محضر الجلسة الثامنة بوزارة الخارجية بين مستر هندرسن والنحاس باشا
محضر الجلسة الثامنة بوزارة الخارجية بين مستر هندرسن والنحاس باشا، في 11 أبريل 1930، منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 396 - 405".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المنشور
فتحت الجلسة في الساعة العاشرة والنصف صباحا بوزارة الخارجية البريطانية بالهيئة السابقة.
مستر هندرسن- أظن أننا اتفقنا أمس على تبادل الصيغ الجديدة فتقدمون إلينل ما وضعتموه عن المادة 9 ونقدم لكم ما وضعناه عن المادة 16
النحاس باشا- نعم وها هى صيغتنا حاضرة (وقدّم دولته الصيغة المذكورة بشأن النقطة العسكرية البريطانية) (1).
مستر هندرسن - أظن أنه يحسن ان نبدأ بمناقشة الصيغة التى تفضلتم بوضعها للمادة 9 فقد يكون على هذه الصيغة بعض الاعتراضات الشكلية. ولكن لى اعتراض كبير على جوهرها لأنكم ذكرتم أن الدفاع عن القنال يقع على مصر دون سواها. واللجنة في الظروف الحالية لا يمكن أن توافق على ذلك. اما إذا كانت المسألة مسألة صيغة فإننا نحيلها على لجنة التحرير ولكن إذا كنتم تعتبرون ذلك مبدأ فإنى اكرر القول بأننا لا يمكننا قبوله.
ثم إنكم في الفقرة الثالثة لم تخطوا بنا أى خطوة عن الموقف الذى كنا فيه. فمشروعنا مثلا يشير إلى أن مواضع الجنود تكون محل اتفاق بيننا فيما بعد، ومشروعكم ينص على موضع معين وهو منطقة القنطرة لذلك أرى أننا بعد كل هذا الوقت قد عدنا إلى الوراء بدلا من أن نتقدم إلى الأمام.
النحاس باشا- فيما يتعلق بملاحظة مستر هندرسن عن النقطة الأولى وهى أن الدفاع عن قنال السويس يقع كل عاتق مصر دون سواها فإنى أرى أنه لا شبهة في ذلك لأن مصر مسئولة وحدها عن الدفاع عن كل أراضيها وما القنال إلا جزء من هذه الأراضى فهى مسئولة
(1) وهذا هو نصها:
" بما أن قنال السويس هو طريق عالمى للمواصلات كما هو أيضا طريق أساسى للمواصلات بين الأجزاء المختلفة للإمبراطورية البريطانية.
وبما أن الدفاع عن قنال السويس الذى هو جزء لا يتجزأ من مصر يقع على عاتق مصر دون سواها.
فإلى أن يحين الوقت الذى يصبح فيه الجيش المصرى في حالة يستطيع معها أن يصد بمفرده اى اعتداء على القنال ربما يصل مدد الحلف يرخص صاحب الجلالة ملك مصر لصاحب الجلالة البريطانية بأن يضع في منطقة القنطرة شرق القنال قوة حربية بريطانية لمساعدة القوات المصرية الموكول إليها الدفاع عن القنال. ولا يكون لوجود هذه القوة صفة الاحتلال مطلقا ولا يحل بأى وجه من الوجوه بحقوق السيادة المصرية"
وحدها وبالذات عن الدفاع عن هذا الجزء كذلك. ولكن يأتى إلى جانب هذا شيء آخر وهو مساعدة الحليفة بمقتضى المحالفة. فبريطانيا العظمى تساعدنا في الدفاع عن الأراضى المصرية وعن هذا الجزء من هذه الأراضى بصفة خاصة. ولقد رخصنا لها بنقطة عسكرية لتساعدنا على ذلك إلى أن تصير الجيوش المصرية قادرة بمفردها على هذا الدفاع حتى يصل إليها المدد من جانب الحليفة. فكل الضمانات متوافرة في صيغتها. لذلك لا أرى محلا للاعتراض عليها. ومما يدل على أننا أصحاب الحق في الدفاع عن القنال أنكم تتفقون معنا على أننا نحن الذين نرخص لكم بأن تعسكروا في منطقة منه ولو لم نكن أصحاب الحق لما رخصنا. لكل هذا أرى أن الصيغة الجديدة تؤدى جميع الأغراض المطلوبة. ولا أفهم لماذا لا تقبلونها.
أما فيما يتعلق بالاعتراض الثانى الخاص بمواقع الجنود الإنجليزية الذي نرخص به للمساعدة إلى أن يصل المدد فإننا تقدمنا عن الجلسة السابقة ولم نتأخر. ووجهة التقدم هى أننا قلنا في الجلسة السابقة إنما نرخص بأن تكون تلك المنطقة في بور فؤاد أو شرق القنطرة في الضفة الشرقية من القنال. والآن نعرض جعل النقطة في منطقة القنطرة التى هى منطقة واسعة يؤخذ منها كل المدى الذى يكفى عن سعة لجميع وحدات القوات العسكرية البريطانية من بيادة وسوارى وطوبجية وطيران. والقول بأن تحديد النقطة يترك للاتفاق فيما بعد لا نقره لما سبق أن أبديناه من الملاحظات إذ أقل ما يترتب عليه تعطيل تنفيذ المعاهدة وعدم إمكان الدفاع عنها. والذى يهمنا هو كما قلنا أن نعود بشيء معين محدود يمكننا أن ندافع عنه.
ولاحظوا أيضا أننا نصصنا في المادة على أن قنال السويس هو في نفس الوقت طريق أساسى للمواصلات البريطانية.
من هذا ترون أوجه التقدم العظيم عما جرى في الجلسات السابقة وذلك رغبة منا في تسهيل الوصول إلى الاتفاق.
مستر توم شو- أسفت جدا لتقديم هذا الاقتراح إلينا لأننا أوضحنا فيما مضى عند عرض مقترحاتنا أننا وضعنا جميع أوراقنا على المائدة فلم يعد شيء خافيا ولا مدخرا لدينا، وإنى لأتساءل هل هذه محالفة صداقة أو مجرد محالفة، إننا بينا أن احتلال مصر قد انتهى وقلنا إننا نساعد مصر على التخلص من الامتيازات الأجنبية كما قلنا إننا نساعدها في استكمال سيادتها ولكننا طلبنا إلى جانب هذا طلبات محدودة للدفاع عن القنال فإذا أردتم أن تقابلوا طلباتنا بروح الصداقة الحقيقية وجب علينا أن نبحث عن أحسن الطرق للدفاع عن القنال، فهل المعروض علينا الآن ينطبق عليه ذلك، كلا ليست هذه التسوية تسوية صداقة ولا هى تؤدى عن الدفاع عن القنال على أحسن وجه إذ لا يمكن الدفاع عنه إلا بملاحظة ثلاث مسائل: (الأولى) حماية مدخل القنال
من الناحيتين (الثانية) حمايته من الوسط، (الثالثة) العناية التامة بصحة الجنود ومقدرتهم على التدريب والمناورات. وأنا آسف لأن أقول إن اقتراحكم لا يحقق هذه الاعتبارات مطلقا فهل تريدون أن نكون أصدقاء وحلفاء أم لا.
لنذكر جميعا أن الجنود يجب أن يكونوا قريبين جدا من أحسن طرق المواصلات. ونحن لا نطلب أن تذهب جنودنا إلى مدنكم وصرحنا أن وجودهم ليس احتلالا. فأى ضرر في أن تكون بورفؤاد والإسماعلية في أيدينا، إننا لم نقل إن جنودنا يقيمون في السويس ولكنا نطلب أن يكونوا بالقرب منها على حدود الصحراء. لست أدرى لماذا تريدون أن تقذفوا بنا إلى الضفة الشرقية من القنال إذا كان ما بيننا قائما على الصداقة الحقيقية والمحالفة الخالصة.
هل نحن نتناقش الآن ليأخذ كل منا أكثر مما يجب. أم نتناقش كأصدقاء. إذا كانت روح الصداقة هى التى يقوم عليها المناقشات فلا يمكن محاجتنا. لا على أساس المبادئ الحربية ولا الاعتبارات الصحية ولا أى شئ آخر.
مستر هندرسن - أحب أن أسأل سؤالا واحدا له أهمية. هل الوفد المصرى يقصد أن الجيوش البريطانية تكون في القنطرة في مدة السلم؟
النحاس باشا- نعم ذلك ما نقصده. وما هذا الاحتياط إلا لمدة السلم وأما في زمن الحرب فالمساعدة تكون عامة.
مستر هندرسن- لو وضعنا هذه الصيغة في يد رجل قانونى لفهم منها غير ما ذهبتم إليه (ثم ولا الفقرة الثالثة) وقال إن عبارة "إلى أن يحين الوقت الذى يصبح فيه الجيش المصرى في حالة يستطيع معها أن يصد بمفرده أى اعتداء على القنال" ليس معناها أن يحدث ذلك في وقت السلم إذ لا هجوم ولا غارة في وقت السلم. ولا أشك في أن رجال القانون في البرلمان لا يعطونها التفسير الذى بينتموه الآن.
النحاس باشا- يخيل إلى أن هناك سوء تفاهم في فهم العبارة التى يشير إليها المستر هندرسن والمسألة بصراحة هى أن النقطة العسكرية التى رخصنا بها إنما هى لوقت السلم لأننا نحتاط في زمن السلم لدرء الطوارئ التى قد تفاجىء القنال حتى نتمكن من دفعها في الوقت المناسب. وذلك إلى أن يأتى المدد اللازم لحالة الحرب ولذلك قلنا إن الجيوش المصرية مسئولة بالذات عن الدفاع عن القنال وستكون إلى جانب القنال أيضا في زمن السلم لدفع ما عساه يطرأ عليه ونحن في الوقت الحاضر نحتاج إلى مساعدة من جانب بريطانيا العظمى للدفاع عن القنال. ولذلك رخصنا لها بوضع تلك القوة العسكرية.
هذا. وأحب أن يتأكد مستر شو من حسن استعدادنا لوضع قواعد المحالفة بروح الصداقة الحقيقية والإخلاص الكامل الذى نتوخى من ورائه الوصول إلى أحسن الوسائل للدفاع عن قنال السويس. ولهذا اقترحنا أن تكون القوة العسكرية في منطقة القنطرة لأن وجودها هناك مدة السلم كاف كل الكفاية لمساعدة الجنود المصرية لصد أية غارة أجنبية مبدئيا حتى يصل المدد المقرر بمقتضى المحالفة. أما مسألة الدفاع عن القنال من طرفيه فليست ضرورية ولا حاجة لإبقاء قوات بريطانية فيهما لأن ناحيتى القنال مفتوحتان لبوارج بريطانيا العظمى وبوارج الدول ولأن الجيوش المصرية المكلفة أصليا بالدفاع عن القنال كافية مع المساعدة التى تقدمها القوة البريطانية للغرض المقصود. وأحب أن ألفت النظر إلى أن منطقة القنطرة ليست منطقة غير متوافرة فيها الدواعى الصحية بل هى من أحسن مناطق القنال صحيا وهى كما قلت من قبل يمكن إعدادها بكل معدات الراحة التى تلزم للقوة التى تعسكر فيها. وأرجو ألا تشكوا في أنه يهمنا جدا مراعاة راحة حليفنا الذى يأتى لمساعدتنا ولا يمكن أن نفكر في أن نعرضه لأى ضرر صحى.
ليست المسألة مسألة جدل بيننا ليأخذ كل منا أكثر من الآخر ولو كان الأمر كذلك لما جئنا من أول الأمر مشبعين بالروح العملية لأجل الوصول إلى اتفاق صريح قائم على الإخلاص والصداقة.
يقول جناب المستر شو إنهم وضعوا جميع أوراقهم على المائدة عند عرض هذه المقترحات فليعلم أننا فعلنا مثلهم ولم نأت لنتشاد بالباطل ونأخذ أكثر مما ينبغى. لأننا أبدينا ما يعتبر تساهلا كبيرا في نظرنا ونظر شعبنا حتى نقابل مقترحات المستر هندرسن في روحها - ومنطقة القنطرة ستكون على اتصال بكل سبل المواصلات بين البحرين الأبيض والأحمر بطريق القنطرة - بور سعيد، والقنطرة - السويس ويمكننا أن نشير إلى ذلك في مذكرة خاصة وهى فوق ذلك على اتصال بفلسطين بالسكة الحديدية أليست كل هذه الوسائل كافية للدفاع عن القنال. الواقع أن الدفاع عن القنال يجب أن يكون من الجهة الشرقية لا الغربية لأن الجهة الشرقية هى التى يخشى على القنال من غاراتها. واقتراحنا أوفى بالغرض لإعداد أحسن الوسائل مدة السلم للدفاع عن سلامة القنال. هذا فضلا عن أن هذه المنطقة - ونحن أدرى بها - أعلى من كل مناطق الجهة الغربية للقنال ووسائل الدفاع فيها تكون أحسن كثيرا من الوسائل التى توضع جهة الغرب. ولا يسعنى إلا أن أرجو أن يفهم الغرض من مناقشاتنا هذه وهو أننا نرمى إلى ما فيه المصلحة الحقيقية للبلدين ونحن مشبعون بالروح الطيبة كما أننا سنأخذ على عاتقنا الدفاع عما تساهلنا فيه أمام أمتنا باعتبار أنه أحسن الوسائل للدفاع عن القنال مع حفظ الحقوق المقدسة التى هى مقررة بطبيعتها لصاحب الأرض. ولقد نصت اتفاقية القسطنطينية نفسها سنة 1888 على أن مصر هى المسئولة عن الدفاع عن القنال (مع العلم بأن مصر في ذلك الوقت كانت تابعة في السيادة لتركيا) فإذا كانت قواتها غير كافية فإنها تطلب المساعدة من تركيا. فكيف ومصر الآن مستقلة لا يراد النص على أنها مسئولة عن الدفاع عن القنال وأن بريطانيا تساعدها في هذا الدفاع بحكم المحالفة.
لورد طومسن- يظهر لى أننا وصلنا إلى نقطة أساسية. من الواضح أن بريطانيا وحدها مسئولة عن الدفاع عن القنال في الوقت الحاضر. وأن الجيش المصرى غير مستعد للقيام بهذه المهمة الآن، فإذا كانت علينا هذه المسئولية الخطيرة وجب أن نكون في مركز يساعدنا على هذا الدفاع. وإنكم تعلمون أن طول القنال نحو مائة ميل وهو معرض للهجوم من الشمال (البحر الأبيض المتوسط) والجنوب (البحر الأحمر) والشرق (غرب الصحراء) ويجب علينا أيضا حماية المراكب الآتية من الشمال أو الجنوب مارة بالقنال فكل ما نطلبه والحالة هذه أن تمكن من القيام بهذه المهمة. نحن في حاجة إلى مطارات عند مدخلى القنال من الجنوب والشمال وفى حاجة كذلك إلى مطارات بحرية ومن العبث أن نتكلم في الدفاع عن القنال بالطريقة التى تصفونها فإن الهجوم على القنال قد يحصل في أقل من 24 ساعة أو عشر ساعات بواسطة إحدى الطيارات المعادية فيجب أن تكون وسائل الدفاع لدينا موفورة كاملة ويجب أن يكون الجنود موجودين فعلا في هذه المنطقة ومدربين على العمل تحت الظروف الجوية التى تسود في هذه البقاع ونحن لا يمكننا الدفاع عن القنال بوضع الجنود في القنطرة لأنى أعتقد أن هذه أسوأ نقطة يمكن الدفاع منها ولا يستطيع الجنود أن يحاربوا وظهورهم إلى الحائط إذ القنال خلف ظهورهم فالانسحاب عسير وأحب فوق هذا أن أذكر الوفد بالمصروفات الهائلة التى صرفناها على المنشآت الحالية فهنالك قشلاقات في الإسماعيلية. ولنا في أبى صوير مدرسة للتمرين على مسافة عشرة أميال من ضفة القنال. ولنا في السويس مطار كبير. فكيف يمكننا أن نضحى بكل ذلك لنذهب إلى مكان واحد تقولون أن في إمكانكم إحالته إلى جنة. ان آخر ما عندى من الأخبار الرسمية هو أن هذه النقطة غير صحية وموبوءة بكثير من البعوض. هذا فضلا عن أن الأرض هناك ناعمة ولا تصلح مطلقا للأغراض العسكرية. فهل هذه هى المعاملة التي تعاملون بها حليفكم، يخيل إلى أننا لا يمكن أن نتخلى عن مسئولياتنا بالشروط التى تقترحونها ولا أرى أى فائدة من إحالة صيغتكم إلى لجنة التحرير للنظر فيها. بل لا فائدة من ذكر شئ بالمذكرات عن هذا الخصوص. لأننا مختلفون اختلافا أساسيا. إذ يجب أن نكون في أماكن نتمكن فيها من أداء واجباتنا في الدفاع عن مصر والقنال وفق الطرق الحربيه الحديثة وبما نراه ملائما لا في الوقت الحاضر فقط بل في غضون العشر أو العشرين سنة القادمة.
