برسي بيش شلي

(تم التحويل من پرسي بيش شلي)
پرسي بيش شلي
Percy Bysshe Shelley
پرسي شلي
پرسي شلي
وُلِدPercy Bysshe Shelley
(1792-08-04)4 أغسطس 1792
Field Place, هورشام، إنگلترة[1]
توفيَ8 يوليو 1822(1822-07-08) (aged 29)
Gulf of La Spezia, Kingdom of Sardinia (now Italy)
المهنة
  • شاعر
  • كاتب دراما ومقالات
  • روائي
التعليمEton College
المدرسة الأمUniversity College, Oxford
الحركة الأدبيةرومانسية
الزوج
  • Harriet Westbrook
    (m. 1811; died 1816)
  • (m. 1816)
الأنجال4 (including Percy Florence Shelley)

التوقيع

پرسي بيش شلي Percy Bysshe Shelley (4 أغسطس 1792 – 8 يوليو 1822; تــُنطـَق /ˈpɜrsi ˈbɪʃ ˈʃɛli/)[2] هو واحد من أشهر الشعراء الرومانسيون الإنجليز. يُعرف بقصائدة القصيرة أوزيماندياس، أغنية للريح الغربية، إلى قُبَرة. ومع ذلك فإن أعماله الهامة تتضمن قصائده الرؤيوية الطويلة: ألاستور، أو روح العزلة، ثورة الإسلام، أدوناي، بروميثيوس طليقاً، وعمله غير المنتهي انتصار الحياة.

حياة شيلي غير العادية وتفاؤله العنيد وصوته القوي المعترض عوامل ساهمت في جعله شخصية مؤثرة وعرضته للتشويه خلال حياته وبعد مماته. أصبح شيلي أيقونة للجيلين الشعريين الذين تلياه، ومن ضمن المتأثرين به الشعراء الڤيكتوريون من الحركة ما قبل الرافايلييه روبرت براوننگ، ألفرد لورد تينيسون، دانتي گابرييل روسيتي، ألگرنون تشارلز سوينبرن، كما تأثر به لورد بايرون ووليام بتلر يتس وهنري ديڤد ثورو، وشعراء من لغات أخرى مثل يان كاسبرويك وجيبانانادا داس وسوبرامانيا باراثي.

أُعجب به كارل ماركس وهنري ستيفنز سولت وبرتراند رسل وأوبتون سنكلير. كما اشتهر بصحبته لكل من جون كيتس ولورد بايرون. كانت الروائية ماري شيلي زوجته الثانية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

وُلد بيرسي بيشي شيلي في 4 أغسطس 2971 في أحد عقارات الأسرة المعروف باسم فيلد بليس (الترجمة الحرفية تعني مكان الحقل) - وهو بيت رحب بالقرب من هورشام في سسكس. وأنجبت أمه بعده أربع بنات وبعد ذلك بمدة طويلة أنجبت له أخا. ونشأ بيرسي بين أخواته فأخذ منهن شيئا من الرقة والخيال وسرعة الاستثارة، وكون مع أخته الكبرى علاقة حميمة.


التعليم

وفي (إتون Eton) عانى كربا شديدا بسبب إلزامه بخدمة تلاميذ أكبر منه، وعزف عن كل أنواع الرياضة إلا التجديف ومن سوء الطالع أنه لم يتعلم السباحة أبدا، وسرعان ما نبغ في اللغة اللاتينية فراح يساعد زملاءه في دروسهم فرد لهم بذلك الكيل بتنمرهم له في مجالات أخرى. وكانت قراءاته الإضافية (الخارجة عن المقرر الدراسي) تضم كثيرا من الحكايات والأمور الغامضة والمرعبة، لكنه أيضا استساغ مادية لوكريتوس Lucretius في كتابه De rerum natura وكتاب پلني في العلوم - التاريخ الطبيعي Natural History وتفاؤل كوندرسيه Condorcet في كتابه Sketch of a tableau of the Progress of Human Mind وكتاب جودون الذي يفلسف الفوضوية (إلغاء الحكومة) والذي جعل له عنوانا هو (البحث عن العدالة السياسية Enquiry Concerning Political Justice) لقد كتب في وقت لاحق أن هذا الكتاب قد فتح عقلي على آراء جديدة ورحبة. لقد أثر في شخصيتي. لقد أصبحت بعد دراسته بإمعان، أفضل وأكثر حكمة... لقد آمنت أن عليَّ واجبات لا بد أن أؤديها(54).

وخلال الإجازة وقع في حب قريبة لم تتجاوز ستة عشر ربيعا. إنها هاريت جروف Harriet Grove التي كانت تزور أسرته في (فيلد بلاس) كثيرا. وبدأا يتبادلان الرسائل الحارة حتى إنهما في سنة 9081 تعاهدا على الإخلاص الأبدي. لكنه اعترف لها بشكه في الرب، فأظهرت خطابه المنطوي على منحى لا أدري لأبيها فنصحها ألا ترتبط به (أن تتركه بلا هدف) وعندما نقلت هاريت في يناير سنة 1181 تعهدها بالإخلاص الأبدي له إلى وليم هلير، كتب شيلي لصديقه توماس جيفرسون هوج خطابا جديرا بأن يكون على لسان أبطال بايرون القساة. إنها لم تعد لي. إنها تمقتني مقتا شديداً كربوني (مؤمن بالله دون الإيمان بأديان منزلة deist) مع أنها كانت تؤمن الإيمان نفسه قبل ذلك. آه! آه أيتها الديانة المسيحية كيف أغفر هذا الاضطهاد القاسي، عسى أن يدمرني الرب (إن كان للرب وجود) .. هل الانتحار خطأ؟ لقد نمت ومعي مسدس محشو وبعض السم ليلة البارحة، لكنني لم أمت(64).

وفي هذه الأثناء (0181) كان قد انتقل من (إتون Eton) إلى الكلية الجامعية في أكسفورد. وتجنب هناك الإفراط في العلاقات الجنسية - فيما عدا ليلة أو ليلتين مارس فيهما الجنس على سبيل التجريب(74)، وكانت العلاقات الجنسية تبدو لمعظم الطلبة الذين لم يتخرجوا بعد أمرا لازما دالا على الرجولة. وكان يستمع بين الحين والحين إلى محاضرات يلقيها الأساتذة والعمداء الذين لم يكونوا يتفوقون عليه في اللاتينية واليونانية سوى بخطوة واحدة وسرعان ما راح يؤلف الشعر باللاتينية ولم ينس أبدا إيسخيلوس. وكان مقر إقامته غاصا بالكتب المبعثرة والمخطوطات والتعويذات غير الواضحة الواردة في كتب العلم القديمة (في الكتب العلمية قبل نضوجها). لقد كاد يملأ غرفته عند إجرائه لإحدى التجارب لقد كان يؤمن بقدرة العلم على صياغة الكون والإنسان. ولم يكن يهتم بالتاريخ فقد كان يؤمن بما قاله فولتير وجيبون من أن التاريخ هو في الأساس سجل لجرائم البشر وغبائهم، ومع هذا فقد قرأ كتابات هذين المؤلفين المتشككين بشغف. وقد ظن أنه وجد حلا لسر الكون عند لوكريتيوس والمثقفين الآخرين، فحركة الذرات لابد أن تحكمها قوانين ، ثم اكتشف سبينوزا وفسره شارحاً أنه يؤمن بجوهرين وحيدين: المادة والعقل (النفس) باعتبارهما جانبين لجوهر مقدس واحد - فشيء كالعقل (النفس) يسري في المادة، وشيء من المادة يغطي العقل (النفس).

لقد كان يقرأ بشغف، وقد وصفه رفيق دراسته هوج بأن كتابا في يده طوال الوقت - إنه يقرأ .. وهو جالس إلى المائدة، وهو في السرير، بل وفي أثناء المشي خاصة ... لم يكن هذا في أكسفورد فقط، وإنما في الطريق السريعة بل وفي أكثر مناطق لندن ازدحاما.... لم تقع عيناي على من يلتهم الصفحات التهاما بشراهه أكثر منه(84). وكان يعتبر تناول الطعام مضيعة للوقت إذا لم يكن مصحوبا بالقراءة، وكان يفضل أبسط أنواع الطعام، ولم يكن قد أصبح نباتيا بعد ومع هذا فقد كانت وجبة من الخبز والزبيب تبدو له متوازنة. وعلى أية حال فإنه كان مولعاً بما هو حلو، وكان يفضل عسل النحل على خبز الزنجبيل وكان يحب أن يخلط ماء الشرب بالنبيذ(94). وقد وصف في أيام أكسفورد بأنه طويل نحيل، حزمة منحنية من الأعصاب والنظريات والبراهين، غير مهتم بملبسه وغير مرجل لشعره، يترك قميصه مفتوحا من عند الرقبة يكاد يكون وجهه ذا ملامح أنثوية. عيناه متألقتان لكنهما غير مستقرتين وطباعه حادة لكنها ودودة، وكان كشاعر ذا أعصاب حساسة، دافئ المشاعر، مستسلما للأفكار الغامضة التي لم تتبلور بعد لكنه كان ينفر من التاريخ. وكان كالشعراء يركز على الحرية الفردية ويشك في القيود الاجتماعية وقد ذكر هوج Hogg أن الليالي في غرفة شيلي كانت رائعة عندما كانا يقرآن الشعر والفلسفة معاً ويدحضان القوانين والعقائد ويظلان يتبادلان الأفكار حتى الساعة الثانية صباحا ويتفقان - قبل كل شيء - على مسألة أساسية هي أن الرب God لا وجود له. وقد أعد المتمردان الشابان مؤلفا عن هذا الموضوع جعلا له عنوانا هو (ضروة الإلحاد The necessity of Atheism) وكان هذا المصطلح Atheism (تستخدم القواميس المتداولة إنجليزي عربي، كلمه إلحاد كمعنى لهذا المصطلح)، وكان هذا المصطلح ممنوع الاستخدام في المجتمع المهذب، فقد كان الشكاكون المهذبون يطلقون على أنفسهم deists أي الربانيين أو الربوبيين أي المؤمنين بوجود إله مع عدم إيمانهم بالأديان (المفهوم هنا كما هو واضح عدم إيمانهم بالمسيحية) وكانوا يتحدثون باحترام عن الله God كموجود لا يمكن معرفة طبيعته، كموجود في الطبيعة وهو حياتها - أي الطبيعة - والروح السارية فيها، وهو موجود غير مشخص Spirit (روحاني). وقد اعتنق شيلي في وقت لاحق أفكارهم، لكن عند صدور الكتاب الذي نتحدث عنه كان شيلي وزميله في مرحلة الشباب وكانا لا يقدران عواقب الأمور ففضلا استخدام لفظ Atheists ليطلقاه على نفسيهما متحدين بذلك كل ما هو طابو taboo (أي محرم) ولجذب الانتباه. وقد كانت الحجج التي ساقاها هي أنه لا الحواس ولا العقل ولا التاريخ تثبت وجود الرب فالحواس لا تدلنا إلا على المادة في حركتها على وفق قانون، والعقل يرفض الفكرة - فكرة وجود خالق واحد خلق الكون من لا شيء. والتاريخ لا يقدم مثلاً واحداً لفعل إلهي ولا لشخص إلهي ظهر على الأرض. ولم يوقع المؤلفان باسميهما لكنهما نسبا الكتاب على صفحة العنوان إلى ملحد، ألحد لنقص البراهين على وجود الرب.

واحتوى مطبوع جامعة أكسفورد وسيتي هيرالد Oxford university and City Herald إعلانا عن هذا الكتيب في 9 فبراير سنة 1181 وظهر الكتيب فعلا في 31 فبراير، ووضع شيلي على الفور نسخا منه في مدخل مكتبة بيع الكتب في أكسفورد، ورآه جون ووكر Walker الإكليريكي الموقر فطلب من البائع تدمير كل النسخ وبالفعل تم هذا. وفي هذه الأثناء أرسل شيلي نسخاً إلى كثير من الأساقفة وكثير من الشخصيات المرموقة في الجامعة(05). وأحضر واحد من هؤلاء الكتيب (النشرة) إلى عميد الكلية الجامعية وأساتذتها فاستدعوا شيلي للمثول أمامهم في 52 مارس، فمثل أمامهم فسألوه عن مؤلف الكتيب فرفض الإجابة ودعا لحرية الفكر وحرية الكتابة، فطلبوا منه مغادرة أكسفورد في الصباح التالي، وعندما سمع هوج Hogg بذلك اعترف أنه شاركه في تأليف الكتيب وطلب أن يطبقوا عليه العقاب نفسه الذي طبقوه على شيلي، وقد كان. وبعد الظهر ظهر في نشرة الكلية أن شيلي، وهوج قد فصلا لتمردهما برفضهما الإجابة عن بعض الأسئلة الموجهة إليهما وأرسل العميد - بشكل شخصي إلى شيلي ذاكرا له أنه إذا تعذر عليه الرحيل (مغادرة أكسفورد) خلال هذه الفترة الوجيزة فإنه - أي العميد - يمكنه السماح له بالبقاء لأيام قليلة إن قدم طلبا بذلك، وتجاهل شيلي الرسالة وغادر ومعه هوج في 62 مارس في أعلى مركبة قاصدين لندن.


التطور الأول - شيلي 1811 - 1812

استأجر شيلي وهوج مسكنا في 51 شارع بولاند Poland st وأتى والد شيلي - الذي كان في لندن لحضور جلسات البرلمان - إليهما وطلب منهما التراجع عن آرائهما فلما وجد ابنه متمسكا بموقفه أمره بالانفصال عن هوج لما له من تأثير شرير عليه وأن يعود إلى بيت الأسرة ويمكن هناك في رعاية شخص سيعينه الأب وعليه الاستماع لتعاليمه وتوجيهاته، ورفض شيلي فتركهما الأب غاضبا يائسا. لقد اعترف بقدرات شيلي وكان يتطلع لتبوئه مكانا مرموقاً في البرلمان. وترك هوج لندن قاصدا يورك لدراسة القانون وسرعان مانفد ما كان مع شيلي من مال وراحت أخواته اللاتي كن يدرسن في مدرسة مسز فننج Mrs. Fenningصs School في محافظة (دائرة) كلافام Claphan يرسلن له ما يحصلن عليه من مصروف. وفي شهر مايو رق قلب أبيه فسمح له بمئتي جنيه استرليني في العام.

وكان من بين زميلات أخواته في (كلافام) فتاة في السادسة عشرة من عمرها هي هاريت وستبروك، وهي ابنة مالك ثري لحانة في ميدان جروسفينور. وعندما التقت ببيرسي فتنت بنسبه وبراعته في اللغة واتساع دائرة دراساته وسحر آرائه الفاتنة، وسرعان ما آمنت مثله أن الرب قد مات وأن القوانين إزعاج غير ضروري. وقرأت بشغف النصوص الثائرة التي أعارها إياها، والكلاسيات المترجمة التي تعكس حضارة رائعة، لم تسمع أبداً أن المسيح أتى بمثلها. ودعته لبيتها. وكتب شيلي إلى هوج في مايو سنة 1181 إنني أقضي معظم وقتي في منزل الآنسة وستبروك إنها تقرأ المعجم الفلسفي لفولتير(15) Dictionnaire Philosophique وعندما اكتشفت زميلاتها أن صديقها ملحد atheist قاطعنها باعتبارها قد شمت بالفعل ريح جهنم وعندما ضبط معها خطاب منه تم فصلها. وفي بدايات شهر أغسطس كتب شيلي إلى هوج: أبوها يضطهدها بشكل مرعب لإجبارها على الذهاب إلى المدرسة لقد طلبت نصيحتي، فنصحتها بالمقاومة وحاولت في الوقت نفسه أن أطوع السيد وستبروك، لكن دون جدوى! ونتيجة نصيحتي لها جعلت حمايتها على كاهلي(25) ثم تناول نتائج هذا فقال في خطابه لقد أصبحت أخيرا مرتبطة بي وخائفة ألا أبادلها موقفها... من غير الممكن أن أبتعد عن إنسانة لها مثل هذه المشاعر، لقد قررت أن أربط مصيري بمصيرها(35) ومن الواضح أنه عرض عليها الارتباط بعلاقات حب حرة لكنها رفضت فلما اقترح عليها الزواج وافقت لكن والدها رفض. وفي 52 أغسطس هرب العاشقان واستقلتهما مركبة إلى أدنبره Edinburgh وتزوجا على وفق طقوس الكنيسة الإسكتلندية في 82 أغسطس 1181 واستسلم أبوها للأمر الواقع وخصص لها مبلغاً سنويا مقداره 002 جنيه. وأتت أختها الكبرى إليزا Eliza لتعيش معها في يورك (اعترف شيلي أنه كان صفر اليدين) وكان شيلي ينفق من ميزانية الأسرة، وذكر أن إليزا كانت تحتفظ بالميزانية المشتركة في أحد جيوبها لتخرج منها عند الطلب(45) ولم يكن شيلي سعيدا تماما بالإشراف المالي لإليزا لكنه كان يجد عزاءه في مرونة هاريت وانصياعها له. لقد كتب في وقت لاحق إلى جودون: إن زوجتي تشاركني أفكاري ومشاعري(55).

ومكثت هاريت وإليزا - غير بعيدتين عن هوج - في يورك، بينما ذهب شيلي إلى لندن ليلين من عريكة والده الذي كان قد أوقف دعمه المالي له بعد أن سمع بزواجه من هاريت، وبعد أن تودد الشاعر إليه عاد فسمح به لكنه منعه (أي منع ابنه) من دخول منزل الأسرة، وعاد شيلي إلى يورك ووجد أن صديقه العزيز هوج كان قد حاول اغتصاب زوجته هاريت. إنها لم تقل لزوجها شيئا عن هذه المحاولة لكن هوج هو الذي اعترف وطلب الغفران ورحل. وفي نوفمبر غادر الثلاثة (الشاعر وإليزا وهاريت) إلى كزويك Keswick حيث تعرف شيلي على الشاعر سوثي Southey (ترد أحيانا في الكتابات العربية: صثي) الذي كتب في 4 يناير 2181 يوجد هنا رجل هو مثل قرين لي. إنه كشبحي. إنه يشبهني تماما عندما كنت في سنة 4971 .. لقد قلت له إن الفرق الوحيد بيننا أنه في التاسعة عشرة من عمره وأنا في السابعة والثلاثين(65) ووجد شيلي أن سوثي شخص لطيف وكريم وراح يقرأ شعره بلذة. وبعد ذلك بأيام قلائل كتب: إن سوثي يفكر بطريقة أسمى من الطريقة التي أفكر بها.. ولابد أن أعترف أنني عندما أراه في أسرته يبدو أكثر ما يكون سناء وبهاء... كيف أزعجه العالم وأفسدته العادات، إن قلبي يتمزق عندما أفكر فيما آل إليه(75).

ووجد بعض التسلية والمتعة عند قراءة كتاب جودون (العدالة السياسية). وعندما علم أن هذا المؤلف الذي كان ذات يوم فيلسوفا مشهورا أصبح يعيش الآن فقيرا في الظل، كتب خطاب إعجاب: لقد سجلت اسمك في قائمة العظماء الذين وافتهم المنية. لقد شعرت بالأسف لأن عظمة وجودك قد فارقت عالمنا الأرضي. ولم يكن الأمر كذلك. فأنت ستظل حيا وإنني أعتقد جازما أنك تخطط لرفاهية الجنس البشري. إنني لم أدخل إلا لتوي في معترك التفاعلات البشرية ومع هذا فمشاعري وتفكيري تواصلا مع مشاعرك وأفكارك.. إنني شاب وشغوف بقضايا الفلسفة والحقيقة.. عندما آتي إلى لندن سأبحث عنك. إنني مقتنع أنني أستطيع المثول أمامك مع أنني غير جدير بصداقتك.

وداعا. سأكون متشوقا لتلقي إجابتك(85). وفقد رد جودون، لكن يمكننا الحكم على فحواه من خطابه المؤرخ في مارس 2181: على قدر ما أستطيع التغلغل في شخصيتك فإنني مقتنع أن فيك جملة من الصفات الحميده بشكل غير عادي، وإن كانت لا تخلو من بعض العيوب. وهذه العيوب تحدث دوما وبشكل أساسي نتيجة كونك لازلت صغيرا جدا، وأنك لست مقتنعا قناعة كافية بهذا ونصح شيلي ألا ينشركل ما يعن له، وإن نشر شيئا من هذا النوع ألا يضع اسمه عليه فحياة الإنسان الذي ينشر ويوقع ستكون سلسلة من التراجعات(95).

وكان شيلي بالفعل يطبق هذا بالاحتفاظ بمخطوطات مؤلفاته أو يطبعها طبعات خاصة (محدودة) وأول تآليفه المهمة (Queen Mab) كنت قد كتبتها وأنا في الثامنة عشرة من عمري - وأجرؤ على القول أنني كتبتها بحماس كاف وروح عاليه - لكنني... لم أكن أنوي نشرها(06) وفي سنة 0181 كان لايزال مولعا بالمثقفين والمفكرين الفرنسيين لقد قدم لقصيدته (Queen Mab) بشعار فولتير الغاضب Ecrasez l infame! واستعار أفكارا كثيرة من كتاب فولني Volney Les Ruines, ou Meditations sur les revolutions des Empires (1971) في مطلع القصيدة الآنف ذكرها نجد يانث Ianthe العذراء نائمة. وفي الحلم نجد الملكة ماب (وهي جنية) تهبط عليها من السماء وتصعد بها إلى النجوم وتطلب منها أن تتأمل من هذا المنظور ماضي الأرض وحاضرها ومستقبلها فمرت أمام عينيها إمبراطوريات الماضي متتابعة - مصر وتدمر واليهودية والإغريق والرومان... وعند الانتقال إلى الحاضر صورت الملكة ماب ملكاً (من الواضح أن المقصود هو الوصي على العرش) هو في الحقيقة عبد لنهمه الشديد(16) ودهشت لأن أحدا من البؤساء الذين يجوّعهم بينما هو متخم لم يرفع ذراعه للإطاحة به من فوق عرشه. فأطلقت حكمها الذي أصبح الآن مشهورا:

الرجل
ذو الروح الفاضلة العفيفة لا يأمر ولا يؤمر
فالسلطة كالطاعون المدمر،
تلوث كل ما تمسه(26).

وكانت الملكة ماب تكره أيضا التجارة وتكره آدم سميث: إن اتساق وسعادة شخص يستسلم لثروة الأمم يتمثلان في أن كل شيء للبيع حتى الحب(36). وصورت لها أيضا إحراق ملحد مما أرعب البكر يانث Ianthe فواستها الملكة بأن أكدت لها أنه لا وجود لله There,s no God(46) ودخل أهاسويروس Ahasuerus اليهودي الجوال وراح يوبخ الله God كما ورد في سفر التكوين (السفر الأول من التوارة) لأنه عاقب بليون رجل وامرأة وطفل عبر آلاف السنين من أجل خطيئة غير مفهومة (خطيئة غامضة) ارتكبتها امرأة واحدة(56). (ربما وجد بايرون هنا أفكار أوحت له عمله قابيل Cain، وكان شيلي قد أرسل بصفة شخصية نسخة من عمله - ملكة ماب). وأخيرا صورت الملكة ماب (الجنية) مستقبلا زاهرا: الحب بلا قانون. السجون خالية ولا لزوم لها. لا بغاء. الموت بلا ألم. وعندئذ أمرت يانث Ianthe بالعودة إلى الأرض لتبشر بإنجيل الحب العالمي، وكان لديها إيمان غير واهن بانتصار هذا الحب. واستيقظت يانث Ianthe. إنها قصيدة قوية رغم فكرها الصبياني ورغم أسلوبها عالي النبرة في بعض المواضع (المقصود الأسلوب المنمق أو الطنان رغم بساطة المعنى). وعلى أية حال فقد كان هذا عملا لافتا للنظر لفتى في الثامنة عشرة من عمره. وعندما تم نشر (الملكة ماب) في سنة 1281 دون موافقة الشاعر رحب بها الراديكاليون في إنجلترا باعتبارها تمثل حلمهم وخلال عشرين عاما ظهرت منها أربع عشرة طبعة غير مرخص بها(66). وبعد أن مكث شيلي وهاريت في أيرلندا (فبراير - مارس 2181) حيث عمل ببطوله محايدة لصالح قضايا الكاثوليكية والبروليتاريا، انتقل إلى ويلز. وهناك فجع وزوجته بمناظر الفقر السائدة فاتجها إلى لندن ليؤسسا صندوقا لجمع الأموال لصالح أهل ويلز. وانتهز هذه الفرصة لتقديم احترامه لجودون الذي سره أن تتزاور أسرتاهما كثيرا. وبعد زيارات قصيرة متكررة لأيرلندا وويلز استقر الزوجان الشابان (شيلي وهاريت) في لندن. وهناك أعاد شيلي وهاريت مراسم زواجهما على وفق طقوس كنيسة إنجلترا ليضمنا شرعية أي ابن يرزقانه ليكون وريثا شرعيا، وكان هذا في 42 مارس سنة 4181. وكان شيلي قبل ذلك ببعض الوقت قد كتب لها قصيدة يجدد فيها حبه وعهده بمناسبة عيد ميلادها:

هاريت، دعي الموت يدمر كل الروابط الزائلة،
أما رباطنا فلن يتمزق أبدا،
فالفضيلة والحب، راسخان صامدان
وكذا الحرية والإخلاص والنقاء،

- فروحي مكرسة لك في هذه الحياة(76).


1812- 1816

بدا شيلي خلال كل جولاته لا يفكر في تدبير مورد رزق له. ربما كان يشارك وردزورث نظرته في أن الشعر لا شريك له وأنه لا بد من إعفاء الشاعر من العمل أو الاهتمامات التي قد تخنق الشعر في دمه. ولم يكن يرى تناقضا بين دعوته للمساواة في الحقوق في ظل جمهورية وجهوده في الحصول على نصيبه من الثروة التي وقفها جده على أبيه. وقد أضاف إلى المبلغ السنوي الذي خصصه له والداه مبلغاً آخر فقد باع للمرابين حقه الذي سيحصل عليه بعد وفاة والده، ففي سنة 3181 تقاضى 006 جنيه نقدا مقابل تنازله عن ألفي جنيه من ميراثه المتوقع.

وربما شجع المرابين على ذلك هشاشة بنيانه، والأمراض التي كانت تعاوده دوما. فالآلام الدائمة التي كانت تعتري جنبه الأيسر (كما ذكرت زوجته الثانية) كانت تؤثر في أعصابه فتحيله حساساً حساسية شديدة، وتجعل نظرته للحياة مختلفة عن نظرة إنسان سليم الصحة. لقد كان يعاني من الاضطراب والقلق إلى حد كبير وكان أقرب ما يكون إلى الاستثارة وكانت قدرته على التحمل دوما يتسع مداها، حتى يكون لطيفا مع الآخرين متذرعاً بالصبر(86).

وظن أن بمقدوره تخفيف آلامه بتناول وجبات نباتية، وتمسك بهذا الأمل بناء على تجارب وصفها جون نيوتن في كتابه عودة للطبيعة أو دفاع عن الرجيم النباتي (1181). وثبت على هذه الفكرة فأصبح هو وهاريت نباتيين في سنة 2181. وفي سنة 3181 تحمس لما أسمته زوجته (النظام الفيثاغورسي)(96) فأقحمه في تعليقاته على قصيدة (الملكة ماب) ودعا إليه:

إنني أناشد كل الذين يحبون السعادة والحقيقة أن يجربوا بشكل مناسب النظام النباتي (الاكتفاء بأكل ما هو نباتي).. إنني أدعوهم لهذا بحق ما هو مقدس في آمالنا لصالح الجنس البشري... فالوجبات النباتية والماء النقي لا تسببان أمراضاً بدنية أو عقلية (نفسية)، بل إنه لا يوجد مرض إلا ويسكنه هذا العلاج الناجع (الماء والنبات) فيتحول الضعف إلى قوة ويتحول المرض إلى صحة(07).

وفي مطبوع (الدفاع عن الوجبات الطبيعية Vindication of Natural Deit) (3181) عزا الدوافع الشريرة للبشر ومعظم الحروب للوجبات التي تحتوي على لحوم ودعا إلى ترك التجارة والصناعة والعودة للزراعة:

عندما نأخذ بالنظام الطبيعي لن نكون بحاجة إلى بهار الهند ولا نبيذ البرتغال وإسبانيا وفرنسا وماديرا.... إن روح الأمة التي ستبادر بقيادة هذا الإصلاح العظيم ستصبح - لا إرادياً - زراعية. فالتجارة بكل آثامها وأنانيتها ستنهار تدريجيا، ومزيد من العادات الطبيعية سيتمخض عنها طباع أكثر دماثة(17).

وأدت ظروف غريبة متتابعة نتجت عن نباتيته (مذهبه في الاقتصار على تناول ما هو نباتي) إلى دمار زواجه الأول. فبسبب إعجابه بجون نيوتن قابل أخت زوجته (أي أخت زوجة جون نيوتن) السيدة جون بوينتون John Boynton النباتية الجمهورية، الجذابة رغم شعرها الأبيض، والقادرة على إجراء مناقشات تنم عن علم وثقافة بالغتين. وفي يونيو سنة 3181 وضعت هاريت مولودة جميلة أسماها شيلي (يانث) وفي هذا الصيف انتقل بزوجته وابنته والأخت إليزا إلى براكنل وهو مكان جميل يبعد عن لندن بثلاثين ميلا. وبعد ذلك بفترة يسيرة استأجرت السيدة بوينتون منزلاً هناك وجمعت حولها المهاجرين الفرنسيين (الذين تركوا فرنسا بسبب الثورة الفرنسية) والراديكاليين الإنجليز الذين كانت آراؤهم في الحكم والتشريع تعجب شيلي. وزادت فترات افتراقه عن هاريت وابنته يانث وإليزا فقد كان يذهب للاستمتاع بصحبة السيدة بوينتون وأصدقائها وابنتها المتزوجة. ولم تعد علاقته بزوجته حميمة تماما كما كانت إذ يعدو أنه بدأ يشعر بشيء من التأخر في تطورها الفكري، كما أنها راحت تنشغل بابنتها انشغالا شديدا، ولم تعد تهتم بالسياسة بل راحت تهتم كثيرا بالمسرات والملابس الجميلة، وقد اشترى من أجلها عربة غالية الثمن، وفي هذه الفترة الحرجة تلقى في 62 مايو 3181 من والده مايفيد أنه (شيلي) إذا لم يتراجع عن إلحاده atheism ويعتذر لعميد كليته في أكسفورد، فإنه (أي الوالد) سيحرمه من الميراث ويمنع عنه كل مساعدة مالية وكان شيلي قد استدان مقدماً على حساب الثروة التي ستأتيه بعد ذلك (استدان في 4 أغسطس3181) وذعرت هاريت وأختها إليزا. أحقا لاتستحق باريس إقامة قداس؟! (المقصود أن هذه الأحوال ومثلها مبرر كاف لقيام الثورة الفرنسية) ورفض شيلي التراجع عن آرائه وواصل سهراته المسائية التي تقيمها السيدة بوينتون. وأرسل جودون مايفيد أن دائنيه يهددون بالقبض عليه وطلب المساعدة. وفي يونيو سنة 4181 انتقلت هاريت وابنتها إلى باث Bath متوقعة أن يلحق بها زوجها بسرعة، لكن شيلي ذهب إلى لندن واستأجر غرفة في شارع فليت وحاول أن يجمع مالاً لصالح جودون وكان غالبا ما يتناول غداءه على مائدة هذا الفيلسوف في شارع سكينر Skinner، وهناك التقى بماري جودون. لقد كان دفاعها عن حقوق المرأة دفاعا طيبا لكن لم يلق قبولا على نطاق واسع، وكان شبابها الغض وعقلها النشيط. ووجهها الشاحب المفكر وإعجابها الذي لم ينته بشيلي - كبيرا جدا بالنسبة لشاعر لازال شابا في الحادية والعشرين من عمره. ومرة أخرى اختلطت الشفقه بالرغبة. وكان طالما سمع عن ماري ولستونكرافت وكتابها المثير للانتباه، وها هي ابنتها التي لم تكن سعيدة بحياتها مع زوجة أبيها القاسية، تذهب كثيرا لتجلس وحيدة بجوار قبر أمها. وهنا شعر شيلى معها بتآلف نفسي وعقلي ووجدها أرقى عقلا وألطف روحا من هاريت، وفي غضون أسبوع بدا له أنه يحس إزاءها بعاطفة قوية لم يألفها من قبل. وفي 6 يوليو طلب من جودون يد ابنته، واعتبر الفيلسون المندهش هذا الطلب فسقا منه فمنعه من دخول بيته، ووضع ماري في رعاية زوجته (زوجة أبيها)(27). وبعد ذلك وجد توماس لف بيكوك الشاعر يكاد يكون مهتاجا في غرفته بشارع فليت.لاشيء كالذي رأيته سبق لي أن قرأته في الحكايات أو التاريخ. لاشيء يقدم صورة أوضح للمفاجأة والعنف وعدم الاستقرار.. والوجد ... أكثر من الصورة التي وجدته عليها عندما دعاني لآتيه من الريف... لقد كانت عيناه كالدم وشعره مهوشا وثيابه غير مهندمة.. وأحضر زجاجة من اللودانيوم (مستخضر أفيوني) وقال: لن أفارق هذه(37). ورغم كل هذه العراقيل رتب شيلي الأمر ليقابل ماري عند قبر أمها وخفف اعتراضها بأن أخبرها أن هاريت لم تكن مخلصة وأنها كانت تخونه مع المدعو السيد (مستر) ريان(47) M.r Ryan واستمر لفترة ينكر أبوته للطفل الذي تحمله هاريت في بطنها الآن (في وقت لاحق زعم أنه ابنه). وأنكرت اتهامه وأيدها أصدقاء شيلي: بيكوك، وهوج، وتريلاوني، ومتعهد نشر كتبه هوكهام. وقد رفض جودون في وقت لاحق هذه التهمة(57). وكتب شيلي إلى هاريت (وكانت لاتزال في باث) وطلب منها القدوم إلى لندن فأتت في 41 يوليو 4181 إلى بيت والدها فزارها الشاعر هناك ووجدها مريضة بشكل خطر، فطلب منها أن توافق على الانفصال عنه لكنها رفضت وعندما عاد إلى غرفته كتب لها خطابا محموما يقترح فيه عليها نوعاً من الاتفاق:

يا أعز صديقة:

رغم أنني كنت منهكاً عندما التقينا ورغم أننا سنلتقي غدا في الساعة الثانية عشرة، فإنني لم أستطع منع نفسي من الكتابة لك. لقد أصبحت هادئا وأكثر سعادة بسبب تأكيداتك... لهذا يا عزيزتي هاريت فإنني أشكرك من أعماق روحي. ربما كان هذا أعظم ما تلقيت من بركة على يديك. لقد كرهت النهار في وضحه وكرهت - بعمق - حتى وجودي. لقد عشت على أمل أن تمنحيني السعادة، والعزاء لما أنا فيه، ولم يخب أملي. إنني أكرر لك (صدقيني فأنا مخلص فيما أقول) أن ارتباطي بك لم تنفك عراه، بل إنني مقتنع أنه قد أصبح أعمق وأكثر ديمومة فهو الآن أقل عرضة لتقلبات الهوى والنزوات. فارتباطنا لم يكن ارتباط هوى ونزوة، بل لقد كانت الصداقة هي أساسه، وعلى هذا الأساس كبرت هذه الصداقة وقويت، فأنت لم تملئي قلبي بمشاعر المعاناة... ألن أكون أكثر من صديق؟ آه.. سأكون أكثر من أخ، فأنا والد ابنتك الحبيبة لكلينا...

