ناثانيال هوثورن
Nathaniel Hawthorne | |
---|---|
وُلِد | سالم، مساتشوستس، الولايات المتحدة | يوليو 4, 1804
توفي | مايو 19, 1864 پليموث، نيوهامپشر، الولايات المتحدة | (aged 59)
الوظيفة | روائي, كاتب قصص قصيرة، عامل جمرك، قنصل للولايات المتحدة |
الحركة الأدبية | الرومانسية القاتمة |
ناثانييل هوثورن (بالإنكليزية: Nathaniel Hawthorne) اسمه بالولادة ناثانييل هاثورن (بالإنكليزية: Nathaniel Hathorne) روائي أمريكي وكاتب قصص قصيرة. آمن بفلسفة التسامي وناقش هواجس الموت والخلود، وكتب السيرة الذاتية لصديقه فرانكلين بيرس الذي أصبح فيما بعد الرئيس الرابع عشر للولايات المتحدة الأمريكية.
وُلد في 4 يوليو 1804 وتُوفي في 19 مايو 1864. ينتمي هوثورن إلى سلالة من المتطهرين الأمريكيين، ويتحدث في رواياته وقصصه القصيرة عن الحركة التطهرية في أمريكا. أشهر رواياته هي الحرف القرمزي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
سيرته
ناثانييل هورثورن ( 1804 – 1864 ) كاتب قصّة قصيرة وروائي أمريكي نظرته إلى الطبيعة البشريّة قاتمة، هو أحد المؤمنين بفلسفة التسامي، ومن أوائل الكتّاب الأمريكان استكشافاً للدوافع الخفيّة لشخصيّاته.
ناثانييل هورثورن شخصيّة أساسيّة في عصر النهضة الأمريكيّة، من ضمن أهم أعماله الرسالة القرمزيّة عام 1850 ، والبيت ذو الجدران السبعة 1851 ، وعلى شاكلة إدغار الآن بو كانت نظرة هورثورن إلى الطبيعة البشريّة قاتمة ، من ضمن ما كتب في روايته البيت ذو الجدران السبعة " المؤلّف يقدّم لنفسه الحقيقة بأسلوب أخلاقي إذا قال أنّ نتائج الأعمال الخاطئة تنتقل من جيل إلى الجيل الذي يليه".
ولد ناثانييل هورثورن في مدينة سالم، مساتشوستس، وكان مثل والده قبطاناً بحريّاً ، وهو أحد أحفاد جون هورثورن أحد القضاة الذين شاركوا في مرافعات قضايا السحر والذي كان قد توفي عندما كان ناثانييل في الرابعة من عمره. نشأ هورثورن في عزلة مع أمّه الأرملة إليزابيث معتمدين طيلة عمريهما على بعضهما البعض عاطفيّاً. كتب فيما بعد لصديقه هنري وادزوورث لونج فيلو " لقد أغلقت على نفسي في سرداب ، ولا أستطيع أن أجد المفتاح لأخرج منه ". تعلّم هورثورن في كليّة بودوين في مين ( 1824– 1821 ) ، وكان من بين أصدقاءه في المدرسة لونجفلو وفرانكلين بيرس الذي أصبح فيما بعد الرئيس الرابع عشر للولايات المتحدة الأمريكية.
ما بين الأعوام 1825 و 1836 عمل هورثورن ككاتب ومتعاون مع المجلات الدوريّة ، وكان من بين أصدقاؤه جون أو سوليفان الذي نشرت مجلّته ( ذي ديموكراتيك ريفيو ) لهورثورن حوالي 24 موضوعاً.
وحسب ما ورد في إحدى القصص أنّ هورثورن قام بحرق مجموعته القصصية القصيرة الأولى التي حملت عنوان " سبعة قصص من وطني " بعد أن رفضها الناشرون. كما ظهرت روايته الأولى " فانشو " بشكل غامض وعلى نفقته الخاصّة عام 1828 ، ولم تلق الاهتمام الكافي فقام بحرق النسخات التي لم تبع أيضاً ، مع ذلك هذا الكتاب كان بداية علاقة الصداقة بين هورثورن والناشر صموئيل غودريتش. قام هورثورن بتحرير المجلّة الأمريكيّة للترفيه والتعليم المفيد في بوسطن عام 1836 ، وجمع عام 1837 تاريخ بيتر بارلي العالمي للأطفال ، تبعها بسلسلة كتب للأطفال منها قصّة مقعد الجد 1841 ، أشخاص مشاهير 1841 ، شجرة الحريّة 1841 ، وقصص سير ذاتيّة للأطفال 1842 ، وامتدح إدغار الآن بو في مجلّة غراهام النسخة الثانية الموسّعة لكتابة قصص مرويّة مرّتين عام 1837.