إنى أرى أنكم تريدون معاملتنا معاملة سيئة. لا تليق بحليف عاش في هذه الجهات ولا يريد أن يتدخل في شؤون سكانها. إن هذا الاقتراح لا يمكن أن يقبل بحال من الأحوال .
النحاس باشا- يخيل إلى أن اللورد طومسون ينظر إلى المسألة من وجهة لا تتفق مع الحقيقة المستفادة من قواعد المحالفة لأنه يعتبر أن بريطانيا وحدها هى المسئولة عن القنال في الوقت الحاضر بحجة أن الجيش االمصرى غير مستعد للقيام بهذه المسئولية. هذه هى النقطة الأساسية التى
نختلف عندها. ولا يمكننا أن نوافق عليها لأننا لا نستطيع أن نتخلى عن أول واجب علينا. وهو الدفاع عن بلادنا وعن القنال الذى هو جزء من أرضنا. وستكون حليفتنا بريطانيا العظمى إلى جانبنا لتساعدنا على هذا الدفاع. إذن يجب أن يكون مفهوما هذا الأساس وبغيره لا يمكن فهم المحالفة.
يبنى لورد طومسون حجته على أساس أن جيشنا غير مستعد لهذه المهمة وينسى أن لنا جيشا تحت إدارة رجال مسئولين منكم. ولا يمكن مطلقا تجريده من كل مقدرة على الدفاع. وكل ما نقوله هو أنه في الوقت الحاضر غير مستعد وحده لأن يقوم بهذا الدفاع ولذلك نرخص لبريطانيا العظمى أن تكون معنا.
عندما يكون هذا الأساس مفهوما تزول كل أسباب الخلاف لا سيما وقد قلنا إن بعثة عسكرية إنجليزية ستنظم جيشنا، ولسنا بروح كهذه نغمط فضل حليفنا. ولا يمكن بحال أن نعمل على إساءة حالة جنودها أو نفكر في ذلك. وكل ما نطلبه هو أن نتوخى أحسن الوسائل للدفاع عن القنال على الأساس الذى بيناه فتكون جنودنا على القنال والقوات الإنجليزية موجودة لمساعدتها إلى الحين المنصوص عنه.
ولقد شرحنا فيما مضى أن القنطرة تفى بهذه الأغراض وقلنا إن هذا إنما يكون في زمن السلم فقط استعدادا للطوارئ. فإذا نشبت الحرب أصبحت منطقة القنال كلها تحت تصرف الجنود المشتركة.
وأما القول بأن مبالغ طائلة صرفت على المنشآت في السويس وأبى صوير وغيرهما فإننا مستعدون لأن نقدم التعويض الكافى عنها. ويمكنكم أن تنشئوا في منطقة القنطرة ما يقوم مقامها.
وأما ما يقال عن القنطرة من حيث البعوض والرمال الناعمة فوزير الأشغال إلى جانبى يقول إنها أحسن من الإسماعيلية ومناخ الجهة الشرقية والقبلية فيها من أحسن ما يكفى أن يكون نظرا لعلوها عن سطح البحر. هذا فضلا عما قلته. عن استعدادنا لعمل كل ما يلزم هناك لتوفير أسباب الراحة.
وأما مسألة وجود مطار عند كل مدخل من القنال فلا أرى حاجة إليه إذ ليس شيء من ذلك موجودا الآن. والمطارات البحرية يمكن عملها جهة القنطرة.
لورد طومسون- ولماذا لا تضعون أنتم الجيوش المصرية في جهة القنطرة. إن لدينا الآن مطارات في أبى قير والإسكندرية ومصر الجديدة سنتركها لكم ولدينا محلان لنزول الطيارات في السويس وبورفؤاد.
مستر هندرسن- لقد صرفت وقتا طويلا جدا في مناقشة هذه المسألة ولا زلت على رأيى من أننا نتأخر بدل أن نتقدم،- إنى لا أستطيع أن أفهم موقف المفوّضين المصريين في هذه المسألة فإننا عندما تعهدنا بانتهاء الاحتلال وإخراج الجنود الإنجليزية من مواقعهم الحالية ونقلهم إلى جوار القنال خطونا أكبر خطوة يمكن لأية حكومة في هذه البلاد أن تخطوها. ولكنا عند ما فعلنا ذلك كنا واثقين من أنه لا تعطى لنا فقط أحسن الوسائل للدفاع عن القنال بل تمنح لنا بكل كرم وسخاء حتى نقتنع تماما بأن جنودنا في مدة المعاهدة ستكون في خير الظروف الممكنة والآن أصارحكم بأن جميع الحربين عندنا مجمعون على أن ما اقترحتموه لا يمكن أن يفى بالمرام.
