفسهم ببسالة. ويمكن الافتراض من ضراوة المعركة أن عبدالله الذي يفهم الأهمية الاستراتيجية للرس قد ترك هناك أفضل ما كان متوفراً لديه.
وخلال الحصار الطويل لمدينة الرس كان عبدالله على مقربة منها دون أن يتمكن من نجدتها بشكل فعال. ولم تتمكن من دخول المدينة عبر المعارك إلا قافلتان وهابيتان. وبلغت خسائر إبراهيم ثلاثة آلاف وخمسمائة شخص. وأغلبهم بسبب الأمراض. فالحصار في أوج الصيف، مما زاد في الصعوبات أمام جيش إبراهيم. ولكنه كان يتمتع بمزايا المدفعية ومختلف آلات الحصار والقيادة الماهرة. والأمر الأهم أنه استلم إمدادات. فإن عبدالله لم يتمكن من قطع طرق التموين. وكان للذهب المصري الذي وزعه إبراهيم بسخاء ولإلغاء الزكاة على البدو أثر كبير بهذا الخصوص.
وفي أكتوبر استسلمت الرس بشروط مشرفة. والتحقت حامية الوهابيين المتبعية حاملة أسلحتها بقوات عبدالله وحسبما يقوله ج. سالبر كان مصير الرس يختلف بعض الشيء. فالمدينة لم تستسلم، بل وعدت بالاستسلام للمصريين بعد أن يحتلوا عنيزة. كان يقود الدفاع عن عنيزة أشخاص من أقرباء أمام الدرعية. وكانت حامية الوهابيين مزودة بالمؤن والذخيرة بصورة جيدة. ولكن المدينة احتلت بعد عدة أيام من الحصار، واستسلمت حاميتها بشروط مشرفة. والتحق المحاربون الوهابيون حاملين السلاح بعبدالله.
ولم يحاول أمام الوهابيين إبداء المقاومة أكثر لجيش إبراهيم في سوح مكشوفة. فإن احتياطات مصر تحمي ظهر إبراهيم. وكان هجومه بطيئا، ولكنه لا مرد له. وبعد عنيزة استسلمت بريدة، وفي أواخر عام 1817 أعلنت القصيم كلها عن خضوعها لإبراهيم. وكتب إبراهيم باشا لأبيه أن كل سكان المنطقة يكرهون حجيلان أمير بريدة العجوز وكذلك عبدالله. في البداية انسحب عبدالله إلى شقراء حيث كان يجري على جناح السرعة بناء المنشآت الدفاعية، وبعد ذلك انسحب إلى الدرعية.
ظل إبراهيم في بريدة حوالي الشهرين لاستلام الإمدادات. ثم تحرك نحو شقراء. وذكر منجين أن عدد قوات إبراهيم قليل جداً – ألف جندي. ويبدو أن هذا الرقم أقل مما في الواقع. وبعد ذلك ذكر منجين الرقم 4500 جندي دون أن يوضح ما إذا كان البدو يضمنهم أم لا. ولكن الحقيقة هي أن إبراهيم تمكن من قهر نجد بقوات قليلة نسبياً. إلا أن حملته على شقراء شارك فيها بدو مطير وحرب وعتيبة وبني خالد. وكان أولئك من البدو الذين كانوا آخر من خضع للوهابيين وأول من قلب لهم ظهر المجن. وكتب ابن بشر بمرارة يقول أنه سار مع إبراهيم كثير من زعماء القبائل ووجهاء الواحات في نجد بأمل الغنيمة والاستقلال المرتقب، ولكن آمالهم خابت بعد سقوط الدرعية أشد خيبة. فعندما ترك إبراهيم المدن التي احتلها كان يدمر في البداية كل التحصينات ويأخذ رهائن معه.
وفي يناير وصل إبراهيم إلى ضواحي شقراء. وبعد القصف المدفعي بدأ اقتحام المدينة. وسقطت شقراء بعد عدة أيام. وأطلق سراح حاميتها بعد أن جرد أفرادها من السلاح ووعدوا بأنهم لن يشاركوا في الحرب. واستولى إبراهيم على الوشم كلها. ثم احتل سدير والمجمعة بلا قتال في الواقع، وأعلنت حريملا والمحمل عن خضوعهما.
وتحرك إبراهيم من شقراء إلى ضرمى التي كان يدافع عنها محاربون أشداء من الخرج. ورغم القصف المدفعي واستخدام تكنيك الحصار لم يتمكن إبراهيم باشا من إرغام الحامية على الاستسلام. إلا أن القوى لم تكن متعادلة. واقتحم جنود إبراهيم المدينة ونكلوا بأهلها جزءا لهم على المقاومة. وقطعوا آذان القتلى، كما هي العادة، وأرسلوا إلى القاهرة آذان القتلى ونهبوا المدينةآخرها. وجرى ذلك فبراير – مارس 1818. وبذلك فتح الطريق نحو الدرعية.
سقوط الدرعية
في أبريل جرى المشهد الأخير من فاجعة الدولة السعودية الأولى. فقد بدأت معركة الدرعية. ومع أن واحات ومدن نجد سقطت الواحدة تلو الأخرى في يد الغازي المصري، إلا أنه كان في كل منها وهابيون راسخو العقيدة رفضوا حتى فكرة التعايش سلمياً مع (المشركين) وظلوا مخلصين حتى النهاية لآل سعود. وتقاطروا على الدرعية للمشاركة في المعركة الأخيرة. وواجهت القوات المصرية فصائل من العاصمة والواحات الأخرى في وسط الجزيرة. وقادها ثلاثة من أشقاء عبدالله، وهم فيصل وإبراهيم وفهد. وكانت في الدرعية قوات من منفوحة بقيادة العقيد الشجاع عبدالله بن مزروع وكذلك فصائل من حريق وسدير. وكان كهول من سكان العاصمة يدافعون عن مراكز الأسناد الصغيرة. وكانت هناك مفارز تحت قيادة أبناء آل سعود وأفراد عائلة آل معمر وغيرهم من القادة البارزين. وكان تحت أمرة إبراهيم باشا حوالي ألفين من الخيالة و4300 من الجند الألبان والأتراك و1300 من الخيالة المغاربة و150 من المدفعيين ومعهم خمسة عشر مدفعاً وكذلك 20 من المختصين بالبنادق و11 من المختصين بالقذائف.
كانت واحة الدرعية تمتد لعدة كيلومترات بشكل خط على طول وادي حنيفة. وتتكون المدينة نفسها والواحة من عدة نزل متلاصقة. وتطل على المنطقة قلعة الطريف ومسجدها ومختلف المباني التابعة لها. وهي محمية بصخرة جبلية عالية من جهة وبقناة من الجهة الأخرى.
بدأ إبراهيم هجومه ببطء على طول الوادي. وبعد المناوشات الأولى مع العدو ترك المترددون عبدالله وانتقلوا إلى إبراهيم وزودوه بمعلومات عن الوضع في المدينة. وكان تفوق المصريين في المدفعية قد مكنهم من تدمير تحصينات الوهابيين، وكان المهاجمون يحمون أنفسهم من الهجمات المباغتة ببناء الطوابي على النمط الأوروبي هنا كما فعلوا في السابق. ومرت لحظة خيل فيها للوهابيين أنهم سينتزعون النصر. فقد انفجر مستودع البارود الرئيسي عند إبراهيم وتوجه الوهابيون في هجوم سريع ولكنه أخفق.
كان توارد الأغذية والذخيرة والإمدادات على إبراهيم طوال الوقت قد أمن النجاح لزحفه البطيء. وكان المرضى والجرحى من قوات إبراهيم ينقلون إلى مستشفى أنشئ في شقراء. وكانوا يتماثلون إلى الشفاء هناك أحيانا ويعودون إلى صف المقاتلين. وأرغم إبراهيم الأمراء الذين التحقوا به على أن يرسلوا إلى الدرعية محاربين يقاتلون تحت ألويته. وكان جنود جدد يحتلون مواقع الجنود القتلى من أفراد قوات إبراهيم في حين كان صفوف المدافعين عن الدرعية تتضاءل. وكان من أسباب ذلك تقصي الأغذية في الواحة. وغدت حالة الوهابيين ميئوسا منها. وتكررت حالات الفرار. وفي مطلع سبتمبر بدأ الهجوم العام على المدينة. واحتمى عبدالله وقسم من أقربائه في قلعة الطريف. وفي 9 سبتمبر أقدم عبدالله على المفاوضات بعد أن أدرك أن كل شيء قد ضاع. وتوجه إلى معسكر المصريين عمه عبدالله بن عبدالعزيز وعلي ابن الشيخ محمد بن عبدالوهاب وكذلك محمد بن مشاري بن معمر. وطالبهم إبراهيم باشا بالاستسلام. واتفق مبعوثو عبدالله معه على الاستسلام بشروط مشرفة لسكان واحة الدرعية الذي كانوا لايزالون يقاومون. وقاتل عبدالله ومحاربوه المرابطون فيالقلعة قتالا باسلا يومين آخرين. وأوصل إبراهيم إلى منطقة القلعة كل مدفعيته. وفي 11 أيلول استسلم عبدالله.
وانتهت ستة أشهر من المعارك الطاحنة. وفقد السعوديون أثناء تلك المعارك زهاء عشرين من أقرباء الإمام بمن فيهم ثلاثة من إخوانه. وقدر ابن بشر الخسائر العامة للوهابيين برقم صغير يثير التساؤلات، وهو 1300 شخص، بينما يقول أن خسائر إبراهيم في معركة الدرعية حوالي 10 آلاف. وأفاد إبراهيم في رسائله إلى القاهرة والاستانة بأن الوهابيين خسروا 14 ألفا من القتلى و6 آلاف من الأسرى، ومن بين الغنائم 60 مدفعاً.
وبمناسبة احتلال الدرعية جرت في القاهرة في أكتوبر 1818 احتفالات بهيجة أطلقت فيها نيران المدافع وأجريت الألعاب النارية وكان الناس يسرحون ويمرحون. وعلى أثر ذلك أعرب السلطان عن ارتياحه العميق عندما بلغه نبأ هزيمة (أعداء الإسلام) وأعرب شاه إيران في رسالة إلى محمد علي باشا عن تنميته لدحر الوهابيين.
نقل عبدالله عن طريق القاهرة إلى الاستانة بصحبة إثنين من المقربين إليه في مطلع ديسمبر. وأفادت السفارة الروسية من الاستانة:
السياسة المصرية في الجزيرة العربية بعد دحر الوهابيين
بعد سقوط الدرعية لم يعد للدولة السعودية الأولى وجود. وأصبح المصريون أسياداً بالتمام والكمال في أواسط الجزيرة، وأخذوا يزيلون بالحديد والنار نفوذ آل سعود والوهابيين. عذبوا الأمراء والعقداء والفقهاء وأطلقوا النار عليهم فرادى وجماعات وربطوهم إلى فوهات المدافع ومزقوهم بالقذائف تمزيقاً. وأرغموا سليمان بن عبدالله، حفيد محمد بن عبدالوهاب، على الاستماع إلى أنغام الربابة قبيل الإعدام ساخرين من مشاعره الدينية. وفي مدن وواحات جبل شمر والقصيم والدلم قتلوا أفراد عوائل الوجهاء والأعيان والعقداء واستولوا على أموالهم.
وأرسلوا أفراد عوائل آل سعود وآل الشيخ ووجهاء نجد (حوالي 400 شخص مع النساء والأطفال) للإقامة في مصر. وتمكن بعضهم من الهرب فيما بعد، بينما ارتقى بعض قليل إلى مناصب عالية في مصر. وغدا أحد أحفاد محمد بن عبدالوهاب وهو عبدالرحمن بن عبدالله، محاضراً للفقه الحنبلي في الأزهر. وكتب الكابتن ج. سادلر:
وبعث محمد علي إلى إبراهيم أمراً بإزالة عاصمة الدولة الوهابية من الوجود. وقبيل تذمير المدينة ابتز المصريون النقود من أهلها ونهبوهم دون رحمة. ولم يستلم فيصل بن وطبان آل دويش منصب أمير الدرعية، بل طالبه المصريون بأن يسدد لهم الزكاة للسنوات الخمس التي كان مدينا بها للسعوديين. فرفض زعيم مطير تلبية هذا الطلب وارتحل إلى الفرات الأوسط.
وانتهز عدد من الأفراد عائلة آل عريعر فرصة سقوط الدولة السعودية فاستولوا على السلطة في الإحساء. إلا أن إبراهيم باشا طردهم من شرقي الجزيرة وصادر كل أموال آل سعود ونهب الواحات. وكانت بريطانيا التي تكره إمارة الدرعية تراقب بتذمر تعزز المصريين في الجزيرة العربية. وقامت عمارة بريطانية بإنزال في القطيف. وكتب فيلبي يقول:
كان الإنجليز يريدون أن يعرفوا نوايا المصريين في الخليج. فأرسلوا ج. سادلر لمقابلة إبراهيم باشا. وكان ج. سادلر أول أوروبي اجتاز الجزيرة من شرقها إلى غربها وشاهد أنقاض الدرعية. إلا أن إبراهيم باشا غادر نجد في أواسط عام 1819 وتوجه إلى المدينة المنورة. ولم يكن للعمليات المشتركة التي اقترحها عليه سادلر ضد الوهابيين أي معنى. زد على ذلك أن مصر عموماً كانت ذات جهة مناوئة للإنجليز. ورفض إبراهيم اقتراح الإنجليز بشأن التعاون وطرد سادلر من جدة خريف 1819. وسرعان ما غادر فصيل الاحتلال البريطاني القطيف بعد أن فقد كثيراً من جنوده بسبب الأمراض.
في أواخر عام 1819 دمر الإنجليز رأس الخيمة من جديد. ووضعت الإدارة الإنجلوهندية ما يسمى بمعاهدة الصلح العامة التي فرضت فيما بعد على جميع حكام الساحل والبحرين. وكانتت لك في الواقع معاهدة الحماية التي أضيفت إليها بمر السنين مواد جديدة متزايدة.
وسرعان ما أدرك إبراهيم باشا أن عائدات البلد لا تسد نفقات احتلاله. فالقوات المصرية بعيدة عن القاهرة بآلاف الكيلومترات وبعيدة عن قاعدتها الرئيسية التعبوية في الحجاز بمئات الكيلومترات. وأخذ السكان، من بدو وحضر، يضمرون للغزاة عداءات متزايداً. ولم يكن عدد الجمال كافياً. ولا يندر أن يستولي البدو على قوافل الأغذية. ويمكن تصور المجاعة التي اجتاحت نجد إذا علمنا نه في وقت ما حتى جنود إبراهيم كانوا يقتاتون على الأعشاب. وقامت تمردات في جيش الاحتلال.
وأخيرا قرر إبراهيم أن يجلي قسماً كبيراً من قواته من نجد ومن شرق الجزيرة، فهو يعرف أن أباه يسعى بالدرجة الأولى إلى السيطرة على حوض البحر الأحمر وليس على أواسط الجزيرة العربية. وحشد المصريون قواتهم في منطقة الرس.
وقبيل الانسحاب دمروا كل القلاع والتحصينات الدفاعية واقتادوا الماشية وقطعوا النخيل وخرجوا الحقول. وكتب ج. سادلر:
وبعثت الخلافات القبلية والمحلية بتغاض سافر أو مستتر من جانب الأسياد الجدد، وبدأت النزاعات وأخذ البعض يغزو البعض الآخر. وتعرضت طرق القوافل للخطر. وحتى في المدن لم يكن السكان يتجرأون على الخروج إلى الشارع بدون سلاح. ونشأ انطباع وكان سياسة المصريين تتلخص في إغراق وسط الجزيرة في حالة الفوضى والركود والخراب وإلغاء احتمال انبعاثه. وكانت الحاميات المصرية الصغيرة لاتلعب دور العامل الإيجابي للمركزية وإحلال النظام، بل غدت مجرد أداة للنهب والدمار.
كانت الدولة السعودية تحت الأنقاض وقد قهرت عساكرها ودمرت إدارتها. وبدا وكأن قوى التشتت والتجزئة التي انطلقت من عقالها بعد دحر الوهابيين قد مزقت التوحيد السابق شذر مذر. ولكنه بقيت داخل مجتمع أواسط الجزيرة القوى التي تمكنت قبل نصف قرن ونيف من رص صفوفه وتأسيس إمارة الدرعية.
بعد تصفية الدولة السعودية كان مزارعو نجد وتجارها وصناعها يتحسرون على العهود القديمة، عهود الاستقرار والسلامة الشخصية وسلامة الملكية والمداخيل. وكانت حروب السعوديين الموفقة التي عادت بغنائم وفيرة قد رسمت حولهم هالة في أنظار وجهاء نجد. وراح الفقهاء الوهابيون الذين سلموا بجلودهم يدعمون الذكريات ويتغنون بأمجاد السعوديين الغابرة.
وإلى جانب النزاعات القبلية الإقطاعية كان هناك تيار لرص الصفوف وسعى إلى توحيد نجد بغية طرد المحتلين الأجابن واستئناف الظروف الملائمة للحياة الطبيعية والنشاط الاقتصادي. وبين تطور الأحداث لاحقا أن وجود الدويلات – الواحات الصغيرةوالمتناهية في الصغر قد عفا عليه الزمن. فبعد بضع سنوات من سقوط إمارة الدرعية أسفرت الحركة الواسعة للأمة ضد الاحتلال الأجنبي عن بعث الدولة السعودية التي اختيرت الرياض هذه المرة عاصمة لها.
النزاعات القبلية الإقطاعية في ظل الاحتلال المصري
حل خليل باشا ابن اخت محمد علي محل إبراهيم باشا كحاكم للجزيرة العربية. إلا أن خليل باشا سرعان ماتوفي وعين بدلاً عنه أخوه أحمد شكري يكن بك الذي ظل في الجزيرة باسم أحمد باشا حتى عام 1829 حيث استدعاه محمد علي إلى القاهرة وعينه رئيساً لحربيته.
