معركة بسل
معركة بسل | |||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|
جزء من الحرب الوهابية المصرية | |||||||
| |||||||
المتحاربون | |||||||
الدولة العثمانية (المصريون) | الدولة السعودية الأولى | ||||||
القادة والزعماء | |||||||
حسن باشا |
فهاد بن سالم الشهراني غصاب العتيبي مسلط بن قطنان السبيعي محمد بن دهمان الشهري رشيد ابن جرشان الكريزي البقمي جاسر ابن محيي الموركي البقمي |
معركة بسل، هي إحدى معارك الحرب الوهابية المصرية، وقعت في سبتمبر 1814، بين مصر تحت قيادة محمد علي باشا (ممثلا للدولة العثمانية) وجيش الدولة السعودية الأولى، وانتهت بهزيمة الوهابيين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المعركة
في سبتمبر 1814 كان انتشار القوات العثمانية على الشكل التالي:
- 200 رجل بقيادة براهيم آغا المهردار في مكة إلى جانب 150 بدويا تحت إمرة الشريف يحيى.
- 200 أو 300 رجل في المدينة يقودهم ديوان أفندي.
- مئة جندي هم حامية ينبع.
- 350 مقاتلا مع طوسون باشا بين ينبع وجدة.
- 300 جندي وفارس مع محمد علي باشا في الطائف من الارناؤوط و400 خيال وصلوا من القاهرة بإمرة عابدين بك تمركزوا في المواقع المتقدمة إلى الجنوب من الطائف قريبا من مواقع بين ناصرة<ناصره احد اقسام قبيلة بني الحارث الرئيسيه> ومنطقة الظهران حيث الشيخ بالرقوش وقبيلته عرب الغامد<الصحيح عرب زهران> مناهضون للأتراك ومتمركزون في ارض خصبية غنية بالذرة والشعير مما يجعلهم مستقلين عن مخازن الطائف .
وهذه الأرقام غير دقيقة، وعلى الأرجح أنها كانت تشمل التجار والحجاج الأتراك الذين يرتدون زي الجنود وساسة الجمال والخدم الذين يرافقون الجيش.
كانت الإمدادات تصل يوميا إلى ميناء جدة لكن هذه كانت للتعويض عن الخسائر أيام الحرب وعن موتى الأمراض. لم يكن في مصر كلها اكثر من ثمانية آلاف جندي في جهة هناك خمسة آلاف في الحجاز، إذ لم يكن باستطاعة محمد كليا من الجنود فهو يعرف مطامع الأستانة والمماليك والإنجليز في بلاده.
حين وصلت أخبار الحجاز وأهواله إلى المناطق التي تمد الجيش العثماني بالرجال كألبانيا وروميلي وآسيا الصغرى رفض الشبان الالتحاق بالجيش هناك هرباً من الخدمة في الصحراء العربية سمعت الباشا يقول بنفسه في الطائف ان جيشه مؤلف من 35 ألف رجل، عشرون ألفا في الحجاز والباقون في مصر فاعتبر كل الموجودين أن هذا التصريح صحيح.
أما حماية الديار المقدسة والمناطق التي تجاورها فلا تتطلب أكثر من خمسة آلاف جندي بالإضافة إلى 400 بدوي من القبائل المختلفة لكن هذا الجيش كان عاجزا عن قهر الوهابيين وإنهاء نفوذهم وبدا أن محمد علي غادر القاهرة بعد أن وعد السلطان العثماني أنه سيقمع الوهابيين ويكسر شوكتهم. كان الأتراك يعانون من نقص حاد في الجمال، فالجمال النافقة كانت تغطي الطريق بين جدة والطائف وهذا ما دفع بالجنود إلى إرسال العبيد للتفتيش عن الأعشاب اليابسة يغطون بها هذه الجمال ويضرمون فيها النار للتخلص من الرائحة التي تنبعث منها وخصوصا في منطقة المعبدة التي تتوقف فيها القوافل المارة بين جدة والطائف. في إحصاء أولى، نفق 30 الف جمل من جمال الجيش منذ بداية الحرب عام 1811 حتى الآن كما أن المؤن التي تطلب من سنار وتنقل من جنة إلى قصير ومن القاهرة إلى السويس تتطلب عددا من الجمال يستحيل على الحجاز تأمينه أرسل الباشا مرسالا إلى دمشق لشراء الجمال من هناك لتصل إلى مكة مع قوافل الحج المقبلة وفعل إبراهيم باشا كل ما في وسعه للحصول على جمال القبائل الليبية لترسل أيضا إلى الحجازمع الحجاج المصريين.
