علي محمود طه
علي محمود طه (و. 3 أغسطس 1902 - ت. 18 نوفمبر 1949) شاعر مصري من أعلام الرومانسية العربية بجانب جبران خليل جبران، البياتي، السياب وأمل دنقل وأحمد زكي أبو شادي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
حياته
ولد علي محمود طه في عام 1902 في مدينة المنصورة، محافظة الدقهلية، وقضى معظم شبابه فيها، تعلّم في الكتّاب كسواه من أبناء جيله، ثمّ انتقل إلى المدرسة الابتدائية، ولما تخرّج فيها انتقل إلى مدرسة الفنون والصناعات التطبيقية، وقد تخرّج فيها سنة 1924 مساعد مهندس معماري، وعُيّن في هندسة المباني بالمنصورة، ثم اتصل بعد ذلك ببعض رجال السياسة، فعمل في سكرتارية مجلس النواب، وصار وكيلاً لدار الكتب المصرية.[1]
أحبّ علي في مطلع شبابه فتاة يونانية ثرية في المنصورة، ولكنه لم يوفّق في هذا الحبّ، ثم أحبّ بعد ذلك امرأة ألمانية متزوجة، ولكنه عاش ومات دون أن يتزوج، وعرف مجالس الشراب واللهو والطرب، وهذا ما أثر في شاعريته الفياضة، بل كان شعره صدى لتجاربه في الحياة.
كان كثير الزيارات والسفر إلى أوربا، وبخاصة في رحلاته الصيفية التي بدأت منذ سنة 1938، فزار عدداً من بلدان أوروبا، فأحدثت زياراته إلى تلك البلاد انقلاباً في نفسه، وفتحت أمامه آفاقاً شعرية جديدة، فلما زار مدينة فينيسيا (البندقية) في صيف 1938، وحضر الاحتفال السنوي نظم قصيدته «أغنية الجندول» التي غنّاها مطرب الملوك محمد عبد الوهاب، فجلبت له شهرة واسعة.
أُصيب في نهاية صيف 1949 بشلل نصفّي مفاجىء، فدخل إلى المستشفى في القاهرة، ولما أخبره الطبيب أنه يستطيع العودة إلى بيته ارتدى ملابسه، وحاول الخروج، ولكنّ منيته عاجلته قبل أن يتخطّى باب المستشفى، ودفن بالمنصورة.
حياته الأدبية
أثر جمال الطبيعة علي أشعاره
أتيح له بعد صدور ديوانه الأول "الملاح التائه" عام 1934 فرصة قضاء الصيف في السياحة في أوروبا يستمتع بمباهج الرحلة في البحر ويصقل ذوقه الفني بما تقع عليه عيناه من مناظر جميلة. وقد احتل علي محمود طه مكانة مرموقة بين شعراء الأربعينيات في مصر منذ صدر ديوانه الأول "الملاح التائه"، وفي هذا الديوان نلمح أثر الشعراء الرومانسيين الفرنسيين واضحاً لا سيما شاعرهم لامارتين. وإلى جانب تلك القصائد التي تعبر عن فلسفة رومانسية غالبة كانت قصائده التي استوحاها من مشاهد صباه حول المنصورة وبحيرة المنزلة من أمتع قصائد الديوان وأبرزها.
مدرسة أبولو
وعلي محمود طه من أعلام مدرسة أبولو التي أرست أسس الرومانسية في الشعر العربي كما ذكر . يقول عنه أحمد حسن الزيات: «كان شابًّا منضور الطلعة، مسجور العاطفة، مسحور المخيلة، لا يبصر غير الجمال، ولا ينشد غير الحب، ولا يحسب الوجود إلا قصيدة من الغزل السماوي ينشدها الدهر ويرقص عليها الفلك».
كان التغني بالجمال أوضح في شعره من تصوير العواطف، وكان الذوق فيه أغلب من الثقافة . وكان انسجام الأنغام الموسيقية أظهر من اهتمامه بالتعبير . قال صلاح عبد الصبور في كتابه " على مشارف الخمسين ": قلت لأنور المعداوي : أريد أن أجلس إلى علي محمود طه. فقال لي أنور : إنه لا يأتي إلى هذا المقهى ولكنه يجلس في محل " گروپي " بميدان سليمان باشا. وذهبت إلى جروبي عدة مرات، واختلست النظر حتى رأيته .. هيئته ليست هيئة شاعر ولكنها هيئة عين من الأعيان . وخفت رهبة المكان فخرجت دون أن ألقاه، ولم يسعف الزمان فقد مات علي محمود طه في 17 نوفمبرسنة 1949 إثر مرض قصير لم يمهله كثيراً وهو في قمة عطائه وقمة شبابه ، ودفن بمسقط رأسه بمدينة المنصورة . ورغم افتتانه الشديد بالمرأَة وسعيه وراءها إلا أنه لم يتزوج .
ويرى د. سمير سرحان ود. محمد عناني أن «المفتاح لشعر هذا الشاعر [علي طه] هو فكرة الفردية الرومانسية والحرية التي لا تتأتى بطبيعة الحال إلا بتوافر الموارد المادية التي تحرر الفرد من الحاجة ولا تشعره بضغوطها.. بحيث لم يستطع أن يرى سوى الجمال وأن يخصص قراءاته في الآداب الأوروبية للمشكلات الشعرية التي شغلت الرومانسية عن الإنسان والوجود والفن، وما يرتبط بذلك كله من إعمال للخيال الذي هو سلاح الرومانسية الماضي.. كان علي محمود طه أول من ثاروا على وحدة القافية ووحدة البحر، مؤكداً على الوحدة النفسية للقصيدة، فقد كان يسعى - كما يقول الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه ثورة الأدب - أن تكون القصيدة بمثابة "فكرة أو صورة أو عاطفة يفيض بها القلب في صيغة متسقة من اللفظ تخاطب النفس وتصل إلى أعماقها من غير حاجة إلى كلفة ومشقة.. كان على محمود طه في شعره ينشد للإنسان ويسعى للسلم والحرية؛ رافعاً من قيمة الجمال كقيمة إنسانية عليا..».
لحن وغنى له الموسيقار محمد عبد الوهاب عددا من قصائده مثل الجندول وكليوباتره.
تأثر طه بشعراء الرمزية أمثال بودلير، ألفرد دي ڤيني Alfred de Vigny، شـِلي، وكاثرين مانسفيلد.
انتاجه الأدبي
أصدر علي محمود طه خلال عمره القصير نسبياً ستّ مجموعات شعرية وكتاباً من النثر الخفيف ومسرحية غنائية، وهي على التوالي:
«الملاّح التائه»، صدرت (1934)، ومن أهم قصائد هذه المجموعة قصيدة «ميلاد شاعر» التي افتتح بها المجموعة، وقصيدة «الملاّح التائه»، وقصيدة «البحيرة» للشاعر الفرنسي الرومانسي لامارتين، وقد اختتم بها هذه المجموعة. ومجموعته الثانية هي «ليالي الملاح التائه»، صدرت سنة 1940، ومن أهم قصائدها أغنية «الجندول» التي افتتح بها المجموعة، وقصيدة «مصرع الربان» وقصيدة «التمثال» التي استلهم فيها أسطورة بيغماليون. وثالثها «أرواح وأشباح»، صدرت في سنة 1942، وهي عمل يعتمد على بعض الأعلام الأسطورية، وهو يقيم فيما بينها حوارات مختلفة، ليبدو العمل في موضوع واحد، وإن كان متعدد العنوانات الجزئية، والمجموعة الرابعة هي «زهر وخمر»، صدرت في سنة 1943، وتتصدّرها قصيدة «ليالي كيلوباتره» التي غناها محمد عبد الوهاب. والخامسة «الشوق العائد»، صدرت في سنة 1945، والسادسة «شرق وغرب»، صدرت في سنة 1947، والقصائد فيها ذات شقّين، الأول ما يتصل بالغرب بما فيه من فنون وإبداعات، وصلات الشاعر بالغرب ورحلاته إليه، أما الشقّ الثاني فهو بعنوان «أصوات من الشرق» وهو في قضية فلسطين وبعض القضايا الأخرى.
