إمارة نجد والأحساء
إمارة نجد والأحساء | |||||||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|
1913–1921 | |||||||||||
العاصمة | الرياض | ||||||||||
اللغات المشتركة | العربية، الفارسية، التركية العثمانية | ||||||||||
الدين | المذهب السني | ||||||||||
الحكومة | ملكية مطلقة | ||||||||||
Emir | |||||||||||
• 1903–1921 | عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود | ||||||||||
التاريخ | |||||||||||
1913 | |||||||||||
1921 | |||||||||||
|
إمارة نجد والإحساء إمارة كانت قائمة من عام 1902 إلى عام 1921.[1] و أشار مؤرخون إليها كـإمارة الرياض.[2] كان نظام ملكي بقيادة آل سعود.[3] تشكلت الدولة بعد استيلاء القوات السعودية الرياض على منزل رشيد قائد إمارة حائل خلال معركة الرياض.[4]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
نجد والحجاز إبان الحرب العالمية الأولى (1914-1918)
قبيل الحرب العالمية الأولى ازداد نفوذ ألمانيا في الدولة العثمانية لدرجة كبيرة . فبعد تردد قصير علق ثلاثي تركيا الفتاة الآمال على برلين ودخل الحرب ضد بلدان الوفاق . وبنتيجة مغامرة القيادة التركية بلغت الأزمة السياسية داخل الدولة العثمانية نقطة حرجة فطرح سكان أغلب الأقاليم غير التركية ، وبالدرجة الأولى البلدان العربية، مطلب تقرير المصير. إلا أن دول الوفاق كانت تعتبر الإمبراطورية المحتضرة كلها غنيمة استعمارية لها ، وتعتبر القوميين العرب حلفاء مؤقتين خاضعين.[5]
استمرت المعارك الدموية في الشرق الأدنى زهاء أربعة أعوام . وأنجزت إليها بدرجات مختلفة جميع بلدان شبه الجزيرة العربية تقريبا ، مع أن الجزيرة كانت مسرحا لعمليات حربية من الدرجة الثالثة بمقاييس الحرب العالمية .
منذ بداية العمليات الحربية ضد الدولة العثمانية كانت المهمتان الفوريتان لبريطانيا هما فرض السيطرة على مصر وقناة السويس والبحر الأحمر ، وكذلك الاستيلاء على رأس جسر في شط العرب – مصب دجلة والفرات لتأمين حماية حقول البترول في إيران من الهجوم التركي الألماني المحتمل ، وقد أمن حل المهمة الأولى وجود القوات البريطانية في مصر وسيطرتها على مشارف القناة من جهة سيناء، أما حل المهمة الثانية فأمنه إنزال فيلق الحملات في وادي الرافدين . وفي عدن جرى تعزيز الحامية وإرسال إمدادات من القوات الإنگلوهندية بغية احتفاظ بريطانيا بالمرفأ الاستراتيجي الهام ، مع عدم التورط في عمليات حربية نشيطة ضد القوات العثمانية التي اقتحمت اليمن الجنوبي .
ومن بين جميع حكام شبه الجزيرة العربية حظي شريف مكة الحسين بأكبر الاهتمام لدى الحلفاء الذين علقوا عليه آمالا تحققت فيما بعد بقدر ما . فقد كان الحسين بوصفه من العائلة الهاشمية المتحدرة من قريش من أكبر المتنفذين في العالم الإسلامي . وكان يعتبر من أحفاد النبي وسادن الحرمين الذي عين في هذا المنصب بفرمان من السلطان العثماني . كان الإنجليز يخشون من أن دعوة السلطان العثماني للجهاد ضد المسيحيين ، وبالتالي ضد الإنگليز والفرنسيين يمكن أن تؤثر على مصر والهند وشمال أفريقيا والمستعمرات الأخرى التي يقطنها المسلمون . وكان الحلفاء يعتقدون بأن تأييد الحسين لدعوة الجهاد من شأنه أن يقوي تأثيرها . صحيح أن دعوة السلطان كان لها صدى محمود ، واتضح أن المخاوف بشأن تأثيرها كان مبالغا فيها .
وخلال العامين الأولين من العمليات الحربية في وادي الرافدين منيت القوات الإنكلوهندية بعدة هزائم على يد القوات التركية التي كان فيها عدد غير قليل من العرب . وفي هليبولي حيث اندحرت قوات الحلفاء أيضا كان في الفرق التركية عرب من رعايا الإمبراطورية العثمانية . ولذلك كان تشجيع الحركة القومية العربية ذات الصبغة الدينية يستجيب في تلك الأثناء للمصالح البريطانية والفرنسية .
إمارة نجد والحرب العالمية الأولى - المعاهدة الإنكلونجدية
عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى بعث أمير الرياض عبد العزيز رسائل إلى الشريف حسين وسعود بن صالح في حائل والشيخ مبارك الصباح في الكويت واقترح عليهم عقد لقاء للحكام العرب للحيلولة دون جر العرب إلى العمليات الحربية وتوقيع معاهدة مع الدول الكبرى لضمان تقرير المصير للدول العربية . ولم تكن مصالح مختلف الأمراء العرب متوافقة آنذاك ، ولذا تعذر وضح منهاج مشترك . فقد رد حاكم الحائل بأنه سيقاتل ضد الذين يقاتلون الأتراك وسيتصالح مع الذين يتصالحون معهم .
ووصل إلى نجد من بلاد الرافدين مبعوث السلطات العثمانية طالب النقيب الذي تقابل مع عبد العزيز في بريدة ، ولكن مهمته أخفقت لأن القوات البريطانية احتلت البصرة آنذاك . وتوجه من المدينة المنورة في الوقت ذاته وفد تركي آخر ومعه دليل من الوزن الثقيل على رغبة السلطات العثمانية في استمالة عبدالعزيز إلى جانبها . فقد حمل الوفد 10 آلاف ليرة ذهبا . وحاول أحد أعضاء هذا الوفد ، وهو مؤرخ الحجاز والجزيرة العربية محمود شكري الألوسي ، إقناع عبد العزيز بتأييد الأتراك . وتملص عبدالعزيز عن تقديم أية وعود قائلا بأنه عاجز عن مقاومة الإنگليز ، ولكنه وعد بعدم إعاقة تجار نجد عن تزويد الجيش التركي بالأغذية . وطوال الحرب كلها كانت القوافل التركية المحملة بالسلاح والذخيرة تجتاز أراضيه من الشام إلى عسير واليمن .
إلا أن الإنگليز رغم اعتمادهم على الحسين ماكان بوسعهم أن يتجاهلوا أمير نجد . ففي تلك الفترة كانت ممتلكات عبدالعزيز تنبسط من الكويت وجبل شمر حتى حدود صحراء الربع الخالي ومن الخليج حتى الحجاز . وكانوا يريدون من عبد العزيز شيئا واحدا هو أن يشل صنيعة الأتراك أمير حائل الذي يهدد جناح الجيش البريطاني في جنوب وادي الرافدين .
