معركة المزرعة الصينية
| ||||||||||||||||||||||||||||||
ثغرة الدفرسوار، أو الثغرة (بالإنجليزية: Battle of the Chinese Farm؛ وبالعبرية: קרב החווה הסינית)، هو المصطلح الذي أطلق على حادثة أدت لتغيير مسار الأحداث في حرب أكتوبر، كانت في نهاية الحرب، حينما تمكن الجيش الإسرائيلي من تطويق الجيش الثالث الميدانى من خلال ما عرف بثغرة الدفرسوار، وكانت بين الجيشين الثاني والثالث الميداني امتدادا بالضفة الشرقية لقناة السويس.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
خلفية
بعد المفاجأة الاستراتيجية التي لحقت بالجيش الإسرائيلي على جبهتي سيناء والجولان مما أدى الى عجز القيادة الإسرائيلية عن تنفيذ ضربة الاجهاض التي كانت تعتمد عليها لسحق أي هجوم عربي قبل وقوعه، وبعد فشل الهجوم المضاد الرئيسي الذي كان أمل إسرائيل معلقا عليه لرد الهجوم المصري على أعقابه واعادة الموقف الى ما كان عليه قبل ظهر يوم 6 أكتوبر 1973، كان تصميم القيادة الإسرائيلية يتركز على ضرورة تغيير الوضع الاستراتيجي على الجبهة المصرية تغييرا جذريا، قبل أن يصدر القرار المنتظر مجلس الأمن بوقف اطلاق النار في ظل هزيمة منكرة للقوات الإسرائيلية وفي ذروة انتصار مصري ساحق واضح للعيان، وهو الأور الذي لا يمكن أن تقبله إسرائيل ولا يمكن أن يرضى به أحد من أصدقائها المخلصين من البيت الأبيض في واشنطن وعلى رأسهم وزير الخارجية الأمريكي اليهودي الديانة هنري كيسنجر، وكان النجاح الذي أحرزته القيادة الإسرائيلية على الجبهة السورية في مرتفعات الجولار بعد أيام قلائل من بداية الحرب، بارغامها القوات السورية على اتمام اانسحاب من الجولان يوم 10 أكتوبر والعودة الى خط وقف اطلاق النار عام 1967 الذي بدأت منه الهجوم يوم 6 أكتوبر ثم الهجوم العام الإسرائيلي على عمق سوريا اعتبارا من 11 اكتوبر لتهديد العاصمة السورية دمشق.. كان ذلك ما حفز القيادة الإسرائيلية على ضرورة استعادة الموقف ايضا على الجبهة المصرية في سيناء ولذا اتجه تفكير المسئولين بها على وجوب اليام بعملية سريعة غير متوقعة يمكن عن طريقها استعادة ميزة المبادأة التي فقدوها منذ بداية الحرب، واعادة ثقة القوات الإسرائيلية بقيادتها وثقة الشعب الإسرائيلي بجيشه الذي لا يقهر.
وكانت الطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك هي عبور القوات الإسرائيلية قناة السويس من الشرق إلى الغرب والعمل على مؤخرة الجيشين الثاني والثالث، على أن يتم ذلك بعملية سريعة ومفاجئة قبل تدخل القوى العظمى كما هو منتظر، وفرض وقف اطلاق النار على جبهتي القتال.
وكانت الأهداف الاستراتيجية التي تتوخاها القيادة الإسرائيلية من عبور قواتها الى غرب القناة تتخلص فيما يلي:
1- الإخلال بالتوازن الاستراتيجي للقوات المصرية شرق وغرب القناة.
2- حصر وتدمير التجمع الرئيسي للقوات المصرية داخل رؤوس الكباري شرق القناة لاستعادة الأوضاع الى ما كانت عليه قبل ظهر يوم 6 أكتوبر.
3- احراز مكاسب سياسية واعلامية على المستوى الدولي عندما يذاع على العالم أن القوات الإسرائيلية تقاتل غرب قناة السويس.
4- فرض الحصار على الجيشين الثاني والثالث أو أحدهما عن طريق قطع خطوط مواصلاتهما مع غرب القناة.
5- احراز نصر عسكري وسياسي ضخم بالاستيلاء على مدينة الاسماعيلية أو السويس أو كلتيهما.
ورغم خشية إسرائيل من التورط في مغامرة عسكرية غرب القناة وما يحف بها من مخاطر الامتداد البعدي بأكثر من طاقة الجيش الإسرائيلي ومن الدخول في الكثافة السكانية المصرية، فقد كانت الهزيمة وما سيترتب عليها من انهيار الجيش والنظام الإسرائيلي كله تجبر إسرائيل على ضرورة تحمل هذه المغامرة بأي ثمن، خاصة وأن قرار وقف اطلاق النار على وشط الصدور مما يحقق الأم لقواتها التي ستعبر إلى غرب القناة.
وكان الدعم الأمركي الواسع النطاق لإسرائيل من العوامل المهمة التي شجعت قيادتها العسكرية على الاقدام على هذه المغامرة. فلقد حصلت إسرائيل من الناحية الواقعية على جس جوي أمريكي متنكر تحت ستر طائرات الجامبو الإسرائيلية التابعة لشركة العال اعتبارا من يوم 7 أكتوبر، كما أصدر الرئيس الأمريكي نيكسون قرارا بتعويض إسرائيل عن كل خسائرها في الحرب. وفي يوم 13 أكتوبر بدأ بصفة رسمية الجسر الجوي الأمريكي الذي نقل إلى إسرائيل - حتى نهاية الحرب - حوالي 28000 طن من كل الأسلحة والمعدات المتطورة الحديثة، كما قامت طلعات طائرات التجسس الأمريكية فوق جبهة القتال بتوفير وتوصيل أدق المعلومات التفصيلية عن القوات المصرية الى المخابرات الإسرائيلية.
ورغم أن فكرة عبور القوات الإسرائيلية الى غرب القناة لم تكن فكرة فجائية طرأت على أذهان المسئولين في القيادة الإسرائيلية في أثناء الحرب، بل كانت عنصرا أساسيا في التخطيط العسكري الإسرائيلي الذي تم وضعه منذ عام 1968 للدفاع عن سيناء في مواجهة أي هجوم مصري واسع النطاق عبر قناة السويس. ورغم الضرورة الاستراتيجية الملحة التي كانت تحتم على إسرائيل - كما أسلفنا - وجوب عبور قواتها الى غرب القناة، فان الجنرال حاييم بارليف الذي كان يتولى القيادة فوجئ بأن الخطة التي عرضها لعبور قواته إلى الغرب قد قوبلت بمعارضة شديدة من بعض الوزراء والقادة العسكريين في أثناء اجتماع مجلس الحرب الذي رأسته جولدا مائير رئيسة الوزراء مساء يوم الجمعة 12 أكتوبر بتل أبيب. وكان السبب الأساسي في معارضة خطة العبور الإسرائيلي الى الغرب ترجع الى وجود حشد ضخم من المدرعات المصرية يزيد عن 400 دبابة على الضفة الغربي لقناة السويس، وهي عبارة عن فرقتين مدرعتين وفرقتي مشاة ميكانيكتين (الاحتياطي التعبوي للجيشين) مما كان يجعل عملية العبور الإسرائيلي الى غرب القناة عملية محفوفة بالمخاطر ولا تؤمن عواقبتها. وكاد قرار القيادة الإسرائيلية يصدر بتأجيل تنفيذ الخطة الى توقيت أكثر ملاءمة في المستقبل، وكاد الجنرال بارليف يجمع أوراقه لينصرف من المجلس بعد أن أصابه الاحباط ، لولا ذلك النبأ المثير الذي نقله الى مجلس الحرب أحد ضباط العمليات والذي قلب كل التقديرات رأسا على عقب، وهو بدء عبور القوات المدرعة المصرية إلى شرق القناة. وعلى ذلك تم الاتفاق على تأجيل تنفيذ عملية العبور الإسرائيلي الى الغرب إلى أن تقوم القيادة الجنوبية بصد الهجوم المصري المنتظر.
وكان الأمر الذي جد على الموقف على الجبهة المصرية هو ذلك القرار الخطير الذي اصدره الرئيس الراحل أنور السادات الى القيادة العسكرية بتطوير الهجوم شرقا صباح يوم 13 أكتوبر لتخفيف الضغط عن سوريا. وقد تم تأجيل الموعد 24 ساعة لكي يجري الهجوم صباح يوم 14 أكتوبر. ورغم معارضة الفريق سعد الشاذلي رئيس الأركان المصري وكذا اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثاني واللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث لهذا القرار الذي كان توقيته السليم قد فات، فقد أصر القائد العام الفريق أول أحمد إسماعيل على ضرورة تنفيذه استجابة لقرار القيادة السياسية.
وقد استغلت القيادة الإسرائيلية الموقف الاستراتيجي الذي غدت عليه القوات المصرية بعد عبور القوات المدرعة الى الشرق، والتي كانت تمثل الاحتياطي التعبوي للجيشين الثاني والثالث أحسن استغلال لكي تقوم بتنفيذ عملية العبور الإسرائيلي الى غرب القناة بنجاح تام، وساعدتها الظروف على ذلك بعد فشل عملية تطوير الهجوم المصري يوم 14 أكتوبر فشلا ذريعا، وبعد أن منيت القوات المدرعة المصرية بخسارة فادحة بلغت حوالي 250 دبابة في بضع ساعات دون أن تحقق أي هدف، وعجز قائدا الجيشين الثاني والثالث عن شن أي هجوم مضاد رئيسي على القوات الإسرائيلية التي عبرت الى غرب القناة نتيجة لعبور احتياطيهما التعبوي الى شرق القناة للقيام بعملية تطوير الهجوم الفاشلة.
الأهداف
كان التخطيط الاسرائيلي لعملية العبور يهدف في الدرجة الأولى الى تحويل انظار المصريين عما سوف يجري مساء يوم 15 أكتوبر في النطقة الحصينة متسميد (الدفرسوار) التي اختيرت لتكون مكان العبور، وكانت في الماضي أحد حصون خط بارليف.وقد سبق لمفرزة اقتحام من احدى كتائب اللواء 16 مشاة اقتحامها والاستيلاء عليها صباح يوم 9 أكتوبر. ولتحقيق ذلك الهدف بدأت غارات جوية اسرائيلية مركزة اعتبارا من الساعة الخامسة صباحا يوم 15 أكتوبر على رءوس كباري الجيش الثاني، خاصة رأس كوبري الفرقة 2 مشاة ورأس كوبري الفرقة 16 مشاة الذي كان يضم داخله أيضا وحدات الفرقة 21 المدرعة. وظلت الغارات الجوية مستمرة حتى قرب آخر ضوء ذلك اليوم. وقد أدى ذلك القصف الجوي المتواصل الى تأخير اعادة تجميع الفرقة 21 المدرعة كما كان مقررا من قبل، بعد معركة تطوير الهجوم التي اشتركت فيها في اليوم السابق مباشرة، وتكبدت خلالها خسائر كبيرة خاصة في الدبابات.
وتحت ساتر من التمهيد النيراني بالمدفعية هاجم اللواء المدرع بقيادة توفيا وسط ويسار الفرقة 16 مشاة من أجل توجيه انتباه الفرقتين 16 مشاة و21 المدرعة تجاه الشمال نحو الطريق الأوسط (طريق الطاسة-الاسماعيلية شرق). وعندما بدأت الهجمات الاسرائيلية تشتد في المساء على الجنب الأيمن للواء 16 مشاة ظل المصريون يعتقدون لأكثر من 24 ساعة أن الهدف الاسرائيلي الحقيقي كان طي الجناح الأيمن للجيش المصري، ولم يخطر على بال أحد ان هذه المعارك الشرسة المتصلة ضد اللواء 16 مشاة كان من ضمن اهدافها خداع المصريين عن حقيقة ما يجري في نقطة العبور بالدفرسوار على الشاطئ الشرقي للقناة، والتي لم تكن تبعد شرقا عن الحد الأيمن لقطاع هذا اللواء بأكثر من 3 كم.
وقد كان خلو النقطتين الحصينتين الدفرسوار وتل السلام من القوات المصرية (كانتا من ضمن حضون خط بارليف التي تم الاستيلاء عليها من قبل) من أهم العوامل التي ساعدت الجنرال شارون على تنفيذ جانب كبير من خطته في سهولة ويسر وبلا صعاب أو مشكلات، فقد أمكن للواء آمنون القيام بحركة التفاف عبر التلال الرملية بعيدا عن المحورين الرئيسيين للتقدم "أكافيش وطرطور"، وأمكنه الوصول الى حصن لاكيكان (تل سلام) على شاطئ البحيرة المرة الكبرى وعلى بعد 6 كم جنوب شرق الدفرسوار واعادة احتلاله ، ثم تقدم بعد ذلك شمالا على الطريق الملاصق للبحيرة والذي شقه الاسرائيليون من قبل لربط حصني الدفرسوار وتل السلام، وأطلقوا عليه اسم (طريق نهالا)،وعن طريق الثغرة التي تفصل ما بين شاطئ القناة والحد الأيمن لدفاعات اللواء 16 مشاة تم تسرب القوات الاسرائيلية الى النقطة الحصينة بالدفروسوار حيث قاموا باعادة احتلالها واستخدموا الساحة التي بجوارها، والتي سبق اعدادها لهذا الغرض منذ كان شارون قائدة للقيادة الجنوبية لتكون المعبر الذي تم عن طريقه عبور لواء المظلات بواسطة القوارب المطاطية، وعبور 30 دبابة من لواء حاييم فوق أطواف عائمة الى الضفة الغربية كما سبق أن ذكرنأز
وهكذا تم للقوات الاسرائيلية استخدام حصن الدفروسار ليكون المعبر الرئيسي لقواتهم الى الغرب، وكذا استخدام حصن تل سلام لحماية وتأمين الجناح الأيسر لمعبرهم عند الدفرسوار دون أن يبذلوا أي جهد أو يشتبكوا في أي قتال لتحقيق ذلك الهدف. ومما يثير الدهشة بقاء الحصنين الاسرائيليين السابقين من حصون بارليف بعد سقوطهما في أيدي المصريين دون احتلالهما بأي قوات أو على الأقل نسفهما وجعلهما غير صالحين للاستخدام، رغم أن التعلميات قد صدرت الى قادة الفرق المشاة بنسف جميع حصون خط بارليف التي تقع داخل قطاعات فرهم، وقد تم ذلك خلال المؤتمر الذي عقد في مركز القيادة المتقدم للجيش الثاني بالاسماعيلية صباح يوم 13 أكتوبر تنفيذا لأوامر القائد العام الفريق أحمد إسماعيل.
المزرعة الصينية
المعركة يأتي اسمها من موقعها: وهي محطة زراعية تجريبية على الضفة الشرقية لقناة السويس تغطي ما يقرب من 15 ميلا مربعا. خلال الخمسينات، أسست الحكومة المصرية محطة لدراسة إمكانية الري وزراعة المحاصيل في التربة الصحراوية القاحلة في شبه جزيرة سيناء. حفروا خنادق عميقة واسعة النطاق للري عبر المحطة، ومعدات الري الآلية كانت مستوردة من اليابان. تم التخلي تماما عن المشروع لبعض الوقت قبل عام 1967. استولت القوات الإسرائيلية على محطة في أثناء حرب 1967، لاحظ الإسرائيليون الأحرف على المضخات والآلات الأخرى وظنوا انها لأحرف صينية، لذا وصفت " بالمزرعة الصينية " على الخرائط العسكرية.
خلال حرب أكتوبر، استعيدت المحطة من قبل المصريين بواسطة عناصر من الجيش الثاني المصري. ترجع أهمية المحطة استراتيجيا لوقوع الطريق المؤدي إلى أبو طرطور على مرمى إطلاق النار من المزرعة.
التحضير للمعركة
كان استخدام المصريون عنصر المفاجأة مهما، مما أمكنهم من الاستيلاء على الضفة الشرقية لقناة السويس خلال الأيام الأولى من الحرب. هذه الخطة، التي تمت بالتنسيق مع سوريا والتي كان يطلق عليها اسم عملية بدر، فأصبح القتال مع إسرائيل على جبهتين، مما يمكّن السوريين من استعادة هضبة الجولان وغزو إسرائيل عبر غور الأردن، حيث أنه ليس من الحكمة عبور صحراء سيناء الضخمة لمهاجمة إسرائيل مما يعتبر من المستحيل. عزم المصريين على استعادة الأراضي التي فقدت خلال حرب 1967. على هذا النحو، فقد أعطوا أولوية لاستعادة الضفة الشرقية لقناة السويس، عمل شبكة واسعة للدفاع مكونة من صواريخ ماليوتكا المضادة للدبابات وسام 6 المضادة للطائرات، وجعل الاقتراب من الجبهة صعب في وجه الجيش الإسرائيلي. [1]
كانت ردة الفعل الإسرائيلية أمام المفاجئة المصرية بطيئة. ففي 8 أكتوبر 1973، أمر الجنرال شموئيل گونن، قائد الجبهة الجنوبية، بشن هجمات واسعة النطاق ضد الدفاعات المصرية الجديدة على الضفة الشرقية للقناة. كانت القوات المصرية على أهبة الاستعداد، وبالتالي أصبحت تشكيلات الدبابات الإسرائيلية هدفا سهلا للصواريخ بعيدة المدى المصرية. وسرعان ما تم صد الهجوم مما كبد الإسرائيليين خسائر فادحة. نتيجة الاحباط والحيرة بسبب فشله في اختراق خطوط القوات المصرية، أمر جونين، بوقف فوري لجميع الهجمات. صب هذا في مصلحة المصريين، لكسب الوقت لحلفائهم السوريين بتعطيل الدبابات إسرائيلية في معركة دفاع ثابت (صد الهجوم بدون محاولة كسب أرض).
كان جونين، لا يزال يعاني من عدم قدرته على كسر الخطوط المصرية وفشله في انقاذ المشاة المحاصرين على خط بارليف، مواصلا إضاعة الوقت في اجتماعات عقيمة دون وضع خطة جديدة. في 10 أكتوبر، تم استبداله بالجنرال حاييم بارلڤ. بارليف تم استدعاؤه إلى الجبهة ثانيا تاركاً موقعه كوزير للصناعة والتجارة والعمل بناء على طلب شخصي ومباشر من جولدا مائير، التي كانت على علم بالاحباط الذي أصاب جونين، مما استدعى استبداله في محاولة لمنع انخفاض الروح المعنوية.[2]
الخطة الإسرائيلية
كانت الخطوط العامة لخطة العبور الاسرائيلية تتلخص فيما يلي: • فرقة الجنرال شارون. وكان يطلق عليها اسم مجموعة العمليات رقم 143، وكانت تتكون من 3 ألوية مدرعة (300 دبابة) بقيادة العقداء آمنون ريشيف وتوفيا رافيف وحاييم آريز. وتم الحاق لواء مظلات عليها من أجل عملية العبور بقيادة العقيد داني مات. وكان لواء المظلات متمركزا من قبل في الاحتياط عند منطقة ممر متلا ويتبع القطاع الجنوبي الذي يتولى الجنرال كلمان ماجن قيادته. وقد أسندت الى فرقة شارون المهام الآتية:
1- انشاء رأس الكوبري، تقوم الفرقة بانشاء رأس كوبري على ضفتي قناة السويس ليلة 15/16 أكتوبر في منطقة الدفرسوار ، كما أن من واجبها اقامة جسرين على قناة السويس أحدهما سابق التركيب، والثاني من المعديات التي توصل ببعضها البعض، على أن يكون احدهما على الاقل جاهزا للاستخدام صباح يوم 16 أكتوبر. ويجري العبور في ساعة س بواسطة لواء المظلات في قوارب مطاطية منفوخة، وتعبر مع اللواء على معديات متحركة سرية الدبابات التي تم تدعيمه بها. كما تقو كتيبة مدرعة تابعة للواء حاييم بعبور القناة على معديات متحركة خلف لواء المظلات مباشرة وقبل انشاء الجسرين الثابتين. 2- مهمة التأمين شرق القناة: نظرا لأن الجناح الأيسر لرأس الكوبري مؤمن بالبحيرة المرة الكبرى لذلك يصير تأمين الجناح الأيمن شرقا لمسافة 4 كم من خط المياه وشمالا 4 كم من نقطة العبور عند الدفرسوار، أي حتى المنطقة شمال المزرعة الصينية (قرية الجلاء)، وفي نفس الوقت يتم تطهير المحورين الرئيسيين اللذين ستتحرك عليهما القوات والمعدات المخصصة للعبور وهما:
المحور الأول: محور أكافيش، وهو الذي نطلق عليه نحن طريق الطاسة تل سلام (تل سلام هو احدة نقاط خط بارليف الحصينة ، وكان الاسرائيليون يطلقون عليها اسم لاكيكان) وتقع على الشاطء الشرقي للبحيرة المرة الكبرى على بعد حوالي 6 كم جنوب شرق الدفرسوار، وقد أخلتها حاميتها دون قتال مساء يوم 8 أكتوبر. وتم للواء 16 مشاة (لواء الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة) دفع دورية استطلاع مساء يوم 12 أكتوبر، وقد قامت بتفيش النقطة فوجدتها خالية وعاد ومعها علم اسرائيلي بعد أن رفعت العلم المصري عليها. ورغم أهمية هذا الموقع الحيوي فلم تصدر أي اوامر باحتلاله لوقوعه في الثغرة التي تركتها القيادة العامة خالية بين الجيشين الثاني والثالث والتي تبلغ نحو 35 كم اعتمادا على تفكير تكتيكي خاطئ، وهو أن المسطح المائي للبحيرات المرة يعتبر مانعا طبيعيا لا يمن للعدو اجتيازه. وقد أعاد الاسرائيليون احتلال النقطة الحصينة في تل سلام يوم 15 أكتوبر، واعتمدوا عليها اعتمادا تاما في حماية وتأمين الجناح الأيسر لمعبرهم عند الدفرسوار.
المحور الثاني: محور طرطور وهو طريق قام الاسرائيليون بشقه وتمهيده قبل الحرب، ويمتد من الطريق العرضي رقم 2 الى النقطة الحصينة بالدفرسوار، وهي احدة حصون خط بارليف (كانت النقطة تتكون من موقعين محصنين على شاطئ القناة بينهما فاصل يبلغ نحو 500 متر، وكان الاسرائيليون يطلقون عليها اسم متسميد) وقد قامت باقتحامها والاستيلاء عليها مفرزة اقتحام من احدى كتائب اللواء 16 مشاة، في الساعة السادسة صباحا يوم 9 أكتوبر. وقد أنشئ طريق طرطور خصيصا لتحرك الكباري الضخمة والمعديات الى نقطة العبور في الدفرسوار باعتبارها احدى النقاط الملائمة التي تم للقيادة الجنوبية اختيارها قبل الحرب على خط المواجهة مع مصر في حالة التفكير في عبورها الى غرب القناة. ونظرا لان قطاع اللواء 16 مشاة كان يشرف بالنظر وبالنيران على اجزاء عديدة من محوري أكافيش وطرطور، كما يخترق الجزء الأخير من محور طرطور الدفاعات الأمامية لهذا اللواء لذلك كان أحد الأهداف الرئيسية لخطة تأمين معبر الدفرسوار وتطهير مجوري التقدم "أكافيش وطرطور" هو تدمير اللواء 16 مشاة واحتلال مواقعه الدفاعية أو على الأقل زحزحته شمالا حوالي خمسة كيلومترات ليتم اخلاء المنطقة حتى شمال قرية الجلاء من القوات المصرية (حتى المغذي الرئيسي).