أنشأ هورثورن عام 1842 صداقة مع المؤمنين بالفلسفة المتسامية في كونكورد من خلال رالف والدو إيمرسون وهنري ديفيد ثوري الذي استعان أيضاً بأسطورة التزمّت. رغم هذا بشكل عام لم تكن لديه الثقة الكافية بالمثقّفين والفنّانين ، وكان عليه في النهاية أن يعترف بذلك كما قال " كنز المثقّف لا يوفّر الطعام لعائلته "، تزوّج بيبودي عام 1842 الناشطة في حركة المؤمنين بالفلسفة المتسامية واستقر معها في كونكورد ، لكنهم لم يستطيعوا العودة إلى سالم بسبب زيادة عدد أفراد الأسرة وتراكم الديون حيث لم يكن قادراً على كسب قوته من خلال الكتابة ، وفي عام 1846 تمّ تعيينه كجامع للمعلومات في ميناء سالم. عمل هناك ثلاث سنوات إلى أن طُرِد من العمل. قال عندها " أنا أكره هذه البلد كثيراً ، إلى درجة أنّني أكره أن أخرج إلى الشوارع، أو أن يراني الناس " رغم أن روايتة الرسالة القرمزيّة كانت حسّاسة ولاقت نجاحاً جماهيريّاً.
في فلسفة المتسامين في نيوإنجلند ، ترتدي هستر شخصية والدة طفلة غير شرعيّة اللون القرمزي ( حيث هذا اللون حسب ما جاء في الكتاب يميّز الزانية المعروفة بحرف إيه في الكتاب ) لسنوات بدلاً من أن تكشف أنّ عشيقها كان قسّيس القرية الشاب التقّي ، يستمر زوجها روجر تشيلنجووت في تعذيب الرجل الذي أعياه تأنيب الضمير ، والذي يعترف بالزنا قبل أن يموت على ذراعي هستر.
تخطّط هستر لأخذ ابنتها بيرل إلى أوروبا لتبدأ حياة جديدة ، وفي نهاية الرواية الرومانسيّة الكئيبة كتب هورثورن " كن مخلصاً ، كن مخلصاً! اجعل الدنيا ترى إن لم يكن أسوأ ما فيك على الأقل بعض ما قد تستنتج بواسطته الأسوأ ". لقد نظروا إلى هستر كرائدة للحركة النسائيّة في خط أوّله آن هتشنستون وآخره مارغريت فولر الراعية التقليديّة والمرأة المستقلّة جنسيّاً ، والموازية الأمريكيّة لأنّا كارنينا. تأثير الرواية كان واضحاً في كتاب هنري جيمس " صورة سيّدة " عام 1881 ، وفي كتاب تشوبنس " الصحوة " 1899 ، وفي كتاب ويليام فولكنر " أثناء رقودي للموت " 1930 ، حيث خدمت ابنة يونا كنموذج عن بيرل.
هورثورن كان من أوائل الكتّاب الأمريكان في استكشاف الدوافع الخفيّة لشخصيّاته. من بين قصصه الاستعاريّة كانت رواية " فنّان الجمال " عام 1844 ، التي من خلالها يبدع حشرة تشبه فراشة يدفعها البخار. فتسأله فتاة يعجب بها إن كان قد صنعها فيجيبها " لماذا تسألين من أبدعها؟ هل هناك علاقة بين هذا التساؤل وجمالها؟ ". لكن في النهاية تقتل الحشرة بيد طفل أرعن.
كتب هورثورن مرّة عن غرفة كتابته " إنّها تستحق أن تسمّى القاعة المسكونة ، حيث ظهرت آلاف الآلاف من الرؤى لي فيها ".
الخطوط الأولية لروايته " مبنى الجمارك " كانت تمهيداً لروايته " الرسالة القرمزية " والتي كانت مؤسّسة بشكل جزئي على تجربته في سالم. ظهرت الرواية عام 1850 ، وتحدّثت عن أوائل الضحايا لهوس " المؤمنون بالتسامي " والتعصب الروحي. حيث النهج الرئيسي هو تأثير الشعور بالذنب ، والقلق ، والحزن. كانت الصورة التي قدّمها هورثورن تصف هؤلاء المتطهّرون المهووسون بالخطيئة الذين تعرّضوا للانتقاد لاحقا،ً مع أنهم كانوا أقل تطرّفاً ممّا بدا في أعمال هورثورن ، وآرثر ميللر ، وستيفن كينج ، وعديدين غيرهم.
