محضر محادثة بين وزير الخارجية المصرية والسفير البريطاني (10/08/1950)
محضر محادثة بين وزير الخارجية المصرية والسفير البريطاني، 10 أغسطس 1950، منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 628 - 632".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المنشور
الحاضرون
الدكتور محمد صلاح الدين (بك)
سير رالف ستيفنسون
الأستاذ إبراهيم فرج (بك)
الأستاذ عبد الفتاح عمرو (باشا)
الأستاذ علي زين العابدين حسني
السفير البريطاني - أود أن أقترح أنه يجب أن نعود إلى المحادثات العسكرية التي وقعت السنة الماضية وكان من نتيجتها أن رسم مشروع للدفاع الجوي. ولست أعلم تفاصيل هذا المشروع. ولكني أظن أننا نستطيع اتخاذه أساسا للدفاع عن مصر. وأود أن أعطيكم فكرة عما أرى أنه يجب أن يتضمنه المشروع. لست أعلم كم مطارا حددها المشروع. ولكني أرى أن يهيئ المشروع الجديد مطارات ومواصلات بينها، ورادار، وكذلك فرقة للمراقبين. كذلك يجب أن يهيئ المشروع مواضع المدافع المضادة للطائرات ومن الضروري جدا أن يهيئ المشروع وسائل الدفاع المدني ضد الغارات ومن أجل ذلك فعلى السلطات الجوية مهمة كبيرة مع السلطات المدنية فيما يتعلق بإطفاء الأنوار إطفاء تاما وقت الغارات ومقاومة الحرائق وسلامة المدنيين إلخ. كذلك من الضروري تدبير نظام للدفاع عن المطارات والمنشآت ومركز القيادة العامة ومراكز المواصلات... إلخ، وأود أن أضيف متحدثا كما هي عادتي على أساس شخصي بحت إذا اتفق على أن الدفاع الجوي عن مصر يكون عملا مشتركا بيننا فإني لا أرى لماذا لا نستطيع أن نبين للشعب المصري أنه دفاع مصري، وأن نعتبر رجالنا ومعداتنا كقرض تزداد به موارد مصر الجوية في مبدأ الأمر على الأقل. وهناك وجهة أخرى هي تدبير تدريب المصريين فكلما استكملوا تدريبهم أمكنهم أن يتسلموا الأمر منا وأن يحلوا محل رجالنا وفي هذا تخفيف كبير عنا. وثمة طريقة أخرى للتدليل على أن الدفاع الجوي هو دفاع مصري بأن توسم الطائرات بالعلامات المصرية وكذلك وسائل النقل والمدافع المضادة للطائرات فإذا تقلد رجال السلاح البريطانيون العلامة التي يتقلدها رجال السلاح الجوي المصري فإن معنى هذا أن القوة الجوية والدفاع الجوي مصريان. إننا نساعدكم حتى تتمكنوا من تقلد مقاليد الأمور وفي الوقت ذاته تكون قوة الطيران دفاعا جويا مصريا.
دكتور صلاح الدين (بك) - إنني أتفق معكم في كثير مما فصلتموه ولو إنكم أضفتم إلى تفصيلاتكم التفريق بين مقدرة سلاح الطيران المصري والدفاع الجوي المصري. وبين مسألة وجود قوات جوية أو قوات من السلاح الجوي البريطاني في مصر وقت السلم لوجدنا أنفسنا متفقين تمام الاتفاق. فنحن لا ندعى أن سلاحنا الجوي قد استكمل عدته، ودعنا الآن من تقصي المسئولية عن ذلك. ولكننا نقول كما قال خبراؤنا في محادثات صيف 1949 إنه لا توجد حاجة إلى بقاء قوات جوية بريطانية في مصر وقت السلم، فمطاراتكم قريبة جدا من مصر وتحيط بها من جميع النواحي في مالطة وقبرص وبرقة وشرق الأردن والعراق ويمكن أن يأتي مدد الدفاع الجوي في ساعات قليلة منقولا على الطائرات. ومعروف أن قاذفات القنابل أثقل وأبطأ من المقاتلات فيمكن أن تسبق أي هجوم جوي ينتظر أن يأتي من القواعد الروسية التي هي أبعد من قواعدكم كما هو معروف. فإذا أضفنا إلى هذا أن مصر حريصة على أن تستكمل كل معدات الدفاع الجوي من مطارات ومواصلات ورادار وقوات للمراقبة ومن طيارين وفنيين وإداريين إلخ. فإنكم إذا وقعت الحرب وجئتم إلى مصر للدفاع عنها مع القوات المصرية وفقا للمحالفة تجدون كل شىء معدا. ولا شك أن ما ذكرتموه من إعطاء المعدات اللازمة لمصر على أساس الإعارة سيساعد كثيرا على تحقيق هذه الغاية، فنحن نقبل هذه الإعارة بكل سرور وفقا لما يجري عليه العمل بين الدول الغربية. أما إعارة القوات فذلك ما يؤدى حتما إلى سوء التأويل مهما أردنا أن نستر الأمر في شارات تحملها هذه القوات وتدل على أنها تابعة لمصر. بل أنا أخشى أن تؤدي هذه المحاولات إلى عكس ما تقصدون فنتهم جميعا نحن وأنتم بأننا نخدع الشعب المصري. وأظنكم توافقونني على أنه ليس من مصلحة أحد أن تنشر مثل هذه الفكرة أو تقوم مثل هذه الشبهة.