وعندما بدأت العمليات الحربية في الشرق الأدنى استدعى المعتمد البريطاني في حوض الخليج كوكس مخبره الموهوب الكابتن شكسبير من إجازت وأرسله إلى نجد . وحالما وصل شكسبير إلى الرياض أصر على أن يبدأ الأمير النجدي العمليات الحربية ضد الشمريين . وفي بداية كانون الثاني (يناير) 1915 توجه عبد العزيز نحو الشمال على رأس قوات بألف وخمسمائة شخص أغلبهم من سكان واحات العارض . وفيما بعد انضم إليه محاربون من مطير والعجمان وسبيع والسهول . وتوجه للقائه سعود بن صالح حاكم حائل وكان معه هو الآخر ألف وخمسمائة شخص تقريبا . (حتى ذلك الحين قتل زامل السبهان) . ويصعب اعتبار هذه الأرقام صحيحة ، ولكنها تبين على وجه التقريب نطاق العمليات .
وكانت عند عبدالعزيز عدة مدافع يقود بطاريتها الكابتن شيكسپير ، مع أن روايات أخرى تقول أن شكسبير كان مجرد مراقب . ويبدو أن إبن سعود ما كان يريد لإنگليزي أصلا ، ناهيك عن أنه إنگليزي رفض ارتداء الزي العربي ، أن يتواجد ضمن قواته في وقت انتشر فيه أكثر فأكثر تعصب الإخوان . وحاول الأمير إقناع المبعوث البريطاني أن يبقى في الزلفى ، ولكن هذا الأخير أصر على المشاركة في الحملة ، وربما كان يعتقد بأن القضية تمس شرفه ، أو ربما كان ذلك لأجل التأكد من نوايا عبدالعزيز والحيلولة دون تنصله عن القتال .
وفي أواخر كانون الثاني (يناير) 1915 تصادمت قوات الطرفين قرب بئر جراب شمالي الزلفى . وبدأت معركة استمرت عدة أيام . وتفيد بعض المعطيات أن الشخص الوحيد الذي قتل هو الكابتن شيكسپير، وتفيد معطيات أخرى أن الطرفين فقدا مائة شخص لكل منهما . وكان محاربو عبدالعزيز المتأثرون بميول الإخوان تأثرا شديدا يطلقون صيحاتهم الحربية . أما الشمريون الذين يشكلون أساس قوات حاكم حائل فقد كانوا يقاتلون وسط صيحات قبيلتهم الحربية التي تطلقها فتيات حسناوات جالسات على الإبل بشعور مسترسلة . وهذه الوقائع ذات دلالة ليس فقط لأنها تشكل مشهدا صغيرا من حرب نشبت في أوروبا واستخدمت فيها لمدفعية والغازات السامة والطائرات ثم الدبابات . فبالنسبة للجزيرة العربية تجدر الإشارة إلى أن واقع انتقاء صيحات الحربي يبين اختلاف قاعدتي الأميرين : القاعدة القبلية لجبل شمر والقاعدة العربية العامة المستندة إلى التوحيد الوهابي عند الإخوان لإمارة نجد . كان الشمريون يستنهضون بعضهم البعض بصيحات جد قبيلتهم ، أما المحاربون السعوديون فكانوا يستعينون بالجنة الموعودة في حالة الممات . وانتهت المعركة بتعادل الطرفين . إلا أنها جعلت أمير الرياض طوال عامين أوث لاثة يرفض الدخول في حرب كبيرة .
تمكن شيكسپير من إجراء مباحثات سياسية مع عبدالعزيز . فوضعا مسودة معاهدة التزم الإنگليز بموجبها بضمان مواقع أمير الرياض في نجد والإحساء وحمايته من الهجمات العثمانية المحتملة من جهة البحر والبر إذا التزم بمساعدة الحلفاء . وتخلى الإنگليز عن سياستهم القديمة لعدم التدخل في الشئون الداخلية لشبه الجزيرة العربية . وألزمت المعاهدة إبن سعود بعدم إقامة علاقات مع البلدان الأخرى بدون مشاورة تمهيدية مع السلطات البريطانية . وتبين الدراسة التي أجراها ترولير لوثائق الأرشيفات الإنجليزي أن عبدالعزيز كان يدرك بدقة مضامين السياسة البريطانية في الجزيرة العربية . فبعد مقارنة النص الأولى للمعاهدة الذي اقترحه الإنگليز مع التعديلات تأكد ترولير من أن جميع اعتراضات أمير نجد تهدف إلى تقوية استقلاليته وتقليل تحكم بريطانيا بسياسته .
وعندما كان إبن سعود يتباحث مع شيكسپير وصل إلى نجد مبعوثون أتراك كانوا لايزالون يؤملون في اجتذاب الإمام للمشاركة في الجهاد ضد الكفرة .
وفي 26 كانون الأول (ديسمبر) 1915 وقع بيرسي كوكس مع عبدالعزيز المعاهدة في حزيران دارين المقابلة للقطيف . ولذا سميت المعاهدة بمعاهدة دارين أو معاهدة القطيف . وصادق على المعاهدة نائب ملك بريطانيا وحاكم الهند في تموز (يوليو) 1916 . وقبيل توقيع المعاهدة بين بيرسي كوكس وعبدالعزيز قدم الإنگليز ، كما يقول فيلبي ، هدية إلى أمير الرياض هي ألف بندقية و20 ألف جنيه إسترليني وسمحوا له بشراء ذخيرة حربية في البحرين .
واعترفت الحكومة البريطانية بأن سيادة عبدالعزيز تشمل (نجد والإحساء والقطيف وجبيل وجميع المدن والمرافئ التابعة لهذه المقاطعات) والتزمت (بحماية مصالحه ومصالح بلاده) بعد مشاورات مناسبة . ونصت المادة الثالثة من المعاهدة على مايلي : (يتعهد إبن سعود أن يمتنع عن كل مخابرة أو اتفاق أو معاهدة مع أية حكومة أو دولة أجنبية) . وأكدت المادة الرابعة أن أمير نجد لايمكن أن يتنازل عن الأراضي أو جزء منها ولا أن يؤجرها أو يرهنها أو يتصرف بها بأي شكل ولا أن يقدمها على سبيل الامتياز إلى أية دولة أجنبية أخرى أو إلى أحد من رعايا دولة أجنبية بدون موافقة الحكومة البريطانية . وتقول المادة السادسة : (يتهد ابن سعود كما تعهد والده من قبل بأن يمتنع عن كل تجاوز وتدخل في أرض الكويت والبحرين وأراضي مشايخ قطر وعمان وسواحلها وكل المشايخ الموجودين تحت حماية إنگلترا والذين لهم معاهدات معها) . ولم يرد في المعاهدة شيء عن الحدود الغربية لنجد . وهكذا فرضت هذه المعاهدة في الواقع الحماية البريطانية على نجد وتوابعها . وصارت ههذ المعاهدة جزءا من شبكة النفوذ البريطاني التي أرادت لندن فرضه على القسم الأكبر من الشرق الأدنى ، وعلى أية حال ، على الجزيرة العربية كلها بعد الحرب العالمية الأولى . وفيما بعد ، اعتبارا من عام 1916 استلمت نجد مقابل توقيع المعاهدة ، معونة شهرية بمبلغ 5 آلاف جنيه استرليني ، مع إرساليات معينة من الرشاشات والبنادق .
انتفاضة العجمان
- مقالة مفصلة: انتفاضة العجمان
كان العجمان طوال خمسين عاما تقريبا من أصعب القبائل على السعوديين، وقد خضعوا للحكومة المركزية على مضض . وعلى أثر معركة جراب نهب العجمان بعض القبائل التي كانت خاضعة لحاكم الكويت. وقد بعثت حاكم الكويت رسالة إلى عبدالعزيز يطلب فيها منه معاقبة العجمان. وكانت تلك هي الحجة المنشودة. إلا أن أمير الرياض ما كان يثق بحاكم الكويت وكان يخشى أن يغير الكويت موقفها أثناء حملته على العجمان وتغدو ملجأ لهم.
وفي صيف 1915 توجه عبدالعزيز ، قبل أن يوقع الاتفاقية مع الإنجليز ، إلى الإحساء على رأس فصيل من 300 شخص . وانضم إليه متطوعون محليون . ولحق بالعجمان في آيار – حزيران (مايو – يونيو) 1915 عند جبل كنزان، إلا أن العجمان كانوا مستعدين للمعركة فواجهوه بمقاومة شديدة. وفقد النجديون حوالي 300 شخص بمن فيهم سعد شقيق الأمير عبدالعزيز ، ثم أن الانسحاب إلى واحات الإحساء. وكان الوضع خطيرا لدرجة جعلته يلتجئ إلى حصن الكوت في الهفوف. وأخذ العجمان ينهبون الواحات المجاورة وظلوا يحاصرون عبد العزيز حوالي ستة شهور ، حتى أيلول – تشرين الأول (سبتمبر – أكتوبر) 1915 . ساعدهم بعض الأمراء المحليين و(العرايف) .
ولم يسفر عن نتيجة عاجلة طلب المساعدة من شيخ الكويت. وبعد تكرار الطلب بعث مبارك ابنه سالم مع مائتين من المحاربين لنجدة عبد العزيز. وفي بداية العام التالي صار عبدالعزيز قادرا على مغادرة الهفوف والبدء بالهجوم على العجمان. وسرعان مااختلف عبد العزيز مع سالم بن مبارك فعاد هذا الأخير إلى الكويت . ووصل العجمان إلى الكوت يلاحقهم ابن سعود الذي صدقت شكوكه، فقد التجأت هذه القبيلة إلى مبارك الذي آواها . وفي بداية كانون الثاني (يناير) 1916 توفي مبارك وصار شيخا للكويت ابنه جابر الذي كانت له علاقات طيبة مع عبد العزيز منذ عهد الغزوات المشتركة. وطرد الشيخ الجديد العجمان من أراضي إمارته. فتحسنت العلاقات بين نجد والكويت لفترة ما. ولكن جابر توفي في عام 1917 فصار أخوه سالم شيخاً للكويت، وهو ضد ابن سعود.
في عام 1916 وصل سعود بن صالح من حائل على رأس قوات إلى القصيم وحاول الاستيلاء على بريدة ليستعيد سيطرته على الإقليم، ولكنه منى بالهزيمة. فإن إمارة جبل شمر كانت تتدهور رغم دعم العثمانيين.
انتفاضة الحجازين ضد الأتراك
تناولت المطبوعات السوفيتية والغربية والعربية بشكل جيد موضوع الانتفاضة العربية بقيادة الشريف حسين ضد الإمبراطورية العثمانية والملابسات المرتبطة بتقسيم الإمبراطورية العثمانية وحنث الإنجليز بالوعود والالتزامات التي أخذوها على عاتقهم . ولذا نكتفي هنا بسرد الأحداث بالخطوط العريضة مركزين على نجد التي نشأت فيها نواة المملكة العربية السعودية.
إن الاهتمام بالانتفاضة العربية ضد الأتراك في المطبوعات الغربية التاريخية والأدبية كبير إلى حد الإفراط ، وذلك بالارتباط بشخصية الكولونيل لورنس الذي وصل من القاهرة بمثابة ضابط ارتباط إلى شريف مكة في تشرين الأول (أكتوبر) 1916 . وبعد انتزاع مدن صغيرة من الأتراك على ساحل البحر الأحمر توجهت فصائل البدو إلى شمال الحجاز لتستولي على ميناء العقبة . وفي معركة هامة على مشارف العقبة حيث حسم الأمر زعيم بدوي شجاع ماهر كان لورنس في حالة جنونية يطلق النار بصورة عشوائية فقتل ناقته بإطلاقة في رأسها وسقط مغشيا عليه . ودحر البدو الفصيل التركي الصغير الذي سد عليهم الطريق إلى العقبة واستولوا على المدينة . ثم اقتصرت عمليات الجيوش العربية على محاربة الأتراك شرقي نهر الأردن وعلى عمليات التفجير على السكة الحديدية والتي شارك فيها لورنس بنشاط . بديهي أن انتفاضة العرب كساعدت على انتصار الحلفاء وحقنت دماء الجنود البريطانيين . إلا أن العرب ضحوا بحياتهم في الواقع لكي يقتسم المستعمرون فيما بعد البلدان العربية . وكان لورنس يعرف هذه الحقيقة ومع ذلك دفع عرب الجزيرة إلى الموت . وكتب لورنس يقول : (بما أني لم أكن أحمق نهائيا فقد رأيت أنه إذا انتصرنا نحن في الحرب فإن وعودنا للعرب ستكون حبرا على ورق . ولو كنت مستشارا نزيها لبعثت رجالي إلى ديارهم ولما سمحت لهم بالمجازفة بحياتهم من أجل هذه القضية . إلا أن الحماسة العربية كانت أداتنا الرئيسية لنكسب الحرب في الشرق . ولذلك أكدت لهم أن إنگلترا ستبقى على العهد نصا وروحا ... ولكنني ، بالطبع ، كنت على الدوام أشعر بالمرارة والخجل) .
وتجدر الإشارة مرة أخرى إلى أن اهتمام الحلفاء بشريف مكة في الحرب العالمية الأولى كان أكثر بكثير من اهتمامهم بأمير نجد . وفي المنطقة بين معان واليمن كان هناك حوالي أربع فرق تركيبة تقيد الانتفاضة العربية .
كانت سياسة الشريف حسين مرتبطة بنهوض حركة التحرر الوطني في المناطقا لعربية من الإمبراطورية العثمانية . وفي مطلع القرن العشرين ظهرت في الإمبراطورية العثمانية مختلف الجمعيات والمنظمات للدفاع عن حقوق العرب . وكان الكثيرون من القوميين العرب في بداية القرن العشرين يتصورون بسذاجة أن بريطانيا وفرنسا يمكن أن تساعدا بنزاهة العرب في التحرر من نير الأتراك . وقد خابت آمالهم بمرارة ، كما أن البعض منهم دفعوا حياتهم ثمنا لقصر نظرهم .