مهمة التأمين غرب القناة: يقوم لواء المظلات معززا بكتيبة الدبابات من لواء حاييم بتوسيع رأس الكوبري غرب القناة في اتجاه الغرب حتى ترعة المياة الحلوة (ترعة السويس) كما يقوم بتوسيعه 4 كم شمال وجنوب نقطة الانزال حتى يصبح المعبر خارج مرمى الهاونات والصواريخ المضادة للدبابات.
• فرقة الجنرال إبراهام أدان (برن) التي كان يطلق عليها اسم مجموعة العملياة رقم 162 وكانت تتكون من 3 ألوية مدرعة (300 دبابة). وفي وقت مبكر يوم 15 أكتوبر تم سحب هذه الفرقة من منطقة عملها في القطاع الشمالي وتحركت على الطريق العرضي رقم 3 الى منطقة تجمع جنوب الطاسة. وعلى أثر تحرك فرقة برن الى الجنوب وتركها الخط الدفاعي تولت قوة القطاع الساحلي بقيادة العميد ساسون مسئولية القطاع الشمالي بأكملة، وأصبحت مسئولية خط المواجهة مع القوات المصرية مقسمة ما بين قوة ساسون في الشمال وفرقة ماجن في الجنوب، وتم ذلك على اثر اسناد مسئولية العبور الى فرقتي شارون وبرن. وكانت المهمة التي خصصت لفرقة الجنرال أبراهام أدان (برن) هي العبور صباح يوم 16 أكتوبر على الجسرين اللذين كلفت فرقة شارون بمهمة تركيبهما على القناة ليلة 15/16 أكتوبر . ووفقا للخطة كان على ألوية الفرقة المدرعة الثالثة بمجرد الوصول الى الشاطئ الغربي للقناة القيام باختراق الحاجز الزرعي وتدمير القوات المصرية بالمنطقة الواقعة بين ترعة الاسماعيلية شمالا وقناة السويس شرقا والى مدى 20 كم من خط المياة غربة وجبل عتاقة جنوبا، وتطهير الضفة الغربية للقناة البحيرة المرة. وكان على فرقة برن بعد ذلك تحقيق واجبين أساسيين: أولهما تدمير كتائب الصواريخ المصرية سام المضادة للطائرات في هذه المنطقة لاتاحة الفرصة للطيران الاسرائيلي للحصول على السيطرة الجوية فوق ميدان القتال. وكان الواجب الثاني هو تطوير الهجوم نحو الجنوب بحذاء قناة السويس واحتلال مدينة السويس، وبذا يتم عزل الجيش الثالث الميداني المتمركز شرق القناة عن خطوط مواصلاته تمهيدا لحصاره وتدميره. • فرقة كلمان ماجن التي يطلق عليها اسم مجموعة العمليات رقم 252، وتتكون من لواءين مدرعين ولواء مشاة ميكانيكي، وكان واجبها في المرحلة الأولى الاشتراك مع قوة ساسون في الشمال في شن هجمات قوية ومستمرة بالدبابات والمشاة الميكانيكية على طول المواجهة لتثبيت القوات المصرية في مواقعها الدفاعية وشغلها عما يجري في منطقة الدفرسوار ، وبمجرد أن تنجح قوات الجنرال شارون في اقامة الجسرين على القناة وتأمين ممر العبور عند الدفرسوار الذي يبلغ 4 كم شمالا وجنوبا وشرقا من موضع الجسرين، تحل محل فرقة شارون في المحافظة على سلامة وتأمين المعبر وبقائه مفتوحا الى الشرق. ووفقا للخطة كان على فرقة شارون بعد اخلائها من مهمتها العبور بعد ذلك الى الشاطئ الغربي للقناة، والتحرك في اتجاه الجنوب لحماية مؤخرة فرقة دان والاشتراك معه في تنفيذ المهام المسندة الى فرقته.
ولكن خطة العبور التي وضعت بمعرفة القيادة الجنوبية لم يتم تنفيذها وفقا للمهام التي خصصت أو بالمراحل التي حددت. فقد أثبتت الوقائع أن الخطة قد صيغة في جو من التفاؤل الفرط، وعلى افتراض أن كل الأمور سوف تمضي بسهولة ويسر دون أي عقبات أو صعاب، وأن المقاومة المصرية على الشاطئ الشرقي للقناة ستكون ضعيفة بما يسمح بتأمين منطقة العبور وفتح محوري التقدم (أكافيش وطرطور) وتركيب الجسرين على القناة في المواعيد المحددة، كما أن تطهير الضفة الغربية للقناة من حد ترعة الاسماعيلية شمالا واحتلال مدينة السويس جنوبا لن يتعدى يوم 18 أكتوبر.. وقد اختلف الأمر تماما عند القيام بتنفيذ الفعلي للخطة. فكما سوف نرى حدثت تعديلات كبيرة في الخطة وبلغت الصعاب والمشكلات الحد الذي جعل القادة الاسرائيليون المسئولين في مساء يوم 16 أكتوبر يفكرون جديا في الغاء العملية بأسرها واصدار الأوامر الى قوات المظلات والمدرعات التي عبرت بالعودة مرة ثانية الى الشاطئ الشرقي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
خطة شارون
يتضح من خطة العبور الإسرائيلية أن العبء الرئيسي لعملية العبور قد ألقى على عاتق الجنرال أريل شارون. فقد أسندت الى فرقته اخطر مهمتين في العملية بأسرها، وهما اقامة رأس كوبري على ضفتي القناة في منطقة الدفرسوار، ثم القيام بمهمة تأمينه سواء على الشاطئ الشرقي للقناة أو على شاطئها الغربي. وكان تأمين الشاطئ الشرقي يستدعي تطهير المحورين الرئيسيين اللذين ستتحرك عليهما القوات والمعدات المخصصة للعبور، وهما محور أكافيش (طريق الطاسة تل سلام) ومحور طرطور، وهو طريق شقه ومهده الاسرائيليون قبل الحرب ليربط بين الطريق العرضي رقم 2 ونقطتهم الحصينة في الدفرسوار.
وكانت هذه المهمة تستلزم ان تكون المنطقة شمال نقطة الدفرسوار – التي تم اختيارها لتكون نقطة العبور الى الغرب – خالية من القوات المصرية الى مسافة لا تقل عن 5 كم شمالا لتأمين معبر الدفرسوار من نيران الأسلحة الصغيرة والهاونات والصواريخ المضادة للدبابات. هذا بالاضافة الى أن موقع اللواء الأيمن للفرقة 16 مشاة كانت تسيطر بالنيران على أجزاء عديدة من محوري التقدم، كما أن الجزء الأخير من طريق طرطور الدفرسوار كان يخترق الدفاعات الأمامية لقطاع اللواء 16 مشاة (اللواء اليمين للفرقة 16 ) ، ولتحقيق ذلك الغرض اضطرت قوات شارون المدرعة الى خوض أعنف الاشتباكات الدموية التي شهدتها هذه المرحلة من الحرب مع القوات المصرية التي كانت متمركزة في قطاع هذا اللواء ومع قوات من الفرقة 21 المدرعة فيما عرف باسم معركة المزرعة الصينية (قرية الجلاء)، التي اعترف الاسرائيليون بأنها كانت من أشرس المعارك التي خاضوها خلال الحرب، وأن خسائرهم فيها كانت فاحدة، كما سيرد بالتفصيل عند شرحنا لهذه المعارك. وعلاوة على مهمة تأمين المعبر شرق القناة كان من واجب شارون أيضا تأمين نطقة الانزال غرب القناة بتقدم قواته غربا للاستيلاء على المعابر التي على ترعة المياه الحلوة وتوسيع رأس الكوبري 4 كم شمالا وجنوبا.
وكان الحلم الذي طالما داعب خيال الجنرال شارون منذ بداية الحرب، هو تنفيذ المشروع الذي وضعه منذ كان قائدا للقيادة الجنوبية، وهو عبور القوات الاسرائيلية قناة السويس الى الغرب. وقد بذل محاولات عديدة في المرحلة الأولى من الحرب لاقناع رئيس الأركان العامة ووزير الدفاع بتنفيذ هذا المشروع الذي كان يرى أنه الطريق الوحيد أمام الجيش الاسرائيلي لانتزاع المبادأة من المصريين واستعادة حرية الحركة والقدرة على المناورة بعد أن أصبح مكبلا بأغلال الحرب الثابتة التي فرضها عليه المصريون بعد أن تم تخندقهم واستقرارهم في تحصيناتهم المنيعة داخل رءوس الكباري شرق القناة.وعندما بدأت العجلة تدور للاعداد لخطة العبور وبدأت الجسور والمعديات ومعدات العبور تتجمع في القطاع الأوسط الذي يتولى شارون قيادته بناء على أوامر القيادة الجنوبية يوم 13 أكتوبر، أصبح شارون يتطلع بلهفة الى اللحظة التي ستبدأ فيها عملية العبور التي عقد عليها كل آماله. وفي الاجتماع الذي عقد بمقر القيادة الجنوبية في الساعة الحاية عشرة مساء يوم 14 أكتوبر، تلقى الجنرال شارون الاوامر التفصيلية بشأن المهمة التي أسندت الى فرقته ضمن الخطة العامة للعبور.
وعقب اجتماعه مع مساعدين في مركز قيادته المتقدم في الطاسة، وضع شارون الخطة الخاصة بفرقته، وكانت تتخلص فيما يلي:
1- اللواء المدرع بقيادة توفيا: يقوم في الساعة الخامسة مساء يوم الاثنين 15 أكتوبر بهجمات خداعية بكتائبه المدرعة على وسط ويسار رأس كوبري الفرقة 16 مشاة لتثبيت المواقع المصرية من جهة، ولجذب انتباه الفرقتين 16 مشاة و21 المدرعة الى اتجاه الطريق الأوسط (الطاسة-الاسماعيلية شرق) من جهة أخرى. وفي نفس الوقت لتحويل أنظار المصريين عن موقع العبور في الدفرسوار جنوب رأس كوبري الفرقة 16 مشاة. 2- اللواء المدرع بقيادة آمنون: نظرا لضخامة مسئولية هذا اللواء في خطة العبور، فقد تم تعزيزه بكتيبة مدرعة من لواء توفيا وبكتيبتين مشاة ميكانيكيتين لتصبح قوته 4 كتائب مدرعة و3 كتائب مشاة ميكانيكية علاوة على كتيبة استطلاع الفرقة. ويقوم هذا اللواء في الساعة السادسة مساء يوم 15 أكتوبر بحركة التفاف جنوب طريق أكافيش (الطاسة تل سلام) عبر التلال الرملية للوصول الى الحصن المهجور لاكيكان (تل السلام) على شاطئ البحيرة المرة الكبرى وعلى بعد حوالي 6 كم جنوب شرق الدفرسوار، ويتقدم اللواء بعد ذك شمالا بحذاء شاطئ البحيرة للاستيلاء على حصن متسميد (الدفرسوار) الذي كان أيضا خاليا من القوات المصرية ويتم التسلل اليه من الثغرة التي بين الحد الأيمن لدفاعات اللواء 16 مشاة وبين قناة السويس
وفور الوصول الى نقطة العبور في الدفرسوار، تنقسم قوة آمنون الى ثلاث مجموعات: • كتيبة مدرعة تتجه نحو الشمال الشرقي على طريق أكافيش لتطهيره من أي قوات مصرية وتأمين هذا الطريق لتقدم لواء المظلات بقيادة داني مات عند تحركه من الطاسة الى الدفرسوار. • مجموعة من 3 كتائب مدرعة بقيادة العقيد آمنون تقدم بتطهير طريق طرطور ومهاجمة الجنب الأيمن للجيش الثاني (اللواء 16 مشاة) وارغامه على الارتداد شمالا لتوسيع ممر العبور والاستيلاء على المزرعة الصينية (قرية الجلاء) وتحويل أنظار القيادات المصرية عن عملية العبور التي تجرى في جنوب رأس كوبرى الفرقة 16 مشاة. • مجموعة من 3 كتائب مشاة ميكانيكية في عربات نصف جنزير في الاحتياطي بالقرب من معبر الدفرسوار. • كتيبة استطلاع الفرقة تتولى تأمين الساحة التي تحيط بمنطقة العبور الى حين وصول لواء المظلات. • مجموعة من 3 كتائب مشاة ميكانيكية في عربات نصف جنزير في الاحتياطي بالقرب من معبر الدفروسوار.
وبعد نجاح لواء آمنون في تحقيق المهام الموكولة اليه، يعبر اللواء الى الضفة الغربية على الكباري التي سيتم تركيبها ويسلم مهمة تأمين رأس الكوبرى شرق القناة الى لواء توفيا.
3- اللواء المدرع بقيادة حاييم: تقوم كتيبة مدرعة من هذا اللواء بجر أجزاء الكباري (الكوبري السابق التجهيز وكوبري المعديات) من يوكون الى الدفرسوار. وعقب عبور لواء المظلات قناة السويس في القوارب المطاطية تعبر خلفه مباشرة الى الضفة الغربية كتيبة مدرعة من هذا اللواء على معديات متحركة. 4- لواء المظلات بقيادة العقيد داني مات: يتقدم هذا اللواء وهو معزز بسرية دبابات على طريق أكافيش وتتولى فتح هذا الطريق أمامه كتيبة مدرعة من لواء آمنون. وعند اقترابه من القناة يتحرك غربا خارج الطريق وتيجه الى حصن متسميد (الدفرسوار)، ويقوم اللواء بعد ذلك بعبور قناة السويس الى الضفة الغربية في القوارب المطاطية التي ستسلم له.
خطة التضليل
كانت البلاغات التي انهمرت على قيادة الجيش الثاني في صباح يوم 16 أكتوبر 1973 والتي اتسمت بعدم الدقة والتضارب، تشير الى أن عددا محدودا من الدبابات الاسرائيلية قد عبر الى الضفة الغربية للقناة. وكان البلاغ الذي كان من المفترض أن تعول قيادة الجيش عليه لصدوره عن الفرع المسئول عن جمع المعلومات عن العدو وهو فرع الاستطلاع بالجيش يشير بدوره الى وجود خمس دبابات اسرائيلية برمائية في مطار الدفرسوار. وحدث في هذا الوقت الذي كان يوجد فيه بمنطقة الدفرسوار غرب القناة لواء مظلات اسرائيلي كامل وحوالي 30 دبابة وعدد من العربات المدرعة نصف جنزير.
وكان القصور الشديد في أسلوب الاستطلاع والعجز الواضح في الحصول على المعلومات الصحيحة عن العدو الذي يعد من صميم عمل جهاز المخابرات الحربية في الميدان وكذا أفرع الاستطلاع في قيادة الجيش الثاني والتشيكلات التابعة له، سببا في تضليل القيادات المحلية في قطاع الجيش الثاني، ثم على مستوى القيادة العامة في القاهرة عن حقيق الأعمال القتالية التي كان يجريها العدو وقتئذ، مما جعل الانطباع يسود بين هذه القيادات بأن الدبابات الاسرائيلبية التي شوهدت والتي تم التبليغ عنها ليست سوى اغارة اسرائلية جريئة قصد منها احداث أكبر قدر من البلبلة والازعاج في صفوف القوات المصرية في هذه المنطقة كنوع من أنواع الحرب النفسية، وأن القوة الاسرائيلية المغيرة لن تلبث أن تعود أدراجها الى الضفة الشرقية قبل أن تتعرض لخطر الابادة أو الأسر.
ونتيجة للتهوين المستمر من جانب القيادات المحلية بشأن حجم ومهمة القوة الاسرائيلية المغيرة، لم يخطر على بال أحد في قيادة الجيش الثاني أو القيادة العامة بالقاهرة أن ما يجري من وراء ظهورهم في الدفرسوار هو عملية حربية واسعة النطاق لاقامة رأس كوبري على ضفتي القناة، وأنه لن يمر سوى وقت قصير حتى تعبر من خلال معبر الدفرسوار ثلا فرق مدرعة اسرائيلية كاملة الى الضفة الغربية للقناة.
ومن الثابت أن المعلومات عن وجود دبابات اسرائيلية في منطقة الدفرسوار غرب القناة قد وصلت من قيادة الجيش الثاني الى القيادة العامة في المركز 10 بالقاهرة في صباح يوم 16 أكتوبر. ورغم أن البلاغات كانت مطمئنة ولا تثير أي ازعاج على اعتبار أن القيادات المحلية قادرة على القضاء على هذه القوة الصغيرة للعدو، فان اللواء 23 المدرع ( من الفرقة 3 مشاة ميكانيكية باحتياطي القيادة العامة ) والذي كان متمركزا بالقاهرة تلقى أمرا انذاريا من هيئة العمليات برفع درجة استعداده وأن يكون جاهزا للتحرك الى قطاع الجيش الثاني بالقناة في ظرف ساعة من صدور الأمر اليه.
والأمر الذي يثير التساؤل هو أنه رغم وصول التبليغات عن وجود قوة اسرائيلية غرب القناة الى القيادة العامة ورغم استنفار اللواء 23 المدرع للاستعداد للتحرك، فان أكبر مسئولين عن الحرب في مصر – وهما رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسحلة – لم يتم ابلاغهما على الفور بذلك النبأ المثير. فقد ثبت من أقوال الرئيس الراحل السادات والفريق أول أحمد إسماعيل أنهما حضرا جلسة مجلس الشعب التي عقدت ظهر يوم 16 أكتوبر والتي ألقى خلالها السادات خطابه الشهير الذي أعلن فيه شروط مصر لوقف اطلاق النار دون أن تصلها قبل حضور الجلسة أي معلومات عن وجود دبابات اسرائيلية غرب قناة السويس.
وفي حديث صحفي للفريق أول أحمد اسماعيل مع الأستاذ محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام في ذلك الوقت وكان تاريخ الحديث هو 18 نوفمبر 1973، أكد أحمد اسماعيل أنه لم تصله شخصيا أي معلومات عن عبور العدو الى غرب القناة الا بعد عودته من مجلس الشعب. وكانت المعلومات التي وجدها في انتظاره – كما ورد في حديثه – تشير الى تسلل أعداد صغيرة من الدبابات البرمائية الاسرائيلية الى غرب القناة، وكان تقدير القيادات المحلية ان القضاء عليها بسرعة أمر ممكن. وعدد الفريق أول اسماعيل ضمن حديثه أسباب اهتزاز الصورة أمامه خلال عملية العبور الاسرائيلي الى غرب القناة. وكان من ضمن هذه الأسباب التي ذكرها، أن خلالا في وصول المعلومات قد جرى نتيجة لتبادل المسئوليات في بعض القيادات نظرا لظروف طارئة – وكان القائد يعني بلا شك ذلك التغيير المؤثر الذي جرى في قيادة الجيش الثاني.
العملية أبيراي-لـِڤ
- مقالة مفصلة: عملية ذوي القلوب اليقظة
وفقا للخطة المرسومة للعبور الإسرائيلي، اختيرت العملية أبيراي-لـِڤ (وتعني بالعبرية "ذوي القلوب الشجاعة")، والتي تهدف لعبور القوات الإسرائيلية لنقطة بالقرب من الدفرسوار، على الضفة الشرقية لقناة السويس. وقام الإسرائيليون بفتح طريق رئيسي للدفروسوار وتأمين ممر يمتد بطول 5 كيلو متر (3.1 ميل) شمال نقطة العبور (يعرف باسم "الثغرة"). ومن ثم يقوم المظليون والقوات المدرعة بعبور القناة لتأسيس رأس جسر بعمق 5 كيلو متر (3.1 ميل)، ليتم بعدها وضع الجسور، ويجهز جسر واحد على الأقل للاستخدام بحلول صباح 16 أكتوبر. عندئذ يعبر الإسرائيليون للضفة الغربية للهجوم على المنطقة الجنوبية والغربية، وتحقيق الهدف النهائي للمعركة عند وصولهم السويس، بهدف حصار الكتيبتين المصريتين على الضفة الشرقية بشكل نهائي. خصصت القيادة الإسرائيلية 24 ساعة لوضع رأس الجسور، و24 ساعة لوصول الإسرائيليين للسويس، لتصبح المدينة تحت سيطرة القوات الإسرائيلية يوم 18 أكتوبر على أقصى تقدير. وسرعان ما ظهر فيما بعد خروج التنفيذ العملي للعملية عن التخطيط الذي وضع لها، وأن الجداول الزمنية كانت غير واقعية ومتفائلة للغاية.[3][4][5]
بدأت الاستعدادات الإسرائيلية لعبور قناة السويس منذ مساء الخميس 11 أكتوبر. ففي خلال المؤتمر الذي انعقد في المركز المتقدم للقيادة الجنوبية برئاسة الجنرال حاييم بارليف وحضره قادة الفرق المدرعة الثلاث ورؤساء أفرع القيادة، تم الاتفاق على اقتراح الجنرال جونين باختيار منطقة الدفرسوار (مكان دخول قناة السويس الى البحيرة المرة الكبرى) لتكون مكانا للعبور الى الضفة الغربية للقناة نظرا لما يحققه هذا الموقع من مزايا عديدة. وفي يوم الجمعة 12 أكتوبر وفي الوقت الذي انهمك فيه الجنرال جونين ورؤساء أفرع القيادة الجنوبية في وضع التفصيلات الدقيقة لخطة العبور، انتقل الجنرال حاييم بارليف بطائرة هليكوبتر الى تل ابيب للحصول على تصديق رئاسة الأركان العامة على الخطوط الرئيسية للخطة. ونظرا لحدوث خلافات في وجهات النظر بين كبار القادة العسكريين ولتردد وزير الدفاع موشي ديان طلب رئيس الأركان دعوة مجلس الحرب للاجتماع. وخلال اجتماع المجلس الذي رأسته جولدا مائير رئيسة الوزراء واجهت خطة العبور معارضة حادة من بعض الوزراء وبعض القادة العسكريين وبخاصة الجنرال تال نائب رئيسي الأركان، فقد كانوا يقدرون خطورة القيام بعملية العبور الاسرائيلية الى الغرب في وجود فرقتين مدرعتين مصريتين وفرقتين مشاة ميكانيكيتين ومجموعات من الصاعقة بمجموع من الدبابات يصل الى حوالي 400 دبابة تتمركز كلها على الضفة الغربية لقناة السويس. وعندما بلغ الحاضرين خلال الاجتماع النبأ المثير وهو بدء عبور القوات المدرعة المصرية الى شرق القناة تم الاتفاق على تأجيل اتخاذ القرار النهائي الى حين ان تقوم القيادة الجنوبية بصد الهجوم المصري المنتظر أولا.
وفي يوم السبت 12 أكتوبر صدرت أوامر القيادة الجنوبية بتجميع جميع معدات العبور الموجودة في أماكن مختلفة في سيناء في القطاع الأوسط الذي يتولى قيادته الجنرال شارون ، وكلف المهندسون بتركيب أجزاء الجسر الذي سيتم القاؤه في قناة السويس عند الدفرسوار ليربط بين الشاطئين، وخصصت كتيبة مدرعة من لواء حاييم (من فرقة شارون) للتدريب على المهمة التي ستقوم بها دباباتها عند اصدار قرار العبور، وهي جر هذا الجسر السابق التركيب من يوكون إلى اتجاه نقطة العبور بالدفرسوار (تقع يوكون في منتصف المسافة بين الطاسة والطريق العرضي 2). وعلى أثر فشل المصريين في عملية تطوير الهجوم يوم الأحد 14 أكتوبر أصدر الجنرال دافيد أليعازر رئيس الأركان العامة الإسرائيلي أمرا الى القيادة الجنوبية بالاستعداد لتنفيذ عملية عبور قناة السويس – وفقا للخطة الموضوعة ليلة 15/16 أكتوبر، حضر الجنرال أليعازر اجتماعا للحكومة الاسرائيلية في تل أبيب حيث قام بشرح الخطة العامة لعبور القناة الى الضفة الغربية في منطقة الدفرسوار، وعرض المكاسب الكبيرة التي ستجنيها إسرائيل بعد نجاح العبور من الناحيتين العسكرية والسياسية، وفي نفس الوقت الانهيار المتوقع حدوثه في القوات المصرية شرق القناة عندما يرون القوات الاسرائيلية تعمل على حطوط مؤخرتهم غرب القناة. وانتهى الاجتماع بعد مناقشات طويلة اشترك فيها معظم الوزراء بالتصديق على قرار العبور. وفي الساعة الحادية عشرة مساء يوم 14 أكتوبر، عقد اجتماع بغرفة عمليات القيادة الجنوبية برئاسة الجنرال حاييم بارليف حضره الجنرال جونين ونائبه يوري بن آري وقادة الفرق المدرعة الثلاث ورؤساء أفرع القيادة الجنوبية. وكان الغرض من الاجتماع اصدار الأوامر التفصيلية لقادة الفرق لتنفيذ خطة عبور قناة السويس من الشرق الى الغرب عند منطقة الدفرسوار ليلة 15/16 أكتوبر 73. وقد أطلق على هذه الخطة الاسم العبري abiray lev وترجمته الصحيحة باللغة العربية هي (القلب الشجاع). ام الاسم الكودي الغزالة الذي اقترن بهذه العملية وأصلح علما عليها فيرجع الى خطأ الترجمة من اللغة العبرية الى الانجليزية وقع فيه أحد مراسلي وكالات الأنباء الغربية. وشاع هذا الاسم الخاطئ بعد ذلك في كل مكان حتى أصبح يتردد في مؤلفات معظم المؤرخين والمحللين العسكريين.[6]
نسق المعركة
كُلف الجنرال أريل شارون قائد الفرقة 143 مدرعة باستكمال المهام الخطرة لفتح الممرات ومد الجسور. وكانت كتيبته تضم لواء 600 مدرع بقيادة توڤيا راڤيڤ المدرع، لواء 14 مدرع بقيادة العقيد أمنون رشـِف، ولواء حايم بقيادة العقيد حايم إريز. وكُلفت الكتيبة 162 المدرعة بقيادة الجنرال أبراهام أدان، بعبور القناة وفرض طوق على القناة بقوتها المقدرة ب300 دبابة. وكانت الكتيبة تضم اللواء المدرع 217 بقيادة العقيد ناتكه نير، واللواء المدرع 460 قيادة العقيد گابي أمير، واللواء 500 مدرع بقيادة اللواء أريح كـِرن. وكان على لواء المظلات نقل كتيبة أدان أثناء المعركة. وتقوم الكنيبة 252 مدرعة بقيادة كلمان ماگن بشن هجمات تضليلية واسعة النطاق على الخطوط المصرية لصرف الانتباه عن العمليات العسكرية التي يقوم بها شارون في الدفرسوار. بعدئذ، سوف تقوم الكتيبة بتأمين الممر وإنشاء رؤوس الجسور.[7]
قامت القوات المصرية بالتشكل في الجهة الجنوبية للجيش الثاني الميداني. وكانت هذه الوحدات تابعة للكتيبة 21 المدرعة بقيادة اللواء ابراهيم العرابي والكتيبة 16 مشاة بقيادة اللواء عبد الرب عبد النبي حافظ. بالإضافة لكونه قائد الفرقة، فقد قاد حافظ داخل رأس جسر الفرقة، والتي تضم الكتيبة 21 مشاة. كانت وحدة العرابي تضم اللواء الأول مدرع، بقيادة العقيد سيد صالح، اللواء 14 المدرع بقيادة اللواء عثمان كامل، اللواء 18 الميكانيكي بقيادة اللواء طلعت مسلم. وكانت الكتيبة 16 مشاة بقيادة اللواء حافظ تضم اللواء 16 مشاة بقيادة العقيد عبد الرب عبد السميع، بالإضافة للكتيبة 116 مشاة والكتيبة 3 الميكانيكية.[8]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
موقع المعركة ونشر القوات
كان هناك طريقان للوصول إلى الدفرسوار. الطريق الأول هو طريق الطاسة-تل سالم، واسمه الكودي بالعبرية أكاڤيش. وكان هذا الطريق يوصل لطريق المدفعية (ويمتد من الشمال إلى الجنوب على طول 15 كيلو متر جشرق القناة) إلى طريق طريق المرشدين (ويمتد من الشمال إلى الجنوب حتى شرق القناة مباشرة). ويؤدي تقاطع طريق المرشدين-أكاڤيش إلى تل سالم، بالقرب من GBL وعلى بعد 6 كم جنوب الدفرسوار، حيث يقع حصن لاكيكان (جزء من خط بارلـِف). أما الطريق الثاني، واسمه الكودي تيرتور، ويمتد شمال أكاڤيش. ويصل أيضا ما بين طريقي المدفعية وطريق المرشدين، ولكنه كان يعتبر طريقا مباشرا للوصل إلى "الثغرة". يؤدي تقاطع طريق المرشدين-طرطور إلى حصن ماتزامد. هذان الحصنان، ويتكونا من نقطتين قويتين تبعدان 500 متر، تم احتلالهما بواسطة قوة هجومية صغيرة في 9 أكتوبر بينما تم إخلاء حصن لاكيكان بدون قتال في 8 أكتوبر. ترجع أهمية الحصنين في إشرافهما على تقاطعات المرشدين-أكاڤيش والمرشدين-طرطور. ويقع كلا منهما في المنطقة العازلة التي تمد بطول 35 كم، والتي يقع معظمها خارج مرمى صواريخ صام المصرية. وبالتالي فلم تحتل القوات المصرية تلك الحصون حيث لم يعمل القادة المصريون على توسيع الخطوط الدفاعية جنوباً. وساعد اهمال المصريين احتلال تلك الحصون، الإسرائيليين أثناء عملية ذوي القلوب الشجاعة.[9][10]
وتقع قرية الجلاء شمال تقاطع طريق المرشدين-طرطور مباشرة. قبل حرب 1967 كانت القرية موقع لمشروع زراعي. وانشئ في تلك القرية عدة قنوات للري وآلات زراعية متخصصة يابانية الصنع. بعدما أصبحت سيناء تحت الاحتلال الإسرائيلي، اعتقد الجنود أن الحروف اليابانية المكتوبة على الآلات، هي حروف صينية، ولذلك سميت بالمزرعة الصينية في الخرائط العسكرية الإسرائيلية ومن بعدها الخرائط الغربية. وإلى الشمال والشمال الغربي من المزرعة الصينية توجد مجموعة تلال أطلق عليها الإسرائيليون الاسم الكودي "ميسوري".[11][12] أثناء العملية بدر، سقطت قرية الجلاء والمزرعة الصينية في الموقع المختار ليصبح رأس الجسر الإسرائيلي، وفيه كانت تتمركز الفرقة 16 مشاة التي دافعت عنهما.[13][14] بعد العبور المشترك الذي قام به اللواء بالاشتراك مع باقي الفرقة، قام لواء راڤيڤ بمهاجمتهم في 9 أكتوبر. في البداية حقق الإسرائيليون بعض المكاسب الأولية، لكنه سرعان ما تصدت لهم القوات المصرية في نهاية اليوم.[15] وفي 13 أكتوبر كانت الفرقة 21 تقع داخل منطقة رأس جسر الفرقة 16 مشاة. وكانت أماكن تمركز الوحدات في وسط وشمال رأس الجسر. وشاركت أيضا الكتيبتان 14 و1 في عملية العبور، وفي الهجوم على القوات الإسرائيلية في 14 أكتوبر؛ ونتيجة لذلك فقدت نصف دباباتها. بعد ذلك، بدأ اللواء العرابي قائد الفرقة 21 في اعادة تنظيم قواته وتعويض ما فقده من مدرعات، التي دمرتها الغارات الجوية وضربات المدفعية الإسرائيلية. في 15 أكتوبر تواجدت 136 دبابة في رأس الجسر المصري، كانت مقسمة بين ألوية عرابي، حيث يضم اللواء الأول مدرعات 66 دبابة، اللواء 14 مدرعات ويضم 39 دبابة، اللواء 18 ميكانيكي ويضم 31 دبابة. وبالرغم من الخسائر الفادحة التي مُنيت بها القوات المصرية في منطقة رأس الجسر الإسرائيلي، إلا أن تلك القوة المصرية فاقت عديد قوة رشف.[4][13][16]
في الساعات الأولى من يوم 15 أكتوبر تحركت فرقة أدان من مواقعها في الشمال إلى منطقة التجمع غرب الطاسة، استعدادا للعبور إلى الضفة الغربية. وكانت فرقة شارون تتواجد وسط القطاع منذ وصولها إلى الجبهة في سيناء في 13 أكتوبر، وبحوزتها معدات العبور والكباري. وكان المقر الرئيسي لشارون في الطاسة على بعد 40 كم شرق القناة.[17]
الخطة الإسرائيلية والمناورات الأولى
بعد صدور الأوامر الأخيرة من بارلـِڤ في 14 أكتوبر، توجه شارون إلى مقر قيادته للتحضير للعملية. وكانت فرقته تضم لواء راڤيڤ، اللواء 14 مدرع بقيادة أمنون رشـِف، لواء حاييم برئاسة الكولونيل حاييم إريز. وألحقت بفرقته الكتيبة 243 مظلات بقيادة الكولونيل داني مات.[17][18]
كانت خطة شارون أن تقوم لواء راڤيڤ بالهجوم من الشرق، ليصرف انتباه المصريين عن الدفروسوار. وكُلف إريز بنقل الجسور الجرارة إلى منطقة العبور في الدفرسوار، بينما تنضم احدى كتائب الدبابات في لواءه إلى المظليين. وأوكل للكولونيل رشـِف أكثر المهمات خطورة. وتم تعزيز لواءه بدمج أربع كتائب مدرعة وثلاث كتائب مشاة ميكانيكية، بالإضافة إلى the division's reconnaissance battalion بقيادة الكولونيل ياؤوڤ بروم. وكان على لواؤه القيام بمناورة في الساعة السادسة صباحا يوم 15 أكتوبر جنوب طريق أكاڤيش، ثم تتحرك على الكثبان الرملية لتصل إلى حصن لاكيكان، قبل أن تتحرك شمالا لاحتلال حصن مازماد. بعد ذلك سينفصل لواء رشـِف ليؤمن طريقي أكاڤيش وطرطور ويحتل المزرعة الصينية، في الوقت الذي تترك فيه مهمة احتلال منطقة العبور للواء مات.[19][20]ويتكون لواء مظلات مات من سرية دبابات وكتيبة مدرعات إضافية، والذي يجب أن يتحرك إلى المنطقة الجنوبية الغربية عن طريق أكاڤيش للوصل إلى حصن ماتزمـِد. ومن هناك يستمر في التحرك وصولا إلى الثغرة ثم يعبر القناة في الساعة الحادية عشر صباح بواسطة القوارب المطاطية والأطواف لنقل الدبابات.[20][21]
بدأ لواء مات في التحرك إلى الطاسة في الرابعة والنصف صباحا يوم 15 أكتوبر، قبل التوجه غربا للوصول إلى أكاڤيش.[note 1] وكان الطريق مزدحم بصورة كبيرة وكانت الدبابات تتقدم ببطء شديد. وبعد منتصف الليل بقليل غادر اللواء أكاڤيش ناحية الغرب متجها إلى الثغرة، وسط مساحة طولها 700 متر وعرضها 150 متر تحيط بها الحوائط الرملية الواقية. وكان الموقع قد تم تجهيزه قبل أعوام من حرب أكتوبر.[24]
قام لواء رشـِف بالالتفاف حسب الخطة الموضوعة، ليدخل إلى الثغرة المستهدفة بدون أي مقاومة من القوات المصرية. تاركا قوات المظلات والمدرعات عند القناة، وأرسل دباباته إلى الشمال والغرب لتأمين جناحي موقع العبور وتأمين طريقي أكاڤيش وطرطور من الخلف استعدادا لوصول الجسور الجرارة المفككة. ثم قام رشـِف باحتلال حصني لاكيكان وماتزمـِد بدون أي مقاومة تذكر. أخبر رشـِف شارون بأن الحصون تحت السيطرة وبتأمين أكاڤيش. قام شارون بدورن بارسال أخبار الانتصارات التي حققها رشـِف إلى القيادة الجنوبية مما نشر موجة من السعادة بين صفوف القادة الإسرائيليين، مبشرا أن العملية تسير بسلاسة حتى الآن.[25][26]
المعركة
أُخبر مات بأن منطقة العبور والمناطق المحيطة بها أصبحت خالية من القوات المصرية، لكنه أصدر أوامره بحذر، لسرية دباباته بالانتشار على تقاطع طريق المرشدين-طرطور لمواجهة أي تحركات من قبل القوات المصرية تجاه موقع العبور، والذي يبعد 800 متر جنوب تقاطع الطرق. تم تدمير سرية الدبابات بعد انتشارها مباشرة بواسطة المدفعية المصرية التابعة للواء 16 مشاة. ولم يعلم مات بمصرع قائد السرية وجرح معظم رجالها. في الوقت نفسه، فتح بطاريات المدفعية الإسرائيلية نيرانها على موقع الإنزال على الضفة الغربية، وتم إنزال حوالي 70 طن من القذائف والذخائر. في الواقع، فإن الضفة الغربية كانت خالية من القوات المصرية.[24][27] وبدأ العبور فعليا في الساعة 1:35 صباحا، واستغرقت عملية العبور أكثر من خمس ساعات بالإضافة للوقت الذي كان محددا لها في الخطة. في التاسعة صباحا، عبر 2000 فرد من المظليين، بالإضافة إلى كتيبة تضم 30 دبابة. شن الإسرائيليون غارات جوية على مواقع صواريخ سام المصرية على الضفة الغربية، بينما نجحوا في تأمين رأس جسر على عمق 4 كيلو متر بدون أي مقاومة.[28][29]
بدأ لواء توڤيا راڤيڤ بشن هجمات التضليلية على رأس جسر الفرقة 16 مشاة المصرية في الساعة الخامسة مساء 15 أكتوبر، مبدأ راڤيڤ في ضرب وسط رأس الجسر من الشرق، بعد تجهيز. قامت القوات المصرية بصد هجوم راڤيڤ كما كان متوقع، مما يحقق غرض الإسرائيليون في صرف انتباه المصريين. عندما أصبح الجناح الجنوبي للفرقة 16 تحت وطأة هجمات الإسرائيليون المتزايدة، كان من المفترض أن يعني ذلك نجاح خطة التمويه الإسرائيلية وأن الجناح الأيمن للجيش الثاني الميداني المصري لن ينجح في فتح ممر للجنود الإسرائيليين على الضفة الغربية لعبور القناة. For the next 24 hours this remained the general impression among Egyptian commanders, actions henceforth were driven according to that impression. Had they discovered Israeli intentions earlier the Egyptians would almost certainly have been able to defeat the Israeli operation, in light of the greater strength of their forces and reserves بالقرب من منطقة الدفرسوار، على الضفة الشرقية والغربية لقناة السويس.[22][30]
تقاطع طريق المرشدين-طرطور
كان للتقدم السريع للواء آمنون الذي تم في مساء يوم 15 أكتوبر دون أن يواجه أي مقاومة أثره في أن تسود موجة من التفاؤل في المركز المتقدم للقيادة الجنوبية والذي كان موجودا به وقتئذ الجنرال دافيد أليعازر رئيس الأركان وموشي ديان وزير الدفاع، وخاصة بعد أن أبلغهما شارون بنبأ الاستيلاء على حصني تل سلام والدفرسوار، وأن محور اكافيش قد أصبح مفتوحا للمرور. وفي الوقت الذي كانت فيه كتيبة استطلاع الفرقة التي ألحقها شارون على لواء آمنون تقوم بتأمين ساحة العبور عند الدفروسوار انتظار لقدوم لواء المظلات بقيادة داني مات (أول قوة اسرائيلية عبرت القناة الى الغرب كما أوضحنا من قبل)، أرسل آمنون كتيبة مدرعة من وقاته الى طريق أكافيش لتطهيره بعد أن علم أنه قد أغلق ثانية عقب مروره بقواته، بينما تقدم بثلاث كتائب مدرعة وثلاث كتائب مشاة ميكانيكية الى اتجاه الشمال والشرق لمهاجمة الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة (اللواء 16 مشاة). وقد ارسل آمنون في بادئ الأمر كتيبتين مدرعتين من حصن لاكيكان (تل سلام) في اتجاه الشمال عن طريق لكسيكون (الطريق العرضي رقم 1) ولم تكادا تقتربان من منطقة المفرق (تقاطع طريق طرطور والطريق العرضي 1) الذي يقع في قطاع الكتيبة اليمين من اللواء 16 مشاة حتى انالت على قواته نيران الصواريخ والأسلحة المضادة لدبابات، فتم تدمير 27 دبابة اسرائيلية ، ولكن 7 دبابات تمكنت من اختراق الموقع الأيمن في اقصى الدفاعات على جانبي الطريق العرضي رقم 1. وأمر العقيد أ.ح عبد الحميد عبد السميع قائد اللواء 16 مشاة بدفع أعداد كبيرة من أطقم اقتناص الدبابات من كتائب اللواء الى منطقة قرية الجلاء لتدمير دبابات العدو التي نجحت في اختراق الموقع وتقدمت شمالا في اتجاه القرية، وكذا اغلاق منطقة الاختراق حول الطريق الرئيسي بنيران الأسلحة المضادة للدبابات وتدعيم الكتيبة التي تعرضت للهجوم وهي كتيبة اليمين بسرية من الدبابات، كما وضع مجموعة مدفعية اللواء في معاونتها. تحرك آمنون بباقي قواته تحت ستر الظلام بحذاء الساتر الرملي للقناة بعيدا عن مرمى نيران دفاعات اللواء 16 مشاة. وعندما اندفعت الدبابات الاسرائيلية نحو الشمال وجد آمنون نفسه فجأة في قلب منطقة ضخمة من مئات اللوريات والمركبات والمدافع ومنصات الصواريخ المضادة للطائرات ومحطات الرادار، واتضح أن دبابات آمنون قد دخلت الى المناطق الادارية لوحدات اللواء 16 مشاة ومرابض مدفعيته، ثم لم تلبث أن اقترتب من مركز القيادة الرئيسي ومنطقة الشئون القيادية الرئيسية موضوعة في هذه المناطق الخلفية على مقربة من القناة على اعتبار أنها آمنة من هجوم العدو الذي كان متجها في هجومه المتوقع من ناحية الشرق حيت تواجهه اقوى الدفاعات المصرية. ولكن الدبابات الاسرئايلية اقتحمت المناطق الخلفية في أضعف حالاتها. ولم تلبث النيران أن فتحت من الطرفين من آلاف الأسلحة من جميع الأنواع وفي جميع الاتجاهات واشتغلت بعض الحرائق في عربات الذخيرة ومنصات الصواريخ أرض جو، وقامت كتيبتان مدرعتنان من الفرقة 21 المدرعة بشن هجوم مضاد على الدبابات الاسرائيلية وأجبترها على الارتداد جنوبا بعد أن تكبدت خسائر جسيمة.
وكانت المشكلة التي تواجه آمنون هي ضرورة الاستيلاء على النقطة الحيوية (تقاطع طريق طرطور مع الطريق العرضي رقم 1) حيث ان اجراءات تامين نقطة العبور وتطهير طريق تطرطور كانت متوقفة على ذلك . ونظرا لما أبدته قوات اللواء 16 مشاة ووحدات من الفرقة 21 المدرعة من شجاعة وبطولة واستماته في القتال في معركة قرية الجلاء (المزرعة الصينية). فقد آثرت أن أسجل وصف هذه المعركة وفقا لما ورد في المراجع الاسرائيلية حتى لا يتطرق الشك الى أحد أن ما نسجله هو نوع من التحيز أو المبالغات. وفيما يلي خلاصة ما ورد بشأن هذه المعركة في المراجع الاسرائيلية:
عند منتصف الليل أمر آمنون المقدم "ناثان" قائد كتيبة مشاة ميكانيكية بعد أن دعمه بسرية دبابات أن يهاجم منطقة تقاطع الطرق. ودفع ناثان سرية الدبابات الى الأمام، وعندما أبلغه قائدها بعد بضع دقائق أن الطريق مفتوح أمر ناثان مجموعة عربات نصف جنزير من كتيبته بقيادة "هاليفي" بالوصول الى التقاطع من الجنب عن طريق معركة التفات. وأثناء تقدم العربات المدرعة الى الأمام اتضح أن سرية الدبابات التي سبقتها قد دمرت عن آخرها، وسرعان ما انهالت النيران على العربات المدرعة مما أرغمها على التوقف، وأفاد قائدها هاليفي أنه لا يستطيع التحرك وانه أصيب بخسائر جسيمة، ونتيجة لذللك حاولت باقي العربات المدرعة بالكتيبة التقدم لمساعدة قوة هاليفي ولكنها لم تلبث أن ضربت بشدة، وتم غمر المنطقة بنيران مركزة، وفشلت جميع المحاولات للوصول الى العربات المدرعة المصابة في الأمام – واتضح أن كتيبة المشاة الميكانيكية قد وقعت في فخ محكم وأصبحت مكشوفة في العراء تحت وطأة نيران كاسحة من المواقع المصرية التي في قطاع اللواء 16 مشاة، وأنها عاجزة عن التحرك الى اي اتجاه او انقاذ العربات المدرعة المعزولة. واضطر ضباط وجنود الكتيبة الى ترك عرباتهم المدرعة والانبطاح على الأرض محاولين أن يحفروا بأظافرهم مخابئ لهم. واستطاع المقدم ناثان قائد الكتيبة النجاة بنفسه بأعجوبة مع عدد من عرباته المدرعة والخروج من المنطقة المتأججة بالنيران،ولكنها كانت مأساة أليمة له عندما أدرك أن كتيبته غدت فلولا مشتتة.
في سبيل انقاذ العربات المدرعة المتورطة في الأمام خصص آمنون سرية دبابات ثانية للتقدم لتخليصها. وتقدمت الدبابات شمالا الى قرية الجلاء (كان الاسرائيليون يطلقون عليها اسم المزرعة الصينية، نظرا لوجود كتابات على جدرانها باللغة اليابانية كتبت بواسطة خبراء الزراعة اليابانيين اللذين كانوا يعملون بالقربة قبل حرب يونيو 67. وقد ظن الاسرائيليون أن هذه الكتابات مدونة باللغة الصينية ولذا أطلقوا عليها اسم المزرعة الصينية، وقد اقترن هذا الاسم بالقرية في جميع مؤلفاتهم التي صدرت عن حرب اكتوبر 73، وحذا حذوهم جميع الكتاب والمؤلفين الأجانب حتى أصبح هذا الاسم علما عليها).
