فرانسيسكو گويا

(تم التحويل من Francisco Goya)
فرانسيسكو گويا
Francisco Goya
Goya selfportrait.jpg
پورتريه ذاتي لگويا
وُلِدَ
Francisco José de Goya y Lucientes

30 مارس 1746
توفي16 أبريل 1828
الجنسيةإسپاني
اللقبتصوير، طباعة
العمل البارز
مايا النائمة، ح. 1800
ماي العارية، ح. 1803

الأولى من مايو 1808، 1814
الثالث من مايو 1808، 1814

عائلة كارلوس الرابع، 1798

فرانسيسكو ده گويا Francisco José de Goya y Lucientes؛ 30 مارس 1746 - 16 أبريل 1828) كان رساماً ونقاشاً إسبانياً، عكس فنه الاضطرابات السياسية والاجتماعية في أوقاته. تتضمن أعماله المؤثرة جداً صور لطبقة النبلاء الإسبانية و "الثالث من مايو 1808" (1814).

الثالث من مايو 1808, 1814. زيت على كانڤاه 266 х 345 سم. متحف ديل پرادو، مدريد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

La Triple generación, 1760?-1769 (Jerez de la Frontera, colección particular).

ولد فرانسيسكو گويا في مدينة فوينديتودوس بإسبانيا في 30 مارس 1746. بدأ في الشهرة في عام 1775 مع أول 60 صورة كرتونية لمصنع الأقمشة الملكي الخاص في سانتا باربرة. في عام 1780 أختير للأكاديمية الملكية في مدريد، وفي عام 1786 عين رساماً لتشارلز الثالث. مع حلول العام 1799 وتحت رعاية تشارلز الرابع، أصبح الفنان الأنجح والأكثر عصرية في إسبانيا؛ لوحته المشهورة "عائلة تشارلز الرابع" رسمت في هذا الوقت (1800). لوحته المشهورة والمثيرة جنسياً "ماخا العارية" و "ماخا المكسوة" (حوالي 1800 إلى 1805) جعلته يستدعى للاستجواب والتحقيق في عام 1815. بعد أن جعله المرض أصماً بشكل دائم في العقد 1790، واجه عمله واقعية كبيرة تجاور الكاريكاتير. لوحاته كابريتشوس الثمانين (أو "النزوات"؛ نشرت في عام 1799)، وهي طبعات هجائية تهاجم الانتهاكات الدينية والاجتماعية والسياسية، مثلت إنجازاً بارزاً في تأريخ الطباعة. عندما غزا نابليون إسبانيا (1808 إلى 1815)، أنتج گويا سلسلة النقش الثانية والثمانين "كوارث الحرب" (1810 إلى 1820). استقر في بوردو بفرنسا في عام 1824، واستقال كرسام ملكي في عام 1826، وبدأ بالعمل في الطباعة الحجرية. لم يكن له أتباعاً مباشرين، لكن عمله أثر على فن القرن التاسع عشر الأوروبي بشكل كبير. توفي في بوردو في 16 أبريل 1828.



نشأته

اتخذ فرانسسكو اسم قديس حام شأن جميع الصبيان الايبيريين، ثم اسم أبيه خوزيه جويا، واسم أمه أورجاسيا لوسيبنتس- أي ربة اللطف والنور. وكانت تنتمي إلى طبقة الهيدلج (أدنى طبقات النبلاء) ومن هنا إضافة "دي" التي أدخلها فرانسسكو على اسمه. ولد في 30 مارس 1746 بفونتينودوس، وهي قرية ارجونية يسكنها 150 من الأنفس ولا يزينها شجر- إنما هي تربة حجرية، وصيف قائظ، وشتاء قارس، يأتي على الكثيرين، ويصيب الأحياء بالاكتئاب والخشونة.

وراح فرانسسكو يتلهى بفرشاة الرسم، فرسم في صباه لكنيسة القرية صورة للعذراء "سيدة العمود"، حامية أرجون. وفي 1760 انتقلت الأسرة إلى سرقسطة، حيث اشتغل الأب بالطلاء بالذهب، وأتاح له دخله أن يوفد ابنه لدراسة الفن على يد خوزيه لوزان. ومع هذا الفنان وخوان راميريز نسخ جويا صور كبار الرسامين القدامى، وقلد تلوين تيبولو الناعم، وتعلم من التشريح قدراً يكفي لرسم صور العرايا المحرمة. وفي رواية أنه شارك- ثم تزعم بعد قليل- فريقاً من الشباب الجموح الذين دافعوا عن قريتهم ضد قرية أخرى، وكيف أن بعض الفتيان قتلوا في إحدى المعارك، وكيف فر فرانسسكو إلى مدريد مخافة أن يقبض عليه.

وفي ديسمبر 1763 دخل امتحاناً للالتحاق بالأكاديمية فرسب. وتصف الأسطورة حياته الصاخبة في العاصمة، ولكن لا نعلم على التحقيق إلا أن جويا كان بينه وبين القوانين حب مفقود. وعاد إلى دخول امتحان المسابقة في 1766 ورسب. وربما كان هذا الرسوب المتكرر من حسن حظه: فقد أفلت من وصاية منجز الأكاديمية، ودرس الصور التي كان تيبولو يرسمها في مدريد، ثم أرسى أسلوب فذ تغلب عليه شخصيته. وتروي الأسطورة بعد ذلك أنه أنظم إلى فريق من مصارعي الثيران وسافر معهم إلى روما في تاريخ مجهول. ولقد كان دائماً شديد التحمس لمصارعي الثيران الراكبين (التوريادور) ومرة وقع باسم دي لويس تورس. كتب إلى موارنين في شيخوخته يقول "كنت في شبابي مصارع ثيران، لا أرهب شيئاً وسيفي في يدي"(91). وربما قصد بهذا أنه كان من أولئك الصبية المغامرين الذين يصارعون الثيران في الشوارع. على أية حال وصل إلى إيطاليا، لأنه في 1770 فاز بالجائزة الثانية في مسابقة بأكاديمية الفنون الجميلة في بارما. وتحكي الأسطورة أنه تسلق قبة كاتدرائية القديس بطرس وسطا على دير ليخطف راهبة. وأكثر من هذا احتمالاً أنه كان يدرس صور ماناسكو الذي ربما كان لتلوينه القاتم، وأجساده المعذبة، ومناظر محكمة تفتيشه، من الأثر العميق في نفسه ما فاق الأوضاع الهادئة الكلاسيكية التي أوصى بها منجز في أسبانيا.