بانتظار وصول هذه الجمال، كانت الخطة العسكرية دفاعية، تم استئجار 500 جمل من عرب حرب لحمل المؤن إلى الطائف من جدة لكن أصحابها امتنعوا من التقدم خطوة واحدة شرقا أو جنوبا خوف أن يصادر الوهابيون الجمال. عرفت من مصدر مؤثوق أن مؤن حامية الطائف لا تكفيها أكثر من عشرة أيام ، وما زاد من ضيق الجنود توزيع الذرة مباشرة حين وصولها دون تخزينها في المواقع المتقدمة في كولاش وزهران لم يكن للجنود ما يساعدهم في طحن الذرة فكان كل جندي يطحن حصته منها بين حجرين يخبزها في الرماد بعد أن يمزج الدقيق بالماء.
في هذه الأثناء كان الوهابيون يشنون الهجمات الخاطفة والسريعة على الطائف وعلى القبائل التي أعلنت انحيازها لمحمد على باشا الذي قام بدوره بمضايقة مناطق أعدائه بواسطة فرسانه الأشداء، وفي أغسطس 1814 قام الشريف يحيى وإعرابه بحمله على الجبال. بجوار القنفذة واستولى على الكثير من الجمال والخراف والغنائم الاخرى ، وما أن عاد الى مكة حتى رد طامي الصاع إذ أرسل 600 جمل يسوسها جمالون من عرب قحطان لمهاجمة جدة. أنا نفسي نجوت بأعجوبة من هؤلاء البدو. كنت في الطريق من مكة إلى جدة برفقة قافلة جمال صغيرة، في منتصف الطريق بين هاتين المدنيتين قرب بئر بحرا حيث يقبع قلة من الفرسان تحرس المسلك بعد أن اخبرهم بعض البدو أن العدو يقترب. توجهت قافلتنا فورا إلى الجبال الشمالية. ووصلنا جدة في اليوم التالي بعد دورة درناها، وما إن تركنا بحرا حتى وصل إليها الوهابيون. سمعت الطلقات النارية وعرفت لاحقا أن الغزاة قتلوا كل من رأوه في بحرا ونهبوها دون أن يقاومهم الفرسان بل توجهوا إلى مكة ينقلون الأخبار.
وهكذا انقطعت الطريق التي تصل مكة وجدة طوال أسبوع لكن الوهابيين عادوا إلى ديارهم بعد أن نفذوا ما ربهم. فقد قطعوا مسافة طويلة بهذا الهجوم بفضل معرفتهم المكان والبلاد. في هذا النوع من القتال المباغت يبرع البدو ، ولهذا قدروا على زرع البلبلة والخوف في صفوف الجند التركي إذ لم يجد هؤلاء أنفسهم في مأمن في أي لحظة ما أن يتركوا المدينة أو مكة أو جدة.
