الحرب السعودية العمانية

لم يقتصر تقدم الوهابيين على العمليات الحربية في الحجاز وشمال شرقي الجزيرة العربية في بداية العقد الول من القرن التاسع عشر . فقد تمكنوا من فرض سيطرتهم تدريجيا على كل الساحل العربي للخليج بما فيه البحرين وتغلغلوا في أعماق عمان أكثر فأكثر .

كان سكان عمان مكونين من مجموعتين من القبائل: الإباضية الهناوية وسنة الغفري. وكان الصراع بين هاتين المجموعتين قد حدد تاريخ عمان طوال القرون. وهو الذي سهل تغلغل الوهابيين إلى هذه البقاع. ونشير، دون أن ندخل في التفاصيل، إلى أن سلطان، أحد أبناء أحمد بن سعيد زعيم وإمام الإباضية الذي طرد الفرس من عمان في عام 1744، صار حاكما لمسقط في عام 1793. ولكن سلطان لم يعتبر زعيما روحيا (إماماً)، وأدى ذلك إلى إضعاف سلطته. وعلى الساحل العماني من الخليج، وهو ساحل تخترقه الروافد والخلجان والمرافئ الملائمة، كانت تعيش قبائل أخرى تمارس التجارة البحرية والقرصنة وصيد اللؤلؤ والأسماك. كانوا من أهل السنة وكانوا منعزلين عن الهناوية وعن الغفري. وفي عام 1801 شن سلطان بن أحمد حملة على البحرين. وطلب سكان البحرين النجدة من الدرعية. وطرد الوهابيون المسقطيين وألحقوا بهم خسائر فادحة، ولكنهم جعلوا البحرين تابعة لدولة السعوديين.

وقبل ذلك بقليل بعث عبد العزيز إلى عمان نسخة من مؤلف لمحمد بن عبدالوهاب، وطالب بتبني المذهب الوهابي والخضوع لسلطة الدرعية. وفهم العمانيون، وأغلبهم من الإباضية، مضمون الكتاب بشكل فريد. فقد كتب المؤرخ العماني ابن رزيق ما معناه أن هذا الكتاب يحلل قتل جميع المسلمين غير المتفقين مع محمد بن عبدالوهاب والاستيلاء على أملاكهم واستعباد أبنائهم واستحلال نسائهم دون موافقة أزواجهم. ورفض الإباضية مطالب الوهابيين، إلا أن الغفري تحالفوا مع إمام الدرعية.

وورد في (لمع الشهاب) أن الوهابيين في العقد الأخير من القرن الثامن عشر بدأوا بالحملات على عمان بقيادة مطلق المطيري وإبراهيم بن عفيصان وحولوا مجموعة واحات البريمي إلى قاعدة لهم . وكانت البريمي ملتقى لطرق القوافل المؤدية إلى شواطئ الخليج العربي وخليج عمان والجبل الأخضر.

وفي عام 1800-1801 قام جيش الوهابيين بحملة موفقة على عمان قادها سالم الحرق أحد مملوكي عبد العزيز. وأقسم صقر حاكم مدينة رأس الخيمة التي هي مرفأ هام من الناحية الاستراتيجية ومركز لقبيلة القواسم يمين الولاء للوهابيين. ووقعت تحت سيطرتهم المشيخات والإمارات الصغيرة الأخرى على شاطئ الخليج العربي.

وغدا حاكم مسقط سلطان في تبعية للدرعية. حاول أن ينظم المقاومة ضد الوهابيين فصمم على تقوية الصلات مع والي بغداد الذي كان مبعوثوه يحرضونه من زمان على محاربة العدو المشترك. وفي أواخر عام 1804 توجه شخصياً مع أسطول إلى البصرة. وفي طريق العودة إلى مسقط نشبت معركة مع أسطول رأس الخيمة قتل فيها سلطان.

وعاد إلى مسقط قريبه بدر الذي كان منفيا إلى الدرعية مؤهلا بأن يركز أقدامه بمساعدة حماته الوهابيين . وبقى على دست الحكم عدة سنوات وحاول غرس المذهب الوهابي ولكن دون نجاح كبير. فإن أبناء سلطان بن أحمد ثاروا في عام 1807 وأزاحوا بدراً. وفي البداية التزم حاكم مسقط الجديد سالم ومن بعده أخوه سعيد بالخضوع للسعوديين ، ولكنهما رفضا فيما بعد دفع الأتاوات وأخذا يستعدان للعمليات الحربية. وطلب سعيد النجدة من الشاه الفارسي فأرسل إليه هذا بضعة آلاف من الجنود. وفي 1808-1809 بدأ المسقطيون مع حلفائهم من صحار العمليات الحربية ضد رأس الخيمة ولكنهم أعلنوا عن خضوعهم للسعوديين بعد أن فقدوا عدة آلاف من الأشخاص .

وغدا سكان الساحل العماني للخليج العربي، وخصوصا قبيلة القواسم الذين توحدوا تحت سلطة السعوديين وكفوا عن الحزازات الداخلية، قوة كبيرة راح أسطولها المكون من بضع مئات من السفن الكبيرة والصغيرة يجوب الخليج سيدا فيه. وفرضوا الرسوم والضرائب ونهبوا السفن التجارية العائدة لشركة الهند الشرقية والتي تمخر البحر بين بومباي والبصرة.

ونعيد إلى الأذهان أن المؤرخين الغربيين يركزون على (الطابع القرصني) المزعوم لسكان ساحل الخليج العربي. إلا أن الحقيقة هي أنهم كانوا يعيشون بالدرجة الأولى على الملاحة البحرية التجارية (دون أن يستنكفوا عن القرصنة إذا سنحت الفرصة) وكانوا يعتبرون السفن البريطانية منافسة فتاكة لهم. وينبغي على الأكثر اعتبار (قرصنتهم) ضد السفن البريطانية حربا ضد القادمين غير المرغوب فيهم.

وقد اصطدم توسع إمارة الدرعية في عمان وساحل الخليج العربي مع المصالح البريطانية الاستعمارية . في أواخر القرن الثامن عشر ترسخت سيطرة بريطانيا نهائيا على الهند، حيث تمكنت بعد صراع دام قرنين تقريبا من التفوق على سائد منافسيها الأوروبيين. وكان الإنجليز قد سعوا على الإبقاء على الخليج العربي مفتوحا أمام تجارتهم وخاليا من نفوذ أية دولة يمكن أن تهدد الهند. وظلت فرنسا أخطر دولة عليهم في النصف الثاني من القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، ولذا اعتبرا الإنجليز المتمركزون في الهند حملة نابليون على مصر عام 1798 مظهرا للخطر القديم. ولم يغير انهزام الفرنسيين في مصر فيما بعد خططهم (المشكوك في إمكان تحقيقها) الرامية إلى التقدم نحو الهند عن طريق الشام والعراق والخليج العربي مثلاً.

وعلى تخوم القرنين الثامن عشر والتاسع عشر صار الوكلاء التجاريون البريطانيون في البلدان المرتبطة بالخليج العربي يتحولون الواحد تلو الآخر إلى ممثلين سياسيين. وفي عام 1798 وقعت بريطانيا معاهدة مع حاكم مسقط موجهة ضد الفرنسيين، ولكنها أرست بداية تبعية مسقط لبريطانيا. وبعد عامين وصل ممثل بريطانيا إلى المدينة.

وحاولت بريطانيا أن تقيم علاقات ودية مع حكومة السعوديين التي كانت تتقوى آنذاك. وكانت وكالة شركة الهند الشرقية التي كانت موجودة في البصرة في أواخر القرن الثامن عشر تبعت الهدايا دوما إلى سعود. وكانت للإنجليز مصلحة في دعم تجارتهم المنتعشة بين بومباي والبصرة، وكذلك في سلامة الطريق البريدي من الهند إلى الشام عبر البصرة. وحاولوا إقناع الوهابيين بعدم المساس بسعاة البريد من البصرة إلى حلب. بيد أن الإنجليز لم يكونوا يتورعون كذلك عن استخدام القوات العسكرية. فإن الفصيل الوهابي الذي اقترب في عام 1798-1799 من الوكالة البريطانية المتواجدة آنذاك في أراضي الكويت الحالية قد تراجع أمام مدافع سفينة حربية بريطانية. وبغية تسوية النزاع على نحو ما وصل إلى الدرعية رينو ممثل شركة الهند الشرقية. وكان يريد الحصول من الوهابيين على ضمانات للمصالح البريطانية في الخليج العربي. ولكنه لم يبلغ مقصده. وحاول الإنجليز في عام 1805 أن يفرضوا الحماية على الكويت إلا أن أميرها عبد الله الصباح فضل أن يبقى مستقلا.

وفي العقد الأول من القرن التاسع عشر شنت السفن الحربية البريطانية عمليات حربية مباشرة ضد أسطول عرب عمان، وفي عام 1805 شنت أول حملة على القواسم. وغدا المسقطيون حلفاء طبيعيين للإنجليز. وفي عام 1809 زحف سعيد بن سلطان بقواته وأسطوله الذي قاده ضابط إنجليزي على رأس الخيمة. وتوجهت إليها عمارة حربية بريطانية. وقام الإنجليز بإنزال قواتهم بعد أن دحروا أسطول العمانيين الضعيف التسليح. وأزالوا المدينة من سطح الأرض ودمروا كل المستودعات وأحواض بناء السفن وقتلوا السكان المحليين. وكانت هزيمة حلفاء السعوديين وأتباعهم ضربة شديدة للدرعية.

وأخذ حاكما البحرين والزبارة من آل خليفة يبديان تذمرهما من سلطة الوهابيين فاقتيدا إلى الدرعية رهينتين. وهرب أبناؤهما إلى مسقط وطلبوا النجدة من الإنجليز. ودمرت السفن الحربية البريطانية حامية الوهابيين في الزيارة ثم في المنامة. وأخفقت محاولات الدرعية لاستعادة سلطتها في البحرين مع أن البحرانيين ظلوا يدفعون جزية ما إلى السعوديين.

وبعد جلاء الإنجليز من رأس الخيمة عمرها سكانها من جديد. ورغم تدمير رأس الخيمة مجددا في عام 1816 فقد تمكن القواسم في العام التالي من جمع قوات بحرية كبيرة نسبياً وظهروا على بعد 70 ميلا عن بومباي. ولكن تلك الأحداث جرت فيما بعد.

في مطلع القرن التاسع عشر سعى الإنجليز إلى فرض سيطرتهم على البحر في هذه المنطقة. ولم تكن سياستهم آنذاك تنص على تدخل نشيط في الأحداث في الجزيرة العربية. فلم تكن قوى الإنجليز كافية لهذا الغرض، ثم إن المكافأة التي يتوقعونها في صحاري الجزيرة ضئيلة للغاية. وكان خصومهم الفرنسيون قد أبعدوا عموما عن مسرح الجزيرة مع أن نابليون، كما يعتقد المؤرخ التركي المعروف عبد الله جودت، كان بوسعه أن يقيم اتصالا مع السعوديين. إلا أن فرنسا كانت مشغولة في مسارح العمليات الحربية الأوروبية، ثم إن الفرنسيين فقدوا في عام 1810 جزيرة موريشيس القاعدة الرئيسية لأسطولهم في المحيط الهندي.

وقد بلغ نفوذ الوهابيين في عمان أوجه في عهد القائد العسكري السعودي مطلق المطيري في بداية العقد الثاني من القرن التاسع عشر. وبالرغم من الدعم البريطاني اضطر حاكم مسقط سعيد بن سلطان لدفع 40 ألف ريال إلى أمير الدرعية. ويبدو أن الوهابيين توغلوا في نفس تلك الفترة إلى الجنوب الغربي، إلى ما وراء مسقط، واقتحموا حضرموت، حيث كان أوائل المبشرين الدرعيين قد وصولا في عام 1803-1804. ولم تكن جهودهم الدعائية موفقة آنذاك، إلا أن حضرموت دفعت هذه المرة الجزية إلى الدرعية. غير أن مطلق المطيري قتل في عام 1813 خلال مناوشة غير كبيرة. وفي تلك الأثناء بدأ الغزو المصري للجزيرة، فأخذ الوهابيون يسحبون قواتهم من عمان. وكان بعد هذا البلد وعداء الإباضية للوهابية ومقتل القائد العسكري الموهوب مطلق وغزو المصريين للحجاز والإجراءات المضادة التي اتخدتها بريطانيا – كل تلك العوامل أعاقت توسع إمارة الدرعية في جنوب شرقي الجزيرة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهامش