الدولة السعودية الثانية

Coordinates: 23°0′N 45°30′E / 23.000°N 45.500°E / 23.000; 45.500
الدولة السعودية الثانية

1824–1891
علم السعودية
Flag of Saudi State
Location of السعودية
العاصمةالرياض
اللغات الشائعةالعربية
الدين الإسلام الوهابي
الحكومةملكية
إمام 
التاريخ 
• استعادة الرياض
1824
1891
سبقها
تلاها
الدولة العثمانية/ولاية مصر
آل رشيد
Today part ofFlag of Saudi Arabia.svg السعودية
قطر قطر[1]
Flag of the United Arab Emirates.svg الإمارات العربية[2]
عُمان عُمان[3]
البحرين البحرين[4]

الدولة السعودية الثانية، هو اسم يطلقه المؤرخون على الدولة التي أقامها آل سعود في الجزيرة العربية ما بين سقوط الدولة السعودية الأولى سنة 1818 واستيلاء محمد بن عبد الله بن رشيد أمير حائل على نجد سنة 1891. ويعتبر تركي بن عبد الله مؤسس الدولة السعودية الثانية، وقد جعل عاصمة دولته في الرياض بعد تدمير مدينة الدرعية، عاصمة السعوديين السابقة، على يد المصريين بقيادة إبراهيم باشا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التاريخ

خريطةالسعودية قديماً.

في العقد الخامس من القرن التاسع عشر أزيحت مصر في الواقع من المسرح السياسي في الجزيرة العربية. ولم تكن لدى الباب العالي بعد إمكانية ورغبة في التدخل النشيط في شئون نجد. وكان الإنجليز مشغولين بتعزيز مواقعهم على ساحل الخليج العربي وخليج عمان وفي عُمان نفسها. ومن جديد تركت أواسط الجزيرة وشأنها وتهيأت فيها الظروف لبعث الدولة السعودية في أراضي محدودة.


جلاء القوات المصرية

أم سعود وإحدى زوجاته كانت من قبيلة العجمان الذين سكنوا المنطقة الواقعة بين الكويت ونجد، وكانوا على عداوة وكراهية لعبد الله الذي أيّدته قبائل قحطان.

لم يتمكن الأمير خالد من البقاء في سدة الحكم بعد جلاء قوات خورشيد باشا من أواسط الجزيرة إلا عاماً واحداً. وعندما استسلم محمد علي عام 1840 أبدى الباب العالي ادعاءه في نجد متحججاً بأن، الذي احتلها كان والياً للسلطان العثماني، ولذا يجب اعتبار خالد تابعاً للعثمانيين. وعلى أية حال، هذا ما قاله المؤرخ التركي المعروف جودت. إلا أن مواقع خالد كانت تضعف وتتدهور. فقد كان مكروهاً من قبل الجميع بوصفه صنيعة للمصريين. وخلال فترة نفيه إلى مصر تكونت لديه فكرة ما عن التعليم الأوروبي، الأمر الذي أضر به في نجد، ولم يخدمه على ما يبدو. وكان قد انهمك في الملذات، مما ألحق ضرراً كبيراً بسمعته. أما الجنود المصريون المتبقون فقد انخرطوا في الابتزاز ولم يكونوا يستلمون رواتبهم. وبدأت النزاعات القبلية الإقطاعية من جديد.

وعندما توجه خالد إلى خورشيد باشا في أغسطس 1841 لتوديعه رفع راية الإنتفاضة أحد أقربائه البعيدين وهو عبد الله بن ثنيان، إبن حفيد مؤسس الأسرة السعودية والممثل الوحيد لفرع آل ثنيان الذي حكم نجد في فترة ما. وكان إبن ثنيان قد فر في السباق إلى قبيلة المنتفق في جنوب العراق ثم ظهر في نجد وحظي تأييد حاكم الحريق التركي الهزاني الحليف السابق للإمام فيصل وآل الشيخ محمد بن عبد الوهاب وكذلك قبائل سبيع وعجمان وآل مرة. وفي الخريف سحب خالد قواته إلى المنطقة الشرقية إما طلباً للنجاة وإما أملا في استجماع القوى. ولكنه لم يعد بعد ذلك إلى الرياض مطلقاً.

وبعد خروج خالد فرض ابن ثنيان سيطرته على نجد وكانت لديه في البداية بعض مئات فقط من الأتباع، ولكن عددهم ازداد كثيراً فيما بعد. وفي أواخر عام 1841 استولى بن ثنيان على الرياض. وبعد أن، وافقت الحامية المصرية في القلعة على الجلاء تحررت نجد بالكامل من القوات الأجنبية. ويبدو أن، الحاميات المصرية الأخرى قد تفرقت. فنحن لانعرف عنها شيئاً بعد الآن.

حاول ابن ثنيان تعزيز مركزه كأمير للرياض، ولكن سلطته لم تشمل في الواقع القصيم وجبل شمر والمنطقة الشرقية. وقد وجه حملته الأولى إلى الإحساء عندما كان خالد لا يزال موجوداً فيها مع فصيل من المرتزقة المصريين. ومني خالد بهزيمته ففر إلى البحرين ثم إلى الكويت، ومن هناك إلى الحجاز حيث أقام وأخذ يستلم راتباً من محمد علي. وأرسل أمير نجد إلى الهفوف عمر بن عفيصان الذي تمكن بالتدريج من فرض سيطرة على النجديين على هذه المنطقة، بل واستطاع أن ينتزع العقير من البحرانيين.

كانت أساليب ابن ثنيان قاسية، وربما كانت موروثة عن الاحتلال المصري. فقد كان كثيراً ما يفتك بخصومه، مثل آل سديري الذين عارضوه، وذلك خلافاً لتقاليد الجزيرة العربية التي تنص على العفو عند المقدرة. وكان الأهالي يكرهونه لأنه حاول على ما يبدو أن، يجمع المزيد من الأموال بشكل زكاة من البلد المدقع. وكان المؤرخ الشمري ضاري بن الرشيد يعتبره رجلاً شجاعاً ولكنه أراق دماء كثيرة وقتل كثيراً من المؤمنين. كان الناس يكرهونه ويحبون فيصل.

هرب فيصل بن تركي من مصر في عام 1843 بعد أن كان أسيراً فيها منذ عام 1838. ويعتقد بعض المؤرخين أن عباس باشا حفيد محمد علي ساعده على الفرار. والأغلب أن محمد علي وورثته أدركوا أن وجود إمارة مستقلة في أواسط الجزيرة العربية يجعلها خصماً للدولة العثمانية.

ووصل فيصل إلى جبل شمر حيث استقبله عبد الله آل رشيد وأخوه عبيد بالترحاب بوصفه صديقاً قديماً. كانت سلطة عبد الله قد شملت كثيراً من القبائل غير الشمرية. (كان جميع البدو من القصيم حتى حوران، ومن بلاد إبن سعود في شرقي نجد حتى جبال الحجاز، خاضعين وملزمين بالاعتراف بسلطة ابن رشيد حيث يدفعون له الزكاة). وعندما اقتضت الحاجة الاختيار بين السيطرة المصرية والتبعية لفيصل اختار عبد الله التبعية، لاسيما وأن فيصل كان صديقه الشخصي، الأمر الذي يعتبر عاملاً سياسياً ليس بقليل الأهمية في ظروف الجزيرة. وعرض حاكم حائل على الأمير فيصل رجالاً ودواباً ونقوداً. وعبأ ابن ثنيان أنصاره ولكن أفراد عساكره سرعان ما بدأوا يفرون.

ومما أعاق خطط فيصل العداء بين أهالي جبل شمر والقصيم، وخصوصاً بين أهالي جبل شمر ومدينة بريدة. وكان متوقعاً أن حاكم بريدة سيضمر العداء لفيصل لأن ابن رشيد صار من أنصاره. إلا أن مدينة عنيزة ربط مصيرها بمنافسة ابن ثنيان.

وانتقلت نجد بالتدريج إلى جانب فيصل – في البداية انتقلت القصيم، ثم سدير والوشم. وفر ابن ثنيان إلى الرياض. وحظي فيصل بتأييد قبائل سبيع والسهول والعجمان وكذلك مطير. وفي صيف 1843 سقطت الرياض، وتم القبض على ابن ثنيان وتوفي في السجب في يوليو من العام ذاته، ويعتقد المؤرخ ضاري بن الرشيد أن حرس السجن أعدوا الأمير المخدوع، فقد كان بينهم أشخاص قتل الأمير أقاربهم في حينه. وعندما سلم فيصل منافسه إلى هذا الحرس كان قد حكم عليه بالموت بهذه الطريقة.

وبعثت الإمارة النجدية من جديد بعد تسع سنوات من الفوضى والصراع الداخلي والاحتلال الأجنبي. وصار فيصل سيدا في دياره من جديد لمدة تقرب من عشرين عاما. كانت القوى المركزية تعمل بسرعة كبيرة على توحيد مناطق أواسط الجزيرة وشرقيها كلما ظهرت شخصية قوية وانعدم الخطر الخارجي المباشر. ومما لاريب فيه أن فيصل كان حاكما قويا. وكانت لديه خبرة في الحياة في مصر الأكثر تطورا وخبرة الحكم في ظروف الجزيرة العربية والقدرة على الجمع بين الشدة واللين والاستعداد للمساومة مع الإصرار. وكانت الصلات المتزايدة مع المصريين والأتراك والإنجليز قد حملت أمير الرياض على إبداء المزيد من الاعتبار للعالم الخارجي.

