سورة الطلاق

سورة 65
الطلاق
Aṭ-Ṭalāq
The Divorce
التنزيلمدنية
الجزءجزء 28
عدد السجدات2
عدد الآيات12


سورة الطلاق هي سورة مدنية، من المفصل، آياتها 12، وترتيبها في المصحف 65، في الجزء الثامن والعشرين، بدأت بأسلوب نداء للنبي محمد ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ [الطلاق:1]، نزلت بعد سورة الإنسان. تتحدث السورة عن أحكام الطلاق في الإسلام.[1]


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بين يدي السورة

إنّ الحياة الزوجية لا تقومُ إلا على أساس من المودة والرحمة، وقيام كلّ من الزوجين بما عليه لصاحبه من الحقوق، وقد يقصّر كلٌّ منهما أو أحدُهما في القيام بواجبه فيكرهه صاحبه، والله سبحانه يرشد الرجالَ إلى الصبر على ما يكرهون من أزواجهم، فيقول تعالى: فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا {النساء: 1}، ويقولُ النبيّ صلى الله عليه وسلم : "لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً، إن كره منها خُلقًا، فقد رضي منها آخر". {صحيح. رواه مسلم (469-1091-2} ولكن رُبما يتفاقمُ الأمرُ، ولا يستطيعُ الرجلُ الصبرَ، فيرشدُه اللهُ تعالى إلى طرق العلاج التي يُقوِّمُ بها ما يجده من المرأة من تقصير ونشوز، فيقول تعالى: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا {النساء: 34}، وربما كان النشوز من الرجل نفسه، فيرشد الربُّ سبحانه المرأةُ إلى طرق علاج نشوز الرجل فيقول: وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا {النساء: 128}. فإذا اشتدّ الخلاف، وازداد الشقاق بينهما، ولم يمكنهما القضاءُ عليه وجب تدخلُ الأهل بينهما للنظر في الأمور، وفعل الأصلح، قال تعالى: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا {النساء:35}، فإن وُفِّقا فبها ونعمت، وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته، وهذا التفرّق هو الطلاق الذي تتحدث السورة الكريمة عن أحكامه وما يترتب عليه من سكنى ونفقة وعدّةٍ وغير ذلك. وقد تضمنت السورةُ حشدًا هائلاً من الترغيب والترهيب لبيان خطورة الأمر، والإشعار بأنّ هذه الأحكام المذكورة في هذه السورة يجب الالتزام بها، والوقوفُ عند حدودها، فإنّ من يخالفها يحاسبه الله حسابًا شديدًا ويعذّبه عذابًا نكرًا، وتكون عاقبةُ أمره خسرا.