منذ سقوط المدينة، بقيت القوات التركية ساكنة، فالمؤن التي تصل من ينبع تكاد لا تكفي حاجاتهم أهل القرية. بقي بنو حرب على تحالفهم مع الأتراك في ينبع وقام شيخهم جزية<الصحيح ابن جزا> الذي اسقط ينبع وسلمها للأتراك بزيارة حاكمها التركي الجديد ديوان أفندي في يونيو 1814 ليفاوضه في أمور تجارية. وبعد تفاوض يوم كامل ما استطاع الشيخ احتمال الغطرسة التركية فصاح: "اسكت يا ديوان أفندي"، فالكل يعرف أنى أنا من فتح لكم هذه المدينة المنورة ولو لا هذا النصل (ووضع يده على مقبض سيفه) لما قامت قيامة لتركي في معركة المدينة المنورة فرد القائد التركي بشتم الشيخ و أهانته واعتقاله . وفي اليوم التالي أشاع أن الشيخ قتل نفسه في سجنه بعد أن أدرك افتضاح أمر علاقاته السرية مع الوهابيين نتيجة هذا الأمر سهلة التنبؤ. فما أن عرف بنو حرب بمقتل شيخهم حتى اقفلوا الطريق في مناطقهم الجبلية بوجة القوافل الآتية من ينبع واخذوا يهاجمون المواقع التركية دون أن ينضموا فعلا إلى الوهابيين.
أملا في أن يسوي محمد علي هذه المشكلة أمر ابنه طوسون بالتحرك باتجاه المدينة في أغسطس 1814 فوصل في سبتمبر إلى بدر ووجد بني حرب محصنين في ممر الجديدة مصممين على مقاومته مطالبين برأس ديوان أفندي مقابل دم شيخهم ابن جزا المقتول ظلما . ولحسن الحظ توفي ديوان أفندي في اليوم التالي ويشك انه مات مسموما فلان موقف بني حرب.تلقي شيخهم الجديد وأركان القبيلة الهدايا وقبض أقرباء ابن جزا ديته بحسب التقاليد البدوية. وعاد السلام مخيما بين بني حرب والأتراك مر طوسون ووصل المدينة المنورة في أكتوبر 1814 مع 300 من المشاة و500 فارس وصلوا حديثا من القاهرة. تمركز الفرسان في الحناكية على بعد مسيرة يومين أو ثلاثة من المدينة المنورة وقاموا ببعض الهجمات الخاطفة على مناطق ومضارب القبائل الوهابية الشمالية.
في هذا الوقت بدأ الباشا يعد العدة لحملة قوية جديدة ضد أعدائه بعد أن تصل الجمال مع قوافل الحجاج والقوات من القاهرة لكن هزيمة أخرى لحقت بجنده وأذلت جيشه.
كنت ذكرت إن عابدين بك وأتباعه من الارناؤوط استقروا في بعض المناطق في الظهران إلى الجنوب من الطائف. وليمنع الهجمات على جنوده قام بتنفيذ سياسة الأرض المحروقة في دائرة قطرها 40 ميلا وهدم كل ما قد يخدم مرور القوات المعادية لكنه ووفق السذاجة التي يتحلى بها القائد التركي لم يكلف نفسه وضع حراسة للإنذار المبكر تكشف له تقدم أي عدو تمركز في جانب من هذه الصحراء بينما تمركز بالرقوش في الجانب المقابل . وفي صباح باكر في سبتمبر باغت بالرقوش و رجاله جنود الارناؤوط النائمين فتركوا مراكزهم ولاذوا بالفرار الا بعض جنود ما هو بك أشجع قواد محمد علي في الحجاز. لكن هؤلاء عجزوا عن مقاومة الدفق الوهابي. تقهقر الجنود الأتراك والفرسان دون تنظيم فلحق بهم بالرقوش مطاردا خلال يومين قاتلا منهم الكثير ، مستوليا على خيامهم وأمتعتهم ومؤنهم. ويعود فضل نجاة كل الأتراك من الإبادة إلى القائد السوري حسين بك الذي غطى انسحاب الجيش مع قلة من فرسانه الأقوياء خسر الأتراك في هذه المعركة 800 راجل و80 فارسا. ولم تتمكن بقايا الجيش من اتخاذ مواقع لها إلا في ليه (4 ساعات من الطائف) هنا، وصلت الإمدادات إلى عابدين بك من الطائف وقولاش وما أن عرف بتراجع العرب حتى تقدم وفق أوامر محمد علي باشا ثانية نحو الظهران . لكن الهلع تملك من الجنود الأتراك ففر نصفهم عائدين إلى الطائف مما اضطر عابدين بك إلى النزول قرب لية بانتظار المزيد من المدد.
وقعت هذه الهزيمة الأخيرة وقوع الصاعقة على رؤوس الجنود الأتراك اذ ان عابدين بك مشهور بالقوة والشجاعة في الحروب وان قواته وفرسانه من أفضل الجنود تدريبا . لكن هؤلاء الجنود وجدوا ان الوقوف بوجه هذا العدد الهائل من الوهابيين جنون وانتحار وهم الذين يأملون بالعودة أحياء إلى مصر. كما ان الأتراك اعتبرو هذه الهزيمة نصرا اذ عادوا إلى الطائف حاملين رؤوس ستين من الوهابيين فأطلقت حامية جدة النار في الهواء احتفالا كما أنيرت القاهرة 3 أيام للاحتفال بنصر عابدين بك.
بعد هذه المعركة وصلت فرقة جديدة من الخيالة من مصر، مؤلفة في معظمها من فرسان القبائل الليبية التي تنزل ضفاف النيل صيفا فتمركز 800 منهم في الحجاز. وكان هؤلاء يعرفون طريقة حرب البدو والوهابيين كما أن جيادهم معتادة على تحمل اقسي الظروف والإرهاق. ووصل هؤلاء الفرسان وكل واحد يجر خلفه جملا حمله المؤن اللازمة للرحلة الطويلة. انضم نصف هؤلاء الفرسان إلى طوسون باشا في طريقه إلى المدينة، بينما تقدم الآخرون ناحية الطائف. وما إن وصلوا إلى هناك حتى ميزوا أنفسهم عن غيرهم عن طريق القيام بالهجمات الخاطفة ضد القبائل الوهابية والمستقرة إلى الشرق في تربه يرشدهم مرشدون من بدو هذه المنطقة يتسلح هؤلاء الفرسان بالبنادق والمسدسات وهم مهرة في التسديد والتهديف من بعيد في إحدى غزواتهم عادوا يجرون خلفهم ثمانية آلاف معزة غنموها من أحياء إحدى القبائل الوهابية.
وصلت قوافل الحج من سوريا في نوفمبر ومعها 3 آلاف جمل اشتراها محمد علي من القبائل السورية. ووصلت القوافل المصرية تجر 2500 جمل بالإضافة إلى ألف من الخيالة الأتراك رافقوها إلى الحجاز. توقفت كل هذه القوافل في مكة، وتوزعت الجمال حيث الحاجة إليها في المدينة، أعيد المحمل إلى السويس بحرا بعد انتهاء موسم الحج. تجدر الملاحظة أن هذه القافلة المصرية ضمت الجنود والموظفين الحكوميين فقط بعد أن قبل للحجاج بالذهاب إلى جدة بحرا ومنها إلى مكة.
حضر محمد علي باشا من الطائف لتأدية فريضة الحج ولقاء سليمان باشا والي دمشق الذي رافق القافلة السورية. وكانت والدة طوسون الزوجة المفضلة لمحمد علي، وصلت أيضا مكة لتحج بكامل عظمتها وحاشيتها التي تذكر بروايات الأميرات في ألف ليلة وليلة. كما ان شخصيات مرموقة من اسطنبول أتت لتزور الكعبة شهدت بنفسي مناسك الحج هذه السنة، فقدرت الذين حضروا بثمانين إلفا من كل الأمم والبلاد. بقيت القافلة السورية أياما بعد انتهاء الحج إذا استخدم محمد علي جمالها (قرابة 1200 جمل) في نقل المؤن بين جدة ومكة لتزويد جنوده المتمركزين هناك.
أدرك محمد علي أن قواته المزودة بالمؤن قادرة الآن على إنزال الهزائم بأعدائه، فأعلن انه سيقود الجيش بنفسه، وهذا ما حمس الجنود ودفعهم إلى التصميم على الاستبسال في القتال تحدد هدف الهجوم في تربة ثانية . كان بحوزة هذا الجيش سلاح المدفعية الذي سيهدم أسوار تربة فلا يضطر الجنود إلى تسلقها كما أمرهم طوسون في المرة الماضية الكثير من الفؤوس لقطع أشجار النخيل التي تحمي تربة وخبراء التفجير ليدمروا كل ما يعترض سبيل القوات. بالإضافة إلى هذا استقدمت بذور البطيخ من وادي لتبذر مكان هذه القرية. لم تطمئن هذه التحضيرات الجنود إذ أدركوا مدى الصعوبة والقسوة التي ستكون عليها المعركة المقبلة.
هزأ الوهابيون عندما وصلتهم أنباء نية محمد علي دخول تربة بالقوة. وفي هذا الوقت وصلت رسالة من الشيخ بالرقوش إلى الباشا يخبره عما سيفعله هؤلاء الوهابيون ، ولهذا يجب أن يكون له جيش أقوى من هذا يقوده ان كان ينوي فعلا محاربتهم وإلا فالأفضل ان يعود إلى مصر ليستحم في مياه النيل. وسنرى أي مصير ينتظر بالرقوش اثر هذه الاهانة التي وجهها الى الباشا.
في خطوة تشجيعيه للجنود القي القبض على 13 بدويا من عتيبة على طريق جدة اتهموا بكونهم لصوصا للوهابيين (وتبين فيما بعد انهم قصدوا جدة للتمون) وقتلوا علنا امام الناس في السهل بجانب مكة تمكن احدهم من قطع الأغلال وضرب حارسة والفرار، لكنه سلك السهل بدل الجبال فقتله هناك حاج تركي كان على فرسه. وفي هذه المناسبة جاهر عامة الناس بكراهيتهم للأتراك فأصدروا أصوات الاستهجان وانزلوا اللعنات على العثمانية، وشجعوا الفار. ثم شتموا الحاج الذي قتله.
بعد انتهاء التحضيرات للحملة الجديدة التي ستحدد مصير العثمانيين في الحجاز غادر احمد بونابارت مكة على رأس قوة هائلة من المشاة في 15 ديسمبر 1815 وتوجه نحو قولاش. ونوى باشا ان يلحق به يقود 1200 من الفرسان في 22 في الشهر نفسه، حين وصلت معلومات استخباراتية تفيد ان قوة وهابية ضخمة لوحظت في جوار القنفذة تتقدم نحو جدة، فدب الذعر في هذه المدينة وارتفعت الاسعار وشرع الناس يخزنون المؤن خوفا من الحصار وملأت السلطات الخزانات بالماء تحضرا للمعركة لكن الوضع عاد الى هدوئه عندما تبين ان قوة صغيرة بقيادة طامي نازلة قرب القنفذة.
وبعد أيام وصلت أخبار هجوم بالرقوش على عرب ناصرة<من بني الحارث> المتحالفين مع الباشا، واحتلاله قرية بجيلة<بني مالك> المحصنة حيث تتمركز حامية من الارناؤوط وكانت قبل مستقر عابدين بك، كما وصلت أنباء التحصينات الجارية في تربة وتدفق القوات إليها بغية الدفاع عنها.
في 26 محرم 1230 (أو 7 يناير 1815) مشى محمد علي على رأس جيشه من مكة إلى قولاش، حيث ينتظره حسن باشا وعابدين بك وما هو بك وأحمد بونابارت وتوبوس اوغلو والشريف راجح مع قواتهم ومؤنها التي تكفي لقتال 60 يوما. حين وصل الى الزيمة وقولاش وصلت اليه المراسيل تنبئه بسقوط بسل بين الطائف وقولاش، بيد الوهابيين بينما قوات معادية اخرى تهاجم عرب عتيبة الموالين للباشا الى الشرق من قولاش. اسرع محمد علي الى قولاش وأرسل الشريف راجح يوم الأربعاء مع جنوده البدو وفرسان عرب ليبيا لنصرة عتيبة، بينما واصل هو التقدم نحو بسل. وجد المخيم الوهابي على سفوح الجبال بجانب ابار الماء في سهل قولاش. اختلفت المصادر في تقويم عدد الجنود الوهابيين فوصلت الارقام الى 25 الفا من المشاة وبعض الفرسان القلة، اذ كانت المناطق الجبلية غير مناسبة للجياد.
