وقد أورد الإمام تاج الدين السبكي في كتابه (طبقات الشافعية الكبرى) فصلا عنونه بقوله: (ذكر بيان أن طريق الشيخ أبي الحسن الأشعري هي التي عليها المعتبرون من علماء الإسلام والمتميزون من المذاهب الأربعة في معرفة الحلال والحرام، والقائمون بنصرة دين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام) هذا هو عنوان الفصل ثم قال: قد قدمنا في تضاعيف الكلام ما يدل على ذلك، وحكينا لك مقالة الشيخ ابن عبد السلام ومن سبقه إلى مثلها وتلاه على قولها حيث ذكروا: أن الشافعيةوالمالكيةوالحنفية وفضلاء الحنابلة أشعريون. هذه عبارة ابن عبد السلام شيخ الشافعية وابن الحاجب شيخ المالكية، والحصيري شيح الحنفية، ثم قال التاج السبكي: ومن كلام ابن عساكر حافظ هذه الأمة الثقة الثبت: هل من الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية إلا موافق للأشعري ومنتسب إليه وراض بحميد سعيه في دين الله، ومثنٍ بكثرة العلم عليه، غير شرذمة قليلة تضمر التشبيه وتعادي كل موحد يعتقد التنزيه، أو تضاهي قول المعتزلة في ذمه. ثم قال التاج السبكي: ونحن نحكي لك هنا مقالات أخر لجماعة من معتبري القول من الفقهاء. ثم أورد التاج السبكي مجموعة من فتاوى علماء المذاهب الأربعة في تأييد المذهب الأشعري، ثم قال السبكي: سمعت الشيخ الإمام رحمه الله (يعني والده شيخ الإسلامتقي الدين السبكي) يقول: ما تضمنه عقيدة الطحاوي هو ما يعتقده الأشعري لا يخالفه إلا في ثلاث مسائل. ثم قال: «'قلت: أنا اعلم أن المالكية كلهم أشاعرة لا أستثني أحدا، والشافعية غالبهم أشاعرة لا أستثني إلا من لحق منهم بتجسيم أو اعتزال ممن لا يعبأ الله به، والحنفية أكثرهم أشاعرة، أعني يعتقدون عقد الأشعري، لا يخرج منهم إلا من لحق منهم بالمعتزلة، والحنابلة أكثر فضلاء متقدميهم أشاعرة، لم يخرج منهم عن عقيدة الأشعري إلا من لحق بأهل التجسيم، وهم في هذه الفرقة من الحنابلة أكثر من غيرهم...'» وقد ذكر الإمام الحافظ ابن عساكر في كتابه (تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري) جملة من علماء المذاهب ممن اشتهر بالمناضلة عن الإمام أبي الحسن، وقد أورد أسماءهم تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى، ثم قال التاج السبكي: فهذه جملة من ذكرهم الحافظ في التبيين، وقال (الحافظ) لولا خوفي من الإملال والإسهاب لتتبعت ذكر جميع الأصحاب، وكما لا يمكنني إحصاء نجوم السماء كذلك لا أتمكن من استقصاء جميع العلماء مع انتشارهم في الأقطار والآفاق من المغربوالشاموخراسانوالعراق، ثم قال التاج السبكي: ولقد أهمل على سعة حفظه من الأعيان كثيرا وترك ذكر أقوام كان ينبغي حيث ذكر هؤلاء أن يشمر عن ساعد الاجتهاد في ذكرهم تشميرا... ثم أضاف التاج السبكي جملة من أعيان علماء الأمة ممن فات ابن عساكر ذكره، وممن تأخر عنه.[8][9]
شهدت الفترة من النصف الثاني للقرن الثالث الهجري والنصف الأول من القرن الرابع الهجري، أحداثاً فكرية هامة في الدولة الإسلامية، وازدهاراً للعلوم الإسلامية، واتسمت بحرية الفكر، وأصبح كل ذي رأي يعلن عن رأيه. ولقد شهدت هذه الفترة انتصاراً لتيار أهل السنة الذي بدأ على يد المتوكل (234 هـ - 247 هـ) الذي أحيا تعاليم أهل السنة، وتكلم بها في مجالسه، وكتب إلى الآفاق برفع المحنة، وهي محنة خلق القرآن التي أثارها المعتزلة، وجعلوها عقيدة رسمية للدولة بالقوة. وقام في هذه الفترة فريق يدافع عن آراء أهل السنة بسلاح العقل بجانب النقل، فظهر أبو الحسن الأشعري (324 هـ) في قلب عاصمة الخلافة الإسلامية يعلن رجوعه عن آراء المعتزلة ومناصرته لمذهب أهل السنة والجماعة، وفي أقصى الشرق قام أبو منصور الماتريدي (333 هـ) في بلاد ما وراء النهر (أسيا الوسطى حالياً) يدافع عن آراء أهل السنة ويعارض المعتزلة، وفي مصر أعلن أبو جعفر الطحاوي (321 هـ) بيان عقيدة أهل السنة والجماعة انتصاراً لآراء أهل السنة. ففي هذه الفترة قام علم الكلام السني أي نصرة عقائد أهل السنة بالأدلة العقلية بجانب الأدلة النقلية، وذلك في نسق مذهبي متكامل، ولقد سبقت تلك الفترة إرهاصات لذلك، نجدها عند بعض الفقهاء مثل الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان (150 هـ) وعبد الله بن كلاب (240 هـ) وأتباعه كأبو العباس القلانسيوالحارث المحاسبي، لكن هذه المحاولات كانت بمثابة مقدمات لإقامة علم الكلام، ولم ترق إلى مستوى تكوين نسق مذهبي متكامل، وهي في غالبها ردود على ما قد أثير من آراء معارضة لآراء أهل السنة وخاصة من المعتزلة الأوائل، لكنهم بلا شك أسلاف للأشاعرةوالماتريدية.[10] قال الإمام الشهرستاني في (الملل والنحل): "...حتى انتهى الزمان إلى عبد الله بن سعيد الكلابي، وأبي العباس القلانسي، والحارث بن أسد المحاسبي، وهؤلاء كانوا من جملة السلف إلا أنهم باشروا علم الكلام، وأيدوا عقائد السلف بحجج كلامية، وبراهين أصولية، وصنف بعضهم ودرس بعض حتى جرى بين أبي الحسن الأشعري وبين أستاذه مناظرة في مسائل من مسائل الصلاح والأصلح فتخاصما، وانحاز الأشعري إلى هذه الطائفة، فأيد مقالتهم بمناهج كلامية، وصار ذلك مذهبا لأهل السنة والجماعة، وانتقلت سمة الصفاتية إلى الأشعرية".[11][12] وقال ابن خلدون في (المقدمة): "إلى أن ظهر الشيخ أبو الحسن الأشعري... وكان على رأي عبدالله بن سعيد بن كلاّب وأبي العباس القلانسي والحارث المحاسبي من أتباع السلف وعلى طريقة السنة".[13]
صاحب كتاب لوامع الأنوار البهية، وكتاب الدرة المضية المعروف بالعقيدة السفارينية، التي قال فيها: "وليس ربنا بجوهر ولا عرض ولا جسم تعالى ذو العلا، سبحانه قد استوى كما ورد من غير كيف قد تعالى أن يحد".
له كتاب أصول الدين، حققه الدكتور هانز بيتر لينس وهو يضم مختلف النظريات والآراء الكلامية ويعبر عن المذهب الماتريدي، ويتعرض لكل الآراء المتشعبة للتعاليم الدينية منذ بدء الخلاف في هذه الآراء في الإسلام حتى العصر الذي عاش فيه، ولقد اعتمد البزدوي على آراء الماتريدي الكلامية، وذكرها في كثير من المسائل وكان يعدها دائماً الرأي الصحيح المعبر عن آراء أهل السنة والجماعة.
من أكبر شخصيات المدرسة الماتريدية من بعد مؤسسها، وهو إمام جامع للأصول والفروع، وعالم بارع في علم الكلام، وله كتاب التمهيد لقواعد التوحيد، وتبصرة الأدلة، وبحر الكلام. ومن أهم ألقابه: رئيس أهل السنة والجماعة، سيف الحق والدين، وقامع الملحدين. قال عنه نجم الدين عمر النسفي: "كان عالم الشرق والغرب يغترف من بحاره ويستضاء بأنواره".
وقال الحافظ ابن عساكر (ت 571 هـ) في كتابه (تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري): "وهم - يعني الأشاعرة - المتمسكون بالكتاب والسنة، التاركون للأسباب الجالبة للفتنة، الصابرون على دينهم عند الابتلاء والمحنة، الظاهرون على عدوهم مع اطراح الانتصار والإحنة، لا يتركون التمسك بالقرآن والحجج الأثرية، ولا يسلكون في المعقولات مسالك المعطلةالقدرية، لكنهم يجمعون في مسائل الأصول بين الأدلة السمعية وبراهيـن العقول، ويتجنبون إفراط المعتزلة ويتنكبون طرق المعطلة، ويَطَّرِحون تفريط المجسمةالمشبهة، ويفضحون بالبراهين عقائد الفرق المموهة، وينكرون مذاهب الجهمية وينفرون عن الكرامية والسالمية، ويبطلون مقالات القدرية ويرذلون شُبَهَ الجبرية... فمذهبهم أوسط المذاهب، ومشربهم أعذب المشارب، ومنصبهم أكرم المناصب، ورتبتهم أعظم المراتب فلا يؤثر فيهم قدح قادح، ولا يظهر فيهم جرح جارح".[19]
وقال أيضاً: "فيا ليت شعري ماذا الذي تنفر منه القلوب عنهم - يعني الأشاعرة - أم ماذا ينقم أرباب البدع منهم؟! أغزارة العلم، أم رجاحة الفهم، أم اعتقاد التوحيد والتنزيه، أم اجتناب القول بالتجسيم والتشبيه، أم القول بإثبات الصفات، أم تقديس الرب عن الأعضاء والأدوات؟!". ويقول أيضاً: "وأكثر العلماء في جميع الأقطار عليه - يعني مذهب الأشاعرة - وأئمة الأمصار في سائر الأعصار يدعون إليه، ومنتحلوه هم الذين عليهم مدار الأحكام، وإليهم يرجع في معرفة الحلال والحرام، وهم الذين يُفتون الناس في صعاب المسائل، ويعتمد عليهم الخلق في إيضاح المشكلات والنوازل، وهل من الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية إلا موافق له أو منتسب إليه أو راضٍ بحميد سعيه في دين الله أو مُثنٍ بكثرة العلم عليه".[20]
وقال الإمام الملا علي القاري (ت 1014 هـ) في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح في شرحه لحديث الرسول: (اتبعوا السواد الأعظم، فإنه من شذ شذ في النار) رواه ابن ماجه: "يعبر به عن الجماعة الكثيرة، والمراد ما عليه أكثر المسلمين قيل: وهذا في أصول الاعتقاد كأركان الإسلام، وأما الفروع كبطلان الوضوء بالمس مثلا فلا حاجة فيه إلى الإجماع، بل يجوز اتباع كل واحد من المجتهدينكالأئمة الأربعة، وما وقع من الخلاف بين الماتريديةوالأشعرية في مسائل فهي ترجع إلى الفروع في الحقيقة فإنها ظنيات، فلم تكن من الاعتقاديات المبنية على اليقينيات، بل قال بعض المحققين: إن الخلاف بينهما في الكل لفظي".[21]
وقال أيضاً في موضع آخر: "...ومنه قوله تعالى: {أرأيت من اتخذ إلهه هواه} فالمراد بالأهواء مطلقا الاعتقادات، وبالمنكرات الأهوية الفاسدة التي غير مأخوذة من الكتاب والسنة، وقال ابن حجر، والأهواء المنكرة هي الاعتقادات الفاسدة المخالفة لما عليه إمام أهل السنة والجماعة أبو الحسن الأشعريوأبو منصور الماتريدي".[22]
وقال الإمام أحمد بن عجيبة (ت 1224 هـ) في تفسيره (البحر المديد): "أما أهل السنة فهم الأشاعرة ومن تبعهم في اعتقادهم الصحيح، كما هو مقرر في كتب أهل السنة".[25]
وقال الشيخ عبد الله بن خلف الدحيان (ت 1349 هـ) تعليقا على تقسيم السفاريني لأهل السنة إلى ثلاث فرق: "فإذا قلت: لفظ الحديث يقتضي عدم التعْدِيَة (أي أن لفظ الحديث يقتضي قصر النجاة على فرقة واحدة وعدم تعديته إلى ثلاث فرق) حيث قال فيه : "ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة كلهم في النار إلا فرقة واحدة وهي ما كان على ما أنا عليه وأصحابي" فالجواب: أن الثلاث فرق هي فرقة واحدة لأنهم كلهم أهل الحديث، فإن الأشاعرة والماتريدية لم يردوا الأحاديث ولا أهملوها، فإمّا فوضوها وإمّا أوّلوها، وكل منهم أهـل حديث، وحينئذ فالثلاث فرقة واحدة، لاقتفائهم الأخبار وانتحالهم الآثار، بخلاف باقي الفرق فإنهم حكّموا العقول وخالفوا المنقول فهم أهل بدعة وضلالة ومخالفة وجهالة والله تعالى أعلم". وقال الشيخ العلامة الحنبلي محمد بن علي بن سلوم في شرحه على العقيدة السفارينية مثل ذلك.[30]
وقال الإمام تقي الدين السبكي (ت 756 هـ) في كتابه (السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل) ما ملخصه: "...والمتكلمون طلبوه - أي العلم الإلهي - بالعقل والنقل معاً وافترقوا ثلاث فرق: إحداها: غلب عليها جانب العقل وهم المعتزلة. والثانية: غلب عليها جانب النقل وهم الحشوية. والثالثة: ما غلب عليها أحدهما؛ بل بقى الأمران مرعيين عندهم على حد سواء وهم الأشعرية... والفرقة الأشعرية هم المتوسطون في ذلك وهم الغالبون من الشافعيةوالمالكيةوالحنفية وفضلاء الحنابلة وسائر الناس. وأما المعتزلة فكانت لهم دولة في أوائل المائة الثالثة ساعدهم بعض الخلفاء ثم انخذلوا وكفى الله شرهم. وهاتان الطائفان الأشعرية والمعتزلة هما المتقاومتان وهما فحول المتكلمين من أهل الإسلام، والأشعرية أعدلهما لأنها بنت أصولها على الكتاب والسنة والعقل الصحيح... وأما الحشوية (وهم طوائف كالكراميةولابن الجوزي كتاب: "منهاج الوصول إلى علم الأصول"، وكتاب: "دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه" في الرد عليهم) فهي طائفة رذيلة جهال ينتسبون إلى أحمد وأحمد مبرأ منهم. وسبب نسبتهم إليه أنه قام في دفع المعتزلة وثبت في المحنةرضي الله عنه، نقلت عنه كليمات ما فهمها هؤلاء الجهال فاعتقدوا هذا الاعتقاد وصار المتأخر منهم يتبع المتقدم، إلا من عصمه الله وما زالوا من حين نبغوا مستذلين ليس لهم رأس ولا من يناظر وإنما كانت لهم في كل وقت ثورات ويتعلقون ببعض أتباع الدول ويكفي الله شرهم، وما تعقلوا بأحد إلا كانت عاقبته إلى سوء...".[31]
وقال الإمام تاج الدين السبكي (ت 771 هـ) في شرح عقيدة ابن الحاجب: "اعلم أن أهل السنة والجماعة كلهم قد اتفقوا على معتقد واحد فيما يجب ويجوز ويستحيل، وإن اختلفوا في الطرق والمبادي الموصلة لذلك، أو في لِمِّية ما هنالك. وبالجملة فهم بالاستقراء ثلاث طوائف؛ الأول:أهل الحديث، ومعتمد مباديهم: الأدلة السمعية؛ أعني: الكتاب، والسنة، والإجماع. الثانية: أهل النظر العقلي والصناعة الفكرية؛ وهم: الأشعرية، والحنفية. وشيخ الأشعرية: أبو الحسن الأشعري، وشيخ الحنفية: أبو منصور الماتريدي، وهم متفقون في المبادي العقلية في كل مطلب يتوقف السمع عليه، وفي المبادي السمعية فيما يدرك العقل جوازه فقط، والعقلية والسمعية في غيرها، واتفقوا في جميع المطالب الاعتقادية إلا في مسألة التكوين ومسألة التقليد. الثالثة: أهل الوجدان والكشف؛ وهم الصوفية، ومباديهم مبادي أهل النظر والحديث في البداية، والكشف والإلهام في النهاية".[32]
وقال في كتابه (معيد النعم ومبيد النقم): "وهؤلاء الحنفيةوالشافعيةوالمالكية وفضلاء الحنابلة ولله الحمد في العقائد يد واحدة كلهم على رأي أهل السنة والجماعة، يدينون الله تعالى بطريق شيخ السنة أبي الحسن الأشعري رحمة الله تعالى، لا يحيد عنها إلا رعاع من الحنفية والشافعية لحقوا بأهل التجسيم، وبرأ الله المالكية فلم نر مالكيا إلا أشعريا عقيدة، وبالجملة عقيدة الأشعري هي ما تضمنته عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها علماء المذاهب بالقبول ورضوها عقيدة، وقد ختمنا كتابنا جمع الجوامع بعقيدة ذكرنا أن سلف الأمة عليها، وهي وعقيدة الطحاوي وعقيدة أبي القاسم القشيريوالعقيدة المسماة بالمرشدة مشتركات في أصول أهل السنة والجماعة"..[33] ثم قال في آخر كلامه: يخاطب أهل المذاهب الأربعة. "وأما تعصبكم في فروع الدين وحملكم الناس على مذهب واحد فهو الذي لا يقبله الله منكم ولا يحملكم عليه إلا محض التعصب والتحاسد ولو أن الشافعي وأبا حنيفة ومالكا وأحمد أحياء يرزقون لشددوا النكير عليكم وتبرءوا منكم فيما تفعلون".[34]
وقال في كتابه طبقات الشافعية الكبرى: "اعلم أن أبا الحسن لم يبدع رأيا، ولم ينشئ مذهبا، وإنما هو مقرر لمذاهب السلف، مناضل عما كانت عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالانتساب إليه إنما هو باعتبار أنه عقد على طريق السلف نطاقا، وتمسك به، وأقام الحجج والبراهين عليه، فصار المقتدى به في ذلك، السالك سبيله في الدلائل يسمى أشعريا، ولقد قلت مرة للشيخ الإمام رحمه الله: أنا أعجب من الحافظ ابن عساكر في عدة طوائف من أتباع الشيخ، ولم يذكر إلا نزرا يسيرا وعددا قليلا، ولو وفى الاستيعاب حقه لاستوعب غالب علماء المذاهب الأربعة، فإنهم برأي أبي الحسن يدينون الله تعالى، فقال: إنما ذكر من اشتهر بالمناضلة عن أبي الحسن، وإلا فالأمر على ما ذكرت من أن غالب علماء المذاهب معه. وقد ذكر الشيخ شيخ الإسلامعز الدين بن عبد السلام أن عقيدته اجتمع عليها: الشافعية، والمالكية، والحنفية، وفضلاء الحنابلة، ووافقه على ذلك من أهل عصره شيخ المالكية في زمانه أبو عمرو بن الحاجب، وشيخ الحنفية جمال الدين الحصيري. قلت: وسنعقد لهذا الفصل فصلا يخصه فيما بعد. قال الشيخ الإمام - يعني والده تقي الدين السبكي -، فيما يحكيه لنا: ولقد وقفت لبعض المعتزلة على كتاب سماه (طبقات المعتزلة)، وافتتح بذكر: عبد الله بن مسعودرضي الله عنه، ظنا منه أنه برأه الله منهم، على عقيدتهم، قال: وهذا نهاية في التعصب، فإنما ينسب إلى المرء من مشى على منواله. قلت أنا للشيخ الإمام: ولو تم هذا لهم لكان للأشاعرة أن يعدوا أبا بكروعمر رضي الله عنهما في جملتهم؛ لأنهم عن عقيدتهما وعقيدة غيرهما من الصحابة فيما يدعون يناضلون، وإياها ينصرون، وعلى حماها يحومون، فتبسم، وقال: أتباع المرء من دان بمذهبه، وقال بقوله على سبيل المتابعة والاقتفاء الذي هو أخص من الموافقة، فبين المتابعة والموافقة بون عظيم. قلت: وقد بينا البون في (شرح المختصر) في مسألة الناسي. ونقل الحافظ كلام الشيخ أبي عبد الله محمد بن موسى بن عمار الكلاعي المايرقي، وهو من أئمة المالكية في هذا الفصل، فاستوعبه منه أهل السنة من المالكية، والشافعية، وأكثر الحنفية، بلسان أبي الحسن الأشعري يتكلمون، وبحجته يحتجون...".[35][36][37]
وقال الإمام جلال الدين الدواني (ت 918 هـ) في شرحه على العقائد العضدية: "الفرقة الناجية، وهم الأشاعرة أي التابعون في الأصول للشيخ أبي الحسـن... فإن قلت: كيف حكم بأن هم الأشاعرة؟ وكل فرقة تزعم أنها ناجية؟ قلت سياق الحديث مشعر بأنهم – يعني – المعتقدون بما روي عن النبي ـ ـ وأصحابه، وذلك إنما ينطبق على الأشاعرة، فإنهم متمسكون في عقائدهم بالأحاديث الصحيحة المنقولة عنه ـ ـ وعن أصحابه، ولا يتجاوزون عن ظواهرها إلا لضرورة، ولا يسترسلون مع عقولهم كالمعتزلة".[40]
وقال أيضاً في (رسالة المعاونة والمظاهرة والمؤازرة): "وعليك بتحسين معتقدك وإصلاحه وتقويمه على منهاج الفرقة الناجية، وهي المعروفة من بين سائر الفرق الإسلامية بأهل السنة والجماعة، وهم المتمسكون بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأنت إذا نظرت بفهم مستقيم عن قلب سليم في نصوص الكتاب والسنة المتضمنة لعلوم الإيمان، وطالعت سير السلف الصالح من الصحابةوالتابعين علمتَ وتحققتَ أن الحق مع الموسومة بالأشعرية، نسبة إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري رحمه الله، فقد رتب قواعد عقيدة أهل الحق وحرَّرَ أدلتها، وهي العقيدة التي أجمع عليها الصحابة ومن بعدهم من خيار التابعين، وهي عقيدة أهل الحق من أهل كل زمان ومكان، وهي عقيدة جملة أهل التصوف كما حكى ذلك أبو القاسم القشيري في أول رسالته، وهي بحمد الله عقيدتنا.. وعقيدة أسلافنا من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا.. والماتريدية كالأشعرية في جميع ما تقدم".[42]
وقال الإمام كمال الدين البياضي (ت 1098 هـ) في كتابه (إشارات المرام من عبارات الإمام): "إن الفرقة الناجية هم الجماعة الكثيرة المتمسكون بمحكمات الكتاب والسنة في العقائد، فإنه المنطبق لما عليه الرسول ولما عليه الصحابة لا يتجاوزون عن ظاهرها إلا لضرورة مخالفة قطعي من الدليل النقلي والعقلي، فإن حجج الله تتعاضد ولا تتضاد". ومن نظر بعين المعقول وتجرد للوصول إلى الحق علم يقيناً أنه ليس أحد من الطوائف ينطبق عليه هذا الوصف إلا أهل السنة والجماعة من الأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث والصوفية، فهم الذي طبقوا الأرض شهرة وانتشاراً.[43]
وقال الإمام أبو عمرو الداني (ت 444 هـ) في (الرسالة الوافية في معتقد أهل السنة والجماعة): "اعلموا أيدكم الله بتوفيقه وأمدكم بعونه وتسديده، أن قول أهل السنة والجماعة من المسلمين المتقدمين والمتأخرين من أصحاب الحديثوالفقهاءوالمتكلمين..". ثم شرع ببيان اعتقاد أهل السنة، وقوله (الفقهاء والمتكلمين) يعني بهم الأشاعرة والماتريدية، ورسالته زاخرة بأدلة التقديس والتنزيه، وتأثره بشيخه وأستاذه شيخ أهل السنة القاضي أبي بكر الباقلاني وبطريقة الإمام الأشعري واضح، بل إن بعض الألفاظ والعبارات هي هي التي استخدمها الإمام الأشعري في بعض كتبه.[44]
وقال الإمام أحمد الدردير (ت 1201 هـ) في شرحه على منظومته في العقائد المسماة بـ "خريدة التوحيد": "واتبع سبيل الناسكين العلماء" ثم شرح عبارته فقال: "جمع عالم وهو العارف بالأحكام الشرعية التي عليها مدار صحة الدين اعتقادية كانت أو عملية والمراد بهم السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان وسبيلهم منحصر في اعتقاد وعلم وعمل على طبق العلم (أي: وعمل مطابق للعلم)، وافترق من جاء بعدهم من أئمة الأمة الذين يجب اتباعهم على ثلاث فرق، فرقة نصبت نفسها لبيان الأحكام الشرعية العملية وهم الأئمة الأربعة وغيرهم من المجتهدين، ولكن لم يستقر من المذاهب المرضية سوى مذاهب الأئمة الأربعة، وفرقة نصبت نفسها للاشتغال ببيان العقائد التي كان عليها السلف وهم الأشعريوالماتريدي ومن تبعهما، وفرقة نصبت نفسها للاشتغال بالعمل والمجاهدات على طبق ما ذهب إليه الفرقتان المتقدمتان وهم الإمام أبو القاسم الجنيد ومن تبعه، فهؤلاء الفرق الثلاثة هم خواص الأمة المحمدية ومن عداهم من جميع الفرق على ضلال وإن كان البعض منهم يحكم له بالإسلام فالناجي من كان في عقيدته على طبق ما بينه أهل السنة".[45]
وقال الإمام طاش كبري زاده (ت 968 هـ) في (مفتاح السعادة ومصباح السيادة): "ثم اعلم أن رئيس أهل السنة والجماعة في علم الكلام - يعني العقائد - رجلان، أحدهما حنفي والآخر شافعي (ملحوظة: ينازع المالكية في الإمام أبي الحسن ويذكرونه ضمن طبقاتهم، والراجح أنه شافعي)، أما الحنفي فهو أبو منصور محمد بن محمود الماتريدي، إمام الهدى... وأما الآخر الشافعي فهو شيخ السنة ورئيس الجماعة إمام المتكلمين وناصر سنة سيد المرسلين والذاب عن الدين والساعي في حفظ عقائد المسلمين، أبو الحسن الأشعري البصري.. حامي جناب الشرع الشريف من الحديث المفترى، الذي قام في نصرة ملة الإسلام فنصرها نصراً مؤزراً".[46]
وقال الإمام مصلح الدين الكستلي (ت 901 هـ) في حاشيته عليه: "المشهور من أهل السنة في ديار خراسان والعراق والشام وأكثر الأقطار هم الأشاعرة أصحاب أبي الحسن الأشعري أول من خالف أبا علي الجبائي ورجع عن مذهبه إلى السنة - أي. طريق النبي - صلى الله عليه وسلم - والجماعة - أي: طريقة الصحابة - رضي الله عنهم - وفي ديار ما وراء النهر الماتريدية أصحاب أبي منصور الماتريدي تلميذ أبي نصر العياضي تلميذ أبي بكر الجوزجاني صاحب أبي سليمان الجوزجاني صاحب محمد بن الحسن صاحب الإمام أبي حنيفة، وبين الطائفتين اختلاف في بعض الأصول؛ كمسألة التكوين ومسألة الاستثناء في الإيمان، ومسألة إيمان المقلد. والمحققون من الفريقين لا ينسب أحدهما الآخر إلى البدعة والضلالة".[48]
وقال الإمام ابن عابدين (ت 1252 هـ) في حاشيته "رد المحتار على الدر المختار": "(قوله -أي علاء الدين الحصكفي- عن معتقدنا) أي: عما نعتقد من غير المسائل الفرعية، مما يجب اعتقاده على كل مكلف بلا تقليد لأحد، وهو ما عليه أهل السنة والجماعة وهم: الأشاعرة والماتريدية، وهم متوافقون إلا في مسائل يسيرة، أرجعها بعضهم إلى الخلاف اللفظي، كما بُيِّن في محله. (قوله: ومعتقد خصومنا) أي من أهل البدع المكفرة وغيرها كالقائلين بقدم العالم أو نفي الصانع أو عدم بعثة الرسل، والقائلين بخلق القرآن وعدم إرادته تعالى الشر ونحو ذلك".[49]
قال الشيخ حسن أيوب (ت 1429 هـ) في (تبسيط العقائد الإسلامية): "أهل السنة هم أبو الحسن الأشعريوأبو منصور الماتريدي ومن سلك طريقهما، وكانوا يسيرون على طريق السلف الصالح في فهم العقائد، وقد جعلوا القرآن الكريم المنهل العذب الذي يلجأون إليه في تعرف عقائدهم فكانوا يفهمون من الآيات القرآنية مسائل العقائد، وما أشبه عليهم منه حاولوا فهمه بما توحيه أساليب اللغة ولا تنكره العقول، فإن تعذر عليهم توقفوا وفوضوا، وقد سمي أتباع أبي الحسن الأشعري بالأشاعرة، وأبي منصور الماتريدي بالماتريدية".[54]
وقال الداعية سعيد حوى (ت 1409 هـ) في (جولات في الفقهين الكبير والأكبر): "إن للمسلمين خلال العصور أئمتهم في الاعتقاد وأئمتهم في الفقه وأئمتهم في التصوف والسلوك إلى الله عز وجل، فأئمتهم في الاعتقاد كأبي الحسن الأشعريوأبي منصور الماتريدي... وهؤلاء وأمثالهم كلٌّ في اختصاصه حيث ثبت النقل عنهم قدَّمَ أصفى فهمٍ للكتابوالسنة، ومن ثم أجمعت الأمة على اعتماد أقوالهم وقبولها في خضم اتجاهات لا تعد ولا تحصى من الاتجاهات الباطلة الزائفة، منها الذي مات ومنها الذي لازال حياً".[55] وقال أيضاً: "وكما وجد في الفقه مؤلفون وكتب، وكما وجد في الفقه أئمة أجمعت الأمة على قبولهم، فكذلك في باب العقائد وجد أئمة أجمعت الأمة على إمامتهم في هذا الشأن كأبي الحسن الأشعريوأبي منصور الماتريدي".[56]
وقال الشيخ أبو الحسن الندوي (ت 1420 هـ) في كتابه (رجال الفكر والدعوة في الإسلام) في فضل الأشاعرة: "خضع لعلمهم ونفوذهم العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه... وبفضلهم انتقلت قيادة العالم الإسلامي الفكرية وتوجيهه من المعتزلة إلى أهل السنة".[57] وقال أيضاً: "وقد سار الأشعري في طريقه مجاهداً مناضلاً منتجاً.... لا يعبأ بما يقال فيه مؤمناً بأنه هو الطريق الذي ينفع الدين في عصره ويرد إلى الشريعة مهابتها وكرامتها ويحرس للناشئة دينها وعقيدتها، حتى استطاع بعمله المتواصل وشخصيته القوية وعقله الكبير وإخلاصه النادر أن يرد سيل الاعتزال والتفلسف الجارف الذي كان يتهدد الدين، ويثبّت كثيراً من الذين تزلزلت أقدامهم واضطربت عقولهم وعقائدهم، وأن يوجد في أهل السنة ثقة جديدة بعقيدتهم".[58]
وقال الدكتور عبد القادر محمد الحسين في كتابه (إمام أهل الحق أبو الحسن الأشعري): "...ولا يخفى على أحد ممن طالع العلوم الإسلامية أن شيخ أهل السنة الإمام الجليل أبا الحسن الأشعريرضي الله عنه من أهم الرجال الذين عرفتهم الساحة العلمية والفكرية الإسلامية، ولا تزال له آثار حية في شتى علوم الإسلام. فأصحاب الأشعري لهم قيادة الساحة العلمية والفكرية الإسلامية منذ قرون، وعقيدة الأشعرية هي عقيدة السواد الأعظم من أمة سيدنا محمدصلى الله عليه وسلم وما كانت هذه الأمة المعصومة بجملتها لتقبل الخطأ أو لتجتمع عليه. علماء العقيدة والكلام من أهل السنة معظمهم من أتباع الأشعري، والمفسرون كذلك على طريقته.. شراح السنةوعلماء الحديث كذلك، فضلاً عن الأصوليين وعلماء اللغة والنحو، وأما الصالحون وأهل السلوك فحدث ولا حرج...".[63]
وقال الشيخ محمد عبد الرحمن الشاغول في مقدمته لكتاب (التمهيد لقواعد التوحيد): "فقد أذن المولى سبحانه بأن أحقق هذا الكتاب المسمى (التمهيد في أصول الدين) ويسمى (التمهيد لقواعد التوحيد) كما في "كشف الظنون" لمؤلفه الإمام أبي المعين النسفي الماتريدي عقيدة الحنفي مذهباً، وأنا وإن كنت أشعري العقيدة شافعي المذهب إلا أن أهل السنة هم الأشعرية والماتريدية، وإن كان هناك اختلاف لا يخل بأصل المعتقد، كالخلاف في مسألة التكوين، ومسألة الموافاة، ومسألة تعليق الإيمان بالمشيئة، وغير ذلك".[66]
قال الحافظ ابن عساكر (ت 571 هـ) في كتابه (تبيين كذب المفتري) نقلاً عن الإمام أبي القاسم القشيري: "...ولسنا نُسَلِّم أن أبا الحسن اخترع مذهباً خامساً، وإنما أقام من مذاهب أهل السنة ما صار عند المبتدعة دارساً، وأوضح من أقوال من تقدمه من الأربعة وغيرهم ما غدا ملتبساً، وجدد من معالم الشريعة ما أصبح بتكذيب من اعتدى منطمساً، ولسنا ننتسب بمذهبنا في التوحيد إليه على معنى أنا نقلده فيه ونعتمد عليه، ولكنا نوافقه على ما صار إليه من التوحيد لقيام الأدلة على صحته لا لمجرد التقليد، وإنما ينتسب منا من انتسب إلى مذهبه ليتميز عن المبتدعة الذين لا يقولون به من أصناف المعتزلةوالجهميةوالكراميةوالمشبهة والسالمية، وغيرهم من سائر طوائف المبتدعة وأصحاب المقالات الفاسدة المخترعة، لأن الأشعري هو الذي انتدب للرد عليهم حتى قمعهم وأظهر لمن لا يعرف البدع بدعهم، ولسنا نرى الأئمة الأربعة الذين عنيتم في أصول الدين مختلفين، بل نراهم في القول بتوحيد الله وتنزيهه في ذاته مؤتلفين، وعلى نفي التشبيه عن القديم سبحانه وتعالى مجتمعين، والأشعري – رحمه الله – في الأصول على منهاجهم أجمعين، فما على من انتسب إليه على هذا الوجه جناح، ولا يرجى لمن تبرأ من عقيدته الصحيحة فلاح، فإن عددتم القول بالتنزيه وترك التشبيه تمشعراً فالموحدون بأسرهم أشعرية، ولا يضر عصابة انتمت إلى موحد مجردُ التشنيع عليها بما هي منه بَرِيِّة،[78] وهذا كقول إمامنا الشافعي المطلبي ابن عم المصطفى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيما أخبرنا به الشيخ أبو القاسم هبة الله بن عبد الله بن أحمد الواسطي ببغداد بسنده إلى الربيع بن سليمان قال: أنشدنا الشافعي رحمه الله:
يا راكبا قف بالمحصب من مِنى
واهتف بساكن خيفها والناهض
سحرا إذا فاض الحجيج إلى مِنى
فيضا كملتطم الفرات الفائضِ
إن كان رفضا حب آل محمد
فليشهد الثقلان أني رافضي
وأنشدت لبعضهم في المعنى المتقدم:
إن اعتقاد الأشعري مسدد
لا يمتري في الحق إلا ممتري
وبه يقول العالمون بأسرهم
من بين ذي قلم وصاحب منبر
والمدّعون عليه غير مقاله
ما فيهم إلا جهول مفتري
فذر التعامي واعتصم بمقاله
واعلم يقينا أنه القول السري
وارفض ملامة من نهاك بجهله
عما يراه لأنه لم يشعر
وإذا لحاك العاذلون فقل لهم
قول امرئٍ في دينه مستبصر
إن كان من ينفي النقائص كلها
عن ربه ترمونه بتمشعر
وترونه ذا بدعة في عقله
فليشهد الثقلان أني أشعري
قال الإمام تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى: "سمعت الشيخ الإمام رحمه الله - يعني والده شيخ الإسلام تقي الدين السبكي - يقول: ما تضمنته (عقيدة الطحاوي)، هو ما يعتقده الأشعري، لا يخالفه إلا في ثلاث مسائل. قلت: أنا أعلم أن المالكية كلهم أشاعرة، لا أستثني أحدا، والشافعية غالبهم أشاعرة، لا أستثني إلا من لحق منهم بتجسيم أو اعتزال، ممن لا يعبأ الله به، والحنفية أكثرهم أشاعرة، أعني يعتقدون عقد الأشعري، لا يخرج منهم إلا من لحق منهم بالمعتزلة، والحنابلة أكثر فضلاء متقدميهم أشاعرة، لم يخرج منهم عن عقيدة الأشعري، إلا من لحق بأهل التجسيم، وهم في هذه من الحنابلة أكثر من غيرهم. وقد تأملت عقيدة أبي جعفر الطحاوي، فوجدت الأمر على ما قال الشيخ الإمام، و(عقيدة الطحاوي) زعم أنها الذي عليه أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، ولقد جود فيها، ثم تفحصت كتب الحنفية، فوجدت جميع المسائل التي بيننا وبين الحنفية خلاف فيها ثلاث عشرة مسألة، منها معنوي ست مسائل، والباقي لفظي، وتلك الست المعنوية لا تقتضي مخالفتهم لنا، ولا مخالفتنا لهم فيها تكفيرا ولا تبديعا. صرح بذلك: الأستاذ أبو منصور البغدادي، وغيره من أئمتنا وأئمتهم، وهو غني عن التصريح لظهوره. ومن كلام الحافظ: الأصحاب مع اختلافهم في بعض المسائل كلهم أجمعون على ترك تكفير بعضهم بعضا، مجمعون بخلاف من عداهم من سائر الطوائف، وجميع الفرق، فإنهم حين اختلفت بهم مستشنعات الأهواء والطرق كفر بعضهم بعضا، ورأى تبريه ممن خالفه فرضا. قلت: وهذا حق، وما مثل هذه المسائل إلا مثل مسائل كثيرة اختلفت الأشاعرة فيها، وكلهم عن حمى أبي الحسن يناضلون، وبسيفه يقاتلون، افتراهم يبدع بعضهم بعضا، ثم هذه المسائل لم يثبت جميعها عن الشيخ، ولا عن أبي حنيفة رضي الله عنهما، كما سأحكي لك، ولكن الكلام بتقدير الصحة. ولي قصيدة نونية، جمعت فيها هذه المسائل، وضممت إليها مسائل، اختلفت الأشاعرة فيها، مع تصويب بعضهم بعضا في أصل العقيدة، ودعواهم أنهم أجمعين على السنة، وقد ولع كثير من الناس بحفظ هذه القصيدة، لا سيما الحنفية، وشرحها من أصحابي الشيخ الإمام العلامة نور الدين بن أبي الطيب الشيرازي الشافعي، وهو رجل مقيم في بلاد كيلان، ورد علينا دمشق في سنة سبع وخمسين وسبع مائة، وأقام يلازم حلقتي نحو عام ونصف عام، ولم أر فيمن جاء من العجم في هذا الزمان أفضل منه ولا أدين. وأنا أذكر لك قصيدتى في هذا المكان لتستفيد منها مسائل الخلاف وما اشتملت عليه:[79][80]
^عبد الكريم تتان. الأشاعرة من أهل السنة والجماعة. دار الفكر – دمشق/ دار الفكر المعاصر - بيروت. p. 86-87. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^الشيخ عبد المجيد بن طه الدهيبي الزعبي (2009). إتحاف الأكابر في سيرة ومناقب الإمام محيي الدين عبد القادر الجيلاني الحسني الحسيني (الأولى ed.). دار الكتب العلمية. p. 41. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^كتاب: إمام أهل الحق أبو الحسن الأشعري، تأليف: الدكتور عبد القادر محمد الحسين، الناشر: دار المشرق للكتاب، الطبعة الأولى: 2010م، ص: 11-12.
^الشيخ محمد صالح بن أحمد الغرسي. منهج الأشاعرة في العقيدة بين الحقائق والأوهام. p. 47-49. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^كتاب: الفرق الكلامية الإسلامية، تأليف: د. علي عبد الفتاح المغربي، الناشر: مكتبة وهبة، الفصل الرابع: الأشاعرة، ص: 267-328.
^كتاب: الملل والنحل لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، الناشر: دار ابن حزم، الطبعة الأولى: 2005م، ص: 60-61.
^كتاب: الفرق الكلامية الإسلامية، تأليف: د. علي عبد الفتاح المغربي، الناشر: مكتبة وهبة، ص: 271.
^كتاب: الفرق الكلامية الإسلامية، تأليف: د. علي عبد الفتاح المغربي، الناشر: مكتبة وهبة، ص: 330-332.
^أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 80-97. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 37-38. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 35. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^حمد السنان - فوزي العنجري. أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 37. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^حمد السنان - فوزي العنجري. أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 427. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 80-97. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 80-97. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 80-97. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 80-97. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 80-97. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 80-97. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^حمد السنان - فوزي العنجري. أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 80-97. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^كتاب: السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل، تأليف: تقي الدين السبكي، ومعه تكملة الرد على نونية ابن القيم (تبديد الظلام المخيم من نونية ابن القيم) بقلم الإمام الكوثري، الناشر: المكتبة الأزهرية للتراث، ص: 20-22.
^أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 80-97. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 34-35. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^حمد السنان - فوزي العنجري. أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 80-97. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^حمد السنان - فوزي العنجري. أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 80-97. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^حمد السنان - فوزي العنجري. أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 80-97. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^حمد السنان - فوزي العنجري. أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 80-97. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 80-97. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^حمد السنان - فوزي العنجري. أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 80-97. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^حمد السنان - فوزي العنجري. أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 80-97. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^حمد السنان - فوزي العنجري. أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 80-97. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^حمد السنان - فوزي العنجري. أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 80-97. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^محمد بن علي بن محمد باعطية الدوعني. غاية المنى: شرح سفينة النجا (الأولى ed.). مكتبة تريم الحديثة. p. 56. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^حمد السنان - فوزي العنجري. أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 98-101. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 98-101. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^حمد السنان - فوزي العنجري. أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 98-101. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^حمد السنان - فوزي العنجري. أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 98-101. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^إتحاف الأكابر في سيرة ومناقب الإمام محيي الدين عبد القادر الجيلاني الحسني الحسيني (الأولى ed.). دار الكتب العلمية. 2009. p. 41. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)
^كتاب: إمام أهل الحق أبو الحسن الأشعري، تأليف: الدكتور عبد القادر محمد الحسين، الناشر: دار المشرق للكتاب، الطبعة الأولى: 2010م، ص: 11-12.
^حمد السنان - فوزي العنجري. أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم. دار الضياء للنشر والتوزيع. p. 36. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameters: |lay-date=, |subscription=, |nopp=, |last-author-amp=, |name-list-format=, |lay-source=, |registration=, and |lay-summary= (help)