عبد الفتاح يحيى ابراهيم باشا
عبد الفتاح يحيى إبراهيم باشا | |
---|---|
رئيس وزراء مصر رقم 22 | |
في المنصب 22 سبتمبر 1933 – 15 نوفمبر 1934 | |
العاهل | فؤاد الأول |
سبقه | إسماعيل صدقي باشا |
خلفه | محمد توفيق نسيم باشا |
تفاصيل شخصية | |
وُلِد | 1876 الإسكندرية، مصر |
توفي | 1951 |
الحزب | حزب الاتحاد |
عبد الفتاح إبراهيم باشا (1876–1951)، هو شخصية سياسية مصرية، ورئيس وزراء مصر من 1933 حتى 1934.
كان وزيراً للعدل في عامي 1921 و1930، ومن عام 1930 حتى 1934 كان وزيراً للخارجية. ورغم أن الملك فؤاد الأول طلب منه أن يشغل منصب رئيس الوزراء من عام 1933 حتى 1934، إلا أنه لم ينجح في قيادة الحكومة في مواجهة المعارضة الشعبية للملك. انتخب عضواً في مجلس الشيوخ عام 1936، وأثبت أنه أكثر نجاحاً في رئاسة مجلس الشيوخ. خدم ضمن الوفد الذي تفاوض على المعاهدة المصرية البريطانية عام 1936، وكان من بين ممثلي مصر في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمنظمة الدولية عام 1945.[1]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
سيرته
ولد عبد الفتاح يحيى بالإسكندرية عام 1876، وهو نجل أحمد يحيى من كبار تجار القطن، ومن أنصار حزب الوفد منذ تأسيسه، وعضو مجلس بلدي الإسكندرية، ونائب المدينة في مجلس شورى القوانين، وشقيق أمين يحيى أحد الثلاثة الذين أسسوا لجنة التجارة والصناعة، وأحد كبار المساهمين في أول شركة مصرية لتصدير القطن. تقلد منصب وزير العدل في وزارتي عدلي يكن الأولى في (٣٠ يونيه 1930- 12 يوليه 1930)، ووزارة إسماعيل صدقي الأولى (19 يونيو 1930- 4 يناير 1933)، وانضم إلى حزب الشعب الذي أنشاؤه إسماعيل صدقي عام 1930، وانتخب وكيلاً له، وتولى رئاسة الحزب أثناء رئاسته للوزارة، بعد أن أزاح صدقي عنها، كما شكّل وزارته في (27 سبتمبر 1933- 14 نوفمبر 1934)، واحتفظ فيها إلى جانب الرئاسة بمنصب وزير الخارجية.
من أهم أعماله: أول من سن أداء اليمين القانونية للوزراء قبل توليهم أعمالهم أمام الملك، أصدر قراراً بتحديد اختصاصات إدارات وزارة الخارجية (5 إبريل 1932)، قام بتخفيض إيجار الأطيان الزراعية لعام ١٩٣٢، بمقدار ثلاثة إعشار قيمتها، شجع استخدام اللغة العربية في المحاكم المختلطة، كما قام بحل مجلس بلدي الإسكندرية ذو الصبغة الدولية، وكان أعضاؤه من الأجانب.
رئاسة الوازرة
حكومته
الوزير | الوزارة |
---|---|
أحمد باشا علي | وزارة الحقانية |
حسن باشا صبري | وزارة المالية |
صليب بك سامي | وزارة الحربية والبحرية |
عبد العظيم باشا راشد | وزارة الأشغال العمومية |
عبد الفتاح باشا يحيى | وزارة الخارجية |
علي بك المنزلاوي | وزارة الزراعة |
محمد باشا حلمي عيسى | وزارة المعارف العمومية |
محمد باشا نجيب الغرابلي | وزارة الأوقاف |
محمود باشا فهمي القيسي | وزارة الداخلية |
عبد الفتاح يحيى
أضعف رئيس وزارء! شكلت الوزارة بأغرب طريقة . . وأعجبها . . كان عبد الفتاح يحيى باشا يصطاف في باريس عندما عرض عليه الملك أحمد فؤاد – تلغرافياً – الوزارة.
وافق عبد الفتاح يحيى – تلغرافياً – أبضاً وأسرع بالعودة إلى مصر.[2]
وفي أثناء رحلة العودة قام الملك أحمد فؤاد بتشكيل الوزارة . . واختار أعضاءها التسعة بينما رئيس الوزراء في الطريق من باريس إلى القاهرة!
والمجاملة الوحيدة التي قدمها الملك إلى رئيس وزرائه الجديد أنه لم يعلن قبول استقالة إسماعيل صدقي وتأليف الوزارة الجديدة إلا مساء يوم 27 سبتمبر 1934 . . أي يوم وصول رئيس الوزراء إلى مصر . . حتى يظن الناس أن رئيس الوزراء له دور . . أي دور!
ووافق على قبول الوزراء وهو يعلم أنهم لا يتطلعون إليه كرئيس لهم بل يتطلعون إلى الملك لأنه اختارهم . . وهو – وحده – يرعاهم! وكان عبد الفتاح يحيى قد تولى الوزارة لأول مرة وزيراً للحقانية – العدل – عام 21 وتولاها مرة ثانية عام 30 ثم أسندت إلبه وزارة الخارجية 3 سنوات عام 1930 في عهد إسماعيل صدقي.
كان الملك أحمد فؤاد يجلس على عرش مصر.
عينه الإنجليز سلطاناً في 9 أكتوبر 1917 ونصبوه ملكاً في 15 مارس 1922 بعد أيام من تصريح 28 فبراير 1922 . . الشهير . . قال دافيد كيللي المستشار بمقر المندوب السامي أن الملك فؤاد بدأ حياته ضابطاً في الجيش التركي، تلقى تدريبه في إيطاليا وعمل ملحقاً عسكرياً تركيا فترة من حياته.
وقال صاحب الجلالة يوماً لدافيد كيللي المستشار بدار المندوب السامي: -لقد درست بعنايه الشخصية الإيطالية والفرنسية والألمانية ولكن لم أفهم قط، ولم أجد معنى قط لما يفعله البريطانيون.
وتحدث الملك بمرارة عن الإنجليز، لأنهم فرضوا عليه دستوراً وضع على النظام البلجيكي.
وقال أحمد فؤاد: -إن المصريين لا يناسبهم الحكم البرلماني . . ومصالح الإنجليز في مصر استراتيجية فحسب فلم لا تتركوني _ أحكم مصر كما أريد لأني أعرف و أتقن هذه المهمة . . ولا تتدخلوا في شئون مصر الداخلية . . وأنا مستعد أن أترك لكم جميع المصالح الإستراتيجية والمواصلات الإمبراطورية!
وصف دافيد كيللي الملك فقال إنه أصيب برصاصة في حلقه قبل أن يصبح ملكاً . .ومنذ ذلك الحين، كما غضب أو ثار يسعل سعالاً غريباً مثل نباح الكلب يفزع من يسمعه لأول مرة!
وقد جمع الملك عدة ملايين من الجنيهات الإسترلينية واستغل جانباً من دخله لإقامة نظام – للمخابرات – خاص به.
وهو – الملك – رجل أعمال ناجح، كانت زهور الحدائق الملكية تباع – بأمره – في المحلات العامة.
وقد أرغم الإنجليز الملك على إصدار الدستور عام 1923. ولكن إسماعيل صدقي ألغى هذا الدستور بعد أن تولى رئاسة الوزارة وأصدر دستوراً جديداً عرف باسم دستور 1930.
والدستور الجديد يعطي للملك صلاحيات واسعة وسلطات تكاد تكون مطلقة. وكان الشعب المصري كله يعارض دستور 30 ويطالب بإلغائه والعودة إلى دستور 23.
ولكن عبد الفتاح يحيى قال للملك في خطاب تشكيل الوزراة: "كان لي شرف الإشتراك في وضه أسس النظام الحاضر والسهر على تنفيذه حتى استقر نهائياً. وستسير وزارتي في الطريق نفسه"!
كان البرلمان المصري المؤلف من مجلس الشيوخ والنواب قائماً في سبتمبر 33 عندما عهد الملك فؤاد إلى عبد الفتاح يحيى بتشكيل الوزارة. .
وكان البرلمان في إجازة صيف.
والوزارة الجديدة يجب أن يؤيدها البرلمان ولذلك كان أمام الملك خياران: الأول: أن يحل مجلس النواب . .والدستور يعطيه هذا الحق. الثاني: أن يؤيد المجلس الوزراة الجديدة.
وهنا تذكر عبد الفتاح يحيى أنه كان نائباً لرئيس حزب الشعب وأنه استقال منه في يناير الماضي – أي يناير 1933[[]] – وان استقالته لم تقبل. ومن هنا رأى الإحتفاظ بمجلس النواب وعدم طلب حله من صاحب الجلالة.
وقع حادث غريب، أو صدفة، تغير معها تاريخ مصر كله.
. . ابنة شقيق السير مايلز لامبسون واسمها "بيتي" تجئ لزيارته في القاهرة ومعها صديقة لها أسمها جاكلين كاستيلاني من أصل إيطالي. يقع لامبسون – وهو أرمل – تجاوز الخمسين في غرام جاكلين فيخطبها ويقرر السفر معها إلى لندن ليتزوجها ويقضي شهر العسل هناك. ولأن لامبسون بقى مدة طويلة في الصين فإنه يحصل على إجازة 5 أشهر ليقضيها مع عروسه في بريطانيا.
حدد الملك يوم 16 أغسطس موعداً لإستقال السير مايلز لامبسون المندوب السامي . . قبل سفره . . كما جرى العرف.
وفي آخر لحظة ألغى الموعد دون إعلان الأسباب فظن كثيرون أن هناك أزمة بين الملك والمندوب السامي. وكان السبب الحقيقي ان الملك فؤاد أصيب بأنفلونزا وأخطر لامبسون بذلك.
ونشرت الصحيفة الأجيبشيان جازيت التي تصدر في القاهرة وتنطق بلسان الإنجليز – وحدها – نبأ مرض الملك بعد سفر لامبسون.
اما الصحف المصرية فقد امتنعت عن النشر، لأن مرض الملك موضوع شديد الحساسية . .ولم يعلن رسمياً .
كان مريس بيترسون رئيس القسم المصري بوزارة الخارجية البريطانية في إجازة.
وتلقى القائم بعمله تقريراً من القنصلية البريطانية في الإسكندرية عن تطور الأزمة بين بلدية الإسكندرية، لأن الحكومة المصرية تعد قانوناً جديداً للبلديات تلغى في وجود الأجانب في المجالس النيابية.
ووجد رئيس القسم المصري بالخارجية البريطانية ان هذه المشكلة ستتطور إلى أزمة يرن صداها في الدول الأجنبية التي لها امتيازات في مصر.
عرض الموضوع على روبرت فانسيتارت الوكيل الدائم لوزارة الخارجية البريطانية وقال له: -إن أزمة الإسكندرية خطيرة، ولابد من أن يكون في القاهرة رجل متابع للشئون المصرية وتفصيلاتها الدقيقة.
إن موريس بيترسون رئيس القسم المصري بوزارة الخارجية في إجازة . . ومن حسن الحظ أنه يقضي إجازته في "فرينتون" في بريطانيا فلم لا نستدعيه ليقوم بعمل المندوب السامي المؤقت في مصر . . بضعة أسابيع فقط حتى تنتهي ازمة بلدية الإسكندرية. وبعدها يعود بيترسون إلى لندن.
وقال: -إن بيترسون عمل في مصر عامين حتى سنة 1930. وقد شغل منصب رئيس القسم المصري منذ سنة 1931 حتى الآن . . وهو أفضل من يصلح لهذه المهمة.
وافق روبرت فانسيتارت على ذلك وطلب من الخارجية البريطانية الإتصال بموريس بيترسون تليفونياً للحصول على موافقته.
ولم يتردد بيترسون في الترحيب بهذه المهمة.
كان قد بقى في لندن 3 سنوات كاملة لم يسافر خلالها إلا مرة واحدة لحضور مؤتمر في روما . . وكان يحس بالملل . . وكان يذوب حنيناً وشوقاً إلى مصر . كما كتب في مذكراته.
جرى هذا سراً دون أن يعرف بأمره أحد.
ولكن مصر كلها فوجئت يوم 21 أغسطس 1934 – بعد 3 أيام من سفر لامبسون – ببيان أذاعته ووزارة الخارجية البريطانية يقول إن موريس بيترسون رئيس القسم المصري اختير مندوباً سامياً مؤقتاً في مصر في أثناء غياب السير مايلز لامبسون.
وكان هذه أول مرة تعين فيها بريطانيا مندوباً سامياً مؤقتاً في مصر! عبرت إحدى الصحف المصرية عن المشاعر المصرية من مخاوف وترحيب . . وأمل.
قال العنوان: "مصر . . في مفترق الطرق". وقد عبرت هذه الكلمات عن الحقيقة الكاملة . .والكامنة!
بدأ بيترسون حياته بالعمل في وزارة الخارجية البريطانية قبل قيام الحرب العالمية الأولى بسنة واحدة.
وتنقل في سفارات بريطانيا بين واشنطن وبراج وطوكيو. وقبل هذه الأحداث بست سنوات عين بيترسون سكرتيراً أول في دار ال مندوب السامي البريطاني في القاهرة اللورد جورج لويد لمدة عامين، وقلب نقله من مصر عام 1930 رقى إلى درجة مستشار.
وحتى نعرف أفكار وسياسات بيترسون نرى مافعله بعد ذلك بسنوات!!
عندما كان سفيراً في العراق عامي 38 و39 ذهب إلى الأمير عبد الإله ليقول له: -الملك غازي يجب السيطرة عليه أو يخلع.
وألح على ملك العراق أن يأتي إلى دار السفارة ليلعب معه – أي بيترسون – التنس فجاء الملك مرة واحدة. . ونصحه مستشاروه بالإمتناع عن ذلك، لأنه "هوان"!
وكان وزير ملك العراق يتحدث إليه في كل شئ. وفي إحدى المرات وجد وكيل وزارة الخارجية عباس مهدي حاضراً . . فشكا لوزير الخارجية توفيق السويدي الذي كان في إجازة وقال له: -إني أقابل الملك وحدي دون حضوركم . . فكيف يتصرف وكيل الوزراة بهذا الشكل . . أريد أن أقابل الملك وحدي . . وفعلاً أصبح يقابل الملك غازي على انفراد . . ولفت نظر وكيل الخارجية إلى أن البروتوكول شئ . . والإحتلال البريطانية شئ آخر.
وأصر على عزل طه الهاشمي وزير الدفاع لأن الوزير معجب بألمانيا ويرد شراء أسلحة ألمانية . . كما أن الوزير كان رئيساً لجمعية الدفاع عن فلسطين . . وقد أصر على استقالة طه الهاشمي من هذه الجمعية . .فلما لم يستقل طلب بيترسون عزل الوزير من منصبه الوزراي . . فعزل.
وزار نوري السعيد رئيس الوزراء وطلب منه تخفيف خكم الإعدام الذي صدر على حكمت سليمان رئيس الوزراء لإشتراكه في مؤامرة لقلب نظام الحكم . . فخفف حكم الإعدام.
وهو يكتب الخطابات الموجهة من رئيس وزراء العراق إلى الموظفين البريطانيين الذين يعملون في خدمة الحكومة العراقية . . ويحمل هذه الخطابات إلى رئيس الوزراء العراقي فيوقعها كمنا هي.
وكان السفير البريطاني الوحيد في بغداد الذي لم يكن على وفاق، أو علاقة طيبة، مع نوري السعيد!
ومن العراق نقل سفيراً لبريطانيا في إسبانيا عامي 39 و40 ولكن الحكومة البريطانية وجدت أن سفارتها في مدريد تحتاج إلى تعزيز . . . . إسبانيا كانت نقطة اتصال للجواسيس . . وكان فرانكويميل إلى هتلر . .ولذلك عين السير صامويل هور وزير خارجية بريطانيا السابق سفيراً في إسبانيا.
وإذا كان بيترسون يعمل مرؤوساً لصامويل هور ولكنه ضاق بتعيينه سفيراً مكانه فتذمر . . وشكا دون نتيجة . . واكتفى بأن يلوم حظه. وإذا كان في العراق يقابل الملك وقتما يشاء وعلى انفراد فإنه بعد شهر واحد وفي إسبانيا التقى بالجنرال جوردانا وزير الخارجية الإسباني.
فاجأه جوردانا قائلاً: -هل من المعتاد للسفراء أن يتأخروا عند استدعائهم من قبل الحكومات التي يمثلون بلادهم فيها؟
رد بيترسون معتذراً: -لو ألغيت بدعوة مستعجلة لحضرت فوراً.
وقابل الوزير مرة أخرى ليدعوه للإنضمام لمقاوممة الشيوعية فإذا بالوزير يجيبه بغلظة ويقف على قدميه مشيراً إلى إنهاء المقابلة!
وعاد بيترسون إلى لندن ليكون وكيلاً مساعداً لوزارة الخارجية البريطانية في سنوات الحرب الحرجة من 40 حتى عام 1944 ويكون له رأي في حادث 4 فبراير.
بعد ذلك عمل سفيراً في انقرة حتى عام 46 ثم سفيراً في موسكو حتى عام 49. ولم تزد مدة خدمته في أية سفارة عن عامين، لانه كان يتصرف بعقلية بريطانيا في أقوى عصورها الإمبراطورية.
وفي موسكو عومل من قبل الزعماء السوڤييت معاملة مهينة . . ذهب يزور مولوتوف وزير الخارجية السوڤيتي ليشكو إليه مسألة روتينية بناء على طلب الحكومة البريطانية.
قال له مولوتوف: -لم تزعجني بهذه الأمور التافهة. رد بيترسون معتذراً: -وماذا أعمل. اضطررت إلى ذلك بعد أن أخفقت مع موظفي وزارة الخارجية السوڤيتية.
ورفض مولوتوف أن يستقبله مرة أخرى. وأحاله نائب الوزير – جاكوب ماليك – الذي حدد موعد المقابلة في منتصف الليل . . بمبنى الوزراة!
أما في سنة 1934 فكان بيترسون في الخامسة والأربعين من عمره يكتسب خبراته ضد ملوك الشرق . . أو ملوك العرب.
وكان بيترسون يعلم أن مجته في مصر موقوتة . . ومع ذلك فإن ما قام به خلال تلك الفترة ظل بعيد الأثر في التاريخ المصري . . يتجاوز ما فعله بعد ذلك عندما رقي سفيراً!
وكان السبب في ذلك أن بيترسون لقى العذاب من المندوب السامي البريطاني في مصر اللورد لويد الذي عمل معه عامين كاملين. ومن ناحية أخرى تأثر بيترسون – دون أن يدري – باللورد لويد وأراد أن يقلده في كل شئ.
كان اللورد لويد يتعمد استدعاء بيترسون للعمل معه من الصبتح حتى المساء بحيث لا يستطيع – السكرتير العام بيترسون – أن يتناول طعام الغذاء.
ورآه اللورد لويد – مرة – نائماَ على مقعده في السفينة أثناء رحلة البحر الأحمر فأمره بان يلقي نفسه في البحر . . عقاباً . . وفوق هذا كله فإن بيترسون عندما وصل إلى مصر – لأول مرة عام 1927 – وجد اللورد لويد في إجازة ونيفيل هندرسون قائماً بعمل المندوب السامي يتصرف مثله – يامر وينهي ويحكم مصر.
رأى بيترسون هذا كله فأراد أن يقلد لويد . .ويلقد هندرسون أيضاً. استقل موريس بيترسون الباخرة "أوزونيا" من ميناء "برنديزي" في طريقه إلى الإسكندرية ليصلها يوم 4 سبتمبر.
وشاءت الصدف أن يكون مع بيترسون على نفس الباخرة التي أقلته إلى الإسكندرية محمد توفيق نسيم باشا رئيس وزراء مصر السابق ورئيس الديوان السابق أيضاً.
وشاءت الصدف أيضاً أن تكون على نفس الباخرة قرينة عبد الفتاح يحيى باشا وابنته وصعد رئيس وزراء مصر إلى ظهر الباخرة لإستقبالها. وعلم رئيس الوزراء أن المندوب السامي المؤقت على ظهر "أوزونيا" أيضاً فتوجه للتحية والترحيب.
ولا يستطيع موريس بيترسون أو غيره أن يدعي أن يحيى باشا جاء من أجل قرينته وابنته. وأنه استقبل المندوب السامي صدفة!
بعد 24 ساعة من وصوله توجه بيترسون إلى مبنى الوزارة بيوكلي – في ضاحية الرمل بالإسكندرية ليقوم بزيارة مجاملة وتعارف لرئيس وزراء مصر عبد الفتاح يحيى باشا.
ورد له يحيى باشا الزيارة بمقر المندوب السامي بالإسكندرية بعد 5 أيام.
من اللحظة الأولى يحاول بيترسون منع مصر من تعيين وزير مفوض لها في لندن، أو إرجاء هذا التعيين بعد استقالة الدكتور حافظ عفيفي.