وفي خريف 1819 عين محمد بن مشاري بن معمر حاكماً لنجد. وهو من العائلة التي حكمت العيينة في فجر الحركة الوهابية. حاول ابن معمر ترميم أنقاض الدرعية، الأمر الذي واجهه السكان بالاستحسان. وأخذ أهالي مناطق الأطراف يبعثون الوفود إليه ليعبروا عن تأييدهم. وأمنت الأمطار الوفيرة محصولاً لا بأس به وساعدت ابن معمر على التخفيف من المجاعة. إلا أن الأغذية لم تكن كافية مع ذلك. وظهر منافسون لابن معمر. فقد بعث ماجد بن عريعر، وهو من شيوخ بن خالد، سلطته في شرقي الجزيرة. وحكم آل عريعر تلك الأنحاء حتى عام 1830.
وظهر على مسرح الأحداث في نجد تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود، وهو ممثل فرع جانبي من آل سعود، وقد فر من المصريين بعد سقوط الدرعية. وكان بعض الوقت يعمل إلى جانب ابن معمر. وكان أحد إخوان آخر إمام سعودي وهو مشاري بن سعود بن عبد العزيز، قد فر من الحرس المصري في الطريق من المدينة المنورة إلى ينبع، ثم ظهر في سدير حيث أعلن نفسه إماماً، وفي مارس 1820 استوى على الوشم. وحظي ببعض التأييد في القصيم وفي مناطق أخرى. بيد أن ابن معمر تمكن من الاعتماد على قبيلة مطير ودحر قوات مشاري وتأسيره.
ظلت سلطة بن معمر مضعضعة. وأخذ المتذمرون يلتفون حول تركي بن عبدالله. واقتربت الصدامات الحاسمة بين المتنافسين. وأخيراً استولى تركي على الدرعية بسرعة كبيرة حتى تمكن من تناول الطعام في وليمة الغداء التي كان الأمير السابق قد أعدها لضيوفه. ثم تحرك نحو الرياض حيث قبض على ابن محمد بن معمر. وفي السر قتل بن معمر مع إبنه. كان حكم بن معمر قد استمر عاماً واحداً تقريباً. وكان من أسباب سقوطه تلوث سمعته كعميل للمصريين وبقاء منزلة آل سعود رفيعة كالسابق.
وعندما بلغت أنباء الاضطرابات في نجد محمد علي قرر تعزيز الحاميات في أواسط الجزيرة. وفي خريف 1820 وصل إلى القصيم حسين بك مع إمدادات وقرر التخلص من الأمير السعودي. وتحصن أنصار تركي في قلعة الرياض، ولكنهم بعد حصار قصير من المصريين وافقوا على الاستسلام للأسر بشرط الحفاظ على حياتهم، إلا أنهم فيما بعد قتلوا كلهم تقريباً. وتمكن تركي من الهرب.
وفي مارس 1821 أمر حسين بك جميع أهالي الدرعية الذين عادوا إليها بأن يجتمعوا واعدا إياهم بتوزيع الأراضي عليهم. وعندما جاء 230 من أهالي الدرعية قتلهم الجنود المصريون. وكان القتل والسجن بلا محاكمة وتقطيع الأعضاء والتعذيب أمورا معتادة في نجد. وكانت الحاميات في المدن تنهب الهالي. ويقتطع الجنود النخيل ويخربون الحقول. وفي الكثير من السكان إلى البوادي أو غادروا نجد. وكتب ابن بشر يقول (وترأس عليهم الشيطان). وفي عام 1821 تفشي وباء الكوليرا فزاد الطين بلة.
وقبيل العودة إلى مصر جمع حسين بك رهائن من مدن عديدة وحبسهم في الحصن الذي انشئ في ثرمداء. وظلوا هناك إلى أن وصل إلى نجد في ربيع 1822 قائد مصري جديد هو حسن بك الذي انشغل بجمع الأتاوات والنهب. وأصبح الأمر لايطاق، حتى أن انتفاضات كثيرة ومقاومة مسلة قامت ضد المحتلين رغم الأرهاب. ولم تكن لدى المصريين قوات كافية، فاكتفوا بإبقاء حاميات في عدة مدن هامة – الرس وشقراء وبريدة وعنيزة وثرمداء والرياض.
فقد أخفقت المحاولات الأولى لبعث السلطة المحلية من قبل ابن معمر في البداية ثم من قبل اثنين من أفراد العائلة السعودية. إلا أن الوهابية احتفظت بجذور عميقة بين أهالين نجد، في حين كانوا يتصورون أن العائلة السعودية هي منفذة المشيئة الإلهية على الأرض.
بعث سلطة السعوديين في عهد تركي
بعد أن وفق تركي في الهرب من المصريين عام 1820 ظل متخفياً طوال عدة سنوات، في المناطق الجنوبية على مايبدو، ولكنه ظهر من جديد على مسرح الأحداث في نجد في مايو أو يونيو 1823، حيث يشير ابن بشر إلى عمليات فصيله الصغير في الحلوة. ووجد تركي حلفاء وأنصاراً له من بينهم سويد حاكم مدينة جلاجل في سدير. ووصلت مع سويد فصائل من بعض المناطق الأخرى. فتشجع تركي وقام بغزوة على مدينتي منفوحة والرياض المتواجدتين قرب بعضها البعض وفيهما حاميات مصرية من 600 شخص. ولم تكن جميع المناطق بعد تؤد الأمير تركي. وعلى أية حال فإن ابن بشر ذكر أن ثرمداء وحريملا والخرج تعاديه وأن قسما كبيرا من واحات الوشم وسدير فضل الانتظار.
وفي تلك الأثناء بدأت في القصيم انتفاضة شاملة ضد المصريين سببها الأتاوات والابتزاز من جانب حسن بك. واضطر المصريون على الجلاء إلى الحجاز وتركوا حاميتين في الرياض ومنفوحة فقط. وانتهز تركي فرصة ضعف المواقع المصرية في نجد في عامي 1823-1824 فوسع نفوذج في المنطقة المحيطة بالرياض ومنفوحة وعزل الحاميتين المصريتين وأخضع سدير والمجمعة والوشم. وفي أواخر يوليو 1824 شدد تركي الضغط على الرياض وثرمداء والخرج. وأجليت الحامية المصرية من منفوحة. وبعد عدة شهور من الحصار سقطت الرياض على يد تركي وتم جلاء المصريين من الحجاز وأعلنت بعض مناطق القصيمن عن اعترافها بحكم تركي. وتم تطهير أواسط نجد كلها من المحتلين.
استمر حكم تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود من عام 1813، عندما بدأ يحتل نجد، حتى مقتله في عام 1834. ويرى الكثيرون من المؤرخين أن تركي هو مؤسس الدولة السعودية الثانية لأنه كان يحكم بصورة مستقلة رغم اعترافه بسلطة الدولة العثمانية شكلياً والمصريين فعلياً. ولكنه لايمكن الكلام عن الاستقلال الحقيقي للإمارة الجديدة إلا بعد جلاء المصريين نهائياً من الجزيرة العربية عام 1840. كان الأئمة السابقون يتحدرون من عبدالعزيز بن محمد بن سعود، في حين أن تركي وجميع الحكام اللاحقين، بمن فيهم الملك الحالي فهد وهو من سلالة تركي كانوا تحدرون من عبد الله بن محمد بن سعود. وفي أواخر عام 1824 استقر تركي في الرياض التي ظلت عاصمة لنجد ثم للعربية السعودية بأسرها حتى اليوم. وبدأ إنشاء المسجد والقصر والتحصينات وفي أبريل-مايو 1825 توجه أمير الرياض إلى منطقة الخرج وأخضعها بعد عدة معارك.
وسيطر تركي على العارض والخرج والحوطة والمحمل وسدير والأفلاج والوشم. وفي منطقة القصيم خضعت له بعض الواحات فقط. وظلت منطقة جبل شمر في الواقع ليست في متناول يد الأمير. وربما كان تركي يدفع الحد الأدنى من الضريبة للسلطات العثمانية، أو على الأصح للمصريين مباشرة في الحجاز أو في القاهرة، مع أن ابن بشر لا يشير إلى ذلك.
وكان بعض الفارين قد عادوا إلى نجد التي سادتها فترة من الاستقرار المؤقت. وكان من أبرز العائدين مشاري بن عبدالرحمن بن مشاري بن سعود الذي فر من مصر. وفي عام 1825 عين حاكما للمنفوحة. وفيما بعد قتل مشاري هذا الأمير التركي غدراً. ووصل من المنفى أحد أحفاد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وهو عبد الرحمن بن حسن الفقيه الكبير ومعلم جيل كامل من أفراد آل الشيخ الأصغر منه سنا. وقد بعثت إلى أنحاء نجد على الفور رسائل طالب فيها الجميع، وخصوصا الفقهاء والأمراء، بالعودة إلى (الإسلام الحقيقي) ورفض ممارسات المشركين من أدعياء الإسلام والخضوع لإمام المسلمين. واتخذ الشيخ عبدالرحمن سيرة جده الشهير مثالا وقدوة لخدمة الدين الحقيقية. ويقول الرحالة السودي فالين أن عبدالرحمن كان قاضيا في الرياض عام 1845، أما بلغريف الذي زار الرياض عام 1862 فيتحدث عنه بوصفه (الزعيم الروحي للبلاط). وتعززت سلطة السعوديين الدنيوية من جديد بفضل تأثير الوهابية مع أنها لم تعد تتميز بالتعصب الذي كانت عليه في السابق.
بديهي أن تركي قد حاول تسديد الضربة إلى البدو، بعد أن احتل عدة مناطق ذات سكان حضر بكثافة كبيرة نسبيا. وفي الفترة 1826-1828 قام بغزوات على قبائل بني خالد وبني رشيد والدواسر وغيرها. وسرعان ما أرسل العديد من شيوخ قبائل سبيع والسهول والعجمان وقحطان وكذلك مطير (الأمر الذي أفرح الأمير تركي بخاصة) وفوداً أعربت عن خضوع تلك القبائل له. وبالمناسبة فإن ذلك لم يمنعها من الحنث بالوعد والقيام بغزوات جديدة.
وكان من الأحداث الهامة في 1827-1828 فرار فيصل، ابن تركي، من الأسر المصري. فقد كان مقدرا له أن يحكم إمارة الرياض مرتين. إن عدم وجود منافسين كبار وعدم تدخل المصريين أو الأتراك مؤقتا في شئون نجد قد مكن الرياض من إخضاع القصيم وإن بصورة غير كاملة. ثم جاء دور جبل شمر. وفي عام 1827 قتل يحيى، شريف مكة، فعين محمد علي بدلا منه محمد بن عبدالمعين بن عون الذي ظل في هذا المنصب حتى عام 1851. واتضح أن عسير كانت عسيرة على محمد علي. فقد دحر أهل هذه المنطقة مرارا في معارك مكشوفة ولكنه لم يتمكن من السيطرة عليها.
شرق وجنوب شرق الجزيرة في عهد تركي
لم تكن في شرقي نجد قوات تستطيع أن تهدد إمارة الرياض كالقوات المصرية في الحجاز. وبديهي أن تركي الذي عزز مواقعه في نجد قد بدأ غزوات على الشرق، على الإحساء، في تلك الأثناء كان محمد وماجد من آل عريعر قد حكما هذه المنطقة منذ عشر سنوات تقريبا. وربما كانا قد عينا رسميا من قبل محمد علي أو ربما كان يدفعان له الأتاوة.
وفي عام 1830 اجتاح نجد تجمع بدوي كبير من بني خالد وسبيع وعنزة ومطير وبني حسين. وبالإضافة إلى حضر نجد الموالين لتركي التزم جانبه قسم منا لبدو من قبائل أخرى. ونشبت معركة استمرت عدة أيام بين أهل نجد وخصومهم، وانتهت بمقتل ماجد آل عريعر وتدمير بدوه. وتقررت في هذه المعركة مسألة من سيسيطر على شرقي الجزيرة، هل هم آل سعود أم آل عريعر. وسيطر تركي على الإحساء.
وخلافاً للأمراء السابقين واللاحقين طبق تركي وفيصل في الإحساء سياسة متسامحة، الأمر الذي ساعدهما في التمركز هنا. وتجدر الإشارة إلى أن أمراء الرياض رغم استخدامهم راية الوهابية السابقة، قد ابتعدوا عن التقوقع الطائفي والتعصب اللذين كانا ملازمين لسابقيهم. ومن الصعب اعتبار أنصارهم من أفراد الطائفة الوهابية. ولذا فسوف نستخدم مصطلح (الوهابيين) بصورة محدودة. وفي أواخر عام 1830 فرض تركي سلطة السعوديين على حاكم البحرين عبد الله بن أحمد آل خليفة (1816-1843) الذي كان يسيطر كذلك على قسم كبير من قطر. وفي تلك الفترة توافقت مؤقتاً مصالح أمير الرياض وسلطان مسقط الموجهة ضد البحرين. وبعد ذلك اختلفا فيما بينهما. وبعد مرور أقل من ثلاث سنوات قطع حكام البحرين علاقات التبعية للرياض حتى الواهية منها. وفي عام 1834 انتقل عبدالله آل خليفة إلى الهجوم وحاصر المرفأين السعوديين القطيف والعقير.
وقبل فرض السيطرة السعودية على شرقي الجزيرة أخذ الأنصار القدامى للنجديين ينشطون في جنوب شرقي الجزيرة. ففي عام 1821 استولى سعد بن مطلق، وهو ابن حاكم البريمي السعودي السابق، على مجموعة واحات البريمي الهامة استراتيجيا وأخضع قسما من عُمان. وعندما ثبت تركي في عام 1824 منصبه كحاكم للرياض أجرى معه مباحثات سلطان بن صقر، حاكم الشارقة، وراشد بن حميد من عجمان وكان قسم كبير من سكان الشارقة وعجمان يتعاطفون مع الوهابيين كالسابق. وفي الوقت ذاته أجرى حكام إمارات الساحل مفاوضات مع الإنجليز مؤملين بمساعدة منهم ضد خطر الوهابيين. إلا أن الإنجليز آنذاك كانوا متمسكين بسياسة عدم التدخل في الشئون الداخلية للجزيرة العربية.
وفي عام 1828 مهد أنصار الوهابيين على ساحل الخليج العربي وخليج عمان التربة لتدخل جديد من قبل القوات الموالية للرياض. وعين تركي أميرا للبريمي هو عمر بن محمد بن عفيصان الذي بدأت غزواته للمناطق الدالخية من عمان ومنطقة الباطنة الساحلية. وفي عام 1832 اعتدت قوات النجديين الكبيرة على عمخان عبر البريمي. ووافق سلطان مسقط سعيد على دفع 5 آلاف ريال لأمير الرياض. ثم اتفقا على مساعدة بعضهما البعض في إخماد الانتفاضات في أراضيهما واقتسما ساحل الجزيرة الجنوبي الشرقي. ويقول الدبلوماسي والمؤرخ الإنجليزي ولسون: "إن ساحل الخليج العربي كله اعترف بسلطة الوهابيين منذ عام 1832 وصار يدفع لهم الجزية".
الوضع في إمارة الرياض في عهد تركي
في مطلع الثلاثينات كانت مكانة تركي في الرياض راسخة تماماً. فإن نجد المخربة التي أرهقها نير الإحتلال كانت خاضعة لسلطة تركي. إلا أن خلافاً نشب في عائلة السعوديين. ففي عام 1831 تمرد مشاري بن عبد الرحمن حاكم منفوحة مع بعض أفخاذ قبيلة قحطان على الأمير. وكلنه فر بسبب عدم حصوله على تأييد واسع. وفي عام 1832 عاد إلى نجد بعد أن عفا عنه الأمير.
كان محدودية موارد الدولة الجديدة وعدم إمكان الحصول على غنائم وفيرة في الغزوات قد دفعا الوجهاء والأعيان إلى تشديد استغلال الرعية، وكان أمير الرياض يجد صعوبة كبيرة في فرض مبادئ معاملة السكان (بالعدل). وأورد ابن بشر حادثة ذات دلالة. ففي عام 1832 عاد تركي من الهفوف إلى الرياض وعقد المجلس الكبير للأمراء وأخذ يلومهم بصرامة لأنهم يعاملون الناس بتعسف ويأخذون منهم ماليس لهم حق به بموجب القانون. وقال فيما قال:
وأوصى الأمير تركي الرعية بأن يعرضوا تدينهم في الإيمان بالتوحيد وأداء الصلاة ودفع الزكاة. وشجب أمير الرياض الربا وحذر من محاولات الإلتفاف على منع ممارسته وأوصى جميع الحكام بأن يوحدوا الموازين والمكاييل في أقاليمهم وطالب بأن لا يحنث أحد بأية صفقة أو اتفاقية حتى إذا كانت معقودة مع أهل الذمة من يهود أو مسيحيين أو زرادشتيين وألزم الأمراء بأن يمنعوا التدخين ويشجعوا التعليم الديني ويبنوا المساجد. ورغم القحط المتوالي فإن الأوضاع الاقتصادية في أواسط الجزيرة أبان حكم تركي قد استقرت بقدر ما بعد النهب والنزاعات والاقتتال. ولكن بعض الناس في سدير والقصيم ماتوا من المجاعة الناجمة عن الجفاف في 1826-1827 أيضا. وفي مطلع الثلاثينات، وبفضل المحصول المتوسط والاستقرار النسبي انخفضت الأسعار وتوقفت المجاعة. إلا أن وباء الكوليرا تفشى في نجد في عهد تركي. ظهر هذا الوباء في 1828-1829 ثم في 1830-1832. وفي نيسان (إبريل) آيار (مايو) 1831 انتشرت الكوليرا بين الحجاج فيمكة، فتوفي حواي 20 ألفا منهم. وهلك ثلث حجاج قافلة الشام، كما هلك نصف حجاج قافلة نجد. وفي العام التالي اجتاح الوباء نجد كهلا ووصف ابن بشر لوحة مرعبة حيث توفي عدد هائل من الناس ولم يبق من يتمكن من دفنهم. ولا أحد يحرس الأموال المتروكة. وكانت الماشية تنفق لأن أحدا لا يقدم لها العلف والماء. وتوفي كثير من الأطفال في المساجد لأن آباءهم عندما أصيبوا بالمرض تركوهم في المساجد على أمل أن يساعدهم أحد هناك. ولكن لم يبق أحد ليساعد أولئك الأطفال. فقد خلت الواحات من أهلها.