أما كتابه النثري «أرواح شاردة»، فقد صدر في سنة 1941، وهو من النثر الخفيف الإيقاعي.
والمسرحية التي كتبها «أغنية الرياح الأربع»، صدرت في سنة 1944، وهي مسرحية غنائية.
ويمكن القول: إن علي محمود طه ليس شاعراً رومانسيّاً خالصاً، كما هي الحالة عند أبي القاسم الشابي، ففي شعره تصوير حسّيّ للذائذ الحياة وحاناتها وما فيها من رقص وخمر وغناء، وألفاظه ذات رنين صاخب، وإيقاعاته كلاسيكية وإن حاول أن ينوّع في هندستها، وبعض موضوعاته كلاسيكي، في حين أن موضوعاته الأخرى رومانسية، ولذلك تقلّب علي محمود طه بين الشعر الكلاسيكي، والشعر الرومانسي.
تتجلّى النزعة الكلاسيكية في أعمال هذا الشاعر في موضوعات محدّدة، ففي ديوانه الضخم قصائد رثاء لحافظ إبراهيم وأحمد شوقي وعدلي يكن ومحمد عبد المعطي الهمشري وصاحب جريدة الأهرام جبرائيل تقلا وشكيب أرسلان، وفيه قصائد مناسبات أخرى في الملك فاروق وأسرته وفي ذكرى وفاة محمد عليّ الكبير، وله قصائد قومية في عبد الكريم الخطابي وشهيد ميسلون يوسف العظمة بعد أن حقّقت سورية الجلاء في عام 1946، ومن جميل ما قاله في ذلك بيتان يخاطب فيهما يوسف العظمة:
قُمْ لحظةً وانظرْ دمشقَ وقُلْ لها | عادَ الكميُّ مع النفيرِ الصادِحِ |
ودعاكِ يا بنتَ العروبةِ فانهضي | واستقبلي الفجرَ الجديدَ وصافحي |
أما شعره الرومانسي التجديدي فهو الذي ينتمي بحقّ إلى جماعة أبولو، وينبغي أن يُذكر هنا أنّ الشاعر قد تأثّر بالشعراء الرومانسيين الفرنسيين، وخاصة الشاعر ألفونسي لامارتين، وقد ترجم له قصيدة «البحيرة» le lac الشهيرة، وهي قصيدة رومانسية، وكانت الترجمة الشعرية رومانسية هي الأخرى، وهي على النظام المقطعي الذي اشتهرت به جماعة أبولو، وليس ذلك فحسب، وإنّما يتجلّى للقارئ أنّ تصوير العاطفة في هذه القصيدة كان أكثر وضوحاً منها في قصائد أخرى لهذا الشاعر.