لا أريد أن أبحث المسألة من الوجهة العسكرية لأن تجاربى لا تسمح بذلك ولكنى أريد أن أنظر إليها من الوجهة العملية. فلا شك أن أقل ما يجب أن يعمل هو أنه إذا كانت لدينا جيوش في منطقة القنال يجب ألا ننقلهم من الأماكن التى هم فيها الآن إلى بقعة أقل ملاءمة لهم من جميع الوجوه. والآن ماذا يطلب منا؟ تطلبون أن نعترف لكم بأن الدفاع عن القنال واقع على عاتق مصر وحدها. فهل معنى هذا أننا سنكون هناك بصفة ثانوية ولمدة محدودة. كنت أظن - خصوصا ونحن في أول الأمر والبرلمان والرأى العام أمامنا- أن تقولوا إننا نتخذ تدبيرا مشتركا وفعليا وأن تطلبوا أن تتعاون جيوشكم مع جيوشنا في الدفاع عما تعترفون بأنه طريق مهم للمواصلات الإمبراطورية. ولكنكم بدل أن تقولوا ذلك تركتم في نفوسنا أثرا هو أنكم لا تريدون أن تعاملونا إلا بكل شح وبخل. ولا شك أن هذا الأثر سيكون عاما في الرأى العام في هذه البلاد إذا انتشر خبره. إننا إذا كنا سنصبح حلفاء يجب أن تعطى لنا كل الوسائل المرضية للدفاع عن القنال. ولا يمكننا أن نقبل تغيير المادة 9 إلى الحد الذى يترك هناك أقل شك في أن جنودنا الذين سيقيمون هناك للدفاع عن هذا الشريان يعاملون معاملة جيدة.
وأخيرا فإن تصريح 28 فبراير سنة 1922 (وإن قلتم إنكم لم تقبلوه) قد جعل الدفاع عن قنال السويس على عاتق انجلترا وحدها. وها نحن أولا لا نتمسك بذلك وإنما نقول بالتعاون معكم ولكنكم تطلبون أن يكون الدفاع ولكم وحدكم وما وجودنا إلا لنساعدكم فقط. إنكم إذا تصورتم أن الشعب البريطانى يقبل ذلك فأنتم مخطئون كل الخطأ.
النحاس باشا- من الأسف الشديد ألا تفهم نياتنا الحسنة على حقيقتها وأن ما نتقدم به لمقابلة مستر هندرسن في روح مقترحاتة لا يقدر التقدير المناسب له على الرغم من هذا التساهل العظيم الذى جئنا به ووضعناه أمامكم من أول محادثاتنا وهو أننا نرخص بوضع نقطة عسكرية بريطانية على القنال. ومن الأسف كذلك أن تكون هذه التقدمة التى قدمناها بصرف النظر عن المبدأ الذى قامت عليه محل سوء التقدير لما قام بيننا من الخلاف على التفاصيل.
ليس من أغراضنا مطلقا أن نسىء إلى حالة الجنود البريطانية في النقطة العسكرية كما يشعر بذلك كلام مستر هندرسن، بل على العكس من ذلك نريد أن يكونوا من الوجهة العملية متمتعين بكل
دواعى الصحة والراحة ، وأن يكون في وجودهم الفائدة المرجوة، فما الذى يؤاخذنا عليه المستر هندرسن،- إلا أننا نقول إن الدفاع عن القنال يقع على عاتق مصر. وأن القوة الإنجليزية تساعدنا على ذلك، وهل يريد أن نقلب الحقيقة ونقول إن مسئولية الدفاع ليست واقعة علينا، تلك المسئولية الأصلية الطبيعية التى لا يمكن أن نتخلى عنها بحال من الأحوال، لقد قلنا إن بريطانيا تساعدنا في الدفاع وهذا هو الوضع الصحيح، ولم نقل إننا نضع الجنود البريطانية في مركز غير ملائم بل اخترنا لها بقعة لائقة بها.