بعث إمارة السعوديين في الرياض

نشات الدولة السعودية الجديدة على مساحة من الأراضي أقل من أراضي إمارة الدرعية. وكانت الحركة الإنفصالية قوية فيها رغم الاستقرار المتزايد. ويقول فيلبي:

Cquote2.png سرعان ما استأنفت نجد في عهد فيصل (سير الأمور الطبيعي المعتاد، ولكن ذلك لم يكن على الإطلاق مرادفا للحياة في سلام ووئام وازدهاز، لتلك الأمور التي كانت على الدوام ظواهر نادرة أو تتخيلها ظواهر أخرى في البادية. Cquote1.png

كانت المهمة الأولى للأمير بعد السيطرة على المناطق الوسطى في نجد من استعادة المنطقة الشرقية. وفي خريف 1843 حاصر مدينة الدمام التي يسيطر عليها البحرانيون. وفي تلك الأثناء نشب في جزر البحرين نزاع داخل الأسرة الحاكمة وفر الحاكم السابق إلى القسم القاري واستقر في الدمام. وفي الوقت ذاته سدد فيصل الضربة إلى قبائل المناصير وآل مرة وبني هاجر التي ساعدت على تموين القلعة.

وفي مارس 1844 استسلمت حامية البحرين. واستولت العساكر النجدية على غنائم كبيرة. وبدلاً من البحرانيين ترك أمير الرياض في القلعة حامية نجدية من مائة شخص. ووافق حاكم البحرين الجديد محمد بن خليفة على استئناف تسديد الأتاوات السنوية للرياض وتسديد الديون مقابل تصفية منافسه. وهكذا بدأ فيصل مرحلة جديدة من حكمه حيث دمر قوات البحرانيين التي لم تكن كبيرة ولكنها كانت تقض مضجعه، واستأنف سيطرته على جزر البحرين.

واندلعت في المنطقة الشرقية إنتفاضات مرتبطة بالصراع بين قبيلتي بني خالد والعجمان، كان بدو العجمان يسلكون الطريق المعتاد لنزوح قبائل الجزيرة – من الجنوب إلى الشمال أو من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي. وكانوا قد نزحوا من نجران ضعفاء مشتتين. ولم تكن لدى النازحين الجدد مراع خاصة بهم.

فصاروا يعتمدون على القبائل الأخرى حيث تحولوا إلى زبائن لها غير متكافئين. بيد أن الأمير تركي أخذ يدعمهم وهيأ لهم إمكانية الإقامة في المنطقة الشرقية، وهي منطقة عائدة تقليديا لبني خالد. ويبدو أن، من أهداف هذه الإقامة إيجاد قوة توازن لمواجهة بني خالد ووجهائهم الذين كانوا يتمردون على الرياض بين الحين والآخر، بل وكانوا ينافسون أمراءها في وقت ما. وصار العجمان أكثر قوة وجسارة.

وفي نوفمبر 1845 هجم علهيم فيصل بعساكر كبيرة، وفي عام 1846 دمرهم عن بكرة أبيهم. وحضر صغار شيوخ العجمان وحلفاؤهم من سبيع إلى الإمام فيصل وأعلنوا عن خضوعهم له. وطوال خمسة عشر عاما لم يسمع أحدا شيئا من العجمان.

وبعد أن فرض فيصل سيطرته على المنطقة الشرقية انشغل بالجنوب، بالأفلاج ووادي الدواسر. ففي عام 1845 أرسل قواته إلى الأفلاج لإخماد القلاقل هناك. وعندما كان أمير الرياض مشغولاً بإخماد حركة العجمان وإحلال النظام في المناطق الجنوبية من نجد اندلع من جديد العداء القديم بين القصيم وجبل شمر. وسدد عبيد ضربة شديدة إلى فيصل من عنيزة ونظم عبيد آل رشيد شعراً بخصوص انتصاره. وفيما بعد، عندما زار الجزيرة شارلز دوتي، وهو من أعظم الرحالة الإنجليز، سمع ذالك الشعر تتناقله الألسن. كانت قصيدة عبيد افتخاراً عادياً بالنصر. فهو ينجح بكونه قد قتل 90 من الأعداء حتى تعبت يده من حمل السيف وتخثر دم الأعداء على ردنه. وواجه ابن رشيد صعوبة كبيرة في تهدئة فيصل الذي اشتاط غضباً بسبب الحرب بين أتباعه. وبعث حاكم جبل شمر إلى أمير الرياض رسالة توضيحية منظومة، يقال أنها أثرت في فيصل تأثيراً حسناً.

وطالما كان عبد الله بن رشيد على قيد الحياة ظلت العلاقات ودية بين حائل والرياض. واعتبر عبد الله نفسه تابعاً لفيصل، ولكنه احتفظ باستقلالية واسعة. وبالإضافة إلى الصداقة التي تربط بين الأميرين فقد ربطت بينهما صلة القربى، إذ تزوج عبد الله الإبن الأكبر لفيصل من إبنة عبد الله بن رشيد، بينما تزوج طلال إبن حاكم حائل من إبنة فيصل. وكان عبيد، شقيق حاكم حائل، يقضي كل سنة شهرين أو ثلاثة في الرياض حيث يحل ضيفاً على فيصل. وقد توسعت منطقة جبل شمر إلى الشمال. ففي عام 1838 مثلاً انضمت إليها منطقة الجوف وهي واحة كبيرة تقع على بعد 350 كيلو مترا تقريبا شمال غربي حائل. وفي مايو –يونيو 1837 توفي عبد الله. وحل محله إبنه طلال البالغ الخامسة والعشرين من العمر، وبعث إلى الرياض إبلا وخيلا بمثابة هدية تعبر عن استمرار تبعيته للحكومة المركزية.

مشكلة القصيم، الصراع مع العجمان

لم يتمكن فيصل من فرض سيطرته بصورة تامة على القصيم. وكانت هذه المنطقة، كما تفيد حسابات يوبير الخاصة بالسبعينيات، تضم حوالي 20 مدينة وقرية. وكان في بريدة التي تعيش بالأساس على تجارة الإبل والنقل بالقوافل حوالي 10 آلاف نسمة. وقبل ستينيات القرن التاسع عشر حكمها أكبر إقطاعي المنطقة – آل عليان. وكان عدد سكان عنيزة، حسب معطيات يوبير، 18-20 ألفاً. وكان يعيش حوالي ألف شخص آخرين في القرى المحيطة بها. وكان أمراء الإقطاعية التي حكمت عنيزة، آل زامل، شأنهم شأن سائر الأمراء، ينتمون إلى وجهاء البدو الذين استقروا فتحولوا إلى حضر، ولكن سلطتهم على العكس، كانت مفيدة كثيرا. ونعت الرحالة عنيزة بأنها (جمهورية مدنية)، ونعتوا أميرها بأنه (أول المتكافنين)، بل وقالوا عنه أنه بمثابة (رئيس جمهورية منتخب).

وكان القول الفصل في شئون عنيزة يعود للأثرياء من أهاليها الذين يقدمون إلى المتطوعة جملاً أو جملين مع اثنين أو أربعة من الهجانة ويدفعون بدلاً دائمياً للصرف على الحراس والعبيد وتسديد أجور الرعاة وتكاليف الضيافة العامة. وكانوا يشاركون مع الأعيان والوجهاء الإقطاعيين في تصريف شئون عنيزة عن طريق مجلس الإمارة. ويصادف أن تتوتر العلاقات بين الوجهاء الإقطاعيين والتجار وبين فقراء المدينة، الأمر الذي تدل عليه بصورة غير مباشرة ملاحظة دوتي: "...الكثير من الفقراء يعارضون زامل بغضب مكشوف يلومونه وهو صبور حكيم".

وفي عام (1846-1847) عندما غزا شريف مكة نجد أبدى أهالي القصيم استعدادهم للتعاون معه. وبعد انسحاب الحجازين غير أمير الرياض حكام المدن الرئيسية. إلا أن شتاء وربيع 1848-1849 تصرما في إخماد إنتفاضة جديدة في القصيم. فالوجهاء المحليون لم يعترفوا بالأمراء الذين عينتهم السلطة المركزية، إذ كانوا يؤيدون هذا الفرع من العوائل الحاكمة سابقاً أو ذاك. وكان القتل يعقب الخيانات، الخيانة تعقب فترات السلم، وكانت المبايعة تعقب العصيان المتكرر، ولكن المنطقة ظلت غير خاضعة.

وكان أمير بريدة عبد العزيز آل عليان هو الزعيم المعترف به للمنطقة. وقد نحاه فيصل عدة مرات ولكنه كان يعينه من جديد كل مرة. وغدا عبد العزيز حاكماً لبريدة من جديد في مطلع عام 1851. ويبدو أن أمير الرياض لم يتمكن من الحصول على تأييد وجهاء القصيم ولم يستغني عن المساومة مع زعيمها المعترف به. وفي السنوات الثلاث اللاحقة انصب اهتمام أمير الرياض على غزوات مختلف القبائل. ففي مايو 1854 تمردت عنيزة من جديد. ولم يكن وجهاؤها، وخصوصاً آل زامل، راضين عن حكم جلوي، عامل الأمير فيصل، في القصيم. ويقول دوتي أن حاكم القصيم هذا كان ينهب السكان ويستأثر بأموالهم. وبدأ التمرد.

وكانت مشاركة الفقراء في هذا التمرد قد أضفت عليه صبغة جديدة. فقد هب ضد مضايقات أمير الرياض القسم الأكثر فقراً من السكان، في حين لم يؤيد التجار الأثرياء المتمردين. وعلى أثر جلوى فر من من عنيزة الشيخ عبد الله أبو بطين الذي كان قاضياً لهذه المدينة مدة طويلة وأخلص الولاء للرياض. وصار عبد الله بن يحيى آل زامل الملقب سليم أميراً لعنيزة.

وفي أواخر 1855 انتهى التمرد صلحاً. واضطر فيصل إلى تنحية حاكم المنطقة الذي عينه بنفسه، بينما ظل زعيم المتمردين عبد الله بن يحيى في منصبه. وفي أواسط الخمسينيات هطلت الأمطار غزيرة وكان المحصول جيداً فهبطت الأسعار. إلا أن وباء الكوليرا تفشى في نجد آنذاك. كان الوباء قد بدأ في الهند ونقل الحجاج عدواه إلى مكة في عام 1846، وانتشر منها في أوروبا وأمريكا.

وفي عام 1860 واجه أمير الرياض تمرداً جديداً من العجمان الذين صاروا أكثر جسارة. وأرسل الأمير قوات كبيرة بقيادة إبنه عبد الله إلى الشرق، حيث نشبت على مسافة ثلاثين كيلو متراً تقريباً جنوبي مدينة الكويت في 9 إبريل 1860 معركة جديرة بالتقاليد البدوية الجاهلية، فقد أجلسوا الفتيات من قبيلة العجمان وبنات أو قريبات الشيوخ في هوادج خاصة على سبعة جمال. وأسبلت سبع من أجمل بنات عوائل الوجهاء شعورهن وارتدين أفضل ملابسهن وظهرن في مقدمة البدو يطلقن صيحات الحرب. وكان المحاربون متحمسين إلى أقصى حد، لأنهم يرون بأم العين أنهم سيحاربون، فيما يحاربون، من أجل سلامة بناتهم الحسناوات اللواتي يمثلن شرف القبيلة. وكانت المعركة دموية لأن العجمان واجهوا قوات من أبناء المدن والحضر الأكثر تنظيما وانضباطا وهي قوات عززها محاربون من قبائل سبيع والسهول وقحطان ومطير. وقتل حوالي 700 من العجمان ففروا تاركين الفتيات والجمال وكل مايملكون. واختبأ في الكويت من ظل على قيد الحياة. وعمت البهجة والاحتفالات بهذا الحادث في الرياض وكذلك في البصرة والزبير اللتين تضررتا من غزوات العجمان وأرسلتا بعد النصر هدايا ثمينة إلى عبد الله.

إلا أن النصر الحقيقي كان بعيداً. فالعجمان احتفلوا بقوات كثيرة وتحالفوا مع قبيلة المنتفق القوية في جنوب العراق. وسرعان مابدأت القبيلتان غزو أطراف البصرة والزبير والكويت. وأعلن فيصل الجهاد. ونشبت معركة الجهراء في 27 مارس 1861، وتم من جديد دحر العجمان والمنتفق. وحاصر النجديون خصومهم ودفعوهم إلى مياه الخليج، وعندما ارتفع المد ابتلعت المياه حوالي ألف وخمسمائة محارب ممن لم يكونوا مطلعين على هذا النوع من الأخطار. وآثار النصر موجة جديدة من الفرح في العراق وفين جد على حد سواء. إلا أن انتصارات عبد الله الدموية على العجمان قد تركت لعشرات السنين حقدا عليه في هذه القبيلة، الأمر الذي كان فيما بعد من الأسباب التي حرمته عرشه.

وبعد النصر شرقاً توجه عبد الله إلى القصيم. وقرر عبد العزيز أمير بريدة الهرب خشية مواجهة مخاطر أكبر. توجه إلى عنيزة ومنها إلى مكة. إلا أن فصيلاً أرسله عبد الله بن فيصل اختطف عبد العزيز في الطريق وقتله مع إبنه. واختطف إبن آخر لحاكم بريدة ممن كانوا قد شاركوا في حملة عبد الله على العجمان وقتل في السجن. ورغم الإنتصارين الكبيرين في 1860-1861 واجهت إمارة فيصل خطراً جديداً. وكان مبعثه هذه المرة أيضا هو القصيم، وخصوصا عنيزة. كان أهالي عنيزة قد نعتوا تمردهم على الرياض في 1854-1855 بالحرب الأولى، أما العمليات الحربية التي بدأت في عام 1862 فقد نعتوها بالحرب الثانية.