وينبغي أنْ يُذكر في هذا المجال قصيدة «التمثال»، وهي استلهام لأسطورة بيغماليون، ولكنّ الشاعر استطاع أن ينقلها من مجالها الكلاسيكي الأسطوريّ إلى شاعريته الرومانسية، فإذا كان الأمل الإنساني متحقّقاً في مضمون الأسطورة فإنّه في قصيدة «التمثال» محطّم لغلبة الزمن وسطوته، ولذلك تعلّق الشاعر بالعذاب المبدع كما جاء في خاتمة القصيدة:
صاحَ بالشَّمْسِ: لا يَرُعْكِ عذابي | فاسْكبي النَّارَ في دمي وأريقي |
نارُكِ المشتهاةُ أندى على القَلْ | بِ وأحنى منَ الفؤادِ الشَّفِيقِ |
فخذي الجسمَ حفنةً من رمادٍ | وخذي الروحَ شعلةً من حريقِ |
جُنَّ قلبي فما يُرى دَمُهُ القا | ني على خنجرِ القضاءِ الَّرقِيقِ! |
وتتجلّى الرومانسية في عنوانات كثير من قصائده، ومنها (قيثارتي، قلبي، الله والشاعر، عاصفة في جمجمة، الشاطئ المهجور، عاشق الزهر، قبر شاعر، القمر العاشق)، ومن أهمّ موضوعاته الرومانسية الغناء للمرأة والطبيعة ومصر والوطن العربي ومشاهد الطبيعة الخلاّبة في مصر وأوربا، كما تتجلّى في أنظمة إيقاعاته التي شارك بها جماعة أبولو وجماعة المهجر في النظام المقطعي، كما هي الحالة في قصائده: «الشاعر الكئيب، قبلة، قلبي، الله والشعر، عاصفة في جمجمة، حانة الشعراء…إلخ)، ومن ذلك أيضاً الرباعيات التي اشتهر بنظمها، كقصيدته «كأس الخيام» و«زهراتي»، ومن الأخيرة الرباعية الأخيرة منها:
ناشدْتُكِ الحبَّ فإن تؤثري | جدَّدْتِ أسمارَكِ في مخدعي |
فانْسَيْ مواعيدَ الهوى واذكري | أيَّ فتىً في الحبِّ لم يُخْدَعِ |
شعر علي محمود طه غنائي، وفيه محاولات ملحمية ومسرحية، ولكنّ النقاد اختلفوا حول قيمته الفنية، فقد ذهب شوقي ضيف إلى أنّ شعره غنيّ من حيث اللفظ فقير من حيث المعنى، وهو خالٍ من النزعة الفلسفية والتأمل، وضحل من حيث الوجدان، وذهب طه حسين إلى ضعف لغة هذا الشاعر، وجرّده زميله أحمد زكي أبو شادي من أيّ طاقة شعرية أصيلة، في حين ذهب احمد حسن الزيات إلى أنّ شعره أصيل، وهو من الشعراء الذين وهبوا ريشة سحرية الألوان وقيثارة ذهبية الرنين، ولا بدّ من القول أخيراً: إنّ لشعر علي محمود طه فاعلية في ولادة القصيدة الحداثية، وتأثيره في شعر السياب وشخصيته معروف عند الدارسين.
قائمة أعماله
- الملاح التائه، عام 1934
- ميلاد الشاعر
- الوحي الخالد
- ليالي الملاح التائه (1940)
- أرواح وأشباح (1942)
- شرق وغرب (1942)
- زهر وخمر (1943)
- أغنية الرياح الأربع (1943)
- الشوق العائد (1945)
- طبع ديوانه كاملاًََ في بيروت
رثائيات
- سيد درويش
- الملك فيصل الأول
- حافظ إبراهيم
- أحمد شوقي
- عدلي يكن
- أمين المعلوف - بقصيدة "قبر شاعر"
كتب صدرت عنه
- كتاب أنور المعداوي " علي محمود طه: الشاعر والإنسان "
- كتاب للسيد تقي الدين " علي محمود طه، حياته وشعره "
- كتاب محمد رضوان " الملاح التائه علي محمود طه "
المصادر
- ^ خليل الموسى. "طه (علي محمود ـ)". الموسوعة العربية. Retrieved 2012-01-16.
المراجع
- عبداللطيف الوراري "القدس العربي"نونب 2005
- علي محمود طه، الديوان (دار العودة، بيروت 1972).
- تقيّ الدين السيد، علي محمود طه: حياته وشعره (نهضة مصر، القاهرة 1994).
- أنور المعداوي،علي محمود طه الشاعر والإنسان (بغداد 1965).
- سهيل أيوب،علي محمود طه، شاعر ودراسة (دار اليقظة العربية، دمشق 1962).