وعندما اقتربت الدبابات الاسرائيلية من القرية، استطاع قادتها رؤية مئات من المشاة المصريين المسلحين بالبازوكات آر بي جي 7 وصواريخ المالوتكا رابضين في قنوات وحواجز القرية وانقضت الدبابات في جهد خارق للوصول الى قوة المدرعات المعزولة التي كان أفرادها مشتبكين بالنيران مع المواقع المصرية، ولكن سيلا منهمرا من الصواريخ أخذ يطارد الدبابات الاسرائيلية في كل تحركاتها مما أرغمها على الانسحاب. وأخذ ناثان يناشد رئيسه آمنون عن طريق الاتصال اللاسلكي لكي يعاونه في الوصول الى قواته المتورطة في الأمام، ووعده آمنون بأنه سيبذل أقصى جهده، ولم يكن ناثان يدري أن آمنون نفسه كان في ذلك الوقت يقاتل في معركة مريرة وأنه يصارع من أجل البقاء ضد القوات المصرية وأن وحداته منيت بخسائر فادحة. ولما أدرك هاليفي اليأس من امكان وصول أي قوات إسرائيلية لانقاذه، حمل جرحاه وحاول التسلل بقواته خارج ميدان المعركة تحت ستر جماعتين من مدافع الماكينة، وبينما هم يتحركون ببطء وبعذاب نحو خطوطهم اذا بقوة دبابات مصرية (من الفرقة 21 المدرعة) تعترض طريق انسحابهم ولم تلبث أن أبادتهم عن آخرهم". انتهى الوصف الاسرائيلي للمعركة.
ورغم ما حاق بقوة آمنون من خسائر في معركة تقاطع الطرق، فانه صمم في عناد شديد على ضرورة القيام في الحال بهجوم ثاني على منطقة التقاطع، وأمر المقدم بروم قائد كتيبة استطلاع الفرقة الملقة على لوائه، والتي كانت متمركزة بالقرب من ساحة العبور في الدفرسوار للقيام بعملية التأمين، أن يشن الهجوم بكتيبته على التقاطع. وضمانا للمفاجأة أمره أن يجري الهجوم من اتجاه الغرب نظرا لأن المواقع المصرية كانت تستعد لمواجهة الهجوم من اتجاهي الشرق والجنوب. وقام المقدم بروم بالهجوم بعرباته المدرعة من الدفرسوار على منطقة التقاطع من الغرب، ولكن بروم لم يلبث أن قتل على مسافة 30 مترا من المواقع المصرية وأصيبت قواته بخسائر جسيمة مما أحبط عملية الهجوم، واضطر آمنون إلى أن يصدر أمره الى قائد ثاني كتيبة الاستطلاع بالانسحاب بالكتيبة الى الخلف لاعادة التنظيم.
ولم يكف آمنون عن محاولاته العنيدة للاستيلاء على تقاطع الطرق، فأمر المقدم ايتان (قائد ثاني اللواء) بالتقدم على رأس سرية دبابات لمهاجمة منطقة التقاطع من الجنوب، وبدأ الهجوم في الساعة الرابعة صباحا يوم 16 أكتوبر، ولكن الهجوم قوبل بمقاومة شديدة وأصيبت 3 دبابات منها دبابة المقدم إيتان، وفشلت محاولة الهجوم للمرة الثالثة.
عند الفجر صعد العقيد آمنون الى تبة مرتفعة تشرف على أرض المعركة، فوقعت عيناه كما ذكر بعد ذلك على منظر مفزع، فقد كانت الصحراء مغظاة بأعداد كبيرة من الدبابات والمركبات والمدافع والناقلات المحترقة والمشتعلة. وكذا عشرات من مركبات القيادة وورش الصيانة المتنقلة والمنصات الضخمة لحمل الصواريخ سام 2 والمطابخ المتنقلة. وكانت أشلاء الجنود الاسرائيليين متناثرة هنا وهناك ولا يفصل بينها وبين المواقع المصرية سوى أمتار قليلة.
وقد زار مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" أرض المعركة بعد انتهاء الحرب مباشرة فوصف المشهد المفجع الذي وقع عليه بصره قائلا: "في قطعة صغيرة من الأرض لا تزيد على بضعة ألاف من الأمتار المرعبة وجدت 24 دبابة باتون إسرائيلية محروقة تماما، أما الدبابات التي أصيبت بصورة أقل فقد سحبت من المنطقة لاعادة اصلاحها. وكان عدد كبير من الدبابات المصرية المدمرة منتشرا في أرض المعركة. وفي مكان واحدت وجدت دبابة باتون اسرائيلية ودبابة (ت-55) مصرية لا يفصل بين مدفعيها سوى بضعة أمترا".
جهود المظليين
كان لواء المظلات متجمعا في الاحتياطي في منطقة ممر متلا التابعة للقطاع الجنوبي من الجبهة، وفي الساعة السادسة صباحا يوم 15 أكتوبر استدعى العقيد داني مات قائد اللواء الى مقر قيادة الجنرال شارون المتقدم في الطاسة حيث تلقى التعليمات الخاصة بعبور لواء المظلات الى الضفة الغربية ليلة 15/ 16 أكتوبر. وكانت النقطة المهمة أن وحدات هذا اللواء وفقا للخطة العامة الاسرائيلية لعبور القناة الى الغرب أصبحت هي الوحدات الاسرائيلية الأولى التي ستضع أقدامها عقب عبور القناة على الأراضي المصرية.[31] وبعد أن عاد العقيد داني الى منطقة تمركز اللواء في منطقة ممر متلا، أصدر أمره الى وحدات اللواء بالاستعداد للتحرك، ثم وضع خطته التفصيلية لتحقيق المهمة التي كلف بها اللواء، وكانت تتخلص فيما يلي:
تتولى سرية استطلاع اللواء وسرية المهندسين تحت قيادة قائد ثاني اللواء المقدم آربك قيادة عملية العبور لاقامة رأس كوبري على الضفة الغربية للقناة، وتعين نائب قائد اللواء ليكون قائدا لساحة العبور في الدفرسوار، وهذه الساحة التي تبلغ مساحتها 700 متر X 150 متر سبق أعدادها بأوامر الجنرال شارون، حينما كان قائدا للقيادة الجنوبية، وهي محاطة بجدران رملية للوقاية، وتقع في منتصفها على شاطئ القناة النقطة المحددة للعبور، وكانت داخل الساحة مواقع يمكن اتخاذها قاعدة للنيران لشغل قوات العدو على الشاطئ الآخر للقناة.
وفور احتلال أول موطئ قدم على الشاطئ الغربي للقناة، تعبر كتيبة من اللواء بقيادة المقدم دان، وتقوم بتوسيع رأس الكوبري في اتجاه الجنوب، بينما تقوم كتيبة أخرى من اللواء بقيادة المقدم زفي بتوسيعه في اتجاه الشمال. وتقوم القوات التي عبرت باحتلال المعابر على ترعة المياه الحلوة (ترعة الاسماعيلية) التي تقع على بعد حوالي 2 الى 3 كم غرب القناة، ويراعى ألا يقل عرض رأس الكوبري عن 4 كم في اتجاهي الشمال والجنوب.
وفي الساعة الواحدة ظهرا، عرض العقيد داني مات خطته على الجنرال شارون الذي صدق عليها. وفي الساعة الواحدة والنصف عاد العقيد داني الى مقر لوائه وأصدر أوامره الى قادة وحداته الفرعية بأن تحرك اللواء سيبدأ في الساعة الرابعة والنصف مساء يوم 15 أكتوبر. ورغم أن قائد اللواء تم ابلاغه أنه سوف يخصص له 60 قاربا مطاطيا، وسيتم تسليمها له في معسكرة في الساعة العاشرة صباحا، فان هذه القوارب لم تصله حتى وقت تحرك اللواء، كما أن العربات نصف الجنزير التي تقرر تزويد اللواء بها وعددها 60 عربة للتحرك بها الى الدفرسوار لم تصل منها سوى 32 عربة فقط. واستخدم العقيد داني وسيلة غير مشروعة لاستكمال العربات المدرعة على أساس المبدأ الذي يقول أن الغاية تبرر الوسيلة، فقد أرسل أحد قادة السرايا ومعه 30 سائقا الى منطقة رفديم (الجفجافا) حيث وضعوا أيديهم على 26 عربة نصف جنزير كانت معدة لتسليمها لمندوب احدى الفرق، واستطاع ضباط المظلات ايهام الضابط المسئول عن تسليم هذه العربات بأنه هو المندوب الذي ينتظره وانطلق مسرعا بالعربات الى مقر اللواء، وبذا ارتفع عدد العربات نصف جنزير بلواء المظلات الى 58 عربة. وعلم العقيد داني مات خلال عملية بحثه عن قوارب العبور ان القوارب موجودة على بعد 5 كم غرب الطاسة، فقد ارسلت بطريق الخطأ الى هذا المكان وقت وقوع التباس نتيجة للتشابه في الأسماء الكودية.
وعقب ان اصدر قائد اللواء أوامره الى قادة وحداته الفرعية بناء على الخطة التي وضعها التي تم تصديق قائد الفرقة عليها، بدأ تحرك اللواء في الساعة الرابعة والنصف مساء. وعندما واصل اللواء تحركه على الطريق العرضي 3 في اتجاه الطاسة دخل في ازدحام مرور كبير حتى انه قطع 25 كم للوصول الى الطاسة في ساعتين ونصف الساعة.. وانحرف طابور اللواء من الطاسة الى الغرب على طريق أكفيش المتجه الى القناة ليتزود بقوارب العبور التي كانت في انتظاره على مسافة 25 كم غرب الطاسة، وكان ازدحام السير في هذه المرحلة أسوأ كثيرا مما سبق معاناته من قبل حتى ان طابور اللواء قطع الكيلو مترات الخمسة في ساعتين، وتم له تسليم القوارب في الساعة التاسعة مساء، رغم أن الأوامر كانت تقضي يتلسمه لها في معسكره في العاشرة صباحا، أي أن التأخير بلغ حوالي 12 ساعة.
واضطر قائد اللواء نظرا لنقص العربات نصف جنزير بالنسبة لحجم قواته الى وضع 25 جنديا في كل عربة منها بالاضافة الى القارب الذي وضع على ظهرها. واستغل قادة الوحدات الفرعية فرصة بطء السير وكثرة الوقفات بسبب ازدحام المرور لاستكمال الترتيبات اللازمة للعبور ولتوزيع احزمة النجاة وبعض المعدات الأخرى الى جنودهم. واضطر العقيد داني مات الى عمل بعض التعديلات في خطة العبور، فان سرية استطلاع اللواء التي خصصت لقيادة العبور وكانت متأخرة في الخلف لتحركها في عربات عادية لم تلبث أن غرزت في الرمال، لذا تم تكليف كتيبة المقدم دان للقيام بهذا الواجب. وفي حوالي الساعة العاشرة والنصف مساء وعندما كان لواء المظلات على بعد حوالي 10 كم من القناة انضمت اليه سرية دبابات من لواء حاييم وتحركت على رأس طابول اللواء.
وتعرض طابور اللواء عند اقترابه من النيران القناة لنيران مدفعية وصواريخ ورشاشات، مما أدى الى اصابة عدد من الآليات من القوارب، ولم يلبث طابور اللواء الذي كانت تتقدمه قوة الاقتحام ان انحرف عن محور أكافيش بعد منتصف الليل بوقت قصير متجها الى الغرب نحو موقع ساحة العبور التي كانت على بعد حوالي 3 كم. وعلى الرغم من أن لواء آمنون سبق له عبور هذه المنطقة وأبلغ أنها خالية من القوات المصرية فان العقيد داني مات زيادة في الحيطة والحذر أمر سرية الدبابات التي ألحقت على اللواء باتخاذ موقع لها عند مفترق طريق طرطور والطريق العرضي رقم 1 (الطريق الموازي للقناة) على مسافة نحو 800 متر شمال منطقة العبور لتكون بمثابة حاجز أمام أي تدخل محتمل للقوات المصرية من الشمال أو الشرق. ولكن سرية الدبابات لم تلبث أن دخلت في كمين محكم أعدته قوة من اللواء المصري 16 مشاة عند مفترق الطرق، وتم تدمير سرية الدبابات بأكملها دون أن يعلم العقيد داني مات شيئا عن مصيرها التعس.
وعلى أثر وصول اللواء الى الاسحة اقميت نقاط مراقبة المرور، وفتحت مجموعة القيادة على مدخل الساحة، وكان التخطيط موضوعا على أساس انشاء نقطتي ابحار: احداهما خضراء والثانية حمراء وتضاء النقطتان بفوانيس تحمل هذين اللوونين على كلا الشاطئين حتى تتجه القوارب من نقطة الابحار الى اللون المحدد لها عند نقطة الانزال. ولكن عندما اقترب الجنود لانزال القوارب الى الماء اكتشفوا أن الارض في شمال الساحة طينية لزجة، لذلك تم تعديل الخطة واستخدم نقطة ابحار واحدة فقط، ولكن بقية الخطة ظلت على ما هي عليه حيث تقرر انزال القوة على الشاطئ الغربي في نقطتين وفقا للخطة. وقبل عملية الابحار مباشرة وبناء على أمر قائد لواء المظلات فتحت جميع وحدات المدفعية التي كانت في معاونة عملية العبور نيرانها وركزت الضرب على منطقة الانزال على الشاطئ الغربي للقناة المقابلة لمنطقة الابحار وفي قطاع طوله 900 متر وعرضه 200 متر.
ولقد قدر ما نزل من القذائف على هذه المنطقة بحوالي 70 طنا. ومن العجيب أن المنطقة التي تركز عليها كل هذا القصف كانت خالية من المصريين. وفي الساعة الواحدة والدقيقة 35 يوم 16 أكتوبر، عبرت القناة الموجة الأولى من القوات الاسرائيلية ووضعت أقدامها على الضفة الغربية للقناة. وفور الوصول شق المهندسون الأسلاك الشائكة ولم يجدوا أي ألغام أو كمائن، وأبلغ قائد قوة الاقتحاح قائد اللواء عن طريق جهاز اللاسلكي بأن كل شي على ما يرام، بينما صاح صوت في الجهاز "نحن الآن في أفريقيا". وعبرت مجموعة قيادة اللواء في الساعة الثانية والدقيقة 40 ، وتولى عبور وحدات اللواء حتى الساعة الخامسة صباحا حينما انتهت عملية عبور جميع أفراد المظلات. وبدأ الجنود وفقا للخطة في التحرك على أقدامهم لاتمام عملية تأمين راس الكوبري غرب القناة الى مسافة 4 كم شمالا والاستيلاء على المعابر على ترعة الاسماعيلية غربا. وفي صباح يوم 16 أكتوبر أصبح العقيد داني مات مسيطرا على رأس كوبري امتد من الشاطئ الشمالي للبحيرة المرة الكبرى حتى 4 كم شمالا، وكانت المقاومة التي صادفها تكاد لا تذكر.. ونظرا لأن عملية العبور الاسرائيلي الى غرب القناة لم تكن قد وصلت بعد الى علم أحد المصريين حتى ذلك الحين، فقد تمكنت قوة المظلات الاسرائيلية من ابادة عناصر كثيرة من وحدات مصرية مختلفة، كانت متحركة على طريق النقاة بعرباتها في أمان، وتم اطلاق النار عليها قبل أن يتمكن راكبوها من ادراك حقيقة المأساة التي جرت.
وقبيل الصباح وصل عدد المعديات المتحركة الى ساحة العبور بالدفرسوار ولم يكن متيسرا انزالها الى المياه قبل ازالة الساتر الرملي على القناة، وعندما قامت جرافتان بازالته انزلقت المعدات الى المياه وأسرعت الدبابات تحتل أمكنتها فوق المعديات، وبعد دقائق معدودة دارت المحركات واتجهت المعديات بحمولتها الى الشاطئ الغربي حيث تم انزال الدبابات، واخذت عملية عبور الدبابات من لواء حاييم تجري بانتظام وفقا للخطة الموضوعة. وفي تقرير أبلغه شارون في الصباح باللاسلكي الى الجنرال بارليف أفاد بأن لواء المظلات بكامل وحداته قد تم عبوره بعد منتصف الليل الى الضفة الغربية بالقوارب. وتم تعزيزه في الصبح بمجموعة من 30 دبابة عبرت فوق المعديات من لواء حايم الذعبر بنفسه على رأس المجموعة. وأفاد شارون أيضا أن العقيد حاييم بدأ الانتشار بدبابته من خلال رأس الكوبري لمهاجمة بطاريات الصواريخ سام المضادة للطائرات على الضفة الغربية.
ولكن المشكلة المعقدة التي أضحت تواجه الجنرال بارليف هي أن رأس الكوبري على الضفة الشرقية لم يكن قد تم تأمينه بعد، كما لم يتم اقامة أي جسر فوق القناة لربط القوة الاسرائيلية المعزولة على الضفة الغربية بقواعدها على الضفة الشرقية، مما كان يهدد عملية العبور الى الغرب بأفدح الأخطار.
سقوط موقع تقاطع الطرق
عندما أخذت التقارير قبيل فجر يوم 16 أكتوبر تصل الى القيادة الجنوبية تنقل صورة القتال المرير الذي يخوضه لواء آمنون والمصاعب غير المتوقعة التي ظهرت عند البدء في تنفيذ الخطة، سيطر على مركز القيادة المتقدم للقيادة الجنوبية جو من التوتر والقلق، واقترح موشي ديان وزير الدفاع سحب لواء المظلات من نقطة الانزال بالشاطئ الغربي للقناة والغاء العملية كلها، مبررا ذلك بقوله: "لقد حاولنا ولكن محاولاتنا ذهبت أدراج الرياح، ولذا فاني اقترح الغاء فكرة العبور اذ أن المصريين سوف يذبحون قواتنا على الشاطئ الآخر". فرد الجنرال جونين قائلا: "لو كنا نعلم مقدما ان ذلك سيحدث ما كنا بدأنا عملية العبور، أما الآن وما دمنا قد عبرنا فلنستمر حتى النهاية المريرة".
وقد أيد الجنرال حاييم بارليف رأي جونين، ولم يحاول موشي ديان مناقشتهما، جريا على النهج الذي اتبعه طوال مدة الحرب ، وهي تجنب اصدار أوامر مباشرة للتنفيذ.
وحوالي الساعة السادسة صباحا، اتصلت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل من تل أبيب هاتفيا بموشي ديان للاستفسار على الموقف، وابلغها ديان أن الجسور فوق القناة لم تتم اقامتها بعد. وقد تمكنت القوات المصرية التي شمال المعبر من اغلاق محور التقدم الى الدفرسوار على الضفة الشرقية للقناة، مما يهدد رأس الكوبري المقام على الضفة الغربية.
وذكر لها ان الأمل كبير في التغلب على هذه المقاومة، ونقل الجسور الى المعبر وتركيبها أثناء فترة الناهر. أما عن الموقف في الضفة الغربية فقد أبلغ ديان رئيس الوزراء أن لواء المظلات بقيادة لاعقيد داني مات قد أتم عبوره الى نقطة الانزال غرب القناة دون أي تدخل من القوات المصرية، ولا توجد نوايا لدى القيادة الجنوبية لاعادته الى الضفة الشرقية حتى لو تأخر تركيب الجسور. وأبدت جولدا مائير حلال حديثها قلقها الشديد من احتمال قيام المصريين بعزل قوات المظلات ، وأن هذا الأمر قد أحدث جدلا كبيرا بين الوزراء أثناء اجتماع الحكومة.
هذه ولم يتخل العقيد آمنون عن محاولة تحقيق المهمة التي أسندت اليه رغم ما حاق بقواته من خسائر فاحدحة خلال هجماته الثلاثة المتتالية. ففي صباح يوم 16 أكتوبر قاد آمون بنسفه هجوما مركزا على منطقة تقاطع الطرق للمرة الرابعة بالكتيبة 40 المدرعة بعد أن ضم اليها مجموعة من الدبابات التي تم اصلاحها أثناء الليل، وأجرى آمنون الهجوم من اتجاهين. ففي الوقت الذي تقدمت فيه الكتيبة 40 المدرعة من اتجاه القناة الى اتجاه التقاطع اي من الغرب الى الشرق، قامت سرية من الدبابات بالهجوم من الجنوب الى الشمال. ومن الاستطلاع الذي أجراه آمنون أثناء النهار، اكتشف أن المصريين قد أقامون بمنطقة التقاطع حاجزا قويا مضادا للدبابات كان يتكون من دبابات مخندقة في مواقع حصينة وأسلحة وصواريخ مضادة للدبابات علاوة على الألغام التي بثوها على جانبي الطريق، مما أدى الى انفجار عدد من الدبابات الاسرائيلية أثناء الهجمات السابقة، وكان أفراد الشماة من كتيبة اليمين باللواء 16 مشاة المسلحين بالبازوكات آر بي جي 7 وصواريخ المالتوكا قد انتخبوا مواقعهم بمهارة مستغلين الحواجز الترابية وقنوات الري الجافة في المزرعة الصينية مما أدى الى فشل جميع الهجمات الاسرائيلية السابقة.
واستفاد آمنون من دروس المعارك السابقة ومن نتائج استطلاعه للمواقع المصرية، فلم يندفع هذه المرة بقواته من اتجاهي الغرب والجنوب نحو منطقة التقاطع حتى لا تحيق الخسائر الفادحة بدباباته، كما جرى في الهجمات السابقة بتأثير النيران الكاسحة المضادة للدبابات التي يطلقها المصريون. ولجأ آمنون هذه المرة الى طريقة جديدة هي التوقف بقواته بعديا عن منطقة التقاطع والبدء في معركة استنزاف بطيئة للقضاء بالتدريج على مقاومة القوات المصرية التي تدافع عن هذا الموقع الحيوي والتي كانت قواها قد أنهكت بعد القتال البطولي المجيد الذي خاضته طوال الليل ضد قوات آمنون المدرعة، وكان موقفها قد ساء نتيجة النقص الحاد في الذخيرة، مما أجبرها في النهاية على الانسحاب من مواقها. وتقدم آمنون بقواته واستولى على منطقة تقاطع الطرق، واندفع شمالا حيث تمركز في المنطقة التي تقع ما بين المزرعة الصينية (قرية الجلاء) وقناة السويس.
وكان الجنرال شارون قد أرسل مبكرا صباح يوم 16 أكتوبر كتيبتين من الدبابات بقيادة المقدمين إمي وعوزي لنجدة آمنون بعد أن علم بالخسائر الجسيمة التي لحقت بقواته ليلة 15/16 أكتوبر ، واعتزم آمنون بعد أن تمكن من الاستيلاء على تقاطع الطرق والوصول الى المزرعة الصينية أن ينجز المهمة التالية الخطيرة التي تم تكليفه بها من قبل، وهي تطهير طريق طرطور، ولذا ترك كتيبة دبابات من لوائه (حوالي 30 دبابة) في المنطقة بين تقاطع الطرق وغرب المزرعة الصينية، وقام بشن هجوم بالكتيبتين المدرعتين اللتين أمده شارون بهما عن طريق طرطور في الجزء الذي تسيطر عليه وحدات اللواء 16 مشاة. فقامت كتيبة منهما بالهجوم من الشمال الشرقي، بينما شنت الثانية هجومها من اتجاه الغرب، ولكن الهجو مفشل، فقد اصطدم بنيران كثيفة من الدبابات والأسلحة المضادة للدبابات من مواقع كتيبة اليسار من اللواء 16 مشاة واضطر آمنون الى الانسحاب.
