نص المذكرة التي سلمها سفير مصر بلندن إلى وزارة الخارجية البريطانية
نص المذكرة التي سلمها سفير مصر بلندن إلى وزارة الخارجية البريطانية، في 20 ديسمبر 1945، منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 490 - 491",
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المنشور
ترى الحكومة المصرية، وهى في ذلك موقنة من أنها تعبر عن شعور الأمة قاطبة، أن المصلحة البينة للصداقة والتحالف بين مصر وبريطانيا تقتضي أن تقوم الحكومتان بإعادة النظر في الأحكام التي تنظم علاقتهما في الوقت الحاضر على ضوء الحوادث الأخيرة والتجارب المكتسبة.
فمن المحقق أن معاهدة سنة 1936 أبرمت في وقت كانت فيه العلاقات الدولية في أشد الاضطراب، وكان شبح الحرب باديا. وقد كان لهذه الظروف أثرها البين في إخراج المعاهدة على الوجه الذي صيغت به فلم تقبلها مصر إلا تحت ضغط الضرورة و إظهارا لما تكنه نحو حليفتها من الود الخالص والرغبة الصادقة في التعاون. فجاءت المعاهدة حلقة في سلسلة من التدابير التي اتخذت في ذلك الوقت، ومن الاتفاقات التي قصد بها تجنب الحرب التي كانت تهدد العالم. أو دفع العدوان إذا لم يمكن تجنبها وإذا كانت مصر قد قبلت المعاهدة بكل ما انطوت عليه من قيود تحد من استقلالها فلأنها كانت تعرف أنها قيود أملتها ظروف وأحداث وقتية تزول بزوال، هذه الظروف والأحداث التي قضت بقبولها.
والواقع أن الحرب قد استنفدت أهم أغراض المعاهدة. وفتحت الطريق للوصول إلى نظام جديد يحل محل، الوسائل التي لم تقرر إلا تحت تأثير سوء الظن الذي لم يكن قد زال كل الزوال سنة 1936 أو طبقا لضرورات حربية غيرتها الحوادث الجديدة تغييرا جوهريا.
ومما لا شك فيه أن الأحداث الدولية التي قلبت الأوضاع في العالم وما انتهت إليه الحرب الأخيرة من انتصار الحلفاء وإبرام المواثيق لصون السلم والأمن في العالم، كل ذلك من شأنه أن يجعل الكثير من أحكام تلك المعاهدة نافلة لا مبرر لها سيما أن نصوص المواثيق لم تكن في يوم من الأيام هي الكفيلة بنفاذها، بل العبرة في ذلك إنما تكون بقبول الشعوب عن رضا وطيب خاطر لهذه النصوص وبالروح التي تهيمن على تطبيقها.
وليس أدل على الروح الطيبة التى تقوم بها مصر في الوفاء بتعهداتها من المعاونة الصادقة التى قدمتها لحليفتها طوال سنى الحرب، وقد قدمت مصر أثناءها الأدلة الملموسة على وفائها للحلف وعلى إخلاصها في الصداقة.
إن الحكومة البريطانية - إبان الشدائد - قد جنت من اتفاقها مع مصر من الفوائد أكثر مما فرضته نصوص المعاهدة وجاوزت إلى حدود بعيدة ما كان يأمله حقا أكثر المفاوضين البريطانيين تفاؤلا.
لذلك كان لزاما أن يعاد النظر في معاهدة سنة 1936 بعد أن تغيرت الظروف التى فرضت عليها طابعا خاصا. لكى تكون متمشية مع الحالة الدوليه الجديدة، فإن أحكامها التى تمس استقلال مصر وكرامتها لم تعد تساير الوضع الحالى.
فوجود قوات أجنبية زمن السلم في بلادنا حتى لو انحصرت هذه القوات في مناطق نائية يجرح الكرامة الوطنية على الدوام. ولا يستطيع الرأى العام المصرى إلا أن يفسره بأنه الدليل المحسوس على ريبة نعتقد أن الحكومة البريطانية نفسها لا تجد مبررا لها وأن من الخير للبلدين أن تقوم العلاقات بينهما على التفاهم والثقة المتبادلين.
وإن مصر لتعرف ما يستلزمه واجب الدفاع عن أراضيها، وتدرك التبعات الناشئة عن اشتراكها في هيئة الأمم المتحدة، فهى لم تحجم عن أية تضحية تتيح لقواتها العسكرية أن تبلغ عاجلا مبلغا يجعلها قادرة على صد عدوان المعتدى حتى تصل إليها إمدادات حلفائها وإمدادات الأمم المتحدة.
فلهذه الأسباب، وأمام هبة الشعب المصرى عن بكرة أبيه ورغبته الحارة في أن يرى علاقاته ببريطانيا العظمى مستقرة على أساس من التحالف ومن الصداقة الخالصة من شوائب ريب الماضى، والطليقة من أسر مبادئ قد انقضى زمنها، تعرب الحكومة المصرية عن ثقتها بأن حليفتها ستشاركها في هذا الرأى، وأن الحكومة البريطانية ستعنى بتحديد موعد قريب لكى يشخص وفد مصرى إلى لندن للمفاوضة معها في إعادة النظر في معاهدة سنة 1936.
وغنى عن البيان أن هذه المفاوضات ستتناول مسألة السودان مستوحية في ذلك مصالح السودانيين وأمانيهم.
المصادر