إن أردت الدفع لأصحاب المصارف قبل أن أراك، فإن هوكهام سيعطيك كل الشيكات.

وداعا. أحضري معك طفلتي الحبيبة الحلوة، فلا بد أنني سأكن لها حبا للأبد من أجلك.

المخلص والمحب دوما

پ. ب. شيلي(67)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وروت هاريت

وروت هاريت الأمور من وجهة نظرها في خطاب إلى كاترين نُوجِنْت مؤرّخ في 02 نوفمبر سنة 4181: ... إن ماري مصرة على اغتصابه... لقد ألهبت خياله باصطحابه إلى قبر أمها كل يوم وبمداومة الحديث عن أمها حتى أخبرته أخيرا أنها تموت فيه حبا... فلم لا نعيش جميعا معا؟ هكذا سألته ماري. أنا كأخته وهي كزوجته؟ وكان من الغباء أن اعتقد بإمكان هذا، فأرسل يطلبني ثم أقام في باث Bath. يمكنك تصور شعوري بعد افتضاح هذا الأمر. لقد لازمت الفراش طوال أسبوعين ولم أستطع إنجاز شيء. لقد توسل إليّ أن نعيش... وها أنا يا صديقتي العزيزة في انتظار أن أضع طفلاً في هذا العام المحزن. وفي الشهر القادم سأكون حبيسة المخاض، ولن يكون قريباً مني.

هـ. شيلي(77)

وقدم لنا جودون بعض التفاصيل في خطاب أرسله إلى جون تايلور مؤرخ في 72 أغسطس سنة 4181: لقد كنت أثق فيه (أي شيلي) إلى أقصى درجة فقد عرفته سريع التأثر بالمشاعر النبيلة. لقد كان رجلاً متزوجاً عاش بسعادة مع زوجته طوال ثلاث سنين... وفي 62 يونيو (وكان يوم أحد) اصطحب ماري وأختها جين كليرمونت إلى قبر أم ماري... وهناك يبدو أن فكرة غير تقية راودته. لقد فكر في اغتصابها، فخانني بعد أن ائتمنته، وهجر زوجته... وفي السادس من يوليو، وكان يوم الأربعاء.. وصل به الجنون حدا جعله يفضي إليّ بما يعتزمه وطلب موافقتي، فتجادلت معه... فوعدني في لحظة وهو في غاية التأثر بالتخلي عن حبه الآثم.. لكن الاثنين خدعاني، ففي ليلة 72 يوليو هربت ماري وأختها جين من بيتي وفي الصباح وجدت خطابا يخبرانني فيه بفعلتهما(87).

وكانت جين كليرمونت أختا غير شقيقة لماري فهي ابنة زوجة جودون الثانية من زوجها السابق. وكان اسمها الأصلي كلارا ماري جين، لكنها كانت تفضل أن ينادوها كلارا ثم أصبح اسمها كلير(Claire أو Clare). ولدت في 72 أبريل 8971، وقد بلغت الآن السادسة عشرة من عمرها، وكانت صالحة للزواج بشكل واضح. لقد كانت موهوبة وحساسة ومعتزة بنفسها ولم تكن مرتاحة لسلطة أمها المرعبة وطباعها الثائرة، وكان زوج أمها مفلساً ومنشغلاً بدرجة لم تمكنه من تعويضها بأي قدر من الحب، فطلبت من ماري وشيلي أن يأخذاها معهما. وقد كان، ففي 82 يوليو سنة 4181 هرب ثلاثتهم من لندن إلى دوفر ومنها إلى فرنسا. وفي 02 أغسطس وصلوا إلى لوسيرن، فلم يجد شيلي أية رسائل في انتظاره ولم يأته مال من لندن، ولم يكن معه سوى ثمانية وعشرين جنيهاً، فأخبر رفيقتيه وهو حزين بضرورة العودة إلى إنجلترا لتدبير المسائل المالية. فاستقلتهما عربة ثم قارب وأسرعا للشمال، وفي 31 سبتمبر سنة 4181 كانوا - مرة ثانية - في لندن. ومكث طوال اثني عشر شهرا مختبئا من دائنيه، بل واقترض أموالاً أخرى ليطعم نفسه وماري وكلير وجودون الذي كان لايزال يرفض رؤيته لكنه رحب بالمساعدة المالية. وفي هذه الأثناء وضعت هاريت مولودها الثاني، وأسمته شارلز، ووضعت ماري مولودها الأول وليم. وأوت كلير إلى مخدع بايرون. وأخيرا مات جد شاعرنا تاركا ثروة لوالد شيلي الذي أصبح الآن هو السير تيموثي شيلي - تقدر بثمانين ألف جنيه. لقد أصبح شيلي الآن وارثا، لكن والده لم يعترف بذلك . لقد عرض عليه التنازل عن حقوقه مقابل مبلغ سنوي قدره ألف جنيه فوافق، فجعل شيلي مائتين منها كل عام لهاريت، وفي 4 مايو 6181 غادر الشاعر وماري ووليم وكلير مرة أخرى قاصدين دوفر ومنها إلى فرنسا، وكان بايرون - قبلهم بتسعة أيام قد نفض عن قدميه تراب إنجلترا.


بايرون وشيلي 1816

اختار شيلي وكذلك بايرون، دون اتفاق سابق، سويسرا لتكون ملاذا لهما، واختارا جنيف لتكون مركزا لنشاطهما. ووصلت جماعة شيلي في 51 مايو واتخذت لها محل إقامة في ضاحية سيشيرون Secheron. أما بايرون وبطانته فاستقلتهما في أوستد مركبة فخمة كان قد أمر بتشييدها بتكلفة خمسمائه جنيه على نمط مركبة كان يستخدمها نابليون واستولى عليها أعداؤه في جناب Genappe بعد هزيمته في واترلو. لقد كان بها سرير ومكتبة وكل مايلزم لتناول الطعام. وقام بايرون يجولة خاصة في أرض المعركة (واترلو) وتفقد ما تخلف عنها، وربما يكون قد ألف في بروكسل هذه الليلة المقاطع الشعرية من 12 إلى 82 وهي المقاطع الأكثر خلودا في النشيد الثالث في (رحلة شيلد هارولد Childe Harold Pilgrimage) وفي 52 مايو وصل إلى فندق دنجلتير d,Angleterre الواقع على بعد ميل إلى الشمال من قلب جنيف، فطلب منه موظف الاستقبال كتابة سنّه فكتب مائة واكتشفت كلير كليرمونت التي كانت مشرفة بمراجعة أسماء الواصلين فأرسلت إليه تواسيه لكبر سنه واقترحت عليه اللقاء. وفي 72 مايو أتى ليلتقي بشيلي وماري وكلير فكان هذا أول لقاء بين الشاعرين. وكان بايرون قد قرأ (الملكة ماب) فامتدح القدرة الشعرية لكنه صمت تأدبا فيما يتعلق بالجانب السياسي الذي تنطوي عليه، فقد كان من الصعب أن يتوقع من شاب في الرابعة والعشرين أن يفهم فضائل الأرستقراطية - رغم أنهما ربما اتفقا على أهمية التوريث. وأخيرا اعتبر شيلي أن لورد بايرون أرقى منه شعرا. وفي 4 يوليو استأجر بيتا في مونتاليجر Montallegre التي تبعد عن جنيف بميلين، وتقع على الشاطئ الجنوبي لبحيرة جنيف. في 7 يوليو استأجر بايرون فيلا ديوداتي Diodati التي لا تبعد عن شيلي سوى بمسيرة عشر دقائق، واشتركا معا في استئجارقارب صغير وغالبا ما كانت الأسرتان تبحران فيه معاً في البحيرة كما كانا يقضيان الأمسيات في النقاش والمسامرة في فيلا ديوداتي. وهناك، في 41 يوليو، اقترح بايرون أن يكتب كل واحد منهم قصة عن الأشباح. وحاول كل منهم وفشلوا إلا ماري التي كانت في التاسعة عشرة من عمرها فقد ألفت واحدة من أشهر الروايات في القرن التاسع عشر. هي: فرانكنشتين أو برومثيوس المعاصر Frankenstein,or the Modern Prometheus وتم نشرها في سنة 8181 وكتب شيلي مقدمة لها. وقد طرحت القصة - من بين أمور أخرى كثيرة - قضيتين غاية في الأهمية، ماتزالان محل اهتمام: أيمكن للعلم أن يخلق الحياة؟ وهل يمكنه تسخير قوته لمنع الشر بنفس مقدرته على إزجاء الخير؟

واقترح بايرون أيضا أن يقوم هو وشيلي بالطواف بقاربهما المتواضع حول البحيرة وأن يتوقفا عند النقاط التاريخية خاصة التي حققت شهرة بسبب كتاب ورسو (Julie, ou La Nouvelle He,loise) ووافق شيلي رغم أنه لم يكن قد تعلم السباحة. وانطلقا في 22 يونيو واستغرق منهما الوصول إلى مليري Meillerie (في سافوي) يومين، وهناك تطلعا إلى البقعة التي افترق فيها سان - برو Saint - Preux عن جولي (كما ورد في الرواية أي أن هذه الأسماء وردت في الرواية وليس لها بالضرورة حقيقة تاريخية) وحيث - كما هو مفترض - نقش اسمها على الصخر. وواصلا الرحلة فتعرضا لعاصفة مفاجئة وغمرت الأمواج بشكل متكرر مقدمة القارب مهددة بقلبه رأساً على عقب، وقد تذكر بايرون بعد ذلك ما حدث لقد خلعت معطفي وطلبت منه أن يفعل الشيء نفسه وأن يمسك بالمجداف وأخبرته أنني أظن... أنه يمكنني إنقاذه إذا لم يقاوم إذا أمسكت به... فأجاب ببرود شديد أنه ليست لديه فكرة عن إمكانية إنقاذه وأن كل ما يمكنني عمله هو إنقاذ نفسي وتوسل ألا يزعجني(97).

واستقر القارب ونزل الشاعران إلى البر واستراحا، وفي صباح اليوم التالي زارا شيلون Chilon والقلعة التي كان فرانسوا دي بونيفار de Bonnevard قد سجن فيها (0351 - 6351)، بأمر من دوق لوزان. وفي كلارنز Clarens كان شيلي يمسك بيده رواية روسو ليسترشد بها - لقد سار الشاعران على الأرض التي أصبحت جديرة بالذكر كمقدس للرومانسية الفرنسية. وفي 72 يونيو وصلا بقاربهما إلى أوشي Ouchy مرفأ لوزان، وفي هذه الليلة كتب بايرون سجين شيلون Prisoner of Chillon كما كتب مقاطع شعرية عن روسو في (شيلد هارولد Childe Harold) وفي 82 يوليو زار الشاعران منزلاً في لوزان كتب فيه جيبون كتابه (انهيار الإمبراطورية الرومانية وسقوطها). وفي أول يوليو عاد الجوالان إلى مونتاليجو وديوداتي. وفي غضون الأسبوعين التاليين كتب بايرون النشيد الثالث في رحلة شيلد هارولد Childe Harold,s Pilgrimage ونسخت كلير كليرمونت نسخة منها فقد عرفت الآن إحدى لحظات السعادة القليلة في حياتها.

لقد كان قدرها أن يصاحبها سوء الحظ، فقد أدى إخلاصها لبايرون إلى إثارة الأقاويل في سويسرا لدرجة مؤذية: لقد كان هناك اتهام بأن الشاعرين كانا يعيشان مع الأختين في علاقات مشتركة غير شرعية، وسمى بعض الخياليين بايرون وشيلي بالشيطانين المتجسدين، وأصيبت سيدة إنجليزية تقوم برحلة في سويسرا، بالإغماء عندما ظهر بايرون في صالون مدام دي ستيل في كوبت(08). وربما أسهمت هذه الأقاويل في تصميم بايرون على إنهاء علاقته بكلير. لقد طلب من شيلي ألا يسمح لها بالقدوم إلى فيلا ديوداتي مرة ثانية. وكانت كلير في ذلك الوقت حاملاً من بايرون، وكانت في شهر حملها الثالث، فطلبت أن يسمح لها بزيارة واحدة أخرى لكن تم إثناؤها عن عزمها. وفي 42 يوليو أخذ شيلي كلا من كلير وماري في رحلة إلى شامونكس Chamonix في سافوي. وفشلوا في هذا اليوم في محاولتهم الوصول إلى المير دي جلاس the Mer - de - Glace لكنهما نجحا في اليوم التالي. وعند عودتهما إلى سويسرا توقفا عند دير شارتيز Charteuse في مونتنفير Montenvers. وكتب تحت توقيعه في دفتر الزيارات - وقد أثارته مظاهر التدين - كتب باللغة اليونانية: إنني أحب البشر، وديموقراطي وملحد(18) وعندما زار بايرون بعد ذلك بفترة وجيزة المكان نفسه محا الكلمة الدالة على الإلحاد خوفاً من أن تستخدم في غير صالح شيلي في إنجلترا. وقد كان(28). وفي 9 أغسطس غادر شيلي وماري وكلير سويسوا قاصدين إنجلترا، وأعطى بايرون، مخطوطة (سجين شيلون) والنشيد الثالث والرابع من (شيلد هارولد) لشيلي كي يسلمها للناشر جون مري. أما شيلي نفسه فقد كان مشغولا مع ماري وكلير فلم يحضر سوى (ترنيمة جمال الفكر) وقصيدة Mount Blanc: (أبيات كتبت في قصيدته (وادي شامونىكس Chamonix). وهذه القصيدة تكاد تكون مرتبكة كنهيرات الجليد التي تهبط ملتفة حول المنحدرات الجبلية في المير دي جلاس Mer - de - Glace. فقد وجد شيلي انطباعاته عديدة ومتباينة حتى إنه كان غير قادر على التعبير عنها بوضوح بأي شكل من الاشكال وفكر برهة من الزمن في الكتلة الشاهقة مخاطبا إله الطبيعة كما تصوره وردزورث لكنه عاد مرة أخرى إلى الشعور بالكثافة الباردة تاركاً كل الأمور لأحكام البشر. وتظهر أيضا في قصيدته (ترنيمة جمال الفكر) بعض تأثيرات وردزورث لكن سرعان ما زوى إعلان شيلي بالخلود لقد عبر عن دهشته لوجود الظلمة جنبا إلى جنب مع النور، والشر جنبا إلى جنب مع الخير، وراح يحلم بخلاص الإنسان بتنمية إحساسه بالجمال وتعميقه وتوسيع مداه، ومتابعة الإحساس بالجمال في الفكر والعمل كما نتابعه في الشكل والبدن:

- لقد نذرت نفسي..

- لك.. ألم أف بنذري؟

- ليس من فرح أزال عن جبيني التقطيب

- فلا أمل لدي أن تتحرري

- فمن هذا العالم، من عبوديته المظلمة

- يمكنك التعبير عما لم تستطع هذه الكلمات التعبير عنه

- يا للفتنة المدهشة!(38)

وأخيراً كان على محاولات وردزورث، وبايرون، وشيلي أن تجد صديقا خيرا في طبيعة هوت أمام الحياد الهادئ، فاستسلم وردزورث لكنيسة إنجلترا، واستسلم بايرون وشيلي لليأس.


حياته الخاصة 1816-1818

في الثامن من سبتمبر سنة 6181 وصل شيلي وماري وابنهما وليم ومربيته السويسرية إليز فوجي وكلير كليرمونت - إلى إنجلترا. وذهب جميعهم عدا شيلي إلى باث Bath أما شيلي فأسرع إلى لندن متوقعاً أن يجد أباه قد ترك له خمسمائه جنيه، لكن شيئا لم يصل وكان عليه أن يسحب وعده بأن يعطي ثلاثمائة جنيه لوالده الروحي واهتاج جودون وهرب شيلي إلى باث حيث زوجته غير الشرعية.

وهناك (في باث) تلقت ماري خطابات حنونة من أختها غير الشقيقة فاني جودون في 62 سبتمبر و 3 أكتوبر. ولدت فانى Fanny في فرنسا سنة 4971 وكانت هي الابنة الطبيعية (ابنة زنا) من القبطان إملاي Imlay وماري ولستونكرافت Wollstonecraft، وتبناها جودون عند زواجه من أمها ورغم شفقته عليها فإنها لم تكن سعيدة بحياتها مع زوجته الثانية السيدة كليرمونت. وعكست خطاباتها روحاً لطيفة تتحمل التعاسة بشجاعة ولا تلوم أحدا وتتوق للسرور بقلب مخلوع. وكانت ماري محبة لها لكن بعد أن غادرت ماري وكلير مع شيلي لم يعد لفاني سند يواسيها لظروف حياتها مع زوجة أبيها، وعندما عاد العاشقان الهاربان إلى إنجلترا لم تساعدهما ظروفهما المالية على استقبال فاني لتعيش معهما. وفي 21 سبتمبر حمل شيلي لماري وكلير أخبارا مفادها أن فاني كانت قد ذهبت إلى سوانسي Swansea واعتزلت في غرفتها بالفندق وقتلت نفسها بالأفيون. ولم ترحم الأحوال شيلي إلا قليلا. فعند عودته إلى إنجلترا جرى معه تحقيق بشأن زوجته التي كان لايزال مرتبطا بها من الناحية الرسمية. لقد علم أنها كانت تعيش مع أبيها وكانت تتلقى بانتظام مائتي جنيه سنويا. وفي نوفمبر سعى إلى زيارتها فعلم باختفائها، وفي 21 ديسمبر 6181 كتبت جريدة التايمز Times تقريرا عن انتشال جثتها منذ يومين من بحيرة سيربنتين Serpentine في الهايد بارك Hyde Park وأسرع شيلي بتوثيق زواجه من ماري (جعل ارتباطه بها شرعيا) في 03 ديسمبر سنة 6181، رغبة منه في رعاية نسله من هاريت - الابنة يانث والابن شارلز، وظلت مطالبته بابنيه تسوّف في محكمة شانسري Chancery طوال ثلاثة أشهر . وقد أكدت له ماري أنها ستكون سعيدة باستقبال هذا الكنز العزيز ليكونا تحت رعايتها، لكن والد هاريت وأختها رفضا دعوى شيلي على أساس أنه ملحد وغير مؤمن بالزواج الشرعي (الزواج الموثق من الكنيسة) وأنه هجر زوجته وهرب مع امرأة غير متزوجة، فمثل هذا الرجل - على وفق رأيهما - غير جدير بتربية أطفال بطريقة سوية تجعلهم صالحين للعيش في إنجلترا، وحكمت المحكمة على شيلي في مارس سنة 7181 معترفة بالحجج التي ساقها والد هاريت بصرف النظر عن المسائل اللا هوتية (الدينية). وعلى أية حال فإن المحكمة زكت اختياره والدين لتنشئة طفليه ووافق هو على دفع مائة جنيه سنويا لإعاشتهما. وسهرت ماري لرعاية كلير كليرمونت التي كانت لاتزال في التاسعة عشرة من عمرها ووضعت مولودة في 21 يناير سنة 7181 سميت أخيرا أليجرا Allegra في الوقت الذي كان فيه شيلي يرفع دعوى قضائية في لندن . ولم تكن كلير قد تلقت ردودا على خطاباتها التي أرسلتها لبايرون منذ مغادرة سويسرا، وكانت الفكرة الراسخة لديها أن بايرون لن يعترف أبداً بالطفلة مما دفع الأم لليأس وطلب شيلي من بايرون تعليمات بشأن رعاية الطفلة مركزاً في خطابه على جمالها. ووافق بايرون على رعاية الطفلة وضمها إليه إذا أتت إليه. وتعقدت الأمور في سبتمبر سنة 7181 عندما وضعت ماري مولودها الثاني، وقد وضعتها أنثى وجرى تعميدها باسم كلارا إيفيرينا. وعانت الأم والمولودة فاتفقت الأسرة كلها على أن ما يحتاجونه هو دفء إيطاليا وسمائها وفاكهتها. وفي 11 مارس 8181 عبروا إلى فرنسا وبدؤوا رحلة طويلة في مركبات مال دي مير mal - de - mer إلى ميلان.