السفير البريطاني - إن أول تعليق لي على بيانكم هو أنكم لا تدركون مبلغ تقيد القوات الجوية عن الحركة. فإن نقل قوة جوية يستغرق من الوقت أكثر مما تستغرقه نقل قوة برية. فإنه لا فائدة من فرقة من الطائرات بدون منشآتها الأرضية وهي منشأة يصعب نقلها. وينتج من ذلك أننا لا نستطيع في الواقع أن نصل إلى مصر عند نشوب الحرب. إن كل نظريتي التي شرحتها الآن تقوم على فكرة الدفاع الجوي المشترك. وأنها قد تكون مقبولة لدى مصر فإذا لم تكن مقبولة لديها فليس ثمة جدوى من مناقشة مشروع الدفاع الجوي. ولو درستم محادثات سنة 1949 لوجدتم أن مصر لا تستطيع الدفاع عن نفسها بمفردها.
لم أكن أقصد بأية حالة أن أخدع الشعب المصري باقتراحي بأن يتقلد أفراد القوات البريطانية العلامة التي يتقلدها المصريون. فليس ذلك إلا مجرد رمز إلى الدفاع المشترك عن مصر.
لقد تحدثت عن إعارة المهمات لكم. وحتى لو استطعنا أن نعيركم مقدارا كبيرا فلن تستطيعوا أن تفيدوا به. إذ ليس لديكم عدد كان من القوات. إن إعارة المهمات يجب أن يكون معها رجال من القوات.
الدكتور صلاح الدين (بك) - إنني لم أقصد مطلقا أنكم ترمون إلى خديعة الشعب المصري باقتراحكم. ولكن المسألة مسألة سوء التأويل ونفسية الشعب بالنسبة لأية صورة من صور الاحتلال. وأنتم تعلمون ولا ريب أن هناك دعايات هدامة وأن في مصر معارضة مهما كان شأنها فيجب علينا أن نعمل حسابها في مسألة حيوية دقيقة كهذه المسألة.
وقد سبق للوفد المصري عندما كان في المعارضة أن رفض فكرة الدفاع المشترك. وأجمع الرأي العام المصري علي تأييده في هذا الرفض وانتهى الأمر بأن رفض أغلبية المفاوضين مشروع صدقي - بيفن من أجل الدفاع المشترك. وذلك بالرغم مما تضمنه هذا المشروع من تقرير الجلاء الكامل بحرا وبرا وجوا. وأريد هنا أن أفرق بين الدفاع المشترك في وقت السلم والدفاع المشترك في وقت الحرب. فالدفاع المشترك في وقت الحرب أمر مقبول ومفروغ منه بمقتضى المحالفة. أما الدفاع المشترك في وقت السلم فهو الذي سبق لمصر أن رفضته ويصعب أن تقبله في أية صورة من الصور. فنحن كما نرفض الدفاع البري المشترك كذلك نرفض الدفاع الجوي المشترك وقت السلم. ولكن ذلك لا يعني أننا نقف جامدين بالنسبة لاستيفاء معدات الدفاع الجوي للجيش المصري بل نحن على العكس حريصون على إتمام ذلك في أقرب وقت يستطاع، وعلى الوجه الكافي، وهناك الآن استعدادات لكم في منطقة القنال يمكن أن نحتفظ بها على الطريقة التي فصلناها بشأن القاعدة. وفي الوقت نفسه تمضي الحكومة المصرية في استكمال معدات دفاعها اللازمة لجيشها، كما تمضي في استكمال معدات الدفاع الجوي. وفي إعداد الطيارين والفنيين مستعينة في ذلك بالبعثات التي ترسلها إلى إنجلترا وأمريكا. وإذا لزم الأمر يمكن التفكير في استبقاء عدد قليل من الخبراء لمدة قصيرة لكي يدربوا الفنيين المصريين بشرط أن ينتهي الأمر بالاستغناء عنهم وبشرط أن لا تطول مدة استخدامهم إلى الحد الذي يشكك الناس في مهمتهم. والخلاصة أن لو وجهنا اهتمامنا إلى الطريقة التي يمكن بها بمجرد وقوع الحرب أن تصل الإمدادات الكافية فتجد معداتها الضرورية وهو جوهر وجهة النظر المصرية. كان ذلك أجدى علينا من محاولة البناء على أسس نعرف مقدما أن الشعب المصري لا يمكن أن يقبلها.