تفسير الآيات

الطلاق في اللغة: مأخوذُ من الإطلاق، وهو الإرسالُ والترك، تقول: أطلقتُ الأسير، إذا حللتَ قَيْدَه وأرسلْتَه. وهو في الشرع: حلُّ رابطةِ الزواج، وإنهاءُ العلاقةِ الزوجية. وقد كان الرجلُ في الجاهلية وصدر الإسلام يطلّق امرأتَه ما شاء، وهي امرأتُه إذا راجعها في العدّة، وإنْ طلّقها مائة مرةٍ أو أكثر، حتى قال رجلٌ لامرأته: والله لا أطلّقك فتبيني مني، ولا آويك أبدًا. قالت: وكيف ذلك؟ قال: أطلّقك، فكلما همّتْ عدّتك أن تنقضي راجعتُك. فأنزل الله تبارك وتعالى قوله: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان {البقرة: 229}. قوله تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة. قال العلماء: الطلاق نوعان: سُنيّ وبدعيّ. فطلاق السنة هو الواقع على الوجه الذي ندب إليه الشرع، وهو أن يطلّق الزوجُ المدخولَ بها طلقةً واحدةً، في طهرٍ لم يمسسها فيه؛ لقول الله تعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان أي أنّ الطلاق المشروعَ يكون مرةً يعقبها رجعة، ثم مرةً ثانيةً يعقبها رجعةٌ كذلك، ثم إنّ المطلِّق بعد ذلك له الخيار، بيْنَ أن يمسكَها بمعروف أو يفارقَها بإحسان. ويقول تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن أي: إذا أردتم تطليق النساء فطلقوهنّ مستقبلاتٍ العدةَ، وإنما تستقبلُ المطلّقةُ العدّة إذا طلّقها بعد أن تطهر من حيض أو نفاس، وقبل أن يمسّها، وحكمةُ ذلك: أن المرأةَ إذا طُلقتْ وهي حائضٌ لم تكن في هذا الوقت مستقبلةً العدّة، فتطول عليها العدّة؛ لأن بقية الحيض لا يحسب منها، وفيه إضرارٌ بها، وإن طُلقتْ في طهرٍ مسّها فيه، فإنها لا تعرف هل حملت أو لم تحمل، فلا تدري بم تعتد، أتعتدّ بالأقراء أم بوضع الحمل؟ عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: أنه طلّق امرأته وهي حائض على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، فسأل عمرُ بنُ الخطاب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "مُرْه فليراجعها، ثم ليمسكْها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إنْ شاء أمسك بعد ذلك، وإن شاء طلّق قبل أن يمسّ، فتلك العدّة التي أمر الله سبحانه أن تطلّق لها النساء". {متفق عليه} أما الطلاق البدعيّ: فهو الطلاق المخالفُ للمشروع، كأن يطلّقها ثلاثًا بكلمةٍ واحدةٍ، أو يطلّقها ثلاثًا متفرقاتٍ في مجلسٍ واحدٍ، كأن يقولَ: أنتِ طالقٌ، أنتِ طالقٌ، أنتِ طالقٌ. أو يطلّقها في حيضٍ أو نفاسٍ، أو في طهر جامعها فيه. وأجمع العلماء على أنّ الطلاق البدعيّ حرام، وأنّ فاعله آثم. وذهب جمهورُ العلماء إلى أنه يقع، واستدلّوا بالأدلّة التالية: 1- أنّ الطلاق البدعيّ مندرج تحت الآيات العامة. 2- تصريحُ ابن عمر رضي الله عنه لما طلّق امرأته وهي حائض، وأمرهُ الرسول صلى الله عليه وسلم بمراجعتها، بأنها حُسِبَت تلك الطلقة. انتهى من "فقه السنة". فعُلم مِن هذا أن هناك وقتًا معينًا لإيقاع الطلاق، وأنه ليس للزوج أن يطلّق حينما شاء، إلا أن تكون امرأتُه في حالة طهرٍ من حيض، ولم يقعْ بينهما في هذا الطهر وطء. وتفيدُ آثار أخرى أنّ هناك حالةً ثانيةً يجوزُ فيها الطلاق، وهي أن تكون الزوجةُ حاملاً بيّنة الحمل. والحكمةُ في ذلك التوقيت هي أولاً إرجاء إيقاع الطلاقِ فترةً بعد اللحظة التي تتجه فيها النفسُ للطلاق، وقد تسكن الفورةُ إن كانت طارئةً وتعود النفسُ إلى الوئام، كما أنّ فيه تأكدًا من الحمل أو عدمه قبل الطلاق، فقد يمسك عن الطلاق لو علم أن زوجه حاملٌ، فإذا مضى فيه وقد تبيّن حملُها دلّ على أنه مريدٌ له ولو كانت حاملاً. فاشتراط الطهر بلا وطء هو للتحقق من عدم الحمل، واشتراط تبين الحمل هو ليكون على بصيرةٍ من الأمر. وهذه أوّل محاولة لرأب الصدع في بناء الأسرة، ومحاولةِ دفع المعْولِ عن ذلك البناء". وقوله تعالى: وأحصوا العدة أي: احفظوها، واعرفوا ابتداءَها وانتهاءها، لئلا تطولَ العدّة على المرأة فتمتنع من الأزواج. والعدّة: اسم للمدة التي تنتظر فيها المرأة، وتمتنع عن التزويج بعد وفاة زوجها أو فراقه لها. وقوله تعالى: واتقوا الله ربكم. يعدّ أول تنبيه وأول تحذيرٍ من الله، بعد الأمر بأن تطلّق النساء لعدّتهن، وأن تُحصى العدة، وقبل النهي عن إخراج المعتدة من بيت زوجها الذي سمّاه الله بيتها. وذلك لأن التقوى هي خير معين على امتثال ما أمر الله به، وترك ما نهي عنه. ثم قال تعالى: لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، وهذا أدبٌ قد غفل عنه جُلُّ الناس إلا من رحم الله، فما أن يطلّق الرجلُ المرأة حتى تخرجَ إلى بيت أهلها، وإنْ بقيتْ أخرجها هو، والله يقول: لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فالمطلقة طلاقًا رجعيًا لها حقّ السكنى والنفقة، فليس للرجل أن يُخرجَها من بيتها ما دامت في عدّتها منه، ولا يجوز لها أيضًا الخروجُ لأنها معتقلة لحقّ الزوج، فإن أتت بفاحشةٍ كالزنى او أذيةٍ وإساءة له أو لأهله أخرجها حينئذ. وقوله تعالى: وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، وهذا هو التحذير الثاني، فالحارس لهذا الحكم هو الله، فهل يتعرض مؤمن لحدّ يحرسه الله؟ إنه الهلاك والبوار. ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ظَلَمَ نفسَه بتعريضها هكذا لبأس الله، القائمِ على حدوده يحرسها ويرعاها، وظَلَمَ نفسَه بظلم زوجه. قوله تعالى: لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فيه إشارة إلى حكمه بقاء المعتدّة في منزل الزوج، وهي الأمل في الرجعة، فالقلوب بيد الله، يقلّبها كيف يشاء، وقد تتغير الأحوال وتتبدّل إلى هناءة ورضًى، ومن يدري: لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. "من ههنا ذهب من ذهب من السلف ومن تابعهم كالإمام أحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى إلى أنه لا تجب السكنى للمبتوتة أي المقطوعة، وكذا المتوفّى عنها زوجها، واعتمدوا أيضًا على حديث فاطمة بنت قيسٍ الفهرية حين طلّقها زوجُها أبو عمرو بن حفص آخر ثلاثِ تطليقات، وكان غائبًا عنها باليمن، فأرسل إليها وكيلُه بشعير، يعني نفقة، فتسخّطته، فقال: والله ليس لك علينا نفقة. فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ليس لك عليه نفقة". ولمسلم: "ولا سكنى". وأمرها أن تعتدّ في بيت أمّ شُريك، ثم قال: "تلك امرأةٌ يغشاها أصحابي، اعتدّى عند ابن أم مكتوم، فإنه رجلٌ أعمى تضعين ثيابك" الحديث. وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى بلفظ آخر فقال: حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا مجالد حدثنا عامر قال: قدمتُ المدينة فأتيتُ فاطمة بنت قيس، فحدثني أنّ زوجَها طلّقها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فبعثه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في سرية، قالت: فقال لي أخوه: اخرجي من الدار. فقلت: إنّ لي نفقةً وسكنى حتى يحلّ الأجل. قال: لا. قالت: فأتيتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقلتُ: إنّ فلانًا طلقني، وإنّ أخاه أخرجني ومنعني السكنى والنفقة. فقال له: "ما لك ولابنة آل قيس؟" قال: يا رسول الله، إنّ أخي طلّقها ثلاثًا جميعًا. قالت: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم : "انظري يا بنت آل قيس، إنما النفقة والسكنى للمرأةِ على زوجها ما كانتْ له عليه رجعةٌ، فإذا لم يكن له عليه رجعةٌ فلا نفقةَ ولا سكنى". وذكر تمام الحديث. اه من ابن كثير. فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف أي: فإذا بلغت المعتداتُ أجلهن، أي شارفن على انقضاءِ العدة، وقاربن ذلك، ولكنْ لم تفرغ العدة الكلية، فحينئذٍ إما أنْ يعزمَ الزوج على إمساكها، وهو رجعتُها إلى عصمة نكاحه، والاستمرار بها على ما كانت عليه عنده "بِمَعْرُوفٍ" أي: محسنًا إليها في صحبتها، وإمّا أن يعزم على مفارقتها "بِمَعْرُوفٍ" أي: من غير مقابحة ولا مشاتمة ولا تعنيف، بل يطلّقها على وجه جميل حسن". انتهى من ابن كثير. وأشهدوا ذوي عدل منكم ففي حالتي الفراق أو الرجعة تطلب الشهادةُ على هذه وتلك. شهادةُ اثنين من العدول، قطعًا للريبة، فقد يعلم الناسُ بالطلاق ولا يعلمون بالرجعة، فتثور شكوك، وتُقال أقاويل. والإسلامُ يريد النصاعة والطهارة في هذه العلاقات وفي ضمائر الناس وألسنتهم على السواء. وعقب بيان الحكم تجيء التوجيهاتُ تَتْرَى. وأقيموا الشهادة لله فالقضيةُ قضيةُ الله، والشهادةُ فيها لله، هو يأمر بها، وهو يراقب استقامتها، وهو يجزي عليها، والتعامل فيها معه لا مع الزوج ولا الزوجة ولا الناس. ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر والمخاطبون بهذه الأحكام المؤمنون المعتقدون باليوم الآخر، فهو يقول لهم: إنه يعظم من شأنهم، فإذا صدقوا الإيمان به وباليوم الآخر فهم إذن سيتعظون ويعتبرون، وهذا هو محك إيمانهم، وهذا هو مقايس دعواهم في الإيمان. والله أعلم.

مرئيات

سورة الطلاق بصوت حسن صالح.

مصادر

وصلات خارجية