ومن ميلان أرسل شيلي إلى بايرون ليأتي لرؤية أليجرا. وخوفا من أن يؤدي هذا إلى تجديد العلاقة مع كلير، رفض بايرون القدوم، واقترح - بدلا من ذلك - أن تأتي المربية بالطفلة إلى فينيسيا، فإذا تم ذلك بشكل مرض أصبحت الأم حرة في زيارة الابنة (أليجرا) بين الحين والآخر، فوافقت كلير على كره منها، ووجد بايرون الطفلة رائعة جميلة فأخذها إلى قصره لكنها خافت من حيواناته ومومساته حتى إن بايرون سرعان ما دفع للقنصل البريطاني - ريتشارد هوبنر - وزوجته ليأخذا الطفلة إلى بيتهما.

وعندما سمع شيلي وكلير بذلك (تركا ماري وأطفالها في Lurcc) وذهبا إلى فينيسيا ووجدا أليجرا تعامل معاملة جيدة بشكل معقول. وقابل بايرون، شيلي بحرارة واصطحبه في جولة في ممرات البندقية المائية (جوندولاتها) إلى الليدو Lido ودعاه هو وأسرته وكلير وأليجرا للإقامة في فيلته ما طابت لهم الإقامة. وقدمت ماري من Lucca مع أطفالها لكن كلارا إيفيرينا مرضت في الطريق وماتت في البندقية (فينيسيا) في 42 سبتمبر 8181. وفي 92 أكتوبر، بعد مرور شهر من الإقامة في فيلا بايرون (I Cappuccini) ودعوا أليجرا وقصدوا روما.

الذروة 1819 - 1821

في الفترة من وصول شيلي إلى روما (9181) حتى ارتباطه ثانية ببايرون في بيزا، كانت قصائده هي الأحداث الكبرى في حياته. وهذا لا يمنع أنه قبل هذه الفترة كانت هناك ومضات شعرية فائقة الجودة متناثرة هنا وهناك في قصيدته الطويلة (الملكة ماب) وبعد ذلك في عمله Oz ymandias (7181) وهو سونتة (قصيدة من أربعة عشر بيتا) الفكر المحكم والقوة الهائلة فالأبيات المكتوبة في التلال الإيجانية Euganean Hills (8181) كان ينقصها مثل هذا التركيز في الفكر والحبكة في الشكل والصياغة، والأبيات المكتوبة وهو في حال اكتئاب Dejection بالقرب من نابلي (8181) مغرقة في المرارة والتحسر على الذات إغراقا شديدا لا يدفع على المواساة (التعاطف مع كاتبها)، فالمرء لا يجب أن يحمل أحزانه وتظلماته في أكمامه. لكنه الآن بعد ثلاث سنين طلع علينا بروميثيوس المنطلق: (قصيدة إلى الريح الغربية) و(إلى طائر القبرة) و (السحاب) و (إبيسيكيدون Epipsychidion) وأدونيس Adonais. ونغفل هنا عمله (The Cenci) (9181) الذي حاول فيه - محققا بعض النجاح - أن ينافس جون وبستر وغيره من دراميي اليعاقبة في عصر إليزابث في قصصهم الدموية القاتمة التي تعج قتلا وغشياناً للمحارم.

وعلى وفق مقدمة المؤلف (لبروميثيوس المنطلق) فإنه كتبها في أعلى حمامات كاراكالا Caracalla في روما سنة 0281.

وكان قد تحدى مؤلفي العصر الإليزابيثي بعمله (the Cencl) أما الآن فإنه يخاطر بقفزة أبعد بطموحه لتحدي الكتاب الإغريق. ففي (بروميثيوس المقيد) نجد إيسخيلوس يظهر العارف سلفاً fore knower كثائر. وتم تقييد تيتان Titan إلى صخرة في القوقاز ليوحي للبشرية كثيرا جدا من شجرة المعرفة. وفي البقايا المفقودة من هذه الثلاثية - على وفق المرويات - فإن زيوس فقد الآن قلبه وحرر بروميثيوس وفك قيوده كما حرره من الصقر الذي كان ينقر كبده باستمرار بناء على أوامر إلهية، ينقر كبد بطلنا كما ينقر الشك في صلب اليقين. وتصور (الدراما الغنائية Lyrical Drama) كما أسماها شيلي زيوس كبوربوني عجوز فظ مسؤول بقسوة عن تعاسة البشر وانقلاب حال الدنيا. لقد أطاح به بروموثيوس بكل حماسة خريج أكسفورد الفاهم المستوعب الذي يستدعي الأساقفة لحضور جنازة الرب (المقصود هنا جنازة زيوس). وهنا يظهر ندم تيتان على قسوة لعنته: إنني لا أرغب في أن يعاني كائن حي من الآلام(98) لقد عاد يباشر مهمته التي اختارها - أن يجلب الحكمة والحب للبشرية.

وهنا نجد روح الأرض Earth تهلل سعيدة هاتفة باسمه: أنت أكثر من إله، فأنت حكيم ورحيم(09) خلال الفصل الأول نجد الحديث محتملا وقصائد الأرواح الحاضرة تدمدم بقوة جوهرية، متلألئة بكنايات واستعارات ومجازات حلوة وقصائد مقفاة متسقة - لكن الخطب - سواء كانت لاهوتية أم غير لاهوتية ليست هي روح الشعر ونوره، فبالخطب تصبح القصائد الغنائية كريهة، وبالخطب تفقد القصائد فتنتها وإغراءها عندما تهبط كالصخرة على القارئ بإسراف مربك. إن الجمال في هذه الحال يصبح مصدر إزعاج لا ينتهي! ففي كثير من شعر شيلي نجد عواطف متأججة دون سكون، وكلما تقدمنا في القراءة أحسسنا شيئا من الضعف في هذا الشعر وأحسسنا بكثير جدا من المشاعر إزاء أفعال درامية قليلة جدا، وكثير جدا من حالات القلوب ومجموعات الورود (تقول روح الأرض: إنني كقطرة ندى تموت. إن أسلوبه الشعري يمكن أن يكون لائقا جدا بالقصيدة الغنانية لكنه بطيء بالنسبة إلى الدراما، فكلمة الدراما تعني من بين ما تعني الفعل والحركة، وعلى هذا فعنوان عمله (الدراما الشعرية Lyrical Drama) ينطوي على تناقض (فالقصيدة تركز على المشاعر، والدراما تركز على الحركة مع عدم إغفال المشاعر)(19) وعلى العكس من (الدراما الشعرية) نجد أن (قصيدة للريح الغربية Ode to the West Wind) تثيرنا لأن ما بها من أفكار ومشاعر قد تمّ تكثيفها في سبعين بيتاً. لقد ركز في قصيدته على فكرة واحدة، ولم ينشر المشاعر والعواطف على نحو ضحل، ولم يتخم قصيدته على ما فيها من ثراء القوافي والعبارات - إن الفكرة التي تتحلق حولها القصيدة هي أن الربيع آت بما يحمله من نماء رغم ما يعترينا من سخط نفقد الأمل فيه في أثناء الشتاء. لقد راح شيلي يستخدم المجاز الراقي على نحو متكرر. لقد كان هذا المجاز معيناً له عند التعبير عن عالم آماله وأحلامه الذي بدا حطاما أمام قسوة التجارب لكنه راح يأمل أن تبقى أفكاره وتنتشر من خلال أشعاره slash النص: تعاويذ أشعاره كما تذرو الرياح الأوراق المتساقطة فتنشرها. وقد حدث هذا بالفعل. هذه القصيدة التي لامست ذروة الشعر راودت الشاعر فكرتها فكتب معظمها كما يقول لنا شيلي نفسه في غابة تطوق الأرنو the Arno بالقرب من فلورنسا، في يوم كانت الريح فيه عاصفة... مما أدى إلى تجمع الضباب فخرت أمطار الخريف(29) لماذا غادر شيلي روما؟ إن هذا يرجع في جانب منه إلى أنه كان يريد أن ينفرد بنفسه لأنه لم يتحمل القرب من السياح البريطانيين الذين كان رأيهم فيه أنه زان ملحد لا شاعر كبير. كما أنه هو وماري قد أثر فيهما كثيرا موت ابنهما وليم (7 يناير 9181) ولم يتجاوز الرابعة من عمره. ولم يستطع الأب ولا الأم أن يفيق من هول فقدان طفليهما في غضون تسعة أشهر. لقـد ظهـر الشـعر الأشـيب فـي حاجـب شـيلي رغـم أنـه لـم يتجاوز السابعة والعشرين من عمره.

وبعد دفن وليم في المقبربة الإنجليزية في روما انتقلت الأسرة إلى ليفورنو Livorno - لوجوريا الأنجليكانية وعندما راح يتجول في حديقة هناك شعر بالألم -ربما كأي شاعر - لهروب الطيور طيراناً خوفاً من اقترابه -وقد فتن على نحو خاص بطائر من هذا السرب كان يغني في أثناء تحليقه ، فلما عاد الشاعر إلى غرفته ألف قصيدته (إلى طائر القبرة) من شكلها الأول بتفاعيلها السداسية hexameters المتتابعة، وسرعة وقعها. وهذه المقاطع الشعرية المرحة كان كل بيت شعري فيها عامراً بالمشاعر الدافئة، والفكر الجاف، في آن واحد. وفي الثاني من شهر اكتوبر 9181 انتقل شيلي وأسرته إلى فلورنسا حيث وضعت ماري مولودها الثالث الذي سرعان ما أطلقوا عليها اسم بيرسي Percy. وفي فلورنسا وجدت كلير كليرمونت وظيفة معلمة خصوصية فأعفت - أخيرا - شيلي من رعايتها. وفي 92 أكتوبر 0281 نقل أسرته إلى فندق تري بالازي Tre Palazzi في بيزا حيث ربما يكون قد قام بأغرب مغامراته على الإطلاق. ورغم مرضه المتكرر فإنه لم يفقد حساسيته إزاء الجنس الآخر. وعندما وجد امرأة لم تكن فقط جميلة وإنما كانت تعسة، انجذب إلى جمالها وتعاستها. لقد كانت إيميليا فيفياني فتاة من أسرة راقية وضعوها على غير رغبتها في دير بالقرب من بيزا لضمان احتفاظها بعذريتها حتى يتم تدبير زوج ثري لها. وكان شيلي وماري - وأحيانا كلير يذهبون لرؤيتها وقد فتنوا جميعا بملامحها الكلاسية، ومسلكها المتواضع وبساطتها الواثقة، ورأى الشاعر فيها مثالاً للمرأة فأصبحت محور أحلام يقظته وكتب بعض هذه الأحلام في عمله (Epipsychidion) بعنوان (إلى روح فريدة) نشرها دون توقيع في سنة 1281. ومن أبياتها المدهشة:


لم أتصور أن أرى قبل مماتي


مثل هذا الشباب المكتمل. أحبك


يا إميلي، رغم أن العالم سيواري هذا الحب بخجل لا قيمة له.


آه ليتني وأنت توأمان في رحم أم واحدة


أو تبادلنا قلبينا


او نكون شعاعين في أبدية واحدة


أو أن يكون أحدنا شرعا، والآخر حقيقة

إنني ملك يديك

إنني لا أملك نفسي، فأنا قطعة منك!


ومن هذا الانجذاب الصوفي العاشق إلى انجذاب آخر:


قرينة، أخت، ملك، دليل قدري


دربك بلا نجوم (المقصود نورك يكفي)


آه لقد تأخر حبك، فأنت سرعان ما صرت معبودتي.


ففي حقول الخلود لابد أن تعبدك روحي، تعبدك أنت أول ما تعبد


يا ذات الحضور القدسي..

من الواضح أن ابن الثمانية والعشرين عاما كان في حالة انجذاب ومثالية، فقوانيننا ومعنوياتنا (أخلاقنا) لا يمكن أن تنظم تماما غددنا (تحكم نزواتنا) وإذا كان امرؤ عبقريا أو شاعرا فلا بد أن يجد خلاصا أو راحة في عمل أو فن. وفي هذه الحال كان العلاج أو الخلاص عن طريق قصيدة تتأرحج بين اللامعقول والتفوق (الامتياز):


سيأتي اليوم الذي ستطيرين فيه معي...

فالسفينة في المرفأ الآن،

والرياح تهب فوق حافة الجبل.. تهب ملوحة.


ليأخذهم إلى جزيرة في بحرإيجة الأزرق:


انها جزيرة بين السماء والهواء والأرض والبحر

جزيرة معلقه وسط السكون

هذه الجزيرة وهذا البيت هما ملكي وإنني أعدك

أن تكوني سيدة العزلة والانفراد.


وهناك ستكون هي حبه وسيكون هو حبها:


ستختلط أنفاسنا، وسيتضام صدرانا


وستخفق عروقنا معا وستلتقي شفاهنا ببلاغة أقوى من بلاغة الكلمات


تلتقي لتطفئ لظى الروح التي تحترق بينها

والينابيع الفوارة في عمق أعماق خلايانا

إنني متلهف. إنني أغرق. إنني أهتز نشوة.


لقد انتهيت!(39).


أيمكن أن تكون هذه هي سهل شيلي؟ مسكينة ماري، لقد تركها لطفلتها بيرسي وأحلامها فلم تلحظ هذا السيل العرم لفترة. وفي هذه الأثناء تبدد الحلم فتزوجت إيميليا(49) وعدل شيلي عن خطيئته الشجية وراحت ماري تداوي أساها بفهم أمومي. وعندما سمع بموت كيتس (مات في 32 فبراير 1281) دفعه هذا للارتقاء بشعره، وربما لم يهتم كثيرا من أجل Endymion لكن النقد القاسي الذي حيت به الدورية ربع السنوية Quarterly Review جهود كيتس العظيمة، أغضبت شيلي كثيرا فاستلهم الموزية (إحدى إلاهات الشعر عند اليونان) لتلهمة ترنيمة جنائزية (قصيدة رثاء) مناسبة. وفي 11 يونيو كتب لناشره في لندن: انتهيت من كتابة قصيدتي أدونيس Adonais وستسلمها حالا. قد لا يتقبلها العامة كثيرا لكنها ربما كانت أفضل أعمالي(59) وقد اختار شكلاً لهذه القصيدة الشكل الصعب الذي أخذ به الشاعر سبنسر والذي استخدمه مؤخرا جدا مع تحسين في نسق القوافي الشاعر بايرون في قصيدته (رحلة شايلد هارولد) وتعامل شيلي مع قصيدة الرثاء (النص: القداس المقام لراحة الميت) بكل عناية النحات الذي ينحت نصبا تذكاريا لصديق، لكن متطلبات الشكل الشعري الصارم (الوزن والقافية) أعطت لبعض الأبيات الشعرية طابعا مصطنعا. وقد بلغ عدد أبيات القصيدة خمسة وخمسين بيتا (مقطعا). وقد افترضت القصيدة بعجلة أن النقد (الظالم) قتل كيتس، ودعا الشاعر المتفجع أن تحل لعنة كاللعنة التي أصابت قابيل على من طعن هذا الصدر البريء لكن تشريح جثة كيتس أظهر أنه مات بمرض السل الحاد(69). ورحب شيلي في مقاطعه الشعرية الأخيرة في هذه القصيدة، بأن يموت، ففي الموت راحته لأنه سيلتقي بالميت الحي (المقصود كيتس): -يبقى الواحد the One، ويتغير كثيرون ويمضون،


فنور الله Heaven يشرق دائما، وظلال الأرض تطير،

والحياة كقبة مزدانة بكثير من الزجاج الملون

تلقي ظلالها على شعاع الأبدية الأبيض فتغير لونه

حتى يسحقها الموت فيهشمها

أيها الموت إن كان هذا ما تطلبه

فلم تتوان! لم تتراجع! لم تحزن قلبي؟

آمالك ذهبت آنفا ونزعت من كل الأشياء هنا

لقد غادرتنا (فارقتنا) ولا بد أن تفارق أنت الآن...