وهدف بيترسون من ذلك ألا تعرف وزارة الخارجية البريطانية شيئاً من أخبار مصر بصفة رسمية إلا عن طريقه!
التقى بيترسون بعد تسعة أيام من وصوله بالملك فؤاد وذلك يوم 13 سبتمبر، وبعث إلى لندن يقول: "1-استقبلني الملك فؤاد في حضرته، هذا الصباح، بقصر المنتزه. . وباستثناء مقابلة ملكية لرئيس الوزراء، قبلي مباشرة فإن هذه أول مناسبة يسقبل فيها جلالته، أي شخص، من خارج دائرة السراي، خلال أسابيع.
2-وقد أجرى معي حديثاً دام نحو أربعين دقيقة بحيوية أقل من حيويته السابقة. .
وقد تأثرت بدرجة كبيرة بما يبدو من نقص وزن جلالته بحوالي 28 أو 42 رطلاً بالمقارنة مع وزنه كما كان يبدو منذ 5 سنوات. أي عندما كان بيترسون في مصر.
وربما يكون نقص أكثر من ذلك.
وتؤكد التقارير التي بلغتني أن هذا النقص في الوزن غريب الحدوث. وطبقاً لهذه التقارير صدر الأمر لترزي الملك مرتين خلال الأسابيع القليلة من عينيه تماماً، واصفرار محياه".
ومن وصف بيترسون للقاء الأول سكتشف المندوب السامي بالنيابة أن ملك مصر . . مريض . .
أمضى بيترسون شهراً كاملاً في الإسكندرية لأن وزارة عبدالفتاح يحيى كانت تصطاف في الإسكندرية أو تعمل من مقرها في ضاحية بولكي خلال الصيف كما جرت عادة الحكومة في العهد الملكي.
ثم طار فجأة بيترسون إلى القاهرة بطائرة خاصة ليقوم بما لا يجب أن يقوم به المندوب السامي.
إنه يذهب ليزور و"يفتش" عن وحدات البوليس!
أقام الملك أحمد فؤاد حفلاص في قصر عابدين يوم 25 يناير 1934 لرجال السلك السياسي وأجنبي.
وطال الحفل حتى منتصف الليل.
وعاد الملك بسيارته . . الرولزرويس . . الملكية من قصر عابدين إلى قصر القبة فأصابه تعب شديد.
وفي أول فبراير لم يستطع الملك حضور افتتاح مؤتمر البريد الدولي فأناب عنه ولي عهده الأمير فاروق – 14 سنة.
وظل الملك رهين غرفته شهرين . . وكان شفاؤه بطيئاً جداً . .
قبل سفره في إجازة شهر العسل أطلق مايلز لامبسون المندوب السامي يوم 19 أغسطس إشارة تحذير.
كتب إلى لندن ينبهها إلى خطورة مرض الملك ويعطي مزيداً من التفصيلات عن الإجراءات التي تتبع في هذه الحالة.
قال: "بدا واضحاً قوة الشائعات حول تدهور صحة الملك أحمد فؤاد. إنه في السادسة والستين ومريض جداً.
وأكدت المعلومات السرية أنه يعاني من تفاقم عدة بالكلى طال أمرها . . بالإضافة إلى أمراض أخرى خطيرة تحمل – في ذاتها – خطر نوبة قلبية في أية لحظة.
والأمير فاروق وفحص مواد الدستور حسب القانون المصري، عام 1938. وأظهرت دراسة وفحص مواد الدستور حول الوصايا وضعا فريد التعقيد. "ينص المرسوم الملكى الصادر في 13 إبريل 1922، على أن يعين الملك الأشخاص الثلاثة الذين يشكلون مجلس الوصاية.
وتكون الوثيقة من نسختين مختومتين إحداهما لدى ال ديوان الملكي، والثانية لدى رئاسة مجلس الوزراء.
ولا تفض الأختام إلا بعد وفاة الملك.
وتفض الأختام في حضرة البرلمان.
ويجب أن يؤيد البرلمان تعيين أعضاء مجلس الوصاية.
ويجب أن يجتمع البرلمان خلال عشرة أيام من وفاة الملك.
وحتى يقوم مجلس الأوصياء الذين عينهم الملك، والذين مازالت هويتهم سراً، سيثيرون عداء الرأي العام المصري.
ويبدو أن نفوز جلالته المعروف من كل العناصر السياسية المعارضة لدستور 1930 يستبعد أي احتمال بأن يكون قد اختار مجلس الوصاية بين ممثلي "الأغلبية".
"يقصد الوفد". "إن أحداً – غير الملك – لا يعرف أسماء الأوصياء . . ومن المؤكد أن الأوصياء سيعكسون أفكار الملك ورعباته وامنياته حتى بعد وفاته. وسيصبح تولي الأمير فاروق مهدداً بأن يكون موضع مساومة خطيرة الظروف"!
كتب روبرت فانسيتارت الوكيل العام لوزارة الخارجية البريطانية إلى موريس بيترسون بعد وصوله إلى القاهرة يقول: "سيكون موضع سروري أن أعرف في أسرع وقت ممكن رأيكم بالنسبة إلى الإتجاه الذي يحتمل أن تتخذه الأحداث في السراي ودوائر الوزارة في حالة وفاة الملك، مع خاصة إلى من يرشحهم لعضوية مجلس الوصاية. ومن الواضح أن الأسماء المقترحة حتى الآن لا تبعث على الثقة إطلاقاً.
بل إن هذه الأسماء تكاد تبدو باعتة على السخرية، وبالتالي خطيرة.
وحتى إذا توصلنا إلى حال مرض بشأن هذه النقطة، فهل يمكن الحصول على أية ضمانات بشأن المظروف الغلق الذي سيتركه الملك واحتمالات التلاعب به في الفترة بين وفتح الملك وفتح المظروف بحضور البرلمان؟ إني أفكر – بطبيعة الحال – في احتمال قيام محمد زكي الإبراشي ناظر الخاصة الملكية بمثل هذه المناورة، الأمر الذي قد يؤدي إلى متاعب. هلى ترون من المفيد إثارة موضوع مجلس الوصاية مع الملك على امل معرفة فيما يفكر فيه؟
وإني أدرك إن المسألة السيئة في هذا الصدد تتمثل في خطر إثارة موضوع صحة الملك لخوفه من ذكر مسألة وفاته.
ويبدو لي – قدر استطاعتي الحكم – أن الملك تحت رحمة مستشاريه الذين قد يستغلون وفاته لتحقيق أهدافهم الشخصية.
ومن ثم ربما يكون ضرورياً – مراعاة لمصالح مصر – إسداء النصح لجلالته الشأن.
إن وفاته الملك ستكون – على أية حال – لحظة خطيرة.
ولابد أنها ستثير هياجاً شعبياً أحزاب المعارضة، وبصفة خاصة الوفد. وتعبر التقارير الأخيرة عن استياء البوليس، لأن هذه الحالة قد تخرج عن نطاق سيطرة الحكومة، الأمر الذي قد يستلزم التدخل لحماية الأجانب وممتلكاتهم".
مع زيادة الأنباء وانتشارهم حول تدهور صحة الملك يجد بيترسون أنه يواجه مشكلة خطيرة خلال أيام.
إن المستقبل – فيما يبدو – يبشر ثورة أخرى مثل ثورة 1919.
اتفق بيترسون مع القائد العام للقوات البريطانية على إجراءات المحافظة على النظام العام عند وفاة الملك. وتقضي هذه الإجراءات بأن تكون الوفاة إشارة لبدء تنفيذ قانون الطوارئ بما في ذلك ظهور القوات البريطانية في المدن. في مجموعات كبيرة، وفي دوريات صغية بالسيارات، وفي زيارات وحدات الفرسان المدرعة لبعض الأماكن في الأقاليم.
بل إن بيترسون يعد البيان الذي سيذيعه على شعب مصر عند الوفاة. ويطلب بيترسون سفينة حربية بريطانية في ميناء الإسكندرية وأخرى في بورسغيد استعداداً للطوارئ فإنه يرى أن الملك فؤاد مريض جداً وقد يموت في أية دقيقية . . وبريطانيا متورطة إلى حد ما، في نظر الشعب، في سوء السمعة الناتجة عن تفشي الفساد الذي اتسم به الحكم الملكي. وبدون القوات البريطانية، ما كان ممكناً أن تبقى سلطة لهذا النظام غير الشعبي في مصر!
ويطلب المندوب السامي إذناً من لندن بالتدخل واستخدام نفوذه لتامين الوصاية على العرض، أو قيام وزارة مقبولة لكل من مصر . . والحكومة البريطانية.
إن الحل الوحيد – في رأي بيترسون – أن يتدخل في شئون مصر . .وإذا مات الملك فعلى بريطانيا أن تتدخل إلى أقصى حد.
بعث يوم 22 سبتمبر يقول: "على الرغم من أن الأمر لا يمكن أن يكون بالغ الصعوبة فقد خطر لي أنه قد يكون ممكناً الإتصال بالملك فؤاد بشأن ترتيبات مجلس الوصاية مادمنا قد اعترفنا بأحقية الأمير فاروق في ولاية العرض عام 1920".
ويوافق مجلس الوزراء البريطاني برئاسة بولدوين رئيس الوزراء بالنيابة – يوم 25 سبتمبر – على مذكرة وزير الخارجية بالتدخل في السياسة المصرية.
كما يوافق على مذكرة أخرى أعدها السير روبرت فانسيتارت الوكيل الدائم لهذه الوزارة ويتبنى المجلس هاتين المذكرتين باعتبارهما تمثلان ساسة جديدة لبريطانيا في مصر . .
وهذا نص محضر مجلس الوزراء وقراره: "كان أمام أعضاء مجلس الوزراء مذكرة وزير الخارجية الخاصة بموضوع مصر والتي لفت فيها الإنتباه إلى الحالة الصحية الخطيرة للملك فؤاد والوضع الحرج الذي قد ينشأ إذا توفى جلالته فجأة.
وكانت النقطة الرئيسية في مذكرة الوزير أنه إذا توفى الملك فؤاد ونشأ تهديد بوقوع اضطرابات داخلية في مصر فستظهر فرصة رائعة لتبرير دعوى الإحتفاظ بوجودنا في مصر.
وسلم الوزير مذكرته بضرورة إصدار التعليمات سواء للوزارات المعنية في الداخل أو للقائم بأعمال المندوب السامي في مصر لنكون مستعدين للأحداث المحتمل ووقعها.
وقدم الوزير صياغة لعدد من التوصيات من بينها: -قبول المبدأ القائل بأنه في حالة وفاة ملك مصر أو حدوث أية أزمة سياسية داخلية أخرى يكون من واجب المنوب السامي أن يستخدم نفوذه لضمان تعيين مجلس وصاية على العرش أو "مجلس وزراء او الإثنين معاً". يتمتع بقبول كل من مصر والحكومة البريطانية.
وهذا يعني الموافقة على البند المقترح في برقية المندوب السامي بالنيابة المتعلقة بالتطورات المتوقع حدوثها عند وفاة الملك فؤاد".
بعد ثلاثة أيام – وفي 28 سبتمبر – بعث السير جون سايمون وزير الخارجية البريطانية بقرار مجلس الوزراء إلى بيترسون . . بالبرقية رقم 802 . . يبلغخ موافقة بريطانيا على مقترحات لامبسون . . ومقترحات بيترسون أيضاً وتفويضه ليتدخل في مصر.
قال سايمون: "نحن نفوضك – أي بيترسون – في استخدام نفوذك لإحداث تحسين في الظروف السياسية الداخلية في مصر، وبالذات رفع كفاءة الإدارة في البلاد بما يتحقق مصالح الشعب ككل لا بما يحقق امتيازات لفئة محدودة. وفي حالة وفاة الملك فؤاد أو وقوع أية أحداث سياسية داخلية أخرى، عليك استخدام نفوذك لتحقيق قيام مجلس وصاية على العرش، ومجلس وزراء يكون مقبولاً من كل من مصر والحكومة البريطانية.
وفي هذا الشأن عليم بعد ان تقرأ تعيينات الملك لمجلس الوصاية الجديد أن تجد المبررات الضرورية لتأجيل البرلمان المصري فوراً. وفي حالة ما إذا كنت متأكداً من أن مجلس الوصاية الذي اختاره الملك غير مرغوب فيه تكون مهمتك، استبعاد غير المرغوب فيهم، واستبدالهم بمرشحين آخرين يحوزون ثقة مصر.
ويعتمد الإختيار الحقيقي للأفراد على الظروف . .
وفي هذه الحالة فإن حكومة جلالة الملك فؤاد سيتم توجيهها من قبلك فقط .
وعلى أية حال فمن المرغوب فيه، إذا كان ذلك ممكناً أن يكون واحد على الأقل من أعضاء مجلس الوصاية الثلاثة وفدياً".
ولم يكن هدف السير جون سايمون، أو مجلس الوزراء البريطاني من العضو الوفدي إلا استرضاء الوفد . . ومنع قيام ثورة يحرض عليها، ويدعو لها الوفد، مثل ثورة 1919.
حدث هذا كله دون ان تعلم مصر، أو يعرف الملك فؤاد، أو حضرة صاحب الدولة عبد الفتاح يحيى باشا رئيس وزراء مصر!
أن الحكومة البريطانية حرصت على |ان يبقى القرار سراً ولذلك أرسلت إلى بيترسون الإيضاح التالي: "1-ينبغي أن يستقر في الذهن أن قرار استخدام القوة العسكرية إّا دع الضرورة لحفظ النظلم في حالة وفاة الملك هذا الموضوع سري للغاية وأي كشف سابق لأوانه عنه هذه النوايا قد يعقد الموقف.
إن تأثير تحركنا إذا اضطررنا إلى اتخاذ هذا الإجراء سيكون اكبر ما يكون لأنه يتم دون إنذار.
إن نقاشاً حاداً سيثور في مصر إذا أعلن الإجراء قبل التحرك ولا يعرف ما إذا كانت القطاعات، او تلك، من الرأي العام ستقبله ام لا. ولن يسفر ذلك إلا عن الضرر.
2-فيما يتعلق بالإجراءات الوقائية التي تمت الموافقة عليها، فمن الواضح أنه من المستحيل إتخاذ قرار مسبق حول مدى الرغبة في تطبيقها وإلى أي حد.
إن القرار المحيط بهذا الموضوع يعتمد على ظروف الساعة وعلى ذلك فهو قرار نترك لك اتخاذه عندما يحين الأوان.
إن غرض السلطة الممنوحة لك هو توقع ألا يكون هناك وقت لإستشارتي. ومن المفترض أن أي عرض للقوة سيعالج بحيث لا يثير إلا الحد الأدنى من الإستفزاز".
ذهل موريس بيترسون من القرار . . لقد طلب التدخل . . لكنه لم يتوقع أن يوافق مجلس الوزراء على أن يكون التدخل بهذه الصورة. إن تنفيذ القرار ليس صعباً فحسب . . بل هو . . مستحيل .
إن الحل الوحيد هو الحصول على ضمان من رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب والشيوخ بأنه بعد وفاة الملك يفتح المظروف الذي كتبه الملك وتقرأ أسماء مجلس الوصاية ثم يؤجل غجتماع البلرمان للحصول على موافقة بيترسون على الأسماء، أو يغيرها ثم يجتمع البرلمان مرة اخرى لإقرار يقترحه بيترسون.
ولا يمكن تنفيذ هذا الحل إلا إذا كان رئيس البرلمان على يقين من موافقة الأعضاء أو أغلبيتهم، على هذا الإجراء.
قصد موريس بيترسون يوم 3 أكتوبر إلى مصيف الحكومة المصرية في بولكلي برمل الإسكندرية ليلتقي برئيس وزراء مصر ليبحث معه موضوع بلدية الإسكندرية . . وليعرف منه الحالة الصحية للملك فؤاد. استغرق الإجتماع 30 دقيقة . . وقد أنهاه بيترسون بسرعة حتى يتسنى له أن يبعث بتقرير عاجل إلى لندن عن حديثه إلى رئيس الوزراء. فوجئ بيترسون بأن يحيى باشا يشير – من تلقاء نفسه – إلى الموقف الذي ينشأ في حالة الملك فؤاد . .
وكرر يحيى باشا ذلك مرتين . . وأضاف: "إن ذلك قد يستلزم مسئولية مشتركة منا . . يقصد مصر وبريطانيا". وأشار رئيس الوزراء بشكل خاص إلى مشكلة مجلس الوصاية على العرش، وأقر بجهله التام الشخصيات التي عينها الملك.
ولم يخف وجهة نظره في إنها قد تكون شخصيات غير مرغوب فيها. وأشار إلى المصاعب التي تحيط بمحاولة منه البرلمان من التصديق على هذه التعيينات.
وقال: "الطريق – الآن - أصبح مفتوحاً أمامنا أكثر من أي وقت مضى للعمل". ويهلل بيترسون لهذا الحديث ويعتبره "مبادرة من جانب رئيس وزراء مصر".
تلقت وزارة الخارجية البريطانية هذه البرقية ووجدت أن النداء الذي وجهه رئيس وزراء مصر – بشكل شخصي – إلى المندوب السامي بالنيابة وخصوصاً إقراره الأخير بأن "الموقف الناجم عن موت الملك يستدعي مسئوليتنا المشتركة، يتيح لمستر بيترسون الفرصة لإستثمار مبادرة رئيس الوزراء لتحقيق مقترحاته . .
وتبعث وزارة الخارجية إلى بيترسون بالتفويض المطلوب يوم 5 أكتوبر بأن يعمل منخلال رئيس الوزراء.
وقال الخارجية البريطانية لمندوبها السامي المؤقت في مصر: "إننا نشاركك رأيك في الإحتفاظ برئيس الوزراء الحالي في جميع الأحوال حتى نصبح في موقف يتيح لنا معرفة ما إذا كان رئيس الوزراء مفيداً، أو غير مفيد، لتحقيق أغراضنا . . وهي قيام حكومة أفضل للشعب المصري تتمشى مع الإحتفاظ بالعلاقات الأنحلو – مصرية على أساس الصداقة والتعاون.
ويجب أن نوضح أن الخطوة الأولى تم اتخاذها من جانب رئيس الوزراء نفسه . . وأن تصرفه الشجاع، لقى ترحيباً لأن الحكومة البريطانية استعرضت باهتمام كبير الموقف السياسي البائس المتصاعد الذي أثارته شرور النظام الحالي والعبء، الذي وضعه هذا النظام على عاتق الشعب المصري.
ومن الأفضل أن تظل وزراء الكواليس طالما كان ذلك ممكناً وأن يجري رئيس الوزراء بنفسه الإتصالات الضرورية بالملك".
رأت الحكومة البريطانية أن – التماس – رئيس وزراء مصر يزيح آخر اعتراض أمامها للتدخل في شئون مصر مادام رئيس الوزراء – نفسه – يطلب التعاون والإتصال الوثيق مع مقر المندوب السامي. وأنه يريد تفويضاً من لندن لتعديل وزارته ومنع ملك مصر من التدخل في الحكم عن طريق ناظر خاصته محمد زكي الإبراشي.
. . كل ذلك وملك مصر طريح الفراش . . أو – كما قيل – على فراش الموت.
ولكن . .
وقعت معجزة بين يومي 3 أكتوبر 1934، و7 أكتوب 1934 . .
يوم 3 أكتوبر كان الملك فؤاد مريضاً جداً.
ويوم 6 أكتوبر تحسنت صحة الملك . .فقد وصل من [[روما]ي الطبيب الشهير الأستاذ فيرجوني وقام بفحص الملك. وقال للمحيطين به إن هناك تحسناً كبيراً وملموساً في حالة هبوط القلب التي كان يشكو منها . .وأنه يستطيع أن يستأنف نشاطه في وقت قريب جداً.
وعرف رئيس الوزراء بما قال الطبيب الإيطالي قبل ان تصدر النشرة الطبية.
وأدرك يحيى باشا ان حالة الملك مطمئنة.
. . في اللقاء الأول يوم 13 أكتوبر بين عبد الفتاح يحيى وموريس بيترسون كان الباشا متجاوباً للغاية مع المندوب السامي. وفي اللقاء الثاني – 6 أكتوبر - كان الباشا عنيداً للغاية ضد المندوب السامي البريطاني.
في اللقاء الثاني تكلم الباشا مع ال مندوب السامي بطريقة ودية ولكنه رفض بحث المطالب التي تقدم بها بيترسون.
قال الباشا: -لا أستطيع أن أبحث معك أية تغييرات من أي نوع حتى يشفى صاحب الجلالة وأستشيره أن رئيس الوزراء عرف أن صحة الملك تحسنت ولذلك يماطل ولا يستجيب للمندوب السامي في الإطاحة بناظر الحاصة الملكية محمد زكي الإبراشي الذي يتدخل في شئون الحكم ويحضر اجتماعات مجلس الوزراء ليملي رأيه على المجلس وللإطاحة بوزيرين مشكوك في نزاهتما وهما : إبراهيم فهمي كريم وزير المواصلات، وعلي المنزلاويوزير الزراعة.
ويكتب بيترسون إلى لندن يصف التغيير الضخم في لهجة رئيس الوزراء. برقية رقم 254:
من موريس بيترسون: إلى وزارة الخارجية البريطانية. بتاريخ 7 اكتوبر. "تحدثت إلى رئيس الوزراء لمدة ساعة في منزله مساء امس". وقد تحدثت بوجهة النظر التي فوضتني إياها برقيتكم محافظاً على خط أساسه أننا نستجيب لطلبه الخاص بالتعاون معنا. وربما كان سوء حظي أن رئيس الوزراء تلقى من إخصائي إيطالي وصل حديثاً تقريراً عن تحسن صحة الملك فؤاد.
ولا حدثته عن تدخل محمد الإبراشي ناظر الخاصة الملكية في شئون الحكم وإدارة البلاد طلب مني رئيس الوزراء أن أنقل لكم كلمة شرف شخصية بان هذا التدخل توقف مع نهاية حكومة صدقي باشا"! وكان رئيس الوزراء يكذب!
يواجه بيترسون بالمشكلة الكبرى. . ماذا يفعل الآن؟ وفي أي إتجاه يسير . . لقد تبين له – كما كتب – أن عبد الفتاح يحيى باشا كان يكسب في اللقاء الأول إذا نفذ نصيحة المندوب السامي. . وفي اللقاء الثاني اكتشف يحيى باشا أنه يكسب أكثر إذا رفض نصيحة المندوب السامي!
يبدأ عبد الفتاح يحيى يغير موقفه إزاء موريس بيترسون فلا يطلعه على ما جرى بينه وبين الملك.
ويلتقي رئيس وزراء مصر بالمندوب السامي للمرة الثالثة خلال أسبوع واحد ويقول له: -لا أستطيع أن أحدث الملك في عزل محمد الإبراشي وإقالة الوزيرين المتهمين في نزاهتهما.
ويثير تعدد اللقاءات بين الرجلين ما يثيره من إشاعات تنطلق في كل إتجاه . .
كتبت الأهرام: "الجو السياسي عندنا ملبد بالغيوم . . مملوء بالإشاعات عن المستقبل وكأن الناس يتوقعون حدثاً سياسياً لايدركون مداه . . ولعلهم لا يعرفون أسبابه ومناهجه.
وهناك المتشائمون والمتفائلون".
وفي اليوم التالي قالت الأهرام: "بين الإشاعات المسموعة في بعض الدوائر أن لدار المندوب السامي مطالب معينة طلبتها إلى الوزارة . .ولكن رئيس الوزراء نفى ذلك وصرح بأن العلاقة بين الحكومة المصرية ودار المندوب السامي استمرت عادية . . ولم يشبها تكدير أو طلبات.
ويدرك بيترسون أن أضعف رئيس للوزراء في مصر قد خدعه . . ولكنه – أي المندوب السامي – يتلقف فكرة توفيق نسيم رئيس الوزراء السابق ورئيس الديوان السابق التي عرضها عليه وهي فرض مجلس وصاية على ملك مصر . . وهوعلى قيد الحياة . . فيبرق إلى لندن يطلب تفويضاً جديداً . .
إنه يقترح: "أن يبعث برسالة إلى الملك أحمد فؤاد يبلغه فيها بأنه إما أن يقبل رئيس الوزراء لمطالب بريطانيا بإبعاد الإبراشي باشا والوزيرين إبراهيم فهمي كريم وعلى المنزلاوي . . بل وفيروتشي الإيطالي كبير مهندسي القصور الملكية أيضاً.
وفي حالة رفض رئيس الوزراؤ الإستجابة لهذه المطالب يستدعي الملك توفيق نسيم باشا لتولي الحكم . . أو . .
2-أن يبعث برسالة إلى الملك يكلفه فيها بضرورة تشكيل مجلس للوصاية في أثناء مرض الملك وقبل وفاته يتولى الحكم حتى يتم شفاء الملك".
ويبدأ بيترسون هجومه على الملك والإبراشي عن طريق صحيفة "التايمز" البريطانية التي كتبت تقول: يوم 10 أكتوبر: "إن النشرة الكبية التي أذيعت من أيام عن حالة الملك فؤاد أرضت مطالب الصحف والنواب الملحة لمعرفة معلومات.
وتدل عبراة النشرة الطبية دلالة صريحة على القل الذي استحوذ على النفوس من ناحية صحة جلالته في الأيام العشرة الأخيرة . .
بدأت الأنباء تنتشر على نطاق واسع . .
نشرت ألأهرام تحت عنوان الحالة الساسية: "لا نذيع سراً إذا قلنا إن موضوع البحث الآن بين الدوائر المسئولة هو أن يتفضل جلالة الملك بأن ينيب عنه شخصاً أو أشخاصاً من ذوي المكانة المعروفين بالنزاهة والمقدرة للقيام بالأعباء إلى أن تتقدم صحة الملك فيتولى شئون الدولة بحكمته السامية وعقله الراجح.
وقد حدث هذا في إنجلترا عندما مرض صاحب الجلالة الملك جورج فقد عين مجلساً للوصاية تولى أعباء الملك إلى أن شفي جلالته".
وتردد الصحف الأوربية خطورة مرض الملك . .
ويحاول الملك أن يرد . . وتكون وسيلته – لذلك – مزيداً من النشرات الطبية.
. . يوم 11 أكتوبر وصل البروفسور فون برجمات على الباخرة أسبيريا . .وتولى فحص الملك . .
وصدر بلاغ من رئاسة مجلس الوزراء يقول:
"وصل جناب البروفسور فون برجمات يوم الثلاثاء الساعة العاشرة مساءً بالباخرة أسبيريا فحص حضرة صاحب الجلالة المك مع أكبار جلالته المعالجين . .
وقد أصدروا جميعاً النشرة الآتية: فحصنا جلال ة الملك فؤاد الأول بسراي المنتزه يومي 10 و11 أكتوبر 1934 ووضعنا التقرير التالي عن حالة ج لالته:
نتيجة الفحوص هي بينها نتيجة الفحص التي صدر بها بلاغ 7 أكتوبر فإن حالة الهبوط القلبي التي نشأت، على أثر عدوى الإنفلونزا، لاتزال تتحسن تدريجياً.
وإننا وإن رأينا نرجو جلالة الملك أن يأخذ بالراحة البدينة فإننا مجمعون على أن جلالته يستطيع أن يستمر في مباشرة كافة الأعمال العقلية التي يقتضيها مركزه السامي كما كان يباشرها فيما مضى . . توقيعات: فون برجمان دكتور باروي جينو جروسي محمد شاهين (الطبيب الخاص للملك ووكيل وزارة الصحة).
والحقيقة أن الملك فؤاد كان مريضاً.
ولكنه لم يكن على شفا الموت كما ظن بيترسون.
إن الملك كان في قلب الأحداث. .
أبلغه عبد الفتاح باشا بكل ما جرى بينه وبين المندوب السامي ويحاول الملك ان يتخذ خطوة للمصالحة بعيدة عن تحقيق مطالب بيترسون ولكنها تتمشى مع ما يطالب به . .ولا تعتبر من جانب الملك تراجعاً . . يوم 11 أكتوبر يتوجه علي ماهر باشا – الذي كان وزيراً للعدل في حكومة صدقي – إلى مقر المندوب السامي ليقول له: -عرض منصب رئيس الديوان الملكي . . ولا أعرف هل أقبل هذا المنصب أم أرفض.
يرد بيترسون قائلاً: -لاتقبل – إنك بذلك فساد الإبراشي وتتحمل مسئولية كل الفساد نيابة عنه.
قال على ماهر: -هل هذه نصيحة من حكومتك . .أم منك شخصياً.
أجاب بيترسون: -إنها نصيحة شخصية.
ويستجيب علي ماهر للنصيحة الشخصية للمندوب السامي . . ويعتذر عن قبول المنصب!
ويتذكر يحيى باشا أن لديه حزباً هو حزب الشعب وأن هذا الحزب يمكن أن يؤيده ضد المندوب السامي فيدعو الهيئة البرلمانية للحزب إلى الإجتماع.
ويعلم رئيس الوزراء أن صحة الملك تحسنت . . ويقول إن الوزراة تقوم بعملها. ولا يذكر يحيى
باشا للحاضرين كلمة واحدة عن أحاديثه إلى المندوب السامي . . وطلبات من رئيس وزراء مصر . . ومليكها!
وكل ما يقوله يحيى باشا إنه سيعقد إجتماعاً ثانياً للحزب . . وإن حزب الإتحاد – الموالي للملك – سيجتمع أيضاً.
ويتذكر رئيس الوزراء أن لجنة من النواب برئاسة إبراهيم دسوقي أباظة باشا طلبت الإجتماع به.
فيدعو اللجنة للإجتماع ويقسم بشرفه أن صحة الملك تحسنت وأن جلالته قال له: -صحتي لا تتقدم كل يوم فحسب . . بل إنها تتقدم كل ساعة أيضاً!
ولما سأل النواب رئيس الوزراء عن الحالة السياسية قال: -لم يحدث تغيير في العلاقات مع بريطانيا . . ولم نتلق أي طلب من الإنجليز . . وسأضمن مصالح البلاد . .ولن أتنازل عن شئ!
وتدرس وزارة الخارجية البريطانية الموقف بعناية طويلة . . ويشترك وكلاء وزارة الخارجية ومستشاروها في تحليل كل الظروف.
وفي النهاية ترفض الخارجية البريطانية – يوم 17 أكتوبر – اقتراحات بيرتسون، بفرض مجلس وصاية على الملك، أو كتابة خطاب له.
وقالت الوزارة: "التدخل يكون في حالة وفاة الملك . . وليس قبل ذلك".
قصد عبد الفتاح يحيى باشا إلى قصر المنتزه للقاء الملك يوم 17 أكتوبر وليطمئن على تقد صحته . .ويطلعه على آخر التطورات وافتصالات بينه وبين المندوب السامي. وكان هذا هو اللقاء الثاني بين رئيس الوزراء على الرغم من أن المندوب الاسمي فشل في الإجتماع بأحمد فؤاد لأنه مريض.
ولاييأس بيترسون أبداً . .
إن يزداد غيظاً من الملك . . وهو، وحده، الذي لا يستطيع ذلك لأن الثلاثة ضده .. وهو لا يملك السلطة اللازمة لإقتحام مخدع الملك. ماذا يفعل بيترسون إذن وهو يرى أن ال قاهرة كلها تعرف ماذا يريد . .
ولا يوجد حل أمام بيرتسون إلا أن يضغط على حكومته ..
ويقول بيترسون في برقية لحكومته: "التدخل البريطاني لتغيير الأوصياء، والحكومة، بعد وفاة الملك قد لا يحقق النتيجة المطلوبة فلن تساعد الحكومة الحالية بريطانيا، ولن تساعد التدخل البريطاني".
