نحت يوناني قديم
النحت اليوناني القديم Ancient Greek sculpture، هو فن النحت في اليونان القديمة. ويقسمه علماء العصر الحديث إلى ثلاثة مراحل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تطور النحت اليوناني
كان من أثر استيطان اليونان غرب آسيا وفتح مصر للتجارة اليونانية حوالي عام 660 ق.م. أن دخلت أشكال [الشرق الأدنى] ومصر وأساليبهما إلى أيونيا وبلاد اليونان الأوربية. ذلك أن مثالين كريتين هما دبوئينوس Dippoenus و[سيلوس] Scyllus استدعيا حوالي عام 580 إلى سكيون وأرجوس ليقوما فيهما بمهمة فنية. ولما أن غادراهما لم يتركا فيهما تماثيل فحسب بل تركا فيهما تلاميذ أيضاً. ونشأت من ذلك الحين مدرسة للنحت قوية في بلاد البلوبونيز. وكان لهذا الفن أهداف كثيرة؛ فكان أولاً يخلد الموتى بالأعمدة البسيطة، ثم برؤوس تماثيل قائمة على قواعد، ثم بتماثيل كاملة أو لوحات جنائزية منقوشة. وكانت التماثيل تصنع للفائزين في الألعاب الرياضية؛ فكانوا أولاً ينحتون نماذج لتماثيل هؤلاء الفائزين. وكان خيال اليونان الحي الخصيب من أسباب تشجيع هذا الفن، فقد جعلهم يصنعون للآلهة تماثيل يخطئها الحصر. وكان الخشب هو المادة التي تصنع منها أكثر التحف حتى القرن السادس قبل الميلاد، وشاهد ذلك ما نسمعه كثيراً عن صندوق سبسيلوس طاغية كورنثة؛ ويقول بوزنياس إنه صنع من خشب الأرز المطعم بالعاج والذهب، وزين بالنقوش المعقدة المحفورة. ولما زاد الثراء كانت التماثيل الخشبية تغطى كلها أو بعضها بالمواد الثمينة. وبهذه الطريقة صنع فيدياس تماثيله الذهبية والعاجية لأثينة بارثنوس ولزيوس الأولمبي. وظل البرونز ينافس الحجر في صنع التماثيل إلى آخر عصر اليونان الزاهر.
وقد صهر العدو الأكبر من هذه التماثيل البرونزية ولم يبق منها إلا القليل، ولكن في وسعنا أن نستدل من تمثال سائق العربة الخاضع الذليل المحفوظ في متحف دلفي (حوالي 490 ق.م) على ما بلغته صناعة التماثيل المجوفة من الإتقان الذي يقرب من الكمال مذ أدخلها ريكوس Rhoecus وثيودورس الساموسيان في بلاد اليونان. وقد صبت مجموعة التماثيل الأثينية للطاغيتين (هرموديوس Harmodius وأرستوجيتون Aristogeiton)، وهي المجموعة الذائعة الصيت، من البرونز على يد أنتنور Antenor في أثينة بعد قليل من طرد هبياس. وكان مثالو أثينة يستخدمون أنواعاً كثيرة من الحجارة اللينة قبل أن يعمد مثالو اليونان إلى تشكيل الحجارة الصلبة المختلفة الأنواع باستخدام المطرقة والإزميل، فلما أن عرفوا كيف يستخدون هاتين الأداتين كادوا يأتون علىكل ما في نكسوس وباروس من رخام. وكثيراً ما كانت التماثيل في العهد القديم (1100-490) تطلى بالألوان، ولكنهم وجدوا في آخر سني ذلك العهد أن ترك الرخام المصقول من غير طلاء اصطناعي أوقع في النفس وأدنى إلى تمثيل بشرة النساء الرقيقة.