مقتل تركي والفترة الأولى من حكم فيصل
لم تكن القبائل البدوية في أواسط الجزيرة تهتم كثيراً بمنزلة أمير الرياض، فكانت تتصرف بصورة مستقلة. وفي عام 1833 بدأ حاكم البحرين عمليات حربية ضد أمير الرياض وفي بداية عام 1834 تعرضت مرافئ الإحساء إلى ضربات البحرانيين الذين اعتمدوا على أسطولهم وعلى قلعة الدمام على ساحل الجزيرة العربية. وحاصر فيصل بن تركي بلدة سيهات التي تمركز فيها أنصار البحرانيين. وفي تلك اللحظة وصل نبأ مقتل أبيه في الرياض على أيدي مرتزقة مشاري بن عبدالرحمن الذي استولى على السلطة في العاصمة. رفع فيصل الحصار فوراً وأسرع إلى نجد.
ويعتقد البعض أن مشاري فعل فعلته بتكليف من المصريين. ويعتقد البعض الآخر، ومنهم لوريمير أن لحاكم البحرين ضلعاً في قتل تركي. ولكن مطامح مشاري الشخصية هي التي لعبت، على ما يبدو، الدور الرئيسي. في التاسع من مايو 1834 خرج تركي من باب جانبي بعد صلاة الجمعة فأحاط به ثلاثة أشخاص، شهر أحدهم المسدس وأطلق النار على الإمام. وحاول عبدالإمام زويد أن يدافع عنه، فتمكن من إصابة أحد القتلة بجرح قبل أن يقبضوا عليه. وبعد ذلك فر إلى فيصل. وظهر مشاري في الحال شاهرا سيفه وطالب السكان بأن يبايعوه.
كان تركي حكيما. ولم يكن يستخدم القوة بلا رحمة إلا في حالة الضرورة. ومن الأدلة على عدم تمسكه بالثأر موقفه من مشاري، قاتله فيما بعد. وبالمناسبة فإن العفو عن الخصوم لم يكن ظاهرة استثنائية في الجزيرة العربية، بل كان دليلا على ضرورة المساومات مع الأقرباء والشخصيات القوية. وكان تركي يتسم بالسخاء، شأنه شأن الحكام السعوديين الذين سبقوه، وحاول أن يحد من جشع وجهائه وأعيانه. وتجدر الإشارة إلى أنه درس في وقت ما التطبيب عند العوام واشتهر بأنه حكيم. وكان بتصرفاته الذكية قد جعل في انسحاب المصريين من نجد، وكانت أواسط الجزيرة موحدة في عهده طوال أحد عشر عاما. وأسفر مقتل تركي عن نزاعات قبلية واضطرابات في نجد استمرت تسعة أعوام. وخلال هذه العملية اعتل عرش الرياض أربعة من آل سعود.
ولم يبق مشاري بن عبدالرحمن في السلطة غير شهر ونصف. فقد وصل فيصل وأنصاره العاصمة وباغتوا مشاري وقبضوا عليه. ففي ليلة 28 مايو 1834 أرسل فيصل إلى الرياض محاربين من أبناء المدينة مؤملا بأنهم سيواجهون بمقاومة أقل من أهلها. واصطدموا بجماعة من الحرس فعرفوهم ولكنهم تمكنوا من أن يتخذوا مواقع حول القلعة. وعندما سمع مشاري إطلاق النار نصب المتاريس في القلعة. وفي صباح اليوم التالي احتل فيصل المدينة وبدأ حصار القلعة. ثم اقتحم محاربوه القلعة. وتم القبض على مشاري وأعدم.
استلم فيصل زمام الحكم وهو في حوالي الأربعين من العمر في أوج نضوج قابلياته الجسمانية والروحية. وأسرع لتقبل البيعة من أهالي العاصمة واستدعى القضاة من مختلف المناطق إلى الرياض حيث حلوا ضيوفا عليه طوال شهر تقريبا ثم عادوا إلى ديارهم بعد أن أغدق عليهم فيصل الهدايا. وبعد ذلك وجه الإمام إلى الواحات والبوادي رسالة دعا فيها الجميع للولاء له. وأخذ أمراء الواحات وشيوخ البدو يتقاطرون على الرياض ليعربوا عن ولائهم للحاكم الجديد. وبعد ذلك فقط أرسل فيصل عملاءه إلى البرادي لجمع الزكاة. إلا أن مقتل تركي قد زعزع السلطة في إمارة الرياض. فقد رفض أهالي وادي الدواسر والأفلاج وقبيلة قحطان دفع الزكاة واضطر فيصل أن يرسل إليهم فصائل لإخماد القلاقل.
وسرعان ما اضطرب شرقي الجزيرة، حيث نشبت معارك بين عساكر أمير الرياض التي قادها المملوك زويد وبين البحرانيين الذين حاضروا القطيف والعقير من جديد، ولكنهم واجهوا خطرا آخر يتمثل في مطابع إيراه. ووافق حاكم البحرين على دفع جزية رمزية مقدارها ألفا ريال، والتزم فيصل بحماية البحرين من العدوان الخارجي. ورفع الحصار عن القطيف والعقير.
كان نفوذ أمير الرياض في عمان كبيراً في أواسط الثلاثينات. وفي شتاء 1835-1836 تأكد كولونيل الأسطول الإنكلو-هندي ج. ويلستاد ورفيقه وايتلوك، وهما يتجولان في هذا البلد تحت حماية سلطان مسقط سعيد، من أن الوهابيين في عمان كانوا أحياناً أقوى من السلطان. إلا أن عداء الإباضية ومعارضة الإنجليز جعلا مواقع النجديين هنا غير مأمونة إطلاقاً. إلا أن فيصل كان قلقا أشد القلق للأنباء الواردة من الحجاز، حيث تأكد له أن المصريين يستعدون لهجوم جديد على نجد.
فبعد الهزائم الجديدة في عسير في 1833-1834 حاول محمد على مرة أخرى في عام 1835 أن يستولي على هذا الإقليم الذي كان يعتبره مفتاح الجزيرة، إلا أن قواته منيت بالهزيمة من جديد. وقبل أن ننتقل إلى الأحداث المرتبطة بالهجوم المصري الأخير على نجد من المناسب أن نتحدث عن إمارة جديدة لايعرف عنها الكثير بعد، وقد شاركت في قصة الجزيرة العربية الفاجعة. ونعني إمارة جبل شمر التي قدر لها أن تلعب دوراً هاماً في أواسط الجزيرة.
بعد سقوط إمارة الدرعية بدأت النزاعات في جبل شمر. فقد هب ضد الأمير محمد آل علي الحاكم هنا فخذ من قبيلته هو آل رشيد، ولكنه منى بالهزيمة. فقد طرد زعيم هذه الإمارة أسرة علي آل رشيد وإبناه عبدالله وعبيد من حائل عاصمة الإمارة. وبعد عدة سنوات دخل عبدالله في خدمة تركي أمير الرياض وتصادق مع إبنه فيصل. وكان من بين العقداء الذين بايعوا فيصل بعد مقتل أبيه مباشرة. وكان فيصل ينتظر الفرصة ليشكر صديقه المخلص، فاستفاد من منصبه. وبعد إزاحة المنافسين أمسك الإخوان عبدالله وعبيد بزمام السلطة في جبل شمر وسرعان ما أخذا ينشئان قلعة في العاصمة في محلة البرزان التي غدت فيما بعد رمزا لأمجاد وجبروت آل رشيد. وأعرب الإخوان عبدالله وعبيد آل رشيد عن ولائها للأمير فيصل الذي أكد تعيينها لحكم جبل شمر وأرسل إلى حائل فقيها وهابيا، ولكن الأخوين آل رشيد أخذا في الوقت ذاته يهينان الجمال ويرسلانها إلى المصريين في المدينة المنورة.
هزيمة فيصل
كان المصريون قد طلبون من أمير الرياض فيصل أن يشارك في حملاتهم على أهالي عسير الذين هم حلفاء له سراً، أو أن يقدم الجمال للقوات المصرية. تملص فيصل بلياقة دون أن يلبي هذا الطلب ولكنه أرسل أخاه إلى مكة يحمل الهدايا لأحمد باشا. في عام 1835-1836 لم تسقط الأمطار الموسمية في أواسط الجزيرة فبدأ القحط والمجاعة، ونزح قسم كبير من سكان نجد إلى منطقة البصرة والزبير. وأشار ابن بشر إلى ظهور مذنب في كوكبة الدب الكبير واعتبر ذلك نذيراً بالقحط، وفسر القحط بدوره على أنه عقاب على الخطايا التي اقترفت بمقتل الإمام تركي. ولكن إذا صدقنا التكهنات فإن المذنب والقحط كانا ينذران بمصائب أكبر بكثير. فقد عزم محمد علي على فرض سلطته على نجد ونصب هناك صنيعته خالد وهو ابن الإمام سعود الشهير. وكان هذا الأمير الشاب الذي قضى سنوات عديدة في بلاط محمد علي هو الأخ الأكبر من إخوان عبدالله الذين ظلوا على قيد الحياة بعد إعدامه في الاستانة.
وفي يوليو 1836 زحفت من القاهرة قوات بقيادة إسماعيل بك، وهو مدير سابق لشرطة القاهرة. وتتكون هذه القوات من أتراك وألبان ومغاربة وبدو مصريين، وهي معززة بالمدفعية. وبعد أن نزل اسماعيل في ينبع واصل زحفه إلى المدينة ومن هناك إلى الحناكية. أما فيصل الذي يعرف أن التدخل سيجري عبر القصيم فقد شغل هذه المنطقة ونصب معسكراً في الرس التي هي بوابة القصيم من جهة الحجاز. إلا أن جنود فيصل كانت تعوزهم إرادة القتال وكانوا منسحقين بائسين، إذ لايزالون يتذكرون جيدا مصير إخوانهم الأكبر وآبائهم. وعندما بدأ فيصل في إبريل 1837 سحب الآليات الثقيلة إلى عنيزة أصاب الذعر عساكره فأخذوا يتفرقون.
وعاد فيصل مع جماعة من أتباعه المخلصين إلى الرياض واتضح له أن روح الهزيمة استوت على أهالي العاصمة الذين لايريدون بأية حالة دعمه والتضحية بالنفس والأموال من أجله. وعندما أدرك فيصل أن الوضع في العاصمة غير مأمون توجه نحو الجنوب، إلى الخرج، ثم ذهب إلى الهفوف حيث وضع حاكمها الموالي له، عمر بن عفيصان، قواته تحت تصرفه. وظل فيصل في الهفوف حتى يوليو 1837.
اعترفت القصيم بسلطة خالد بن سعود بدون مقاومة تقريباً. وبعد ذلك أرسل المصريون فصيلا نظاميا ومتطوعة من القصيم للاستيلاء على جبل شمر. وأقنعهم عيسى آل علي، وهو أحد المرتدين من أفراد الأسرة التي أسقطت في حائل، بأن يعينوه أميرا. ويبدو أن المصريين لم يكونوا يثقون بالأخوين من آل رشيد. وتم احتلال المدينة سلميا تقريبا. وفر عبدالله وأخوه عبيد. وعاد قسم كبير من المصريين إلى القصيم بعد أن اكتفوا بغرامات حربية نقدية. إلا أن عيسى لم يتمكن من البقاء في حائل إلا بضعة شهور. فإن ابتزاز وقساوة حماته المصريين جعلاً الأهالي يهبون في وجه المحتلين وصنائعهم، ويحرضهم في ذلك الإخوان عبدالله وعبيد اللذان اختبأ في البادية. وأصبح الوضع عسيرا لا يطاق بالنسبة للمصريين، فأجلوا عن جبل شمر. وارتحل معهم عيسى بن علي. وعاد عبدالله بن رشيد حاكما لجبل شمر. وفي مايو 1837 دخل اسماعيل بك وخالد الرياض. وانتهت رسمياً الفترة الأولى من حكم فيصل (1834-1837).
وتعزى سرعة هزيمة أمير الرياض وسهولة احتلال المصريين لنجد إلى فظاعة شبح إبراهيم باشا وذكر احتلاله للبلد والمصائب التي ألحقت به. فالنجديون يتذكرون تفوق المصريين في العساكر، التي لحقت به. فالنجديون يتذكرون تفوق المصريين في العساكر، وخصوصا في المدفعية. وكانت أواسط الجزيرة كلها قد أضعفها القحط والمجاعة والأوبئة. وكانت أواسط الجزيرة كلها قد أضعفها القحط والمجاعة والأوبئة. ومما لا شك فيه أن ظهور خالد بن سعود قد ولد انقساما بين الموالين لآل سعود. وعلى أية حال فإن أهالي نجد لم يبدأوا بالتمرد على المحتلين إلا بعد أن أدركوا بأن الخضوع لن يحميهم من التعسف والنهب. وبعد الاستيلاء على الرياض أرسل خالد رسالة إلى أمير الحريق تركي الهزائي يطالبه فيها بالخضوع، ولكنه استلم رداً يكشف عن طبيعة الأمزجة في الواحات الجنوبية:
إن كان الأمر لك ولا يأتينا في ناحيتنا عسكر من الترك فنحن رعية لكم وإن كان الأمر للترك فنحن لهم محاربون. |
وفي يوليو 1837 توجه اسماعيل بك وحلفاؤه بقوات قدرها 7 آلاف شخص تقريباً إلى الجنوب ولكنه لحقت بهم هزيمة ماحقة في معركة الحلوة. وكانت الهزيمة شديدة لدرجة جعلت البدو، حلفاء المصريين، ينتزعون منهم الخيول ليهربوا عليها من ساحة المعركة بأسرع ما يمكن. وترك المصريون مدفعيتهم كلها. وفي خالد واسماعيل بك وبعض الضباط المصريين مع فيصل صغير. وهكذا، ففي تموز 1837 تم دحر قسم كبير من قوات الاحتلال المصرية في نجد. وحاول فيصل استعادة العاصمة. فحاصرها، ولكنه لم يتمكن من احتلالها بعد شهرين من الحصار.
وكانت قوات المتخاصمين متعادلة مؤقتاً، مع أن إمدادات مصرية وصلت إلى القصيم في بداية عام 1838 وقد بعثها خورشيد باشا من المدينة. وتم بين فيصل والمصريين اتفاق نص على تقسيم نجد في الواقع إلى قسمين. ظل فيصل مسيطراً على شرقي الجزيرة والبريمي وجزء من جنوب نجد. وكانت أواسط نجد خاضعة رسميا لخالد.
ولكن خورشيد باشا وصل شخصياً إلى نجد في يونيو 1838. وكانت من المهمات الرئيسية لحملته كالسابق جمع الجمال لإرسالها إلى الحجاز. وفي عنيزة جاء عبدالله إلى خورشيد باشا من حائل وأقنعه بالاعتراف به أميراً لمنطقة جبل شمر الخاضعة للمصريين. وجاء شيوخ القبائل البدوية الكبرى ليعبروا عن خضوعهم لخورشيد باشا. وطوال عدة شهور قام خورشيد باشا بتعزيز عنيزة كقاعدة رئيسية له وبنى فيها قلعة متينة.
وفي أكتوبر 1838 توجه المصريون إلى الرياض وانضمت إليهم متطوعة بقيادة خالد بن سعود. وكان مجموع ما عند خورشيد من قوات 4 آلاف مقاتل و10 مدافع. وتحركت تلك القوات نحو الجنوب للقضاء على فيصل المتمركز في الدلم. وبعد حصار استمر أكثر من شهر سقطت الدلم في 10 ديسمبر 1838. واضطر فيصل للمرة الثانية إلى السفر إلى مصر بمثابة أسير. وللمرة الثانية سقطت أواسط الجزيرة مدمرة تحت أقدام المصريين.
الفترة الأخيرة من الاحتلال المصري
استمر حكم خورشيد باشا كعامل لمحمد علي في نجد سنة ونصف. وكان المصريون هذه المرة يعتبرون نجد ليس دولة معادية يجب تدميرها وتخريبها، بل جزءا من ممتلكاتهم الدائمية. وكان خورشي يأمل في بسط سلطته من أواسط الجزيرة إلى الإحساء وعمان وربما العراق أيضاً. وفي أمير الإحساء عمر بن عفيصان الموالي لفيصل وأعرب الباقون عن خضوعهم للمصريين الذين أرسلوا حامياتهم إلى مدن شرقي الجزيرة. وحاول خورشيد باشا عبثا أن يرغم حاكم البحرين على دفع الجزية مجددا لصنيعة المصريين أمير نجد خالد ووضع جزيرة تاروت وقلعة الدمام تحت السيطرة المصرية وكذلك تسليم عمر بن عفيصان الذي فر إلى البحرين. وبدأ القلق على الإنجليز.
ومنذ عام 1838 كان القنصل البريطاني العام في القاهرة الكولونيل كامبيل قد حذر محمد علي من محاولات التمركز في منطقة الخليج، ومنها البحرين. وأصدرت السلطات البريطانية في الهند أمراً إلى الأميرال ف. مايتلاند قائد العمارة البحرية في الخليج بأن يدافع عن البحرين عند الاقتضاء. وعندما سمع حاكم البحرين عبدالله آل خليفة أنباء انتصارات خورشيد بمبلغ ألفي ريال سنويا مع أنه رفض أن يكون له ممثل في جزر البحرين.
وفي عامي 1838 و1839 ظهر وجود مصري في الكويت أيضاً. فقد وصل مخبر من خورشيد باشا إلى المشيخة لشراء أغذية. وكتب لوريمير أن هذا المخبر كان على ما يبدو يؤدي وظائف سياسية وتجسسية فيما يخص نية خورشيد باشا لانتزاع العراق من الأتراك. وكان حاكم الكويت جابر الصباح يخشى المصريين لدرجة كبيرة، حتى أنه قدم للمندوب المصري مكان الشرف في مجلسه إلى جنبه. وكان رد فعل الإنجليز شديداً جداً بهذا الخصوص.
وفي الوقت ذاته أخذ خورشيد باشا يزحف نحو عمان. ونصب هناك صنيعته سعد بن مطلق الذي كان يخدمه مثلما يخدم الأمير السعودي فيصل. وأيدته أبو ظبي والشارجة، ولكن دبي وأم القوين امتنعتا عن تأييد المصريين. وكان المقيم البريطاني الكابتن هانيل قد زار إمارات الساحل ووقع اتفاقيات مع أربعة من حكامها الذين وعدوا بتأييد الإنجليز. وكتب هانيل رسالة إلى سعد بن مطلق ينصحه فيها بالعودة إلى نجد، وأخذ يحرض قبائل عمان ضده.
كانت قوات محمد علي تحقق الانتصارات في المعارك في عسير ولكنها لم تتمكن من السيطرة على البلد. وفي سبتمبر 1837 قام أهل عسير بانتفاضة جديدة. وتم إخماد الانتفاضة في مايو 1838، ولكن أحمد باشا المقيم في مكة وإبراهيم باشا كوجوك الموجود في الحديدة كانا في عام 1840 لا يزالان يشنان حملة غير موفقة.
ويعزي استيلاء بريطانيا على عدن في عام 1839 إلى الرغبة في الحيلولة دون تقدم المصريين في عسير واليمن وإنشاء قاعدة بحرية بريطانية ومحطة للفحم في القسم الشمالي الغربي من الهندي. في عام 1840 انهارت إمبراطورية محمد علي. فأصدر أمره إلى قواته بالجلاء عن نجد واليمن في مارس 1840. وفي يونيو سار على قدم وساق انسحاب قوات خورشيد من نجد والمنطقة الشرقية وانسحاب قوات إبراهيم كوجوك من اليمن. كان محمد علي بحاجة إلى تحشيد قواته قريبا من مصر تحوطا لما إذا كانت ستنشب حرب كبرى بين مصر وفرنسا من جهة، وبين تركيا والإنجليز وحلفائهم من جهة أخرى.
وغادر المصريون أواسط الجزيرة العربية إلى الأبد. ولكن أحداً لم يكن يعرف ذلك آنذاك. فقد تركت في نجد حاميات رمزية من جنود المصريين. كان عليهم أن يرفعوا العلم ويدعموا خالد.
كانت نهاية الدولة السعودية على يد محمد على باشا وابنه إبراهيم باشا الذى قاد الحملة بعد رفض الوهابية عن الرجوع عن اراءهم العقدية ومحاولة الانضمام لمصر تحت الخلافة الاسلامية.كانت البداية عندما عين محمد على باشا ابنه إبراهيم باشا قائداً للحملة المصرية ضد آل سعود والتي جرت بين 1816 و1819، فأخمد ثورتهم وقضى على حكمهم، وأسر أميرهم وأرسله لأبيه في القاهرة يطاف به في اسواق مصر ثم اعدم، وأصبح إبراهيم باشا مكافأة سخية وسمي والياً على مكة.
النظام الاجتماعي والاقتصادي
إمارة الدرعية
لم تغير الوهابية النظام الاجتماعي في الجزيرة العربية مع أن فئة الوجهاء والأعيان في إمارة الدرعية التاسعة قد برزت من بين سواد السكان وكان نشاطها الاستغلالي منظماً بعض الشيء. إن استئثار الوجهاء الحاكمين بالثروات عن طريق النهب والجزية ومصادرة الأموال وفرض الضرائب واستلام بدلات الإيجار قد اتسع ولكنه لم يكن يختلف من حيث الجوهر عن الممارسات السابقة.
النهب في الغزوات والغرامات الحربية كانت حملات الوهابيين تحت راية تجديد الدين تستهدف تحقيق مهمات دنيوية بحتة تتلخص في زيادة ثروات حكام الدرعية ووجهاء الجزيرة المرتبطين بها (وجهاء نجد بالدرجة الأولى). ويدل ما كتبه مؤرخو الجزيرة والرحالة الأوروبيون على أن الغزو ظل هو الطريق الرئيسي لحصول الوجهاء والأعيان على الثروة. وكتب المؤرخ الوهابي ابن بشر يقول، بعد أن عدد الضرائب التي وردت إلى الدرعية: (وما ينقل إليها من الأخماس والغنائم أضعاف ذلك). ويعقتد بوركهاردت كذلك أن الأخماس تحتل المرتبة الأولى بين عائدات حاكم الدرعية. كانت غزوات الوهابيين الأولى تنتهي بالاستيلاء على بضع عشرات من الإبل والأغنام ونهب الحقول أو بساتين النخيل، أما في سنوات أوج قوتهم فقد كانت غنائمهم تبلغ عشرات الآلاف من رؤوس الماشية المنهوبة. وفي عام 1796 بعد دحر قوات شريف مكة وقع في أيدي الوهابيين 30 ألفا من الإبل و200 ألف من الأغنام والماعز.
ويقول ابن بشر أنه عندما تم في عام 1790-1791 دحر قبائل مطير وشمر حصل الوهابيون على (غنائم كثيرة من الإبل والغنم والأثاث والأمتعة). وسرعان ماتعرض سائر البدو لمثل هذا المصير. فقد كان الوهابيون يطاردونهم يومين أو ثلاثة (ويأخذون منهم الأموال ويقتلون الرجال). إن المصنفات التاريخية العربية غاصة بوقائع من هذا النوع.
وكما هو حال الغزوات البدوية كان النهب الوهابي يسفر عن تجريد القبائل المستضعفة ليس فقط من المنتوج الزائد، بل وكذلك من قسم كبير من المنتوج الضروري، وغالبا ما يحكم على السواد الأعظم من السكان المنهوبين بالموت جوعا. ولم يقتصر النهب على البسطاء من أبناء القبائل أو سكان المدن، فقد تعرض للنهب الوجهاء والأعيان أيضا. إلا أن هؤلاء لايندر أن يعوضوا عن خسائرهم على حساب بسطاء البدو أو الفلاحين. وكان الوهابيون المنتصرون يرأفون عادة بحال الوجهاء، ويفضلون إقامة علاقات طيبة معهم. وكان الوجهاء المغلوبون يفقدون استقلاليتهم السابقة، ولكنهم يصبحون جزءا من الطبقة الحاكمة في الدولة السعودية.
ويدل كبر حصة غنائم الحرب في مداخيل الدولة الوهابية على طابعها الحربي التوسعي. فقد تعرضت للنهب القبائل والمدن والواحات والمناطق غير المنضمة إليها أو التي حاولت التخلص من سلطة أمراء الدرعية، وكانت الحروب والغزوات والنهب والتوسع المتواصل من أهم شروط وجود الدولة السعودية. وكان مستوى تطور القوى المنتجة في الجزيرة العربية لا يزال عاجزا عن تمكين الوجهاء والأعيان الوهابيين من الاستئثار بمنتوج عمل السكان بواسطة الأنواع الأكثر تنظيما من الاستغلال بنفس المقادير التي يؤمنها النهب السافر. وبغية الحفاظ على مداخيل الطبقة الحاكمة تعين على إمارة الدرعية أن تتوسع بلا انقطاع. وفي حالة توقف التوسع لن يتمكن الوجهاء الحضر، وخصوصا وجهاء البدو، من استلام المداخيل التي تعودوا على استلامها من السكان الخاضعين لهم. وفي تلك الحالة تنتفي دوافع توحيد الوجهاء والأعيان في إطار دولة موحدة. وفي ذلك يكمن التناقض الداخلي الرئيسي للدولة الوهابية الأولى التي كانت تحمل في أحشائها منذ لحظة ظهورها جنين هلاكها وسقوطها.
وكان المصدر الآخر لإثراء الطبقة الحاكمة هو الغرامات، وهي عبارة عن جزئية نقدية أو عينية تفرض على القبائل أو الواحات الخاضعة للوهابيين أو المنضمة إليهم. وكانت الغرامات تفرض مرة واحدة، ولكن تسديدها قد يستمر عدة سنوات فيكتسب شكل الجزية أو الضريبة المتواصلة. ففي عام 1787-1788 فرضت على أهالي واحات وادي الدواسر الذين أخضعهم الوهابيون غرامات بمبلغ ألفي ريال كان يجب تسديد ألف منها فوراً. وبعد أن منى أمير الإحساء عريعر بالهزيمة في هجومه على الوهابيين تهيأ أمير الدرعية للتنكيل بحلفائه الذين انتقلوا إلى صف الإحسائيين. وطلبت منه واحات المحمل وثادق أن يعفو عنها، فعفا عنها، ولكنه فرض عليها، كعقوبة، غرامات (من ثمر الزرع والتمر).
وفي عام 1767-1768 انضم إلى الوهابيين سكان الوشم وسدير و(بايعوا على دين الله ورسوله والسمع والطاعة). والتزموا بأن يدفعوا إلى الدرعية غرامات نقدية وعينية. وعندما أخضع أمير الدرعية سكان الحوطة والحريق واليمامة والسلمية وقسم من الخرج فرض عليهم جزية (بما شاء من النقود). وفرض الوهابيون غرامات بشكل نقود وأسلحة وأفضل الخيول مع عدتها على قبائل البدو المجاورة لمكة.
الاستيلاء على الملكية العقارية
لم يورد المؤرخون الوهابيون عن انتزاع الأراضي من الفلاحين وتحويلهم إلى مستأجرين إلا أنباء متفرقة وشحيحة. عندما احتل عبدالعزيز الرياض (ملك بيوتها ونخيلها إلا قليلها). ويبدو أن مساكن أهل الرياض غدت ملكا لأمير الدرعية. ولكن ماذا يستفيد من هذه الملكية إذا كان الكثير من سكان الرياض قد هربوا؟ وهل يستطيع الأمير أن يؤجر تلك الدور؟ لعل أمير الدرعية قد باع في أغلب الظن الأدوات المنزلية المنهوبة وليس واضحا كذلك كيف جرى التصرف بالنخيل. فمن الذي صار يسهر عليها؟ وما الذي يعنيه المؤرخ بقوله (إلا قليلها؟) ربما كانت هذه النخيل ملكا لأنصار الوهابيين من أهالي الرياض أو أن عبدالعزيز وزعها على المقربين إليه.
ونجد معلومات أكثر تحديداً عن بساتين النخيل في الخرمة. فقد احتل الوهابيون الواحة ووافق سكانها على إحالة النخيل إلى بيت المال. أما باقي المزروعات المغروسة بين النخيل أو في الحقول الخالية من النخيل فلا نعرف عنها شيءا. (وبالمناسبة فإن شروط هذا الاتفاق لم تنفذ. فقد اعتبرها عبدالعزيز سهلة جدا، ولذا أمر بتدمير أسوار الواحة وتهديم قسم من الدور وطرد جماعة من السكان).
وفي معرض الحديث عن مداخيل الدولة السعودية أشار بوركهاردت إلى أن بيت المال (الخزينة) يقسم إلى قسمين أحدهما للإمام والآخر للدولة. (ويتسلم زعيم الوهابيين القسم الأكبر من مداخيله من عائدات أملاكه الخاصة. وقد جرت العادة على أن ينهب إحدى مناطقه أو مدنه إذا كانت قد تمردت لأول مرة. وإذا تكرر التمرد لايكتفي بالنهب، بل يصادر كل أراضي السكان ويحيلها إلى بيت المال. ثم يهدي قسما منها إلى الغير، ولكنه يترك القسم الأكبر لأصحابها السابقين الذين يتحولون إلى مستأجرين ويجب عليهم أن يدفعوا له تبعا للظروف ثلث المحصول أو نصفه. إن ملكية الأشخاص الذين شاركوا أنشط مشاركة في التمرد تحال إلى غيرهم. أما هم أنفسهم فيطردون أو يقتلون... وفي الوقت الحاضر يعود القسم الأكبر من الملكية العقارية في نجد إلى بيت المال أي خزينة الدولة. وإن ملكية كل الأراضي في القصيم التي كان سكانها يتمردون دوما قد تركت لهم على سبيل الإيجار. والكثير من القرى في الحجاز وفي الجبال الواقعة على جانب اليمن يعود إلى بيت المال أيضا).
إن نظام استغلال السكان الخاضعين الذين يتحدث عنهم المقتطف أعلاه يبدو على العموم ناجزا وكاملا، مع أن الكثير من جوانبه يبقى غامضا، ومن ذلك، مثلا، مسألة ما إذا كان بدل الإيجار يرد إلى بيت المال أو يوضع تحت تصرف أمير الدرعية شخصيا. ومن يقصد بوركهاردت بكلمة (الغير) هل يقصد الفلاحين الذين استقروا في المناطق التي استولى عليها الوهابيون أم يقصد ملاكا جددا يستأجر الملاك السابقون الأراضي منهم ؟ سؤال تصعب الإجابة عليه.
إن معطيات هذا الرحالة الأوروبي والمصنفات العربية تكمل بعضها البعض، ولكنها متعارضة بعض الشيء. وهناك مبررات تجعلنا نصدق بقدر أكبر ما يقوله مؤرخو الجزيرة. فإن ابن بشر، مثلا، كانت له علاقات مع موظفي المالية في البلاط وقد استقى معلوماته منهم شخصيا. أما بوركهاردت فكان يتناول الكثير من ظواهر الحياة في الجزيرة من مواقع الأوروبي المتحيزة دون قصد. إن مؤرخي الجزيرة لا يتحدثون إلا نادرا جدا عن ملكية الأراضي المحالة إلى بيت المال. وهم يشيرون في عدة حالات فقط إلى وجود الخراج (ضريبة الأرض) في الدولة الوهابية، ولكنهم لايحددون طابعه. وإذا كان الخراج هو إيجار الأرض الذي يقدم لقاء أراضي الدولة فإن معطيات بوركهاردت تحصل على برهنة كافية إلى حد ما. وفي هذه الحالة يمكن الكلام عن إعادة توزيع مكثفة لملكية الأراضي في الدولة السعودية وعن التوافق بين ريع الأرض والخراج الذي يجبيه بيت المال.
وعندما أبدى حليف الوهابيين أمير حريملا مبارك بن عدوان تذمراً اقترح عليه محمد بن عبدالوهاب وأمير الدرعية قائلين (خذ من نخيل حريملا ما تريد واجلس عندنا ولك الحشمة والوقار وخراجك علينا). وصار مبارك بن عدوان أسيرا فخريا عند الوهابيين. ولكنه، على مايبدو، احتفظ بريع بساتين النخيل.
الزكاة
من أهم المستحدثات في إمارة الدرعية فرض ضريبة مركزية منتظمة على جميع سكان الدولة بشكل الزكاة المنصوص عليها في القرآن لمساعدة الفقراء والمساكين والتي هي واحد من أركان الإسلام. إن الأهداف الدينية المتجسدة في بعث الزكاة تستجيب بأفضل شكل لمتطلبات ومهمات الدولة السعودية الإقطاعية. وأشار ابن بشر وهو يتحدث عن استيفاء الزكاة إلى أن (الإسلام الحقيقي) انتشر في نجد وقال (بعثت العمال لقبض الزكاة وخراج الثمار بعد أن كانوا قبل ذلك يسمون عند الناس مكاسا وعشارا).
ويقول هذا المؤرخ النجدي أنه كانت تخرج من الدرعية سنوياً جماعات لقبض الزكاة من البدو. وكل جماعة تتكون من سبعة أشخاص تضم أميراً وكاتباً وحامل الدفتر وجابياً لجمع النقود من بيع الإبل والغنم والماعز المخصصة لتسديد الزكاة. بالإضافة إلى ثلاثة حراس مسلحين يقومون بجمع القطعان واقتيادها وحراستها. وكان حكام الدرعية يرسلون إلى البدو أكثر من سبعين جماعة لقبض الزكاة ز وكان هناك مخولون خاصون باستيفاء الزكاة من محاصير المزارعين ومن القرى الصغيرة والكبيرة وموظفون لاستيفاء الزكاة من البضائع. وكتب بوركهاردت يقول: "كان جباة الزكاة يرسلون سنويا من الدرعية إلى مختلف المناطق والقبائل. وهم يستلمون مبلغا نقديا معينا مقابل عملهم وكذلك نفقات السفر".
وتبين معلومات ابن بشر أن جماعات قبض الزكاة كانت تعيش على حساب الأشخاص الذين تستوفي عنهم الزكاة. وهذا يهيئ الفرصة للفساد. وتبلغ الزكاة عشر محصول الأراضي الديمية وخمس محصول الأراضي الأروائية وربع العشر عن رأسمال التاجر. ويقول بوركهاردت أنهم كانوا يأخذون ريالا من قبيلة عنزة لقاء كل خمسة جمال وثمن نعجة واحدة لقاء كل 40 رأسا من الغنم، وما ياد 7 شلنات عن كل حصان. ولكنه يمكن الافتراض بأن مبلغ الزكاة يختلف باختلاف المناطق.
ويصعب تحديد المبالغ الإجمالية للزكاة التي كانت ترد إلى الدرعية، مع أن ابن بشر قد أورد بعض الأرقام وكتب يقول:
فقد قال عنه ابن بشر مايلي:
ويقول مؤلف لمع الشهاب أن العائدات الضرائبية السنوية لسعود في عز جبروته بلغت كما يلي: 400 ألف ريال من سكان نجد البدو والحضر و500 ألف ريال من بدو الشام واليمن وتهامة وعمان وحوالي 400 ألف من الإحساء و200 ألف من القطيف و40 ألفا من البحرين , و300 ألف من اليمن (من السكان الحضر على مايبدو) و200 ألف من بدو الحجاز وبعض المناطق الأخرى و120 ألفا من رأس الخيمة (بما فيها حصة النهب) و120 ألفا من حضر وبدو (؟) عمان، فضلا عن نفقات القوات الوهابية هناك. أما غنائم الغزوات فلا تعد ولاتحصى. وكان سعود شخصيا يستلم مداخيل كبيرة بشكل هدايا من الحجاج الأثرياء، وكانت الأراضي التي يملكها في نجد والإحساء تعود عليه بـ 300 ألف ريال (23) وهكذا يصل المبلغ الإجمالي لمداخيل أمير الدرعية بشكل ضرائب حسب معلومات (لمع الشهاب) إلى مليوني ريال تقريبا. وهذا يتفق مع ما قاله بوركهاردت.
كانت عائدات الأمراء السعوديين هائلة بالنسبة للجزيرة العربية آنذاك. ولكنه ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار التذبذب الكبير في الأسعار من موسم لآخر أو من منطقة لأخرى. ويكفي القول أن حمل الحطب في الدرعية، كما يقول ابن بشر، يكلف 5-6 ريالات وأن ثمن النخلة الواحدة يصل إلى 50 ريالا. إن الطابع الطبقي للدولة السعودية التي كانت تخدم مصالح وجهاء الجزيرة العربية قد تجلى كذلك في ميدان التوزيع المركزي للثروات. ولكنه لايمكن تحديد المبالغ المطلقة والنسبية لنفقات الدولة إلا بصورة تقريبية.
نفقات البلاط السعودي
إن الأموال التي تنفق على بلاط أمراء الدرعية وأسرة محمد بن عبدالوهاب تشكل واحدا من أبواب الصرف الرئيسية. فقد تجمعت كملكية شخصية للسعوديين ثروات بشكل أراض في الواحات وماشية وأحجار كريمة ومجوهرات وأموال أخرى. وكتب ابن بشر يقول أن ثلث الضرائب المستحصلة في منطقة الإحساء ينفق على بلاط السعوديين وأسرة ابن عبدالوهاب والحاشية. إن عوائل الوجهاء العرب عموما كبيرة للغاية. فالأموال الكثيرة تمكن أبناء الوجهاء من التزوج من أربع نساء على الأقل كما ينص القرآن، بالإضافة إلى الجواري. وإن التغذية الجيدة والظروف الصحية الأفضل بعض الشيء مما لدى باقي السكان تقلل من وفيات الإطفال في العوائل اموسرة. وكانت عائلة السعوديين كبيرة جدا (الأمير وإخوانه وأولاده وأعمامه وأبناء عمومته وأبناؤهم). ويقول بوركهاردت أنه كان لدى سعود عدة زوجات ووصايف حبشيات.
إن أمراء الدرعية بعد أن انضووا تحت لواء الوهابية التي باركت سلطتهم والتي تدعو إلى البساطة والاعتدال صاروا يعيشون بقدر كبير من البذخ والفخفخة بالنسبة للجزيرة العربية. وأشار كورانسيز إلى (أن سعود ذاق طعم الترف وكان لابد من أن يتأثر به). ويضيف المؤرخ الفرنسي قائلا: (ذلك هو طريق جميع الطوائف التي تبدأ بالبساطة والتقشف لتجتذب الجماهير وتنتهي بالترف للزعماء).
ونقرأ في لمع الشهاب عن سعود مايلي:
وكتب رايمون:
في أقوال رايمون مبالغة. ولكن من الواضح أن أمراء الدرعية في تلك الأزمان الغابرة لم يبخلوا على أنفسهم بالترف الذي يتمكنون عليه. وإلى جانب الماشية والأراضي والأحجار الكريمة والسلاح المزين بالنفائس والقصور والقلاع كانوا يمتلكون كذلك الخيول الأصيلة التي يعتز بها وجهاء الجزيرة كل الاعتزاز. ومن المعروف أن سعود بن عبدالعزيز أنفق أموالا طائلة على رعاية تلك الخيول. وبلغ عدد الخيول الأصيلة في قطعانه 2.5 ألف رأس. وخصص منها 600 حصان لأشجع البدو والمماليك. وكان لدى كل من أبناء سعود 100-150 حصانا، وكان عند ولي العهد عبدالله 300. كان أمراء الدرعية يستولون على الخيول في الغزوات ويستلمونها بشكل هدايا وزكاة وغرامات، ولايتورعون حتى عن ابتزازها. كتب بوركهاردت يقول: الأعراب يتشكون من أنه عندما يمتلك أحد ما حصانا جيدا فإن سعود يجد ضده تهمة مابخرق القانون أن بسوء السلوك لكي يبرر مصادرة ذلك الحصان".
وكانت أموال كبيرة تنفق على الضيافة التقليدية. ففي كل يوم يحل على سعود بضع مئات من الضيوف. وكان سعود يخصص للضيوف سنويا 500 صاع من الرز والقمح. (يتراوح الصاع في الجزيرة العربية ما بين لتر واحد ولترين ونصف). وخلال يومين من ولائم زفاف أحد أبناء سعود التهم الضيوف 140 ناقة و1300 خروف. إن ضيوف سعود الكثيرين لم يكونوا من الفقراء عادة. وكان سخاء الأمير يعم الموسرين في الغالب. ثم إن الغذاء المقدم للضيوف يختلف. فالوجهاء يقدم لهم اللحم والرز، والأقل منهم جاها يقدم لهم التمر والبرغل.
وكان سعود بمتلك عددا كبيرا من العبيد. كتب ابن بشر يقول:
وكان عبيد الأمير يتمتعون بالامتيازات بالمقارنة مع مجموع سكان الجزيرة الفقراء شبه الجياع. وكانوا يشكلون حرس البلاد وحاشية شخصية للأمير. وقد ارتقى بعضهم إلى مناصب عليا في الدولة. فإن المملوك الخرق صار قائدا للقوات الوهابية في المعارك. وقد تم انعتاق الكثيرين من العبيد.
واحتفظ بلاط السعوديين، وخصوصا في المراحل الأولى، ببساطة العادات، و(بديمقراطيتها) إذا استخدمنا المصطلحات الحديثة. ولم يظهر بشكل واضح جدا الانفصال الظاهري بين أصحاب السلطة والأمير الإقطاعي وبين جمهور السكان. ومن الناحية الظاهرية احتفظ أمير الدرعية ببعض التشابه م شيوخ القبائل البدوية. فإن أبسط البدو كانوا يخاطبونه بدون رسميات: يا سعود، يا أبا عبدالله، يا أبا شوارب. وكتب كورانسيز عن (بساطة وخشونة العادات) في بلاط أمير الدرعية. كان مجلس سعود مفتوحا للجميع. ويستطيع كل قادم أن يؤمل في كرمه وحسن ضيافته. وكان الأمير شخصيا ينظر في شكاوي رعيته. وكان حكمه القضائي يتميز بالسمات العشائرية. وقد كتب بوركهاردت أن سعود بنفسه كان أحيانا يجلد الكاذب، ولكنه يأسف لذلك طويلا فيما بعد، ويطلب من المحيطين به أن يخففوا من غضبه.
وكان سكان الدرعية غالباً مايحضرون دروس الفقه التي يأتي إليها جميع الوجهاء وأبناء محمد بن عبدالوهاب وأبناء سعود وأقاربه. وكان الأمير نفسه يحضرها. (فإذا اجتمع الناس خرج سعود من القصر ومعه دولة وجلبة عظيمة تسع جلبتهم كأنها جلبة النار في الحطب اليابس من قرع السيوف بعضها بعضا من شدة الازدحام، لاترى فيهم الأبيض من الرجال إلا نادرا، بل كلهم مماليكه عبيد سود، ومعهم السيوف الثمينة المحلاة بالذهب والفضة، وهو بينهم كالقمر تبين في فتق سحاب. فإذا أقبل على ذلك قام له الذين في طريقه لئلا يطأهم العبيد حتى يخلص إلى مكانه. فيسلم على الكافة ثم يجلس بجانب عبدالله ابن الشيخ وهو الذي عليه القراءة في الدرس... فإذا تكامل سعود جالسا التفت العلماء والرؤساء من المسلمين... ودخل القصر وجلس في منزل من منازله القريبة للناس ورفعوا إليه حوائجهم حتى يتعالى النهار ويصير وقت القيلولة فيدخل إلى حرمه... وكان من أحسن الناس كلاما وأعذبهم لسانا وأجودهم بيانا فإذا سكت قام إليه أهل الحوائج من أهل الشكايات من البوادي وغيرهم وكان كاتبه على يساره فهذا قاض له حاجة وهذا كاتب له شكاية وهذا دافعه وخصمه إلى الشرع فيجلس في مكانه ذلك نحو ساعتين حتى ينقضي أكثرها، ثم ينهض قائما ويدخل القصر ويجلس في جلسة في المقصورة ويصعد إليه كاتبه ويكتب جوابات تلك الكتب التي رفعت إليه في ذلك المجلس)...
كان الحراس يحيطون بسعود دوماً. وعندما يصلي في مسجد القصر يحرسه عبدان، وعندما يخرج إلى لاصلاة مع الناس يرافقه ستة عبيد يحملون السيوف: إثنان أمامه وإثنان خلفه وإثنان وراء الصف الثاني من المصلين. وقد اتخذت هذه الإجراءات تحوطا للطوارئ بعد مقتل أبيه عبدالعزيز في المسجد. ويستنتج مما ذكره ابن بشر مع ذلك أنه نشأت في بلاط السعوديين مراسيم خاصة للفصل الظاهري بين الوجهاء والشعب والتأثير على بسطاء الناس عن طريق الأبهة والفخفخة عند الحاشية والخدم وخصوصا آداب السلوك وهلمجرا.
نفقات الدولة خارج البلاط
كانت الهدايا التي يقدمها أمراء الدرعية إلى الوجهاء والأعيان بشكل عيني (خيول أصيلة وأسلحة وماشية) وبشكل مكافأة مالية واحدا من أساليب إعادة توزيع الثروات المستحصلة داخل الطبقة الحاكمة. وكتب بوركهاردت أن أمير الدرعية كان يهدي لشيوخ البدو ما بين 50 و 300 ريال. وقال ابن بشر أن أمير الدرعية كان (كثير العطاء والصدقات للرعية من الوفود والأمراء).
وتلقى المعلومات الخاصة بالميزانيات المحلية وميزانيات المناطق ضوءا إضافيا على طابع النفقات فيا لدولة الوهابية. ويتوقف بوركهاردت طويلا عند هذه المسألة. صحيح أن ملاحظاته تنم عن رغبة غير متعمدة في تصوير جهاز الدولة الوهابية بصورة أكثر تنظيما مما كان عليه فعلا. ويقول بوركهاردت:
إن هذا المقتطف لا يقدم جواباً على أسئلة كثيرة. فليس واضحاً ما إذا كان بيت المال المحلي يستلم قسما من الزكاة أو أنه يفرض ضرائب إضافية، وما إذا كان بيت المال المركزي يساهم في النفقات المحلية. وكتب بوركهاردت أن المركز يعوض عن الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية وغزوات الأعداء. ولكن هل أن ذلك مشاركة من بيت المال المركزي في النفقات المحلية لمرة واحدة أو أنه يجري على الدوام ؟ وأورد ابن بشر تقسيما آخر للميزانية المحلية فقد كتب عن توزيع أمير الدرعية لأموال الإحساء يقول:
وهكذا كانت الأموال المحلية توزع في عدة اتجاهات أساسية ينفق القسم الرئيسي منها على الأغراض الحربية – لتأمين حاجة الجنود الفقراء وتزويد الحاميات بالأغذية ودفع الرواتب والإنفاق على الخيالة (أي الوجهاء المسلحين). والباب الهام الثاني للصرف هو الهدايا التي تقدم إلى الوجهاء المحليين الذين يحتلون أهم المناصب في الإدارة الوليدة ويتصرفون بجزء من النفقات، وليس بدون نفع شخصي طبعا. أما النفقات على (الفقراء) فتغطي حاجات علماء الدين والقضاة.
الاقتصاد والتجارة
لأول مرة خلال قرون عديدة ساد الاستقرار الجزيرة العربية، وخصوصا مناطقها الوسطى، وإن بصورة مؤقتة. فقد اتخذ الأمراء إجراءات لا هوادة فيها لإحلال الأمن في الطرق وحماية التجارة الداخلية من النهب وحماية الملكية. وكتب المؤرخ البصري ابن سنة أن ضمان الأمن والسلامة في الطرق يكاد يكون واحدا من الوصايا الأساسية للوهابيين. ويقول ابن بشر عن عبدالعزيز:
واستحدث أمراء الدرعية نظام المسئولية المشتركة للقبائل عن الأمن في أراضيها. كما ألغي الوهابيون الرسوم التي كانت تتقاضاها القبائل لقاء (حماية) و (مرافقة) القوافل ولقاء مرورها في أراضيها. فالتجار والرحالة، كما يقول ابن بشر (لايخشون أحدا من جميع البوادي مما احتوت عليه هذه المملكة لا بحرب ولا سرق. وليس يؤخذ منهم شيء من الأخاوات والجوائز على لادروب التي للأعراب التي أحيوا بها سنن الجاهلية. يخرج الراكب وحده من اليمن وتهامة والحجاز والبصرة والبحرين وعمان ونقرة الشام ولا يحمل سلاحا بل سلاحه عصاه لايخشى كيد عدو ولا أحد يريده بسوء... وكانت الأقطار والرعية في زمنه (عبدالعزيز) آمنة مطمئنة في عيشة هنية. وهو حقيق بأن يلقب مهدي زمانه. لأن الشخص الواحد يسافر بالأموال العظيمة أي وقت شاء شتاء وصيفا يمينا وشمالا شرقا وغربا في نجد والحجاز واليمن وتهامة وغير ذلك لايخشى أحدا إلا الله لا سارقا ولا مكابرا).
وقد استفاد السكان الحضر، سكان الواحات والمدن. من استتباب الأمن والاستقرار. فقد توقفت الغارات على نخيلهم وحقوقهم. وفي ظروف الدولة المركزية ماكان بوسع البدو أن يستحصلوا الأخاوات بالاعتماد على العنف الحربي أو التهديد باستخدامه وتهيأت مقدمات إلغاء علاقات الأتاوة. ويصعب القول إلى أي مدى سارت مثل هذه الاتجاهات.
وكتب ابن بشر يقول:
كان الواقع الاقتصادي للدولة الوهابية الأولى بعيدا، طبعا، عن الصورة الطوباوية التي رسمها ابن بشر. فقد حدث نهب في الطرق (وإلا لما عاقب أمراء الدرعية أحدا) وحدث هجوم على بساتين وحقول السكان الحضر، وقامت انتفاضات متكررة للبدو وأهل الواحات.
وقد وصف المؤرخ الحجازي أحمد بن زيني دحلان النهب في الدروب عندما بدأ الوهابيون يستولون على الحجاز تدريجيا، وكان أمير مكة هو الشريف عبد المعين الموالي لهم. كانت إجراءات الوهابيين الرامية إلى إحلال الأمن في الطرق وإلغاء الرسوم (الجمركية) الداخلية وحماية الملكية قد هيأت إمكانيات ملائمة للتجارة داخل الجزيرة العربية. وتوفر حافز إضافي للتبادل في مجتمع الجزيرة، وهو تبادل متطور أصلا. ولكن المقصود، ونحن نؤكد على ذلك، هو التجارة الداخلية بالذات ز فإن سياسة الوهابيين في ميدان التجارة الخارجية كانت تدميرية كما سنتأكد أدناه.
وقد أثرى البعض بقدر هائل بمقاييس الجزيرة من التجارة، وخصوصا في سنوات القحط عندما ارتفعت الأسعار بدرجة كبيرة جدا. وكتب بوركهاردت يقول (في نجد كانوا يتاجرون أساسا بالمواد الغذائية – وأكد منجين هذه المعلومات أيضا – فالقبائل القادمة من أعماق البادية تشتري ماتحتاج إليه. وطالما أن سنوات القحط تتكرر فإن الأثرياء يكدسون كميات كبيرة من الحبوب. ولم يتدخل سعود في ذلك مطلقا، وفي سنوات شحة الأغذية كان يسمح ببيع الحبوب بالأسعار التي يحددونها هم مهما كان ذلك صعبا على الفقراء. وكان يقول أن النبي محمد لم يمنع أبدا الحصول على أي ربح ممكن من الأموال). وبالمناسبة فإن الوهابيين منعوا الربا طبقا لأصول فجر الإسلام.
وقد ساعد تطور التجارة داخل الجزيرة على ازدهار الدرعية عاصمة الدولة. وقد زارها ابن بشر في عهد سعود وترك لنا وصفا للمدينة حيث كتب يقول: (ولقد رأيت الدرعية بعد ذلك في زمن سعود... وما فيه أهلها من الأموال وكثرة الرجال والسلاح المحلى بالذهب والفضة الذي لايوجد مثله والخيل الجياد والنجايب العمانيات والملابس الفاخرة وغير ذلك من الرفاهيات ما يعجز عن عده اللسان وبكل عن حصره الجنان والبنان. ولقد نظرت إلى موسمها يوما في مكان مرتفع وهو في الموضع المعروف بالباطن، بين منازلها الغريبة التي فيها آل سعود المعروفة بالطريف ومنازلها الشرقية المعروفة بالبجيري التي فيها أبناء الشيخ. ورأيت موسم الرجال في جانب... وموسم النساء في جانب وموسم اللحم في جانب ومابين ذلك من الذهب والفضة والسلاح والإبل والأغنام والبيع والشراء والأخذ والإعطاء وغير ذلك وهو مد البصر. ولاتسمع فيه إلا كدوى النحل من النجناج وقول بعت وشريت والدكاكين على جانبيه الشرقي والغربي، وفيها من الهدوم والسلاح والقماش...).
ويضيف ابن بشر: "وكان قوة هذه البلد وعظم مبانيها وقوة أهلها وكثرة رجالها وأموالها لايقدر الوصف صفتها". فلو ذهبت أعد رجالها وإقبالهم فيها وأدبارهم في كتائب الخيل والنجائب العمانيات وما يدخل على أهلها من أحمال الأموال من سائر الأجناس التي لهم مع المسافرين من أهلها ومن أهل الأقطار لم يسعه كتاب... وكان الداخل في موسمها لايفقد أحدا من أهل الآفاق من اليمن وتهامة والحجاز وعمان والبحرين وبادية لاشام ومصر وأناس من حاضرتهم إلى غير ذلك من أهل الآفاق ممن يطول عدهم هذا الداخل فيها وهذا خارج منها وهذا مستوطن فهيا.
وكانت الدور لاتباع فيها إلا نادرا وأثمانها سبعة آلاف ريال وخمسة آلاف والداني بألف ريال وأقل وأكثر وكل شيء بقدره على هذا التقدير. كروة الدكان الواحد في الشهر خمسة وأربعون ريالا وسائر الدكاكين الواحد بريال في اليوم وشيء نصف ريال. وذكر لي أن القافلة من الهدم إذا أتت إليها بلغت كروة الدكان في اليوم الواحد أربعة اريل. وأراد رجل منهم أن يوسع بيته ويعمره فاشترى نخيلات تحت الحطب بلغ خمسة اريل وستة والذراع من الخشبة الغليظة بريال).
لقد غدت الدرعية مركزا تجاريا كبيرا للجزيرة العربية. فعندما تلتقي الطرق التجارية منكافة أجزاء الجزيرة. وكانت وفرة الثروات لمنهوبة المتواردة على المدينة قد خلقت انتعاشا مفتعلا وتسببت في تجمهر أعداد غفيرة من الناس مما أدى إلى ازدياد الغلاء. ولم تكن موجودة آنذاك المقدمات الاقتصادية الضرورية لإنشاء مراكز سكنية كبرى من هذا القبيل. وتدل على ذلك الأسعار الباهظة للأخشاب والنخيل والحطب. ومع ذلك أسفرت سلامة الطرق عن تعزز الصلات الاقتصادية داخل الجزيرة بقدر ما، وإن بصورة مؤقتة.
وأدت الإجراءات الاقتصادية والسياسية والفكرية لمركزية الدولة إلى ظواهر لم يشهدها وسط الجزيرة فيما مضى. فقد ظهر اتجاه نحو تكوين وحدة فوق القبائل. وكان ذلك أمرا مدهشا جعل المؤرخ الوهابي ابن بشر يهتف متعجبا وأن بشيء من المغالاة: (والرجل يأكل ويجلس مع قاتل أبيه وأخي كالإخوان). وأشار ابن سند إلى أن الوهابيين أزالوا غارات البعض إلى البعض وصار جميع البدو رغم الفوارق بينهم، من حضرموت إلى الشام إخوة وأبناء شخص واحد. وكان بالإمكان أن يرى المرء في بعض المناطق خيمة لعنزة وخيمة لعتيبة وخيمة لحرب وكانوا يعيشون بوئام. إلا أن العساكر ظلت هي الأداة الرئيسية للسياسة المركزية ولرص صفوف مختلف المناطق والقبائل في إطار الدولة السعودية. وطالما أن العساكر قوية ومظفرة ظل وجود إمارة الدرعية مكفولا.
الأعمال الخيرية
يتحدث ابن بشر عن سجايا أمير الدرعية عبدالعزيز فيقول:
ووصف ابن غنام المجاعة المرعبة التي اجتاحت نجد في أواسط الثمانينات من القرن الثامن عشر حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية إلى أقصى حد وهلك الرجال والنساء ناهيك عن الشيوخ والأطفال. كان الناس يسقطون أثناء الصلاة بسبب الهزال. واستمرت المجاعة عدة سنوات. وعندذاك بدأ عبدالعزيز بإطعام الأرامل والأيتام والضعفاء.
وهذكا طبقت الدولة السعودية عمليا واحدا من المستحدثات العبقرية (أو على الأصح المكتسبات) التي جاء بها الإسلام، ونعني الأعمال الخيرية أو العمل بالمعروف. فهذا العمل الذي (يفتح) أمام القائمين به أبواب الجنة في الآخرة كان يحميهم في الدنيا ولو مؤقتا من غضب الفقراء وانتفاضاتهم وتمرداتهم. وكانت الأعمال الخيرية تجرد الفقراء من سلاحهم الفكري وتوحي إليهم بأنه خلاصهم من الجوع والحرمان والتخفيف من أعبائهم يتمان ليس بالكفاح الحازم، بل بصدقات الأثرياء والوجهاء. ولعبت أعمال السعوديين الخيرية دورا سياسيا لايقل أهمية: فقد تحسنت الأوضاع المادية بعض الشيء لسكان المناطق الوسطى من الدولة الوهابية على حساب الأطراف، وأدى ذلك إلى زيادة ولاء أولئك السكان لأمراء الدرعية. وكان قسم من الأموال المخصصة للأغراض الخيرية يقع في أيدي الوجهاء والأعيان المحليين أو يخدمهم بصورة غير مباشرة إذ يخلصهم من لزوم الإنفاق من جيوبهم على فقرائهم. وكانت الأعمال الخيرية في إمارة الدرعية بمثابة ترجمة للتضامن العشائري في مواجهة الكوارث.
النظام السياسي
البنية السياسية للدولة وتنظيم السلطة
لقد توحدت بقوة السلاح تحت سلطة أمير الدرعية مختلف المناطق والقبائل البدوية. وكانت درجة تبعيتها للدرعية متباينة. ويقول ابن غنام أن القبائل أوالواحات عندما يجري ضمها إلى الوهابيين تقسم أمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب والأمير ابن سعود على خوض الجهاد ضد المشركين (أي غير الوهابيين) وتقديم العون للوهابيين. وعندما انضم سكان الخرمة والمجمعة إلى الوهابيين بعثوا وفدا إلى الشيخ وإلى عبدالعزيز للإعراب عن رغبتهم في التمسك بالإسلام وأداء كل الفرائض بما فيها الزكاة، ولكنهم طلبوا السماح لهم بعدم المشاركة في الجهاد خلال عامين.
فما الذي يعنيه مثل هذه الاتفاقيات ؟ لقد كانت تلك، بالدرجة الأولى، تحالفات عسكرية التزم فيها الطرف المنضم إلى الوهابيين بشن العمليات الحربية ضد غير الوهابيين. وهذا هو الأمر الرئيسي. وليس من قبيل الصدفة أن تأجيل المشاركة في الجهاد عامين كان يعتبر استثناءا من القاعدة. لقد ألزم التحالف مع الوهابيين القبائل والواحات بأن تدفع ضريبة دائمية إلى بيت المال المركزي وقيد استقلالها بقدر كبير.
وفي عام 1865 زار المندوب البريطاني ل. بيلي الدولة الوهابية التي بعثت مع عاصمتها الجديدة الرياض بعد تدميرها على يد المصريين. وأشار إلى مختلف أشكال تبعية القبائل التي انضمت أو ضمت إلى الوهابيين للرياض. ويمكن، ببعض التصرف الحذر، تطبيق أقواله على الدولة الوهابية الأولى. كانت بعض القبائل تدفع الضرائب وتشارك في الحملات الحربية وتؤدي مختلف الواجبات، بينما تقوم قبائل أخرى برعي الماشية في نجد وأطرافها وإذا تعرضت لهجوم من طرف ثالث فإن الوهابيين لايتحدثون. والمجموعة الأخرى من القبائل تلتزم بعدم الاعتداء على القبائل الخاضعة لأمير الرياض، مقابل التزام مماثل من جانب هذه القبائل الأخيرة. وتتكون المجموعة الرابعة والأخيرة من قبائل لاتعترف بسلطة أمير الرياض ولكنها تدفع الأتاوات له.
وكانت السلطة المركزية تتخذ الإجراءات لإلغاء العادات العشائرية القديمة في حل النزاعات وتسعى إلى تسوية التناقضات المحلية في إطار الدولة الموحدة. وأفاد بوركهاردت أن النزاعات القبلية في الدولة الوهابية تحل من قبل أمير الدرعية نفسه. وهو يعاقب بشدة المذنبين فيها. واستخدم السعوديون قسما من الوجهاء والأعيان المحليين الذين انضموا إليهم بمثابة سند وحليف لهم. وفي بعض الأحيان ظل الأمراء والشيوخ السابقون على دست الحكم في القبائل والواحات. ولكنه بقدر اتساع الدولة الوهابية وتعزز السلطة المركزية أخذت الدرعية تستبدل الحكام المحليين أكثر فأكثر بممثلي الأفخاذ والبطون المنافسين لهم أو أبناء الأسر التي لم يكن لها في الماضي أمل في الارتقاء. ويقول بوركهاردت: (يعتقد الوهابيون أن من الضروري استبدال جميع الشيوخ تقريبا في القبائل التي ضموها إليهم. ولم يتركوا السلطة في أيدي أبناء الشيخ بل أحالوها إلى أسر الأعيان المنافسة. وعندما احتل محمد علي الحجاز أعاد حقوق الشيوخ المحليين وأنشأ بذلك معقلا ضد الوهابيين).
ومن الإجراءات التي اتخذها السعوديون لضمان ولاء القبائل والواحات للسلطة المركزية الإجراء المجرب في ممارسات الغزاة والفاتحين، ونهني أخذ الرهائن. وفي بعض الأحيان يأخذون عددا من الأعيان بمثابة رهائن بعد أداء يمين الولاء من قبل الواحة أو الفخذ. وكان بعض الشيوخ المتمردين يقيمون بصورة دائمة في الدرعية، وقد عين بدلا منهم أشخاص موالون للسطلة المركزية. وبغية أضعاف القدرة الكفاحية للبدو وتشويش تنظيمهم فرضت الإقامة في الدرعية على بعض عقداء القبائل.
وهكذا، بدلا من الشيوخ والأمراء السابقين المستقلين رسميا وفعليا ظهر اتباع لأمير الدرعية يكادون غير مستقلين أو صنائع سافرون له. وكتب بوركهاردت يقول (يتلقى كبار شيوخ البدو من الزعيم الوهابي لقبا تقديريا هو أمير الأمراء. إن سلطة هؤلاء الأمراء على الأعراب محدودة جدا، ولا تزيد إلا قليلا على السلطة التي يتمتع بها الشيخ البدوي المستقل، ما عدا كونه يستطيع أن يفرض الخضوع للقانون بحبس المخالف أو فرض غرامة عليه). إن هذا (القليل) هو أهم سمة تميز الشيخ في الدولة السعودية عن زعيم القبيلة في عصر ماقبل الوهابية: أي تعزيز السلطة العامة (السجون والغرامات) وفصل السلطة العامة عن جمهور البدو. كان أمراء المناطق من أتباع السعوديين يجمعون القوات ويساعدون جباة الضرائب. وسلطتهم يقيدها القضاة القادمون من المركز.
وجاء في لمع الشهاب:
وعين الوهابيون المفتين والقضاة في الواحات. وفي القرى الصغيرة كانوا يعينون قضاة فقط كما يقول لمع الشهاب. وكانت رواتبهم من بيت المال. وكانوا يبعثون قابضي الزكاة إلى كل واحة. وفي بعض الأماكن كان هناك أربعة جباة، وفي بعضها الآخر سبعة. وهم مستقلون عن الأمير ولكنه كان يساعدهم في قبض الزكاة. كما كان يعين محتسب وظيفته مراقبة أداء الشعائر الدينية وصواب عقد الصفقات التجارية ومراعاة المقاييس والأوزان وأداء القضاة لواجباتهم وقطع دابر الارتشاء. وهكذا، يمثل السلطة المحلية الأمير قائد الحامية وكذلك القاضي (أو المفتي) وجباة الزكاة والمحتسب. كان أمراء الدرعية يبتون في أهم شئون الدولة بعد التشاور مع الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأبنائه وأحفاده وعلماء الدين ووجهاء القبائل وأعيان الواحات وأفراد عائلة السعوديين.
ويقول إبن غنام أنه عندما عاد سعود منتصرا من الإحساء (قصد والده والأهل والذرية، واستقر مجلسه مع والده وأعيان الرعية). وتحدث ابن بشر عن سعود بمزيد من التحديد فقال: ( ومع ذلك إذا أهمه وأراد إنفاذ رأي أرسل إلى خواصه من رؤساء البوادي واستشارهم فإذا أخذ رأيهم وخرجوا من عنده أرسل إلى خواصه وأهل الرأي من أهل الدرعية ثم أخذ رأيهم. فإذا خرجوا أرسل إلى أبناء الشيخ وأهل العلم من أهل الدرعية واستشارهم. وكان رأيه يميل إلى رأيهم ويظهر لهم ما عنده من الرأي). ولاتوجد معطيات تفصيلية عن تنظيم السلطة المركزية في الدولة السعودية الأولى. وليس معروفا ما إذا كان لدى أمراء الدرعية مجلس دائم من كبار الوجهاء والأعيان. فالمؤرخون الوهابيون يتحدثون عن وجود ديوان عند الأمير ولكنهم لايحددون وظائفه. وعلى أية حال فقد كانت هناك دوائر أو مصالح مركزية.
الدين والقضاء
الوهابية خارج الجزيرة العربية
إن تعاليم محمد بن عبدالوهاب التي بدت وكأنها ظاهرة خاصة بالجزيرة العربية وحدها قد وجدت لها بغتة أنصارا في بلدان أخرى تبعد عن الجزيرة آلاف الكيلومترات. لقد نشرها الحجاج الذين كانوا في مكة في مطلع القرن التاسع عشر. فقد وجد شجب الوثنية ورفض عبادة الأولياء ومكافحة البدع ونشر الجهاد ضد (الكفرة) و(المشركين) والجمع بين الشعارات الطبقية والتعادلية – معتقدات وممارسات الوهابيين – تربة صالحة في بلدان ذات أنظمة اجتماعية وسياسية متباينة بعد تكيف وتعديل مناسب. ووصلت الوهابية إلى الهند وأندونيسيا وأفريقيا.
وكان لتعاليم محمد بن عبدالوهاب تأثير كبير في الهند. فقد استخدم بعض أحكامه المصلح الإسلامي والسياسي الهندي سيد أحمد بارلوي، وهو من أتباع المفكر الإسلامي المعروف ولي الله شاه. وكان سيد أحمد بارلوي باشر بدعوته في مطلع القرن التاسع عشر. وفي العشرينات حج إلى مكة واطلع هناك على تعاليم محمد بن عبدالوهاب وتبناها. وعندما عاد إلى الهند اتخذ من باتنا مقرا له وأخذت تتوارد عليه جموع الأنصار.
وفي عام 1824 أعلن سيد أحمد الجهاد ضد الكفار، ثم، في عام 1826 اجتاحت قواته البنجاب وأخذت تفتك بالسيخ. وفي عام 1830 احتل الوهابيون بيشاوار وأسوسا دولة لهم حتى أنهم بدأوا بسك قطع نقدية تحمل اسم أحمد. ولكن إمام الوهابيين قتل في العام التالي. ونشط أتباعه أعمالهم في المناطق الإسلامية من الهند، وخصوصا في الشمال وفي البنغال الشرقية وأعلنوا الجهاد ضد المستعمرين الإنجليز.
وكتب مؤلف إنجليزي بمرارة في القرن التاسع عشر (كان المبشرون المتمردون الذين وعدوا المؤمنين بالخلاص أو الجنة قد أججوا الحقد على الإنجليز والذي كان يضمره بعض المسلمين الهنود. وكانت كل صلاة يزدونها مفعمة بهذا الحقد). كان نضال الوهابيين ضد السيطرة البريطانية قسطا في حركة الشعب الهندي ضد الاستعمار. واستمر هذا النضال عدة عقود حيث كان يشتد تارة ويخفت تارة أخرى. ومعروف جيدا دور الوهابيين الكبير في إنتفاضة 1857-1859 الشعبية ضد المستعمرين.
وعلى الحدود الشمالية، في سنتان، صمد المركز الوهابي في وجه حوالي عشرين حملة من القوات الاستعمارية. ولم يندحر إلا في عام 1863. إلا أن نشاط الوهابيين استمر بعد ذلك. وكانت السلطات البريطانية، كما يقول المؤرخ الإنجليزي و. هنتر، تعتبرهم (جماعة... تشكل، في رأي جميع الحكومات التي حلت محل بعضها البعض، مصدرا لخطر دائم على الإمبراطورية الهندية).
ودفعت الوهابية بعض الحجاج الأندونيسيين الذين أموا مكة في العقد الأول من القرن التاسع عشر إلى ممارسة النشاط الإصلاحي. ففي سومطرة بدأت حركة دينية سياسية استخدمت عددا من الشعارات الوهابية. وكانت في البداية موجهة ضد السكانا لمحليين غير المسلمين، ثم اكتسبت طابعا مناوئا للهولنديين. وطوال حوالي خمسة عشر عاما، اعتبارا من عام 1821، خاض المستعمرون الهولنديون الحرب ضد وهابيي سومطرة.
ويرى بعض الباحثين أن الوهابية مارست تأثيرا معينا على حركة عثمان دان فوديو في غرب أفريقيا في مطلع القرن التاسع عشر والتي أدت إلى تأسيس دولة سوكوتو الشاسعة هناك، وكذلك على السنوسيين في ليبيا.
وكان سلطان مراكش مولاي سليمان (1792-1822) الذي اشتهر بثقافته وروعه وحرصه على الإسلام قد استخدم الأفكار الوهابية في مكافحة التجزئة الإقطاعية والعشائرية في البلاد. وواجه نشاط المرابطين الانفصالي بمبدأ: سلطة واحدة ودين واحد ودولة واحدة. وتقليدا للوهابيين شجب السلطان الشعائر السنوية لتكريم الأولياء وألغى مختلف الضرائب التي لاينص عليها القرآن وأخذ يرسل إلى مناق البربر قضاة مسلمين يعملون على نشر الشريعة واجتثاث العرف القبلي عند البربر. وكانت إصلاحات مولاي سليمان الوهابية تشكل خطرا على المصالح المادية للجمعيات الدينية والمرابطين وسلطتهم بل وحتى على وجودهم. فتوحدوا، إلا القليل منهم، ضد السياسة الوهابية للحكومة وألحقوا الهزيمة بالسلطان وأرغموه على التنازل عن العرش.
علماء الدين والقضاة
قدم علماء الدين الوهابيون دعماً كبيراً للسياسة التوحيدية لأمراء الدرعية. وقد أوردنا أمثلة على مشاركتهم الواسعة المستمرة في أهم شئون الدولة. وكان مؤسس الوهابية الشيخ محمد بن عبدالوهاب يتمتع بمنزلة رفيعة للغاية. وفي السنوات الأولى لتحالفه مع محمد بن سعود لم يكن مجرد عالم دين ومعلم ومفت. فقد قام بتنظيم القوات ومارس الشئون الداخلية والخارجية وأجرى المكاتبات والمراسلات مع علماء الدين في الجزيرة وبشر بتعاليمه ودعا إلى التمسك بالولاء لأمير الدرعية. وساهم مساهمة نشيطة في تأسيس وإدارة الدولة الوهابية. وكانت دعوة الشيخ قد ضبطت الوهابيين ورصت صفوفهم حول الأمير وأججت تعصبهم. وماكان عبدالعزيز يوزع غنائم الحرب إلا بعد التشاور مع محمد بن عبدالوهاب.
كان محمد بن عبدالوهاب يحافظ على سمعته فلا يستأثر صراحة بدرهم واحد من غنائم الحرب. وبعد احتلال الرياض التي كانت الخصم الرئيسي للدرعية في نجد اعتزل محمد بن عبدالوهاب شئون الدولة وأناط بعبدالعزيز مراقبة بيت المال وكرس نفسه لشئون الدين والمذهب والدعوة. وانهمك أبناء الشيخ وأحفاده بتأليف كتب الفقه استنادا إلى تعاليمه وبتفسير مؤلفاته. وعلى هذا النحو نشأت مدرسة رجال الدين الوهابيين التي ظلت سالمة بعد الغزو المصري.
وكتب ابن بشر عن أمير الدرعية يقول (وكان رحمه الله تعالى مع ذلك كثير العطاء والصدقات للرعية من... القضاة وأهل العلم وطلبته ومعلمة القرآن والمؤذنين وأئمة المساجد). وبعد إنهاء التعلم كان الشبان يحصلون على هدايا كبيرة. وكان بيت المال ينفق على تلاميذ أبناء الشيخ محمد بن عبدالوهاب. وكانت النفقات على المساجد والقائمين على خدمتها تعتبر بالطبع من أسمى وأنبل نفقات بيت المال. ويقول منجين أن المساجد في الدولة السعودية، تعتمد ماليا على جزء من العشر وعلى عائدات الأوقاف المخصصة لها. ويديرها مدير يمينه علماء الدين). ومما مؤسف له أننا لم نعثر على معطيات أخرى تثبت وجود وانتشار أموال الأوقاف في الجزيرة العربية. ويقول مؤلف (لمع الشهاب) أن محمد بن عبدالوهاب وعائلته يمتلكان أراضي واسعة، وبالإضافة إلى ذلك كان يستلم مداخيل هائلة من بيت المال وهدايا من الأمراء التابعين.
وكانت الدرعية ترسل علماء الدين إلى جميع الواحات والمدن والقبائل الهامة. وكانت مهمتهم تتلخص في توعية السكان دينيا واجتثاث تمسكهم بالمذاهب الأخرى وفرض أصول الوهابية وإثارة الحماسة الحربية والولاء للدرعية. وقد افتتحت كتاتيب قام علماء الدين فيها بتعليم القراءة والكتابة وتجويد القرآن. ويقول بوركهاردت أن علماء الدين جمعوا مكتبات كبيرة في الدرعية. وكانت لدى سعود كذلك مكتبة كبيرة. وكان القضاة الوهابيون يمارسون القضاء مسترشدين بالكتاب والسنة على أساس المذهب الحنبلي. وكانت الشريعة تغرس بنجاح أكبر في الواحات التي تتسم بتمايز طبقي متطور.
أما البدو فإن الشريعة الإسلامية لاتطبق عندهم إلا قليلا. ودخل النظام القضائي الوهابي في خلاف شديد مع العرف البدوي. وهناك مبررات للافتراض بأن العرف هو الذي فاز مع أن ازدياد الوظائف الطبقية لأعيان القبائل البدوية قد وسع إمكانيات تطبيق الشريعة. وفي الوقت الحاضر شهد كاتب هذه السطور محاكمة في منطقة مأرب في اليمن الشمالي. فإن المحافظة نظر في النزاعات القبلية استنادا إلى العرف وحده. وحدثت بعض التغيرات في مطاردة المجرمين قضائيا وإنزال العقوبة بهم في الدولة الوهابية. وبموجب الشريعة كانوا يقطعون يد اللص أو يفرضون عليه غرامة حسب الظروف.
وكما هو الحال في عهد النبي محمد سعى الوهابيون إلى تقييد الثأر فاستبدلوه بتعويض قدره 100 ناقة أو 800 ريال. (أورد بوركهاردت هذه المعلومات دون أني يؤكد ما إذا كان ذلك يسري على جميع مناطق الجزيرة). ويبدو أن السعوديين تمكنوا من تضييق مفعول عادات الثأر بعض الشيء دون أن يقضوا عليها. ولم يكن الوهابيون يعترفون بعادات الحماية التي يقدمها بعض أبناء القبائل للمجرمين.
النظام العسكري
العساكر
كتب بوركهاردت يقول أن سعود وأباه لم يحتفظا بجيش نظامي أبدا ماعدا بضع مئات من الجنود المختارين كانت لهما في الدرعية. ولكن جميع الرجال مابين الثامنة عشرة والستين كانوا يعتبرون ملزمين بالخدمة العسكرية. وكان كل بدوي أو حضري صحيح الجسم وقوي يعتبر في الواقع محاربا. عندما ينوي أمير الدرعية القيام بغزوة يبعث رسلا إلى شيوخ القبائل وبأمرهم بالحضور في يوم معين إلى منطقة بئر معين. ويقول ابن بشر (ولا يتخلف أحد عن ذلك الموعد لا حقير ولا جليل، لا من بوادي الحجاز ولا العراق ولا الجنوب ولا غير ذلك). وإذا تختلف أحد تفرض عليه غرامة. وكان أشخاص مختصون يبعثهم الأمير فيأخذون الغرامة بشكل مختلف الأموال والجياد والإبل ويضربون المذنبين)... ويعذبون المجرم بأنواع العذاب... ولايتجاسر أحد أن يقول لهم شيءا، أو يشفع فيه بل كلهم طائعون مذعنون).
وكتب المؤرخ البصري ابن سند يقول: (فإذا أراد ابن سعود قتال قرية أو قبيلة فأولا يرسل إلى القرى التي أطاعته ويطلب من كل قرية مقدار العسكر المفروض على تلك القرية أو القبيلة فيأتي إليه...). وكتب الرحالة الإسباني باديا – أي ليبليخ (عندما يحتاج أمير الوهابيين إلى العساكر يكتب إلى مختلف القبائل ويحدد عدد المحاربين الذين يتعين إرسالهم إليه).
وكتب منجين بهذا الخصوص: (قبيل بدء الحملة الحربية كان سعود يطلب من المناطق أن ترسل له العدد اللازم من العسار. وكان الأمراء يصدرون الأوامر لمن هم تحت سلطتهم. وكان كل من وجهاء المدينة والمنطقة يقود محاربيه المسلحين بنفسه إلى المكان المخصص له ويبقى رئيسا وقائدا لهم طوال فترة الحرب. وتتشكل في كل منطقة مفارز خاصة بقيادة أميرها، وفي كل مفرزة كاتبان وإمام. وتتلخص وظيفة الإمام في أداء الصلاة في المعسكر، وهو في الوقت ذاته حكم في الخلافات التي يمكن أن تنشأ). كانت أكبر قبائل وسط الجزيرة – عنزة وقحطان ومطير – تخضع لأوامر حكام الدرعية وإن كانت تقيم بعيدا عن مسرح العمليات الحربية. صحيح أن وصف الغزوات يبين أن القبائل القريبة فقط تشارك فيها بالقدر الكامل عادة.
وكتب منجين (أن كل محارب يحمل معه سلاحا وطعامه وذخيرته. وكانوا يقدمون للمحاربين الفقراء مساعدة في التجهيز. والأثرياء يزودون أسرة الفقير بما تحتاج إليه. ويستطيع الشخص الذي يطلب منه الأمير المشاركة في الغزو أن يقدم شخصا آخر بدلا عنه لهذا الغرض. وهو يزوده بكل مايلزم أو يتعهد بمنحه جملا أو حصانا. ولم يكن الرجالة والهجانة على الجمال يستلمون أية أجور. أما الخيالة فيستلمون علقا للحصان وراتبا شهريا).
ويقول بوركهاردت أن قوت الجندي يتكون من 100 أوقية من الدقيق و50-60 أوقية من التمر و20 أوقية من السمن وكيس من القمح أو الشعير للبعير وقربة ماء. بديهي أن هذه الاحتياطات أقصى ما يمكن أن يأخذه المحارب، وإن كميتها تختلف باختلاف مدة الغزوة. وقد أشار ابن سند إلى ذلك. فهو يقول أن ابن سعود نفسه يحدد مقدار الدواب أو الذخيرة التي يتعين على المشاركين في الغزوة أن يأخذوه معهم. ولكنه لم يكن يحب الغزوات التي تطول أكثر من شهر، كيلا يزود الجنود بالعتاد والأغذية بنفسه. ففي الغزوة التي لاتزيد على شهر يتزود المحاربون بما هو ضروري بأنفسهم، وإذا زادت الفترة على لاشهر فإن أمير الدرعية يقدم لهم جزءا. وإذا جاء المتطوعة سيئي التجهيز فإن الأمير الوهابي يعيدهم من حيث جاءوا. ثم يعاقب الواحات أو القبائل التي أرسلتهم إليه بهذه الصورة.
إن المؤونة الشخصية التي يتزود بها المحاربون تعفي بيت المال من الاهتمام بتغذيتهم وتزيد من استقلالية العساكر في الحملات. إلا أن تجنيد المحاربين وتهيئة المؤونة لهم كان عبئا ثقيلا على القسم الفقير من السكان. وهم لايستطيعون، مثل الأغنياء، أن يقدموا البدل عن الخدمة العسكرية، وكانوا يضيعون الأيدي العاملة، ولايمكن لأية معونة أن تعوض عن فقدان المعيل. ولايعول المحاربون البسطاء الذين يشاركون في الغزوات على شيء سوى حصة في الغنائم. ولذلك فإن سكان الواحات والبدو، كما يقول بوركهاردت كانوا كثيرا مايتهربون من المشاركة في الحملات.
وبعد انقطاع خمس غنائم الحرب لصالح أمير الدرعية يقسم الباقي على المحاربين. ومن المقرر أن الفارس، أي ممثل الوجهاء والأعيان، يستلم بقدر حصتي الرجالة. وفي الواقع، على مايبدو، كان الوجهاء يستأثرون بحصة الأسد. وأشار رايمون إلى أن الجند في عهد عبدالعزيز كانوا يتشكون من الظلم في توزيع الغنائم، حيث يستلم قادتهم حصة الأسد. وكان يتعين على أمير الدرعية أن يتدخل ويحق الحق. وكتب بوركهاردت أن حرس أمراء الدرعية يتكون من أفضل الجنود وعددهم 300 شخص. وهذا لحرس هو الاحتياطي الرئيسي في سرح القتال. وهم مسلحون جميعا أفضل تسليح وينفق الأمير عليهم. ولايذكر المؤرخون النجديون شيئا عن مثل هذا الحرس. فهم يتحدثون فقط عن العبيد المسلحين. ويبدو أن الحرس الشخصي للأمير يضم المماليك المسلحين والأحرار.
كان سعود منذ الطفولة وحتى شيخوخة يجب الغزو والجهاد. وشارك معه في الغزوات علماء الدين من الدرعية والواحات القريبة. وكان يترك في العاصمة أحد أبنائه خليفة له، وهو عبدالله في أغلب الأحوال. ويقول ابن بشر أن سعود يثير الرعب في الأعداء (فإذا سمعوا بمغزاه هرب كل منهم وترك أخاه وأباه وماله وما حواه).
ويقول منجين (خلال الحملات النهارية والليلية تخصص مقدمة ومؤخرة. وتتقدم العساكر بطابور أو عدة طوابير تبعا للملابسات. وكان الأمراء دوما يقودون المحاربين الخاضعين لهم. تسير الخيالة والهجانة في مقدمة الطابور وفي مؤخرته. والوسط يخصص للمدفعية والرجالة الذين يمتطي كل إثنان منهم جملا. وأثناء الحملات يقتات الوهابيون على التمر مع لبن الإبل ونادرا مايتناولون الخبز واللحم.
ويدخل الوهابيون المعركة بشكل كتائب. ويترك الرجالة الجمال تحت رعاية الخدم. وعندما يقترب العدو أو يتفوق تغدو الجمال بمثابة الدروع الواقية للمتحاربين. وتتكون كل كتيبة من سكان منطقة معينة يتزعمهم أمير أو وجيه قروي. صفوف المحاربين مزدوجة وعندما يتعب الصف الأول أو يتكبد خسائر كبيرة يحل محله الصف الثاني. وتنقل جثث القتلى من مساحة القتال ومن العيب عدم مواراتهم التراب. وفي حالة الهزيمة تنسحب العساكر بلا ذعر ولا اضطراب. وإذا منى العدو بالهزيمة فإنا لرجالة لاتطارده. ولكن الخيالة والهجانة تطارده لمسافة معينة).
وفي المعسكر (يعرف كل فرد مكانه. والقائد في وسط المعسكر. والخيالة حول خيمته. وعلى مقربة من المعسكر مخافر الرجالة والخيالة . ويجري استبدال الخفراء كل أربع وعشرين ساعة. وفي النهار الجميع ينامون ولا ينهضون إلا لأداء الصلاة خمس مرات. وفي الليل يتجاذبون أطراف الحديث ويجودون القرآن ويحكون الحكايات والقصص.
كان الانضباط متشددا عند الوهابيين. فالقائد الذي لايؤدي واجباته أو الذي يبدر منه مايثير الشكوى ينحني من منصبه. وأحيانا تفرض عليه غرامة. وتجري معاقبة الجنود المذنبين بالجلد بالعصى. وإذا اقترف الجندي جريرة كبيرة تقطع رقبته. ويفعلون به الشيء ذاته إذا فر من العدو). وفي الواحات الكبيرة والمدن (في الإحساء والقصيم ومكة والمدينة) كانت لأمراء الدرعية حاميات من النجديين الموالين لهم.
كانت عساكر الجزيرة العربية مسلحة بالسيوف والحراب والخناجر والرماح القصيرة للرجالة والدروع والهراوات والبنادق الحارقة والمسدسات. وكان الوهابيون يصنعون البارود بأنفسهم. وأحيانا كانوا يرتدون خوذا وأردية حماية جلدية. وكانت لدى الوجهاء قمصان من زرد. ولدى المحارب كذلك خنجر مشدود إلى حزامه وحقيبة مليئة بالخراطيش. وكان لدى البعض مسدسات. ولم تستخدم البنادق الحارقة كثيرا، فلم تكن السلاح الرئيسي لدى العساكر. ويقول ابن بشر أنه كان لدى سعود 30 مدفعا كبيرا و30 مدفعا صغيرا. وقد تم الاستيلاء على أكثر هذه المدافع من العدو ولم تستخدم تقريبا في القتال. وبلغ عدد العساكر تحت رايات أمير الدرعية 50 ألفا وكان الأوروبيون ميالين إلى المبالغة، فيذكرون أرقاما مثل 100 ألف و120 ألفا وحتى 200 ألف. لم يكن للوهابيين نظير في شبه الجزيرة، ولكن ذلك لايعني أنهم كانوا منتصرين دوما.
مقدمات تحلل وسقوط الدولة السعودية الأولى. اتضح أن مهمة إخضاع شبه جزيرة العرب كلها كبيرة على أمراء الدرعية. فإن أراضي الجزيرة الشاسعة وسوء طرق المواصلات عبر البوادي القاحلة والجبال الوعرة جعلت المناطق منعزلة عن بعضها البعض وخلقت الصعوبات أمام الغزوات وتموين العساكر. ولم تكن الطاقات والعساكر كافية لأمراء الدرعية كي يخضعوا المناطق الجبلية في اليمن وحتى في الحجاز وساحل مسقط وحضرموت، وكي يثبتوا مواقعهم في تهامة ونجران. وكان ذلك يشكل تهديدا متواصلا ومصدرا للاضطراب في أطراف الدولة وأرغم الوهابيين على تبديد قواهم وأموالهم على العمليات الحربية التي لم تنته دوما بالعقوبة المثلى (للمشركين) وبثواب (الموحدين) بغنائم وفيرة. ولم تكن العساكر الوهابية خارج شبه الجزيرة العربية وفي المناطق الصحراوية بقادرة على خوض معارك كبيرة ناجحة. فبعد غزو كربلاء، كما أسلفنا، لم تقع في أيدي الوهابيين أية مدينة محصنة وإن كانت صغيرة في الشام أو العراق. كانت عساكر السعوديين تحجم أمام المدن المحصنة والمحمية ببسالة وبمعرفة في الفن العسكري.