ظهر محاربون من عنيزة في ضواحي بريدة، ونشبت صدامات في المنطقة كلها. وأعلن فيصل الجهاد من جديد. ونشبت معركة كبرى في أطراف عنيزة في 8 ديسمبر 1862. وذكر دوتي تفاصيل تلك المعركة. ساعدت النساء رجال عنيزة بتزويدهم بالماء وحمل الجرحى. وكان رجال عنيزة مسلحين ببنادق الفتائل. وقاتل محاربو أمير الرياض أساساً بالرماح والسيوف. وفي معمعان المعركة هطلت الأمطار فتعطلت بنادق فصيل رجال عنيزة فاندحروا وأبيدوا عن بكرة أبيهم تقريباً. وقتل منهم حوالي 200 شخص. وكانت عساكر أمير الرياض حوالي ألف محارب. ويتضح من ذلك نطاق العمليات الحربية.

واضطر أهالي عنيزة إلى الاحتماء بأسوار مدينتهم. وفي بداية عام 1863 استلمت عساكر أمير الرياض قرب عنيزة إمدادات من جبل شمر والمنطقة الشرقية. وكانت لدى قوات الحصار عدة مدافع. وطلب رجال عنيزة الصلح. ولما كان أمير الرياض عاجزا عن تدمير عنيزة ووافق من جديد على العفو عن أهالي المدينة وإبقاء حكامهم السابقين. وكانت سلطة الرشيد قد شملت كثيرا من القبائل غير الشمرية. وكانوا خاضعين وملزمين بالاعتراف بسلطة ابن رشيد حيث يدفعون له الزكاة، ولكن كان هناك مناوشات مع قبيلة بني رشيد وكانت ممتنعة عن الدفع لابن رشيد مما جعله يعقد حلف مع شيخ بني رشيد قاسم بن براك على ألا يتعرض لقوافلهم مقابل الا يشن بن رشيد هجوم على قبيلة الرشايدة.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

علاقات نجد مع الحجاز والحكومة العثمانية

كانت علاقات نجد مع الحجاز معقدة دوماً. وظل الباشوات العثمانيون في جدة والمدينة وشريف مكة يدعون بحق التدخل في شئون أواسط الجزيرة. وفي عام 1846 شن الشريف محمد بن عون حملة على نجد متحججاً برفض فيصل دفع الأتاوات للباب العالي. وقد جرت العادة على أن يدفع أمير الرياض 10 آلاف ريال، وربما كان ذلك من شرود (فراره) من مصر. والحجة الأخرى لحملة الشريف هي القلاقل في القصيم التي جعلت حاكم مكة يأمل في الحصول على مساعدة فعالة في هذه المنطقة.

كانت عساكر محمد بن عون تتكون من حوالي ألفي شخص، وهم بالأساس من البدو. ومعهم فيصل صغير من القوات التركية النظامية. وفي ربيع 1847 وصل الشريف إلى القصيم دون أن، يواجه مقاومة في الطريق. إلا أن فيصل كان يستعد بهمة للحرب. وكانت القوى متعادلة تقريبا، فكان الطرفان يتحاشيان الاشتباك في المعركة. وأرسل فيصل (هدية) إلى محمد بن عون، وهي في الواقع أتاوة لمرة واحدة يبلغ 10 آلاف ريال ومعها خيول وإبل. ويبدو أن الاتفاق نص من جديد على دفع 10 آلاف ريال سنويا، ولكن من الصعب القول بكيفية تنفيذه. وفي عام 1854-1855 أثناء القلاقل في الحجاز تخلف فيصل عن إرسال الجزية. حاولت السلطات العثمانية أن تحقق في عسير واليمن مالم يتمكن والي مصر من تحقيقه. وفي إبريل 1849 قامت القوات التركية بإنزال من السفن الحربية في الحديدة. ووصل إلى الحديدة أيضاً فصيل بقيادة شريف مكة محمد بن عون. ووافق إمام اليمن على وجود حامية عثمانية في صنعاء ودفع الأتاوات إلا أن الأتراك انهزموا في عسير واليمن في عام 1851-1852.

وعزز شريف مكة مواقعه وأقام علاقات طيبة مع قبائل عسير ومع قبيلة حرب الحجازية، كما أقام ارتباطاً مع عباس باشا والي مصر. إلا أن هذا السلوك بالذات أثار ارتياب السلطات العثمانية. وفي عام 1852 وصل إلى والي جدة أمر بنفي الشريف محمد بن عون وإبنيه الأكبرين إلى العاصمة العثمانية. وأمكن القيام بذلك بخديعة غادرة. وعين المدعو عبد المطلب شريفاً لمكة.

اجتاحت الحجاز في الخمسينيات قلاقل خطيرة كان من أسبابها تأخر دفع رواتب الجنود الأتراك سنة كاملة. وفي 1855-1856 فقد الأتراك مؤقتاً السيطرة على مكة وتعين عليهم أن يبذلوا جهوداً كبيرة لاستعادة سلطتهم هناك بإعادة إبن عون الذي ورث إبنه عبد الله منصبه بعد عامين. وطرد أهالي عسير الحاميات العثمانية. ولم يتمكن الأتراك من إرسال القوات بانتظام إلى سواحل الجزيرة العربية على البحر الأحمر واحتلال عسير من جديد في عام 1871 إلا بعد شق قناة السويس عام 1869.

في عام 1858 قتل في جدة نائب القنصل البريطاني ونائب القنصل الفرنسي وأربعة عشر من الرعايا المسيحيين، ونهبت منازلهم. وفر الذين ظلوا على قيد الحياة إلى الفرقاطة البريطانية سايكلوبس التي قصفت المدينة وقامت بإنزال فصيل بريطاني غير كبير. وبحضور الإنجليز قطعت رقاب 11 شخصاً، ثم جرى إعدام مدير الشرطة ورئيس الحضرميين والقائم مقام.

ومع أن إمارة الرياض كانت آنذاك مستقلة في الواقع عن الدولة العثمانية التزم فيصل بقدر كبير من الحذر وسعى إلى تحاشي الصدام مع الأتراك. ولم يقم بغزوات على الشام والحجاز والعراق. وفي عام 1855 وعام 1860 أكد فيصل في مراسلاته مع الإنجليز بشأن الأوضاع في الخليج بأنه يعتبر نفسه تابعاً للباب العالي. وكان هذا التأكيد نافعاً له في علاقاته مع الإنجليز. وكان الموظفون العثمانيون، عندما تقتضي مصالحهم، يتحدثون أيضاً عن السيادة العثمانية في أواسط الجزيرة.

التناقضات بين إمارة الرياض وبريطانيا في منطقة الخليج

كتب ج. لوريمير عن السياسة البريطانية إزاء إمارة الرياض يقول: "إنها عدم التدخل في إمارات الساحل والمقاومة المعتدلة في سلطنة عمان والمعارضة بلا هوادة في البحرين". وهو يرى أن، هذه السياسة مبعثها هجمات الوهابيين العدوانية المتواصلة على طوال خط الساحل.

إلا أن، أمير الرياض كان يعتبر المناطق الساحلية ملكاً له. فقد تحدث الأمير فيصل عن دولته إلى بيلي وقال له ما فحواه: إنها تشمل أراضي الجزيرة العربية من الكويت عبر القطيف ورأس الخيمة وعمان ورأس الحد وكل مايقع وراء ذلك. هذا ما وهبنا الله. وأضاف فيما بعد: مسقط تابعة لنا. وقد أخذناها بقوة السلاح. ويرى أمير الرياض أن، الإنجليز عندما يفرضون حمايتهم على حكام الساحل إنما يتدخلون فيما لايعنيهم. ولكن فيصل يعرف قوة بريطانيا.

ظلت العلاقات بين فيصل وحاكم الكويت ودية. إلا أن حرباً طويلاً كانت قائمة بين نجد والبحرين. ولم تسفر الصدامات الجديدة بين إمارة الرياض والبحرين في عام 1845-1846 عن انتصار لأمن الطرفين. ولم يستمر الصلح طويلاً. ففي خريف 1850 اندلعت الحرب من جديد بين نجد والبحرين. واحتلت عساكر فيصل قطر. وحظي أمير الرياض بدعم من فرع انقلب على عائلة حكام البحرين، الأمر الذي ساعده في تكوين أسطول له والتحضير لانزال على جزر البحرين. إلا أن عمارة بريطانية أرسلت آنذاك للدفاع عن البحرين، فأنقذت حاكمها من الهزيمة. واضطر فيصل إلى الإتفاق بشأن الصلح مع البحرانيين، ولكنه تمكن من جعلهم يدفعون الأتاوات والديون السابقة. كما أنه نصب في قلعة الدمام منافسي حكام البحرين.

وفي عام 1859، عندما تهيأ النجديون للهجوم من جديد على البحرين أبلغ المقيم البريطاني في منطقة الخليج الكابتن جونس الأمير فيصل بأن الحكومة البريطانية تعتبر البحرين (إمارة مستقلة) وهي مستعدة للدفاع عنها دون أية هجمات.

وفي عام 1861 فرض الكابتن جونس بمدافع العمارة البريطانية على شيخ البحرين إتفاقية كالاتفاقيات التي اضطرت الإمارات الصغيرة على ساحل الصلح البحري أن، تقبل بها في السابق. وغدت البحرين محمية بريطانية ولم تعد تتعرض لادعاءات الحكام السعوديين. صحيح أنها ظلت تدفع الأتاوات لأمير الرياض لقاء ممتلكاتها في قطر.