وكان يونان أيونيا أول من عرفوا فوائد جعل الثياب عنصراً من عناصر صناعة النحت. ذلك أن الفنانين في مصر والشرق الأدنى كانوا يجعلون الأثواب جامدة ملتصقة بالجسم، ولم تكن تزيد على مئزر حجري كبير يخفي الجسم الحي، ولكن المثالين اليونان في القرن السادس أدخلوا الثنايا في الأقمشة، واستخدموا الثياب للكشف عن مصدر الجمال الأول وطرازه وهو الجسم البشري الصحيح السليم. غير أن أثر المصريين والآسيويين في الفن اليوناني ظل له من القوة ما جعل التماثيل في كثير من آثار النحت اليونانية العتيقة ثقيلة جامدة خالية من الرشاقة، وجعل الساقين مشدودتين حتى في حالة الراحة، والذراعين مسترخيتين متدليتين على الجانبين، والعينين لوزيّتي الشكل مائلتين أحياناً كعيون معظم الشرقيين، والوجه ذا شكل ثابت لا يتغير في جميع التماثيل خالياً من الحركة والعاطفة، وكانت التماثيل اليونانية في ذلك العهد تتبع القاعدة التي جرى عليها المصريون في صنع تماثيلهم، وهي أن يصنعوها على الدوام متجهة بوجوهها نحو الناظر إليها، ومتناسبة الجانبين أدق التناسب، حتى لو أنك رسمت خطاً عمودياً في وسطها لمر هذا الخط في منتصف الأنف، والفم والسرة، وأعضاء التناسل لا يحيد عن ذلك قيد شعرة إلى اليمين أو اليسار، ولا يتأثر موضعه بحركة الجسم أو سكونه. ولعل العرف هو سبب هذا الجمود المقبض الممل؛ فقد كان قانون الألعاب اليونانية يحرم على الفائز فيها أن يصنع له تمثال أو ترسم له صورة إلا إذا كان قد فاز في جميع المباريات ذات الألعاب الخمس، ويقولون إن الفائز فيها جميعاً هو وحده الذي يستمتع بالنمو الجثماني المتناسق الخليق بأن يكون أنموذجاً للجسم البشري السليم(57).
وهذا السبب مضافاً إليه في أغلب الظن أن العرف الديني قبل القرن الخامس كان هو المسيطر على تمثيل الآلهة في اليونان، كما كان مسيطراً عليه في مصر، هو الذي جعل المثال اليوناني يقتصر على عدد قليل من الأوضاع والأنماط ويصرف كل جهوده ومواهبه في إتقانها. وكان أهم ما صرف فيه جهوده وأتقن دراسته نمطان من التصوير هما تصوير الشاب العاري إلا من القليل الذي يستحق الذكر من الملابس، ذي اليدين المقبوضتين والوجه الهادئ الصارم؛ وتصوير العذراء المصففة الشعر ذات الوقفة والثبات المتواضعة، تمسك ثوبها بإحدى يديها، وتقرب القربان للآلهة باليد الأخرى. وقد ظل المؤرخون إلى عهد قريب يسمون التماثيل الأولى "أبلو"؛ ولكنها كانت في أغلب الظن تماثيل للرياضيين أو تماثيل جنائزية. وأشهر هذا النوع هو أبلو تينيه Tenea، وأكبرها حجماً تمثال أبلو سونيوم Sunium، وأدلها على التفاخر عرض أبلو في أمكلي Amyclae قرب إسبارطة، ومن أجملها كلها تمثال أبلو استرانج فورد Strangford المحفوظ في المتحف البريطاني. وأجمل منه أبلو شوازول جوفييه Choiseul Gouffier، وهو