كانت حماسة الوهابيين في الهجوم تتسم بطابع حروب الغزو في القرون الوسطى. ومن الصعب التكهن بمصير دولتهم لو كانت قد ظهرت قبل القرن التاسع عشر بعدة قرون. بيد أن سير التطور التاريخي لايعترف بأية افتراضات. فعندما تجاوز الوهابيون إطار الجزيرة العربية التي كان مستواها هو مستوى القرون الوسطى اصدموا بالقوات الأكثر تطورا للإمبراطورية العثمانية والتي سبقتهم من حيث التطور بعدة قرون. في تلك الأثناء كانت بعض ولايات الإمبراطورية العثمانية تقوم بمحاولات مستميتة، وإن دون جدوى حتى ذلك الحين، من أجل التحول إلى دولة عصرية. وتبنت بالدرجة الأولى التكتيك الحربي الأوروبي والتنظيم العسكري الأوروبي. ومنى الوهابيون بالهزيمة في الصدام مع جيش مدرب ومسلح على الطريقة الأوروبية.
ويكمن في وقف التوسع بحد ذاته خطر على وجود الدولة السعودية. فإن المشاركة في الغزوات الموفقة والنهب المشترك، كما أسلفنا، هما الأمر الرئيسي الذي وحد وجهاء وأعيان مختلف الواحات والقبائل. وعندما تباطأ التوسع العسكري لإمارة الدرعية بعد أن بلغ حدوده الطبيعية، ثم توقف في الواقع فقد التوحيد كثيرا من جاذبيته بالنسبة لوجهاء الجزيرة. وتقلص ورود الثروات المنهوبة. وصار بوسع الوجهاء الإقطاعيين أن يحصلوا على مداخيل أكثر عن طريق تطبيق سياسة مستقلة وممارسة الغزو التقليدي.
وكانت القبائل البدوية الجبارة تشعر خصوصا بثقل نير الدولة المركزية. فالكثير من البدو الذين لم يكونوا يعرفون الضرائب في السابق وأبدا صاروا يسددون الزكاة الإلزامية خوفا من التنكيل الشديد، وكثيرا ما أخذوا يتمردون. وكان البدو مستعدين دوما للتخلص من نير الوهابية. ولم يكن اعترافهم بالوهابية إلا ظاهريا كما يقول بوركهاردت. وكانت غنائم الحرب تعوض بشكل ما عن تسديد الزكاة وفقدان مداخيل مختلف أنواع الأخاوات، ولكنه في حالة توقف الغزوات الناجحة صار عبء الدولة المركزية ثقيلا لايطاق. كان الاستغلال الضرائبي والأتاوات والغرامات في بعض الحالات أثقل من مزايا السلامة والأمن والاستقرار. وعند ذاك كانت قبائل ومناطق بكاملها ترفض دفع الأتاوات. وكان سعود يقوم سنويا بعدة حملات ليس فقط على أطراف الجزيرة المتمردة أو ولايات الإمبراطورية العثمانية، بل وكذلك على القبائل والمناطق المتمردة في دولته.
وسارت داخل الدولة السعودية عملية التعمق المتزايد في فوارق الملكية والمتناقضات الطبقية. وصار وجهاء وسط الجزيرة الذين أثروا من الغزوات يبتعدون أكثر فأكثر عن بسطاء البدو والفلاحين ويتذوقون طعم الترف والفخفخة. وتعمقت الهوة بين الدعوة الوهابية الموجهة إلى الرعية وبين نمط حياة الوجهاء والأعيان. وكانت الحملات البعيدة تلهي فلاحي نجد عن الأعمال الزراعية دون تكافئهم دوما بالغنائم. وكانت من أسباب تذمر قسم من السكان الحضر ضرورة تسديد بدل الإيجار للإقطاعيين أو للدولة بالإضافة إلى الزكاة. إن تضاؤل مصلحة الوجهاء والأعيان في وجود الدولة المركزية بعد توقف التوسع، وتذمر البدو وأعيانهم من سلطة السعوديين، وخيبة أمل الفلاحين المزارعين في أمراء الدرعية والوهابية – كل ذلك كان مقدمات موضوعية، خارجة عن إرادة الأمراء، لتحلل الدولة المركزية في الجزيرة العربية. كانت تلك المقدمات موجودة بشكلها لاكامن، ولكنها لم تظهر إلا بعد فترة زمنية طويلة نسبيا. إلا أن بعض الإجراءات السياسية والاقتصادية التي فرضها التعصب الضيق على أمراء الدرعية قد أدت إلى تفاقم الصعوبات أمام الدولة وعجلت في تحللها.
وكان تعصب الوهابيين الشديد قد حملهم على قطع العلاقات التجارية مع (المشركين) أي مع غير الوهابيين. وحتى عام 1810 ظلت التجارة مع الشام والعراق محرمة. وكانوا إذا وجدوا تاجرا في طريق يؤدي إلى (المشركين) صادروا بضاعته كلها. ومن السهل تصور الضربة الفظيعة التي تتلقاها الحياة الاقتصادية في بعض المناطق في حالة التطبيق الحرفي للأوامر المتعصبة.
بيد أن الحاجات الاقتصادية كانت أقوى من القرارات المتهورة والتعصب الأعمى. فقد تقلصت تجارة الجزيرة مع (المشركين) ولكنها ظلت مستمرة. وفي فترة تأزما لعلاقات مع مصر والعراق والشام لم تتوقف تجارة لاقمح. وكان الوهابيون أنفسهم يبيعون في اهند المجوهرات المنهوبة. إن أمراء الدرعية عندما قاموا بمحاولة فاشلة لإقامة (الحصار الذاتي) على الجزيرة وعجزوا عن الاستغناء عن التجارة مع (المشركين) قد أساءوا إلى سمعتهم هم.
وكانت سياسة الوهابيين تدميرية خصوصا بالنسبة للحجاز. وكانت الضربة الأشد قد نجمت عن منع وصول أغلبية الحجاج من الإمبراطورية العثمانية. ولم يعد البدو يستلمون بدل مرور القوافل عبر أراضيهم ولا أجور دواب الحمل. وفقد عدد غفير من المتسولين المحترفين والأدلاء وسدنة العتبات المقدسة مداخيلهم.ولم تعد هدايا السلطان السنوية تصل إلى الحرمين. وبنتيجة ذلك، كما يقول الجبرتي، لم يعد سكان مكة والمدينة يستلمون ما يعيشون عليه: الصدقات والأغذية والنقود. فأخذوا نساءهم وأطفالهم وتركوا ديارهم ولم يبق هناك إلا الذين لم يكونوا يعتمدون على تلك المصادر للعيش. وتوجه أولئك الناس إلى مصر والشام وسافر قسم منهم إلى الاستانة.
وعندما اجتاحت المجاعة بسبب الجفاف المرعب الجزيرة العربية طوال خمس أو ست سنوات كانت الأغذية تصل إلى الحجاز مع ذلك من بلدان أخرى. بيد أن عمليات الوساطة أو السمسرة وبيع البضائع من قبل الحجاج هي الأنواع الرئيسية للتجارة في الحجاز. وهي بالذات التي تضررت أكثر من غيرها. وتقلص مرور البضائع عبر جدة بسبب التقلص الشديد في عدد الحجاج الذين كان كثير من البضائع يجلب من أجلهم، في حين أن تجار البن والأقمشة الهندية لم يجروا على الظهور في المرفأ، لأنهم يعاملون معاملة (المشركين). وأصاب الكساد التجارة مع مصر. وتجلى الأثر السلبي لذلك كله ليس فقط عند التجار الأثرياء بل وكذلك بسطاء الناس في جدة ومكة ومدن أخرى، لأنهم هم أيضا مرتبطون بالتجارة. وأصاب الإفلاس كثيرين منهم، وخلت جدة من أهلها. وألغى أمراء الدرعية مختلف الأتاوات الجائرة وحاولوا دون الابتزاز من جانب شريف مكة أو آغا المدينة المنورة. ولكنهم فرضوا الزكاة الإلزامية في المناطق غير الخاضعة للشريف مباشرة. ويمكن أن نتصور مشاعر البدو أو سكان المدينة المنورة الذين فقدوا مداخيلهم من الحج وصاروا مضطرين على تسديد الزكاة.
لقد تركت لشريف مكة مداخيله، ولكنها تقلصت كثيرا بسبب تقلص توارد الحجاج وركود التجارة ومنع استحصال الرسوم من التجار الوهابيين، ناهيك عن الأثر الذي تركه فيه فقدان الاستقلال السياسي. ولم تكن المشاركة في الغزوات لتبشر سكان الحجاز عموما بخير، فقد تعودوا الحصول على أسباب العيش بأساليب أسهل. ويكفي القول أن سكان المدينة المنورة الذين كانوا يمتلكون جيادا قد باعوها فورا لتفادي الاستدعاء للخدمة في عساكر الوهابيين.
وكانت العادات الصارمة (النقية) التي استحدثت في مكة تتعارض مع عادات ومفاهيم سكانها. إن الانتماء إلى الحرم الشريف قد ولد لدى سكان مكة شعورا بالتفوق على سائر المسلمين، الأمر الذي قدم لهم تبريرات جاهزة للتسيب. وكانت الأنظمة الجديدة تحظى بتأييد علماء الدين الأتقياء والمؤمنين الصادقين، ولكنها كانت ثقيلة على أغلبية السكان. وكان ثقيلا أيضا الشعور بالإهانة بسبب الخضوع للنجديين لأول مرة بعد قرون عديدة.
إن كل هذه العوامل الاقتصادية والسياسية والسيكولوجية قد أثارت في الحجاز جو العداء والحقد على الوهابيين الذين كانت مكانتهم وسلطتهم تستندان إلى القوة العسكرية فقط. وكان بوسع أي دافع خارجي قوي أني يزدي إلى بدء عملية تحلل الدولة السعودية الأولى، في حين أن التناقضات التي كانت تفتتها من الداخل ببطء قد اكتسبت طابعا تدميريا.
قائمة أمراء الدولة السعودية الأولى
أمراء الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود
الأمير | الإمارة |
---|---|
عبدالوهاب بن عامر المتحمي المعروف بكنيته أبو نقطة. | تهامة وما يليها من اليمن |
عثمان بن عبدالرحمن المضايفي | معضم الحجاز |
صقر بن راشد، رئيس رأس الخيمة | عُمان |
سليمان بن محمد بن ماجد الناصري | الأحساء |
أحمد بن غانم | القطيف |
سلمان بن خليفة | الزبارة والبحرين |
ربيع بن زيد الدوسري | وادي الدواسر |
فرحان الرشيدي | قائد العسكري |
عبدالله بن محمد بن غيهب | الوشم |
عبدالله بن جلاجل | سدير |
حجيلان بن حمد | القصيم (في بريدة) |
محمد بن عبدالمحسن بن فايز بن علي | جبل شمر |
سالم بن شكبان | بيشة |
مسلط بن قطنان | رنية |
حمد بن يحيي | تربة |
الأمراء في عهد الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد
الأمير | الإمارة |
---|---|
زايد فرحان الرشيدي | قائد الجيوش في الحجار و تهامة |
عبدالوهاب، المعروف بأبي نقطة، ولما قتل تولى طامي بن شعيب. | عسير وتهامة |
عثمان بن عبدالرحمن المضايفي | الطائف والحجاز |
إبراهيم بن سليمان بن عفيصان | الأحساء |
أحمد بن غانم | القطيف |
راشد بن عبدالله الوهيبي | شمال قطر |
رحمة بن جابر | الدمام |
سلمان بن خليفة | البحرين |
سلطان بن صقر بن راشد ثم عزله وجعل مكانه ابن أخيه حسن بن رحمة | عمان |
مطلق المطيري | قائد الجيوش في عمان |
عبدالله بن سليمان بن عفيصان | الخرج |
عيد سالم المسيلم | اقليم السر |
ساري بن يحيى بن سويلم ومن بعده ابنه يحيي. | المحمل |
حمد بن سالم ثم عزل وتولى عبدالكريم بن معيقل. | سدير |
مبارك المبارك السمهودي الرشيدي | الشيخ |
محمد بن عبدالمحسن بن فايز بن علي | جبل شمر |
ربيع بن زيد الدوسري | وادي الدواسر |
سالم بن شكبان ثم بعده ابنه فهاد | بيشة |
مسلط بن قطنان | رنية |
حمد بن يحيي | تربة |
الشريف غالب بن مساعد | مكة |
حسن القلعي | المدينة |
جابر بن جبارة الشريف | ينبع |
أمراء الإمام عبدالله بن سعود
الأمير | الإمارة |
---|---|
فهد بن سليمان بن عفيصان | الأحساء |
إبراهيم بن غانم | القطيف |
راشد بن عبدالله الوهيبي | شمال قطر |
رحمة بن جابر | الدمام |
حسن بن رحمة | عمان |
بتال المطيري أخو مطلق المطيري. | قائد الجيوش في عمان |
سلمان بن خليفة | الزبارة والبحرين |
قاعد بن ربيع بن زيد | وادي الدواسر |
عبدالله بن سليمان بن عفيصان | الخرج |
محمد بن يحيي بن غيهب | المحمل |
عبدالله بن محمد بن معيقل ثم محمد بن إبراهيم أبا الغنيم | سدير |
مبارك السمهودي الرشيدي | شيخ البوادي الحجاز |
محمد بن عبد المحسن بن علي | جبل شمر |
المعالم الأساسية
في عهد آل علي تم بناء قصر برزان الشهير. وبعد سنين طويلة وتقدر بمئات السنين وذلك منذ القرن الثامن الهجري من حكم آل علي لحائل قام آل علي وبالتحديد أمير المسلمين محمد بن عبد المحسن آل علي في 1792 ميلادية بالتحالف مع الدولة السعودية الأولى واستمروا حكاماً لحائل حتى عام 1834 ميلادية وهو العام الذي استطاع فيه عبد الله الرشيد تأسيس دولة آل رشيد في حائل.
انظر أيضاً
- تأسيس المملكة العربية السعودية
- الحرب السعودية المصرية
- الدولة السعودية الثانية
- تاريخ السعودية
- قائمة الأسر المسلمة السنية
المصادر
- Sadleir, George Forster, Diary of a journey across Arabia, 1819, ISBN 0902675591
- R. Bayly Winder, Saudi Arabia in the Nineteenth Century , 1965 , ISBN 9781349817238
- J. B. Kelly, Britain and the Persian Gulf in 1795–1880, Originally published by Oxford, Clarendon Press, 1968
- Ahmad Mustafa-Hakima, History of Eastern Arabia (1750-1800),1988, ISBN 0853820228
- William Facey, Dir'Iyyah and the first Saudi State, 1997, ISBN 0905743 806
- Frederick Anscombe, The Ottoman Gulf: The Creation of Kuwait, Saudia Arabia, and Qatar, 1997, ISBN 0231108397
- The first and second Saudi states in Saudi Aramco World, January/February 1999, p. 4-11
- James Onley., The Arabian Frontier of the British Raj: Merchants, Rulers, and the British in the Nineteenth-Century Gulf, 2007, ISBN 0199228108
- , G. Forster Sadleir , Diary of a Journey Across Arabia, 1866 edition, Reprint 2013, ISBN 1909349957
- Lawrence G. Potter, The Persian Gulf in Modern Times, 2014, ISBN 9781137485762
- Sean Yom, Government and Politics of the Middle East and North Africa, 2020, ISBN 9781138354326
- The Arabian Seas: Biodiversity, Environmental Challenges and Conservation Measures, Laith A. Jawad, 2021, ISBN 978-3-030-51505-8
الهوامش
- ^ https://www.amazon.com/Diriyyah-First-Saudi-State-William/dp/0905743806
- ^ الدولة السعودية الأولى، مقاتل من الصحراء
- ^ وادي حنيفة يمتد بشكل متعرج من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي تحفه الجبال من جانبيه. وينبسط ويضيق حسب تكويناته الطبيعية وأرضه. وتغذيه في مواسم الأمطار روافد تنحدر من الجبال، وتكثر فيه المياه الجوفية التي تغذي بساتين النخيل والعنب والأشجار المتنوعة ممتدة من العمارية والملقى في شمال الدرعية حتى الحائر (حائر سبيع) في الجنوب منها.
- ^ من مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب الأخرى: مختصر السيرة النبوية، وكشف الشبهات، وأصول الإيمان، وفضائل الإسلام، وأحاديث الفتن، ومختصر زاد المعاد، ومسائل الجاهلية، مختصر صحيح البخاري، ومجموعة الحديث، فيه كتاب للشيخ بعنوان نصيحة المسلمين، وكتاب الكبائر، واستنباط القرآن، ورسائل عدة ذكرها ونقل بعضها حسين بن غنام في تاريخه.
- ^ أطلق عليها علماء الدولة العثمانية لقب الوهابية وعدوها مذهباً جديداً، ووصفوا أتباع الشيخ بالروافض والخوارج، لِيُنَفِّرُوا الناس منها، وهذا غير صحيح، إنما كان ذلك نوعاً من الكيد السياسي.
- ^ كتاب: عنوان المجد في تاريخ نجد
- ^ كتاب: الدولة السعودية الأولى ( ج1 ) - عبدالرحيم عبدالرحمن
- ^ كتاب: المفصل في تاريخ الإمارات العربية المتحدة - فالح حنظل
- ^ حامد المرر
- Pages using infobox country with unknown parameters
- Pages using infobox country or infobox former country with the flag caption or type parameters
- الدولة السعودية الأولى
- انحلالات 1818
- دول وأراضي تأسست في 1744
- تاريخ نجد
- تاريخ السعودية
- تاريخ الإمارات العربية المتحدة
- أسر مسلمة
- بلدان سابقة في الشرق الأوسط
- القرن 18 في السعودية
- القرن 19 في السعودية