وفي خريف 1771 نلتقي به في سرقسطة التي عاد إليها ليزين مصلى في الكاتدرائية "الكنيسة الكبرى لسيدة العمود". وقد أجاد التصوير، وكوفئ بخمسة عشر ألف ريال نظير جهد استغرقه ستة أشهر، واستطاع الآن أن يعول زوجة إذا تزوج. وعامل القرب في تقرير اختارنا شريك الحياة، وهكذا تزوج (1773) خوزيفا بايو، وكان فيها ريعان الشباب، ولها شعر ذهبي، ومكانها في متناوله. وقد استخدمها نموذجاً، ورسم صورتها مراراً، وصورتها المعلقة في البرادو تظهرها متعبة بتكرار الحمل، أو محزونة لخيانات فرانسسكو لها(92).


الحياة في إيطاليا

Aníbal vencedor, 1770 (Cudillero, Asturias, Fundación Selgas-Fagalde).


الرسوم الجدارية والدينية في سرقسطة

Detalle del Nacimiento de la Virgen, de la serie de pinturas de la Cartuja del Aula Dei, 1774.


گويا في مدريد (1775–1792)

ثم نقل إلى مدريد (1775). وكلفه منجز (1776)- بتوصية من من بايو على الأرجح- بأن يرسم لوحات قماشية كبيرة تصلح رسوماً تخطيطية (كرتونات) للمصنع الملكي للنسجيات الذي أنشأه فليب الخامس على غرار مصنع الجوبلان. وغامر جويا الآن برفض خطير، فاتخذ قراراً شكل مستقبله. ذلك أنه أغفل ميل منجز إلى الميثولوجيا الكلاسيكية وتاريخ الأبطال، فرسم على اتساع كبير وبألوان ناصعة الناس الذين ينتمون إلى طبقته وعصره- رسم كدهم وحبهم، ومهرجاناتهم وأعيادهم، ومصارعاتهم مع الثيران ولعبهم بطائرات الورق، أسواقهم ورحلاتهم الخلوية وألعابهم، وإلى هذه الواقعية أضاف في جرأة أشياء تخيلها ولكنه لم يرها قط. أما منجز فقد ارتفع إلى مستوى الموقف: فلم يذم هذا الخروج على التقاليد الأكاديمية، وشعر بنبض الحياة يسري في الأسلوب الجديد، وأعطى هذا التمرد مزيداً من التكليفات. وأنتج جزياً خلال خمسة عشر عاماً خمسة وأربعين كلاتوناً أساسياً لعمله، بينما راح ينتقل إلى مجالات أخرى بثقة متزايدة. واستطاع الآن أن يأكل ويشرب مطمئناً. كتب إلى صديقه زاباترا "أن دخلي يتراوح بين اثني عشر ألفاً وثلاثة عشر ألف ريال في السنة".

على أن نوعاً من البكتريا تطفل على هذا النجاح الذي أصابه ولسنا نعرف مصدر الزهري الذي ابتلي به جويا، ولكنا نعرف أنه مرض مرضاً خطيراً في إبريل 1777(93). وأبلى منه شيئاً فشيئاً، ولكن لعل المرض كان له بعض الأثر في التشاؤم الذي شاب فنه، وربما في فقده السمع في 1793. على أنه تملك صحته في 1778 بالقدر الذي أتاح له المشاركة في مشروع وضعه شارل الثالث ليذيع في خارج أسبانيا بالنسخ المطبوعة عن الكليشهات ذخائر الفن الأسباني. ولهذا الغرض نسخ جويا ثماني عشرة لوحة لفيلاسكيذ، ومن هذه النسخ صنع محفورات، وكانت هذه مهارة جديدة عليه، وظل مناقشه حيناً متردداً فجاً، ولكن من هذه البداية تطور ليصبح من أعظم الحفارين بعد رمبرانت. وسمح له بأن يقدم نسخة بشخصه إلى الملك، وفي 1780 سجل واحد من مصوري البلاط. وقبل الآن في الأكاديمية آخر الأمر. وحوالي 1785 رسم لوحة شارل الثالث الشهيرة، التي بدأ فيهل الملك لابسا حلة الصيد، مهيأ للقتل، ولكنه هرم، مكدود، متقوس الساقين محدودب الظهر، هنا ضحى جويا كعادته بالرضى في سبيل الصدق.

واستقدم جويا أمه وأخاه كاميلو بعد موت أبيه ليعيشا معه ومع خوزيفا والأطفال. وقبل شتى التكليفات ليعول هذه الأسرة المتكاثرة: فرسم لوحة جصية في كنيسة سان فرانسسكو الجراندي، وصوراً دينية لكلية كالاترافا بسلمنقة، ومشاهد من الحياة اليومية لمنزل دوق أوزونا الريفي، ثم رسم لوحات للأشخاص لكونها أربح فرع في مهنته. فرسم عدة لوحات لوزونا(94)، واحدة للدوق وأسرته- يبدو فيها الأطفال شديدي التصلب وأخرى لدوقة أوزونا بثلاثة أرباع طولها(95)- وهي معجزة من اللون والزيت تستحيل حريراً ومخرمات.

وربما كان جويا سعيداً عام 1784. ففي ذلك العام ولد له خافيد، وهو الابن الوحيد الذي قدر له أن يبقى حياً بعد موت أبيه. وأزيح الستار عن الصور الجصية التي رسمها لكنيسة القديس فرنسيس الكبير في احتفال رسمي، وأثنى مشاهدوها عليها كأروع لوحة في ذلك العهد، وكان الملك وكل حاشيته حضوراً، وقد شاركوا في الثناء. وحوالي 1787 رسم جويا لوحة المركيز دي بونتيخوس، وهي الآن من أنفس ما تملكه قاعة الصور القومية في واشنطن. وبعد عام إلى رسم الطبيعة في لوحته La Pradera de San Isidro(96)- وتمثل حقلاً غص بالمتنزهين يحتفلون بعيد القديس حامي مدريد العظيم بالركوب والتمشي والجلوس والأكل والشرب والغناء والرقص على شواطئ مانزاناريس المعشية. وهي لا تعدوا أن تكون تخطيطاً، ولكنها آية من آيات التصوير.