وقد تسلح أنصار تركيا الفتاة بالفكرة التركية القومية الشوفينية وأخذوا يتهمون العرب بالعمل لصالح الأجنبي . وفي حزيران (يونيو) 1913 عقد المؤتمر العربي في باريس حين نوقشت حقوق العرب في الدولة العثمانية . وأصر المشاركون فيه ، وأغلبهم من السوريين ، على ضرورة الإصلاحات بموجب المبادئ اللامركزية . وكان أنصار تركيا الفتاة قلقين من حركة التحرر الوطني العربية فلجأوا إلى التنكيل . ومع أن الحكومة العثمانية أصدرت في آب (أغسطس) 1913 مرسوما نص ، فيما نص ، على توسيع حقوق هيئات السلطة المحلية والتدريس باللغة العربية في الولايات التي يشكل العرب أغلبية سكانها ، فإن كل هذه الإصلاحات ظلت حبرا على ورق .
وعندما أعلنت الحكومة العثمانية الجهاد في بداية الحرب حاولت أن تشكر شريف مكة به . وتواردت عليه الرسائل طالبة منه أني علن تأييده للجهاد . وكان الحسين يتملص من الجواب متحججا بضعف مواقعه أمام ضربات الإنجليز وبخطر المجاعة في حالة محاصرة سواحل الحجاز . وفي البرقيات التي أرسلت إلى وزيرا لحربية التركي أنور باشا الذي كان في الواقع بمثابة رئيس الحكومة طالب حاكم مكة بالاعتراف باستقلال الحجاز والعفو عن القوميين العرب المسجونين . وما كان بوسع الحكومة التركية أن تلبي هذه المطالب .
وقبل بداية الحرب أقام حاكم مكة علاقات مع الإنگليز عن طريق القاهرة . وكان عبدالله ابن الشريف حسين ، وهو عضو في المجلس العثماني ، قد تقابل مرتين مع المندوب السامي البريطاني في مصر اللورد كيتشنير (في 1913 وفي بداية 1914) .
عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى عين اللورد كيتشنير وزيرا للحربية ، وشغل هنري مكماهون منصبه في مصر . وفي كانون الثاني (يناير) 1915 بدأ ستورس سكرتير الشئون الشرقية لدى المندوب السامي البريطاني في مصر وكلايتون مدير المخابرات العسكرية البريطانية في القاهرة بوضع خطة انتفاضة العرب إلى جانب دول الوفاق . وفي منتصف تشرين الأول (أكتوبر) وصل رسول من ستورس إلى مكة للاتصال بعبدالله . وبدأت مراسلات بين الشريف حسين والمندوب السامي البريطاني في مصر . وفي تلك الأثناء كان القوميون العرب ، وخصوصا من جمعيتي (الفتاة) و(العهد) يستعدون للانتفاضة في منطقتي سورية والعراق اللتين اجتاحتهما القلاقل المناوئة للأتراك . وطرحوا شرطا للتعاون مع الإنجليز هو اعتراف بريطانيا باستقلال البلدان العربية التي يجب أن تمتد حدودها عبر مرسين واطنة وأورفا وماردين في الشمال ، ولا يستثنى من (البلدان العربية) إلا عدن في الجنوب . ونص برنامجهم على توقيع اتفاقية دفاعية بين بريطانيا والدولة العربية المستقلة المرتقبة وتقديم امتيازات اقتصادية لبريطانيا . واعترفوا بشريف مكة زعيما للقوميين العرب .
وفي عام 1915 و1916 كشفت السلطات العثمانية في سوريا تنظيمات عربية سرية وقبضت على زعمائها وأعدمتهم على مرأى من فيصل الذي كان عام 1916 في دمشق بمثابة أسير عند الأتراك في الواقع . ويبدو أن الأتراك عرفوا بصلتها مع فيصل ، ولكنهم فضلوا عدم المساس به آنذاك . وفي عام 1916 جرى تدمير منظمات القوميين العرب في العراق . وأخذ أنصار تركيا الفتاة ينقلون إلى الجبهة الأوروبية قواتهم التي فيها كثير من العرب ، وصاروا يرسلون إلى البلدان العربية وحدات تركية خالصة.
واستأنف الشريف حسين المباحثات مع الإنگليز في عام 1915 . وفي تلك الأثناء كانت الحرب بالنسبة لبريطانيا وحلفائها في الشرق الأدنى تجري بصورة غير موفقة . فقد أخفقت العمليات الهجومية في هليبولي وسيناء . وكان الأتراك يهددون عدد من اليمن . وكانت حالة فيلق العمليات في العراق صعبة .وعلق الحلفاء أهمية أكبر على انتفاضة العرب التي كان يتعين عليها أن تساعد جهود الحلفاء الحربية في الشرق الأدنى . وجرى تبادل الرسائل بين الحسين ومكماهون ، مما أسفر عن مجادلات شديدة . ففي الرسالة المؤرخة في 14 تموز (يوليو) 1915 طالب حاكم مكة بأن تعترف بريطانيا باستقلال البلدان العربية وتوافق على إعلان الخلافة العربية . وأشار إلى أن الحكومة العربية تلتزم بأن تقدم لبريطانيا امتيازات اقتصادية . ووردت في الرسالة شروط التحالف العسكري وإلغاء نظام الاستسلام ومسائل أخرى . وتتضح من نص الرسالة رغبة الحسين في أن يتزعم بمساعدة الإنگليز الدولة العربية المستقلة التي من شأنها أن تضم جميع المحميات العربية (وقسما من الممتلكات الكردية والتركية الصرف للدولة العثمانية) وكذلك محميات بريطانيا في الجزيرة العربية ماعدا مستعمرة عدن .
وكتب مكماهون في رسالته بتاريخ 24 تشرين الأول (أكتوبر) 1915 (لايمكن القول أن مناطق ميرسين والاسكندرية وقسم من سورية الواقع غربي مناطق دمشق وحمص وحماة وحلق هي مناطق عربية صرف ولذا يجب أن تستثنى من التحديد المقترح وبشرط هذا التعديل وبدون إلحاق ضرر بالمعاهدات المعقودة بيننا وبين بعض الزعماء العرب نقبل هذا التحديد . أما بخصوص المناطق الواقعة داخل الحدود المقترحة والتي تستطيع بريطانيا أن تعمل فيها بحرية بدون إلحاق ضرر بحلفائها فرنسا فأنا مخول بإعطائكم الإلتزامات التالية باسم الحكومة البريطانية ....1) أن بريطانيا مستعدة ، بشرط إجراء التعديلات المذكورة أعلاه ، للاعتراف باستقلال العرب وحمايته في جميع المناطق الواقعة داخل الحدود المقترحة من قبل شريف مكة . 2) تضمن بريطانيا حماية العتبات المقدسة من أي عدوان خارجي . 3) يفترض أن العرب قرروا طلب النصح والمساعدة من بريطانيا وحدها وأن المستشارين والموظفين الأوروبيين الذين سيحتاجهم إيجاد نظام صائب للإدارة سيكونون من البريطانيين . 4) فيما يخص ولايتي بغداد والبصرة فإن العرب يعترفون بأن المصالح والمواقع البريطانية فيما تتطلب إجراءات إدارية خاصة لحماية هاتين المنطقتين من العدوان الأجنبي) .
إن إلتزامات بريطانيا للشريف حسين تحتمل معنيين وقد قيدت مطالب حاكم مكة الذي قضي عشرات السنين في جو الاستانة المشحون بالنشاط السياسي ، جعلته يدرك تماما الحدود الحقيقية والمكنون الفعلي للوعود البريطانية . ولكن حتى أكثر التفسيرات تقييدا للرسالة البريطانية بدت له كافية لضمان مكانته المرتقبة كملك للعرب وكافية لإعلان الانتفاضة على الأتراك . فقد فسر الالتزامات البريطانية في بياناته العامة وفي مراسلاته مع الإنجليز وفي ميدان الدعاية تفسيرا موسعا واعتبرها حاوية على الاعتراف باستقلال العرب برئاسته شخصيا كملك لهم ، وربما كان يؤمل في انتزاع أمور من الإنگليز بالقوة أكثر مما وعدوا به .
ولكن حتى التفسير الحذر لرسالة مكماهون لم يمكن الشريف وحاشيته من التصور بأن جميع وعود لندن كانت خداعا وتضليلا ، وأن المفاوضات جارية بشأن التقسيم الاستعماري للبلدان العربية ، تلك المفاوضات التي انتهت بمعاهدة سايكس – بيكو. فقد وقعت تلك المعاهدة قبل بضعة أسابيع من اندلاع الانتفاضة وشطبت التزامات مكماهون .
وعشية الانتفاضة حذر حاكم مكة إبنه فيصل فتمكن من التملص من الرقابة التركية مع موكب صغير . وأعلن الحسين الاستقلال في 5 حزيران (يونيو) 1916 ، وفي 10 حزيران بدأ الانتفاضة خوفا من ضربة وقائية يسددها الأتراك . وفي تموز (يوليو) استسلمت الحامية التركية في مكة ، وتم بالتدريج الاستيلاء على سائر المدن الكبيرة في الحجاز ، ما عدا المدينة المنورة التي يصل إليها فرع من سكة حديد الشام . وظهرت في جدة بعثتنا اتصال بريطانية برئاسة الكولونيل ويلسون وفرنسية برئاسة بريمون .
وفي أواخر تشرين الأول (أكتوبر) 1916 أعلن الشريف حسين أنه ملك البلدان العربية . إلا أن أحدا خارج الحجاز لم يعترف بالحسين ملكا لجميع العرب . وفي كانون الثاني (يناير) 1917 أبلغت الحكومتان البريطانية والفرنسية الحسين بأنهما تعترفان به (ملكا للحجاز) .
وفي أواخر عام 1916 انضوى تحت لواء الحسين في الحجاز 30-40 ألف محارب ، ولكنه لم يكن لديهم غير 10 آلاف بندقية . وفي البداية أوكلت مهمة تنظيم العمليات الحربية لعزيز المصري وهو ضابط من مصر ، ثم لجعفر العسكري وهو ضابط من العراق غدا فيما بعد رئيسا للوزراء في العراق عدة مرات . إلا أن الحسين وقادته العسكريين فضلوا الأساليب التقليدية لخوض العمليات الحربية على نصائح الضباط المتدربين في الجيوش النظامية .
وفي بداية عام 1917 احتل الأسطول البريطاني وفصيل حجازي بقيادة فيصل آخر موضع للأتراك على ساحل الحجاز وهو الوجه . وفي مطلع تموز (يوليو) 1917 استولى الثائرون العرب على العقبة . واجتذبت النقود الإنجليزية التي وزعها الحسين وأبناؤه على البدو عددا متزايدا من الأنصار للانتفاضة .
وعلى أطراف البادية ، في أراضي الأردن حاليا ، بدأت القوات العربية زحفها نحو دمشق ، الأمر الذي سهل عملية الجيش البريطاني التي قادها اللنبي في فلسطين . واقتربت نهاية الدولة العثمانية . وأخذ العرب يفرون من القوات التركية .
وعندما نشرت روسيا السوفييتية بعد ثورة أكتوبر المعاهدات القيصرية السرية (ومن ضمن ما نشر معاهدة سايكس-بيكو بشأن تقسيم الأقطار العربية) سلم الأتراك إلى الشريف حسين نص هذه المعاهدة . فاتصل الحسين بالإنجليز طالبا رأيهم في صحة هذه المعاهدة فاستلم منهم (تأكيدات صادقة) بأن هذه المعاهدة مزورة . وصدق الشريف حسين الإنجليز أو تظاهر بأنه يصدقهم وواصل العمليات الحربية ضد الأتراك . وكان ذلك يعني أن الدماء العربية تراق في الواقع لأغراض ضد العرب . إلا أن حكومة الحجاز كانت معتمدة كليا على المساعدات العسكرية والمالية والغذائية من الإنگليز وكانت لاتتمتع بحرية العمل .
وفي المرحلة الختامية من الحرب وبعدها غدا واضحا أن الإنگليز لاينوون تنفيذ الوعود المائعة التي قدموها للحسين والقوميين العرب ، بل وراحوا يعمقون المشكلة بالتقسيم السافر للأراضي العربية وبوعد بلفور الصادر في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 1917 بشأن تأسيس (موطن) لليهود في فلسطين . وتأزمت العلاقات بين الحسين والإنگليز . إلا أن بريطانيا ثبتت (مصالحها الخاصة) في الجزيرة العربية من خلال مؤتمر صلح فرساي .
وفي 30 أيلول (سبتمبر) 1918 دخلت جماعة من المحاربين من قبيلة عنزة إلى دمشق وجالت في ساحتها الرئيسية حاملة العلم العربي . وبعد يوم كامل دخلت وحدات اللنبي الإنگليزي المدينة وصار فيصل ملكا مؤقتا لسورية حيث تشكلت حكومة عربية . ولكن الفرنسيين طردوا فيصل من دمشق بعد عامين وأغرقوا الحركة التحررية لعرب سورية بالدماء .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عبد العزيز وانتفاضة الحجاز
بعد بداية الانتفاضة المناهضة للأتراك في الحجاز كانت المهمة الرئيسية للحكومة البريطانية في شبه الجزيرة العربية هي حث عبدالعزيز على الانضمام إلى الشريف حسين ، أو على الأقل ، الحيلولة دون اشتداد التناقضات بينهما . إلا أن عبدالعزيز لم يكن منذ البداية يثق بالشريف حسين . وعندما علم أمير الرياض من بيرسي كوكس بنبأ الانتفاضة في الحجاز في حزيران (يونيو) 1916 أعرب عن مخاوفه من أن رغبة الحسين في قيادة العرب يمكن أن تخلق وضعا غير مقبول إطلاقا بالنسبة له .
وبعد بداية انتفاضة الحسين كان النجديون يساعدون الأتراك تارة ويساعدون الحجازيين تارة أخرى ، كما يقول المؤرخ الزركلي الموالي للسعوديين .
وكتب مرسيل يقول أن فصائل عبدالعزيز قامت بغزوات على القبائل الخاضعة للشريف حسين وخصوصا في المناطق الحدودية . وأقام إبن سعود صلات مع الوالي العثماني والقائد العام للقوات التركية في أطراف المدينة المنورة . وفي أواخر أيلول (سبتمبر) 1917 توجه وفد نجدي إلى دمشق لمناقشة مختلف القضايا مع السلطات العثمانية ، مع أن عبدالعزيز نفسه زار الإنجليز في البصرة في أواخر نشرين الثاني (نوفمبر) .
ويبدو أن عبدالعزيز أحس بالجهة ذات الكفة الراجحة . فصادر 700 جمل اشتراها أحد التجار الأثرياء لأجل الأتراك وسلمها إلى الإنجليزي في الكويت . ولاحظ الشريف حسين أن الجهود البريطانية عاجزة عن وقف منافسه النجدي فبعث رسولا إلى عبدالعزي يحمل ذهبا ودعوة للعمل ضد العدو المشترك (ضد الأتراك) .
وبعد اندلاع الانتفاضة في الحجاز بدأت إمارة جبل شمر تستلم من الأتراك أسلحة . وعندما أدرك عبدالعزيز أن القدرة العسكرية لحائل بعثت من جديد أخذ يسعى إلى تحسين العلاقات مع الشريف حسين ، إلا أن السبب الرئيسي في تغير موقفه العدائي من الحجاز هو الضغط البريطاني .
وفي 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 1916 عقد پرسي كوكس في الكويت اجتماعا حضره عبدالعزيز وشيخ الكويت جابر وشيخ المحمرة خزعل وامتدح ابن سعود أعمال الشريف حسين وأكد على ضرورة تعاون جميع العرب المخلصين معه للدفاع عن القضية العربية . ولكن الأمير ، كما هي العادة ، لم يعد بتقديم دعم ملموس . وأقنع الإنگليز الحسين بإرسال برقية تحية إلى الحاضرين في اجتماع الكويت .
وقرر عبدالعزيز أثناء هذا الاجتماع التزام جانب بريطانيا كليا. وآنذاك استلم مع شيخ الكويت جابر الوسام البريطاني. وأقسم الرجال الثلاثة اليمين على التعاون بإخلاص مع بريطانيا. وعند ذاك قدم عبدالعزيز إلى الإنجليز بصورة تظاهرية ألـ 700 جمل التي كانت مخصصة للأتراك.
وبعد اجتماع الكويت زار إبن سعود البصرة حيث استعرض الإنجليز أمامه الأسلحة الحديثة ورأيى الطائرات لأول مرة . ولم يبد الأمير إعجابه الشديد فهو قليل الكلام ، ولكن الآليات الحديثة ، كما هو المفروض ، قد تركت لديه انطباعا عميقا . وفي تلك الفترة تم الاتفاق على المعونة الشهرية لأمير الرياض بمبلغ 5 آلاف جنيه إسترليني .
وبالإضافة إلى المعونة المالية عرض پرسي كوكس على أمير نجد 4 رشاشات وثلاثة آلاف بندقية مع ذخيرتها ، وردا على ذلك وعد عبدالعزيز بتجنيد 4 آلاف شخص ضد حائل.
ومع ذلك تأكد الإنجليز من عدم إمكان دفع أمير الرياض إلى العمليات المباشرة ضد جبل شمر ، وكانوا يؤملون ، على الأقل ، في أن ترغمه المعاهدة الموقعه معه على فرض الحصار على الأتراك في الحجاز وسورية . إلا أن أمير الرياض ، شأنه شأن الحكام الآخرين ، لم يعيقوا حتى نهاية الحرب التهريب الذي كانت ترد عائدات منه إلى الخزينة . وذات مرة نقلت قافلة من 3 آلاف جمل بضائع إلى الحجاز فظهرت بسبب ذلك تعقيدات في علاقات إبن سعود مع الإنگليز .
وعندما أعلن الشريف حسين أنه ملك العرب أعرب أمير الرياض عن احتجاجه وطالب برسم الحدود بين نجد والحجاز والاتفاق على عائدية بدو الحدود .
واعتبارا من عام 1917 حاول بيرسي كوكس أن يصرف أنظار إبن سعود عن أعمال الحلفاء في الحجاز ، وظل يحرضه على مهاجمة إمارة جبل شمر التي كانت تقلق القوات الإنكلوهندية في وادي الرافدين من جهة الجناح . (وفي تلك السنة صار پرسي كوكس معتمدا مدنيا لبريطانيا في بغداد لدى فيلق العمليات الإنكلوهندي) . وحاول الإنگليز من جديد وبدون جدوى أن يوقفوا التهريب عبر بوادي الجزيرة . وكان سبل البضائع يجري كذلك من العراق الذي ترابط فيه قواتهم ، ومن موانئ الخليج ، بما فيها الكويت . ثم كانت القوافل تتجه إلى القصيم أو جبل شمر ، ومن هناك إلى المدينة المنورة أو دمشق .
وفي خريف 1917 كانت فصائل الحسين تقاتل بفتور . فطالب المندوب السامي البريطاني الجديد في مصر وينهايت بممارسة ضغط أشد على إبن سعود لجعله يقوم بعمليات أنشط ضد جبل شمر . وتوجه ستورس الرياض أصيب بضربة شمس فاضطر إلى مغادرة الجزيرة العربية . وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 1917 نزل ممثلوا بيرسي كوكس وعلى رأسهم الكولونيل هاملتون في العقير وتوجهوا إلى الرياض ليناقشوا الوضع مع الأمير في أواخر الشهر .
وكان في هذه البعثة فيلبي الذي غدا من أكبر دارسي الجزيرة العربية وربط حياته فيما يعد بعبد العزيز والعربية السعودية . وغدا مندوبا دائميا لبريطانيا عند أمير الرياض . وكتب فيلبي نفسه أن مهمته كانت دفع عبدالعزيز لشن الحملة على جبل شمر والحيلولة دون تأزم العلاقات مع الحجاز والعثور على حل لمشكلة العجمان . ووعد عبدالعزيز ببدء العمليات النشيطة إذا قدموا له السلاح .
ولكن الإنجليز ، في نيسان (إبريل) 1918 عندما تم احتلال القدس ، لم يعودوا بحاجة إلى تصفية إمارة جبل شمر ، بل وصاروا يرفضون إرسال ماطلبه فيلبي في كانون الأول (ديسمبر) 1917 ، فخابت آمال عبدالعزيز .
وفي 5 آب (أغسطس) 1918 بدأت الحملة على جبل شمر ، وشارك فيها فيلبي الذي كتب عنها بحث مفصلا . وفي أيلول (سبتمبر)) 1918 تحرك الإخوان رافعين راياتهم نحو حائل . وكان عند النجديين حوالي 5 آلاف شخص . وفي تلك الأثناء تأزم الوضع على الحدود مع الحجاز بسبب واحة الخرمة . وعقد الحسين صلحا مع حائل ، وأقلق ذلك كله أمير نجد . وعندما كان الشمريون على وشك الاستسلام قرر الإنجليز أن انتصار إبن سعود في حائل سيثير رد فعل سلبيا عند الحسين فأمروا الحملة بأن تعود . واشتاط عبدالعزيز غضبا . إلا أن هذه الحملة عادت عليه بغنيمة كبيرة هي ألف وخمسمائة جمل وآلاف الأغنام و10 آلاف خرطوشة . ولكنه أدرك أن الإنجليز لم تعد لهم مصلحة في أعماله ضد حائل ناهيك عن احتلاله جبل شمر .
وأثناء حصار الهاشميين للمدينة المنورة الذي استمر من آذار (مارس) 1917 حتى تشرين الأول (أكتوبر) 1918 حدث في معسكر عبدالله بن الحسين خلاف بين أحد شيوخ عتيبة وبين أمير واحة الخرمة الشريف خالد بن منصور بن لؤي . وتعرض هذا الأخير لإهانة إثارات غضبه .
وفي خريف 1917 أدت مجموعة كبيرة من النجديين فريضة الحج ، وقابلهم الحسين بالتكريم . وأصر النجديون على تعيين حدود رسمية بين الدولتين ، ولكن الملك حسين تملص من الجواب وربما انتهز خالد فرصة الحج ليجري اتصالات مع النجديين ويتبنى التوحيد الوهابي . وقد لاحظ الحسين ذلك . وبعد فترة قصيرة طرد خالد من الخرمة القاضي الذي بعثه شريف مكة . وعندما طلب الشريف من خالد أن يحضر لتوضيح هذا التصرف رفض خالد الحضور وقد أحس بأن حياته في خطر .
وفي عام 1918 بعث الملك حسين فصيلا للاستيلاء على الخرمة ، إلا أن عبدالعزيز تمكن آنذاك من إرسال الإخوان لنجدة خالد ، ولذا دمروا بجهود متضافرة القوات التي جاءت من مكة عن بكرة أبيها.
وكان ذلك تحديا سافرا للشريف حسين . إلا أن خالد قد تقوى آنذاك وأخذ يقوم بغارات على المناطق الخاضعة للحسين . وكانت المدينة المنورة لاتزال في أيدي الأتراك ، وكان ذلك العمل في الواقع تعاونا مع الأتراك . وأخيرا استسلمت حامية المدينة المنورة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1918 ، وانتهت الحرب العالمية الأولى بالنسبة للجزيرة العربية . وجرت الأحداث لاحقا في تربة والخرمة الواقعتين بين الحجاز ونجد . وكان في تربة حوالي ثلاثة آلاف نسمة ، وكان فيها عدد من الأشراف يمتلكون كثيرا من أرضها . كانت هذه الواحة تعتب بوابة الطائف من جهة نجد . أما الخرمة فكان فيها حوالي 5 آلاف نسمة بعضهم من قبيلة سبيع وبعضهم من العبيد والمعتوقين . كما كانت فيها بضع عشرات من الأشراف .
الأحداث في اليمن وعسير
بعد استسلام الدولة العثمانية ظلت في الجزيرة العربية خمس دول مستقلة في الواقع هي الحجاز ونجد وجبل شمر وعسير واليمن . وكان مستقبلها مرتبطا بالصراع فيما بينها حيث ينتصر الأقوى ، وهو إمارة نجد ، وكذلك بسياسة بريطانيا . وكتب اللورد ميلنر وزير المستعمرات البريطاني في 16 آيار (مايو) 1919 يقول (كانت الجزيرة العربية المستقلة مبدأ أساسيا دائما في سياستنا الشرقية . ولكن ما نعنيه بذلك هو أن الجزيرة العربية رغم أنها ستكون مستقلة بحد ذاتها ، فإنها ستبقى خارج نطاق الدسائس السياسية الأوروبية وداخل مجال النفوذ البريطاني ، وبعبارة أخرى فإن ذلك يعني أن حكامها المستقلين لن تكون لديهم معاهدات أجنبية مع أحد سوانا) .
ولكن قبل أن نعود إلى الأحداث الأساسية في السياسة في الجزيرة العربية والتي صارت تعتمد أكثر فأكثر على التنافس بين نجد والحجاز ووجود بريطانيا كحكم بينهما يتعين أن نتناول الوضع في اليمن وعسير.
ظل إمام اليمن في الحرب العالمية الأولى مواليا للأتراك ، ومن أسباب ذلك عدم رغبته في الوقوع في تبعية للإنجليز وكذلك مخاوفه من الأمير محمد الإدريسي الذي بسط سيطرته على جنوب عسير . وكان الإدريسي ضد الأتراك حيث وقع معاهدة مع المعتمد البريطاني في عدن في آيار (مايو) 1915 . وحاول على رأس قوات من 12 ألف محارب أن يستولي على اللحية ولكن دون جدوى . وتمكن من الاستيلاء على قسم كبير من شمال تهامة ، أما اللحية فقد استولى عليها الأسطول البريطاني بواسطة فصيل من أبناء عسير في مطلع عام 1917 . وظل الحسن آل عايض شيخ القسم الشمالي من عسير (وعاصمته أبها) حتى حزيران (يونيو) 1916 محايدا ولكنه بدأ عمليات حربية محدودة ضد الأتراك فيما بعد .
وفي معرض تقييم الوضع في جنوب الجزيرة العربية في أواخر الحرب العالمية الأولى وبعدها مباشرة نشير إلى أن اليمن وعسير كانتا مشغولتين بشئونهما الداخلية فلم تمارسا تأثيرا يذكر على نتيجة الصراع بين نجد والحجاز .
معركة تربة
كان الحلفاء المنتصرون يتصارعون في المؤتمرات السلمية من أجل الانتداب والامتيازات في الشرق الأدنى دون أن يهتموا بكيفية تطور الأحداث في شبه الجزيرة العربية. وكانت الموجة المرعبة من (الحمى الإسبانولية) في شتاء 1918-1919 قد حصدت ضحايا في الجزيرة العربية أكثر ممن قتلوا في العمليات الحربية. وكان بين الضحايا تركي الإبن البكر لعبدالعزيز وإثنان من أبنائه الآخرين وكذلك زوجته الكبرى جوهرة. إلا أن هذا الوباء لم يحل دون نشوب نزاع جديد على الحدود بين نجد والحجاز.
