الملء الرابع لخزان سد النهضة
الملء الرابع لسد النهضة وتأثيره على الدولة المصرية، توضح الصورة المرفقة مدي تقدم الجانب الإثيوبي في صب خرسانة بمعدلات كبيرة بجميع أجزاء سد النهضة، سواء الكتلة الشرقية أو الغربية واللتان وصلا اليوم لقرابة منسوب (625) فوق سطح البحر. بينما منسوب الممر الأوسط في ارتفاع تدريجي منذ بداية تجفيف الممر والذي كان في بداية شهر فبراير الماضي. ويتوقع أن يكون اليوم عند منسوب (605) فوق سطح البحر، ولقد أكدت الصور الحديثة للممر الأوسط والذي نشرته شركة ماكسار يوم 9 مارس بوجود ارتفاع متزايد للمر الأوسط تجهيزا لبدأ الملء الرابع مع بداية الفيضان في شهر يونيو 2023.
وفقا لمعطيات الواقع، فمن المنتظر أن تنجح إثيوبيا بالوصول لمنسوب أعلى من (630) لكل من الكتلة الشرقية والغربية وهذا من الناحية الفنية يمكنها برفع منسوب الممر الأوسط لمنسوب (625) فوق سطح البحر. حيث أنه يحتفظ بمسافة (آمان) بين منسوب الكتل الشرقية والغربية ومنسوب الممر الأوسط تتراوح بين (3-5 متر).
وصول الممر لمنسوب (625) يعني ضمنيا قدرة إثيوبيا على تخزين قرابة (27 مليار متر مكعب) بحيث يصل إجمالي التخزين لقرابة (49 مليار متر مكعب أي 22 مليار متر مكعب بالبحيرة اليوم + 27 مليار متر مكعب بالملء الرابع) وهذا هو ما تم الاتفاق عليه خلال اجتماع الدول الثلاثة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمپ شهر فبراير 2020. حيث وقع وزير الري المصري الدكتور/ محمد عبد العاطي بشكل منفرد على جدول الملء لسد النهضة والذي سمح فيه لإثيوبيا بالوصول لمخزون يعادل (49.3 مليار متر مكعب) مع نهاية الملء الرابع.
وعلى الرغم من رفض إثيوبيا التوقيع على هذا الجدول وتركت جلسة المفاوضات بالبيت الأبيض إلا أنها من حيث المبدأ تلتزم بالكميات المذكورة في الجدول ولسوف تصل بمخزون بحيرة سد النهضة خلال الملء الرابع لقرابة (49 مليار متر مكعب). وعليه فإدعاء الدولة المصرية بان إثيوبيا تنفذ الملء الرابع بدون (إذن مسبق) هو إدعاء (كاذب) تماما والدليل على ذلك توقيع وزير الري السابق على جدول الملء أمام الرئيس الأمريكي دونالد ترمپ شهر فبراير 2020.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
التخزين في بحيرة سد السرج
وصول منسوب التخزين لــ (600) فوق سطح البحر بعد نجاح الملء الثالث وتخزين قرابة (22.3 مليار متر مكعب) قد نقل (مفهوم التخزين) بسد النهضة لمرحلة جديدة تماما. حيث كان التخزين (الأول والثاني والثالث) يتم بشكل مباشر في بحيرة (السد الخرساني) إلا أن بداية من الملء الرابع سيكون التخزين مباشرة في بحيرة سد السرج وهذا يعني أن كل متر ارتفاع ببحيرة سد السرج المتسعة تتراوح سعته قرابة (1.0 مليار متر مكعب). وفي الوقت الذي اتسعت فيه بحيرة سد النهضة منذ بداية التخزين الأول حتى نهاية التخزين الثالث لقرابة (820 كيلو متر مسطح) إلا أن مع نجاح الملء الرابع فمن المنتظر أن تصل فيه مساحة التخزين لقرابة (1750 كيلو متر مسطح) أي بزيادة تعادل (115%) عن ما كانت عليه شهر أغسطس 2022. بينما سيصل إجمالي ما سيتم تخزينه بتلك البحيرة خلال الملء الرابع (فقط) لسوف يزيد بقرابة (35%) عن إجمالي كل ما تم تخزينه خلال الملء (الأول والثاني والثالث). ويتوقع نتيجة زيادة مسطح البحيرة بقرابة (900 كيلو متر مربع) أن يفقد أكثر من (3.0 مليار متر مكعب) فيما يسمي ظاهرة (تشبع التربة) هذا بالإضافة لتسريب مياه بحيرة التخزين في الفوالق الجيولوجية الموجودة بقاع البحيرة وتتصل مباشرة بفوالق (ثانوية) ترتبط بشكل (عضو) بالأخدود الإفريقي الأعظم. وعليه فتوقع فقدان (3.0 مليار متر مكعب) لهو أمر أكثر تفائلا عن (الواقع) الجديد.
أخطار الملء الرابع على الدولة المصرية
تخزين إثيوبيا خلال صيف 2023 (27 مليار متر مكعب) يضاف إليها قرابة (3 مليار متر مكعب) تهدر في فواقد البحيرة, حيث سيتم تخزين الملء الرابع بالكامل في بحيرة (سد السرج) وليس ببحيرة (السد الخرساني), حيث سيهدر على الأقل (3 مليار متر مكعب من خلال عملية تشبع تربة قاع بحيرة سد السرج) وعليه فإنه عمليا سيتم تخزين (30 مليار متر مكعب) بينما يصل متوسط إجمالي تصرف تدفقات النيل الأزرق خلال فصول الصيف الثلاثة (يوليو+ أغسطس+ سبتمبر) تعادل تقريبا (35 مليار متر مكعب), وعليه فحجز قرابة (30 مليار متر مكعب) من تدفقات (الصيف) تعني تبق قرابة (5 مليار متر مكعب) ستقوم السودان باحتجازهم بسدودها على النيل الأزرق (الرصيورص+ سنار). وعليه فيمكن القول بكل (ثقة) انه في حالة ما إذا كان فيضان عام 2023 هو فيضان (متوسط) أي تدفق يعادل (48.5 مليار متر مكعب سنويا) ففي هذه الحالة لن يصل لبحيرة ناصر خلال أشهر الصيف (نقطة مياه واحدة) ولكن سيصلها فيما بعد (سبتمبر) قرابة (14 مليار متر مكعب) من النيل الأزرق. بينما في حالة أن فيضان عام 2023 فوق المتوسط فمن الممكن أن يصل لبحيرة ناصر قرابة (20) مليار متر مكعب بنهاية العام المائي والذي سينتهي يوم (31 يوليو 2024).
الموقف المائي للدولة المصرية لعام 2023
في 4 مارس 2023 وصل منسوب بحيرة ناصر لقرابة (180.88) فوق سطح البحر وذلك انخفاض قدره (1.0 متر فقط) عن ما كان عليه يوم 16 أكتوبر 2022 حيث كانت البحيرة في أعلى منسوب ممكن بالقرب من (182)، وهذا إن كان يدل على شيء فهو يدل على أن وزارة الري تنفذ مخطط (تقشفي) شديد وأنها تقريبا تسمح بتصريف التدفق اليومي الذي يصل إليها من روافد النيل المختلفة دون أي سحب (ملحوظ) من بحيرة ناصر، وهذا أمر جيد جدا في هذا التوقيت بهدف الحفاظ على كل نقطة مياه ممكنة بالبحيرة لمواجهة (تابعيات الملء الرابع).
إلا أن هذه السياسية (التقشفية) الحذرة لا يمكن أن تستمر طويلا .. فتدفق النيل الأزرق اليوم ليس أكثر من تلك الـ (50 مليون متر مكعب) التي تصرف لدولتي مصر والسودان من أنبوب المنفذ السفلي بالجانب الغربي لسد النهضة يضاف إليها قرابة (20 مليون متر مكعب) تصرف التوربينات المنخفضة والتي تعمل قرابة (12 ساعة فقط يوميا).