تنص المحالفة على أنه في حالة الحرب أو الاعتداء يبادر الحليف إلى إنجاد حليفه، أليس في هذا تشريف للمنجد، ماذا قلنا أكثر من أننا ندافع عن أرض بلادنا وبريطانيا تساعدنا على ذلك لاشتراك مصالحنا في تلك البقعة التى فيها القنال وهذه المساعدة مستمرة طول مدة المحالفة، وما وجود تلك القوات في زمن السلم إلا للتعاون على صد الغارة الأولى التى قد تقع على القنال حتى يصل مددنا ومدد الحليف، يخيل إلينا أن هذه المسألة غير مفهومة على حقيقتها، ولذلك أكرر القول بأن الغرض الذى نرمى إليه هو ما شرحناه آنفا بكل وضوح.
أما عن الإشارة إلى تصريح 28 فبراير فقد أغنانى مستر هندرسن عن الرد عليها إذ كلنا نعرف أنه تصريح من جانب واحد ولم تقبله مصر فلا حاجة إلى الإطالة من غير طائل، لذلك أرجو ألا ينسى ما أبديناه من التساهل العظيم من جانبنا بالسماح بوجود قوة إنجليزية بجانب القنال.
مستر توم شو- إننا نشعر أنكم تريدون وضعنا في مركز وضيع مهين، وأنا لسنا في منطقة القنال إلا كبيادق الشطرنج في أيديكم.
لورد باسيفيلد- يخيل إلى أنكم تريدون ألا يقر البرلمان هذه المعاهدة.
النحاس باشا- لست أدرى كيف يمكن أن يتسرب هذا إليكم وما بدا منا لا يسوّغ ذلك، ومع هذا فنحن مستعدون إظهارا لحسن نيتنا أن نحذف كلمة " دون سواها" من هذه الفقرة.
مستر هندرسن - هلا تعيدون النظر في مواضع الجنود البريطانية في منطقة القنال؟ إننا لم نتعهد إلا بسحب جنودنا من القاهرة والإسكندرية إلى منطقه القنال، فلماذا تطلبون أمورا أخرى، وقد اطلعتم على كل مناقشاتنا في البرلمان؟
مستر توم شو- جنودنا في الإسماعيلية والسويس، فما معنى إخراجهم منهما؟
النحاس باشا- لقد تساهلنا لكم تساهلات مهمة جدا فلماذا لا تقابلوننا في منتصف الطريق؟
لورد باسفيلد - يجب أن يكون مفهوما أن المندوبين البريطانيين لا يمكنهم أن يعدلوا عن الشروط التى قدموها للدفاع عن القنال، وذلك لا يكون إلا بإبقاء الجيوش في أماكنها الحالية في منطقة القنال أى في ثلاثة محلات على الأقل.
النحاس باشا - نحن لا يمكننا أن نواجه بلادنا بأن نترك طول القنال لكم تحتلونه بجيوشكم.
مستر هندرسون- إنكم تريدون أن تعاملونا بكل بخل، تطلبون منا أن نساعدكم في الدفاع عن القنال وتشترطون أن يكون ذلك من نقطة معينة، إننا لا يمكننا أن نقبل ذلك، لقد اقترحت ترك هذه المسألة للجنة فنية عسكرية تذهب إلى المنطقة وتدلى برأيها ولكنكم رفضتم هذا الاقتراح وتلحون في إبقاء الجنود في بقعة واحدة.
لورد باسفيلد- ومع ذلك فهذه البقعة غير صالحة. ولو كانت صالحة لما كانت كافية لأن الدفاع غير ممكن من نقطة واحدة.
النحاس باشا- آسف جدا إذ لا يمكننا أن نقبل ذلك.
مستر هندرسن- إن هذا لا يتفق مع ما عرض عليكم وعلى شعبنا من أكثر من سبعة أشهر. فإن كنتم غير راضين عنه كان ينبغى أن تصرحوا بذلك من قبل، إن مقترحاتنا كانت معروضة كل هذا الزمن الطويل ولم يعترض عليها أحد. وحاولنا أن نعرف رأيكم فرفضتم أجابتنا وقلتم إنكم لم تعرضوا مقترحاتى على الشعب المصرى في الانتخابات محافظة عليها. والآن أراكم ترفضون جزءا منها فمن حقى كذلك أن أرفض ما تقترحون.
ولأجل أن أبين أهمية هذه المسألة أتلو عليكم ما قاله مستر ماكدونالد سنة 1924 بالنسبة لضمان الدفاع عن قنال السويس: "إن ضمان بقاء قنال السويس مفتوحا في السلم وفى الحرب لتمر منه السفن البريطانية مرورا حرا هو الأساس الذى تقوم عليه خطة لإمبراطورية البريطانية الدفاعية. وكانت اتفاقية سنة 1888 المتعلقة بحرية الملاحة في قنال السويس هى الأداة التى أعدت للوصول إلى تلك الغاية ولكن ظهر في سنة 1914 أنها لا تفى بهذا الغرض فاتخذت الحكومة البريطانية نفسها التدابير اللازمة لتضمن بها بقاء القنال مفتوحا فليس في وسع أية حكومة بريطانية بعد ذلك الاختبار أن تجرد نفسها تجريدا تاما من مصلحتها في حراسة هذه الحلقة الحيوية في مواصلات الإمبراطورية ولو كان ذلك من أجل حليفة. ويجب أن تكون هذه السلامة بارزة في أى اتفاق بعقد بين حكومتينا"
إلى أن قال عن وجود جنودنا في منطقة القنال "لا يخطر ببال الحكومة البريطانية أن تتدخل هذه القوّة أى تدخل في أعمال الحكومة المصرية وأن تمس السيادة المصرية...... الخ".
وهذا لا يزال مركزنا الآن. فأرجو أن تقدروا صعوبة المركز حتى إذا تقابلنا في الجلسة المقبلة تكونون قد تدبرتم الموقف.
النحاس باشا- وهذا ما أطلبه منكم أيضا وأن تذكروا أن مسألة وجود جنود إنجليزية على الأرض المصرية من المسائل الحساسة جدا في مصر. لذلك أرجو أن تعملوا أيضا كل ما في وسعكم لتقابلونا في منتصف الطريق إذ لا يمكننا أن نواجه الرأى العام المصرى بغير ذلك.
مستر هندرسن - أرجو أن تذكروا أننا وضعنا كل أوراقنا على المائدة ولم يتحدّها أحد في السبعة الأشهر الأخيرة. وهى قد فاقت كل ما تقدمها.
النحاس باشا - نحن الذين حميناها فلم يتحدها أحد، وقد عملنا ذلك عمدا لنتفادى صعوبات كثيرة ولولا ذلك لرفضها الرأى العام المصرى.
مستر هندرسن - ندرك ذلك ولكن لو أن الرأى العام المصرى رفض مقترحاتى فإن المسئولية ما كانت تقع إلا عليه. ومع ذلك متى نتقابل؟
وتقرر أن تكون الجلسة القادمة يوم الاثنين الساعة الخامسة مساء.
ورفعت الجلسة حيث كانت الساعة الواحدة والربع بعد الظهر،
السكرتير
إمضاء: مصطفى الصادق
الرئيس
إمضاء: مصطفى النحاس
ملاحظة
أرسل الفريق المصرى إلى الفريق البريطانى في 14 أبريل سنة 1930 اقتراحا للمواد 9 أو 16 هذا نصه:
المادة 9
بما أن قنال السويس الذى هو جزء لا يتجزأ من مصر هو في نفس الوقت طريق عالمى للمواصلات كما هو أيضا طريق أساسى للمواصلات بين الأجزاء المختلفة للإمبراطورية البريطانية - فإلى أن يحين الوقت الذى يصبح فيه الجيش المصرى في حالة يستطيع معها أن يصد بمفرده أى اعتداء على القنال ريثما يصل مدد الحليف يرخص صاحب الجلالة ملك مصر لصاحب الجلالة البريطانية بأن يضع بالقرب من القنال قوة حربية بريطانية لتتعاون مع القوات المصرية الموكول إليها الدفاع عن القنال.
ولا يكون لوجود تلك القوة صفة الاحتلال مطلقا ولا يخل بأى وجه من الوجوه بحقوق السيادة المصرية.
المادة 16- تعقد هذه المعاهدة لمدة 25 سنة من تاريخ تبادل التصديق عليها وتجرى مفاوضات دورية كل ثمان سنين بناء على طلب أحد الطرفين المتعاقدين بقصد إعادة النظر فيها وإدخال التعديلات التى تتناسب مع الظروف التى تكون سائدة حينذاك.
الرئيس
إمضاء: مصطفى النحاس
المصادر