وأرسل الملك حسين شاكر بن زيد على رأس فصيل من 1200 بدوي و500 من مشاة القوات النظامية للاستيلاء على الخرمة ، ولكن قواته منيت بالهزيمة تلو الهزيمة. وفي مطلع عام 1919 أرسل حام مكة قوات إبنه عبدالله البالغ عددها 8 آلاف لاحتلال الخرمة. وفي تلك اللحظة لم يكن واضحا هل أن الصدام بين الحجاز ونجد نافع للإنگليز . إلا أن سلوك الملك حسين واستياءه من السياسة البريطانية وتذكيره للإنجليز بأنهم خرقوا التزاماتهم وادعاءه بلقب ملك العرب كافة، لعل ذلك كله هو ما دفع لندن للتفكير بإيقاف الشريف عند حده. صحيح أن الإنجليز قد لايكونون يعرفون آنذاك القدرة القتالية الفعلية للنجدين . فقد كتب فيلبي أن جميع الحاضرين تقريبا في اجتماع عقده اللورد كيرزون في آذار (مارس) 1919 أعربوا عن رأيهم بهزيمة الوهابيين لا محالة، وتقرر آنذاك تأييد ادعاءات الحجاز بواحة الخرمة.
وفي أواخر آيار (مايو) 1919 استولى عبد الله على واحة تربة وسمح لجنوده بنهبها. وفي تلك الأثناء اجتمعت على مقربة من تربة وحدات الإخوان من الغطغط بقيادة سلطان بن بجاد وفصيل محاربين من قحطان بقيادة حمود بن عمر. ووصل إلى تلك البقعة خالد بن لؤي من الخرمة. وتفيد المعطيات النجدية أنه كان لديهم حوالي 4 آلاف شخص . وتحدث رسل عبدالعزيز الذين عادوا من تربة عن حوادث فظيعة للنهب والقتل والعنف قام بها جيش عبدالله، وزعموا أن عبدالله تباهى بأنه سيبدأ صيام رمضان في الرياض وسيحتفل بعيد الفطر في الإحساء.
وهجم الإخوان على قوات عبدالله ليلا من ثلاث جبهات وأبادوها عن بكرة أبيها. واعترف عبدالله بأن ثلاثة فقط ظلوا على قيد الحياة من الـ500 جندي النظامي الذين كانوا عنده، ولم يسلم إلا 150 شخصا من الـ850 حجازيا الذين كانوا معه. ووقعت في أيدي الإخوان جميع الأسلحة والذخيرة تقريبا. ومع أن الإخوان شاركوا سابقا في بعض غزوات عبد العزيز ولكن هذه المعركة كانت أول اختبار في بعض غزوات عبد العزيز ولكن هذه المعركة كانت أول اختبار في عملية قتالية جدية. وبينت المعركة أن لدى أمير نجد قوة قادرة على القتال. ونشأ وضع خطير بالنسبة للحجازين .
وصل عبدالعزيز إلى تربة في بداية تموز (يوليو) 1919 مع إمدادات كبيرة من 12 ألف شخص، مع أن هذا الرقم فيه مبالغة على ما يبدو. ولكن رسولا وصل من جدة في 4 تموز 1919 يحمل رسالة من المعتمد البريطاني: (أمرتني حكومتي جلالة الملك أن أبلغكم بأن تعودوا إلى نجد حالما يصل إلى يدكم كتابي هذا وتتركوا تربة والخرمة منطقة غير مملوكة حتى مفاوضات عقد الصلح وتحديد الحدود، وإذا أبيتم الرجوع بعد الاطلاع على هذا الكتاب فحكومة جلالة الملك تعد كل معاهدة بينكم وبيننا ملغية وتتخذ ما يلزم من التدابير ضد حركاتكم العدائية). وطلب الإنجليز من عبد العزيز أن لا يتحرك نحو الطائف.
وعندما استلم أمير الرياض في الحال. وأمر الإخوان بأن يغادروا الواحات في هذه المنطقة واستبدلهم بفصيل وصل من منطقة حائل ، كما أعاد أمير تربة السابق إلى منصبه .
وعزز الإنجليز إنذارهم بإرسال طائرات وجنود إلى جدة. وكانوا آنذاك يعتقدون، على ما يبدو، بأن الملك حسين تلقى درساً وما كانوا ينوون إطلاق العنان لأمير نجد الذي يصعب عليهم ضبط تصرفاته.
ولقد خضع إبن سعود لمطالب الإنگليز، ولكن دحر الحجازيين السهل نسبياً بين له مدى القوة التي يمتلكها، ولذا صار يعتقد بأن الحجاز سيكون ملكاً له في آخر المطاف. ويمكن اعتبار معركة تربة نهاية التاريخ الحديث وبداية التاريخ المعاصر للجزيرة العربية.
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ظلت نجد مجرد دولة من عدة دول في الجزيرة العربية . وظلت قائمة إمارة جبل شمر، وكانت الكويت تحت الحماية البريطانية ، ولم تكن عسير قد ضمت إلى نجد بعد . وكانت الحجاز تدعي بالتهام الجزيرة العربية كلها مع أنها لاتمتلك القوة اللازمة لذلك . وعلى أشلاء الإمبراطورية العثمانية وزعت الدول الاستعمارية الأوروبية أراضي الانتداب فيما بينها . وكتب لويد جورج يقول : (إن أحدا ما لا ينوي إرسال قوات أجنبية لاحتلال جزء ما من الجزيرة العربية . فهي بلد فقير جدا لا يستحق أن تحتله دولة ضاربة) . ولم يتبادر إلى ذهن أحد أن في هذا البلد يمكن أن توجد احتياطات خيالية من البترول.
وعلى أثر ثورة أكتوبر وبتأثير منها اجتاحت العديد من البلدان العربية حركات التحرر الوطني من مختلف التلاوين . ورغم تنوع القوى التي شاركت في تلك الحركات فقد كانت موجهة ضد الأنظمة الاستعمارية التي فرضتها بريطانيا وفرنسا وضد التقسيم الإمبريالي للبلدان العربية ونظام الانتداب الذي ابتدعته عصبة الأمم. وكانت انتفاضات 1919 و1921 في مصر و1918-1920 في العراق والحركة الجماهرية الشعبية المناهضة للاستعمار في 1918-1924 في سورية ولبنان والانتفاضة السورية في 1925-1927 والانتفاضة في عدن عام 1919 – كل تلك الأحداث كان لها تأثير مباشر وغير مباشر على الجزيرة العربية . وغدا واضحا أن زمان النظام الاستعماري بأشكاله القديمة قد ولى بالتدريج .
المصادر
- ^ J. A. Hammerton. Peoples Of All Nations: Their Life Today And Story Of Their Past (in 14 Volumes). Concept Publishing Company, 2007. Pp. 193.
- ^ Madawi Al-Rasheed. A History of Saudi Arabia. Cambridge, England, UK: Cambridge University Press, 2002. Pp. 40.
- ^ Madawi Al-Rasheed. A History of Saudi Arabia. Cambridge, England, UK: Cambridge University Press, 2002. Pp. 40.
- ^ Madawi Al-Rasheed. A History of Saudi Arabia. Cambridge, England, UK: Cambridge University Press, 2002. Pp. 40.
- ^ تاريخ العربية السعودية - فاسيلييف - الفصل العاشر