بينما تصرف النيل الأبيض منذ بداية شهر فبراير الماضي حتى اليوم يعتبر خيبة أمل كبيرة حيث انخفض منسوب بحيرة فيكتوريا منبع النيل الأبيض بشكل ملحوظ جدا (قد) يكون تمهيدا لبداية السنوات العجاف على دول حوض النيل جميعها. ولقد إنعكس ذلك بشكل كبير من خلال العديد من (الحرائق) التي خرجت من أرضية عدد من القري السودانية والتي بنيت على أرضية من تربة الــ (Peat) وهي تربة عضوية مغمورة بالمياه الجوفية القادمة من النيل الأبيض طيلة الوقت إلا أن بعد (شح) النيل الأبيض خلال هذه الأيام انخفض منسوب المياه الجوفية تحت أرضية العديد من القري السودانية حيث أفرزت تلك التربة العضوية الجافة كميات كبيرة من غاز (الميثان) والذي تسبب في إشتعال أرضية تلك القري على مدار الشهريين الماضيين.
وعليه فـ (شح) تدفق النيل الأبيض هذا العام والذي يترافق مع (الملء الرابع على النيل الأزرق) قد يضع الدولة المصرية في (مأزق) حياتي خطير. وتضر وزارة الري بصرف كميات ضخمة من الاحتياطي ببحيرة ناصر والذي يتراوح اليوم لقرابة ( 150 مليار متر مكعب) وهذا احتياطي (قد) يكفي الدولة المصرية لتعويض ما سيتم تخزينه ببحيرة سد النهضة خلال عام (2023+ 2024)، إلا أنه مع حلول شهر (سبتمبر 2024) سيكون من الصعب جدا (تعويض) أي مياه من بحيرة ناصر. حيث يتوقع وصول منسوب البحيرة لقرابة (162-165) فوق سطح البحر.
وهنا يجب لفت النظر لما يحدث بسدود السودان والتي كانت تبدأ بتفريغ ما تبق بها من مياه قبل وصول فيضان النيل الأزرق شهر أغسطس وهذا كان يفيد الدولة المصرية بشكل كبير حيث كانت تتسلم من السودان قرابة (5.5 مليار متر مكعب) سنويا تعرف (بالسلفة السودانية) إلا أنه وبسبب شح النيل الأبيض فمن المتوقع أن تصرف السدود السودانية (الواقعة على النيل الأزرق) قدرا مما بها من مخزون، ولكن ليس لتصل إلي بحيرة ناصر بل لتخزن ببحيرة (سد مروي) والذي ينتظر أن يتعرض لقدر من (قلة التدفق) بسبب (شح) النيل الأبيض هذا العام. وعليه فالسلفة السودانية (غالبا) لن تذهب هذا العام لمصر بل ستخزن ببحيرة (سد مروي).
هل من إمكانية لتوجه مصر للمرة الثالثة إلى مجلس الأمن؟ وهل من جدوى لمثل هذه الخطوة (إن حدثت)؟
لا أعتقد أن أي تحرك دبلوماسي (مصري) سواء على المستوي العربي او الدولي سيكون له أي مغزي على أرض الواقع. فلقد فشلت المباحثات الفنية السرية بين مصر وإثيوبيا بأبوظبي الأسبوع الماضي هذا على الرغم من تدخل دولة الإمارات بكل ثقلها الاستثماري.
إلا أن رفض أثيوبيا كان قاطعا وغير قابل لأي مساومة. لذلك فتحركات وزير الخارجية المصري (سامح شكري) هو ليس أكثر من (رد فعل) لحديث المعارضة المصرية بالخارج والتي تتهم نظام السيسي (ببيع النيل لإثيوبيا) ثمنا لوصول السيسي لحكم مصر.
ولهذا فلا يمكن توقع أي حل إيجابي لهذه المشكلة حتى ولو تم رفع ملف سد النهضة للمرة الثالثة لمجلس الأمن، فكيف لمجلس الأمن أن يتدخل ويساعد الدولة المصرية في وقت تصر فيه الدولة المصرية على التمسك بإتفاقية مبادئ سد النهضة والتي (تغل يد) أي (وسيط خارجي) من إتخاذ أي قرار قد (يفيد) الدولة المصرية في المستقبل.
وعليه فلن ينظر مجلس الأمن لقضية سد النهضة بشكل (جدي) ما لم تنسحب الدولة المصرية من اتفاقية مبادئ سد النهضة بشكل نهائي وتطلب تدخل (وسيط دولي) لحل تلك المشكلة والتي هي ليست فقط مشكلة (حياة للشعب المصري) بل أيضا هي مشكلة (أمنية) تمس استقرار إقليم (الشرق الأوسط) بالكامل.