ويطلب بيترسون من حكومته تصريحاً بدخول مخدع الملك ليملي عليه مطالبه وهي عزل الإبراشي والوزيرين وأيضاً معرفة أسماء الأوصياء على العرش وتغييرهم أو بعضهم إذا كانت لا ترضى عنهم.
ولكن توافق لندن على أن يقابل بيترسون رئسي الوزراء فقط!!
اضطر سكرتيره إلى أن يبتلع كبرياءه بعد قرار لندن السماح له بمقابلة رئيس الوزراء .. فحسب.
اتصل سكرتيره برئاسة الورزاء يطلب تحديد موعد للقاء يحيى باشاـ فحدد له ظهر اليوم التالي 20 أكتوبر.
وفي الموعد دخل موريس بيترسون مقر الرئاسة يرتدي بدلة الردنجوت السوداء على غير عادته ومعه ياوره الخاص الكابت فلاور يرتدي بدلته العسكرية. على غير عادته أيضاً . . تماماً كما كان يفعل اللورد جورج لويد وياوره.
استغرقت المقابلة 35 دقيقة . .
وكان الهدف منها أن يوده بيترسون سؤالاً إلى رئيس الوزراء: -ماذا قلت للملك . . وماذا قال لك . . جلالته؟ برقية رقم 272: في 20 أكتوبر. قابلت رئيس الوزراء هذا الصباح.
سألته عما إذا كان لديه أيى أنباء لي.
قال رئيس الوزراء: -إن صحة الملك مستمرة في التحسن، والنشرة التالية ستقول إن صاحب الجلالة يستطيع – بالتدريج – التغلب على الإرهاق الجسماني الذي تقتضيه مباشرة مهام منصبه.
واستفسرت – والحالة هذه – عما إذا كان رئيس الوزراء تمكن من إثارة موضوع تعديلات النظام مع جلالته.
قال إن هذه هي نيته وإنه حظي بلقائين طويلين مع جلالته. وقال رئيس الوزراء إنه لم يتمكن من تحمل مسئولية إثارة أمور كهذه مع الملك فؤاد حتي يسمح له الأطباء بذلك أن هذه التعديلات ليست لها صفة الإستعجال بحيث يعرض صحة جلالته للخطر.
ولكن إذا كان لحكومة صاحب الجلالة ملك بريطانيا رأي آخر فإنه على استعداد لدعوة مجلس الوزراء وطرح الموضوع أمامه".
ويجد عبد الفتاح يحيى أن تحسن صحة الملك . .هو أفضل مبرر يمكنه من اتخاذ خطوة أخرى ضد المندوب السامي.
رأي يحيى باشا أن يلجأ إلى الطريق الدستوري السليم فيعرض الأمر على مجلس الورزاء.
قال المندوب السامي في برقية مؤرخة 20 أكتوبر: "أفشى عبد الفتاح يحيى باشا رئيس الوزراء السر – عن غير قصد – بدعوته مجلس الورزاء إلى الإنعقاد للنظر في الإقتراحات التي مكن أن نرغب في طرحها، وبذلك يمكنه تقديم الإقتارحات على أنها موجهة إلى الحكومة المصرية وليس – كما كان يصر بنفسه – على اعتبارها مسألة تخص الملك.
وليس لدي شك على الإطلاق في اننا لو قعنا في هذا الشرك فإن مقترحاتنا سترفض علناً بمصاحبة دقات الإستقلال العالية.
وسيكون ذلك متماشياً مع موقف رئيس الوزراء ف يجميع المسائل الصغيرة المطروحة للمناقشة، وثمة شعور، لدي باننا نملك الآن مفتاح الوصول لموقفه إزاء المسائل الكبيرة سواء برزت إلى السطح قبل أو بعد وفاة الملك فؤاد".
ويستكمل بيترسون اقتراحاته في برقية يوم 21 أكتوبر يذكر فيها ما سيقوله للملك . .في غرفة النوم الملكية.
بعث إلى لندن: برقية رقم 275.
بالإشارة إلى برقيتي رقم 273.
حيث إن المقابلة إذا تمت، ستكون أميل إلى الإنحياز والإقتضاب، لذلك فإنني أعتزم نقل لب رسالتي بأقل تأخير ممكن. ومضمون الرسالة أن مرض صاحب الجلالة جعل الإنتباه يتركز بالضرورة على النظام كما كشف النواقص التي لا يمكن أن تغفلها حكومة صاحب الجلالة ملك بريطانيا".
رد وزير الخارجية البريطاني على بيترسون يوم 22 أكتوبر بالبرقية رقم 230:
إجابة على برقياتكم بتاريخ 21 أكتوبر حول الموقف في مصر: "1-اقتراحاتكم تثير موضوعات مهمة لدرحة أنه ينبغي أن أستشير مجلس الوزراء بشانها وخلال هذا الوقت يسعدني أ، أتلقى على وجه السرعة ردكم على السؤالين التاليين: أ-هل هناك سبب مناسب للافتراض أن الملك فؤاد في صحة جيدة تمكنه من التعامل مع مسألة خطيرة كهذه بالقرار الذي تريده؟
ب-على افتراض أنه في حالته الصحية السيئة رفض نصيحتكم فما هو خط التحرك الذي تفكر فيه . . وما هي التدابير التي تراها مناسبة؟". ويبعث وزير الخارجية إلى المندوب السامي المؤقت بالبرقية التالية: "1-يرى مجلس الوزراء أنه لا ينبغي عليكم في هذه المرحلة أن تصلوا بالأمور إلى المدى الذي أِرتم إليه.
يبدو أن الملك لم يستعد صحته بأي شكل إلى المدى الذي ورد في النشرات الرسمية.
وفي مثل حالته لا يمكننا أن نفترض أنه يمكنه السيطرة على حاشيته واتخاذ المواقف القوية المطلوبة منه.
وإذا رفض النصيحة المسداة إليه فإن المسألة ستصبح متعلقة بمكانة بريطانيا بدرجة أكبر، والآن أصبح من المعروف أن نصيحتنا الأصلية أسديت إلى رئيس الوزراء وحده بناء على طلبه والمتوقع أن يكون هذا مبرراً لعملنا أن يؤدي إلى إضعاف موقف رئيس الورزاء".
نشرت صحف لندن – في 3 أيام متتالية – هذه القصة المتشابهة التي تكاد تكون متكررة بنفس الكلمات . .والحروف.
قال جريدة التايمز: "تحاول الحكومة المصرية خلق حادث دبلوماسي مؤملة أن تحول به الرأي العام من أخطائها الناشئة عن إغفال نصيحة المستر بيترسون التي ثبت أن عبد الفتاح باشا لا يسيغها.
إن إتهام المستر بيترسون بالتدخل في الشئون الداخلية هو تشويه للحقائق . . فليس ثمة سبب لهذا التدخل إلا إذا هددت اضطرابات محلية الجاليات الأجنبية.
والقول بأن مستر بيترسون حاول تعديل قانون وراثة العرش هو من الأمور الموجبة حقاً للسخرية.
ومن الواضح أن الغرض هو الدعاية لتحويل الأفكار عن المسألة الدستورية لمصلحة السياسيين الذين يبدوا أنهم اختارو لأنفسهم شعار:"التطلع إلى إطالة الحكم مرة أخرى".
تظاهر موريس بيترسون بأن الأمور تجري كما يهوى . . وبطبيعة الحال لم يقل لأحد في مصر – على الإطلاق – أن الحكومة البريطانية لم تفوضه لعمل أي شيء.
كان يوحي بأنه المندوب السامي الذي أرسلته وزارة الخارجية إلى مصر ليحكم باسمها . . وأن ما يقوم به من عمل لا يتم من تلقاء نفسه . . بل بتكليف.
. . وبيترسون لا ييأس أبداً . .
إنه يصر على مطالبه . .
يريد أن يكتب إلى لندن مرة أخرى. طالباً التصريح بمقابلة الملك . .أو على الأقل إبلاغه رسالة عن طريق كبير الياوران.
برقية رقم 282. من موريس بيترسون بتاريخ 24 أكتوبر 1934: "الأمر الآن أكثر أهمية لأطلب مقابلة عاجلة مع الملك. وإذا كان الأمر ضرورياً فإنه يمكنني أن أفسح الطريق لإجراء هذه المقابلة عن طريق إجراء حديث شفوي مع كبير الياوران الذي اجتمع به الملك مرة أخرى والذي يتميز بانه صديق.
وإضا ثارت أية صعوبات حول هذا الإجتماع سأرسل كتاباً رسمياً عن طريق كبير الياوران".
وييمضي بيترسون . .يستعطف لندن . . لتوافق!
لم يعرف أحد في مصر أن بيترسون . . ينتظر. . الرد. وخلا فترة الإنتظار . .
بقى موريس بيترسون في الإسكندرية يستحم في بحرها، ويركب الخيول، ويتظاهر بعدم الإهتمام بالأزمة.
وظل عبد الفتاح يحيى باشا ينتقل بين القاهرة والإسكندرية يلتقي بالملك، وبمحمد زكي الإبراشي وبالوزراء . . يلتمس النصيحة. والأحزاب تهلل، لأن الوزراة في طريقها للسقوط . . ودستور 1930 الذي وضعه صدقي في طريقه للزوال . .والجميع في انتظار من يقع عليه اختيار الملك أو الإنجليز لتولي الحكم
وخلا أسبوع كامل . .اشتعلت حرب الكلمات بين الطريفين عنيفة . قوية . . وحادة.
كانت الكلمات هي الكلقات المتبادلة بين الطرفين.
وفي مذكرات جرانتي سميث: مساعد السكرتير الشرقي للمندوب السامي.
"أصبحت القاهرة كلها تعرف ان أضعف رئيس للوزراء في مصر قال للمندوب السامي وللإنجليز: -اذهبوا إلى جهنم!
وبدأت أزيف برقيات مع صديقي مستر "لامبي" مراسل صحيفة "التايمز" البريكانية في مصر فكانت الصحف المصرية تعيد نشر هذه البرقيات مرة أخرى على انه حقائق.
وبهذه الطريقة استطعنا أن تبقى القاهرة في جو من الشك والتردد". وترسم صحف مصر صورة كاريكاتورية لعبد الفتاح يحيى باشا على هيئة نعامة.
ولكن النعامة تغادر القاهرة الإسكندرية يوم 24 أكتوبر للإجتماع الثالث بالملك خلال شهر . .وهو أطول اجتماع بينهما فقد دام مائة دقيقة . . وبينما المندوب السامي لا يستطيع أن يحصل من وقت الملك على عشرة دقائق يسلمه – خلالها – الإنذار!
خرج عبد الفتاح يحيى من مقابلة الملك في قصر المنتزة مطمئناً تمام الإطمئنان إلى الثقة الملكية والتأييد السامي . .
قال للصحفيين: "يسرني أن أعلن أني وجدت تقدماً جلياً في حصة جلالة الملك. إذ تفضل وقابلني في مكتبه، وهو بملابسه العادية، وقد بدت عليه دلائل القوة والنشاط مما يبشر بقرب شفائه . .
وقد عرضت على مسامعه العالية جميع مسائل الدولة فكان يستمع إليها . . ويناقشها – كعادته المألوفة – في كل مسألة منها.
ومعنى ذلك أن الملك يعرف كل ما طلبه المندوب السامي.
ويدلي رئيس الورزاء لصحيفة "المقطم" بتصريحات مهمة: قال إنه لم يطلب نصيحة أحد . .
وقال: -الوزراة لن تستقيل . . وإذا أرادت قوى أن تقيلها . . فلتفعل.
وقال: -إن الوزراة تستقيل . . إذا لم تتمتع بثقة الملك.
ويتمادى رئيس الورزاء في تحديه.
إنه يكلف المفوضية المصرية في لندن أن قتدم احتجاجاً إلى وزارة الخارجية البريطانية لما تنشره صحف لندن ضد الملك وضد رئيس الوزراء وضد مصر لموقف الصحافة البريطانية جميعاً حيال الشئون المصرية.
ولكن المندوب السامي يستمر في الإيحاء لصحف المعارضة، وصحف لندن بأن الوزارة على وشك أن تستقيل.
وتبدأ الصحف البريطانية تهدد وتستعدي الملك ضد رئيس الوزراء . . وتوقع بينهما . . وتهدد بعودة الوفد.
ويستقبل ملك مصر رئيس وزارئه يوم 27 أكتوبر وهو اللقاء الرابع بينهما خلال شهر.
ويصرح يحيى بعد المقابلة:
- لم نتلق إنذاراً أو تبليغاً من بريطانيا.
- مستر موريس بيترسون لم يطلب مقابلة الملك.
- لايوجد خلاف في الرأي بيننا وبين المندوب السامس.
- لا يجري بحث أي شئ خاص بالإبراشي باشا.
وكان ال تصريح محالوة لوقف تدهور الموقف بين يحيى باشا والمندوب السامي . .
ولكن كل كلمة قالها رئيس وزارء مصر . . كانت أكذوبة!
وصلت الأمور إلى حد القطيعة الكاملة بين رئيس الورزاء والمندوب السامي . . وبدأ الضغط يشتد من الجانبين.
ويقرر عبد الفتاح يحيى وضع حراسة خاصة على موريس بيترسون ليثبت له وللحكومة البريطانية، أن هناك خطراً على حياة المندوب السامي وأنه غير محبوب من مصر، ويقبض على عدد من الأشخاص بدعوى أنه أرادوا الإعتداء على بيترسون . . حتى ينتشر ذلك في صحف لندن.
وتستمر حرب الكلمات . . والأعصاب.
ولكن انهار الملك.
عين أحمد زيور – 69 سنة رئيساً للديوان يوم 27 أكتوبر – دون استشارة المندوب السامي.
إن زيور رجل تعتمد عليه بريطانيا في تنفيذ سياستها في مصر . . ومن هنا فلم تكن – بالملك – حاجة إلى استشارة بريطانيا في هذا التعيين!
ولكن مجلة آخر ساعة، قالت إن الإستشارة تمت بطريقة غير مباشرة. كتبت المجلة: . . إن تعيين زيور باشا في منصب رئيس الديوان الملكي تم بعد أخذ رأي المندوب السامي بالنيابة.
وبيان ذلك أن الواسطة في تبادل الرأي هو جناب سير فرانك واطسون المستشار المالي.
وتستقبل الصحف البريطانية تعيين زيور بارتياح كبير ..
قالت التايمز: "إن هذا التعيين يعتبر خطوة صغيرة في الإتجاه القوي".
استقال الوزيران كريم المنلاوي يوم 29 أكتوبر . . أي بعد 48 ساعة من تعيين زيور!
هل يستكين بيترسون . . أو يستسلم؟
أبداً . .
إنه يعاود الطلب بمبررات جديدة.
ويكون رأي القسم المصري "الرفض . . وتأكيد هذا الرفض بمبررات واضحة تفسر موقف بريطانيا، أو خطواتها. إذا قابل بيترسون الملك – فعلاً – ورفض الملك عزل عبد الفتاح يحيى ومحمد زكي الإبراشي" بأن بريطانيا رأت أن تتجنب الموقف الذي يحتمل أن تستخدم فيه القوات البريطانية.
وهكذا وللمرة الأخيرة يصبح الأمر واضحاً . . والتعليمات صريحة وهي: "يا مستر بيترسون . . كفى".
ولكن الملك لم يعرف قط أن بيترسون لم يحصل على موافقة لندن . . إن بيترسون احتفظ بهدوء أعصابه.
استغل الصحافة المصرية، والبريطانية، وتصفيق المعارضة للمبارة بينه – أي بيترسون – ورئيس الوزراء . . والإبراشي نيابة عن الملك. رأى بيترسون أن يظل ثابتاً على موقفه حتى النهاية أسوة بما كان يفعله مثله الأعلى اللورد جورج لويد.
ويتوجه يحيى باشا مرة أخرى إلى الإسكندرية يوم أول نوفمبر يحمل إلى الملك فؤاد استقالة الوزيرين باعتبارهما ترضية تغني بيترسون عن التهام الوزارة كلها!
ويكتب بيترسون إلى لندن . . بإصرار غريب!!
"بعد مقابلة الملك والتي يزعم رئيس الورزاء أنها استغرقت ساعتين، أبلغ رئيس الوزراء ممثلي الصحافة بأنه وضع استقالة الوزيرين أمام المل، الذي سيقابله مرة أخرى يوم السبت.
وسوف تدركون أنني في الظروف الراهنة لا أعتبر أنه حتى قبول هذه الإستقالات في أعقاب تعيين زيور، يعد حلاص مرضياً أو مناسباً لصعوباتنا الراهنة.
واكثر من ذلك، يبدو أ، هناك فرصة كبيرة أن يشغل مكانهما . . نكرات"!
ويبعث جون سايمون وزير الخارجية إلى موريس بيترسون بقرار مجلس الوزراء . . دون أن يذكر له أنه اضطر لعرض طلبات بيترسون من جديد على المجلس لأ،ه ما يطلبه بيترسون يتجاوز اختصاصات وزير الخاريجة وسلطاته. .
برقية رقم 237: من وزارة الخارجية إلى موريس بيترسون بتاريخ 2 نوفمبر 1934: 1-أوافق على لهجتك لزيور باشا.
2-نظراً لحقيقة أن الملك قام بالمبادرة في الإتصال بك، فإنك مخول باقتراح عزل رئيس الوزراء الحالي، واستبداله برئيس وزراء أقوى بالإضافة إلى التأكيد الذي قدمه زيور باشا بشأن الحد من نشاطات الإبراشي السياسية، سيمكننا من تجنب الضغط لعزل الأخير – الإبراشي – مما ينشأ عنه خطر تهديد صحة الملك.
ويجب أن توضح لنا موقفنا من هذه النقطة يعتمد على تحقيق ضمان زيور وعلى تعيين رئيس وزراء أقوى.
3-لا يجب أن تربط نفسك بوضوح شديد باختيار أي خلف محدد لرئيس الوزراء بدرجة تجعل حكومة صاحب الجلالة ملك بريطانيا مسئولة عن أفعاله أو سياسته التالية.
وبالتالي يجب أن تحاذر ف يتقديم نصيحتك حتى تتجنب هذه المسئولية. ويجب أن توضح تماماً أنك في اقتراحاتك إجراء تغيير في الحكومة فإنك تستجيب لطلب النصيحة الذي نقله إليك جلالته من خلال زيور باشا". وينتقل زيور إلى القاهرة للإجتماع ببيترسون بعد أن عقد اللقاء التمهيدي مع مساعد السكرتير الشرقي . . ويحمل زيور إلى بيتروسون خضوع الملك . . واستسلامه.
قال زيور: -لقد عينت رئيساً للديوان لأجمد نشاط رئيس الديوان الآخر، غير الدستوري . . يقصد زكي الإبراشي باشا.
رد بيترسون: -إن الأزمة لا يمكن التغلب عليها بهذه الطريقة . . الإبراشي يجب أن يخرج أو يعين رئيس جديد للوزارة.
ويساعد زيور باشا المندوب السامي.
إنه ينتقل للملك تهديدات مبالغ فيها . . حتى ينزل الملك على رغبات بيترسون . . فما دام لم يتلق شخصياً بيترسون . .فإن الوسيط يستطيع أن يقول ما يريد . . وأن يبالغ . . وأن يحذف . . كما يريد . . من الإنذارات التي يتلقاها من بيترسون. نشرت مجلة "المصور":
"صرح زيور باشا رئيس الديوان بعد مقابلته لبيترسون أن الحالة سيئة جداً.
ونسب إلى دولته أنه قال: -إن عبد الفتاح يحيى باشا غرز الحكومة في الوحل "الوحل للرقبة". والحقيقة أن ملك مصر كان أكثر المسئولين المصريين . . ارتعاشاً . . وارتجافاً . . وخوفاً!
إنه طلب – عن طريق زيور – معرفة ما إّا كان بيترسون يكتفي بالوزيرين فرباناً فلما رفض، كان لابد من أن يكون رئيس الوزراء هو نفسه الضحية.
ولا يستطيع بيترسون – بطبيعة الحال – إبلاغ الملك فؤاد بقرار مجلس الوزراء البريطاني.
بل إن المندوب السامي يستمر في حملته على يحيى باشا ويوغز للصحف المصرية والبريطانية على السواء بأن الوزارة استقالت أو هي في طريقها إلى أن تستقيل.
ومن جديد يلعب بيترسون بالورقة الرابحة في يده . .
بعث إلى لندن يقول: "علمت من مصدرين منفصلين موثوق بهما أن حالة، صاحب الجلالة الصحية أصبحت مرة أخرى".
وتلف الحيرة وزارة الخارجية البريطانية إزاؤ هذه البرقية . . ويكتب القسم المصري في هذه الوزراة مذكرة طويلة يقول فيها:
"إن الملك قابل رئيس الوزارء ساعتين مما يدل على أنه ليس مريضاً!
ويتم اللقاء الخامس بين الملك ويحيى باشا يوم 3 توفمبر ويصرح رئيس الوزراء للصحفيين: -لا جديد! وبالفعل لم يكن هناك جديد فإن المندوب السامي اكتفى بالهجوم الصحفي على ملك مثر ورئيس وزرائها!!
ولم يعرف الملك فؤاد قط أن مجلس الوزراء خذل المندوب السامي البريطاني . .وأنه أي الملك كان يستطيع الإستمرار في المقاومة! ويوجه بيترسون الطلقة الأخيرة لرئيس الوزراء عن طريق صحيفة "الأجيبشيان جازيت" . .
وصفت الجازيت رئيس وزراء مصر . . صباح يوم 6 نوفمبر بانه رجل محدود الكفاءة ومع ذلك وصل إلى أعلى منصب في بلاده.
وهو يتهم بالبرتوكول ويصلح لمنصب وزير الخاريجة وقت الهدوؤ – لا خلال الأزمات – ولا يستطيع أن يلعب دوراً سياسياً مهماً.
إن رئيس وزراء مصر ليس له اتصال بالواقع وأعصابه تخونه وتمنعه وساقاه معلقان في الهواء، ولا يستطيع ان يتصرف وحده. واستقالته مؤكدة ولكن الشك فقط في موعد الإستقالة . . ومن المصلحة أن يستقيل قبل ان تواجه مصر مشاكلها.
وستمر المقال عنيفاً . . مندفعاً ضد الملك نفسه . . قال الجازيتك "إن استقالة يحيى هو نهاية عصر . . والشعب لن يقبل حكومة قصرة مرة أخرى . .
إن عرش مصر كاد أن يسقط عام 1882 لولا الإنجليز.
والأسرة المالكة لم تبق إلا بسبب تدخل الإنجليز.
والخديوي ما كان يملك أو يحكم لولا الإنجليز.
وخلال ال15 سنة الماضية كاد العرش يسقط اكثر من مرة لاولا القوات البريطانية . . وعدم التدخل مستحيل مادامت القوات البريطانية في مصر . . ووجود هذه القنوات هو تدخل مستمر في التطور السياسي المصري . .لأنها تمنع العماصر السياسية الحيوية من فرض الطريقة المحتومة للتغيير وهي . . الثورة.
إن القوات البريطانية منعت العناصر الثورية من النجاح . . فالثورة تكلف مصر غالياً، لأن لبريطانيا مصالح طثيرة في مصر وللمحافظة على التحفظات الأربعة التي فرضها تصريح 28 فبراير 1922.
إن العقول القصر يتدخل فستنشأ براعم جديدة للثورة في مصر. وكل من يقبل الحكم الآن سيفشل وستشضيع سمعته السياسية إلا إذا حصل على ضمانات".
وجد الملك أنه وحده الخاسر في الصراع بين رئيس وزارئه والمندوب ا لسامي . .
إن الملك رأى أن يجعل رئيس وزرائه مسئولاً عن كل ما وقع . . رأى الملك أن من مصلحته الإتفاق مع المندوب السامي . . ولا توجد له – أية مصلحة – في الإختلاف مع ممثل بريطانيا المؤقت . . وجد الملك أن من الأفضل له أن يتفق مع المندوب السامي عل ى حكم مصر بينهما . . ولا يوجد ما يدعو أبداً للخلاف بين الملك والإنجليز . .
ويلتقي صاحب الجلالة برئيس وزرائه . . دام اللقاء ساعة . .
وخرج عبد الفتاح يحيى من الإحتماع يقول: -رفعت الإستقالة وزارة إلى حضرة صاحب الجلالة الملك . .
ولايجد عبد الفتاح يحيى باشا ما يقوله للتاريخ إلا أن يؤكد أنه أخلص للملك في مرض الموت.
وتكون بعض سطور الإستقالة هي الإشارة الواضحة لكل ما دار من مفاضوات ومناورات وضغوط.
قال عبد الفتاح يحيى: "في الشهر الأخير والمصريون جميعاً يدعوا إلى الله أن يتم لجلالتكم أسباب الصحة أبلغت رغبات من الحكومة البريطانية لا يسعني قبولها دون التفريك في حقوق البلاد".
"ويكتفي الملك بسطر واحد في كتاب قبول الإستقالة الذي وجهه الباشا رأى أن فيه العزاء عن كل ما بذله يحيى باشا. قال: "أسفنا لإستقالتكم لما نعرفه فيكم من خالص الولاء لنا".
ووصفت آخر ساعة اللقاء الأخير بين الملك ورئيس وزارئه . .
كتبت تقول: "في أثناء تشرف عبد الفتاح يحيى بمقابلة جلالة الملك وهو يرفع استقالته إلى مقامه السامي أفاض دولته في شرح ما تحمله وما رضى باحتماله رغبة منه في خدمة العرش والوطن.
وهنا غلب التأثر في دولته فبكى بين يدي المليك.
وطيب جلالة الملك خاطر الرئيس المستقيل.
وربت جلالته حفظه الله كتف عبد الفتاح يحيى باشا إظهاراً لعطفه السامي. ودعا عبد الفتاح يحيى باشا لجلالة الملك بالصحة زالعافية ثم انصرف من الحضرة الملكية ودموع التأثر لا تظال تبلل خديه".
ورسم فنان الكاريكاتير صاروخان لوحة تبين عبد الفتاح يحيى باشا يجلس على كرسي يبكي وقد سالت دموعه . . وامامه بدلة رئيس الوزراء الموشاه.
وطنب الدكتور سعيد عبده الزجل التالي على لسان عبد الفتاح يحيى بعنوان "يا بلدة العز": يابدلة العز يا فاكهة مولية يا مدندشة بالقصب، يا مكلفة يا مرصعة بميت نيشان يا حلوة في عنيه أودعك بودي لو يودعني طيب الحياة وانتي تفضلي ليه بعد العذاب اللي شفته كل يوم ألوان والأسبيرين اللي خدته كل ليلة حفان والمرمطة والقرف والزفت والقطران من بعد ده كله لو كنتي فضلتي ليه
مكنتش أزعل ولا قلبي يكون حزنان
فين عهدك الحلو؟ راحت فين لياليكي؟ وفين نهار ما خطر طيفي الجميل فيكي؟ ياريتني حنة بطانة من حواشيكي لو كنت أعرف بأنك مش راحا تدومي
وهكذا يجلس على كرسي رئاسة الوزراء توفيق نسيم بعد أن افتقد هذا الكرسي 12 سنة كاملة . . لأن آخر مرة تولى فيها هذا المنصب كانت عام 1922.
وحفت المناورات والمخاطر والشد والجذب بعملية تشكيل الوزراة بين الملك وتوفيق نسيم والمندوب السامي بالنيابة.
كان توفيق هو الرجل المناسب في الوقت المناسب.
تعلم في مدرسة الجيزويت بمصر وحصل على ليسانس الحقوق واشتغل بالمحاماة.
اختير وزيراً للأوقاف 6 أشهر في وزارة محمد سعيد باشا الإدارية بعد قيام ثورة 1919 ووزيراً للداخلية 6 أشهر أخرى في وزارة يوسف وهبه باشا . . والوزارتان إداريتان شكلتا لتصريف الشئون الإدارية ولا علاقة لهما بالسياسة أبداً.
لم يشترك في ثورة 19 وبقى مناوراً ورأس الوزارة 10 أشهر عامي 20 و21.
وقد اكتفت وزارته أيضاً بتصريف الأمور.
ورأس الوزارة مرة أخرى نحو شهرين في أواخر 1922 وأوائل 23. واختاره سعد زغلول وزيراً للمالية 10 أشهر.
عين رئيساً للديوان الملكي 3 مرات.
ويموت صاحب الجلالة يوم 28 إبريل عام 1936 أي بعد رحيل بيترسون عن مصر بأكثر من عام. وتجري الإنتخابات في مصر ويفوز وياولى مصطفى النحاس رئاسة الوزراة.
ويجتمع البرلمان المصري يوم الجمعة 8 مايو 1936 ليبحث أسماء الأوصياء على العرش.
فتح المظروف الذي كتب فيه أحمد فؤاد أسماء الأوصياء الذين اختارهم. وتبين أن الملك اختار الأوصياء يوم 21 يونيو 1922 أي بعد 3 أشهر من إعلانه ملكاً على مصر . .وبعد عامين من ميلاد فاروق الذي ولد يوم 11 فبراير 1920.
لم يكن هناك ما يدعو بيترسون إلى الخوف أو القلق فالأوصياء الثلاثة اختارهم الملك قبل 14 سنة من وفاته . . وهم: محمد توفيق نسيم باشا. وعدلي يكن باشا. ومحمود فخري باشا.
وكان أحدهم – وهو عدلي يكن – قد مات.
وعلى ذل ك فإن كل ما وصل بيترسون من إشاعات عن الأوصياء كان أكذوبة ضخمة.
ويرفض البرلمان الوفدي عام 1936 أن يعين الأوصياء الثلاثة الذين اختارهم الملك عام 1922!
وكانت حجة الوفد ان الوصية قديمة . . وأن أحد الأوصياء – عدلي يكن – قد مات.
واحتار البرلمان بدلاً منهم الأمير محمد على وعيد العزيز عوت باشا ومحمد شريف صبري باشا خال الملك فاروق!
أما عبد الفتاح يحيى فقد تولى بعد استقالته منصب وزير الدولة ثم وزارة الخارجية مرتين.
وعندما سافر محمد محمود باشا رئيس الوزراء إلى أوروبا اسندت رئاسة الوزراة بالنيابة إلى عبد الفتاح يحيى باشا نحو شهرين. ولكن.
لأن الإنجليز غضبوا عليه وهو رئيس للوزراة فإنه لم يتولى هذا المنصب بعد ذلك لا في عهد الملك فؤاد أو ابنه فاروق!
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
حكومته
الوزير | الوزارة |
---|---|
أحمد باشا علي | وزارة الحقانية |
حسن باشا صبري | وزير المالية |
صليب بك سامي | وزارة الحربية والبحرية |
عبد العظيم باشا راشد | وزارة الأشغال العمومية |
عبد الفتاح باشا يحيى | وزارة الخارجية |
علي بك المنزلاوي | وزارة الزراعة |
محمد باشا حلمي عيسى | وزارة المعارف العمومية |
المصادر
- ^ Arthur Goldschmidt Jr. (2013). Historical Dictionary of Egypt. Scarecrow Press. p. 43. ISBN 978-0-8108-8025-2.
- ^ قالب:رؤساء الوزارات: بالوثائق السرية البريطانية والأمريكية
سبقه محمد توفيق نسيم باشا |
رئيس وزراء مصر 1923-1924 |
تبعه سعد زغلول |
سبقه إسماعيل صدقي باشا |
رئيس وزراء مصر 1933-1934 |
تبعه محمد توفيق نسيم باشا |