ولم يزد عمر جويا على الثالثة والأربعين حين مات شارل (1788) ولكنه حسب نفسه قد شاخ. وكان قد كتب في ديسمبر من العام إلى زاياتر يقول "لقد شخت، وملأت التجاعيد وجهي حتى أنك لن تستطيع التعرف عليّ "لولا أنفي الأفطس وعيناي الغائرتان(97)". وما كان في استطاعته التنبؤ بأنه ما زال أمامه فسحة في الأجل تمتد أربعين سنة، وبأن أكثر مغامراته شططا وأروع إنتاجه مستكناً في مستقبل أيامه. لقد تطور في بطء والآن سيكرهه الغرام والثورة أن يتابع السير وإلا كان من المغرقين. فأرتفع مع الأحداث، وأصبح أعظم فنان في جيله.


غرامه

وقد شغله 1789 رسم صور للملك والملكة الجديدين احتفالاً بدخولهما مدريد رسمياً في 21 سبتمبر. وكان "فيليبي" بن شارل الثالث البكر، قد أقصي عن وراثة العرش لعتهه، فآل العرش للابن الثاني الذي وصفه مؤرخ غير متعاطف بأنه "نصف معتوه(98)" لا أكثر. وكان شارل الرابع ساذجاً حسن الظن بالناس، فيه من الطيبة ما يكاد يغري الأشرار بالشر. وكان قد انصرف إلى حياة القنص والأكل والإنجاب لافتراضه أنه مقصي عن وراثة العرش، بحكم كونه الابن الثاني. أما وقد بات الآن بديناً لين العريكة، فأنه أستسلم راضياً لزوجته ماريا لويز البارمية، وتجاهل- أو جهل- فسقها مع عشقها، ورقى عشيقها مانويل دي جودوي رئيساً للوزارة (1792- 97).

وكانت الملكة الجديدة قد داعبت الأفكار التحررية قبل ولايتها للعرش، وقد شجع شارل الرابع في أول سني حكمه فلوريدا بلانكا، وخوفيللانوس، وكامبومانيس (وكلهم رسمهم جويا) على المضي في برنامج إصلاحاتهم. غير أن سقوط الباستيل روع شارل الرابع وفلوريدا بلانكا فارتدت الحكومة إلى رجعة سياسية أعدتها إلى التعاون الكامل مع الكنيسة باعتبارها أقوى معقل للملكية. وأهمل الكثير من القوانين التقدمية التي سنت في عهد شارل الثالث، وأستعاد التفتيش بعض سلطاته، وأوقف استيراد الأدب الفرنسي، وحظرت جميع الصحف إلا صحيفة مدريد اليومية الرسمية، وأقصي عن البلاط خوفيللانوس وكامبومانيس وأراندا. وابتهج الشعب بانتصار إيمانهم الذي يعتزون به. وفي 1793 انضمت أسبانيا إلى الحرب التي خاضتها الملكيات ضد فرنسا الثائرة.

في وسط هذا المعمعان حالف الحظ جويا. ففي إبريل 1789 عين "رساماً للحجرة" فلما مرضت خوزيفا وأشار الطبيب بهواء البحر علاجاً لها صحبها جويا إلى بلنسيه (1790) حيث كرمه القوم كأنه فيلاسكويز أسبانيا الجديد. وواضح أن الطلب أشتد عليه من أقصى أسبانيا إلى أقصاها، لأننا نجده في 1792 في قادس ضيفاً على سبستيان مارتينيز. وفي طريق عودته أصيب في إشبيلية بالدوار والشلل الجزئي، فعاد إلى صديقه في قادس، وظل نهباً للقلق طوال فترة نقاهة غير قصيرة.

فأي مرض هذا الذي شكا منه؟ لقد وصفه بايو وصفاً غامضاً بقوله أنه "ذو طبيعة رهيبة جداً". وخامره الشك في أن جويا سيبرأ منه يوماً ما(99). وكتب رياتر صديق جويا في مارس 1793: "لقد جلب على جويا هذا المأزق افتقاره إلى التدبر، ولكن لابد من مواساته بكل الشفقة التي يتطلبها مصابه(100)". وقد فسر دارسون كثيرون هذا المرض بأنه من أعقاب الزهري(101) ولكن آخر تحليل طبي رفض هذا الرأي وشخصه بأنه التهاب أعصاب تلافيف الأذن(102). أياً كان الأمر فإن جويا كان فاقد السمع حين عاد إلى مدريد في يوليو 1793، وكذلك ظل إلى يوم مماته. وفي فبراير 1794 كتب خوفيللانوس في يوميته "كنبت إلى جويا، فرد بأنه كان عاجزاً حتى عن الكتابة نتيجة السكتة الدماغية التي أصيب بها(103)". ولكن الشلل زال شيئاً فشيئاً، وما وافى عام 1795 حتى كان في جويا من العافية ما أغراه بالوقوع في الحب.

وكانت تريزا كاتيانا ماريا ديل بيلار الدوقة الثالثة عشرة من سلالة ألبا الشهيرة. وكان أبوها قد تشرب الفلسفة الفرنسية، فرباها على مبادئ متحررة، وتلقت تعليماً هيأ لها عقلاً يقظاً وإرادة عنيدة. فلما بلغت الثالثة عشرة تزوجت الدوق خوزيه دي توليدو أوزوريو، دوق ألبا البالغ من العمر تسعة عشر ربيعاً. وكان الدوق رقيق الجسد معلولاً، فلزم بيته أكثر الوقت وأغرق نفسه في الموسيقى. ورسمه جويا جالساً إلى البيانو أمام نوتة لهايدن. وكانت الدوقة متغطرسة جميلة شهوانية. وقد لاحظ رحالة فرنسي أنه "ليس في رأسها شعرة لا تثير الشهوة(104)"، وكانت تشبع رغباتها دون قيد من فضيلة أو نفقة أو طبقة. واقتنت في بيتها شخصاً معتوهاً، وراهباً أعور، وزنجية صغيرة أصبحت ربيبتها المفضلة. ولكن كان وراء هذه المغامرات الجريئة نفس سمحة كريمة، ولعلها انعطفت نحو جويا لأنه كان أصم تعساً بقدر ما مالت إليه لأنه يستطيع أن يخلدها بفرشاته.

ولا بد أنه رآها مراراً قبل أن تقف ليرسمها، لأنها كانت تحوم داخل البلاط وخارجه وتثير الأقاويل بمغازلاتها وبعدائها الجريء للملكية. وأول صورة تحمل تاريخاً رسمها لها تبدو فيها بطولها كله، وقد لفت قسماتها النحيلة الحارة في لمة من الشعر الأسود، ويمناها تشير إلى شيء على الأرض. فإذا تأملنا الصورة قرأنا عليها بوضوح هذه العبارة "إلى دوقة ألبا دي جويا 1795(105)". وهنا إيماءة إلى صداقة قائمة فعلاً. وليست الصورة من روائع جويا. ويفضلها كثيراً تلك التي رسمها في العام نفسه لفرانسسكو بايو الذي كان قد مات لتوه. وفي نوفمبر خلفه جويا مديراً لمدرسة التصوير بالأكاديمية.

ومات دوق ألبا في يونيو 1796. واعتكفت الدوقة فترة حداد وجيزة في ضيعتها الريفية بسانلوكار، بين إشبيلية وقاديس. وليس من المؤكد أن جويا رافقها، ولا علم لنا إلا بغيابه عن مدريد من أكتوبر 1796 إلى إبريل 1797، وبتدوينه في كراستين رسوماً لبعض ما رأى في سانلوكار. ومعظم الرسوم تبدو فيها الدوقة تستقبل الضيوف، أو تربت الزنجية، أو تشد شعرها في نوبة غضب، أو تتقيل (بينما تنقل الخادمة المبولة)(106)، أو يغشى عليها في نزهة، أو تعبث مع منافس أو آخر ممن ينافسون جويا على يديها الملاطفتين. وتدل الرسوم التخطيطية على غيرته المتصاعدة، وتبدو فيها أيضاً امرأة أخرى- تخرج عارية من الحمام، أو ترقد على الفراش نصف كاسية أو تضع الرباط على ساق بديعة التكوين، ولعل جويا انغمس كالدوقة في انحرافات الحب. ومع ذلك فالراجح أنه في سانلوكار رسم أعظم ما يفخر به من صورها(107)- في زي "ماخا" وقحة ترتدي ثوباً أسود في صفرة، بحزام من القرمز والذهب حول خصرها النحيل، وطرحة سوداء فوق رأسها، وفي يمناها (وهي في حد ذاتها من آيات التصوير) خاتمان يحمل أحدهما اسم "ألبا" والآخر "جويا"، وتشير سبابتها إلى اسمه، وتاريخ 1797، مكتوبين على التربة الرملية تحت قدميها. وكان يرفض دائماً بيع هذه اللوحة.

وكانت مغامرة غرامه المزدهر قد صورت حين رجع جويا إلى مدريد. وتتهمها بعض رسومه "الكابريكو" (1797) بالاستسلام الفاجر لأشتات من ذكور يفتقرون إلى اللياقة. وقد اتهمها جودوي بإغواء وزير الحربية وكتب إلى الملكة يقول أن ألبا وكل أنصارها ينبغي أن يدفنوا في حفرة كبيرة(108)". وحين ماتت الدوقة (23 يوليو 1803) وهي بعد في الأربعين، أرجفت مدريد أنها سممت، وعطف الناس عليها لأنها خلفت قدراً كبيراً من ثروتها الضخمة لخدمتها. كذلك أوصت براتب سنوي يبلغ 3.600 ريال لخافير بن جويا. وأمر الملك بالتحقيق في موتها- وعين جودوي رئيساً للمحققين- وزج بالطبيب وبعض أتباع الدوقة في السجن، وألغيت وصيتها، وحرم خدمها من أنصبتهم التي أوصت لهم بها، وسرعان ما تزينت الملكة بأجمل جواهر ألبا(109).

الرسم على النسيج



. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

السلسلة الأولى

السلسلة الثانية


السلسلة الثالثة


السلسلة الرابعة

صور الأكاديمية


الرسم الديني

San Bernardino de Siena predicando ante Alfonso V de Aragón, 1783. Forma parte de la decoración de San Francisco el Grande de Madrid. Se considera que Goya se autorretrató en el joven de la derecha.


التسعينيات (1793–1799)

قمة المجد

كان جويا قد استقال عام 1797 من منصبه مديراً للتصوير في الأكاديمية، فقد أعجزته كثرة شواغله الآن عن التدريس. وفي 1978 اختير لزخرفة قبة كنيسة سان أنطوني دي لافلوريدا وقلب قوصرتها، ومع أنه أثار غضب الأكليروس بتصويره الملائكة بأطراف شهوانية، إلا أن الكل تقريباً أجمعوا على أنه نقل إلى تلك الفراغات المقدسة، في صورة الهام، حياة شوارع مدريد ودمها. وفي 31 أكتوبر 1799 عين "مصور البلاط الأول" براتب قدره خمسون ألف ريال في العام. ورسم في (1800) أشهر لوحاته قاطبة وهي "شارل الرابع وأسرته(110)"- وهي كشف قاس عن بلاهة الأسرة المالكة، ونحن نقشعر حين نتخيل منظر هذه المجموعة من الأبدان المنتفخة والأرواح القميئة إذا جردوا من ثيابهم البراقة- وتلك براعة في الإشعاع والتألق ندر أن بزها رسام في تاريخ الفن. ويروي التاريخ أن الضحايا أعربوا عن كامل الرضى عن اللوحة(111).

وفي ركن من اللوحة رسم جويا نفسه. وعلينا أن نغفر أنانية صوره الذاتية الكثيرة، ولا ريب في أن بعضها كان دراسات تجريبية استخدم فيها مرآة، شأنه فيها شأن ممثل يتدرب على التعبير بسحنته أمام المرآة، واثنتان منهما رائعتان. وخيرهما (اللوحة الأولى من الكابريكو) يبدو فيها في الخمسين ، أصم ولكن في كبرياء، له ذقن عدواني، وشفتان شهوانيتان وعيون فظة، وشعر ينمو فوق أذنيه ويكاد يصل إلى ذقنه، وتتوج هذا كله قبعة حريرية فاخرة تعلوا رأسه الضخم كأنها تحد لجميع نبلاء الدنيا المحظوظين. وبعد تسعة عشر عاماً من رسمه هذه اللوحة، وبعد أن نجا من ثورة، رمى القبعة، وفتح قميصه عن عنقه، وكشف عن نفسه في مزاج ألطف. لم تزل له كبرياؤه، ولكن فيه من الثقة الكبيرة بنفسه ما يربأ به عن التحديات(112).

وكان رسم الأشخاص أقوى نواحي فنه. ومع أن معاصريه كانوا يعلمون بأنه لن يتملقهم، فأنهم خضعوا في لهفة لحكم فن راودهم الأمل في أنه سيحمل ذكراهم قروناً طوالاً سواء كانت الذكرى مبعث صيت ذائع أو عار يخزيهم. ولدينا علم بثلاثمائة نبيل وثمانية وثمانين عضواً في الأسرة المالكة جلسوا أمامه ليرسمهم، وقد بقيت من هذه الصور مائتان. ومن أفضلها صورة لفرديناند جييمارويه، السفير الفرنسي، وقد أتى بها صاحبها إلى باريس، واقتناها اللوفر 1865، وإليها يرجع بعض الفضل في بعث شهرة جويا في فرنسا. وأروع ما رسم من صور الأطفال صورة دون مانويل أوزوريو دي زونيجا، المحفوظة بمتحف المتروبوليتان للفن بنيويورك، هنا أدرك جويا فيلاسكيز. وقد ضارع فيلاسكيز ثانية في كوكبة النساء اللاتي صورهن، وانتظمت صوره لهن أشتاتاً، فيها النحيلات مثل "الطفلة الملكية يوزيفا"، وفيهن المرأة الساحرة الخلابة مثل السنيورا جارثيا(113)، والممثلة المتكهلة "لاتيرانا(114)"_جمال مصور ولكنه يخلي مكانه للشخصية.

أما أكثر نساء جويا سفوراً فهي "الماخا" الوقحة التي رقدت حوالي (1798) خالية من كل زينة ليرسم لها "الماخا العارية" ثم كاسية في إغراء ليرسم لها "الماخا في ثيابها" وهاتان اللوحتان الصنوان تجتذبان من رواد البرادو عدداً غفيراً كالذي تجتذبه الموناليزا من رواد اللوفر. والماخا العارية ولوحة فيلاسكويز "فينوس في المرآة" هما الصورتان العاريتان الوحيدتان في التصوير الأسباني، لأن رسم العرايا في الفن الأسباني كان عقابه السجن سنة ومصادرة المنقولات والنفي. وقد غامر به فيلاسكويز في حماية فليب الرابع، وجويا في حماية جودوي الذي وافق جويا على تفضيل الثديين الكبيرين والخصر النحيل والشفاه الممتلئة. "وماخا" جويا لم تكن صورة لدوقة ألبا رغم ما تواتر عنها، كذلك لم تكن الكاسية التي رسمها جويا لتحل محل العارية حين جاء الدوق الغاضب (كما تروي الأسطورة) وفي عينيه نذير المبارزة. ولكن اللوحتين اشترتهما الدوقة أو أعطيتا لها، وانتقلتا بعد وافتها إلى مجموعة جودوي.

وبينما كان جويا يمد أسرته بالمال الذي يكسبه من تصوير الأشخاص، راح يتسلى (1796- 97) بمحفورات وصور مائية نشرها في 1799 على أنها "نزوات"- ثلاث وثمانون صورة لعقل أرزن فيه خشونة وغضب، وتصف في هجاء قاتم وعناوين ساخرة عادات جيله وأخلاقه ونظمه. وألمع هذه السلسلة هي رقم 43: وهي تصور رجلاً أستسلم للنوم على مكتبة بينما العفاريت تحوم حول رأسه: وعلى المكتب عبارة تقول "حلم العقل يبعث العفاريت". وقد فسر جويا هذا بأن "الخيال إذا هجره العقل أفرخ العفاريت، وإذا اتحد بالعقل كان خالق الفنون ومبدع أعاجيبها(114)". وهذه طعنة للخرافات التي أظلمت عقل أسبانيا، ولكنها كذلك وصف انصف إن جويا. فلقد كانت الأحلام المرعبة لا تبرحه، "ونزواته" على الأخص تمتلئ بمناظرها المروعة. هناك ترى جسد الإنسان وقد انحط إلى عشرات الأشكال الوارمة، العجفاء، الكسيحة، الوحشية، والبوم والقطط تنظر إلينا شزراً، والذئاب والنسور تجوس خلسة، والساحرات يطرن في الهواء، والأرض تبعثرت فيها الجماجم وعظام السيقان وجثث الأطفال حديثي الولادة حديثي الموت. وكأنما قفز خيال هيرونيموس بوش المريض عبر فرنسا متخطياً القرون ليدخل عقل جويا ويشيع فيه الفوضى.

أكان جويا عقلانياً؟ كل ما نستطيع أن نقوله هو أنه فضل العقل على الخرافة. ففي أحد رسومه صور شابة مكللة بالغار ممسكة بميزان تطارد طيور سوداء بالسوط، وتحت الصورة كتب جويا "أيها العقل المقدس لا تبق على أحد(116)". وفي رسم أخر رهبان يجردون أنفسهم من أرديتهم(117)؛ وقد ركب على جسد راهب يصلي وجه مجنون(118). وصور "محكمة ديوان التفتيش(119)" مشهداً كئيباً من ضحايا مساكين تحاكمهم سلطة باردة الشعور. وصور يهودياً مقيداً بالأغلال في زنزانة التفتيش، وكتب هذا التعليق "أي زاباتا، أن مجدك سيدوم إلى الأبد(120)". أكان هذا صدى لكتاب فولتير "أسئلة زاباتا"؟ وقد رسم تسعاً وعشرين لوحة لضحايا التفتيش يعانون شتى العقوبات(121)، وفي أخرهم رسم إنساناً مبتهجاً فوق هذا العنوان "الحرية المقدسة!"(122) ومع ذلك ظل إلى يوم مماته يرسم علامة الصليب على وجهه في روع، ويدعو المسيح والقديسين ويتوج رسائله برسم الصليب، وربما كانت هذه كلها أثار متخلفة من عادات كونها في صباه.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الثورة

أكان جويا ثائراً؟ لا بل إنه لم يكن حتى جمهورياً. وليس في فنه أو كلامه علامة تدل على أنه يرغب في الإحاطة بالملكية الأسبانية. وقد ربط شخصه وحظه بشارل الثالث، وشارل الرابع، وجودوي، وجوزف بونابرت، وعاشر نبلاء البلاط في سرور وابتهاج. ولكنه خبر الفقر من قبل، وما زال يراه من حوله، ونفره إملاق الجماهير وما ترتب عليه من جهل وخرافة، وتقبل الكنيسة للفقر الجماعي نتيجة طبيعية لطبيعة البشر وفوارقهم. وقد خلد نصف فنه الأغنياء، أما النصف الأخر فكان صرخة تطالب بإنصاف الفقراء، واحتجاجاً على همجية القانون وديوان التفتيش والحرب. كان موالياً للملكية قي لوحاته الشخصية، كاثوليكياً في صوره، متمرداً في رسومه، ففيها أعرب بقوة تكاد تكون وحشية عن مقته للظلامية والظلم والحماقة والقسوة. ويمثل رسم منها رجلاً ممداً فوق مخدعه وعنوان الرسم "لأنه أكتشف حركة الأرض". ورسم آخر يصور امرأة وضعت في المقطرة لأنها "أبدت عطفها على قضية التحرير". ومن هؤلاء الأسبان الذين سموا أنفسهم تحرريين؛ يبدوا أنهم كانوا أول حزب سياسي استعمل ذلك الاسم. وقد عنوا به التدليل على شوقهم إلى الحرية- حرية العقل من الرقابة، وحرية الجسد من الانحطاط، وحرية الروح من الطغيان. وكانوا قد تلقوا في عرفان "التنوير" الوافد من حركة التنوير الفرنسية. ورحبوا بدخول قوة فرنسية في أسبانيا (1807)، والواقع أنه نصف السكان رحبوا بها جيشاً للتحرير؛ ولم يسمع احتجاج حين استقال شارل الرابع وتوج ولده فرديناند السابع تحت حماية جنود مورا. وقد رسم جويا صورة للحاكم الجديد.

ولكن مزاج الشعب ومزاج جويا تغيرا حين استدعى نابليون شارل الرابع وفرديناند السابع إلى بايون وخلعهما؛ ونفى أحدهما إلى إيطاليا والآخر إلى فرنسا، ونصب أخاه جوزف ملكاً على أسبانيا. وتجمع حشد غاضب أمام القصر الملكي. وأمر جنده بأن يخلوا الميدان، ففر الجمع، ولكنه عاد إلى الاحتشاد حتى بلغوا عشرين ألفاً في ميدان مايور. فلما زحف الجنود الفرنسيون والمماليك نحو الميدان أطلقت عليهم النيران من النوافذ والبواكي. فاشتد غضبهم، واقتحموا البيوت وراحوا يقتلون أهلها دون تمييز. ودارت بين الجند والجماهير معركة امتدت طوال النهار، هو يوم مايو الأشهر (2 مايو 1808)، وسقط مئات الرجال والنساء صرعى، وشهد جويا من موضع قريب شطراً من المذبحة(123). وفي 3 مايو أعدم ثلاثون من السجناء الذين قبض عليهم الجند بواسطة فرقة لإطلاق النار. وأعدم كل أسباني أمسك متلبساً ببندقية في يده. وهبت أسبانيا الآن كلها تقريباً ثائرة على الفرنسيين، وسرت "حرب التحرير" من إقليم لإقليم. ولطخت الطرفين بما اقترفا من فظائع وحشية وشهد جويا بعضها ولم تبرحه ذكراها حتى يوم مماته. وفي 1811 كتب وصيته مخافة أن يتفاقم سوء الحال. وفي 1812 ماتت خوزيفا. وفي 1813 استولى ولنجتن على مدريد، وعاد فرديناند السابع إلى عرشه.

واحتفل جويا بانتصار أسبانيا برسم لوحتين من أشهر لوحاته (1814)(124). إحداهما "يوم مايو" أعاد فيها يناء ما رأى أو سمع أو تخيل من المعركة الناشبة بين جماهير مدريد وجنود الفرنسيين والمماليك. فوضع المماليك في القلب، لأن اشتراكهم في القتال هو الذي أثار أبلغ استنكار في الذاكرة الأسبانية. ولا داعي للسؤال هل كانت الصورة تاريخاً صحيحاً، فهي فن رائع قوي، ابتداء من تدريجات الألوان التي تومض على جواد المملوك المجند وانتهاء بوجوه الرجال الذين روعهم ووحشهم الاختيار بين أن يقتلوا أو يُقتلوا. وأنصع من هذه اللوحة، اللوحة الأخت "الرمي بالنار في الثالث من مايو"- وفيها فرقة لحملة البنادق الفرنسيين يعدمون السجناء الأسبان. وليس في فن جويا ما هم أبلغ وقعاً في النفس من التباين بين الرعب والتحدي في الشخصية الوسطى في تلك المذبحة.

والآن وقد بات جويا أرملاً، أصم، مكرهاً على الصمت، فقد انكفأ إلى فنه وهو ما يزال "مصور الحجرة الملكية" ذا المعاش المقرر، ولكنه لم يعد أثيراً لدى البلاط. ولعل أقوى محفوراته قد حفرها في 1812. وهي "العملاق"(125)- وتثمل هرقول بوجه كاليبان، جالساً على حافة الكرة الأرضية، كأنه مارس يستريح بعد حرب ظافرة. وكان طوال الفترة من 1810 يرسم رسوماً تخطيطية صغيرة ثم يحفرها ويطبعها، وقد سماها "العقابيل القتالة لحرب أسبانيا الدموية مع بونابرت، وغيرها من النزوات". ولم يجرؤ على نشر هذه الرسوم الخمسة الثمانين ولكن أوصى بها لولده، الذي باعها أبنه لأكاديمية سان فرناندو، والتي نشرتها عام 1863 بعنوان "توارث الحرب".

وهذه الرسوم التخطيطية ليست مشاهد عادية للمعارك يستخفي القتال فيها في ثوب البطولة والمجد. إنما هي لحظات من الرعب والقسوة تنسى خلالها ضوابط الحضارة الهزلية في حميا الصراع ونشوة الدماء. هنا بيوت تحترق وتنهار على ساكنيها، ونسوة يهرعن إلى المعركة بحجارة أو رماح أو بنادق، هنا نساء تهتك أعراضهن، ورجال يشدون إلى أعمدة أما فرق ضرب النار، ورجال طاحت سيقانهم أو أذرعهم أو رؤوسهم, وجندي يحب الأعضاء التناسلية لرجل(126) وجثث تخوزق فوق جذوع أو أطراف الشر الحادة، ونساء ميتات مازلن قابضات على أطفالهن الرضع، وأطفال يرقبون في هلع قتال آبائهم، وأكداس من الموتى يقذف بهم في الحفر، والنسور تستمتع بالتهام الموتى من الآدميين. وتحت هذه الصور أضاف جويا تعليقات ساخرة. "هذا ما ولدت له"(127)، "هذا رأيته"(128)، "لقد حدث هكذا"(129)، "ليدفنوا الموتى ويلزموا الصمت"(130). وفي النهاية أعرب جويا عن يأسه وأمله. فالصورة رقم 79 تمثل امرأة تموت بين الحفارين والكهنة، وعنوانها "الحق يموت"، ولكن الصورة رقم 80 تظهرها وهي تشع ضياء، وتسأل "أتبعث حية مرة أخرى؟".


الهوى والاختراع

Asalto de ladrones, 1794.
Óleo sobre hojalata. 42 x 31 cm. Colección Castro Serna (مدريد).



الصور

Retrato del Duque de Alba, 1795 (متحف ديل پرادو). Gran aficionado a la música de cámara, aparece apoyado en un clave, donde reposa una viola, su instrumento favorito. Tiene abierta en sus manos una partitura de Haydn.

La Duquesa de Alba, 1795 (Colección Casa de Alba, Palacio de Liria, مدريد).



النزوات

نوم العقل ينتج الوحوش، 1797–1799، اللوحة رقم 43 من 80 لوحة في سلسلة بعنوان النزوات Los Caprichose، والتي صممت في البداية لتكون الرسم المقابل لصفحة العنوان لكتاب السلسلة. اللوحة عبارة عن پورتريه شخصي للرسام يصور رأسه على طاولة، وحوله البوم والخفافيش، وهي تحاول مهاجمته بينما يحمي رأسه بين ذراعيه.[1] وتمثل هجوم البوم (رمز الغباء)، والخفافيش (رمز للجهل).


حلم العاقل



لوحات سان أنطونيو الجدارية ولوحات دينية أخرى

Detalle de los frescos de la ermita de San Antonio de la Florida.



لوحات عائلية (1800–1807)



أسرة كارلوس الرابع


سنواته الأخيرة

في فبراير 1819 أشترى بيتاً ريفياً على الضفة الأخرى لنهر مانزاتاريس. كانت الأشجار تظلله، ومع أنه كان عاجزاً عن سماع شدو الغدير الذي حف به، فإنه استطاع أن يحس الدرس المستفاد من جريانه الهادئ المطمئن. وكان جيرانه يسمون بيته "بيت الأصم". ولما كان خافير قد تزوج واستقل ببيته، فقد صحب جويا معه دونا لونادياوايس، خليلة ومديرة لبيته. وكانت امرأة سليطة اللسان قوية البدن، ولكن جويا كان في حصن حصين من لسانها السليط. وأتت معها بطفلين- صبي هو جييرمو، وفتاة صغيرة مرحة تدعى ماريا ديل روزاريو، وقد أصبحا عزاء لحياة الفنان في شيخوخته.

ولقد كان في أمس الحاجة لهذا الحافز الصحي لأن عقله كان على شفا الجنون. على هذا النحو فقط نستطيع أن نفهم "الرسوم الزنجية" التي غطى بها كثيراً من جدران البيت الذي كان مستشفاه. وراح يرسم بالأسود والأبيض في الأغلب، وكأنه يعكس ظلام عقله، ولم يعطِ حدوداَ معينة للأجساد التي رسمها وكأنه وفي لغموض رؤاه، ولكنه استعمل ألواناً جصية حسنة ليثبت بسرعة على الحائط صور حلم سريعة الزوال. وقد رسم على جدار جانبي طويل "رحلة سان ايزيدرو" وهو العيد الذي رسمه مبتهجاً عام 1788 قبل إحدى وثلاثين سنة ولكنه الآن أصبح مشهداً كئيباً لمتعصبين متوحشين مخمورين. وجمع على الجدار المقابل أشخاصاً أفظع حتى من هؤلاء في "سبت الساحرات" وهن يتعبدن لنيس أسود ضخم على نحوٍ رهيب لأنه شيطانهن وإلههن الآمر. وفي أقصى الحجرة ارتفعت أبشع صورة في تاريخ الفن، صورة ساترن يفترس ابنه- مار يفترس طفلاً عاريا، أكل رأسه وذراعه وأخذ يلتهم الذراع الباقية وهو يرش الدم من حوله(131). وربما كانت الصورة رمزاً مجنوناً لأمم مجنونة تأكل بنيها في الحرب. هذه رؤى رجل تعذبه أطياف الموت المروعة فهو يرسمها في جنون ليطردها من ذاته ويثبتها على الجدار.

وفي 1823 هربت ليوثاديا إلى بوردو بولديها لخوفها من الاعتقال بسبب نشاطها الماسوني. وقرر جويا أن يلحق بهم بعد أن ترك وحيداً مع الجنون الذي رسمه على جدرانه. ولكنه لو رحل بغير إذن من الملك لفقد حقه في الراتب الرسمي الذي كان يتقاضاه بوصفه مصور الحجرة، فألتمس إجازة شهوراً للاستشفاء بمياه بلومبيير، فمنح الإجازة. ونقل ملكية بيته لحفيده ماريانو، وفي يونيو 1824 يمم شطر بوردو، وليوثاريا، ماريا ديل روزاريو.