إن أدونيس يناديك. آه! أسرع إلينا

لا تدع الحياة أكثر من هذا تفرّق ما يمكن أن يجمعه الموت..

لقد حملت دكانة وخوفا وبعدا

بينما روح أدونيس كالنجم


تهدينا إلى طريق الخالد الباقي.. إلى طريق الله(79).


وكأنما كان كيتس يجيبه بأبياته الشعرية التي لا تنسى:


الآن أكثر من أي وقت، يبدو شيئا نفيسا أن تموت،


أن تتوقف أنفاسك في منتصف الليل بلا ألم،


بينما أنت تدفع روحك خارجك


في نشوة ما بعدها نشوة، وانجذاب يفوق الوصف(89).


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حب وثورة - بايرون 1818 - 1821

احتفظ شيلي بذكريات مختلفة عن بايرون في لقائهما الأخير - طباعه الرقيقة، ومناقشاته الصريحة، وكرمه - ورضاؤه الواضح عن علاقاته الجنسية غير الشرعية بالخليلات والمومسات. فربما كانت النساء الإيطاليات اللائي كوّن معهن علاقات هن أحط النساء في العالم ... لقد كان بايرون متآلف مع هذا النوع المنحط من النساء اللائي كان مسيّرو جوندولاته (القوارب التي تسير في قنوات البندقية) يلتقطونهنّ له. وكان يسمح للآباء والأمهات بمساومته على بناتهم... لكن أعتقد أن شهرته كشاعر كبير ساعدته في ذلك(99). وكان بايرون واعيا بتخليه عن الأخلاق الإنجليزية والذوق الإنجليزي. لقد كانت الأعراف الإنجليزية تجرمه (تعتبره خارجا على العرف والقانون) وقد رفضها هو بدوره. بل أنه قال لأحد أصدقائه في سنة 9181: إنني مشمئز ومُتّعتُ من الحياة التي وصلت إليها في فينيسيا وسعيد بأن أدير ظهرى لها (001) وقد نجح بمساعدة تريزا جويشيولي Teresa Guiccioli وصبرها وإخلاصها.

لقد تقابلا للمرة الأولى عند قدومها من رافنا Ravenna إلى البندقية (فينيسيا) في أبريل سنة 9181 وكانت وقتها في التاسعة عشر من عمرها رقيقة الملامح وجميله وعابثة، تلقت تعليمها في دير، وكانت عاطفية دافئة القلب. وكان زوجها الكونت أليساندرو جويشيولي في الثامنة والخمسين قد تزوج مرتين قبلها وكان منشغلاً بأعماله غالبا. وقد جرى العرف تماما في الطبقة العليا الإيطالية على السماح للمرأة (الزوجة) في هذه الحال باتخاذ رفيق Cavalier Servente - شخص مهذب في خدمتها يكون تحت إمرتها يثير إعجابها ويسليها ويحرسها وتكافئه بتقبيل يدها أو بما هو أكثر في السر والكتمان إذا كان الزوج مشغولاً أو متعبا. ولم يكن من خطر كبير على الزوجة والرفيق بل إن الزوج في بعض الأحيان كان يقدر مساعدة هذا الرفيق Cavalieve Servente، وربما تعمد أن يتغيب بعض الوقت ليتيح لهما إتمام المراد. وعلى هذا شعرت الكونتيسة بأن من حقها أن تنجذب إلى الوجه الإنجليزي الوسيم ومناقشاته المثيرة وشفتيه الجذابتين، أو على حد قولها في وقت لاحق: إن ملامحه النبيلة الجميلة الرائعة، ونغمة صوته وطباعه وآلاف الأشياء الساحرة الفاتنة التي تحيط به - جعلته مختلفاً تماما عن كل من رأيتهم ومخلوقاً أسمى بكثير منهم، فكان من المستحيل ألا يفتنني وألا يترك تأثيرا عميقا في نفسي. فمنذ ذلك المساء كنت ألتقى به كل يوم خلال كل فترة إقامتي في البندقية(101) وانتهت أيام السعادة الطائشة هذه عندما أخذ الكونت زوجته تيريزا وعاد إلى رافنا Ravenna، فأرسل لها بايرون تعهدات بالبقاء على حبه، ففي 22 أبريل سنة 9181 مثلا أرسل إليها يقول: أؤكد لك أنك ستظلين حبي الأخير، فقبل أن أعرفك شعرت باهتمام بكثير من النسوة لكنني لم أرتبط بواحدة بعينها. أما الآن فأنا أحبك وليس في حياتي حب آخر لامرأة أخرى سواك على وفق ما نعلم فقد حفظ عهده. وفي الأول من يونيو غادر البندقية في عربته النابليونية الثقيلة (المقصود المشيدة على طراز عربة نابليون) متوجها إلى رافنا كسائح يبحث عن آثار دانتي Dante فرحبت به تيريزا، وكان زوجها الكونت لطيفا كيسا، وكتب بايرون إلى أحد أصدقائه: إنهم يجعلون للحب هنا مساحة كبيرة من وقتهم ولا يشوهون سمعة شخص إلا قليلا(201) وسمح له باصطحاب تيريزا إلى الميرا La Mira (إلى الجنوب من البندقية بسبعة أميال) حيث كانت له فيلا هناك، وهناك باشر معها الحب من كل موضع ولم يعقه إصابتها بداء البواسير(301) وانضمت إليهما أليجرا Allegra في الفيلا فجعلت جو المجموعة محترما. ووصل توم مور واستلم الآن من بايرون مخطوطة كتابه (حياتي ومغامراتي) التي أحدثت كثيرا من الفتن والاضطرابات بعد موت المؤلف. ومن الميرا La Mira أصطحب بايرون، تيريزا إلى البندقية حيث عاشت معه في قصره Palazzo Mocenigo وأتى والدها ليردها إلى جادة الصواب فأخذها معه إلى رافنا ومنع بايرون من الذهاب معها. وعند وصولها إلى رافنا سقطت مريضة، وكان مرضها شديدا لا ادعاء فيه حتى إن زوجها الكونت أسرع باستدعاء عشيقها (بايرون) الذي وصل في 42 ديسمبر سنة 9181 وبعد أن قام ببعض الجولات استقر في الطابق الثالث في قصر الكونت مقابل دفع إيجار. وأحضر معه في مقره الجديد قطتين وستة كلاب وحيوان الغرير badger وصقرا وغرابا مدجنا وقردا وثعلباً. وفي خضم هذه الحياة التي انشغل فيها بأمور مختلفة كتب سطورا كثيرة. في مؤلفه (دون جوان) وبعض مسرحيات عن دوقات (دوجات) البندقية غير قابلة للتمثيل على المسرح (مسرحيات ذهنية) ودراما جيدة عن سردانا بالوس Sardanapalus وفي يوليو سنة 1181 كتب (قابيل: سره Cain, A Mystery) ذلك العمل الذي به أصبح اسمه مكروها تماما، وموضع مقت شديد في إنجلترا.

المشهد الأول في هذا العمل يظهر آدم وحواء، وقابيل (قايين) وأخته التي هي زوجته في الوقت نفسه Adah، وهابيل وأخته التي هي زوجته في الوقت نفسه Zillah يستعدون للصلاة وتقديم الأضاحي لله (جيهوفاه أو ياهوفاه Jehovah) ووجه قابيل لوالديه بعض الأسئلة - وهي أسئلة تحير بايرون في مرحلة الدراسة: لم خلق الله الموت؟ إذا كانت حواء قد أكلت من شجرة المعرفة، فلم زرع الله هذه الشجرة المحرمة في مكان ظاهر بجنة عدن؟ ولم كان طلب المعرفة خطيئة؟ ولماذا أصدر الله قراره بأن يعمل الجميع وأن يصبح الموت مصير الأحياء عقابا على وجبة بسيطة تناولتها حواء؟ وظهر الشيطان (Lightbearer) Lucifer واعتلى خشبة المسرح - كما عند ميلتون - وأعلن نفسه متباهيا واحداً من تلك:

- الأرواح التي تجاسرت على النظر إلى وجه الطاغية (يقصد الله سبحانه وتعالى) - الذي لا فناء له، ليقول له - إن أفعاله الشريرة غير صالحة.

وتعود Adah (زوجة قابيل) لتطلب من قابيل الانضمام إلى العمل مع أهله في الحقل، لأنه أهمل ما يخصه من العمل في هذا اليوم وأنها قامت بعمله بدلاً عنه ، وهي تدعوه الآن لقضاء ساعة حب واستحمام. فوبّخها إبليس Lucifer بأن وصف لها الحب بأنه شرك أوطعم للإنجاب والتوالد وتنبأ لها بقرون من الكدح والنضال والمعاناة وبموت ينتظر الجموع التي ستنطلق للوجود من رحمها... وأعد قابيل وهابيل مكانا (مذبحاً) لتقديم الأضحيات، فضحى هابيل بأول قطيعه، وقدم قابيل فاكهة، لكنه بدلا من أن يصلي ويدعو راح يسأل ثانية لم سمح الله بالشر؟ ونزلت نار متألقة من السماء أحرقت حمل هابيل (دليل قبول أضحيته)، وأطاحت ريح غاضبة بأضحية قابيل فألقتها إلى التراب فغضب وحاول تدمير مذبح (مكان تقديم الأضحية) هابيل فقاومه، فضربه قابيل فمات. ووبخ آدم حواء باعتبارها المصدر الأول للخطيئة فلعنت حواء قابيل لكن Adah (زوجة قابيل) دافعت عنه لا تلعنيه يا أمي، فهو أخي وزوجي ny betrothed وأمر آدم قابيل أن يرحل عنهم وألا يعود، فلحقت Adah بقابيل وعوقبت بمثل عقابه، ولأن هابيل مات ولم يكن له ولد، فإن كل البشر (كما استنتج بايرون) من ذرية قابيل ويحملون طباعه في غرائزهم، تلك الطباع المتمثلة في العنف والقتل والحرب. ويبدو قابيل مرات عديدة وكأنه طالب ملحد لم يقرأ سفر الجامعة في العهد القديم Ecclesiastes، ومع هذا ترقى هذه الدراما في بعض الأحيان إلى مستوى قريب من كتابات ميلتون القوية. وقد امتدح والتر سكوت هذا العمل، وكان بايرون قد أهداه إليه (كتب اسمه في صفحة الإهداء) وقال جوته (تكتب أيضا جيتة) لن نرى جمالا كجمال هذا العمل مرة ثانية في هذا العالم(401) ولاشك أنه كان قد فقد منظوره الأولمبي للحظات عندما قال هذا . أما في إنجلترا فقد أدى نشر هذا العمل إلى موجة من النقد الساخط والرعب. لقد اعتبره الإنجليز قابيل آخر بل اعتبروه قاتلا أسوأ منه - إنه يقتل العقيدة التي حمت آلاف الأجيال وساندتهم. وحذر الناشر مري اللورد بايرون من أنه يفقد بسرعة قراءه. والصورة التي رسمها بايرون لزوجة قابيل المخلصة Adah تقدم برهانا آخر على الجوانب العطوفة في شخصيته، لكن معاملته لأليجا وأمها تظهر قسوته. فالطفلة التي كانت سعيدة يوما ما بلغت الآن الرابعة من عمرها، وكانت تعسة لبعدها عن والديها، فأرسل بايرون يستدعيها إلى رافنا وحتى عندما أتت لم يستطع إلا بالكاد أن يطلب منها العيش معه ومع مجموعة حيواناته في قصر الرجل الذي أصبح معروفا بسطوته غير المريحة، وبعد تفكير طويل وضعها في دير في باجنا سافالو Bagnacavallo التي تبعد عن رافنا باثني عشر ميلا (في أول مارس 1281) وهناك سيكون لها - كما افترض - صداقات فتبتعد عن طريقه وتتلقى قدراً من التعليم، ولم يزعجه أن تصبح كاثوليكية بل العكس فقد شعر أنها ستصبح في مأساة إن نشأت بلا دين في إيطاليا، فكل النساء فيها (إيطاليا) كاثوليكيات متمسكات بالكاثوليكية حتى في علاقاتهن غير الشرعية. والأهم من كل هذا فإذا كان لابد للمرء أن يكون مسيحيا فالأفضل أن يسير في الطريق إلى منتهاه فيؤمن بما آمن به الدعاة الأوائل للمسيحية (الرسل Apostles) ويؤمن بالقداس والقديسين (الأولياء) ويصبح كاثوليكيا. لقد كتب في 3 أبريل سنة 1281 إنني أرغب أن تصبح أليجرا من الأروام الكاثوليك فدينهم أفضل الأديان (المقصود أفضل المذاهب المسيحية)(501) وعند ما أصبحت أليجرا مستعدة للزواج رأى أنها لن تجد صعوبة في الارتباط بالزوج المرتقب، وأنها سيخصص لها مبلغ 000،4 جنيه. وكان هذا ملائما لبايرون، ولكن عندما وصلت هذه الأخبار إلى كلير كليرمونت اعترضت وتأثرت عاطفيا على نحو مثير وطلبت من شيلي أن يعمل على إعادة إليجا إليها فذهب شيلي إلى رافنا ليرى أحوال أليجرا فاستقبله بايرون في 6 أغسطس 1281 بترحاب فكتب شيلي لزوجته إن اللورد بيرون في أطيب حال وابتهج لرؤياي وقد استعاد صحته تماما ويعيش حياة غير الحياة التي كان يعيشها في البندقية (فينيسيا)(601). وقد أخبره بايرون أن الظروف السياسية سرعان ما ستجبره للانتقال إلى فلورنسا أو بيزا، وسيأخذ أليجرا معه وستكون - بذلك - قريبة من أمها، ورضي شيلي بذلك، وصرف اهتمامه إلى شيء سيصبح حالا أكثر تأثيرا بالنسبة إليه.

لقد أصابه الرعب (أي شيلي) عندما علم أن المربية إليز Elise - مربية أليجرا - التي كان قد طردها من خدمته في سنة 1281) قد أخبرت الـ Hoppners أنه كان على علاقة جنسية سرية بأم أليجرا حتى إن كلير قد وضعت له طفلا في فلورنسا وضعه فورا في ملجأ للّقطاء، وأكثر من هذا أن شيلي وكلير كانا يعاملان ماري بطريقة تدعو للخجل ووصل الأمر إلى حد أنه كان يضربها. فكتب الشاعر الذي اعترته الدهشة إلى ماري (في أغسطس) طالبا منها أن تكتب للـ Hoppners مكذبة هذه الأقاويل، فقبلت ماري لكنها أرسلت خطابها إلى شيلي ليوافق على ما ورد به، فأظهره لبايرون وعول عليه في تسليم هذا الخطاب للـ Hoppners واستاء شيلي إذ وجد أن بايرون كان يعلم بهذه الإشاعات وكان - فيما هو واضح - يصدقها. وبدأت الصداقة الشهيرة بينهما تبرد وزاد برودها عندما انتقل بايرون من رافنا إلى بيزا تاركاً أليجرا في ديرها.

هذا التغير كان نتيجة تفاعل الحب والثورة في إهاب واحد. ففي يوليو سنة 0281 استصدر والد تيريزا - الكونت رجيرو جامبا Ruggero Gamba من الإدارة الباباوية أمراً باباويا (فتوى) بانفصالها عن زوجها مع حصولها على نفقة منه شريطة أن تعيش مع والديها. فانتقلت إلى بيت والديها بناء على هذا، وكان بايرون لايزال يعيش في قصر جويشيولى Guriccioli فأصبح يزور أسرة جامبا Gamba بشكل متتابع، وابتهج لأنه وجد جامبا وابنه بيترو كانا زعيمين في حركة الكاربونارى Carbonari وهي تنظيم سري يعمل على الإطاحة بالحكم النمساوي في شمال إيطاليا والحكم الباباوي في وسطها وحكم البوربون في نابلي لمملكة الصقليتين (جنوب إيطاليا وجزيرة صقلية) وكان بايرون في (نبوءة دانتي) الصادرة سنة 9181 قد دعا الشعب الإيطالي أن يهب للتحرر من حكم الهبسبرج والبوربون. وفي سنة 0281 شكك الجواسيس النمساويين في أنه يدفع أموالا لشراء أسلحة للكاربوناري، ووضعت ملصقات ملكية في رافنا مطالبة بإعدامه(701). وفي 42 فبراير سنة 1281 فشلت حركة العصيان المسلح التي قام بها الكاربوناري وهرب قادتها من المناطق الإيطالية الخاضعة للبوربون. وذهب الكونت جامبا وابنه إلى بيزا وسرعان مالحقت بهما تيريزا بناء على نصيحة بايرون، وفي الأول من نوفمبر سنة 1281 وصل بايرون إلى بيزا واستقر في الكازا لا نفرانشي the Casa Lanfranchi في الأرنو the Arno حيث كان شيلي قد استأجر بالفعل غرفا لاستقباله. والآن سيأتي المحك الأخير لصداقتهما.

التباين

لقد كان كل من الشاعرين قد وصل الآن إلى ذروة تطوره. لقد كان على الأكبر سنا منهما أن ينظم بعض القصائد في عمله (دون جوان) التي اشتملت على عداء مرير لإنجلترا، عداء لم يكن حتى الغاليون (الفرنسيون) يستسيغونه. وكان علمه The vision of Judgment (اكتوبر 1281) يمثل هجاء لا يرحم لكن سبق سوثي (صثي Southey) بعمله A vision of Judgment (أبريل 1281) قد حرض على الثأر منه (من بايرون) بإطلاق زعيم المدرسة الشيطانية في الشعر الإنجليزي عليه (على بايرون) وقد هوى عليه بايرون بنقده الماهر الساخر. وفي مؤلفاته الأخيرة هذه ابتعد بايرون عن روح (شايلد هارولد) الرومانسية والانقباض والمرارة، ليتخذ موقفاً أكثر كلاسية متجها نحو العقل والمنطق وروح الفكاهة، وإن كان لايزال ينقصه الاعتدال. وتظهر خطاباته - خاصة تلك التي أرساها إلى الناشر مري - نضجاً أكثر لأنها تحتوي على نقد ساخر ينطوي على نقد ذاتي وتفحص لأعماله كما لو أنه اكتشف أن التواضع يفتح الباب للحكمة. لقد كان متواضعا فيما يتعلق بشعره إنني أضع الشعر أو الشعراء في مرتبة فكرية سامية. وقد يبدو هذا انحيازا لكنه رأيي الحقيقي... إنني أفضل المواهب العملية - مواهب الحرب في مجلس الشيوخ أو حتى في مجال العلم - فتلك أفضل من تأملات الحالمين الذين لا يملكون إلا الحلم(801). وقد امتدح شيلي إنساناً لكنه فكر كثيرا في شعره كفانتازيا طفولية Childish fantasy. وكان تواقا لتقييمه كإنسان أكثر من تقويمة شاعراً، وكان واعيا - بشكل مؤلم - بمظهره، وكان يفضل الركوب على المشي لأن إصابة قدمه اليمنى كانت تصرف النظر عن وجهه الوسيم، وكان موقفه من الطعام متذبذبا متغيراً فطورا يفرط في الطعام وطورا يقوم بحمية، ففي سنة 8081 كان وزنه 491 رطلا (وطوله خمس أقدام وثماني بوصات ونصف البوصة)، وفي سنة 2181 تدنى وزنه ليصبح 721رطلا وفي سنة 8181 أصبح سمينا وبلغ وزنه 202رطلا. وكان فخورا بإنجازاته الجنسية وكان يرسل تقارير إحصائية بعدد هذه الإنجازات لأصدقائه. وكان عاطفيا وغالبا ما يفلت زمام مشاعره منه. وكان متألقا من الناحية العقلية لكنه لم يكن مستقرا. قال جوته (جيته) في لحظة من اللحظات يصبح بايرون طفلا(901).

أما من الناحية الدينية فقد بدأ كلفنياً (من أتباع مذهب كلفن البروتستنتي) ففي عمله [شايلد هارولد] تحدث عن الباباوية كبرتستنطي متحمس باعتبارها (زانية بابلية)(011) وفي سني العشرين قرأ الفلسفة فأحب سبينوزا وفضل عليه هيوم وأعلن أنا لا أنكر شيئا لكنني أتشكك في كل شيء(111) وفي سنة 1181 كتب إليه صديق من مذهب مسيحي يقال له مذهب المهتدين: أنا لا أدري ماذا أفعل بالخلود الذي تقول عنه. وبعد ذلك بعشر سنوات كتب: أعتقد أنني لا أشك كثيرا في خلود الروح(211) وفي إيطاليا تأثر بمن حوله وما حوله وبدأ يفكر في الكاثوليكية، وعندما حضر صلاة التجسد (أو صلاة التبشير) تطلع إلى حالة السلام (الصفاء) التي بدت للحظات تخيم على حياة أهل إيطاليا جميعا، وكتب طالما تمنيت أن أكون قد ولدت كاثوليكيا(311) وفي أواخر حياته (3281) راح يتحدث - كما كان يتحدث في صباه - عن الله، وعن القضاء والقدر وكون الإنسان لا يملك من أمره شيئا(411). وعندما كان في مرحلة المراهقة فقد عقيدته الدينية ولم يجد قيما ومعنويات يرتمي في أحضانها في أدب أو فلسفة وبالتالي لم يجد وازعا يقاوم حواسه وعواطفه ورغباته، وكان عقله المتحرر وفكره المتقلب يجدان أسبابا حافزة للاستسلام لرغباته ولم تتكشف له فحوى حكمة القيود التي فرضها المجتمع. ومن الظاهر أنه كبح ميوله للشذوذ الجنسي وعوضّ منها بالصداقات الحميمة المخلصة بل لقد استسلم لمفاتن أخته، وفي ديوانه (شايلد هارولد) يخبرنا بجسارة عن حبه:


لواحدة ذات صدر ناهد



ارتبط صدره بصدرها برباط أقوى



من الارتباط بالكنيسة ( أو أقوى من رباط تعقده الكنيسة)(511)


وعندما أدانه المجتمع الإنجليزي لإطلاقه العنان لشهواته أو لفشله في إخفائها، أعلن الحرب على النفاق الإنجليزي أو بعبارة أخرى تظاهر الإنجليز بالفضيلة، وراح يهجو الطبقات العليا المكونة من قبيلتين قويتين وأدان استغلال أصحاب المصانع للعمال، بل ودعا أحيانا للثورة:


يحمي الله الملك والملوك



لأنه إن لم يفعل، أشك أن يستمر البشر!



أظن أنني أسمع طائرا صغيرا يغني قائلا:



سيغدو الشعب - عما قريب - أقوى..



وكذا سواد الناس



الكل أخيرا سيتخلى عن العمل الزائف..



سأقول سعيدا: ياللتعاسة!



إذا لم أدرك هذه الثورة



فيمكنني وحدي أن أنقذ العالم من دنس جهنم(611).


وعلى أية حال فإنه لم يكن ميالاً للديموقراطية فلم يكن يثق في الجماهير وكان يخشى أن تؤدي الثورة إلى دكتاتورية أسوأ من دكتاتورية الملك أو البرلمان. وكان يرى بعض المزايا في حكم الأرستقراطيين بالمولد ويتطلع إلى أرستقراطية نظيفة عاقلة مدربة تتسم بالكفاءة. فلم ينس أنه هو نفسه لورد فسرعان ما عارض رفع الكلفة والمساواة فقد كان يعرف أن وجود مسافة أو حدود في العلاقات الاجتماعية يُضفى سحراً عليها. وتغيرت نظرته لنابليون مع مرور الأحداث مادام نابليون قد توج نفسه إمبراطورا وسلّح نفسه بالألقاب فقد رآه بايرون خير صيغة وسطية بين الملوك والجماهير. لقد كان بايرون يدعو أن ينتصر نابليون على كل ملوك أوربا حتى عندما كان نابليون يغزو إسبانيا وروسيا دون مبرر واضح، وقد وبخ الإمبراطور المهزوم (نابليون) لتنازله عن العرش بدلاً من أن ينتحر لكن عندما عاد نابليون من إلبا Elba عاد الشاعر (بايرون) يدعو له بالنصر ثانية على كل أعدائه المتحالفين ضده . وبعد ست سنوات عندما سمع بموت نابليون حزن حزنا شديدا لقد كانت الإطاحة به سهما أصاب رأسي فمنذ مات أصبحنا عبيداً للأغبياء(711).

لقد كان بايرون خليطا مربكا من الأخطاء والفضائل، ففي حال غضبه يصبح فظا قاسيا، وفي أحواله العادية نجده ودودا متحفظا كريما. لقد كان يعطي أصدقاءه بكرم غير محسوب، فقد نقل إلى روبرت دالاس حق نشر (حق المؤلف في النشر) وكان هذا الحق يساوي ألف جنيه، ودفع ألف أخرى لفرانسيس هودجسون فأنقذه بذلك من الإفلاس، ووصفته تيريزا جويشيولي التي كانت تراه تقريبا كل يوم بأنه ملك (بفتح اللام) حقيقي(811). لقد كان - أكثر من كولردج بكثير - كبير ملائكة محطم يحمل في جسمه ميراثا من الصدوع، وضحها وكان خلاصه منها بالجرأة وكتابة الشعر بوفرة وقوة الفكر الثوري مما دفع جوته العجوز إلى وصفه بأنه أعظم عبقرية أدبية في قرننا(911).

وبالمقارنة فقد كان شيلي ملكا (بفتح اللام) غير مؤثر ذا طابع تاريخي، لكننا لانستطيع أن نقول إنه غير مؤثر تماما فمن هو القائل إن أوراق الشجر ستتبعثر عند تجسد أشعاره. لم يضع بعض البذور لتنمو في جو التسامح الديني وتحرر المرأة وانتصار العلم وقيام التكنولوجيا وتألق الفلسفة وامتداد الحقوق الدستورية وإصلاح البرلمان مما جعل القرن التاسع عشر قرنا مدهشا؟

وكان شيلي ملكا (بفتح اللام) بشريا تماما، فقد كان له جسد استسلم لطلباته على الأقل من خلال إغوائه زوجتين على الهروب معه، دعنا من الحديث عن إيميليا فيفاني. لقد كان نحيلا معتل الجسد، يعاني ألما دائما في ظهره. وكان بطبيعة الحال مفرط الحساسية - ربما أكثر من بايرون - للمثيرات الداخلية والخارجية فلنتذكر خطابه المؤرخ في 61 يناير 1281 لكلير كليرمونت: أنت تسألينني أين أجد المتعة؟ إن الريح والنور والهواء ورائحة الورد تؤثر في وتثير عواطفي(021) وكان مثلنا جميعا معجباً بنفسه على نحو خاص. لقد اعترف لجودون (82 يناير 2181) يبدو أن إفراطي في الأنا لاينضب له معين(121) وعندما أخذ ماري جودون، وطلب من زوجتة هاريت أن تصبح علاقته بها مجرد علاقة الأخ بأخته، فإنه كان يبحث عن إرضاء شهواته مثله في ذلك مثل أي كائن معرض للموت، وبرر الأمر لنفسه بأنه هاريت أقل من ماري اتفاقا معه في فلسفته وأفكاره. وكان له رأي متواضع في شعره (لم يكن شاعراً مغرورا) إذ كان يصنف أشعاره في رتبة أدنى من أشعار بايرون. وكان مخلصاً متحفظا في صداقته إلى النهاية. لقد كتب بايرون مخبرا الناشر مري بوفاة شيلي لقد كنتم جميعا قساة ومخطئين في حق شيلي، فقد كان - بلا استثناء - أقل من عرفت أنانية أو بعبارة أخرى أفضل الأنانيين الذين عرفتهم. إنني لم أعرفه بهيمة ترتدي ثياب البشر مقارنة بالآخرين(221) وذكرهوج Hogg الشاعر بأنه غريب الأطوار ينسى واجباته ووعوده، يستغرق في التأمل والتفكير فينسي الزمان والمكان(321). وهو بشكل عام غير عملي لكن ليس من السهل خداعه في أمور المال، ولم يتخل عن حقوقه الموروثه قبل نضال شديد.

وكان متوتر الأعصاب شديد الاستثارة مما يحول بينه وبين أن يكون مفكراً هادئا، وكانت تنقصه روح الفكاهة عند مناقشة أفكاره، وكان مغرماً دوماً بالخيال، فكان يهرب من الواقع إلى أحلام اليقظة. لقد اقترح أن نتخلص من الملوك والمحامين ورجال الدين، وأن نتحول إلى الحياة النباتية - مكتفين بتناول النباتات ممتنعين عن تناول اللحوم، كما كان يدعو لتخليص العلاقات الجنسية للبشر من كل القيود. إنه يرى أن كل هذه الأمور والقيود طارئة ليس لها أساس في طبيعة الإنسان ولا في ماضيه البيولوجي. لقد قالت أرملته المخلصة كان شيلي يعتقد أن البشر لا يجب أن يتطلعوا إلا للقضاء على الشر... لقد احتفى بهذا الرأي احتفاء بالغا(421). وكاد يهمل التاريخ إلا أنه كان يرى الإغريق مثاليين ولكنه كان يجهل أن الأغريق مارسوا الاسترقاق

ونحن نميل إلى المبالغة في بساطة شيلي لأننا ننسى أن الموت عاجله فلم يتركه يعيش حتى مرحلة النضج - لقد عرفنا بايرون وشيلي وهما لما يصلا بعد إلى مرحلة النضج فوصلا إلى قلوبنا كشاعرين رومانسيين كانا مفيدين جدا للحركة الرومانسية في إنجلترا، أما لو أنهما عاشا حتى الستين لكان من المحتمل أن يكونا مواطنين محافظين، وفي هذه الحال ربما كانت مكانتهما في التاريخ أكثر تواضعا، لكن موتهما المبكر جعلهما علمين في عالم الرومانسية.

الإ أن شيلي كان حقيقة قد أصبح بالفعل وهو في الثامنة والعشرين معتدلا، ففي سنة 0281 كتب مقالاً جوهريا بعنوان نظرة فلسفية للاصلاح نشره بعد كتابته بعام، أعلن فيه أن الشعراء الفلاسفة هم مشرعو العالم غير المعترف بهم(521). الشعراء لأنهم صوت الخيال يأتون بأفكار جديدة تدحض كثيرا من السخافات السائدة، وهذه الأفكار الجديدة تثير في وقت من الأوقات الناس وتحفزهم إلى التجربة والتقدم. والفلاسفة لأنهم يخضعون القضايا الاجتماعية للفكر العقلي الهادئ، وينظرون إليها بمنظور السنين. وكان شيلي - مثله في ذلك مثل بايرون والإنسانيين - ساخطا لأحوال العمال في مصانع إنجلترا، كما كان مستاء من البرود الذي تعامل به مالتوس في كتاباته مع مشكلة السكان وطريقة ضبطها بينما (أي مالتوس) ترك الأجور ليحكمها قانون العرض والطلب(621). وأدان البروتستنطية والكاثوليكية معا لفشلهما في إضفاء روح المسيح على العلاقة بين الأغنياء والفقراء(721). واقترح فرض ضريبة على الأثرياء لسداد الدين الوطني الذي تتطلب فوائده السنوية الباهظة فرض ضرائب ثقيلة على العامة(821). وأشار إلى أن زيادة السكان فيما بين 9861 و 9181 قد أخل بالتناسب بين المصوتين Voters وغير المصوتين مما جعل انتخاب أعضاء البرلمان قاصرا على أقلية صغيرة، وهذا يعني من الناحية العملية حرمان الشعب من حق الاقتراع(921). وقد غفر لأرستقراطية ملاك الأراضي لأنها تجذرت بمرور الزمن وأصبحت راسخة من الناحية القانونية (ربما بالنظر إلى مستقبل آل شيلي) وكان يبارك انتقال الثروة بطرق معتدلة، لكنه كان يحتقر البلوتوقراسية (حكم طبقة الأثرياء) ممثلة في التجار وأصحاب المصانع والماليين(031). وامتعض من آراء مكيافيلي التي تعفي الحكومة من الالتزام بالأخلاق: فالسياسات في الواقع هي أخلاق الأمم(131) ودافع عن الثورة الفرنسية وامتدح حكومة نابليون القنصلية وتبرأ من نابليون عندما توج نفسه إمبراطورا وحزن لهزيمة فرنسا في واترلو(23).

ولم يجد كتاب شيلي (دفاع عن الشعر) الذي كتبه سنة 1281 ناشرا حتى سنة 0481. وهنا وجدنا الشاعر الذي نفى نفسه الآن يسقط الفلاسفة، ويعلي من شأن الشعراء باعتبارهم مشرعي العالم الأكثرين رقيا(331). ولقد عبر عن رأيه هذا الذي اطمأن إليه في مقدمة (بروميثيوس المنطلق): كتاب عصرنا العظماء هم الذين يواكبون (أويسبقون إلى) بعض التغيرات التي لا يمكن تصورها في نظامنا الاجتماعي أو في الأفكار والآراء المرتبطة به. إن لدينا أسبابا معقولة لقولنا هذا. فسحابة العقل تفرغ ضياءها المتجمع. والتوازن بين المؤسسات institutions والآراء.يعود الآن أو لنقل إنه على وشك العودة(431). لكنه عاد الآن ليضيف: سيكون عصرنا عصراً خالدا بسبب إنجازاته الفكرية، فنحن نعيش وسط فلاسفة على شاكلة كانط وفيتشة وهيجل وشلنج وجودون وشـعراء مـن أمثـال جوتـه (جتيـة) وشـيلر، ووردزورث، وكولـردج وبايـرون وشـيلي فاقــوا كل من تقدموامنذ النضال الوطني الأخير للمطالبة بالحريات المدنية والتحرر الديني.(2461)(531).

وعلى النقيض من ذلك وجدنا شيلي يقلل من شأن دور العلم في إعادة تشكيل الأفكار والمؤسسات، وكان العلم قد بدأ بالفعل في تحقيق دوره في هذا المجال. لقد حذر من ترك التقدم العلمي يسبق التطور الأدبي والفلسفي - فالعلم ليس أكثر من أداة لتحسين أدواتنا tools بينما التطور الأدبي والفلسفة هو غايتنا(631). وإلا زاد ثراء الأقلية الماهرة وأدى ذلك إلى زيادة تركز الثروة والسلطة(731).

لقد انتقل استياء شيلي من أمور حميه المالية إلى فلسفة جودون. وقد استكشف شيلي كتابات أفلاطون من جديد (كان قد ترجم جانبا من حواراته) وانتقل من الاتجاه الطبيعي إلى التفسير الروحي للطبيعة والحياة. إنه الآن يشك في هيمنة العقل وقدرته المطلقة وفقد حماسه للإلحاد. وكلما اقترب من سن الثلاثين. وجدناه يتوقف عن مهاجمة الأمور الغيبية في الدين. إنه الآن يفكر في أن الطبيعة هي الشكل الخارجي أو الظاهري لروح (جوهر) داخلي، وتفكيره على هذا النحو يشبه كثيرا تفكير وردزورث الشاب (في هذه النقطة). ولابد أن يكون هناك نوع من الخلود فالقوة الحيوية (الروح) في الفرد تنتقل بعد موته إلى شكل أو كيان آخر لكنها لاتموت(831).


نشيد بيزا 1821 - 1822

عندما وصل بايرون إلى بيزا كان قد تجاوز تاريخه الجنسي بالكاد منذ فترة، فيما عدا ذكرياته المثالية كما في أبياته العرضية (التي أدرجها بين نشيدين) في (دون جوان). وفي بيزا كانت تيريزا جويشيولي تعيش مع بايرون لكن المودة بينهما كانت قد قلت. كان يقضي معظم وقته مع أصدقائه وأصدقاء شيلي وكان يرتب لهم وجبة غداء أسبوعيا، وكانت المناقشات تجري حرة في هذه الأثناء، وكان شيلي يحضر ويجلس مهذبا لكنه كان حاسماً في سوق حججه، وكان ينسحب قبل أن يبدأ تناول الخمور شديدة التأثير. وحاولت تيريزا أن تعطي لحياتها الهادئة روحا بصداقتها لماري شيلر، وبقراءة التاريخ لتجاري ماري في اهتماماتها. ولم يكن بايرون موافقا على دراسة تيريزا للتاريخ مفضلاً أن تكون المرأة جذابة وفاتنة وأن تكون عقلها تابعها لهذه الجاذبية وتلك الفتنة أو بتعبير آخر أن يكون عقلها في المحل الثاني. وكان ينسى أليجا. ودبرت أمها مع ماري شيلي الذهاب إلى فلورنسا ليدبر ثلاثتهم خطة للذهاب إلى رافنا لإبعاد الفتاة وإحضارها لتعيش في مناخ أفضل للصحة، ولتعيش حياة أرحب. ورفض شيلي السماح بهذا، وأتت بعد ذلك أخبار مفادها أنه في 02 أبريل سنة 2281 ماتت في الدير بالملاريا وهي في الخامسة من عمرها. وكان لهذا الخبر أثره في فتور العلاقة بين شيلي وبايرون. وفي بواكير هذا الربيع كتب إلى لاي هنت Leig Hunt : ثمة ميول خاصة في شخصية اللورد بايرون تحول دون الاقتراب منه والتودد معه ، وهو ما وجدت نفسي أعاني منه .. فهو أمر لا يحتمل . يا صديقي العزيز هذا ما أعترف به وأفضي به إليك ، ثقة مني فيك(931). لقد حاول أن يخفي استياءه لأنه كان قد حث بايرون على دعوة هنت إلى بيزا لتحرير مجلة جديدة (الليبرالى- Liberal) التي خطط بايرون وشيلي أن يبدآ بها كشعبة أو فرع من المستخلص ربع السنوي Quarterly المحافظة. وأرسل بايرون إلى هنت المفلس 052 جنيها فأبحر مع أسرته من لندن آملا أن يصل جنوة في أول يوليو سنة 2281 ووعد شيلي بلقائه هناك.

ومن الناحية الظاهرية كانت الشهور الستة الأولى من هذا العام الحاسم فترة سعيدة للشاعرين. فقد كانا يذهبان راكبين كل يوم تقريبا إلى نادي الرماية ليجربا براعتهما في إصابة الهدف. وكاد شيلي يضارع بايرون في هذا المجال. لقد كتب إلى بيكوك إن صحتي تحسنت، ومشاغلي قلت، ورغم أن شيئا لن يعالج مشكلة تضاؤل أموالي فإن جيوبي تبدو كجيوب الأثرياء دائما خاوية، لكن أموالهم لاتنفد تماما(041) وفي يناير توفيت زوجة والد بايرون فتركته (رغم انفصاله عن زوجه) وقد أضافت إلى دخله السنوي ثلاثة آلاف جنيه، فأمر - سعيدا - ببناء يخت مناسب في جنوة وعين جون تريلاوني قائداً له وأطلق على يخته هذا اسم بوليفار احتفاء بثائر أمريكا الجنوبية ودعا شيلي وصديقيه الجديدين إدوارد ويليمز وتوماس مِدْوِن للانضمام إليه مع آل جامبا في رحلة باليخت في الصيف القادم . وشارك شيلي وويليمز بقارب أصغر طوله 84 قدما وأقصى عرض له ثماني أقدام وكانت تكلفته ثمانين جنيها وأطلق عليه تريلاوني اسم (دون جوان) إلا أن مارى غيرت اسمه إلى ( إريل Ariel)(141). وفي انتظار حلول الصيف للقيام بالرحلة، أقام بايرون في هذه الأثناء بفيلا دوبوي Dupuy بالقرب من يجورن (جنوة) واستأجر شيلي وويليامز لأسرتيهما الكازا ماجني Casa Magni بالقرب من ليريسي Lerice على ساحل خليج سبتسيا (سبيزيا Spezia) إلى شمال جنوه بأربعين ميلاً. وفي 62 أبريل 2281 انتقل شيلي وويليامز إلى المقر الجديد (الكازا ماجني) وراحا ينتظران تسلم القارب (الجديد).


تضحية شيلي 1822

شيء من نزوات الشعراء هو الذي أملى اختيار هذا المكان الموحش لقضاء إجازة فيه. لقد كان الكازا ماجني Casa Magni واسعا جدا بالنسبة إلى أسرتين كما أنه لم يكن مؤثثا، وكان قديما يقترب من الانهيار. وكانت الغابة تحيطه من ثلاث جهات، أما واجهته فكانت تطل على البحر الذي كان يقذف بأمواجه أحيانا إلى أبوابه. وقد راحت ماري شيلي تتذكر فيما بعد قائلة: لقد احتفت بنا الرياح الهوجاء والعواصف عند وصولنا، وكان أهل المنطقة أكثر وحشة من المكان. وبمجرد أن ارتطمت سفينتنا بجزيرة البحار السبعة حتى كدنا نشعر أننا أبعد ما نكون عن الراحة والحضارة(241). وفي 21 مايو وصل القارب أريل Ariel من جنوة، فابتهج ويليامز الذي سبق له العمل في البحرية، وابتهج شيلي الذي لم يكن يجيد السباحة، وراحا يقضيان كثيرا من الفترات بعد الظهيرة أو في الماء وهما يبحران على طول الساحل. وقلما كان شيلي في أي وقت مضى سعيدا بمثل هذه السعادة الفائقة. وكانت النسوة أحيانا ينضممن إليهما في نزهاتهما هذه، لكن ماري أصبحت حاملاً مرة أخرى وكان المرض يعاودها ولم تكن سعيدة لأن زوجها لم يتركها تقرأ خطابات أبيها الحزينة(341). وقد كتب شيلي في المنزل أو القارب قصيدته الأخيرة انتصار الحياة التي توقف فيها عند البيت رقم 445 بسبب رحلته الأخيرة. ولم يكن هناك انتصار في هذه الرحلة لأنها تصف مواكب الأجناس البشرية المختلفة في طريقها للفشل والانحطاط مسرعة إلى الموت. وفي البيت رقم 28 نجد تأثير روسو، فالشاعر هنا يتعرض لغباء الحضارة، فهو يظهر مشاهير التاريخ - أفلاطون وقيصر وقسطنطين وفولتير ونابليون - وقد وقعوا في أحابيل الاندفاع المجنون نفسه نحو الثروة والسلطة، ويوصي بالعودة إلى الحياة الطبيعية البسيطة، ولا يجد خلاصا للبشر إلا بذلك. لم يكن شيلي قد بلغ الثلاثين بعدما فكر في الانتحار في 81 يونيو سنة 2281. لقد كتب إلى تريلاوني: أيمكنك أن تقابل أي عالم يستطيع أن يحضر حامض البروسيك أو خلاصة زيت اللوز المر... سأعتبر ذلك فضلاً كبيرا إن أنت وفرت لي قدرا قليلا من هاتين المادتين.... إنني سأدفع أي مبلغ مطلوب مقابل هذا الدواء... لست في حاجة لأن أخبرك أنني لا أنوي الانتحار في الوقت الحاضر لكنني أعترف لك أنني سأكون مرتاحا إذا ما امتلكت المفتاح الذهبي لغرفة أرتاح فيها راحة أبدية(441).

وربما رغبة منه (شيلي) في مساعدة زوجته المريضة - دعا كلير كليرمونت أن تأتي من فلورنسا لقضاء الصيف في الكازاماجني، وبالفعل أتت في أوائل شهر يونيو وكان هذا وقتا مناسبا لمساعدة ماري في عملية الإجهاض المهلكة. وفي 22 يونيو كان شيلي على وشك الانهيار العصبي وكان يعاني كوابيس مرعبة جدا حتى إنه كان يهب فزعا ويجري من غرفته إلى ماري وهو يصرخ. وفي أول شهريوليو وصلتهم الأخبار أن لاي هنت وأسرته قد وصلوا إلى جنوة وأنهم يستعدون لمغادرتها بقارب نقل للانضمام إلى بايرون. وكان شيلي تواقا للترحيب بصديقه المخلص، ولتيسير استقبال بايرون له (لهنت) ولتدعيم شريكه الذي تضاءلت مصالحه في إصدار مجلتهما الجديدة، فقرر أن يبحر فجأة مع ويليامز في القارب أريل Ariel إلى ليجورن.. وكانت ماري قد أرهصت بالكارثة (حدثها قلبها أن كارثة ستقع) لقد طلبت منه ألايقوم بهذه الرحلة مرتين أو ثلاث.. ورحت أصرخ بمرارة عندما ذهب(541) وغادر القارب أريل (كازا ماجني) في ظهر الأول من يوليو ووصل ليجورن بأمان في التاسعة مساء. وحيّا شيلي صديقه هنت بسعادة وفرح لكنه أصيب بالإحباط عندما علم أن السلطات التسكانية قد أمرت آل جامبا Gambas بمغادرة البلاد فورا وأن بايرون الذي قرر أن يلحق بتيريزا كان يخطط لمغادرة ليجورن حالاً ليلحق بها في جنوا. ومع هذا وافق بايرون على الاحتفاء باتفاقيته مع هنت وخصص له ولأسرته غرفاً في الكازا لانفرانشي Casa Lanfranchi في بيزا pisa، فصحبهم شيلي إلى بيزا فلما اطمأن إلى مقامهم عاد إلى ليجورن في السابع من يوليو. وقضى صباح الأحد الموافق 8 يوليو في شراء مستلزمات أسرته في كازا ماجني. وحثه ويليامز على الإسراع لانتهاز فرصة الرياح المناسبة إلى ليريسي Lerici، وكان قائد السفينة (البوليفار) قد تنبأ بهبوب عاصفة بعد ظهر هذا اليوم ونصح بتأخير الإبحار يوما، إلا أن وليم كان يلح على الإبحار حالا، فوافق شيلي وفي نحو الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر أبحر القارب أريل Ariel من ليجورن وعلى متنه شيلي وويليامز وبحار شاب هو شارلز فيفان.

وفي نحو السادسة والنصف من هذا اليوم هبت عاصفة عنيفة مصحوبة برعد ومطر على خليج سبيريا Spezia فهرعت مئات السفن والقوارب إلى داخل الميناء. وفي كازا ماجني كانت العاصفة قاسية جدا حتى إن النسوة الثلاث مكثن قلقات يعزين أنفسهن قائلات إن الزوجين لم يبحرا في هذه العاصفة وإنهما في أمان في ليجورن. ومضى يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس. وراحت ماري في وقت لاحق تتذكر ما حدث: إن الكرب الحقيقي الذي عانيناه في هذه اللحظات يفوق كل كرب وضفته والقصص والروايات، فمهما ذهب الخيال لايمكن أن يعبر عن حالتنا تلك، فعزلتنا، وطبيعة السكان الفظة في القرية المجاورة ومجاورتنا للبحر الهائج، كل ذلك تضافر معاً ليبعث فينا رعبا غريبا(641) وفي يوم الجمعة وصل خطاب من هنت إلى شيلي يضم سطورا جلبت مزيدا من الرعب إلى قلوب المرأتين المنتظرتين: أخبرنا كيف وصلت منزلك لأنهم قالوا إن الطقس لم يكن مناسبا بعد إبحارك ونحن قلقون. وركبت جين ويليامز وماري طوال النهار ليصلا إلى بيزا. وفي منتصف الليل وصلتا إلى كازا لانفرانشي، فوجدتا بايرون وهنت هناك فأكدا لهما أن شيلي وويليامز غادرا ليجورن يوم الأحد، فركبا ليلا ووصلا ليجورن في الساعة الثانية صباح السبت 31 يوليو، وهناك حاول تريلاوني وروبرتز تهدئتهما بقولهما إن الأمواج ربما تكون قد أزاحت القارب إلى إلبا أو كورسيكا. وعهد بايرون إلى روبرتز بركوب (البوليفار) للبحث في البحر وعند السواحل بين ليجورن وليريسي Lerici ، وصحب تريلاوني كلا من جين وماري وفي بحث غير مجد على طول الساحل بحثا عن أخبار عن الرجلين المفقودين ومكث مع المرأتين المنتحبتين في كازا ماجني حتى 81 يوليو، ثم فارقهما لإجراء مزيد من التحريات. وفي 91 يوليو عاد إليهما وأخبرهما بكل ما في جعبته من لطف أن جثتي زوجيهما قد عثر عليهما بالقرب من فيارجيو Viareggio في 71 أو 81 يوليو. (وفي 03 يوليو ثم العثور على جثة شارلز فيفان مشوهة على بعد أربعة أميال إلى الشمال وتم دفنها على الساحل) واصطحب ماري وجين إلى بيزا وعرض عليهما بايرون الإقامة في كازا لانفرانشي لكهنا استأجرا غرفا بالقرب منه. وكتبت ماري إلى إحدى صديقاتها إن لورد بايرون رفيق جدا بي، وغالبا ما يأتي مع جويشيولي لرؤيتنا(741).

وكان أهالي المنطقة قد دفنوا بالفعل الجثث في الرمال وقانون تسكانيا يمنع نقل الجثث التي تم دفنها لإعادة دفنها من جديد في مكان آخر، لكن تريلاوني كان يعلم رغبة زوجة شيلي في دفن رفات زوجها بالقرب من رفاة ابنه وليم في روما، فحث سلطات تسكانيا للسماح بإخراج رفاته على أن يتم حرقها على الساحل، وكانت جثة شيلي وصديقه قد تعفنتا أو تآكلتا فصعب تعرفهما، إلا أنهم وجدوا في أحد جيوب معطف أحدهما مجلدا لسوفوكليس وفي الجيب الآخر مجلداً لكيتس Keats(841). وفي 51 أغسطس، وقف هنت، وتريلاونى مع مسؤول الحجر الصحي، والكابتن شنلي Shenley وهو ضابط إنجليزي بينما تولت مجموعة من الجنود إحراق بقايا ويليامز. وفي اليوم التالي تم النبش عن رفاة شيلي وتم إحراقه في حضور بايرون، وهنت وتريلاوني وبعض الفلاحين المجاورين، وقذف تريلاوني في اللهيب المشتعل في الرفات عطورا ونبيذا وزيتا وراح يترنم ببعض الدعوات طالبا أن يعود رماده إلى الطبيعة التي عبدها(941). ولم يطق بايرون تحمل المشهد إلى نهايته فسبح إلى (البوليفار) وبعد ثلاث ساعات تقريباً كان كل الجسد [الرفات] قد أصبح رمادا خلا القلب، فانتزعه تريلاوني من النار معرضا يده للإصابة بالحروق. وتم نقل رماد الرفات في سلة إلى روما، وتم دفنها في مقبرة جديدة بالقرب من مقبرة قديمة للبروتستنط تضم رفات ابنه وليم. أما قلب شيلي مقدمه تريلاوني لهنت الذي فقدمه بدوره لماري، وعند موتها في سنة 1581 تم العثور على رماد القلب في نسختها من كتاب أدونيس Adomaus.


التجلي 1822-1824

في سبتمبر 1822 انطلق بايرون وآل جمبا Gambas من بيزا إلى ألبارو Albaro إحدى ضواحي جنوا. لقد أرهق بايرون بدنه وعقله منذ غادر إنجلترا، فبدأ يضجر حتى من حب تيريزا غير المضجر. لقد أزاحت عيناه الحادتان وروحه الساخرة ما على وجه الحياة من حجاب ويظهر أنه لم يترك حقيقة تحفزه على الإخلاص والمثالية. لقد كان أشهر شاعر على قيد الحياة لكنه لم يكن معتزا بشعره فالآلام المحمومة التي ظهرت في عمله (شايلد هارولد) بدت الآن تنم عن جبن، والملاحظات الساخرة في (دون جوان) تركت المؤلف والقارئ وقد خاب أملهما وتحررا من الوهم. إنه يشعر الآن أن على الإنسان أن يقدم للبشرية شيئا أكثر من الشعر(051) وفي جنوا طلب من طبيبه أن يدله على أفضل سم وأسرعه مفعولا(151). وعرض عليه اليونانيون موتا يخلصه. لقد سقطت اليونان في أيدي الترك (العثمانيين) في سنة 5641 وأصبحت مخدرة في ظلال حكم أجنبي. وكان بايرون قد دعا اليونانيين في قصيدته الطويلة (شايلد هارولد) (النشيد 2slashالأبيات 37 - 48) للثورة ضد حكم الأتراك (العثمانيين): أيها الأرقاء!slash ألا تعلمون أن تحرركم يحتاج إلى هبة كالإعصار؟. وثار اليونانيون في سنة 1281 لكن كان ينقصهم السلاح والمال والوحدة، وكانوا يصرخون طالبين المساعدة من الأمم التي استفادت من تراثها الخصب، وأرسلت اليونان لجنة إلى لندن طالبة العون المالي، وأرسلت اللجنة ممثلين إلى جنوا متحدية بايرون أن يرسل بعض أمواله للتعجيل بالثورة التي كان يدعو إليها. وفي 7 أبريل 3281 أخبر المبعوثين أنه رهن إشارة الحكومة اليونانية المؤقتة.

لقد تحول بايرون من الشعر إلى العمل. إنه قد كرس نفسه الآن للأفعال لا الأقوال. لقد أفسحت التعبيرات الساخرة الطريق للعمل من أجل قضية. لقد تنحى الشعر، وخرجت الرومانسية من إهابها لتبحث عن حل. وبعد أن خصص جانبا من ميزانيته لآل هنت، وتيريزا على نحو خاص، جعل ما تبقى من ثروته لصالح الثورة اليونانية. لقد أصدر تعليماته لوكلائه في لندن لبييعوا كل ما يملك في إنجلترا ويرسلوا إليه المبالغ، وباع (البوليفار) بنصف تكلفته واتفق أن تقوم سفينة إنجليزيه لتستقله هو، وبيترو جمبا وتريلاوني إلى اليونان وأن تكون السفينة مزودة ببعض المدافع والذخيرة وإمدادات طبية تكفي ألف رجل مدة عامين. وناضلت تريزا لإثنائه عن عزمه كي يكون إلى جوارها، فرفض برقة ورضى عندما علم أنها ووالديها قد حصلوا على إذن بالعودة إلى رافنا، وأخبر الليدي بليسنجتون لدى شعور أنني سأموت في اليونان. أتمنى أن يتحقق هذا، فلو حدث لكان خير نهاية لحياة كئيبة جدا(251).