النتائج
كان الجيش الوهابي مؤلفا من رجال انتخبوا من الوهابيين الجنوبيين وقلة من وهابيي الشمال الذين يشغلهم الان طوسون باشا بقرب المدينة المنورة. على رأس هذا الجيش كان فيصل ابن سعود وبجانبه قواد جبلي اليمن امثال طامي شيخ عسير وابن ملحة عقيدها، وابن قطنان شيخ عرب سبيع وابن جرشان شيخ تربة وابن شقبان شيخ بيشة، وبالرقوش شيخ عرب غامد<الصحيح عرب زهران> والظهران وابن دهمان شيخ عرب شمران و عمرو العبود القثامي شيخ بعض عتيبة أي من بقي منهم على تحالفة مع الوهابيين وابن ماهي شيخ عرب الدواسر النازلين في حضرموت. فبعد ان ضلل هؤلاء الاتراك بحشدهم بعض الجند في القتنفذة هاجموا في مكان اخر، بسل واخترقوا خطوط الاتراك. حاول محمد علي جاهدا بواسطة فرسانه التاثير على خطوات الوهابيين لكنه فشل. انقضى يوم الخميس على فشل الخيالة التركية في إحراز أي تقدم لها وفي اخر هجماتها خسرت عشرين فارسا بفعل رماح الوهابيين.
برغم ان قلة فقدت حياتها في ذلك النهار الا أن الاتراك بدأوا ييأسون من حصول النصر بينما كان هدف الوهابيين اضعاف الجيش التركي بهزائم صغيرة متلاحقة فيسهل عندها القضاء عليه نهائيا. دب الخوف في الجنود الاتراك والبدو فهربوا الى مكة ووصلوا ليل السبت ونشروا فيها اخبار الهزيمة ومقتل محمد علي.
لا يمكن وصف الفوضى والبلبلة التي حلت في مكة عندما سرت هذه الشائعات .فكنت هناك بنفسي ورأيت ما حصل بام العين. اخذ الاتراك من جنود وحجاج يتحضرون للرحيل خوفا من الموت تحت سيوف الوهابيين. وغادر بعضهم فعلا ماشيا على قدميه نحو جدة على ان يبلغها في اليوم التالي. اما بعضهم الاخر، فلبس لبوس البدو وانضم الى الحامية في القلعة. لم يفكر أي منهم بالدفاع عن مكة، حتى الشريف يحيى الذي لم يتلق أي معلومات رسمية كان مستعدا للفرار بنفسه الى جدة. في هذا الوقت كنت في مكة وأدركت ان من يغادرها يقع في فخ القبائل الوهابية التي لا بد ستقطع الطريق من مكة الى جدة وأدركت اذ صدقت أنباء الهزيمة – ان الملجأ الآمن هو المسجد الذي طالما احترم الوهابيون حرمته حزمت بعض الخبز في كيس وتوجهت مع عبدي الى المسجد لاجد هناك غيري من اللاجئين. اما الاتراك فما حذو ا حذوي اذ نظر الى الوهابيين كما ينظرون الى انفسهم معتقدين ان الجندي المزهو بالنصر لا يرى مكانا مقدسا.
في اليوم التالي، وبعد ليلة من الذعر وصلت الاخبار الرسمية تروي انباء الهزيمة المنكرة على الوهابيين ادرك محمد علي خلال الاشتباكات التي حصلت يوم الخميس ان أي نصر لا يحققه في اليوم التالي يعني انتهاء مواقعه الجبلية اذ لا قدرة له ابدا على اختراقها. فارسل خلال الليل يطلب المدد من قولاش وامر الفين من المشاة تدعمهم المدفعية بالتمركز بمواجهة الوهابيين في اليوم التالي، وفي الصباح الباكر، عاود الهجوم مستعينا بالفرسان لكنه رد على اعقابه. عندئذ جمع قواده وامرهم بالتقدم نحو المواقع الوهابية. ومتى يصلون الى اقرب نقطة اشتباك، يطلقون النار بغزارة ويتراجعون تراجعا دون تنظيم نحو السهل . نفذ القواد والجنود الخطة كما وضعها . فما ان راي الوهابيين صفوف الاتراك تتراجع والبلبلة سيدة الموقف حتى تركوا مواقعهم الجبلية الحصينة ونزلوا الى السهل هذا الظبط ما توقعه محمد علي. وحين ابتعد الوهابيون عن الجبل ارسل الفرسان وانهى المعركة لصالحه.