نشر روايته البيت ذو الجدران السبعة في العام التالي. حيث بنى القصّة على أسطورة اللعنة التي أصابت عائلة هورثورن من قبل امرأة حكم عليها بالموت خلال محاكمات السحرة في سالم. انعكست اللعنة بخراب القصر ذي الجدران السبعة. وفي النهاية أحد أحفاد المرأة المقتولة يتزوّج ابنة أخ أحد أفراد العائلة لتنتهي لعنة الخطيئة الموروثة من الأهل مع هذا الزواج.
بينما روايته شاعريّة بليثيديل 1852 ، وقعت أحداثها في مجتمع نيوإنجلاند المثالي حيث يتفحص العيوب العملية الملازمة للمثالية ، فقد عاش واستثمر هوثورن فيما مضى في مجمع الجدول الريفي غربي روكسبري ، هذا أدى الى التخمين بأن البطل المحكوم عليه بالفناء كان مثالاً للمؤمن بالفلسفة المتسامية . وأثناء فترة قمة عطاء هورثورن أسس صداقة حميمة مع هيرمان ميلفيل الذي قدم له الإهداء في قصة موبي ديك. أصبح فرانكلين بيرس عام 1853 الرئيس ، وكان هوثورن قد كتب له سيرته الذاتية من أجل الحملة الانتخابية ، فتم تعيينه كقنصل في ليفربول . عاش هناك أربع سنوات وبعدها أمضى عام ونصف في ايطاليا ليكتب " التمثال الرخامي " 1860 ، وهي قصة حول مواجهة أو صراع بين البراءة والشعور بالذنب ، وكانت آخر رواياته الكاملة. ثم كتب دراسات احتوت رواية بيتنا القديم 1863 ، وتوفي في التاسع عشر من مايو عام 1864 في بليموث . قامت زوجته بعد وفاته أثناء رحلة الى الجبال برفقة صديقه فرانكلين بيرس بتحرير ونشر دفتر يومياته ،ومن الجدير بالذكر أن العديد من النشرات الحديثة من أعماله تضمنت العديد من الأبواب التي قامت زوجته باختصارها أو تغييرها.
أهم أعمال ناثانييل هورثورن
1- الحرف القرمزي ( 1850 )
2- هورثورن وطحالبه ( 1850 )
3- البيت ذا الجدران السبعة (1851 )
4- شاعريّة بليثيديل ( 1852 )
5- آلهة الحقول الرخاميّة ( 1860 )
6- قصص رويت مرّتين ( 1851 – 1837 )
7- طحالب من أعراف قديمة ( 1863 – 1854 )
8- صورة الثلج ، وقصص مرويّة مرّتين ( 1852 )
9- حياة فرانكلين بيرس ( 1825 )
10- أساساً حول قضايا الحرب ( 1862 )
11- القصة الكاملة لمقعد الجد ( 1840 )
12- كتاب العجائب للبنات والأولاد ( 1852 )
13- قصص الغابة المتشابكة ( 1853 )
14- سكّة الحديد السماويّة
المراجع
Hawthorne's Fiction by Richard Harter Fogle (1964);
The Shape of Hawthorne's Career by Nina Baym (1976);
New Essays on "The Scarlet Letter," ed. by Michael J. Colacurcio (1985);
Nathaniel Hawthorne, ed. by Harold Bloom (1986);
Nathaniel Hawthorne by Charles Swann (1991);
Hawthorne's Narrative Strategies by Michael Dunne (1995);
Hawthorne: A Life by Brenda Wineapple (2003)
" الضيف الطموح"
ترجمة إقبال التميمي/ نموذج من أعماله وهي قصة قصيرة بعنوان:
في إحدى ليالي سبتمبر اجتمعت العائلة حول مدفئتهم ، كوّموا فيها الخشب الذي جرفته جداول الجبل ، وأكواز الصنوبر الجافّة ، وشظايا بقايا الأشجار الكبيرة المحطّمة التي اصطدمت أسفل المنحدر. في أعلى المدخنة زأرت النار ، وأضاءت الغرفة بوهجها العريض. أضاء وجه الأب والأم بالفرح ، ضحك الأطفال ، بينما كانت الابنة الكبرى تبدو كصورة للسعادة على هيئة فتاة في السابعة عشرة. جلست الجدّة العجوز تنسج في أدفأ الأماكن ، كانت صورة تمثل السعادة لكبار السن. عاشت هذه العائلة في قلب التلال البيضاء ، حيث كانت الرياح قويّة على مدار العام ، وباردة دون رحمة في الشتاء .سكنوا بقعة باردة وخطرة ، حيث تعلق الجبل فوق رؤوسهم على شكل انحدار حاد. كثيراً ما تدحرجت الحجارة وسط الليالي من الأعلى إلى الأسفل على جانبيه بشكل أفزعهم.
روت الابنة بعض النكت البسيطة فأشاعت البهجة وغمرتهم جميعاً بالمرح ، وصلت الريح وبدت وكأنّها تقف متسمّرة أمام كوخهم تهز الباب بصوت نحيب ورثاء قبل أن تكمل طريقها إلى الوادي. وللحظة كانت تشعرهم بالحزن ، مع أنّه لم يكن هناك من تغيّر في نبراتها. لكن أفراد العائلة كانوا يقادون للسعادة عندما يدركون أنّ ترباس الباب قد رُفِع من قبل أحد المسافرين الذين لم تُسمع وقع خطواتهم وسط النفخة المملّة التي بشّرت باقترابها ، وانتحبت أثناء دخولها ، وابتعدت متأوّهة بعيداً عن الباب. ورغم أنّهم عاشوا في مثل هذه العزلة أجرى هؤلاء الناس حواراتهم مع الدنيا. التصريح والبوح الرومانسي كانا الشريان العظيم الذي من خلاله نبضت دماء الحياة من التجارة الداخليّة المستمرة بين ماين من جهة والجبال الخضراء وشواطئ سانت لورنس من الجهة الأخرى. توقّفت دائماً عربة الخيل أمام باب الكوخ ، وقف هناك عابر السبيل الذي لم يكن لديه رفيق سوى موظفيه ليتبادلوا الحديث ، حيث أنّ الشعور بالوحدة قد لا يمكن التغلب عليه تماماً ، هناك استطاع المرور من خلال منحدر الجبل ، ليصل إلى أول البيوت في الوادي ، هناك يبيت السائق ليلته في طريقه إلى سوق بورتلاند ، حيث يستطيع الأعزب إذا سهر ساعة إضافيّة بعد الوقت المحدّد للنوم أن يسرق قبلة من خادمة الجبل عند المغادرة. كان أحد تلك الفنادق البسيطة التي يدفع المسافر فيها ثمن الطعام والمبيت فقط ، لكنه يقابل بطيبة ومعاملة بيتيّة تفوق أي ثمن ، لذلك عندما كان يسمع وقع الخطى بين الباب الخارجي والداخلي كان جميع أفراد العائلة ينهضون الجدّة ، والأولاد ، والجميع ، وكأنّهم على وشك الترحيب بفرد منهم ، أو شخص ارتبط قدره بقدرهم.
فتح الباب شاب حمل وجهه في البداية تعبيراً مكتئباً إلى درجة قريبة من اليأس ، مثل من يسافر وحيداً في طريق برّي كئيب وقت الغروب ، لكن سرعان ما أضاء وجهه عندما رأى دفء استقبالهم. شعر بقلبه يقفز للقائهم ، من المرأة العجوز التي مسحت المقعد بمريلتها إلى الطفل الصغير الذي رفع ذراعيه باتجاهه ، وبلمحة واحدة ابتسامة وضعت الغريب بحالة من المعرفة القديمة مع البنت الكبرى.
صاح: " آه ، هذه النار هي ما يحتاجه المرء فعلاً ، خصوصاً عندما تحيط بك دائرة لطيفة حولها ، لقد فقدت الحس إلى حد ما ، أحسّ كأنّ انفجاراً مخيفاً ثار في وجهي طيلة الوقت أثناء قدومي من بارتليت ". قال صاحب البيت عندها: " إذن أنت ذاهب.. إلى فيرفونت؟ "
" نعم ، إلى برلنجتون ، وهذا أبعد ما يمكن ، أقصد أنّني ذهبت إلى إثيان كراوفورد الليلة ، رأيت أحد المشاة يتسكّع على هذا الطريق عندما شاهدت هذه النار الجيّدة ، وجميع وجوهكم البشوشة ، شعرت وكأنّكم أوقدّمتموها عمداً من أجلي ، و تنتظرون وصولي ، لذلك سأجلس بينكم ، شاعراً وكأنّني في بيتي ".
قام الرجل الغريب ذو الشخصيّة الصريحة بسحب مقعده إلى جانب النار ، عندها سمعوا شيئاً مثل خطوات ثقيلة بطيئة تنزل من الجهة المنحدرة من الجبل ، بخطوات سريعة ، تثب مارّة بالكوخ لتضرب المنحدر المقابل. حبس أفراد العائلة أنفاسهم ، لأنّهم عرفوا الصوت ، والضيف حبس نفسه بالفطرة.
قال صاحب البيت: " الجبل الكهل رمى علينا حجراً خشية أن ننساه ، أحياناً يومي برأسه ويهدّدنا بأنّه سينزل إلينا ، ولكنّنا جيران قدامى ، ونتفق مع بعضنا جيّداً بشكل عام ، إلى جانب أنّ لدينا ملجأ آمناً عند الحاجة إلى البرهان ".
دعنا الآن نتخيّل أنّ الغريب أنهى عشاؤه من لحم الدب ، ومن ناحية أدبيّة طبيعيّة وضع نفسه في علاقة طيّبة مع جميع أفراد العائلة إلى درجة أنّهم تحدّثوا معاً بحريّة ، وكأنّه ينتمي إلى أبناء جبلهم. كان يبدو متكبّراً ، لكن روحه رقيقة ، متحفّظ بين الأغنياء والكبار لكنه على أهبة الاستعداد لإحناء رأسه لباب الكوخ المتواضع ، وأن يكون مثل أخ أو ابن بجانب نار مدفأة الرجل الفقير.
وجد هناك الدفء من خلال البساطة ، والذكاء المنتشر في نيوإنجلاند ، والشعر المتوالد من الأصالة حيث جمعوه دونما قصد من قمم الجبل وفجواته ، ومن عتبة منزلهم الخطير والرومانسي ، كان يتنقّل وحده بعيداً ، كانت حياته كلّها طريق لرحلة منفردة ، و بسبب طبيعته الحذرة والمتكبّرة ، عزل نفسه عن أولئك الذين قد يصبحون رفقاؤه ، كما أنّ أفراد العائلة أيضاً مع أنّهم كانوا طيّبون جداً ومرحّبون امتلكوا شعوراً بالاتحاد فيما بينهم ، وانفصالاً عن العالم الخارجي الكبير ، وهذا في أي دائرة عائليّة عادةً يبني مكاناً مقدّساً حيث لا يستطيع أي غريب أن يتطفّل أو يتدخّل ، لكن تلك الأمسية كانت عطفاً متنبّئاً به دفع بهم للتعامل معه بنفس الثقة المطلقة ، وهذا ما كان مفترضاً ، فلم يكونوا أقارب بسبب قدرهم المشترك ، بل كانت رابطتهم أقوى من رابطة الولادة.
السر الكامن في شخصيّة هذا الشاب كانت تعود إلى طموحه المذهل والعالي. كان يمكن أن يكون قد ولد ليعيش حياة غير متميّزة ، لكن لا يمكن أن ينسى كميّت. لديه إرادة ورغبة جامحة حولها إلى أمل ، والأمل الذي قدّره الناس طويلاً أصبح بحكم المؤكّد أنّه وخلال ترحاله الغامض المجد كان يبتسم ويضيء طريقه ، مع أنّه ربّما كان لا يزال في بداية خطواته ، لكن أثناء التحديق بالظلام في حاضره تجد الأشراف يتبعون الأثر المضيء الذي تركته خطواته ، حيث خفتت إضاءة أمجاد أخرى أقل منزلة ، معترفين بأنّ شخصاً موهوباً قد مرّ من مهده إلى لحده دون أن ينتبه إليه أحد.
صاح الغريب وقد تورّد خدّاه وأضاءت عيناه بالحماس " حتى الآن لم أفعل شيئاً ، أين أختفي من وجه الأرض غداً؟ لا أحد يعلم الكثير عنّي بمقدار ما تعرفونه أنتم ، وهو أنّ شاب مجهول الاسم حضر أثناء نزول الليل من وادي ساكو ، وفتح قلبه لكم في المساء ، وعبر الطريق بحلول الفجر ، لم يره أحد بعد ذلك ، لن يسأل عنه أحد.. مَن كان ؟.. أين ذهب ذلك الغريب ؟ لكنّني لا أستطيع الموت إلى أن أحقّق قدري بعدها ليأتي الموت كما يشاء سأكون قد انتهيت من بناء نُصُبي التذكاري! ".
كان هناك تدفّق متواصل للعاطفة الطبيعيّة ، تدفّق متصاعد وسط حلم اليقظة الذي مكّن العائلة من فهم مشاعر هذا الشاب ، مع أنّه غريب عنهم. بإحساس سخيف سريع ومفهوم احمرّ وجهه خجلاً من إحساسه بالسخرية منه. و قال وقد أخذ بيد الإبنة الكبرى ضاحكاً " تضحكين مني " ، تظنّين أنّ طموحي كما لو أنّني أقوم بتجميد نفسي لدرجة الموت على قمّة جبل واشنطن ، هناك يستطيع الناس أن يتجسّسوا عليّ فقط من المنطقة المحيطة ، سيكون هذا قاعدة فخمة لتمثال رجل بالفعل! ".
أجابت الشابة وقد احمرّت وجنتيها خجلاً " من الأفضل أن تجلس هنا بجانب النار ، وأن تشعر بالراحة والرضى ، حيث لا أحد يفكّر بنا ".
قال والدها بعد أن أصابته نوبة من التأمّل " أظنّ ذلك ". " هناك شيء معقول فيما يقوله الشاب ، وإذا فكرت في هذا الاتجاه قد أشعر بنفس الشعور تماماً. أمرٌ غريبٌ يا زوجتي كيف أن حديثه قد لفت نظري بهذه الطريقة الى أشياء أكيدة الحدوث قد لا تحدث إطلاقاً ".
ردّت زوجته " ربّما تحدث " " هل يفكّر الرجل ماذا سيفعل إذا أصبح أرملاً؟ "
صاح: " لا .. لا " رافضاً فكرة المعاتبة بطيبة. " عندما أفكّر بموتك يا إستير أفكّر بموتي أنا أيضاً ، لكنّني كنت أتمنّى لو امتلكنا مزرعة جيّدة في بارتليت ، أو بيت لحم ، أو ليتلتون ، أو في أي مكان آخر حول الجبال البيضاء .. أي مكان لا ينهار على رؤوسنا ، كنت أتمنّى أن أقف مع جيراني وينادونني بالإقطاعي ، وأن يرسل بي إلى محكمة عامّة لقضاء مدّة أو مدّتين.. قد أعمل كرجل بسيط ، مُخلِص .. كمُحامي ، وعندما أصبح كهلاً ، وأنت عجوز لدرجة لا يمكن معها أن نفترق عن بعضنا ، قد أموت عندها بسعادة كافية وأنا في فراشي ، أترككم خلفي جميعاً تبكونني. سيليق بي أن يكون لي شاهد قبر مصنوع من الرخام ، وعليه اسمي فقط وعمري وترنيمة وشيء يعلم الناس من خلاله أنّني عشت رجلاً نزيهاً ومت مسيحيّاً ".
" هذا هو " صاح الغريب " من طبيعتنا أن نحب أن يكون لنا تمثالاً ، بغض النظر إن كان شاهد القبر من الحجر ، أو الرخام ، أو قطعة من الغرانيت ، أو ذكرى عظيمة في القلب العالمي للإنسان ".
قالت الزوجة والدمع في عينيها " إنّنا نتصرّف بطريقة غريبة هذه الليلة ". " يُقال إنّ هذه علامة حصول شيء عندما تتجوّل أفكار الناس بهذه الطريقة ، وكما يقولون خذوا فألكم من أطفالكم!! ".
استمعوا وهذا الحديث في بالهم ، كانوا قد أرسلوا الصغار ليناموا في غرفة أخرى ، ولكنّهم تركوا الباب بينهم مفتوحاً ، حتى يستطيعوا أن يسمعوهم وهم منشغلين بالحديث مع أنفسهم. يبدو أنّ الجميع أصابتهم عدوى من دائرة المدفأة ، وكانوا يتابعون بعضهم البعض بأمنيات غريبة ، ومشاريع طفوليّة ، عمّا ينوون عمله عندما يصبحون رجالاً ونساءً. وبعد مدّة وجّه ولد صغير الحديث لوالدته بدلاً من إخوته أو أخواته.
صاح " أرغب في أن أخبرك عن أمنيتي يا أمّي ، أريدك أنت وأبي وجدّتي وجميعنا والغريب أيضاً أن نخرج حالاً لنشرب من حوض القناة المحفورة في الجبل ".
لا أحد يستطيع أن يسخر من مفهوم الطفل في ترك سرير دافئ ، وأن يجر نفسه من جانب النار التي تجلب السعادة لزيارة حوض القناة ، حيث يسقط الجدول على المنحدر في عمق الجبل. نادراً ما كان يتكلّم هذا الصبي عندما كان يدندن صوت العربة على طول الطريق ليقف قبل الباب بقليل. يبدو أنّ العربة التي وصلت فيها رجلين أو ثلاثة يرفهون عن قلوبهم بأغنية جماعيّة بين المنحدرات بصوت مرتفع ، ودون مراعاة للّحن ، وبصخب شديد.
بينما تردّد المغنّون بين أن يكملوا رحلتهم أو يترجّلوا ويقضوا ليلتهم هناك.
قالت الطفلة " أبي إنّهم ينادونك باسمك ".
لكن الرجل الطيّب شكّ في أنّهم يمكن أن يكونوا قد نادوه ، كان يكره أن يظهر اهتمامه الزائد لدعوة الناس للتردّد على بيته ، لذلك لم يسرع باتجاه الباب ، سُمعت جلدة الحصان بعد ذلك بقليل. دخل المسافرون منطقة الصدع في الجبل مستمرّين في غناؤهم وضحكاتهم ، مع أنّ صوت موسيقاهم ومرحهم ارتدّ كئيباً من قلب الجبل. صاح الصبي مرّة أخرى " أرأيت يا أمّاه؟ كان يمكن أن يأخذونا في نزهة إلى القناة الصناعيّة!! ".
سخروا مرّة أخرى من ميل الطفل العنيد لنزهة في المساء ، لكن حصل أن سحابة خفيفة مرّت على روح الإبنة ، نظرت بعمق إلى النار ، وسحبت نفساً عميقاً يشبه التنهيدة ، سحبتها رغماً عنها مع أنّها حاولت كبحها ، بعدها بدأت تحمرّ خجلاً ، نظرت سريعاً حول الدائرة ، وكأنّهم قد التقطوا لمحةً من صدرها. سألها الغريب بماذا كانت تفكّر.
أجابت بابتسامة حزينة " لا شيء ، شعرت للحظة أنّني وحيدة ". قال بشكل نصف جدّي " آه ، كان دائماً لدي شعور بأنّني أمتلك موهبة الإحساس بما يشعر به الآخرون في قلوبهم .. هل تريدين منّي أن أخبرك بعض أسرارك؟حيث أنّني أعرف بماذا تشعر فتاة صغيرة ترتعش أمام دفء المدفأة، وتشكو من الوحدة وهي إلى جانب والدتها،هل تريدين منّي أن أضع هذه المشاعر في كلمات؟"
أجاب ضاحكاً متجنّباً النظر إلى عينيها " لن تبقى مشاعر فتاة صغيرة بعد أن أضعها في كلمات ". كل هذه الكلمات قيلت منفصلة وكلّ على حدة ، ربّما تكون جرثومة الحب قد أزهرت في قلوبهم ، نقيّة إلى درجة أنّها قد تزهر في الجنّة ، حيث أنّها لا يمكن أن تنمو على الأرض ، فالنساء يعبدون مثل هذا الوقار اللطيف، وروح الفخر التي يمتلكها ، وتأمّله ، وطيبته المسجونة في روح بسيطة مثل روحة. لكن بينما كانوا يتحدّثون برفق كان يراقب حزنها السعيد ، والظلال الخفيفة،وأشواقها الخجولة في طبيعتها البكر،حيث أخذت الرياح صوتهم الممل والعميق عبر الشق.
قال الغريب " يبدو أنّها صوت الأرواح المرهقة من الانفجار التي كانت تعيش بين هذه الجبال في زمن الهنود القدماء ، التي جعلت من مرتفعاتها منطقة مقدّسة. كان هناك عويل على طول الطريق وكأنّ جنازة تمر. لمطاردة الكآبة ألقت العائلة بأغصان شجر الصنوبر في النار ، حتى تقصفت أوراقها الجافة ،وارتفع اللهيب ،مكتشفين مرّة أخرى إحساساً بالسلام والسعادة المتواضعة. حلّق النور حولهم بمحبّة ، وعانقهم جميعاً. كانت هناك وجوه الأطفال الصغار تسترق النظر من بين أسرّتهم ، وكانت صورة لإطار فيها قوّة الأب ، و نظرة الأم الحذرة ، و الشباب المثقّف ، والبنت التي كانت في عز شبابها ، والجدّة الطيّبة العجوز التي لا زالت تحيك في أدفأ مكان. نظرت المرأة العجوز نظرة وهي ترفع عينيها عن نسيجها ، وأثناء انشغال أصابعها الدائم ، و تحدّثت قائلة:
" كبار السن لهم مفاهيمهم الخاصّة كما للشباب ، كنتم تتمنون وتخطّطون وتطلقون العنان لخيالكم ليسرح بكم من فكرة إلى أخرى ، إلى درجة جعلتم فكري يتجوّل معكم أيضاً. ماذا تستطيع امرأة عجوز أن تتمنّى الآن حيث بينها وبين قبرها خطوة أو اثنتان فقط؟ يا أولاد ، سوف تتلبّسني الفكرة ليل نهار حتى أقول لكم ".
صاح كل من الزوج والزوجة في ذات الوقت " ما الموضوع يا أمّاه؟ ".
عندها أخبرتهم المرأة العجوز في جو من الغموض حيث سحبت الدائرة حول النار بشكل أقرب أنّها جهّزت رداء منذ سنوات خلت ، ككفن من الكتّان اللطيف ، وقبّعة ذات حافّة من الشاش وكل شيء من أجود الأنواع .. أجود ما لبسته منذ زفافها.
لكن ذلك المساء عاودها هاجس الخرافات القديمة. كانوا يقولون أيام شبابها إنّه إذا وجد أي خطأ بمظهر الجثّة ،لو كانت ياقة القبّعة غير ملساء ، أو اذا لم توضع القبّعة كما يجب ستناضل الجثّة في الكفن تحت السحاب بيديها الباردتين لتعيد ترتيبها كما يجب ، مجرّد الفكرة جعلتها قلقة. قالت الصبيّة وهي ترتعش " لا تقولي ذلك يا جدّتي ". استمرّت العجوز بالحديث " الآن " وبجديّة ، تبتسم معها لحماقتها " أريد أحدكم يا أبنائي عندما يلبسون والدتكم ويضعوها في الكفن بأن يحمل أحدكم عدسة مكبّرة فوق وجهي،من يعلم ربّما ألقيت نظرة على نفسي ،لأرى إن كانت الأمور مرتّبة تماماً".
تمتم الشاب الغريب " كهولاً وشباباً نحلم بالقبور وآثار تمجّدنا. أتسائل عن شعور البحّارة عندما تبدأ السفينة بالغرق ، وهم جميعاً مجهولون وغير معروفي الهويّة ، وسوف يدفنون معاً في المحيط. ذلك القبر المجهول الكبير ".
وللحظة المفهوم الفظيع للمرأة العجوز شغل بشكل كبير عقول المستمعين إليها إلى درجة أنّ صوتاً بالخارج أثناء الليل ارتفع مثل زئير انفجار ، عميق وواسع ومخيف و قبل أن تحس به المجموعة ارتعش البيت وكل ما فيه ، بدت أسس الأرض وكأنّها تهتز ، وكأنّ هذا الصوت المرعب كان دوّى الورقة الرابحة الأخيرة. الصغار والكبار تبادلوا نظرة غريبة ، وبقوا للحظة ، باهتين ، خائفين بصمت فاقدين القدرة على الحديث أو الحركة. بعد ذلك نفس الصوت انفجر وبنفس الوقت من شفاههم جميعاً... الانهيار... الانهيار.
أبسط الكلمات يمكن أن تلمّح لكنّها لا تصوّر الرعب الفظيع للكارثة ، خرج الضحايا من كوخهم مسرعين ، باحثين عن الملجأ في مكان اعتبروه أكثر أمناً ، كان قد تكوَن ما يشبه الحاجز. وللأسف! كانوا قد غادروا الأمن ، وخرجوا إلى الطريق المؤديّة للدمار. تهاوى جانب الجبل كلّه على شكل أنقاض ، وقبل أن يصل إلى المنزل تماماً ، تفرّع السيل إلى شعبتين ، لم تهتز النافذة فقط ، لكنّها شملت كلّ ما جاورها ، وسدّت الطريق ، وخرّبت كل شيء في طريقها الفظيع. صوت الرعد المتنامي للإنهيار الكبير سكت عن الزئير في الجبال ، انتهى تحمّل الألم ، وأصبح الضحايا في مأمن ، ولم تعثر على جثثهم أبداً.
في صباح اليوم التالي شوهد الدخان الخفيف متسلّلاً من مدخنة الكوخ باتجاه قمّة الجبل. في الداخل كانت النار لا تزال مشتعلة في المدفأة ، والمقاعد كانت مصفوفة على شكل دائرة حولها ، وكأنّ أهل المنزل قد ذهبوا لإلقاء نظرة على مكان الإنهيار و سيعودون بعد قليل ليشكروا السماء على نجاتهم بأعجوبة. كل منهم خلّف شيء كذكرى خاصة جعلت من يعرفون العائلة يذرفون الدمع على كل منهم. من لم يسمع بأسمائهم؟. لقد رويت القصّة في كل مكان ، وستبقى إلى الأبد أسطورة هذه الجبال ، غنّى الشعراء قدرهم.
كانت هناك بعض الشكوك التي قادت البعض للإعتقاد بأنّ غريباً تمّ استقباله في الكوخ في تلك الليلة المشؤومة ، وتقاسم الكارثة معهم. البعض الآخر أنكر أنّ هناك أسس كافية تدل على مثل التخمين. تحيّة للشاب ذا الروح العالية ، ولحلمه في الخلود! اسمه وشخصه مجهولان تماماً ، تاريخه ، وشكوكه ، أتسائل لِمَن كانت آلآم فاجعة لحظة الموت؟
الهامش
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .