محضر الجلسة السادسة عشر بين معالي صدقي باشا وبين وزارة المالية
محضر الجلسة السادسة عشر بين معالي صدقي باشا وبين وزارة المالية، في 26 أغسطس 1921، مفاوضات سنة 1921 - 1922 (عدلي- كروزون)، بين صدقي باشا ووزارة المالية. منشور من "وزارة الخارجية المصرية ، القضية المصرية 1882- 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955 ص 171 - 173".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المنشور
بعد زيارة وزارة التجارة انتقل معالي صدقي باشا ومعه المستر مري مندوب وزارة الخارجية إلى وزارة المالية فقابلهما أحد كبار الموظفين المشتغلين بالمالية الدولية أي بعلاقة إنجلترا المالية مع الدول الأخرى ودار بينهما الحديث الآتي:
صدقي باشا- إن الوفد لا يقبل مبدئيا التزام مصر بشيء مما يتعلق بالخراج الذي كان مطلوبا منها للدولة العلية، وإذا كان كل من الخديو توفيق والخديو عباس من بعده قد التزم بدفع شطر كبير من قيمة الخراج إلى دائني الدولة العلية، فقد ذكرا بصك قبول الحوالة أن المبالغ التي تدفعها مصر هي مبالغ مأخوذة من الخراج. وإذ قد سقط الخراج عن مصر بزوال السيادة التركية، فقد سقط عنها أيضا واجب أداء شيء منه لدائني تركيا. هذه هي الحالة فيما يتعلق بالمبلغين 281.000 جنيه و 329.000 جنيه اللذين تنتهي مدتها في سنتي 1951 و 1955- أما المبلغ الباقي من الخراج وقدره 72.000 جنيه فإن عدم التزام مصر به أوضح، إذ لم تتعهد مصر في يوم من الأيام بدفعة في سبيل ديون تركيا. ومن جهة أخرى فإن إهمال دائني تركيا هو الذي أوجب استمرار المطالبة بهذا المبلغ إلى الآن، إذ تعرفون أن قرض سنة 1855 الذي ضمنته إنجلترا وفرنسا كان يستسلم دفع 1% بصفة استهلاك فلو أن الدائنين طالبوا تركيا باستمرار على دفع قيمة الاستهلاك لكان قد تم استهلاك الدين في سنة 1900 ولامتنع أن تكلف مصر شيئا بشأنه الآن. فكأنكم تريدون تحميل مصر نتيجة إهمال دائني تركيا .
مندوب وزارة المالية - ربما كان كلامكم عن الدينين الأولين مقبولا من الوجهة القانونية، ولكن ذلك لا يمكن من أن نكون نحن الإنجليز ملزمين بدفع المبلغين في حالة عدم قيامكم بدفعهما. ولقد بنى الدائنون قبولهم تحويل شروط الدين مع تركيا على ضمانتكم. أما فيما يتعلق بالمبلغ الثالث فإن عدم قيام تركيا بدفع قيمة الاستهلاك لم يكن إلا نتيجة عجزها وسوء حالتها المالية مما لم يكن لنا سبيل لتلافيه.
صدقي باشا- إنكم قد رتبتم على من ورث تركيا من الدول في الجهات التي حلت محلها فيها نصيبا من ديونها. فهل لم تخصوا هذه الدول بأي نصيب في الديون التركية التي كان قد أحيل دفعها على مصر خصوصا وأن تركيا كانت ولا تزال المدينة الأصلية ، ولم تكن مصر، على خير الفروض لكم إلا محولا عليها. مقابلتهما. وإن هذا وإن كان لا يقع من الوزارة الحالية. فقد يقع ممن يخلفها خصوصا إذا علم أن هذا النص قد اقترح ورفضتموه، وحيث إن عدلي باشا يقول إنه لم يقع اتفاق بينكم وبين المستر لندسى على هذه الصيغة فالأولى أن تعاودوا بحث الموضوع معه من جديد.
(وكان الحديث استعراضا لمختلف المسائل لم يقصد به البت في أيتها. وإنما قصد تعرّف وجوه الاتفاق ونقط الخلاف حصرا لها وتمهيدا للأحاديث المستقبلة).
اللورد كيرزن - أما فيما يتعلق بتعويض الموظفين فإني لم أبحث هذه المسألة وأمامي عنها تقرير طويل لم أطلع عليه.
عدلي باشا - إن هذه المسألة لم تجر فيها أحاديث بيني وبين المستر لندسى. لأنه سلمني أوراقا قال إنها المبادئ المقترحة من جماعة الموظفين أنفسهم ومذكرة عنها، وقال أيضا إن وزارة الخارجية لم تكوّن لها رأيا بعد في المسألة. وها نحن جادون في فحص هذه المقترحات استعدادا للمناقشة فيها مع وزارة الخارجية.
اللورد كيرزن - إن وزارة الخارجية رفعت إلى تقريرا في هذا الموضوع وسيبلغ للوفد ليكون موضوع التداول بينه وبين المستر لندسى.
(ثم تداولوا في مسألة مدّ امتياز شركة قناة السويس).
عدلي باشا - فهمت من المستر لندسى أنه لا يعتبر هذه المسألة من كبرى المسائل وهي على أي حال مسألة دقيقة، فقد عرضت من أعوام على الجمعية العمومية ورفضتها.
رشدي باشا - ( ذكر تاريخ المسألة. وقتل بطرس غالي باشا على أثرها ).
عدلي باشا - إذا كان كل الذي تحرص عليه الحكومة الإنجليزية هو صيانة القناة وكل ما يشغلها هو أن الشركة في المدّة الأخيرة من امتيازها لا تجد فائدة أو ربحا من الصرف على وسائل الصيانة إذ لا يكون لديها الوقت الكافي لاستهلاك هذه المصاريف، فأننا سنفكر فيما يوجب طمأنينة انجلترا دون أن نكون مقيدين أو ملزمين باتخاذ هذه الوسيلة الخاصة وهي مدّ الامتياز. فقد نجد لذلك وسيلة أخرى. وسيتعين البحث في هذه المسألة يوما. وعلى أي حال فليس من حاجة للنص عليها في المعاهدة. خصوصا إذا كان هذا النص سيثير معارضة خاصة ضد المعاهدة نحن في غنى عنها.
(ثم انتقل الكلام إلى مسألة الأسلاك).
أما مسألة الأسلاك فإنه لم تجر بيننا وبين المستر لندسى أحاديث في هذا الشأن، وكل ما فعله هو أنه أبلغنا مقترحات وزارة البوستة ولدينا عليها اعتراضات لم نبدها له بعد.
(ثم تحدّثوا عن حماية الحرية الدينية أو فيما يسمونه حماية الأقليات ).
عدلي باشا - إننا لا نعترض على تقرير المبادئ التي أرسلتم بها إلينا في مذكرتكم.
(وبعد أن لخص الأحاديث التي دارت بينه وبين المستر لندسي ).
إن من الممكن إيجاد حلول مقبولة للمسائل التي جرى بشأنها الحديث، ولكن هذه الحلول نفسها لم تكيف بعد ولم يتم الاتفاق عليها - بقيت هناك مسألتان معلقتان وهما مسألة القوّة العسكرية ومسألة التمثيل الخارجي - ومسألة ثالثة لم نتكلم فيها وهي في غاية الأهمية: مسألة السودان.
أما التمثيل السياسي فتعلمون كل حججنا وأسانيدنا فيه، وأظنكم قدرتموها حق قدرها - وأما مسألة القوّة العسكرية فقد فكرت فيها وتداولت مع زملائي هنا واستطلعت رأي أعضاء الوزارة في مصر وغيرهم من أهل الرأي من أصدقائنا، وأؤكد لكم أنهم ممن يوصفون بالاعتدال، ولا يمكن اتهامهم بالتطرف، فكانت نتيجة هذا التفكير وهذه المداولة والمشاورة أننا لا يمكننا أن نقدم رأي الحكومة الإنجليزية للأمة أو ندافع عنه.
رشدي باشا - هذا رأي لا يمكن أن البلاد تقبله، وليس من وراء قبولنا إياه إلا تسويء سمعتنا أمام المصريين دون أن يكون هناك أمل في نجاحنا في حمل البلاد على قبوله. والحل الوحيد لهذه المشكلة هو وضع القوة في مكان معين في منطقة القناة وحصر الغرض من بقائها في حماية المواصلات.
اللورد كيرزن - إن كلانا يعرف رأي الآخر وحججه حق المعرفة، ولكنكم تعلمون أن الرأي الذي تحدثت به لم يكن رأيي وحدي. وإنما هو رأي الوزارة ولا يسعني أن أبت في هذا الموضوع، وهذا شأنه، برأي من عندي. وإنما كنت أرجو أن أستطيع، عند عرض المسألة المصرية على الوزارة، أن أقول فيما يتعلق بالتمثيل الخارجي هذه ملاحظات الوفد، وإني كنت لا أحب التسليم بالتمثيل الخارجي إلا أني بصفتي وزير خارجية لا يسعني ألا أسلم به من حيث هو رمز الاستقلال. ومن المعقول أن بلدا يعترف له بالاستقلال يسلم له دائما بالتمثيل الخارجي - ولكنكم ترفضون رأي الحكومة الإنجليزية في كلتا المسألتين القوة العسكرية والتمثيل الخارجي، فكيف يمكن أن أقول ما أقول في التمثيل الخارجي.
رشدي باشا - نحن لا نرفض وجود قوة عسكرية. ولكن الذي في نرفضه هو أن تكون هذه القوة محتلة للقطر المصري في الحركة والانتقال في نواحيه وأن تتداخل في شؤوننا الداخلية باسم المحافظة على الأمن والنظام (ووقف الكلام عند هذا الحد).
اللورد كيرزن - (عطف على كيفية استئناف العمل) إن خير طريقة للعمل هي إتمام المناقشة مع المستر لندسي في المسائل التي استعرضناها، فإذا احتجتم إلي في رأي أو في أمر فإني أحضر معكم بارتياح، ومهما يكن من نتيجة هذه المناقشات فسأتولى تحضير مشروع معاهدة أبلغكم إياه، ولكم أن تبدوا ما تشاءون من الملاحظات أو التعديلات أو الاعتراضات - ثم أعرض المشروع وتعليقاتكم عليه على الوزارة. وفي هذه الآونة سيحتاج المستر لويد جورج للحديث معكم في المسألة المصرية، ونظرا لاحتمال سفره إلى واشنجتون في أواخر شهر أكتوبر فسيكون المشروع معدا لنظركم وملاحظاتكم في أقرب وقت.
عدلي باشا - هناك مسألة لم نتناقش فيها بالتفصيل إلى الآن مع أهميتها الكبرى. وهي مسألة إلغاء الحماية، فما الذي تقدّرونه في صيغة ذلك الإلغاء؟
اللورد كيرزن - إذا نحن وصلنا إلى اتفاق فستقرر انجلترا أن الحماية التي ضربت على مصر قد انتهت وتعترف بمصر دولة مستقلة.
رشدي باشا - بل هذه تكون أول مادة في المشروع.
اللورد كيرزن - لا مانع من ذلك.
المصادر