وبات حبه لحفيده ماريانو العاطفة المشبوبة المتسلطة عليه كلما دنت منيته. فأوصى بمعاش سنوي للصبي وعرض دفع النفقات إذا أتى خافيير بماريانو إلى بوردو. ولم يستطع خافيير الحضور ولكنه أرسل زوجته وأبته، فلما وصلا عانقهما جويا في انفعال انهار بسببه واضطر إلى ملازمة الفراش. وكتب إلى ابنه يقول: "يا عزيزي خافيير، إنما أردت أن أخبرك بأن هذه الفرحة كلها كانت فوق ما أحتمل...أدعو الله أن يتيح لك أن تأتي وتأخذهما وعندها تفيض كأس سعادتي(132)". وفي صباح الغد أحتبس صوته وشل نصف بدنه. وطال احتضاره ثلاثة عشر يوماً وهو ينتظر بصبر نافذ مجيء خافيير دون جدوى. ومات في 16 أبريل 1828. وفي 1899 نقل رفاته من بوربو إلى مدريد ودفن أمام مذبح كنيسة سان أنطونيو دي لافلوريدا، حيث رسم قبل مائة عام تحت القبة آلام الحياة الأسبانية وأحزانها وأفراحها وقصص حبها.

المايا

The Nude Maja, ca. 1800.
The Clothed Maja, ca. 1803.

تحققت لفرانسيسكو گويا تلك الشعبية التي تضعه في المقام الأول بين الرسامين من مواطنيه، منذ الارهاصات الأولى للفن الاسباني، وحتى بروز بيكاسو في القرن العشرين. لكن ما يمكن ملاحظته، بالنسبة الى حال گويا، هو أن شهرته ومكانته في فن الرسم، لم يتحققا بفضل أعماله القوية التي يجمع النقاد والمؤرخون على تقديرها واعتبارها تجديداً، بل بفضل أعمال أقل قوة وأكثر عادية. نقول هذا وفي ذهننا لوحتان المايا مرتدية ثيابها والمايا العارية، هاتان اللوحتان اللتان تمثلان السيدة نفسها في حالتين ووضعين مختلفين أو متكاملين، ولا يزال الناس حائرين حتى اليوم من تكون السيدة وفي اية ظروف رسمها گويا. أما بالنسبة الى السيدة نفسها فالأسئلة كثيرة: هل هي الدوقة ألبا، التي صارت عشيقة لگويا بعد ترمّلها، أو أنها سيدة أخرى؟ لقد ثارت من حول هوية هذه السيدة همسات وأسئلة حرّكت خيال الروائيين ثم السينمائيين في القرن العشرين، بحيث ان فن گويا اقترن لدى جمهور هؤلاء وأولئك بتلك اللوحة الاباحية (المايا العارية) وبما سببته للرسام من مثول أمام محاكم التفتيش في زمنه.[2]


الأوهام، السحر، الجنوب، القسوة

Escena de canibalismo o Caníbales contemplando restos humanos, 1800-1808 (Museo de Bellas Artes de Besançon).[3]


اللوحات السوداء والكوارث

What more can one do?, from The Disasters of War, 1812-15.
مايا العارية (ح. 1800–1803) رسم فرانسيسكو گويا.
Los desastres de la guerra, n.º 33,
«¿Qué hay que hacer más?».

[[Imagen:Palafox-goya.jpg|thumb|يمين|220px|Retrato ecuestre de Palafox (متحف ديل پرادو).]]


اللوحات الرمزية

Fray Pedro de Zaldivia y el bandido Maragato, serie de seis cuadros que narran visualmente la historia de la detención de un conocido malhechor de principios del siglo XIX (Museo de Bellas Artes de Boston).


اللوحات الزيتية

El Empecinado, 1809 (Colección particular).


لوحات من حرب العصابات


مطبوعات: كارثة حرب العصابات


الثاني والثالث من مايو 1808


الإستعادة (1815–1819)


ليبرالية الثلاث سنوات واللوحات السود (1820–1824)

La romería de San Isidro refleja el estilo característico de las Pinturas Negras (متحف ديل پرادو).


گويا في بوردو (أكتوبر 1824–1828)

«Aún aprendo», Álbum G (متحف ديل پرادو).


رسم الكتب

«Mujer maltratada con un bastón», Álbum B o Álbum de Madrid. Dibujo a la aguada y tinta china sobre papel.
«Castigo francés», Álbum G.


البورتريهات الشخصية

Autorretrato, hacia 1773 (Colección privada).
Autorretrato, 1783 (Museo de Agen, Francia).
Autorretrato, 1795 (متحف ديل پرادو).
Autorretrato del Museo Bonnat de Bayona, Francia.


السينما والدراما والاوبرا

Remembrance plaque for Goya in Bordeaux
Saturn Devouring His Son, 1819. The title, like all those given to the Black Paintings, was assigned by others after Goya's death.


معرض الصور


طالع أيضاً

الهامش

A statue of Francisco Goya outside the side entrance of The Prado Museum in Madrid.
  1. ^ The Metropolitan Museum of Art. "Francisco de Goya y Lucientes: The Sleep of Reason Produces Monsters: Plate 43 of The Caprices (Los Caprichos)". Retrieved 2008-12-14.
  2. ^ "«اللوحات السود» لغويا: الحرب والإيديولوجيا يخلقان". دار الحياة. 2012-08-26. Retrieved 2012-08-26.
  3. ^ Bozal, vol. 1, pág. 187.

المصادر

موسوعة بريتانيكا

  • John J. Ciofalo, The Self-Portraits of Francisco Goya. Cambridge University Press, 2001
  • Goya (a biographical novel) by Lion Feuchtwanger ISBN 84-7640-883-8
  • Goya by Robert Hughes, 2003, ISBN 1-84343-054-1
  • eeweems.com Goya images, biography and resources

وصلات خارجية

عامة

الصمم

  • Goya's Deafness in Art History[1]

سـِيـَر

أعماله

مقالات