السفير البريطاني - أخشى أن لا يكون اتفاق بين وجهتي نظرنا في هذا الموضوع. فإن جميع تعليقاتكم تغفل الأساس الذي بنيت عليه آرائي الشخصية فيجب أن تقوم بين بلدينا علاقة جديدة يقبلها الشعب المصري والوفد وحده هو الذي يمكن أن يدخل هذه الفكرة في روعهم. فإذا استطاعت الحكومة المصرية أن تقنع الشعب المصري بحقيقة هذه العلاقة الجديدة فإن إلغاء المعاهدة الإنجليزية المصرية والتنازل عن جميع حقوقنا دليل كاف على حسن نيتنا. ومن المؤكد أن من اليسير في هذه الظروف علي الوفد أن يقنع الشعب المصري بالدفاع المشترك. فسيكون وجودنا هنا بناء على دعوتكم، وأنتم تدعوننا لمساعدتكم في الدفاع المشترك عن مصر وعن الشرق الأوسط خلال المدة التي يستغرقها السلاح الجوي المصري لاستكمال عدته للدفاع عن مصر، ومن صالحنا أن تكون هذه المدة أقصر ما يمكن ولكن مهما كانت الرغبة في ذلك شديدة فإنكم لا تستطيعون أن تقوموا بذلك بغير مساعدتنا.
وأود أن أؤكد أن الاقتراح الذي قدمته هو اقتراح أساسي. وهو أصل أي تسوية ودية يمكن الوصول إليها. فهل تستطيع الحكومة المصرية أن تقنع نفسها مع الشعب المصري أننا نقيم أساسا جديدا للعلاقات بيننا.
الدكتور محمد صلاح الدين (بك) - لقد سبق أن أبديت رأيي ورأي الحكومة المصرية بالنسبة للسياسة الجديدة التي يراد إقامة العلاقات على أساسها ورحبت باتجاهكم إلى الفصل بين الماضي وبين المستقبل وبادرت إلى إبداء موافقتنا على أن تنهض مصر بالدفاع عن نفسها وعلى أن تتحالف في هذا السبيل معكم، ولكن الذي يهم هو أن يكون قطع الصلة مع الماضي تاما ليكون التعاون المرجو تعاونا صادقا لا تشوبه أية شائبة. وأنا حريص على أن نصل إلى اتفاق وأعلم إنكم تحرصون على ذلك. ومن أجل هذا أحرص على استبعاد جميع المعاني والمظاهر التي أعرف، وأنا الخبير بالشعب المصري، أنها تؤدي إلى إفساد هذا الجو الجديد الذي نريد جميعا أن يسود علاقاتنا. وأرجو أن يكون مفهوما أن الوفد إنما يعتمد سلطانه على الجماهير من عقيدة هذه الجماهير في أنه حريص على حقوق البلاد كما رسمت نهضت سنة 1919 وفي طليعتها مسألة الجلاء الناجز. ولست أدرى لماذا تفترضون دائما استحالة التعاون في وقت الحرب إلا إذا كان هناك دفاع مشترك أو بقايا لمظاهر الاحتلال في وقت السلم * إن الذي أرجوه وأرجو أن يعاوننا فيه رجالكم العسكريون هو رسم الخطة التي تؤدي إلى التعاون في وقت الحرب وحدها بحيث يكون هذا التعاون مثمرا ومؤديا إلى النتيجة المرجوة منه وليس ذلك بدعا في علاقات الأمم بل هو ما يجرى عليه العمل في الأغلبية الساحقة من المحالفات المعقودة بين الدول المستقلة. ولست أدرى لماذا يكون الشىء ميسورا عند غيرنا عسيرا عندنا. إن هذا وحده كاف لأن يتشكك الشعب في عملنا. ومهما كان تأثير الوفد المصري فإنه لا يستطيع إزالة هذا الشك من نفوس الجماهير لوضوح أسبابه. ولا شك أنكم توافقونني على أنه يكون من الخطأ أن نقدم للجمهور مشروع اتفاق نعرف مقدما أنه مقضي عليه بالفشل وأنه يؤدي فوق ذلك إلى ضياع مكانة الوفد عند الشعب المصري.
السفير البريطاني - أخشى أن أستطيع أن أجيب بالتفصيل على بيانكم الآن، ولكني أود فقط أن أضيف أن عليكم أن تذكروا ما حدث سنة 1940 للبلاد الصغيرة مثل بلجيكا وهولندا التي رفضت اتخاذ الاستعدادات الحربية وقت السلم بمساعدة حلفائهم. لقد تعلمنا هذا الدرس، ولبلاد شمال الأطلنطي الآن مشروع دفاع مشترك والواقع أن اتجاه العالم الآن ينحو نحو الدفاع المشترك.
المصادر