وفي 61 يوليو أبحرت السفينة (Hercules) من جنوا قاصدة اليونان. وبعد تأخير كان مدعاة لسخطه رست في 3 أغسطس في ميناء أرجوستوليون Argostolion في سيفالونيا أكبر الجزر الأيونية. وبوصولهم لهذه الجزيرة يكونون على بعد خمسين ميلامن اليونان لكن بايرون أجبر على تضييع عدة شهور فيها. لقد كان يأمل أن ينضم في ميسولونجي Missolonghi بأهم الزعماء اليونانيين لكن ماركو بوزاريس Bozzaris كان قد لقي حتفه في أثناء العمليات، وكانت ميسولونجي في أيدى الأتراك العثمانيين كما كانت السفن الحربية العثمانية تتحكم في كل السواحل المؤدية إلى البر اليوناني من جهة الغرب. وفي بواكير شهر ديسمبر استعاد الأمير أليكزاندروس مافروكورداتوس Alexandros Mavrokordatos، ميسولونجي، وفي 92 من الشهر نفسه غادر بايرون جزيرة سيفالونيا وكتب الكولونيل ليسستر ستانهوب Leicester Stanhope ممثل اللجنة اليونانية التي كانت تجمع الأموال في إنجلترا لمساعدة الثورة اليونانية - كتب من ميسولونجي: الكل يتطلع إلى وصول اللورد بايرون كما لوكانوا ينتظرون المسيح المخلص(351) ووصل المخلص الشاب بعد عدة مغامرات وبعد اجتياز عدة مشاكل أدت لتأخره إلى ميسولونجي في 4 يناير سنة 4281 فتلقاه الأمير والناس بفرح غامر.

وعهد إليه مافروكورداتوس بقيادة ستمائة من السوليتو Sulitos، وتقديم المؤن لهم ودفع رواتبهم (والسوليتو فرقة انتحارية جزء منها يونانيون وجزء ألبان ولم يكن منظرهم ملهماً للورد بايرون وكان يعرف أن الثورة اليونانية منقسمة إلى فصائل متنافسة تحت قيادات ذوات ميول سياسية أكثر منها حربية. ومع هذا فقد كان سعيدا للقيام بدور فعَّال ولم يتأخر عن تقديم المساعدة. لقد قدم إلى مافروكورداتوس وحده نحو ألفين من الجنيهات كل أسبوع لتمويل أهالي ميسولونجي بالطعام والمشروبات. وفي هذه الأثناء كان يعيش في فيلا شمال المدينة بالقرب من الساحل. يقول تريلاوني: عند حافة أسوأ مستنقع رأيته في حياتي. وثبت أن السوليتو غير منضبطين ويميلون للتمرد، وكانوا مشتاقين لأمواله أكثر من رغبتهم لطاعة أوامره. وكان الشاب لوشينفار يأمل تأجيل الأعمال العسكرية حتى يتم استعادة النظام والانضباط، ولم يكن تريلاوني ميالا للتأجيل فمضى يبحث عن المغامرة في أي مكان. ولم يبق إلا بيترو جامبا Gamba قريبا من بايرون يرعاه قلقاً عليه لمعاناته من الحرارة والفزع والمالاريا.

وفي 51 فبراير أصبح وجه بايرون على حين فجأة شاحبا في أثناء زيارة الكولونيل ستانهوب، وسقط مغشيا عليه وراح في حالة تشنج فاقد الوعي. واستعاد وعيه فتم نقله إلى فيلته وتجمع حوله الأطباء وراحوا يفصدون بعلقات تسحب الدم، وعندما تم إبعاد العلقات لم يتوقف نزيف الدم و وهن بايرون وأصبح يعاني من نقص دمه. وفي 81 فبراير تمرد رجال الكتيبة التابعة له (السوليتو) مرة ثانية مهددين باقتحام فيلته وقتل كل الأجانب الذين يقابلونهم. فهب من سريره وهدأهم لكن أمله في قيادتهم ضد الترك في ليبانتو كان قد تلاشى وضاع بذلك حلمه بموت بطولي مثمر. وتلقى خطابا - كان كالعزاء له - من أوجستا لاي Augusta Leigh به صورة لابنته أدا Ada مع وصف لعادات الطفلة وميولها كما قدمته أنابلا - فالتمعت عيناه بالسعادة للحظات، فقد تنكرت له كل الأمور التي ألفها الناس.

وفي 9 أبريل ذهب راكبا إلى بيترو Pietro وفي أثناء العودة دهمهم مطر عنيف وفي هذه الليله عانى بايرون من القشعريرة والحمى. وفي 11 من الشهرنفسه زادت حالته سوءا فلزم سريره وشعر بانهيار قواه وأدرك أنه على وشك الموت. وفي أيامه العشرة الأخيرة كان يفكر أحيانا في الدين لكنه ذكر الحقيقة أنني أجد صعوبة في معرفة ما يجب الاعتقاد فيه في هذا العالم وما لا يجب. هناك أسباب كثيرة معقوله تدفعني لأن أموت متعصبا، تماما كتلك الأسباب التي جعلتني أعيش حتى الآن مفكرا حرا(451) وذكر الدكتور جوليوس ميلينجن - طبيبه الرئيسى:

يجب أن أذكر بأسف لاحد له أنه رغم كوني لم أفارق وسادة اللورد بايرون خلال فترة مرضه الأخيرة إلا نادرا، فلم أسمعه يشير إلى الدين أية إشارة ، غير أنني في لحظة واحدة سمعته يقول هل سأطلب الرحمة؟ وبعد فترة صمت طويلة قال تعال! تعال! لاضعف، فلأكن رجلاً حتى النفس الأخير. وهذا الطبيب نفسه يرون عنه قوله: لا ترسلوا جثتي إلى إنجلترا. دعوا عظامي تفنى هنا! اطرحوني في أول ركن دون جلبة ولاتصرفات حمقاء(551).

وفي 51 ابريل، بعد أن انتابته حالة تشنج أخرى سمح لأطبائه بفصد دمه ثانيةً، فأسالوا منه رطلين من الدماء ورطلين آخرين في فترة لاحقة، ومات في 91 أبريل 4281. وأظهر تشريح جثته - ولم يكن هذا أمرا معتادا - إصابته بتبولن الدم (اختلاط بوله بدمه) ولم تكن هناك علامات على إصابته بداء الزهري (السيفلس) وظهرت أدلة أن كثرة الفصد والأدوية المسهلة (المسبية للإسهال) كانتا هما الأسباب الأخيرة لموته. وكان مخه من أكبر الأمخاخ المعروفة - إذ كان يزن 017 جرامات وهو رقم يزيد على أعلى متوسط لمخ الإنسان العادي(651). وربما أضعفه وعجل بنهايته ما عرف عنه من إفراط في الأمور الجنسية، وإفراطه في تناول الطعام أحيانا، وإفراطه في الحمية أحيانا أخرى بغير ضابط، فقد أضعف كل هذا مقاومته للإجهاد والقلق والهواء الرطب المحمل بالعفونة.

ولم تصل أخبار موته إلى لندن حتى 41 مايو، إذ حمل هوبهوس هذا الخبر إلى أوجستا لاي، وقد صدما معاً بهذا البنأ. والآن عاد هوبهوس لمشكلة المذكرات السرية لبايرون. لقد كان مور Moore قد باعها للناشر مري Murray بمبلغ ألفين من الجنيهات، فحاول هذا الأخير دفعها للمطبعة رغم تحذير مستشاره وليم جيفورد قائلاً على حد تعبير هوبهوس إنها لا تصلح إلا لبيوت الدعارة والمواخير وستسيئ كثيرا جدا إلى اللورد بايرون وستلحق به عاراً أبديا إن نشرت(751). واقترح مرى وهوبهوس إتلاف المخطوطة، واعترض مور ولكنه وافق أن يترك الأمر لرأي السيدة لاى Leigh فكان من رأيها إحراق المذكرات، وتم ذلك بالفعل، وأعاد مور الألفي جنيه إلى مري.

وأصر فلتشر الخادم العجوز الذي صاحب لورد بايرون على أن سيده قد عبر عن رغبته قبل موته بقليل أن يدفن في إنجلترا، إلا أن السلطات اليونانية وعامة اليوناينين اعترضوا على ذلك لكن كان عليهم أن يقنعوا بأجزاء من أمعائه تمت إزالتها قبل تحنيطه. وتم حفظ بدنه باستخدام 001 جالون من الخمور، ووصلت الجثة بالفعل إلى لندن في 92 يونيو، وتم تقديم طلب لسلطات كنيسة وستمنستر لدفن الشاعر في الركن المخصص للشعراء فيها لكن الطلب لم يلق قبولا. وفي 9slash01 يوليو سمح للعامة بإلقاء نظرة على الرفات المكفن فأقبل أناس كثيرون من قليلي الذكر، لكن بعض ذوي الحيثية سمحوا بأن تسير عرباتهم الخالية (أي التي لم يكونوا هم أنفسهم فيها) بالسير في الموكب الذي واكب الجثة من لندن إلى نوتنجهام في 21 - 51 يوليو. ورأت كلير كليرمونت، وماري شيلي من النافذة، موكب الجنازة وهو يتحرك. وفي 61 يوليو جرى دفن الشاعر في قبو أجداده بجوار أمه في كنيسة هكنال توركارد Hucknall Torkard - وهي قرية بالقرب من مبنى نيوستيد، وهو مبنى دير قديم لم يعد يستخدم كدير Newstead Abbay.


الباقون على قيد الحياة

عاش معظم من لعبوا أدوارا في حياة بايرون الحافلة في الحقبة التالية لوفاته. وكان أسرعهم لحاقاً به هو بيترو جامبا الذي عاد لليونان بعد أن رافق جثمان بطله (بايرون) إلى لندن، وظل وفيا للثورة اليونانية ومات بالحمى في سنة 7281 - وأصبحت الليدي كارولين لامب مريضة جدا عندما أخبرها زوجها أن جثمان بايرون قد مر في طريقه إلى مثواه الأخير، وكانت قد هجته في روايتها Glenarvon (6181) لكنها الآن تقول إنني آسفة على كل كلمة غير طيبة قلتها في حقه(851). وقد عاشت بعده ما لا يقل عن أربع سنوات - وورثت أوجستا لاي -بناء على وصية من بايرون كل ما تبقى من ثروته تقريبا (نحو مائة ألف جنيه) وأنفقت معظمها في دفع ديون زوجها وأولادها الناتجة عن المقامرة، وماتت فقيرة سنة 2581(951) - والليدي بايرون ظلت تذكر بشيء من الخير الرجل الذي تسببت شروره الموروثه لعنة لزواجها. لقد كتبت طوال ما بقى لي من حياة تظل مشكلتي الرئيسة هي أنني لا أتذكره بمودة كبيرة(061). ومع هذا فبعد كل الأمور التي اتضحت أقول لقد كان هناك موجود (إنسان) أفضل بكثير.. لقد كان صدره يعتمل بما هو أفضل ..لقد كان كثير التحدي لكنه لم يستطع التدمير أبدا(161). وابنتهما أدا Ada التي كان اللورد بايرون يعقد عليها الآمال تزوجت من الإيرل الثاني للوفيلاس Lovelace وفقدت ثروتها في الرهان على سباق الخيل وأنقذتها أمها من الإفلاس، وفقدت صحتها وآمالها - كأبيها - فماتت في السادسة والثلاثين (2581) وحاولت الليدي بايرون أن تملأ وحدتها بالعمل في مجال الخدمة العامة، وماتت في سنة 0681.ودخل جون كام هوبهوس البرلمان كراديكالي، وارتقى ليصبح وزيرا في فترة الحرب (2381 - 3381) وأصبح بارونا ومات في سنة 9681 في الثالثة والثمانين من عمره. وعادت تيريزا جويشيولي - بعد وفاة بايرون - إلى زوجها لكنها سرعان ما عملت على الانفصال عنه، وتم لها ما أرادت. وكونت علاقات لم تطل مع صديق بايرون الأعرج هنري فوكس ومع لامارتين الشاعر الفرنسي المعجب ببايرون. وتنقلت بين العاشقين، ولم يطل مقامها مع أي منهم إلا قليلا وأخيرا تزوجت وهي في السابعة والأربعين من ماركيز بوسي Marquis da Boissy وكان ثريا لطيفاً يقدمها لمعارفه وأصدقائه بفخر قائلا: زوجتي، والعشيقة السابقة لبايرون. (على وفق وجهة النظر الإنجليزية المجحفة شيئاً ما) وعندما مات الماركيز اشتغلت بتحضير الأرواح (الاتصال بأرواح الموتى) وتحدثت مع روح بايرون وروح زوجها الذي مات وقالت: إنهما معاً الآن، وهما أفضل الأصدقاء - تقصد يصادق كل منهما الآخر صداقة مخلصة عميقة(261) وماتت في سنة 3781 في الثانية والسبعين من عمرها بعد أن كتبت عدة كتب تصور فيها بايرون كعبقري ورجل مهذب لاعيوب فيه - وماتت كلير كليرمونت في سنة 9781 عن عمر يناهز الواحدة والثمانين وظلت حتى آخر أيامها متمسكة برأيها في بايرون بأنه مجرد تركيبة من العبث والغباء وكل ضعف بائس - قلما تجتمع في مخلوق بشري واحد(361).

أما ماري شيلي فرغم ما لحقها منه ببعض الضرر فقد كانت تحتفظ لألبي Albe [كما كان يطلق عليه المحيطون به - أي ببايرون -] بمشاعر أكثر ودّاً، فعندما علمت بوفاته كتب آه يا ألبي Albe (المقصود اللورد بايرون) - أيها العزيز الفاتن المتقلب ألبي - غادرت هذا العالم الخرب، فليمنحنى الرب موتا باكرا في شبابي(461) وأمضت كثيرا من وقتها فيما تبقى لها من العمر (72 سنة) في تحرير كتب زوجها بحب ورعاية مستخدمة فصاحتها وقدرتها على البيان.

أما لاي هنت الذي كان قد تجاسر وامتدح أشعار شيلي في الوقت الذي أدانها كل النقاد تقريبا باعتبارها أوهام مراهقة - فقد ظل مخلصاً لراديكاليته الشابة وكتب مذكرات معادية لبايرون، وظل على قيد الحياة حتى 9581. أما توماس جيفرسون هوج فبعد تجارب عاطفية مختلفة - تزوج من أرملة ويليامز (جين) وعاش معها السنوات الخمس والثلاثين الباقية من حياته. وكان الأكثر لفتاً للنظر هو إدوارد جون تريلاوني الذي دخل حياة شيلي في بيزا، وكان كلاهما في الثلاثين من عمره. وكان شيلي يقترب من نهايته، بينما كان على تريلاوني أن يعيش تسعا وخمسين سنة أخرى. لقد كان هذا الفارس الجوال... الداكن الوسيم ذو الشارب الكبير (كما وصفه هنت) قد قام بكثير من المغامرات في كثير من البلاد، حتى إن استعادته لما مر به من ذكريات وأحدات لم يكن يسبب ضيقاً لأصدقائه الجدد. ورغم أن بايرون قد عينه مسؤولا عن خيوله وعن قاربه الفخم (يخته) بوليفار، فقد كان يحب كثيرا شيلي هذا الصبي الأمرد حسن الطباع. وبعد أن شهد وصول بايرون بأمان إلى ميسولونجي (وإن كان - أي بايرون - قد اضطر للبقاء هناك دون قدرة على الحركة لفترة) انطلق ليبحث عن قدره متوقعاً أن يموت في سبيل القضية اليونانية. لقد رأى اليونان وهي تتحرر فواصل تجواله وعاش حتى سنة 1881 وتم دفنه في مقبرة اشتراها في سنة 2281 بالقرب من رفات (رماد) شيلي في المقبرة الإنجليزية في روما.



وفاته

قبر شلي في روما.


The Funeral of Shelley by Louis Edouard Fournier (1889); pictured in the centre are, from left, Trelawny, Hunt and Byron



تاريخ العائلة

السلالة

العائلة

أحفاده

المثالية

اللاعنف

النباتية

إرثه

Keats-Shelley Memorial House, Spanish Steps, Rome



في الأدب

أعمال هامة

نثر

  • "The Assassins, A Fragment of a Romance" (1814)
  • "The Coliseum, A Fragment" (1817)
  • "The Elysian Fields: A Lucianic Fragment"
  • "Una Favola (A Fable)" (1819, originally in Italian)

مقالات

  • Poetical Essay on the Existing State of Things (1811)
  • The Necessity of Atheism (1811)
  • A Defence of Poetry
  • On Love
  • On Life in a Future State
  • On The Punishment of Death
  • Speculations on Metaphysics
  • Speculations on Morals
  • On Christianity
  • On the Literature, the Arts and the Manners of the Athenians
  • On the Symposium, or Preface to The Banquet Of Plato
  • On Friendship

انظر أيضا

الهوامش

  1. ^ The Life of Percy Bysshe Shelley, Thomas Medwin (London, 1847), p. 323
  2. ^ Bysshe ويعرف باسم بيش.
  3. ^ Plato, The Banquet, translated by Percy Bysshe Shelley, Pagan Press, Provincetown 2001, ISBN 0-943742-12-9. Shelley's translation and his introductory essay, "A Discourse on the Manners of the Antient Greeks Relative to the Subject of Love", were first published unbowdlerized in 1931.

المصادر

ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.

وصلات خارجية