وفي صباح يوم 16 أكتوبر كان وضع لواء آمنون قد غدا سيئا للغاية، فلم يتبق له سوى 27 دبابة، أي أنه خسر أزيد من ثلثي دباباته خلال معاركه أمام تقاطع الطرق والمزرعة الصينية وتطهير طريق طرطور، كما خسر عددا كبيرا من القتلى وكانت نسبة عالية من الضباط وقادة الدبابات من المصابين ، وظل محور طرطور رغم كل الهجمات التي جرت مغلقا. وكان النجاح الوحيد الذي أحرزه آمنون هو استيلاؤه على منطقة تقاطع الطرق ووجود كتيبة مدرعة من لوائه في المنطقة غرب المزرعة الصينية. ونظرا لحاجته الشديدة الى اعادة تجميع قواته واعادة الملء لدباباته وتعويض ما فقده من ذخيرة وعتاد، فقد طلب آمنون من قائده شارون التصديق له بسحب باقي لوائه الى موقع لاكيكان (تل سلام) على شاطئ البحيرات المرة لتجديد كفاءته القتالية.
مهمة فرقة برن في تأمين العبور
في صباح يوم 16 أكتوبر أرسل شارون تقريرا الى الجنرال بارليف يتعلق بالموقع في القناة ذكر فيه أن الجسر السابق التركيب قد تحطم في أحد أجزائه في أثناء قيام كتيبة دبابات من لواء حاييم بجره على طريق أكافيش، وأن المهندسين في حاجة الى بضع ساعات كي يتمكنوا من اصلاحه، وذكر شارون أنه بحاجة الى قوات اضافية لتحقيق عملية تأمين المعبر شرق القناة نظرا للمقاومة العنيفة التي تبديها القوات المصرية في قطاع اللواء 16 مشاة، مما ألحق بقوات آمنون خسائر فادحة في الأفراد والدبابات، وجعلها تعجز عن تحقيق المهمة التي أسندت اليها، وهي اختراق الموقع الدفاعي شمال معبر الدفرسوار وتدميره أو ارغام القوات المدافعة التي تحتله على الانسحاب شمالا لمسافة 5 كم، واخلاء المنطقة حتى شمال المزرعة الصينية.
وبناء على تقرير شارون، أرسل الجنرال بارليف أمرا انذاريا الى فرقة الجنرال ابراهام أدان (برن) التي كانت على أهبة الاستعداد وفقا لخطة العبور الى غرب القناة فور اقامة الجسر بأن تستعد لاحتمال دعوتها للمشاركة في فتح الممر المطلوب فتحه في اتجاه القناة الى جانب فرقة شارون.
وفي هذه الأثناء، نشب نقاش جديد بين شارون والقيادة الجنوبية حول المضي في تنفيذ خطة العبور دون انتظار اقامة الجسور الثابتة، اذ أن السهولة التامة التي عبر بها لواء المظلات قناة السويس، وكذا الكتيبة المدرعة التي لحقت به وعدم اصطدامهما بأي مقاومة تذكر عند نقطة الانزال، كل ذلك شجع الجنرال شارون على أن يطلب من الجنرال جونين استغلال هذه الفرصة لكي يأمر بعبور فرقة الجنرال برن قناة السويس بدباباتها فوق الأطواف المتحركة في الموعد الذي حدد لها في الخطة وتجاهل المقاومة المصرية في المزرعة الصينية وعلى طريقي أكفيش وطرطور. ولما اعترض الجنرال جونين على هذا الاقتراح، لجأ شارون الى الجنرال بارليف عسى أن يمكنه عن طريقه التغلب على اعتراض جونين، ولكن بارليف أيد وجهة نظر جونين، وأوضح لشارون خطورة تنفيذ اقتراحه، فان عملية عبور القناة التي تجريها القيادة الجنوبية هي عملية هجوم واسعة النطاق وليست محض اغارة سريعة عبر القناة، ولذا فان القيام بشن هجوم عبر القناة بفرقتي شارون وبرن – أي بقوة تقرب من حجم فيلق – يضم مئات من الدبابات بدون أن يؤمن له طريق امدادات فوق جسر ثابت عبر القناة سيكون عملا بعيدا عن الحكمة والمسئولية، اذ ان هذه الدبابات لابد أن تتوقف عن الحركة في ظرف 24 ساعة بعد نفاد الوقود. وأبدى بارليف كذلك عدم موافقته على عبور الدبابات والأفراد قناة السويس على أطواف متحركة مكشوفة ومعرضة لنيران المدفعية المصرية والطيران. ونظرا للمقاومة العنيدة التي يبديها المصريون في وجه الهجمات الاسرائيلية لتأمين منطقة المعبر في الدفرسوار واستعدادهم لشن هجمات مضادة على القوات الاسرائيلية في تلك المنطقة، لذا فان نقل قوة أدان الى الضفة الغربية سيؤدي الى عدم وجود قوات اسرائيلية كافية شرق القناة لمواجهة الأعمال القتالية للمصرييين. لهذه الأسباب رفض بارليف اقتراح شارون، وقرر أن الواجب الذي ينبغي أن تكلف به فرقة برن هو استكمال تطهير الممر على الشاطئ الشرقي للقناة. وعلى أثر ذلك أصدر الجنرال بارليف بعد ظهر يوم 16 أكتوبر أمرا بعدم عبور أي قوات اسرائيلية أو دبابات الى الضفة الغربية للقناة حتى صدور أوامر أخرى.
وفي الصباح الباكر يوم 16 أكتوبر استقل الجنرال جونين طائرة هليكوبتر متوجها الى مركز القيادة المتقدم للجنرال برن، وكان يقع على تبة مرتفعة تطل على طريق أكافيش. وقد ذكر الجنرال برن في الكتاب الذي أصدره بعد الحرب باللغة العبرية بعنوان "على ضفتي قناة السويس" أن الجنرال جونين خلال الزيارة التي أجراها له في مركز قيادته المتقدم شكا له من فشل شارون في تنفيذ لمهمة المحددة له في الخطة، وقال له بصراحة: "ان شارون قد خيب أملنا. إنني لا أعرف ماذا حدث له في هذه الحرب". ولانقاذ الموقف أسند جونين مسئولية تحريك جسر المعديات الى فرقة برن، وألقى على العميد دافيد تماري نائب برن مسئولية القيام بهذه المهمة، كما ألقى بمسئولية تحريك الجسر السابق التركيب على عاتق العميد جاكوب نائب الجنرال شارون، وفي نفس الوقت أصدر امرا انذاريا على الجنرال برن ليكون مستعدا بفرقته عند الظهر لتطهير محوري أكافيش وطرطور والقاء جسر المعديات في مياه القناة، وأبلغ ما أصدره من تعليمات الى الجنرال بارليف في مركز قيادته. وفي منتصف النهار أبلغ جونين شارون بالمهام الجديدة التي تم تخصيصها للفرق، وهي أن تتولى فرقة برن تطهير محوري التقدم أكافيش وطرطور، والقاء جسر المعديات في مياه القناة ،وأبلغ ما أصدره من تعليمات الى الجنرال بارليف في مركز قيادته. وفي منتصف النهار أبلغ جونين شارون بالمهام الجديدة التي تم تخصيصها للفرق، وهي أن تتولى فرقة برن تطهير محوري التقدم أكافيش وطرطور، بينما تتولى فرقة شارون الاستيلاء على المزرعة الصينية والمواقع المصرية شمالها والمجاورة لقناة السويس. ولكن نظرا لاحتياج دبابات شارون على أثر معارك الليلة السابقة الى القيام بعملية اعادة الملء وتعويض الذخيرة، فقد اتفق مع جونين على ان ينتظر قيام فرقة برن بتطهير محوري التقدم أولا قبل أن تبدأ فرقته بهذه العملية حتى يمكنه شن هجومه على المزرعة الصينية بعد تجديد كفاءته القتالية.
وفي الساعة الرابعة والنصف مساء يوم 16 أكتوبر، التقى القادة الثلاثة موشي ديان والجنرال بارليف والجنرال جونين في مركز القيادة المتقدم للقيادة الجنوبية، وأوضح جونين أنه في حالة عدم وصول الجسر الثابت (السابق التركيب) أو جسر المعديات، فلن يكون هناك مفر من الانسحاب من الضفة الغربية للقناة. وفي حالة وصول عدد من المعديات المتحركة فقط، فانه يمكن في هذه الحالة بقاء القوة التي عبرت الى الغرب، ولكن لا ينبغي نقل فرقة برن بهذه الوسيلة لكي تنضم اليها، ولكن فور اقامة أي جسر ثابت على القناة فان على جميع القوات المخصصة العبور الى الضفة الغربية ان تبدأ عبورها في الحال.
وكان الجنرال برن متمركزا بفرقته (مجموعة العمليات رقم 162) جنوب الطاسة على أهبة الاستعداد منذ فجر يوم 16 أكتوبر لاستغلال النجاح والعبور على الجسر الذي يتم تركيبه على القناة الى الضفة الغربية. ولهذا الغرض تقدم الى الأمام مع مجموعة قيادته المقتدمة مخترقا الرمال بموازاة طريق أكافيش نظرا لأن الطريق نفسه كان مغلقا بالقوافل الضخمة.
معركة اللواء المصري 16 مشاة
عندما اقتربت الساعة من العاشرة مساء يوم 16 أكتوبر قدم العقيد عوزي مائيري نفسه الى الجنرال برن، وذكر له أن لواء المظلات الذي يتولى قيادته قد تم وصوله وأنه جاهز، لتنفيذ أي عملية تسند إليه. وشرح برن الموقف باختصار للعقيد عوزي، وبعد مناقشة قصيرة أعد قائد المظلات خطته لتحقيق المهمة التي كلف بها، وهي التحرك في اتجاه القناة بقواته لتطهير محوري التقدم أكافيش وطرطور. وفي الساعة الحادية عشرة والنصف مساء بدأ المظليون تحركهم على الطريقين، ووصلت الى أضيق منطقة يتقارب فيها طريقا أكافيش وطرطور، ولا يزيد عرضها على كيلو مترين، فوجئت الكتيبة بسيل منهمر من نيران المدفعية ونيران مدفعية الماكينة انصبت عليها من مواقع اليسار في قطاع اللواء 16 مشاة التي كانت تواجه هذه المنطقة والتي تمتد دفاعاتها في العمق الى اتجاه قرية الجلاء (المزرعة الصينية). واكتشف المظليون أن أكثر من عشرة رشاشات جرينوف في مواقع حصينة تغمر المنطقة التي كانوا يجتازونها بطوفان من النيران، وكان موقف المظليين حرجا فقد زجوا بأنفسهم في عملية تطهير محوري التقدم دون استطلاع سابق للمواقع المصرية أو معرفة معلومات كافية عنها، كما تقدموا على الطريقين بمفردهم دون أن تشترك معهم أي وحدات مدرعة لفتح الطريق أمامهم، ولم يكن في امكانهم الحصول على معاونة المدفعية نظرا لأن عمليتهم كانت ليلية، وكان من الصعب تحديد موقعهم خلال الظلام.
ولم يكن أمام كتيبة ايزاك خيار سوى الانقضاض على مواقع الرشاشات لاسكاتها وازاحة المصريين عن مواقعهم، واندفعت سرية ياكي وتلتها سرية مارجال نحو المواقع المصرية، ووقعت اشتباكات دموية وصل فيها المظليون الى بعد أمتار قليلة من المواقع المصرية. ونظرا لأن المصريين كانوا في مواقع حصينة ، ولم يكونوا في حاجة الى الخروج من مواقعم لملاقاة المظليين المتقدمين في العراء، فقد تبعثرت عشرات من جثث الاسرائيليين الممزقة على طول خط الدفاعات المصرية، وانتشرت سرايا المظلات في المنطقة يحاول أفرادها التقدم للأمام دون جدوى، فقد كانت نيران المصريين كاسحة بحيث لقى معظم قادة السرايا وقادة الفصائل مصارعهم، وأصيب الكثيرون اصابات بالغة. وعندما أصدر الجنرال برن ازاء سوء الموقف أمره الى قوة المظلات بترك طريق طرطور الملاصق للدفاعات المصرية والتركيز على تطهير أكافيش، اكتشف المظليون أنهم عاجزون عن ترك مواقعهم أو القيام بأي نوع من الحركة أو المناورة، فقد أرغمتهم شدة النيران المصرية على الالتصاق بالأرض دون حراك.
وعندما بلغت الساعة الثالثة صباحا وأوشك الفجر على الطلوع ، أدرك الجنرال برن أنه اذا لم يستطع خلال فترة الظلام القليلة المتبقية على طلوع النهار دفع جسر معديات البونتون الى ساحة العبور بالدفرسوار، فان ذلك معناه مرور يوم آخر دون اقامة أي جسر عبر القناة، وبالتالي عدم عبور أي قوات اسرائيلية جديدة الى غرب القناة، مما لابد أن يعرض قوة شارون المحدودة التي عبرت الى الغرب الى خطر التدمير الكامل. وفي الوقت يعرض قوة شارون المحدودة التي عبرت الى الغرب الى خطر التدمير الكامل. وفي الوقت الذي انغرز فيه المظليون في مواقعهم بين طريقي أكافيش وطرطور أمام الجانب الأيمن للفرقة 16 مشاة، أجرى الجنرال برن محاولة جديدة لدفع جسر المعديات الى خط المياه، فأرسل سرية استطلاع في عربات مدرعة نصف جنزير لاستطلاع طريق أكافيش المتجه الى القناة وتحديد موقع المقاومة المصرية التي تغلق الطريق.
وقبيل الساعة الثالثة والنصف صباحا تلقى برن رسالة باللاسلكي من قائد سرية الاستطلاع بأنه قد تم له الوصول الى ساحة العبور بالدفرسوار دون أن تعترضه أي مقاومة على طول الطريق. واتضح الجنرال برن أن قوة المظلات رغم ما حاق بها من خسائر قد قدمت خدمة جليلة الى عملية العبور. فان المواقع المصرية شمال محوري التقدم التي كانت تسيطر على طريق على طريق أكافيش بالنيران انشغلت تماما عن التحركات التي كانت تجري على هذا الطريق بعد أن تركز كل انتباهها الى المعركة الضارية التي كانت محتدمة وقتئذ بين القوات المصرية وقوات المظلات الاسرائيلية على طريق طرطور.
وانتهز الجنرال برن الفرصة وأصدر أوامره الى العميد دافيد تماري لكي يتحرك بأسرع ما يمكن على طريق أكافيش بجسر معديات البونتون. وتمكن العميد دافيد بدفع بعض الجرارات الثقيلة أمام قافلته من ازالة الدبابات والمركبات المحترقة والمعطلة التي كانت تعرقل التحرك، مما أدى الى اخلاء الطريق. وتقدمت قافلة معديات البونتون دون تعطيل على طريق أكافيش حتى وصلت الى حصن لاكيكان (تل سلام) على البحيرة المرة الكبرى، وواصلت التحرك بعد ذلك شمالا على طريق ناهالا بحذاء شاطئ البحيرة حتى وصلت الى ساحة العبور بالدفرسوار. وحوالي الساعة السادسة صباحا يوم 17 أكتوبر قام المهندسون التابعون لفرقة شارون بدفع أول مدعية بونتون الى مياه قناة السويس تمهيدا لدفع باقي المعديات التي سيتكون من توصيلها بعضها ببعض أول جسر معديات بونتون عبر القناة التي يبلغ اتساعها في هذه المنطقة حوالي 180 مترا.
وعندما أشرقت الشمس، أصبح واضحا لدى المظليين أنه لا يمكنهم الاستيلاء على المواقع المصرية التي تواجههم، وشعر قائدهم العقيد عوزي أن قواته قد استنفدت كل طاقاتها، وأنه ينبغي معاونته في اخلاء جرحاه الذين يمثلون أرض المعركة والتصديق على أن تستبدل بقوته قوة أخرى ليستنى له اعادة تنظيم وحداته الممزقة، وعلى أثر اتصال برن بالجنرال جونين رفض جونين طلب عوزي بسحب قوة المظلات، ولم يوافق الا على اخلاء الجرحة فقط. وعندما قام الجنرال بارليف بزيارة الجنرال برن واكتف حقيقة موقف قوة المظلات صدق على سحبهم الى الخلف لاعادة التنظيم وتم تخصيص كتيبة مدرعة لانقاذ رجال المظلات المنبطحين على الرمال أمام المواقع المصرية. ولم يستطع "أهود" قائد الكتيبة المدرعة تحديد مكان قوة المظليين بقدعة، ولذا قام قائدهم باطلاق قنبلة دخان أحمر ليهديهم الى مكانه، واتضح أن هذا التصرف كان سلاحا ذا حدين فقد تمكن المصريون بدورهم من أن يحددوا بدقة موقع المظليين وصبت عليهم المدفعية المصرية وابلا من قذائفها، مما أحدث بهم خسائر جديدة. وبدأت الدبابات الاسرائيلية في الانقضاض على المواقع المصرية، وخلال دقيقتين اشتعلت النيران في ثلاث دبابات اسرائيلية بفعل الصواريخ المصرية المضادة للدبابات. ورغم النيران الكاسحة المصرية ظل المظليون صامدين في المعركة التي استمرت منذ منتصف الليل لمدة 14 ساعة متوالية. واتضح أن من المتعذر تخليص رجال المظلات وخروجهم مكشوفين من المعركة، ولذا تمت الاستعانة بالعربات المدرعة التي اندفعت تحت وابل من النيران وقامت باخلاء الجرحى.
وأخيرا أمكن أن تستبدل بقوة المظلات المتورطة كتيبة من لواء توفيا المدرع وسحبهم الى المخلف تحت ستر نيران الدبابات. وبلغت خسائر قوة المظلات 70 قتيلا و100 جريح فضلا عما فقدته من الأسلحة والمعدات. واعترف العقيد عوزي قائد المظلات أن هذهالمعركة هي أقسى ما خاضته قواته من معارك طوال مدة الحرب. وقد وصف موشي ديان في مذكراته قصة لقائه مع العقيد عوزي مائيري قائد قوة المظلات يوم 21 أكتوبر بعد انتهاء المعركة بأيام، فقال: "كنت أعرف عوزي جيدا منذ كان مديرا لمكتب رئيس الأركان في عهد بارليف، وكنت أعرف أنه فقد كثيرا من رجاله في المعركة، ولكني لم أكن أتوقع أن أراه على هذه الصورة من الاكتئاب. كان وجهه يحميل سيماء حزن يفوق الوصف، وتحدثنا عن معركته لفتح مدخل الطريق الى القناة. وقال حاييم بارليف الذي كان معي ان عوزي قد تكبد خسائر فادحة لكنه فتح الطريق. وظل عوزي متمسكا برأيه، فأصر على أنه لم يفتح الطريق وانما فتحته الدبابات، وقال: "كنت أود القول بأن وحدتي فتحت الطريق، ولكن هذا لم يحدث، ولقد خسرنا 70 رجلا لأننا تسرعنا جدا في البدء بالمعركة قبل أن نحصل على معلومات سليمة عن دفاعات العدو".
عندما صدرت الأوامر بتطوير الهجوم شرقا ودفع الفرقة 21 المدرعة صباح يوم 14 أكتوبر من رأس كوبري الفرقة 16 مشاة لم يعد موجودا بالضفة الغربية للقناة في قطاع الجيش الثاني أي تشكيلات مقاتلة لسحق أي اختراق يقوم به العدو سوى اللواء 10 مشاة ميكانيكي بقيادة العقيد أ. ح محمود نمر (من احتياطي القيادة العامة) وكان مسئولا عن تأمين الضفة الغربية للقناة في قطاع القنطرة، والفرقة 23 مشاة ميكانيكية (عدا اللواء 24 المدرع الملحق على الفرقة 2 مشاة) بقيادة العميد أ. ح أحمد عبود الزمر وكانت متمركزة غرب القناة في النطاق الدفاعي الثاني للجيش الثاني الميداني شمال ترعة الاسماعيلية. ولتحقيق نوع من التوازن في النطاق الدفاعي الثاني أصدر اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثاني أمره بتحرك اللواء 116 مشاة ميكانيكي من الفرقة 23 مشاة ميكانيكية الى قتاطع عثمان أحمد عثمان (تقاطع طريق الاسماعيلية القاهرة الصحراوي مع طريق القصاصين أبو سلطان)، وقد أطلق عليه هذا الاسم لوجود استراحة خاصة بعثمان أحمد عثمان بالقرب منه، ويقع على بعد حوالي 30 كم غرب القناة. وقد تم تمركز اللواء في منطقة التقاطع في الساعة الواحدة ظهرا يوم 13 أكتوبر وكلف بمهمة القيام بهجوم مضاد لصد أي اختراق للعدو جنوب ترعة الاسماعيلية حتى خط الحدود مع الجيش الثالث في الجنوب.
وتم تخصيص سرية مشاة مدعمة من اللواء 116 مشاة ميكانيكي للعمل ضد قوات الابرا الجوي المعادي. وقام هذا اللواء بدفع كتيبة مشاة ميكانيكية قامت باحتلال تقاطع طريق (أبو سلطان مع طريق المعاهدة) الموازي للقناة في الساعة الثانية بعد الظهر يوم 14 أكتوبر، ويقع هذا التقاطع على مسافة حوالي 5 كم غرب البحيرة المرة الكبرى ومطار الدفرسوار. وكان الشاطئ الغربي للبحيرة المرة الكبرى محتلا من الدفرسوار شمالا حتى فايد جنوبا بكتيبة مشاة كويتية، ومن فايد حتى خط الحدود مع الجيش الثالث بكتيبة الحراسة رقم 10 وهما كتيبتان ضعيفتا التسليح والتدريب. وكانت المجموعة رقم 129 صاعقة متمركزة في مطار أبو صوير وكتيبة هاون ثقيل وسرية كشف راداري متمركزتين في مطار الدفرسوار الذي لم يكن يستخدم لأغراض الطيران. وكانت مجموعة مدفعية الجيش رقم 1 تحتل مرابضعها جنوب ترعة الاسماعيلية بينما احتلت مجموعة مدفعية الجيش رقم 2 مرابضها شمال الترعة، وكان يتولى قيادتهما العميد أ. ح محمد عبد الحليم أبو غزالة قائد مدفعية الجيش الثاني. أما كتائب الصواريخ سام 2 وسام 3 المضادة للطائرات فكانت منتشرة في مواقعها على بعد حوالي 10-15 كم غرب القناة لتقديم الحماية اللازمة من الجو للقوات المصرية شرق وغرب القناة.
هذا ولم تصل أي معلومات إلى أي قيادة من القيادات المصرية عن عملية عبور لواء المظلات الاسرائيلي غربا الى الدفرسوار بقيادة العقيد داني مات التي بدأت حوالي الساعة الواحدة والنصف صباحا يوم 16 أكتوبر بواسطة القوارب المطاطية والتي انتهت في الساعة الخامسة صباحا الا في الساعة السابعة صباحا. فقد أبلغ قائد كتيبة الكشف الراداري مركز القيادة الرئيسي للجيش الثاني أن قائد السرية التابعة له في مطار الدفرسوار أبلغه عن وجود بعض الدبابات الاسرائيلية مع قوة من المظليين، وكان يطلب التصديق على تدمير جهاز الكشف الراداري الذي يتولى تشغيله حتى لا يقع في يد العدو. وعلى الفور أمر رئيس أركان الجيش الثاني بارسال دورية استطلاع في عربتين مدرعتين من كتيبة المشاة الميكانيكية المتمركزة في منطقة تقاطع طريق أبو سلطان مع طريق المعاهدة، لاستطلاع قوة العدو في مطار الدفرسوار الذي لم يكن يبعد عن مكان التقاطع أكثر من 5 كم شرقا، ولكن الدورية بسبب عدم قيامها باجراءات الوقاية اللازمة وقعت في كمين وتم تدميرها على مدخل مطار الدفرسوار، وتمكن أحد الجرحى من أفرادها من تبليغ رئاسته بالموقف حوالي الساعة التاسعة والنصف صباحا.
وفي حوالي العاشرة صباحا يوم 16 أكتوبر، وصل أول بلاغ عن وجود قوات اسرائيلية غرب القناة الى مركز القيادة المتقدم للجيش الثاني بمعسكر الجلاء بالاسماعيلية ، فقد ابلغ فرع استطلاع الجيش الثاني أن سرية الهاون الثقيل بمطار الدفرسوار أبلغت عن وجود 5 دبابات برمائية اسرائيلية في المطار. وفي الساعة العاشرة والنصف صباحا أبلغ رئيس فرع المياه عن ابرار جوي معاد، وأن العدو تمكن من الاستيلاء على الكوبري البيلي على ترعة السويس (حوالي 2 كم غرب القناة) الذي يمتد فوقه طريق أبو سلطان الى تقاطع عثمان.
وفي الساعة الحادية عشرة صباحا، صدرت أوامر قيادة الجيش الثاني الى كتيبة المشاة الميكانيكية المتمركزة عند تقاطع (طريق أبو سلطان – طريق المعاهد) بدفع سرية مشاة ميكانيكية مدعمة بفصيلة دبابات الى مطار الدفرسوار لتدمير قوة العدو بالمطار والتي قدرت وقتئذ بحوالي 5 دبابات، ولكن هذه السرية لم تلبث أن انقطع اتصالها مع قيادتها واتضح انها عجزت عن تحقيق مهمتها.
وقبيل الظهر قام العدو بأول عملية هجومية عميقة ف اتجاه الغرب، فبينما قامت قوة منه تقدر بحوالي 13 دباباة وبعض عربات نصف جنزير ومقذوفات موجهة صاروخية SS11 بمحاصرة موقع كتيبة المشاة الميكانيكية عند تقاطع (أبو سلطان – طريق المعاهدة) القريب من الدفرسوار، اندفع رتل من قواته يقدر بحوالي 8 دبابات و4 عربات نصف جنزير في اتجاه الغرب مخترقا الأرض الصحراوية شمال وصلة أبو سلطان في اتجاه تقاطع عثمان أحمد عثمان.
وفي الساعة الثانية عشرة ظهرا اتخذ اللواء تيسير العقاد الذي تولى قيادة الجيش الثاني بعد مرض اللواء سعد لواء مأمون صباح يوم 14 أكتوبر قراره بتدمير الرتل المتقدم للعدو في اتجاه العمق، فكلف قائد اللواء 116 مشاة المتمركز في منطقة تقاطع عثمان بالتحرك شرقا بمجموعة قتال تتكون من كتيبة مشاة ميكانيكية مدعمة بفصيلة دبابات وفصيلة مدافع اقتحام SU.100 وكتيبة مدفعية ميدان وسرية 37 مم مضادة للطائرات بمهمة تدمير العدو المتقدم في اتجاه تقاطع عثمان. ونتيجة لتحرك مجموعة القتال على الطريق الأسفلت المتجه من تقطاع عثمان الى اتجاه القناة دون دفع عناصر استطلاع في مقدمة القوة وتعيين حرس جنب لوقاية الأجناب ولعدم وجود دراية سابقة لهذه القوة بالأرض، وقعت مجموعة القتال بأسرها في كمين محكم نصبه العدو عند تقاطع وصلة أبو سلطان مع الطريق القادم شمالا من أبو صوير (على بعد 15 كم شرق تقاطع عثمان) مستغلا التجهيزات الهندسية السابقة للفرقة 16 مشاة في هذا التقاطع قبل عبورها الى شرق القناة. وانتهت المعركة باستشهاد قائد اللواء 116 مشاة ميكانيكي العقيد أ. ح حسين رضوان وتدمير 15 عربة مدرعة ب ك ومعظم الدبابات ومدافع الاقتحام، واحتلت القوات المتبقية بعد المعركة موقعا دفاعيا على بعد 6كم غرب منطقة التقاطع التي دارت فيها المعركة. أما الهجوم الذي شنته الدبابات الاسرائيلية على كتيبة المشاة الميكانيكية عند تقاطع أبوسلطان – طريق المعاهدة عقب القيام بحصارها ، فقد انتهى باختراق دفاعات الكتيبة وتشتت أفرادها وفقدها لقدرتها القتالية.
وعلى مستوى القيادة العامة بالمركز 10 بالقاهرة وصلت المعلومات الأولى من قيادة الجيش الثاني عن عبور العدو الى الغرب صباح يوم 16 أكتوبر ، وكانت المعلومات مقتضبة ولا تثير أي قلق أو انزعاج، اذ كان البلاغ يقول: "نجحت جماعات صغيرة من العدو في العبور الى الضفة الغربية، ويقوم الجيش الثاني باتخاذ الاجراءات اللازمة للقضاء عليها". ولكن في خلال نهار يوم 16 أكتوبر بدأت المعلومات تصل الى المركز 10 بان عددا من كتائب الصواريخ سام قد هوجمت بواسطة دبابات العدو وكانت بعض هذه الكتائب تقع على عمق حوالي 15 كم غرب القناة. وكانت الدبابات الاسرائيلية تظهر فجأة بقوة 7.5 دبابات بالقرب من أحد مواقع الصواريخ، ثم تشتبك مع الموقع من مسافة حوالي 2 كم، فتقوم بتدميره أو اسكاته، ثم تنسحب فجأة لتظهر في مكان آخر وهكذا. ولم تكن كتائب الصواريخ سام لديها الأسلحة الأرضية التي ترد بها على مثل هذا الهجوم، وبالتالي فان دبابات العدو كانت تنسحب بعد تنفيذ المهمة دون أن تلحق بها أي خسائر.
اقامة الجسور الاسرائيلية عبر القناة
كان الجنرال ابراهام أدان قائد مجموعة العمليات رقم 162 قد انتهز فرصة انشغال وحدات اللواء 16 مشاة (الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة) في قتالها العنيف ليلة 16/17 أكتوبر ضد لواء المظلات الاسرائلي بقيادة العقيد عوزي مائيري والذي تم احضاره بطائرات الهليكوبتر من رأس سدر على خليج السويس كي يرسل سرية استطلاع على طريق أكافيش لاختبار قوة المقاومة المصرية على هذا الطريق. وفي الساعة الثالثة والنصف صباح يوم 17 أكتوبر تلقى الجنرال ادان اشارة لاسلكية من قائد سرية الاستطلاع. بأنه تمكن من اجتياز طريق أكافيش ووصلت سريته بسلام الى ساحة العبور بالدفرسوار دون أن تصادفه أي مقاومة، ورغم وجود قوة مصرية شمال الطريق فان انتباهها كان مشدودا الى المعرفة العنيفة التي كانت ناشبة وقتئذ ضد المظليين على طريق طرطور والى القتال الدائر في المزرعة الصينية (قرية الجلاء). وأمر الجنرال أدان في الحال نائبه العميد دافيد تماري بالتحرك على الفور بأجزاء جسر المعديات على طريق أكافيش، في الوقت الذي كان فيه الجسر السابق التركيب معطلات على طريق طرطور في انتظار نتيجة القتال الدائر على هذا الطريق. وتمكن العميد دافيد تماري بدفع بعض الجرارات الثقيلة أمام قافلة معدياته من ازالة حطام الدبابات والمركبات المدمرة والمطعلة التي كانت عرقل الحركة مما ادى الى اخلاء الطريق، ونتيجة لذلك تقدمت قافلة معديات البونتون دون تعطيل على طريق أكافيش حتى وصلت الى حسن لاكيكان (تل سلام) على شاطئ البحيرة المرة الكبرى، وواصلت التحرك بعد ذلك شمالات على طريق ناهالا بحذاء شاطئ البحيرة، وعندما بدأت أنوار الفجر في الظهور اخذت اجزاء جسر المعديات يتوالى وصولها ببطء الى ساحة العبور بالدفرسوار.
وحوالي الساعة السادسة صباح يوم 17 أكتوبر قام المهندسون التابعون لفرقة شارون بدفع أول معدية بونتون الى مياه القناة تمهيدا لدفع باقي المعديات عبر قناة السويس التي يبلغ اتساعها في هذه المنطقة حوالي 180 متر.
وفي الساعة الحادية عشر صباحا وصل العميد جاكي نائب الجنرال شارون الى ساحة العبور وأصبحت تحت قيادته جميع القوات الموجودة في هذه المنطقة. وقبل الساعة الرابعة مساء يوم 17 أكتوبر تم ربط المعدية الأخيرة من سلسلة معديات الجسر، وأصبح جسر المعديات جاهزا في انتظار وصول فرقة الجنرال أدان التي كانت منهمكة في ذلك التوقيت في عملية اعادة التنظيم، وكانت دباباته تقوم باعادة الملء وتعويض الذخيرة بالقرب من موقع كيشوف الذي كان الجنرال ادان قد فتح فيه في اليوم السابق مركز قيادته الأمامي والذي انعقد بالقرب منه صباح يوم 17 أكتوبر مؤتمر كيشوف الذي حضره وزير الدفاع ورئيس الأركان والجنرال بارليف وكل من الجنرال اشرون والجنرال ادان.
عبور فرقة برن الى غرب القناة
كانت مدفعية الجيش الثاني المصري من بعد ظهر يوم 16 أكتوبر قد أخذت في اطلاق نيرانها بشدة في اتجاه رأس الكوبري الاسرائيلي حيث لم يكن المهندسون الاسرائيليون قد تمكنوا بعد من اقامة أي جسر عبر قناة السويس. وقبيل الغروب يوم 16 أكتوبر شنت طائارت الميج 17 المصرية هجوما مركزا على قوات رأس الكوبري الاسرائيلية فوق القناة، أعلن كل طرف بعدها أنه دمر للطرف الآخر 10 طائرات. وفي صباح يوم 17 أكتوبر وبعد أن أخذ المهنسدون التابعون لفرقة الجنرال شارون في مد جسر المعديات من ساحة العبور في الدفرسوار الى الشاطئ الغربي للقناة. فطن المصريون الى خطورة العملية التي يدبرها الاسرائيليون وبدأت على اثر ذلك مدفعية الجيش الثاني في قصف راس الكوبري على ضفتي القناة قصفا عنيفا، فأصيب مركز قيادة العقيد داني مات قائد لواء المظلات الذي عبر الى غرب القناة ليلة 15/16 أكتوبر اصابة مباشرة وجرح نائبة وعشرات من رجاله وتم اخلاؤهم الى الضفة الشرقية للقنالة. وسرعان ما انهالت دانات المدفعية وقذائفها الصاروخية على الضفة الشرقية للقناة. وثبت للاسرائليين ان المدفعية الصمرية نجحت في تحديد مكان ساحة العبور وفي رصد جسر المعديات فوجهت اليهما نيران عشران من بطاريات المدفعية من كل الأعيرة والأنواع. ومنذ صباح 17 أكتوبر حتى نهاية الحرب لم يتوقف القصف المدفعي المصري على الاطلاق.
وعلى الرغم من كثافة نيران المدفعية استمر المهنسدون الاسرائيليون في اقامة جسر المعديات عبر القناة وكانوا يقومون باخلاء الافراد المصابين الى الخلف وتغيير المعديات التي تدمر بمعديات غيرها. وكان عدد الجرافات يقوم بازالة الساتر الرملي على شاطئ القناة وتسوية الأرض في موضع الجسر، وكانت الأطواف العائمة والقوارب المطاطية تنطلق ذهابا وايابا بين شاطئي القناة حاملة الافراد والعتاد للمعاونة في اقامة أول جسر اسرائيلية في الدفرسوار عبر قناة السويس.
وفي اثناء اقامة جسر المعديات قامت الطائرات الاسرائيلية باعداد ضخمة بغارات عنيفة على الجنب الايمن للفرقة 16 مشاة ووحدات الفرقة 21 المدرعة شمال قرية الجلاء والمغذي الرئيسي لمنع أي وحدات مصرية من التدخل في اعمال اقامة جسر المعديات الاسرائيلي.
وكان الجنرال ابراهام أدان (برن) عقب انتهاء معركته مع اللواء 25 المدرع المصري قد قفل عائدا بوحداته المدرعة الى منطقة كيشوف للقيام بعملية اعادة التنظيم. وقبيل الغروب استمع برن في شبكة الاتصال بدبابة القيادة التي كان يستقلها الى صوت الجنرال شارون وهو يردد دون انقطاع "أين برن؟" كل شيئ جاهز للعبور، لماذا يتسبب برن في تعطيل كل شيء؟، ورغم ما انتاب الجنرال برن من غضب فانه قام على الفور بالاتصال بالجنرال جونين واخطره انه يقوم باعادة تموين وحداته بالوقود والذخيرة وانه سيكون على استعداد لعبور الجسر المقام على القناة عقب حلول الظلام مباشرة، وطلب غيار قواته التي ما زالت تعمل تحت قيادة شارون والتي ما تزال مشتبكة في القتال مع القوات الصمرية على الجناح الايمن للجيش الثاني وفي والمزرعة الصينية. وكانت هذه القوات تتكون من اللواء المدرع بقيادة العقيد جابي وكتيبة مدرعة من لواء العقيد نيتكا، ولم يتم اعادة هذه الوحدات الى لفرقة لاجنرال ادان الا متاخرا مساء يوم 17 أكتوبر.
وفي الساعة التاسعة مساء يوم 17 أكتوبر تحركت فرقة الجنرال برن من منطقة كيشوف على طريق أكافيش وكان برن مع مركز قيادته الامامي في المقدمة وكان يتبعه لواء العقيد نيتكا ثم لواء العقيد جابي وكان من المنتظر ان يلحق به لواء العقيد آرييه قبل بدء العبور ليستكمل الجنرال برن وحدات فرقته.
وفي الساعة العاشرة مساء وصل طابور فرقة الجنرال برن المقيد الاضاءة الى جسر المعديات الذي تمت اقامته عبر القناة بين النقطتين القويتين لحصن الدفرسوار (الحصن الاسرائيلي السابق متسميد). وفي هذا الوقت تلقى الجنرال أدان (برن) رسالة لاسلكية من الجنرال جونين يخطره فيها بان اللواء المدرع بقيادة العقيد آرييه تم سحبه من تحت قيادته ليصبح الاحتياطي العام للقيادة الجنوبية. ويتضح من هذا العمل مدى حرص القيادة الجنوبية الاسرائيلية على أن يظل محتفظا بصفة دائمة باحتياطي عام تحت قيادته المباشرة تحسبا للطوارئ. وكان اللواء المدرع بقيادة العقيد توفيا التابع لتشكيل فرقة شارون والذي كان قد وضع مؤقتا تحت قيادة برن أثناء عملية تطهير محوري أكافيش وطرطور قد أعيد الى قيادة شارون عندما تأهبت فرقة برن للعبور الى غرب القناة. لذلك نقصت قوة الجنرال برن الى حوالي 200 دبابة فقط وأصبح مجموعة أفراد فرقته لا يتجاوز تسعة آلاف من الضباط والجنود.
وفور الوصول الى جسر المعديات اندفعت الدبابات لعبور القناة الى الغرب وفي مقدمتها دبابة الجنرال برن الذي أخذ يصيح في ابتهاج في جهاز اللاسلكي "عبرت الى أفريقيا .. عبرت إلى أفريقيا". بينما اخرج أحد رجاله زجاجة من الخمر وشرب نخبا احتفالا بهذه المناسبة وأخذت الزجاجة تنتقل من رجل الى اخر. وكان العقيد حاييم قائد اللواء المدرع التابع لفرقة شارون والذي سبق عبوره على راس 30 دباباة من لوائه الى غرب المنطقة التي تم تحديدها لتجميع الفرقة في مطار الدفرسوار. وعندما وصل الجنرال برن بدبابة قيادته الى الشاطئ الغربي للنقاة قابله العقيد حاييم باشد مظاهر الترحيب بعد ان ظل وحده بدباباته الثلاثين مع لواء المظلات حوالي 40 ساعة دون ان تلحق بهم اي قوات اضافية. وعندما وقف برن على الشاطئ الغربي لمشاهدة عبور فرقته التي لم تصل منها بعد دبابته سوى دبابتين فقط، لاحظ لجزعه الشديد أن العبور قد توقف، فقد انهالت قذائف المدفعية المصرية من وحدات مدفعية الجيش الثاني في غلالات كثيفة على جسر المعديات وساحتي الابحار شرق القناة والابرار غربها في اشد عمليات قصف حدثت منذ بداية الحرب، مما اضطر معه الجنرال أدان ومجموعة قيادته الى الاحتماء في الحفر وجدران المباني لتجنب النيران التي كانت تنهمر عليهم في تركيز شديد.
واكتشف المهندسون العسكريون الذين اندفعوا نحو الجسر من الشاطئئ – بعضهم على الاقدام والبعض الاخر في قوارب – للاطمئنان الى سلامته، ان احدى قذائف المدفعية المصرية قد فتحت فجوة في الجسر مما كان يعني تعطيل عبور فرقة الجنرال برن. وكان الموقف حرجا فقد احتشد في ساحة العبور وفي الطرق المؤدية اليها طابور طويل من الدبابات والمركبات المحملة بالامدادات والذخيرة ولم تكن قافلة معديات البونتون الاحتياطية قد وصلت بعد. اذ كانت لا تزال معطلة على طريق أكافيش في زحمة السير الهائلة التي احتشدت عليه.
وبناء على نصيحة العميد جاكي نائب شارون والمسئول عن اقامة وتأمين الجسور اصدر الجنرال برن أوامره بالاستمرار في نقل الدبابات الى الشاطئ الغربي فوق المعديات المتحركة ريثما تتم علية اصلاح الجسر التي كان من المنتظر ان تستغرق بعض ساعات. وخلال تحرك المعديات من شرق القناة الى غربها وهي تحمل الدبابات تلقت معدية منها وهي في منتصف اقناة اصابة مباشرة من المدفعية المصرية فغرقت الدبابتان اللتان على سطحها واستطاع ثلاثة أفراد فقط من طاقميها القفز الى الخارج والنجاة بأنفسهم بينما غرق الباقون.
وفي الوقت الذي اجتاحت فيه الجنرال برن عوامل القلق بسبب هذه الظروف العصيبة التي واجهت عبور فرقته. لمعت فكرة ذكية في ذهن أحد الضباط المهندسين لامكان اصلاح الجسر بسرعة، فقد أمر دبابة معدة لمد الجسور من طراز باتون من دبابات العقيد حاييم بالصعود الى الجسر، وعند المكان الذي فتحت فيه الفجوة توقفت الدبابة ومدت فوق جسر المعديات الجسر المعدني القابل للانطواء المتصل بالدبابة وبذلك تم سد الفجوة واصبح الجسر جاهزا لاستنئاف عبور دبابات الجنرال برن. وبحلول الساعة الرابعة صباحا يوم 18 أكتوبر كانت جميع وحدات فرقة برن قد وصلت سالمة الى راس الكوبري غرب القناة والذي كان يمتد بين قناة السويس وترعة المياه الحلوة الموازية للقناة (ترعة السويس). وهكذا أصبح للعدو صباح يوم 18 أكتوبر غرب القناة فرقتان مدرعتان كانت احداهما بقيادة الجنرال شارون وتتكون من لواء المظلات بقيادة العقيد داني مات واللواء المدرع بقيادة حاييم (بعد أن تم لباقي دبابات اللواء العبور الى الغرب واللحاق بمجموعة الدبابات الثلاثين التي عبرت صباح يوم 16 أكتوبر) وكانت الفرقة الأخرى بقيادة الجنرال ابراهام ادان (برن) وتتكون من لواءين مدرعين بقيادة العقيدين نيتكا وجابي.
زيارة ديان لقيادة شارون غرب القناة
عند ظهر يوم 17 أكتوبر وعقب انتهاء مؤتمر كيشوف الذي عقد بمركز القيادة الامامي للجنرال برن الذي غادر المؤتمر مع مجموعة قيادته وتوجه جنوبا لقيادة المعركة ضد اللواء 25 المدرع. اصطحب الجنرال شارون معه موشى ديان وزير الدفاع الى ساحة العبور حيث عبرا قناة السويس معا على ظهر احدى معديات البونتون المتحركة وتوجها الى مقر القيادة المتقدم للجنرال شارون على الضفة الغربية للقناة.
وقد وصف موشى ديان هذه الزيارة التي كانت اول زيارة له الى الضفة الغربية للقناة في مذكراته فقال: "طلب مني ايريك (اسم التدليل لشارون) بعد عبورنا القناة ان نصعد على ظهر عربة مدرعة، ولكني فضلت ان اقطع جزءا من الطريق سيرا على الاقدام. وكان رجال المظلات يرقدون على المنحدرات الترابية وهم محملون بالمعدات الشخصية وكانوا مجهدين وعيونهم نصف مغمضة. بينما في اقصى الغرب في عمق ارض العدو كانت تقف عدة دبابات، أخبرني ايريك انه ترك سبعة دبابات مع العقيد داني مات (قائد لواء المظلات) للدفاع عن راس الكوبري بينما تقف باقي الدبابات التي يزيد عددها على العشرين دبابة على الجبهة الامامية. وانهم في اليوم السابق (16 أكتوبر) وأثناء العمليات على الضفة الغربية اعطبوا 20 دبابة مصرية ودمروا بطاريتين من صواريخ الدفاع الجوي سام".
وخلال زيارة موشى ديان لمقر قيادة شارون اقترح عليه خطة جديدة لتوسيع ثغرة الاختراق اشد تاثيرا من وجهة نظره من العمليات العميقة السابقة الواسعة النطاق التي رسمت لتطويق القوات المصرية. وذكر ديان ان الحل الافضل هو طي الجناح الايمن للجيش الثاني المصري شرق القناة عن طريق الاندفاع شمالات في عمليتين متوازيتين شرق وغرب القناة ومن خلال المعاونة المتبادلة بين القوات الاسرائيلية على كلا الشاطئين، يمكن لكل قوة منهما على الشاطئ احداث تهديد خطير لجنب القوات المصرية على الشاطئ الآخر للقناة مما يؤدي الى تهطير الشاطئين وتويع ثغرة الاختراق.
وحول هذه النقطة بالذات انفجر نقاش حاد وعنيف بين الجنرال شارون والجنرال جونين ، فقد طلب شارون عبور لواء آمنون المدرع التابع لفرقته الى الضفة الغربية للقناة في الوقت الذي كان يصر فيه الجنرال جونين على ضرورة بقائه على الضفة الشرقية ودفعه شمالا في اتجاه الطالية (في منتصف راس كوبري الفرقة 16 مشاة)، بهدف توسيع ثغرة الاختراق. والتجا شارون الى الجنرال حاييم بارليف (الممثل الشخصي لرئيس الاركان العامة في القيادة الجنوبية) فاستجاب لطلبه وامر بعبور لواء آمنون الى الغرب. ونظرا لان شارون أصبح – ومعظم قواته بعد عبور لواء آمنون – موجودا على الضفة الغربية للقناة، فقد ذهب ثانية الى بارليف مقترحا تغيير الخطة الموضوعة من قبل، وبدلا من ان تتجه فرقته جنوبا والى الغرب من فرقة برن بحذاء القناة كان اقتراح شارون يقضي بان يبقى في موقعه لتوسيع راس الكوبري بهدف الاندفاع شمالا بعد ذلك في اتجاه الاسماعيلية. ووافق بارليف، واستدعى جونين لابلاغه بالتغيير الذي جرى في الخطة، وبدلا من ان تكون فرقة كلمان ماجن مسئولة عن تامين راس الكوبري بعد تسلمها هذه المهمة من فرقة شارون كما كان مقررا في الخطة، أصبحت مهمتها الاندفاع جنوبا غرب فرقة برن في اتجاه السويس، وأصبح من واجب شارون البقاء بفرقته في راس الكوبري في موقعه الحالي للاندفاع شمالا بعد ذلك الى الاسماعيلي. ووافق جونين في الحال على هذا التعديل في الخطة، موضحا لبارليف ان الحياة ستكون اسهل كثيرا بالنسبة له عندما يتولى قيادة فرقتي برن وماجن بدلا من شارون، اذ انه سيتعامل مع قادة يشعر بانهم يتعاونون معه، وان تحفظاتهم – ان وجدت – لن يكون لها طابع شخصي. ورحب جونين بان يكون الاندفاع الاسرائيلي نحو الجنوب على شكل مروحة: برن الى اليسار وماجن الى ايمين ومن خلفه، وبذلك يزداد العمق اثناء التقدم كما يتم خلق قاعدة وطيدة للمقاومة في حالة حدوث اي تعثر على الجبهة.
وقبل عبور لواء آمنون الى الضفة الغربية للقناة، امره الجنرال شارون بمهاجمة المزرعة الصينية (قرية الجلاء) من الخلف، كانت قوات اللواء 16 مشاة ووحدات الفرقة 21 المدرعة قد استنزفت في المعارك المريرة القاسية التي دارت رحاها داخل القرية، ولذا لم تلبث المزرعة الصنيية ان سقطت في يد القوات الاسرائيلية. وانكشف امام انظار الاسرائيليين صورة لمنطقة دفاعية على مستوى عالي من التنظيم كانت تضم في ارجائها مواقع عديدة مهجورة لاسلحة ومدافع وصاريخ ساجر (مالوتكا) المضادة للدبابات والتي كانت منتشرة بكثافة في المنطقة باكملها. وبعد سقوط المزرعة الصنيية، واصل آمنون الضغط لتوسيع راس الكوبري شرق القناة الى مسافة حوالي 5 كم شمالا.
زيارة ديان للمزرعة الصينية
وبعد الظهر، وصل موشي ديان الى ارض المعركة برفقة الجنرال شارون، وقد وصف موشي ديان في مذكراته هذه الزيارة التي قام بها للمزرعة الصنية فقال: "لم استطع اخفاء مشاعري عند مشاهدتي لها، فقد كانت مئات من العربات العسكرية المهشمة والمحترقة متناثرة في كل مكان وبعضها ما زال يتصاعد منه الدخان، كما كانت هناك دبابات اسرائيلية ودبابات مصرية لا يبعد بعضها عن بعض سوى بضع ياردات، وكانت هناك ايضا عربات نقل امدادات مهجورة فاجاتها الغارة الجوية وقذائف المدفعية، وكانت بين الاسلحة والمعدات بطاريات سام 2 وسام 3، وكان وسط كل بطارية منصة ثابتة لاطلاق الصواريخ وحولها عربات محملة بالصواريخ بعضها سليم لم يمس وبعضها مدمر. ومع اقترابنا من كل دبابة كان الامل يراودني ألا أجد علاوة الجيش الاسرائيلي عليها، وانقبض قلبي كان هناك الكثير من الدبابات الاسرائيلية. ومع ان مناظر الحرب أو المعركة لم تكن غريبة بالنسبة لي، فانني لم اشاهد على الاطلاق مثل ذلك المنظر لا على الطبيعة ولا في اللوحات ولا في افظع افلام السينمائية الحربية. لقد كان امامنا ميدن شاسع لمذبحة اليمة يمتد الى أبعد ما تستطيع العين الوصول اليه. كانت الدبابات والمركبات والعربات المدرعة والمدافع وعربات نقل الذخيرة المعطلة والمقلوبة والمحترقة دليلا مروعا على المعركة الرهيبة التي دارت هنا".
وعندما شاهد آمنون مدى تاثر موشى ديان وارتجافه بسبب آثار هذه المعركة الوحشية قال له: "انظر الى وادي الموت هذا".. وتمتم ديان بدهشة قائلا: "ماذا فعل رجالك هنا؟".
اقامة الجسر السابق التركيب
في الصباح الباكر يوم 18 أكتوبر، أمر الجنرال شارون نائبه العميد جاكسي الذي أصبح المسئول الاول عن عملية اقامة جميع الجسور عبر القناة باحضار الجسر السابق التركيب الى الامام. وكان هذا الجسر قد ظل معطلا منذ الليلة الاولى للعبور (ليلة 15/16 أكتوبر) بعد أن غرزت بعض اجزائه على طريق طرطور على بعد حوالي 18 كم شرق النقاة، ولم يكن من المتيسر جره الى اتجاه ساحة العبور في الدفرسوار الا بعد ان يتم للقوات الاسرائيلية فتح طريق طرطور الذي كان الجزء الاخير منه يخترق مواقع اللواء 16 مشاة (الجنب الايمن للفرقة 16 مشاة) . ونظرا لنجاح قوات الجنرال ادان في تحقيق المهمة التي اسندت اليها قبل عبورها الى الضفة الغربية، وهي فتح طريقي أكافيش وطرطور والاشتراك مع قوات الجنرال شارون في الاستيلاء على المزرعة الصينية (قرية الجلاء)، لذلك أصبحت الفرصة متاحة لاحضار الجسر المعطل على طريق طرطور، والعمل على اقامته على وجه السرعة عبر القناة عند الدفرسوار بجوار جسر معديات البونتون، ليكون هناك جسران ثابتان فوق القناة وفقا للخطة الاصلية (القلب الشجاع)، اذ كان من الخطر عبور فيلق مدرع (فرقتي شارون وأدان) الى الضفة الغربية مع الاعتماد على جسر واحد فقط للربط بين ضفتي القناة.
وبناء على تعليمات شارون، بدأ الجسر السابق التركيب والبالغ طوله حوالي 180 متر في التحرك غربا في اتجاه ساحة العبور صباح يوم 18 أكتوبر على طريق طرطور، وكانت تجره مجموعة مكونة من 12 دبابة اسرائيلية، كان الجسر متصلا بها بواسطة حبال لاسلكية سميكة، وكان ينزلق ببطء على الرمال فوق اسطوانات تدور حول نفسها ومثبتة به من أسفل. ولم تكن عملية الجر سهلة ، فقد كانت حبال الجر التي تربط الدبابات بالجسر ينقطع بعضها أثناء التحرك فتضطر القافلة الى التوقف لاصلاحها، علاوة على الضرب المركز من المدفعية المصرية التي كانت تطلق نيرانها من راس كوبري الفرقة 16 مشاة شرق القناة مما كان يعرقل سير القافلة، وقد تسبب في وقوع خسائر عديدة في الافراد والمعدات.
وكانت ثلاثة جرارات ثقيلة تتقدم القافلة لازالة اي عوائق بما فيها حطام الدبابات والمركبات المدمرة او المعطلة لتدفع بها خارج الطريق. وعلى راس قافلة الجسر سارت عربة جيب كان يستقلها المقدم جوني تان رئيس المهندسين العسكريين الذي كله العميد جاكي بمهمة احضار الجسر الى القناة واقامته في موضعه المحدد، والى جواره جلس مساعده اسحق بن دوف. ونظرا لان طريق طوطور كان مليئا بالألغام، فقد أسندت مهمة تطويره الى مجموعة المهندسين العسكريين من خبراء المفرقعات، ولم تكن العملية سهلة، فقد كانت القافلة تتحرك تحت قصف متواصل من المدفعية المصرية مما جعل خبراء المفرقعات – منعا لتعطيل السير – يخاطرون برفع الالغام دون اتخاذ اجراءات الوقاية اللازمة لتأمينها كي يضعوها على جانبي الطريق وهي حية، أي بدون استخراج المفجر منها لابطال مفعولها.
واجتاز افراد الدبابات والمهندسون الاسرائيليون المنطقة الاخيرة من الطريق التي كانت تخترق مواقع اللواء المصري 16 مشاة السابقة قبل أن تضطر وحدات اللواء الى اخلائها والانسحاب شمالا تحت ضغط العدو. وكانت آثار المعارك الشرسة التي دارت بين الطرفين واضحة للعيان، ففي كل جزء من الطريق كانت جثث المصريين والاسرائليين مطروحة على الارض جنبا الى جنب، وقد تناثرت حطام الدبابات والمركبات والاسلحة المصرية والاسرائيلية مما جعل المنطقة اشبه بواد للموت أو مقبرة رهيبة للحرب.
وعلى الرغم من ان قوات الجنرال ادان قد تمكنت من فتح الطريق وازاحة المقاومات المصرية فان العميد جاكي خصص وحدة من الدبابات واخرى من الاسلحة المضادة للطائرات لمرافقة الجسر وتامينه اثناء التحرك. وقد عانى افراد اطقم هذه الدبابات عناء بالغا بسبب اضطرارهم الى التحرك ببطء بمعدل جر اجزاء الجسر، كما أن ذلك جعلهم هدفا سهلا للكمائن المصرية من اطقم اقتناص الدبابات.
ووصل الجسر بعد مشقة وعناء الى تقاطع طريق طرطور مع طريق لكسيكون (الطريق العرضي رقم 1) الموازي للقناة، وتعرضت القافلة عند وصولها الى التقاطع لغارة جوية عنيفة قامت بها مجموعة من طائرات الميج المصرية، مما اجبرها على التوقف ومحاولة الانتشار للوقاية من هجوم الطائرات. وكلفت هذه الغارة الاسرائليين ثمنا باهظا. فقد قتل خلالها المقدم جوني تان رئيس المهندسين العسركيين ، وكان يعد من امهر الخبراء العسكريين الاسرائيليين في اقامة الجسور علاوة على درايته التامة باحوال منطقة العبور، اذ كان يعرف كل شبر فيها. وادرك العميد جاكي بعد مصرعه مدى الورطة التي أصبح يواجهها، اذ ان اي خطوة يمكن ان تؤدي الى فشل عملية اقامة الجسر بأكملها. ولم يكن أمامه من حل سوى ان يفحص بنفسه مدى تحمل التربة من منطقة التقاطع الى ساحة العبور، وامتطى العميد جاكي دبابة قائد كتيبة الدبابات التي كانت تحمي القافلة وبرفقته عربة مدرعة نصف جنزير وتحرك من التقاطع في اتجاه ساحة العبور وهو يفحص بدقة تامة مدى صلابة الارض حتى يمكن للجسر الثقيل ان يتبع خط سيره دون ان يغرز في الرمال. وأخيرا نجحت التجربة ووصل الجسر السابق التركيب الى ساحة العبور بالدفرسوار قبل آخر ضوء يوم 18 أكتوبر. وعند منتصف الليل انتهى المهندسون العسكريون من اقامة الجسر بين شاطئي القناة في موضع يقع على بعد حوالي 200 متر فقط شمال موضع جسر المعديات البونتون. وبعد ان فتح الجسر للعبول اصبح لاسرائيل جسران ثابتان فوق قناة السويس. وفي يوم 19 أكتوبر تم اقامة جسر ثالث من معديات البونتون شمال الجسر الثاني. وكانت الجسور الثلاثة مقامة في مساحة طولية تبلغ نحو 500 متر من القناة بهدف تركيز الدفاع عنها سواء ضد غارات الطائرات المصرية أو ضد عمليات التسلل تحت الماء من الضفادع البشرية المصرية. وكانت ساحة العبور بالدفرسوار التي اصبحت مزدحمة بالافراد ومعدات الجسور والدبابات والمركبات تتولى قوة العميد جاكي ادارتها وتشغيلها، وكانت هذه القوة مشكلة من كتائب المهندسين العسكريين لاقامة الجسور واصلاحها وصيانتها ووحدات مضادة للدبابات لحمايتها من الغارات الجوية ومراكز طبية لاخلاء الجرحى والمصابين القادمين من غرب القناة الى مستشفيات الميدان.
الخطة المصرية لتصفية الثغرة
عندما أدركت القيادة المصرية حقيقة العملية الكبرى التي تجري على ضفتي قناة السويس، وأمكنها رصد منطقة الجسور فوق القناة، وكذا ساحة العبور على الضفة الشرقية وساحة الابرار عند الدفرسوار على الضفة الغربية، تعرضت كل هذه المواقع لنيران مركزة متواصلة من وحدات مدفعية الجيش الثاني شرق وغرب القناة. وكان القصف مؤثرا الى الحد الذي ادى الى مقتل 41 ضابطا وجنديا من قوة جاكي في ليلة واحدة فقط، وبلغ عدد القتلى في نهاية المرحلة في ساحلة العبور وحدها وفقا للاحصائيات الرسمية الاسرائيلية اكثر من 100 قتيل، هذا بخلاف المئات من الجرحى والمصابين.
وكانت الخطة المصرية التي وضعت لتصفية ثغرة الاختراق الاسرائيلية شرق القناة وغربها يوم 18 أكتوبر تقضي بقيام اللواء 23 المدرع (من الفرقة 3 مشاة ميكانيكية) بهجوم مضاد على قوات العدو الموجودة داخل راس الكوبري الاسرائيلي في منطقة الدفرسوار غرب قناة السويس بمعاونة اللواء 116 مشاة ميكانيكي واللواء 182 مظلات، وفي نفس الوقت تقوم وحدات من الفرتقين 16 مشاة و21 المدرعة بهجوم مضاد على قرية الجلاء (المزرعة الصينية) والنقطة القوية في الدفرسوار شرق القناة لمحاولة اغلاق الطريق المؤدي الى ساحة العبور الاسرائيلية واستعادة الاوضاع الى ما كانت عليه في راس كوبري الفرقة 16م مشاة (الجناح الأيمن للجيش الثاني).
وفي ليلة 17/18 أكتوبر، قام اللواء تيسير العقاد قائد راس الكوبري الموحد الذي كان يضم الفرقتين 16 مشاة بقيادة العميد أ. ح عبد رب النبي حافظ و21 المدرعة بقيادة العميد أ. ح ابراهيم العرابي بتنظيم التعاون لعملية الهجوم المضاد، وفقا لقرار اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني، وقد تم ذلك في مركز القيادة المتقدم للفرقة 21 المدرعة بحضور قائدي الفرتقين المشاة والمدرعة وكذا قادة الوحدات التي ستشترك في عملية الهجوم المضاد.
وكان الموقف العام للعدو ولقواتنا كما يلي:
العدو: يدافع جنوب خط المغذي الرئيسي بحوالي كيلو متر وتقدر قوته باكثر من 50 دبابة مدعمة بعناصر مشاة ميكانيكية وبكتيبتين مضادتين للدبابات، علاوة على عدة نقط قوية في قريتي الجلاء ومنطقة الدفرسوار (شرق القناة).
قواتنا: كان العدد المتبقي من دبابات الفرقة 21 المدرعة بعد المعارك التي خاضتها منذ تطوير الهجوم يوم 14 أكتوبر لا يزيد على 40 دبابة. ولهذا صدرت الاوامر بتحرك كتيبة من اللواء 24 المدرع (من الفرقة 23 مشاة ميكانيكية وملحق على الفرقة 2 مشاة منذ بداية الحرب) لكي تنضم من مكان تمركز اللواء بالاسماعيلية شرق على قوات الهجوم المضاد وكانت قواتها 21 دبابة، هذا بالاضافة الى كتيبة دبابات الفرقة 16 مشاة التي كانت قوتها حوالي 20 دبابة مما يجعل جملة الدبابات المخصصة للهجوم المضاد نحو 80 دبابة.
وتحددت الساعة الثانية عشرة ظهرا يوم 18 أكتوبر موعدا لبدء الهجوم، وذلك لعدم توافر المجهود الجوي الذي سيخصص لمعاونة العملية قبل ذلك التوقيت.
وقبل ساعة س (موعد بدء الهجوم) تعرض راس الكوبرب الموحد لهجمات متواصلة من طائرات العدو والى قصف عنيف من مدفعيته بعيدة المدى من عيار 155 مم و175 مم، مما ادى الى ارباك التحضيرات الهجومية لقواتنا، وتسبب في وقوع كثير من الخسائر الى الحد الذي اضطر معه قائد راس الكوبري الموحد الى تاخير ساعة س. وتسبب في وقوع كثير من الخسائر الى الحد الذي اضطر معه قائد راس الكوبري الموحد الى تاخير ساعة س. وكان من بين الذين اصيبوا العميد أ. ح عبد النبي حافظ قائد الفرقة 16 مشاة الذي اصيب بشظية في فخذه من احدى دانات المدفعية اثناء وجوده في مركز الملاحظة الامامي للفرقة شرق الطالية، وتم اخلاؤه الى مستشفى المعادي وتولى قيادة الفرقة من بعده العميد أنور حب الرمان رئيس أركان الفرقة 16 مشاة.
وكانت خطة الهجوم المضاد تقضي بقياد كتيبة مشاة ميكانيكية من اللواء 18 مشاة ميكانيكي بمهاجمة قرية الجلاء وتدمير العدو فيها واتخاذ مواقع دفاعية جنوبها مع الاستعداد لصد أي هجمات مضادة للعدو.
وكان على اللواء الاول المدرع مهاجمة العدو غرب قرية الجلاء في القطاع المحصور ما بين الطريق العرضي رقم 1 وقناة السويس وتدمير العدو في مواجهته وتطوير الهجوم معتمدا على المشاة الميكانيكية للوصول الى النقطة القوية الشمالية في الدفرسوار والاستيلاء عليها. وكان الأمل معقودا على نجاح القوات المصرية التي ستقوم بالهجوم المضاد غرب القناة، لتدمير العدو والاستيلاء على المصاطب الممتدة على الساتر الترابي المحاذي للشاطئ الغربي للقناة والتي يمكنها في هذه الحالة معاونة قوات الهجوم المضاد شرق القناة وتهديد جنب العدو شرق القناة تهديدا مباشرا.
وعند الهجوم ، لم تتمكن كتيبة المشاة الميكانيكية من اللواء 18 مشاة ميكانيكي المكلفة بمهاجمة قرية الجلاء من تنفيذ مهمتها، نظرا لشدة الضرب الجوي المركز عليها، فتم ارتدادها الى الخلف وانضمت الى باقي وحدات اللواء للدفاع عن الخط الممتد شمال قرية الجلاء.
وأثناء تقدم اللواء الاول المدرع لتنفيذ المهمة المسندة اليه، اشتبك مع حشد كبير من دبابات العدو قامت بهاجمته من الشرق والجنوب وامكنه تدمير 13 دبابة اسرائيلية ولكن موقفه ازداد سوءا لقيام بعض دبابات العدو الموجودة على الشاطئ الغربي للقناة واطلاق نيران مدافعها عليه عبر القناة وتهديد جنبه الايمن. ونتيجة لكثافة نيران العدو اضطر الى الارتداد للخلف بعد ان اصبح عدد دباباته المتبقية 9 دبابات فقط.
وازاء شدة ضغط العدو على الجنب الايمن لراس الكوبري الموحد وقلة عدد الدبابات، اصدر قائد الجيش الثاني امره الى قائد اللواء 24 المدرع الذي كان متمركزا بمنطقة الاسماعيلية شرق والذي سبق له ارسال كتيبة من وحداته للانضمام الى قوة الهجوم المضاد، بان يقوم بالتخرك بباقي اللواء الى منطقة شمال غرب الطالية، واثناء تقدم اللواء 24 المدرع في اتجاه الطالية تعرض لقصف مركز من طيران ومدفعية العدو، ولكنه تمكن من الوصول الى راس الكوبري الموحد، واشترك مع باقي عناصر الفرقة 21 المدرعة في صد دبابات العدو التي هاجمت الجنب الايمن للفرقة 16 مشاة بقوة. ورغم ما ابدته هذه القوات من شجاعة وعناد وما تكبده العدو من خسائر فادحة، فان قوات العدو واصلت تقدمها شمالا من قرية الجلاء في اتجاه مدق السواحل شمال المغذي الرئيسي، واصبح الخط الذي تحتله وحدات الفرقة 21 المدرعة بعد انسحابها يتحاذي تقريبا مع سرابيوم على الضفة الغربية للقناة.
وهذا تحولت مهمة القوات التي كانت مخصصة للهجوم المضاد الى مهمة اخرى وهي صد اختراق العدو. وكان جانب كبير من هذا التحول في الخطة يرجع الى فشل القوات التي قامت في الصباح بالهجوم المضاد على راس كوبري العدو غرب القناة في مهمتها، وبالتالي احتفاظ العدو بسيطرته على المصاطب المصرية السابقة غرب القناة من مصطبة الدفرسوار جنوبا الى مصطبة الضخ شمالا، مما جعل الجنب الايمن للفرقة 21 المدرعة واقعت تحت تهديده المباشر.
وبعد ظهر يوم 18 أكتوبر، أبلغت القيادة العامة المركز 10 العميد أ. ح ابراهيم العرابي قائد الفرقة 21 المدرعة بان الصور الجوية التي التقطت للمنطقة شرق الدفرسوار وجنوب المغذي الرئيسي توضح ان وحدات الفرقة 21 المدرعة قد دمرت عددا كبيرا من دبابات العدو. وقد ساعدت هذه الاشارة اللاسلكية على رفع الروح المعنوية في الفرقة بعد الخسائر الجسيمة التي تكبدتها في الارواح والاسلحة والمعدات. وحوالي الساعة الرابعة مساء ارسل اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني تقرير موقف مطولا ضمن اشارات لاسلكية الى القائد العام الفريق اول احمد اسماعيل، كان القسم الأول منه عبارة عن شرح للموقف غرب القناة. اما القسم الثاني والاخير منه فكان عبارة عن شرح للموقف شرق القناة. وكان اهم ما تضمنه القسم الخاص بشرق القناة ان العدو قام بالاختراق حتى الضخ (المغذي الرئيسي) وزاد اختراقه حتى مدق السواحل، ولكن رغم هذا فان الموقف ليس سيئا، وقد قاتلت الفرق صباحا (الفرقة 21 المدرعة والفرقة 16 مشاة) ودمرت بعض دبابات العدو. وقد قاتلت الفرق صباحا (الفرقة 21 المدرعة والفرقة 16 مشاة) ودمرت بعض دبابات العدو. وورد في التقرير ان ضرب الطيران المصري كانت اثاره جيدة. وفيما يتعلق باللواء 24 المدرع (المتمركز بمنطقة الاسماعيلية شرق على الضفة الشرقية للقناة) فقد تقدم من أعلى إلى أسفل. وتعرض للضرب من الطيران الاسرائيلي. واورد التقرير أن اللواءين المشاة الباقيين في الفرقة 16 مشاة (بعد اخلاء اللواء 16 لمواقعه من قبل تحت ضغط العدو) متماسكان في مواقعهما داخل راس الكوبري، وطلب اللواء عبد المنعم في تقريره عودة اللواء تيسير العقاد الى مركز القيادة المتقدم للجيش الثاني بالاسماعيلية، وأن يتولى العميد أ. ح ابراهيم العرابي قيادة راس الكوبري الموحد. واوضح قائد الجيش الثاني في ايجاز خطته لليوم التالي (19 أكتوبر) ، فذكر أنه سيطلب من العميد أ. ح ابراهيم العرابي بعد توليه قايدة راس الكوبري الموحد تنظيم الموقف شرق القناة وتثبيت العدو والقضاء عليه في اول ضوء في اليوم التالي. وستقوم بمعاونته من غرب القناة وحدات من اللواء 182 مظلات بعد احتلالها للمصاطب. واوضح اللواء عبد المنعم في ختام تقريره ان مدفعية الجيش الثاني تواصل ضرب راس الكوبري الاسرائيلي بنيران مزعجة بصفة مستمرة، كما طلب من القائد العام امداده بقواذف صاروخية موجهة مضاد للدبابات (مالوتكا) لشدة الحاجة اليها في تكوين أطقم اقتناص دبابات.
أزمة قيادة رأس الكوبري الموحد
في الساعة الخامسة مساء يوم 18 أكتوبر، وصل الفريق سعد الشاذلي الى مركز القيادة المتقدم للجيش الثاني بالاسماعيلية بعد أن أمره الرئيس الراحل السادات بعد ظهر ذلك اليوم بالتحرك فورا من مركز القيادة العامة المركز 10 بالقاهرة الى الجيش الثاني، لكي يعمل على رفع الروح المعنوية وليبذل ما يستطيع لمنع تدهور الموقف. وفور وصول الفريق الشاذلي الى مقر القيادة اخطر اللواء عبد المنعم خليل بأن أي قرارات أو أوامر لابد أن تصدر منه شخصيا. وبدا الشاذلي في دراسة الموقف واستمع الى تقارير عاجلة من قائد الجيش وقادة ورؤساء افرع القيادة وسجل موقف الكفاءة القتالية للتشكيلات. وكانت أول أزمة صادفت الفريق الشاذلي بعد وصوله هي ازمة القيادة في راس الكوبري الموحد شرق القناة الذي كان يضم الفرقتين 16 مشاة و21 المدرعة، والتي ثارت فور صدور القرار بعودة اللواء تيسير العقاد الذي كان يتولى قيادة راس الكوبري الموحد الى قيادة الجيش الثاني غرب القناة.
وكان سبب الازمة يرجع الى موضوع الاقدمية، وهو موضوع شائك وشديد الحساسية بالنسبة للعسكريين، اذ لا يمكن لاحد منهم – على خلاف ما يجري في السلك المدني – ان يقبل ان يراسه شخص احدث منه في الرتبة أو الأقدمية في حالة تساوي الرتب.
وكان اللواء عبد المنعم خليل في رسالته اللاسلكية التي بعث بها الى القائد العام في الساعة الرابعة مساء يوم 18 أكتوبر قد طلب عودة اللواء تيسير العقاد الى مقر قيادة الجيش الثاني وان يتولى العميد أ. ح ابراهيم العرابي قيادة راس الكوبري الموحد. وكانت أوضاع القوات داخل راس الكوبري هي التي دفعت قائد الجيش الثاني الى اتخاذ هذا القرار، فقد تقلص راس كوبري الفرقة 16 مشاة – من جهة – بع اخلاء اللواء 16 مشاة (الجنب الايمن للفرقة 16 مشاة) لمواقعه اخلاء تاما وارتداده شمالا حيث انضم على اللواء 18 مشاة ميكانيكي ( من الفرقة 21 المدرعة) في مواقه الدفاعية شمال قرية الجلاء. ومن جهة أخرى أصبحت الفرقة 21 المدرعة – رغم ما حاق بها من خسائر جسيمة – هي المسئولة عن صد هجمات العدو من مواقعه في قرية الجلاء، ومنعه من توسيع ثغرة اختراقه شمالا، وعلاوة على ذلك كان عليها مسئولية وقاية الجنب الايمن للفرقة 16 مشاة بعد اخلاء اللواء 16 مشاة لمواقعه.
لكن قيادة العميد أ. ح ابراهيم العرابي لراس الكوبري الموحد أوجدت أزمة كان لابد من حلها ، فان العميد العرابي كان أحدث من جهة الاقديمة من العميد أنور حب الرمان رئيس أركان الفرقة 16 مشاة الذي تولى قيادتها بالنيابة بعد اصابة قائدها يوم 18 أكتوبر واخلاؤه الى القاهرة وكذا من العميد أ. ح بكير محمد بكير مساعد قائد الفرقة 16 مشاة. ولحل هذه الازمة اضطر الفريق سعد الشاذلي الى التدخل شخصيا لازالة الخلاف بين قائدي الفرقتين، فارسل اشارة لاسلكية الى المعيد انور حب الرمان ناشده فيها ان يترك عرابي يتولى القيادة وان يضع نفسه تحت قيادته لان الامر الان اصبح يتعلق بشرف مصر. كما ارسل الى العميد أ. ح ابراهيم العرابي اشارة لاسلكية قال له فيها: "يجب يا عرابي ان تتولى قيادة راس الكوبري بصرف النظر عن أقدمية حب الرمان أو بكير. وأنا قلت لحب الرمان إنك ستتولى القيادة".
طنطاوي وباراك
من بين المشاركين في المعركة المشير محمد حسين طنطاوي وإهود باراك. كان طنطاوي يتولى قيادة كتيبة مشاة تحت قيادة اللواء 16 مشاة. وقد اشتبكت كتيبة طنطاوي مع مدرعات أمنون رشف في يوم 16 أكتوبر ولاحقاً مع مظلات مردخاي أثناء ليل 16/17 أكتوبر، وتم تكريمه لما بذل من جهود في المعركة. كان باراك قائداً لكتيبة مدرعات أثناء المعركة، وساهم في تخليص كتيبة المظليين الإسرائيليين. وفيما بعد أصبح كل منهما وزيرا لدفاع بلده.[32][33]
الخطة شامل لتصفية الثغرة
- مقالة مفصلة: الخطة شامل
أصدر القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية، الرئيس أنور السادات، يوم 13 ديسمبر 1973، أمراً بتعيين اللواء سعد مأمون ـ قائد الجيش الثاني الميداني مع بداية الحرب وحتى التطوير شرقاً يوم 14 أكتوبر 1973 ـ "قائداً لقوات تصفية الثغرة، غرب القناة".
أنشأ اللواء سعد مأمون، هيئة قيادة ميدانية، بالاستفادة من قيادة الجيش الثالث الميداني التي بقيت في الغرب، وزار القوات المخصصة له، واستعرض الخطط الموضوعة، ثم صاغ خطة شاملة، عرضها على القائد العام، يوم 18 ديسمبر 1973، وصدق عليها القائد الأعلى يوم 24 ديسمبر 1973، بحضور كل قادة الأفرع الرئيسية والهيئات بالقيادة العامة للقوات المسلحة المصرية، على أن تكون جاهزة للتنفيذ في نفس يوم التصديق عليها.
التحليل العسكري للمعركة
الجانب الإسرائيلي
رغم التخطيط الجيد الذي وضعه أريل شارون قائد مجموعة العمليات رقم 143 لتحقيق المهمة التي أسندت الى فرقته ضمن الخطة القلب الشجاع، والتي كانت تتلخص في اقامة وتأمين رأس كوبري على ضفتي قناة السويس عند نقطة الدفرسوار ليلة 15/16 أكتوبر تميهدا لعبور فرقة الجنرال أبراهام أدان (بران) صباح يوم 16 أكتوبر على الجسرين اللذين كلفت فرقة شارون بمهمة تركيبهما على القناة، فان خطة شارون أوشكت على الفشل بسبب عاملين رئيسيين:
أولهما: تأخر ووصول الكباري ومعدات العبور الى منطقة المعبر بالدفرسوار، نتيجة لازدحام المرور على محوري التقدم الأساسيين (أكافيش وطرطور) واغلاق أجزاء منهما لوقوعهما تحت سيطرة القوات المصرية. وكانت الخطة الاسرائيلية الاصلية لعليمة العبور للغرب، والتي سبق التخطيط لها قبل الحرب مبنية على أساس أن العبور سيتم تنفيذه أثناء وجود القوات المصرية غرب القناة، أي أن الشاطئ الشرقي للقناة سيكون تحت سيطرة القوات الاسرائيلية، وان حصون خط بارليف سيتم استخدامها في تأمين عملية العبور، وان الكباري الثقيلة ومعدات العبور سيجري تجميعها وتجهيزها على مقربة من طريق لكسيكون (الطريق العرضي رقم 1 الموازي للقناة) بدون أي ضغط أو تدخل من المصريين. ولكن الظروف التي أجريت فيها عملية العبور الفعلية ليلة 15/16 أكتوبر كانت مختلفة تماما عما كان مقدرا في الخطة الأصلية، فلقد أجريت العملية رغم أن كلا الشاطئين الشرقي والغربي للقناة كانا تحت السيطرة التامة للقوات المصرية، كما أن معدات العبور والجسر السابق التركيب، وجسر معديات البونتون وكلها أحمال ثقيلة الوزن كبيرة الحكم تم جرها بالدبابات مسافة حوالي 20 كم فوق الرمال وتحت وابل من نيران مدفعية المصرييين وهاوناتها ورشاشاتهم، مما أدى الى تعطيل وصولها فترة طويلة.
أما العامل الرئيسي الثاني الذي كاد يتسبب في فشل عملية العبور، فهو التعطيل الذي جرى في عمليات تأمين المعبر عند الدفرسوار وتطهير المحورين الرئيسيين للتقدم (أكافيش وطرطور)،والتي كانت تستلزم ضرورة السيطرة على المنطقة الممتدة من نقطة العبور حتى مسافة 5 كم شمالا أو حتى شمال المزرعة الصينية، وكان مقدرا لها أن تتم خلال ليلة 15/16 أكتوبر. وقد أسند شارون هذه المهمة الى اللواء المدرع بقيادة آمنون بعد أن عززه بكتيبة مدرعة من لواء توفيا وبكتيبتين مشاة ميكانيكيتين لتصبح قوته 4 كتائب مدرعة و3 كتائب مشاة ميكانيكية، علاوة على كتيبة استطلاع الفرقة. ورغم تركيز آمنون هجمومه بهذه القوة الكبيرة على قطاع اللواء 16 مشاة (أقصى الجنب الأيمن للجيش الثاني) والتي كانت مواقعه تدخل ضمن نطاق منطقة التأمين المطلوب اخلاؤها من القوات المصرية، فان الاسرائيليين فوجئوا بأن القوة التي واجهتهم كانت أكبر مما قدروا، كما أن المقاومة العنيدة التي أبدتها كانت أشد كثيرا مما كانوا يتوقعون.
ونتيجة لهذين العاملين تعثرت خطة العبور الاسرائيلية وانهار الجدول الزمني المحدد لها وواجه لواء المظلات بقيادة العقيد داني مات الذي عبر قناة السويس ليلة 15/16 أكتوبر في قوارب مطاطية وقتا عصيبا. فقد ظل معزولا بالضفة الغربية للقناة مع 30 دبابة من لواء حاييم عبرت فوق معديات متحركة عن قواعده بالضفة الشرقية لمدة تقرب من 40 ساعة، اذ لم تتم قامة أي جسر يربط بين شاطئ القناة الا ليلة 17/18 أكتوبر، كما أن الجنرال حاييم بارليف أصدر أمرا بعد ظهر يوم 16 أكتوبر بعدم عبور أي قوات اسرائيلية أو دبابات الى الضفة الغربية في قوارب أو على معديات متحركة الى حين اقامة جسور ثابتة فوق القناة حتى لا يزداد حجم القوة الاسرائيلية الموجودة غرب القناة والمعزولة عن قواعدها في الشرق والمعرضة لخطر الابادة.
ولو كانت القيادات المصرية على مختلف المستويات قد تنبهت مبكرا الى طبيعة وأهداف العملية التي كانت تجرى في الدفرسوار، وتم لها اتخاذ التدابير السريعة الواجبة ودفع القوة الكافية لمواجهتها لكان من المتعذر بقاء القوة الاسرائيلية التي عبرت الى غرب القناة والتي كانت تتكون من لواء مظلات و30 دبابا طوال يومي 16/17 أكتوبر دون أن تتعرض لخطر الابادة أو الوقوع في الأسر، ولكان من المستحيل على القيادة الاسرائيلية استكمال عملية العبور، واقامة أي جسر ثابت فوق القناة في حال سقوط نقطة الانزال غرب القناة في أيدي المصريين، كما لم يكن في مقدرتها القيام بعد ذلك بعملية عبور أخرى من نقطة جديدة خلال الدفرسوار بعد زوال عامل المفاجأة. ولكن عامل الحظ تدخل بصورة عجيبة، بالاضافة الى التقصير الذي وقع من بعض القيادات المصرية. وهكذا نجحت المغامرة الاسرائيلية التي كان من المحتم فشلها، وأضفت القيادة الاسرائيلية على نفسها بسبب ذلك النجاح هالات من العظمة والمجد والقدرة على تحقيق الخوارق والمعجزات، بينما لم تكن العملية في حقيتها تستحق كل هذه الصفات.
الجانب المصري
كان أحد العيوب الرئيسية للخطة التي وضعتها القيادة العامة المصرية لتدمير ثغرة الاختراق شرق القناة في منطقة الدفرسوار أنها خصصت للفرقة 21 المدرعة مهمة التقدم يوم 17 أكتوبر من مواقعها شمال قرية الجلاء، والمغذي الرئيسي في اتجاه الجنوب كي تلتقي مع اللواء 25 المدرع المستقل الذي تقرر دفعه من قطاع الجيش الثالث من الجنوب الى الشمال. وعندما تلتقي القوتان عند منطقة الدفرسوار – شرق القناة – يتم حصار العدو داخل ثغرة الاختراق وتدميره. ولم يكن في مقدرة الفرقة 21 المدرعة تحقيق المهمة التي أسندت اليها بأي حال من الأحوال، فان العبرة – كما سبق أن أوضحنا عند تحديد حجم أي قوة بالنسبة للمهمة المخصصة لها – أن يجري هذا التحديد حسب قدراتها الحقيقية وليس حسب حجمها التنظيمي ، على أن يوضع ايضا في الاعتبار قوة العدو التي ينتظر مواجهتها عند تنفيذ المهمة.
ونظرا لان القدرات الحقيقية للفرقة 21 المدرعة بعد المعارك العنيفة التي خاضتها منذ عملية تطوير الهجوم يوم 14 أكتوبر الى حين تكليفها بهذه المهمة الجديدة لم تكن تزيد على قدرة لواء مدرع فقط، لذلك لم تتمكن أي وحدة من وحدات الفرقة 21 المدرعة من الالتقاء مع اللواء 25 المدرع للاشتراك معه في تحقيق المهمة التي كلفت بها القوتان. وكان ذلك من ضمن العوامل الرئيسية التي أدت الى تدمير هذا الواء المدرع جنوب الخط كثيب الحبشي – تل سلام بعد معركة غير متكافئة وصفتها بعض المراجع الأجنبية بأنها كانت معركة دبابات كلاسيكية يحلم بها كل قائد.
وبعد فشل الفرقة 21 المدرعة في تحقيق المهمة التي خصصت لها في عملية تطوير الهجوم شرقا يوم 14 أكتوبر والتي خسرت خلالها نحو 50% من الدبابات التي اشتركت بها في المعركة، لم تسنح الفرصة لقائدها العميد أ. ح ابراهيم العرابي للقيام بعملية اعادة تجميع وحدات فرقته والقيام بأعمال الاصلاح السريعة للمعدات المعطوبة بالطريقة السليمة، وبعيدا عن ضغط العدو لكي يمكنه تجديد الكفاءة القتالية للفرقة. فقد أمضت وحدات الفرقة طوال يوم 15 أكتوبر تحت قصف جوي مركز من العدو ونيران مدفعية بعيدة المدى من عيار 155 مم و175 مم. وزاد من خسائر الفرقة وشل من قدرتها على الانتشار لتجنب خسائر القصف الجوي والمدفعي حشرها مع الفرقة 16 مشاة في رأس كوبري واحد ضيق مما جعل الموقف يزداد صعوبة وتعقيدا.
وعلاوة على الموقف السيئ الذي واجهته الفرقة طوال يوم 15 أكتوبر، والذي كان سببا في عرقلة عملية اعادة تجميع وحداتها، فان وضعها لم يلبث أن ازداد تحرجا بعد أن قررت القيادة الاسرائيلية البدء في تنفيذ خطتها (القلب الشجاع) اعتبارا من ليلة 15/16 أكتوبر لاقمة رأس كوبري على ضفتي قناة السويس عند الدفرسوار، اذ أصبح رأس كوبري الفرقة 16مشاة الذي يضم الفرقة 21 المدرعة هدفا لهجوم عنيف ومتواصل من القوات المدرعة الاسرائيلية لاختراق الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة بقصد تأمين ساحة العبور عند الدفرسوار (الحصن الاسرائيلي السابق متسميد) وتوسيع الاختراق شمالا الى مسافة حوالي 5 كم أي حتى شمال قرية الجلاء والمغذي الرئيسي، وتطهير محوري التقدم أكافيش وطرطور اللذين ستتحرك عليهما القوات والمعدات المخصصة للعبور، وكانا يمران أمام مواجهة اللواء 16 مشاة (الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة) بل كان محور طرطور يخترق المواقع الأمامية لهذا اللواء. وكان تحقيق أهداف خطة العبور الاسرائيلية الى غرب القناة يعني تدمير اللواء 16 مشاة واحتلال مواقعه الدفاعية، أو على الاقل زحزته شمالا حوالي 5 كم ليتم اخلاء المنطقة من ساحة العبور بالدفرسوار حتى شمال قرية الجلاء والمغذي الرئيسي من القوات المصرية. وكانت الهجمات الاسرائيلية المركزة على الجنب الايمن للفرقة 16 مشاة التي انتهت باختراق الموقع الدفاعي للواء 16 مشاة، ووصول الدبابات الاسرائيلية الى قرية الجلاء سببا في تكليف وحدات الفرقة 21 المدرعة قبل أن يتسنى لها اتمام عملية اعادة التجميع بشن هجمات مضادة على قوات العدو في ثغرة الاختراق ومحاولة طرد دبابات العدو من قرية الجلاء.
ونظرا للأوضاع المتحرجة على الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة اضطرت قيادة الجيش الثاني الى استخدام وحدات الفرقة 21 المدرعة بأسلوب يخالف المبادئ التكتيكية السليمة في استخدام المدرعات، اذ تم دفع الفرقة للهجوم بأسلوب الهجوم الموزع ، فتبعثرت كتائبها المدرعة في شتى الاتجاهات وتوزعات جهودها على مختلف الجبهات، مما أدى في النهاية الى تفتيتها وفقدانها لقوتها الضاربة.
ورغم ما حاق بالفرقة 21 المدرعة من خسائر بلغت أكثر من 150 دبابة فان المهمة الرئيسية التي اعتادت قيادة الجيش الثاني تكليفها بها منذ العبور الاسرائيلي الى غرب القناة تنفيذا لتعليمات القيادة العامة المركز 10 كانت دائما هيا استعادة الموقف الى ما كان عليه في الجناح الأيمن للجيش الثاني. وكان من المحتمل نجاح الفرقة 21 المدرعة في اداء هذه المهمة الصعبة، رغم ما واجهته من ظروف قاسية لو أتيحت لها الفرصة لاستعاضة خسائرها في الدبابات، وتم لها تسلم دبابات جديدة لتعود مرة أخرى الى حجمها التنظيمي الكامل، كما كان الحال يجري في الوحدات المدرعة الاسرائيلية خاصة بعد تدفق شحنات الجسر الجوي الامريكي، ولكن ذلك الامر لم يكن من المتيسر تحقيقه نظرا لعدم توافر دبابات احتياطية في مخازن القوات المسلحة المصرية، كما ان الدبابات السوفيتية التي ارسلت عن طريق الجسر البحري السوفيتي، والبالغ عددها 400 دبابة من طراز ت 55 وت 62 تم شحنها كلها عن طريق البحر من ميناء اوديسا على البحر الاسود الى ميناء اللاذقية السوري، نظرا للخسائر الثقيلة التي تكبدتها القوات السورية اثناء هجومها على مرتفعات الجولان، مما لم يتح الفرصة لوصول أي شحنات من الدبابات السوفيتية الجديدة الى مصر.
انظر أيضاً
المصادر
- ^ معركة المزرعة الصينية، ويكيبديا العربية
- ^ The Yom Kippur War: The Epic Encounter That Transformed the Middle East by Abraham Rabinovich. ISBN 0-8052-4176-0
- ^ Hammad (2002), pp.296–298
- ^ أ ب Gawrych (1996), p.60
- ^ Dupuy (2002), pp.492–493, 496
- ^ حماد, جمال (2002). المعارك الحربية على الجبهة المصرية. القاهرة، مصر: دار الشروق.
{{cite book}}
: Unknown parameter|coauthors=
ignored (|author=
suggested) (help) - ^ Hammad (2002), pp.294–297
- ^ Hammad (2002), p.195, p.335
- ^ Hammad (2002), pp.295–296, pp.308–309
- ^ Dupuy (2002), pp.493–494
- ^ Hammad (2002), p.311
- ^ Dupuy (2002), pp.431, 493–494
- ^ أ ب Dupuy (2002), p.498
- ^ Hammad (2002), pp.295–296
- ^ Hammad (2002), pp.194–200
- ^ Hammad (2002), p.306, p.335
- ^ أ ب Hammad (2002), pp.294–296
- ^ Dupuy (2002), pp.495–496
- ^ Hammad (2002), pp.299–300
- ^ أ ب Dupuy (2002), p.496
- ^ Hammad (2002), p.300
- ^ أ ب Dupuy (2002), p.497
- ^ Hammad (2002), pp.301–302
- ^ أ ب Hammad (2002), pp.301–304
- ^ خطأ استشهاد: وسم
<ref>
غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماةHammad309
- ^ Dupuy (2002), pp.497–498
- ^ Dupuy (2002), p.499
- ^ Hammad (2002), pp.301–304, p.442
- ^ O'Ballance (1997), p.228
- ^ Hammad (2002), pp.307–308, 326, 442–443
- ^ حماد, جمال (2002). المعارك الحربية على الجبهة المصرية. القاهرة، مصر: دار الشروق.
{{cite book}}
: Unknown parameter|coauthors=
ignored (|author=
suggested) (help) - ^ المقالة المناظرة في ويكيبيديا العبرية
- ^ Ahmed Belal (February 15, 2011). "معاريف: طنطاوي انتصر على باراك في 73 ومبارك شخصية ثانوية في الحرب". Al-Masry Al-Youm. Retrieved 2011-03-01.
- ^ The paratrooper brigade faced problems in acquiring the boats and transports assigned to it. Of 60 half-tracks assigned to the brigade, only 32 were received. Matt resorted to commandeering another 26 half-tracks at Refidem (Bir Gifgafa), that were destined for another unit. The paratroopers acquired their assigned boats, 60 in all, after learning they had been sent by error to an area 5 kilometres (3.1 mi) north of Tasa, the result of a mix-up in area code-names.[22][23]
- مقال للدكتور سليم العوا بالشروق
- حماد, جمال (2002). المعارك الحربية على الجبهة المصرية. القاهرة، مصر: دار الشروق.
{{cite book}}
: Unknown parameter|coauthors=
ignored (|author=
suggested) (help)