في هذه الاثناء كان الشريف راجح قد عاد من عملية صد الهجوم المصطنع على عتيبة وانضم الى محمد علي الذي ما ان راى اعداءه يتراكضون ويسعون الى النجاة بارواحهم حتى اعلن انه يدفع 6 جنيهات على كل راس وهابي. وفي ساعات قليلة تكدس امامه خمسة الاف راس مقطوع غير القتلى الوهابيين الاخرين الذين بقوا في ارض المعركة وفر طامي من المعركة مع قلة من اتباعه.
أسر الاتراك 300 وهابي بامر من محمد علي وقدموا لهم الطعام برغم ان قلة قليلة منهم طلبت الرحمة. اما الشريف راجح فتولى مطاردة الهاربين على راس قوة من الفرسان ومن بدو القبائل المجاورة الذين كانوا فعلوا الامر عينه لو كان الوهابيون من انتصر.
في هذه المعركة، حارب محمد علي شخصيا واليه يعود الفضل في هذا النصر. والى جانبه، برع الشريف راجح الذي كن يقاتل في مقدمة الجيش والذي تقدم الي خيمة فيصل ابن سعود<اخو حاكم الدرعيه عبدالله بن سعود> وغزر رمحه في بابها وصد بسيفه جمعا من الوهابيين قاتلوه حتى وصل اليه من انقذه منهم. لهذا كافأة محمد على بأن أعطاه خيمة فيصل بكل ما فيها إضافة إلى الجمال وحصة من الغنيمة. اختلف الأتراك والبدو على تقاسم المغانم، وغضب الجنود عندما وجدوا الباشا في صف البدو يعطيهم الجمال. يقال ان الأتراك خسروا في هذه المعركة بين 400 و500 مقاتل.
سبب هزيمة الوهابيين نزولهم من الجبال إلى المناطق المفتوحة وهذا ما كان سعود حذر منه وهو في النزع الأخير . لكن رغبة الوهابيين في القضاء نهائيا على الأتراك وربما اعتقال محمد علي نفسه، جعلهم ينسون النظام الحربي الصحيح الذي اعتمدوه. كما أن المفاجأة التي انتظرتهم عند بروز هذا العدد الكبير من فرسان الأتراك افقدهم القدرة على المقاومة.
برغم كل هذا تناقلت الألسن روايات الشجاعة الوهابية. فابن شقبان وبعض مئات من رجاله تمكن من اختراق الطوق التركي والهرب. وبالرقوش قتل بيده اثنين من ضباط الباشا وعندما فقد حصانه انتظر حتى سنحت له فرصة رمي أحد الفرسان الأتراك عن جواده فامتطاه وفر كما أن عرب عسير وجدوا في الجبال مكبلين بالحبال إذ اقسم هؤلاء، بعد أن أوثقوا أقدامهم على عدم الهرب أمام الأتراك .. فأما الموت أو النصر. ولهذا قاتلوا حتى الرمق الأخير، فقتلهم الأتراك وقطعوهم أربا.
وبالرقوش الذي ذكره بوركهارت هو (ابن رقوش) وهو احد شيوخ قبيلة زهران الابطال والشجعان والذي اصبح اسطورة بسبب قتاله للاتراك وصدهم عن الجنوب وكذلك ابن قثامل الذي ذكره بوركهارت هو (عمرو العبود القثامي ) وهو احد شيوخ قبيلة عتيبة الابطال والشجعان والذي اصبح اسطورة بسبب قتاله للاتراك وصدهم عن جنوب الطائف