صورة رومانية مأخوذة عن التمثال الأصلي الذي صنع في القرن الخامس(58). وتماثيل العذارى أوقع في عين الذكور على الأقل من تماثيل الرجال: فأجسامهن رشيقة هيفاء، ووجوههن تعلوها ابتسامة ظريفة أشبه بابتسامة صورة موناليزا Mona Lisa، وثيابهن قد بدأت تتحرر من الجمود العرفي. وبعض التماثيل كالتماثيل المعروضة في متحف أثينة خليق بأن يعد من روائع الفن في أي قطر آخر من أقطار العالم(59).ومنها تمثال نستطيع أن نسميه عذراء طشيوز ، وهو يعد آية فنية في بلاد اليونان نفسها. وإن ما في هذه التماثيل من مسّة أيونية شهوانية لينفي عنها بعض ما بها من جمود مصري وصرامة دورية كالتي نشاهدها في تماثيل "أبلو". وقد ابتدع أركرموس Archermus الطشيوزي طرازاً آخر من التماثيل، أو لعله أعاد إلى الوجود طرازاً منسياً منها، في تمثال النصر المقام في ديلوس. ومن هذا الطراز نشأ فيما بعد طراز تماثيل النصر الجميلة التي صنعها بينيوس Poeonius في أولمبيا، وتماثيل النصر المجنحة المقامة في سمثريس Samothrace، وصور الملائكة المجنحة في الفن المسيحي(60). وقد نحت مثالون مجهولون بالقرب من ميليتس طائفة من تماثيل النساء المكسوة الجالسة لتوضع في هيكل البرنشيدي Branchidae، وهي تماثيل قوية لكنها فجة، مهيبة لكنها ثقيلة، عميقة لكنها ميتة .
وقد بلغت صناعة الحفر درجة من القدم يسرت لإحدى القصص الظريفة أن تصف منشأها.وتقول هذه القصة أن فتاة من كورنثة رسمت على جدار الخطوط الخارجية ظل رأس حبيبها الذي يلقيه ضوء مصباح على جدار.ثم جاء أبوها بوتاديس Butades وهو فخراني فملأ ما بين هذه الخطوط بالصلصال، وضغطه حتى جمد، ثم رفعه، وحرقه؛ ويؤكد لنا بلنى أن هذه هي الطريقة التي نشأ بها النقش القليل البروز(61).وأصبح هذا الفن أكثر أهمية من صناعة التماثيل في تزيين الهياكل والقبور، وقد صنع أرسطاطاليس نقشاً جنائزياً لأرستيون في عام 520 ق.م وهو تحفة من التحف الثمينة الكثيرة المحفوظة في متحف أثينة.
وإذ كانت هذه النقوش البارزة تلون على الدوام تقريباً، فقد كانت فنون النحت والنقش والتصوير وثيقة الاتصال بعضها ببعض، وكانت كلها تستخدم في العمارة، وكان معظم الفنانين مهرة في هذه الفنون جميعها، وكانت بروز الهياكل وأطنافها، وما بين هذه الأطناف، وما وراء القواصر- كانت هذه كلها تطلى عادة بالألوان، على حين إن البناء الرئيسي كان يترك عادة بلون الحجارة الطبيعي.أما الرسم الملون بوصفه فناً مستقلاً فليس لدينا من آثاره في البلاد اليونانية إلا القليل الذي لا يستحق الذكر؛ ولكننا نعرف من بعض أقوال الشعراء أن التصوير على الخشب بالألوان الممزوجة في الشمع السائح كان من الفنون التي مارسها اليونان من عهد أنكريون(62).وكان هذا الفن آخر ما ازدهر من الفنون في بلاد اليونان وآخر ما اندثر منها.
وجملة القول أن القرن السادس لم يبلغ فيه أي فن من فنون اليونان، إذا استثنينا فن العمارة، ما بلغته الفلسفة اليونانية والشعر اليوناني في هذا القرن نفسه من جرأة في التفكير وكمال في التصوير.ولعل مناصرة الفنون كانت بطيئة النشأة بين أرستقراطية كانت لا تزال ريفية فقيرة، أو بين طبقة رجال الأعمال التي كانت لا تزال ناشئة لم يخلق فيها الثراء حاسة الذوق.ومع هذا فقد كان عهد الطغاة فترة تحفز وتحسين في كل فن من الفنون اليونانية - وبخاصة في عهد ببسستراتس وهبياس في أثينة.وفي أواخر هذا العهد بدأ الجمود القديم الذي كان يلازم فن النحت يزول شيئاً فشيئاً، وقضي على القاعدة القديمة قاعدة نحت التماثيل مواجهة لناظرها، وأخذت الساقان تتحركان، والذراعان تبتعدان عن الجانبين، واليدان تنفتحان، والوجه ينم عن الإحساس والأخلاق، والجسم ينثني ويتخذ أوضاعاً مختلفة تكشف عن دراسات جديدة في التشريح والحركة. وكان هذا الانقلاب العظيم في فن النحت، وما بعثه في الحجارة من حياة حادثاً خطيراً في تاريخ اليونان؛ كما كان التحرر من المواجهة في التماثيل من أجل أعمال اليونان الفنية. ومن ذلك الحين نبذ الفن اليوناني تأثير المصريين والشرقيين، وأصبح فناً يونانياً خالصاً.
- مقالة مفصلة: النحت في اليونان القديمة
الخامات والأشكال
الفترة القديمة
Dipylon Kouros، ح. 600 ق.م.، أثينا، متحف Kerameikos.
The Moschophoros or calf-bearer، ح. 570 ق.م.، أثينا، متحف أكروپوليس.
Peplos kore، ح. 530 BC, Athens, Acropolis Museum.
Frieze of the Siphnian Treasury, Delphi, depicting a Gigantomachy، ح. 525 ق.م.، متحف دلفي الأثري.
الفترة الكلاسيكية
Copy of Polyclitus' Diadumenos, المتحف الأثري الوطني، أثينا.
So-called Venus Braschi by Praxiteles, type of the Knidian Aphrodite, Munich Glyptothek.
The Marathon Youth, 4th century BC bronze statue, possibly by Praxiteles, المتحف الأثري الوطني، أثينا.
هرميس، يُحتمل من صنع ليسيپوس, المتحف الأثري الوطني، أثينا.
الهليني
The transition from the Classical to the Hellenistic period occurred during the 4th century BC. Following the conquests of Alexander the Great (336 BC to 323 BC), Greek culture spread as far as الهند, as revealed by the excavations of Ai-Khanoum in eastern Afghanistan, and the civilization of the Greco-Bactrians and the Indo-Greeks. Greco-Buddhist art represented a syncretism between Greek art and the visual expression of Buddhism.
لم تبلغ التماثيل من الكثرة في عصر من العصور مثل ما بلغته في العصر الهلنستي، فقد كانت الهياكل والقصور، والدور والشوارع، والحدائق والبساتين كلها غاصة بالتماثيل التي تصور كل ناحية من نواحي الحياة البشرية وكثيراً من مظاهر العالم النباتي والحيواني. وكانت تمثيل نصفية تخلد إلى وقت ما الموتى من الأبطال والمشهورين من الأحياء؛ وانتهى الأمر بأن نحتت من الحجارة تماثيل للمعاني المجردة كالحظ، والسلام، والنميمة، والفرصة السانحة.
وقد صنع يوتيكيدز من سيكيون Eutychides of Sicyon تلميذ ليسبوس Lysippus لمدينة أنطاكية أنموذجاً ذائع الصيت لتمثال الحظ ليمثل فيه روح المدينة وأملها. وواصل تماخوس Timachus وسفسودوتسوس Cephisodotus ابنا بركستليز تقاليد النحت الأثيني الظريفة. وفي البلوبونيز طبقت شهرة دمفون المسيني Damphon of Messene الخافقين حين نحت مجموعته الضخمة المكونة من دمتر، وبرسفوني، وأرتميس. غير أن الكثرة الغالبة من المثالين الجدد كانت تتبع أقرب طريق ينقذها من الموت جوعاً ألا وهو تزيين قصور الملوك والعظماء اليونان الشرقيين.
ونشأت في جزيرة رودس في القرن الثالث مدرسة في النحت ذات طابع خاص لا مثيل له في غيرها من المدارس. فلقد كان في الجزيرة مائة تمثال ضخم يكفي الواحد منها على حد قول بلني، لأن ينشر في الآفاق شهرة مدينة. وكان أعظمها كلها تمثال ضخم من البرونز لهليوس Helios إله الشمس صنعه كاريز اللندوسي Chares of Lindus حوالي عام 280. وتقول رواية ضعيفة إن كاريز هذا قد انتحر حين رأى أن نفقة التمثال قد زادت كثيراً على ما كان مقدراً لها، وإن لاكيز اللندوسي Laches of Lindus أتم التمثال. ولم يكن هذا التمثال مقاماً إلى جانبه ويعلو إلى ارتفاع مائة قدم وخمس أقدام؛ ويوحي هذا الحجم بأن ذوق أهل رودس كان يتجه نحو المظاهر الفخمة والضخامة، ولكن لعل الرودسيين كانوا يستخدمون منارة للسفن ورمزاً للجزيرة. وإذا جاز لنا أن نصدق ما جاء في قصيدة ديوان الشعر اليوناني(15) فإن هذا التمثال كان يرفع بيده ضوءاً وأنه كان يرمز إلى الحرية التي تستمتع بها رودس-وتلك سابقة عجيبة لتمثال شهير في أحد الثغور الحديثة . وكان هذا التمثال بلا ريب يُعد إحدى عجائب الدنيا السبع؛ ويقول بلني أنه:
"قد ألقاه على الأرض زلزال بعد ست وخمسين عاماً من إقامته؛ وإنه قل ما يوجد من الرجال من يستطيع تطويق إبهامه بذراعيهِ، وإن أصابع يديه أكبر من أجسام معظم التماثيل، وإنه إذا ما كسرت أطرافه شوهد في داخل الجسم كهوف واسعة مفتوحة. ويُرى في داخله أيضاً صخور ضخمة أراد المثال أن يثبت بها التمثال في موضعه أثناء اشتغاله بإقامته. ويقال إنه قضى في نحته اثنتي عشرة سنة، وإن نفقاته بلغت ثلاثمائة وزنة-وقد حصلت الجزيرة على هذا المبلغ من آلات الحرب التي تركها دمتريوس وراءه بعد حصاره الفاشل للجزيرة ".
ويكاد يضارع هذا التمثال في شهرته التاريخية مجموعة أخرى من صنع المدرسة الرودسية تُعرف باسم اللاؤكؤن Laocoon. وقد شاهد بلني هذه المجموعة في قصر الإمبراطور تيتس، وعُثر عليها عام 1506م في حمامات هذا الإمبراطور؛ ولا يكاد يخامرنا أدنى شك في أنها هي المجموعة الأصلية التي نحتها أجسندر Agesander، وبليدوروس Polydorus، وأثينودوروس Athenodorus من قطعتين كبيرتين من الرخام في القرن الثاني أو الثالث قبل الميلاد(18). وقد هز كشفها مشاعر إيطاليا في عهد النهضة وكان لها أعمق الأثر في ميكل أنجلو الذي حاول عبثاً أن يعيد إلى التمثال الأوسط فيها ذراعه اليمنى الضائعة . وكان لاؤكؤون الذي تسمى المجموعة باسمه كاهناً طروادياً نصح الطرواديين بأن لا يقبلو ا الحصان الخشبي حين بعث به اليونان إليهم وقال لهم، كما يروي فرجيل، "أني أخشى اليونان حتى وهم يحملون إلينا الهدايا Timeo Danaos et Dona Ferentes(19)". وأرادت أثينا التي تحب اليونان أن تعاقبه على حكمته فأرسلت إليهِ حيتين لتقتلاه. فقبضتا أولاً على ولديهِ، وأبصرهما لاؤكؤون فهجم عليهما لينقذهما، فوقع بين طيات الحيتين، وانتهى الأمر بأن طُحنت أجسامهم جميعاً وماتوا من سم أنياب الحيتين. ولقد أجاز المثالون لأنفسهم ما أجازه فرجيل لنفسهِ (وما أجازه لنفسه سفكليز في فلكتيتس) فعبروا عن الألم بقوة، ولكن النتيجة لا تتفق وما في طبيعة الحجر من دوام. إن الألم في الأدب وفي الحياة عادةً لا يدوم؛ أما في اللاؤكؤون فأن صرخة الألم قد دامت دواماً غير طبيعي، والناظر إليها لا يتأثر كما يتأثر بحزن دمتر الصامت . على أن الذي يثير إعجابنا هو براعة الفكرة وإتقان التنفيذ. نعم إن العضلات قد بولغَ فيها، ولكن أطراف الكاهن الشيخ، وجسمي ولديهِ قد صيغا صياغة مثلت في كثير من الهيبة والتحفظ ولعلنا لو عرفنا القصة قبل أن نشاهد المجموعة لتأثرنا بها كما تأثر بلني، الذي ظنها أعظم عمل من أعمال الفن اللدن(20).
وقامت في مراكز يونانية أخرى مدارس زاهرة للنحت في هذا العصر الذي لم يقدره الناس حق قدره؛ غير أن الإسكندرية قد انقلبت أرضها وتبدلت مبانيها مراراً كثيرة في أثناء تاريخها الطويل، فلم تحتفظ بما أقامه الفنانون اليونان للبطالمة من أعمال؛ وكل ما بقي من الأعمال الجليلة الشأن هو تمثال النيل الوقور المحفوظ في متحف الفاتيكان والذي يسنده ستة عشر طفلاً ترمز إلى الستة عشر قيراطاً التي يعلوها النهر في فيضانه. وقد نحت مثال يوناني من صيدا عدداً من التوابيت لطائفة غير معروفة من الكبراء أحسنها كلها التابوت المسمى خطأ بتابوت الإسكندر والمحفوظ في متحف اسطنبول. ويضارع ما فيه من الحفر ما في إفريز البارثنون وإن قل عنه في الكم؛ فالصور جميلة متقنة التناسب، والنحت قوي ولكنه واضح، والألوان الهادئة التي لا تزال عالقة بالحجارة تدل على العون الذي كان يلقاه النحت اليوناني من فن التصوير. وصب أبلونيوس وتورسكس في ترالس Trallas من أعمال كاريا Caria حوالي 150ق.م. مجموعة ضخمة من البرنز لرودس تُعرف الآن باسم ثور فارنيز. وتتألف هذه المجموعة من غلامين وسيمين يسيطان درسي Dirce الجميلة ويدفعانها إلى قرني ثور وحشي، لأنها أساءت معاملة أمهما أنتيوبي Antiope التي تنظر إليهما راضية مطمئنة اطمئناناً تعافه النفس . وفي برجموم صب المثّالو ن اليونان من البرنز عدة مجموعات حربية أقامها أتلس أول الأمر في عاصمة ملكه ليخلد بها ذكرى صد غارات الغاليين. وأراد أتلس أن يعبر عما تشعر به الثقافة اليونانية بأجمعها من فضل أثينة عليها، ولعله أراد أيضاً أن يذيع شهرته، فأهدى صوراً من هذه المجموعة لتقام على الأكربوليس بأثينة. وقد بقيت قطع صغيرة منها في صورة الغالي المحتضر المحفوظ في متحف الكبتولين، وفي الصورة المسماة خطأ بيتس وأرّيا -وهي صورة غالي يؤثر الموت على الأسر فيقتل زوجته أولاً ثم يثني بنفسه- وفي قطع أخرى أصغر منها منتشرة الآن في مصر وأوربا. ولعل من هذه المجموعة أيضاً صورة الأمزونة الميتة التي لا عيب في تفاصيلها كلها عدا ثدييها الذين بلغا من الكمال حداً لا يتصوره العقل. وتكشف هذه الصورة عن تحفظ في التعبير عن الانفعالات شبيهة بما كان في عصر اليونان الزاهر. فالرجال المغلوبون يقاسون الآلام والأحزان المبرحة، ولكنهم يموتون وهم صابرون؛ وقد أجاز المنتصرون للفنانين أن يمثلوا فضائل أعدائهم كما يمثلون هزيمتهم. ولسنا نتبين هنا أي دليل على نقص القدرة على التفكير أو دقة ملاحظة أجزاء الجسم، أو مهارة التمثيل أو الصبر عليه. ولا يكاد يقل عن هذه المجموعة كمالاً النقش العظيم الذي كان يمتد على طول قاعدة مذبح زيوس وأكربوليس برجموم، والذي يقص مرة أخرى قصة الحرب التي نشبت بين الآلهة والجبابرة-ويبدو أن هذا النقش تمثيل متواضع للحرب بين أهل برجموم والغاليين. والنقش هنا شديد الازدحام، ويبدو أحياناً عنيفاً عنفاً مسرحياً، ولكن بعض رسومه تضارع خير ما أنتجه الفن اليوناني. فصورة زيوس التي لا رأس لها منحوتة بقوة لا تقل عن قوة اسكوباس Scopas، والإلهة هكتي Hecate مثال في الرشاقة والجمال بين أهوال الحرب وفظائعها.
وكان هذا العصر غنياً بما فيه من روائع الفن التي لا يعرف أصحابها والتي تكاد تشمل صوراً لجميع الآلهة الكبار، ونذكر منها رأس زيوس الفخم الذي عُثر عليه في أتركولي Atricoli وتمثال لودوفيزي هيرا Lodovisi Hera المحفوظ في متحف ترمي، وقد أعجب بهما جيتة في شبابه إعجاباً حمله على أن ينقل معه قالبين لهما إلى ألمانيا كأنهما تذكاران حقيقيان أهداهما إليه جوف ويونو, أما أبلو بلفدير الذي كان من قبل موضع الإعجاب فهو فاتر متكلف خال من دلائل الحياة، ولكنه مع ذلك أزكى نار الحماسة في قلب ونكلمان منذ قرنين من الزمام(21). ويختلف أشد الاختلاف عن هذا التمثال الأملس الضعيف تمثال هرقل الفانيزي الذي نقله جليكون Glycon الأثيني عن أصل له يُعزى إلى ليسبوس-وجسمه الضخم كله عضلات، وكله ملل، وكله حنو، ووجهه كله عجب ودهشة-كأن القوة كانت تسأل نفسها ذلك السؤال الذي لم يجب عن أحد قط: ماذا يجب أن يكون هدفها؟ أما أفرديتي فقد أخرج لها ذلك العصر تماثيل لا يقل عنها في عددها إلا عبادها وحدهم؛ وقد بقي عدد من هذه التماثيل معظمها مما نقله الرومان عن أصولها اليونانية. غير أن تمثال أفرديتي ميلوس المحفوظ في متحف اللوفر والمعروف فيه باسم زهرة ميلو يبدو أنه تمثال يوناني أصيل نُحت في القرن الثاني قبل الميلاد. وقد عثر على هذا التمثال في ميلوس عام 1820 بالقرب من قطعة من القاعدة نقشت عليه الحروف ساندوس Sandos، وربما كان أجسندر الأنطاكي واسمه مأخوذ من سرادق الفاتيكان الذي وضع فيه التمثال أولاً وهو الذي نحت هذا التمثال العادي المتواضع.
وليس لوجه التمثال ذلك الجمال الرقيق الذي يزدان به وجه التمثال الموضوعة صورته في الصفحة الأولى من هذا المجلد، ولكن الجسم نفسه ممتلئ بالصحة التي يكون الجمال ثمرتها الطبيعية. ولسنا نرى فيهِ ذلك الخصر النحيل الذي لا يتفق مع الجسم الملئ والوركين المكتنزتين... ولم يبلغ هذا الكمال كله تمثالا فينوس الكبتولينية، وفينوس الميديشية . وتمثال فينوس كلبيجي Venus Callpyge أو فينوس ذات الإليتين الجميلتين يثير الغريزة الجنسية قوية، وقد غطيت فيه مفاتنها لكي تكشف عنها، وتلتفت لتبدي إعجابها بردفيها في البحيرة. وأوقع من هذه التماثيل كلها في النفس تمثال نَيْكي Nike أو نصر سموثريس الذي وجد في ذلك المكان عام 1863، وهو الآن أروع آيات النحت في متحف اللوفر . وقد مثلت إلهة النصر كأنها تحط وهي طائرة بأقصى سرعتها على مقدم سفينة مسرعة، وتقودها إلى الهجوم. ويخيل إلى الرائي أن جناحيها العظيمتين يجذبان السفينة ضد النسيم الذي يعبث بأثوابها. وهذا أيضاً تسيطر على التمثال فكرة اليونان عن المرأة، وهي أنها ليست متعة حلوة فحسب، بل أنها فوق ذلك أم قوية. فليس جمالها هو جمال الشباب الضعيف الزائل بل هو نداء المرأة الذي يدوم طول الحياة للرجل لكي يسمو إلى الأعمال الجليلة؛ وكأنما أراد الفنان أن يمثل هنا السطور الأخيرة من فوست Faust للشاعر جيته. لعمري أن حضارة تستطيع أن تفكر في هذا التمثال وأن تنحته لحضارة أبعد ما تكون عن الموت.
ولم تكن الآلهة أهم ما يعنى به المثالون الذين ازدان بهم خريف الفن اليوناني؛ لقد كان هؤلاء الفنانون ينظرون إلى أولمبس نظرتهم إلى معين من الموضوعات لا أقل من ذلك ولا أكثر. ولما نضب هذا المعين من كثرة ما أخذ من انتقلوا إلى الأرض نفسها وسرهم أن يمثلوا ما في الحياة البشرية من حكمة وجمال، وغرابة وسخافات. فنحتوا أو صبوا رؤوساً ذات روعة اهومر، ويوربديز، وسقراط. وصنعوا عدداً من التماثيل الملساء الرقيقة لهرمفرديتي Hermaphrodite يستلفت العين جماها الغامض؛ وهي قائمة في متحف العاديات باسطنبول، أو في معرض بورجا في رومة، أو في متحف اللوفر. وكان الأطفال في هذه التماثيل يقفون وقفات طبيعية منشطة، كوقفة الغلام الذي يخرج شوكة من قدمه؛ والغلام الأخر الذي يقاتل إوزة . وأجمل ما في هذا الصنف من التماثيل تمثال الشاب القائم للصلاة والذي يتجلى الإيمان في وجهه، ويعزى هذا التمثال إلى بؤيثس Boëthus تلميذ ليسبوس . وكان المثالون يذهبون إلى الغابات ويصورون جن الغاب كجنية بربريني المحفوظ تمثالها في ميونخ Munich أو الساترات الفرحة كتمثال سلينس السكرى المحفوظ في متحف نابلي. وكانوا يضعون في مواضع متفرقة بين صورهم الوجنتين المتوردتين والحيل الخادعة الماكرة التي يعزوها الأقدمون إلى إله الحب.
The Winged Victory of Samothrace (Hellenistic), The Louvre, باريس
Laocoön and His Sons (Late Hellenistic), Vatican Museum
Late Hellenistic bronze statue of a mounted jockey, National Archaeological Museum, Athens.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الرجال
الهوامش
- ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود..
قائمة المراجع
- Andrew Stewart: Greek Sculpture, Yale, 1990.
- John Boardman: Greek Sculpture:The Archaic Period, 1978.
- John Boardman: Greek Sculpture:Classical Period, 1987.
- John Boardman: Greek Sculpture:The Late Classical Period, 1995.
- R.R.R Smith: Hellenistic Sculpture, 1991.
- Jenifer Neils: The Parthenon Frieze, 2006.