وفي العام نفسه حاول الإنجليز أن يخلصوا أنفسهم من التبدلات غير المتوقعة في العائلة الحاكمة البحرانية وبعثوا إنذاراً لفيصل يطالبونه فيه بطرد منافس حاكم البحرين من الدمام. وقصفت العمارة البريطانية الدمام دون أن، تنتظر وصول الجواب. وفر من القلعة محمد بن عبدالله آل خليفة. وفي عام 1867 نشبت من جديد معركة بين عساكر أمير المنطقة الشرقية والبحرانيين. ويقول النبهاني، مؤرخ البحرين، أن تلك كانت آخر معركة في البحرين لأن الإنجليز وصلوا بعد ذلك.

وكانت عُمان أيضاً موضع تنافس بين النجديين والإنجليز. وبعد أن عاد فيصل إلى دست الحكم في عام 1845 سرعان ما أرسل إلى البريمي قوات بقيادة سعد بن مطلق. وكان هذا العقيد حاكماً للبحرين حوالي ثلاثين عاماً وخدم عند تركي ثم عند إبنه فيصل في العهد الأول من حكمه، وعند خورشيد باشا وخالد ثم عند فيصل من جديد، وكان مطلعاً اطلاعا ممتازاً على شئون عمان. وطلب الشيوخ المحليون النجدة من الإنجليز، إلا أن هؤلاء كانوا لايزالون يتحاشون التدخل المباشر في شئون البر.

وعلى أثر وصول سعد بن مطلق إلى البريمي طالب عدداً من الحكام المحليين بدفع الأتاوات، ومنهم سلطان مسقط وحاكم الصحار. وعزز مطلبه بإرسال فيصل إلى مسقط. إلا أن الإنجليز أخذوا يمارسون الدوريات عند ساحل الباطنة، فانسحب سعد بن مطلق ووافق على استلام جزية سنوية من مسقط مقدارها 7 آلاف ريال.

وفي عام 1848 تمكن حاكم أبو ظبي من الاستيلاء على البريمي. إلا أن منافسيه من دبي والشارقة ساعدوا إبن مطلق على العودة بعد بضعة شهور. ثم نجاه فيصل من منصبه عام 1850 وسرعان ما توفى. وفي مارس 1850، عندما تقلصت الحامية النجدية في البريمي إلى 50 شخصاً استولى حاكم أبو ظبي على البريمي من جديد. وفي عام 1853 وصلت إلى هنا عساكر بقيادة عبد الله، إبن الإمام فيصل. وأسرع شيوخ العشائر وحكام إمارات الساحل للإعراب عن خضوعهم للرياض. فقد كان نفوذها كبيرا آنذاك، إلا أن المعتمد البريطاني الكابتن كمبيل تمكن من مقابلة الحكام المحليين وأرغامهم على توقيع معاهدة الصلح الدائمة. ووصلت عساكر النجديين إلى مسقط فأنقدتها العمارة البريطانية من جديد، إلا أن حاكمي الصحار ومسقط التزما بدفع 12 ألف ريال سنويا إلى الرياض.

وفي ديسمبر 1853 غادر عبد الله البريمي بعد أن، عين أحمد السديري حاكماً لها، وظل هذا الأخير في منصبه حتى عام 1857. ورغم التبعية للإنجليز ظلت مسقط والصحار وإمارات الخليج تدفع الأتاوات لإمارة الرياض. ولم تكن الأراضي التي يشرف عليها النجديون محددة بدقة، فهي تتقلص تارة وتتسع تارة أخرى. مع أن، لديهم أحياناً عمال جباية الزكاة في قسم كبير من أراضي عمان، وورث منصب أحمد السديري إبنه تركي الذي ظل حاكماً للبريمي من 1857-1869.

سقوط إمارة الرياض ونهوض إمارة جبل شمر

توفي فيصل بن تركي في ديسمبر 1865. وفي الحال بدأ الصراع من أجل السلطة بين أبنائه. وتسلم مقاليد الحكم ولي العهد عبد الله الذي حظي بتأييد سكان العارض وكذلك أخيه الأصغر محمد. وكان أخوه الآخر – سعود – منافساً له. وأخذ الإنجليز الذين لهم مصلحة في إضعاف إمارة الرياض يشجعون مطامع سعود. كان عبد الله يسعى في إمارته الضعيفة غير المستقرة إلى تقوية المركزية فأثار بذلك استياء الوجهاء والأعيان في الأطراف.

ويقول بلگريف أن عبد الله كان رجلاً نشيطاً شجاعاً، ولكنه كان صارماً قاسياً، الأمر الذي يروق لسكان المدن المحافظين. أما سعود فكان صريحاً سخياً يحب الفخفخة، الأمر الذي يروق للبدو. إن فيلبي متفق مع أقوال بلگريف هذه بالخطوط العريضة. كانت أم سعود وإحدى زوجاته من قبيلة العجمان الذين يكرهون عبد الله وصاروا من أخلص حلفاء سعود. أن قحطان فقد أيدوا عبد الله.

وكان أول ما فعله عبد الله بعد أن تولى الحكم هو قضية عمان وليس الصراع مع أخيه، فهذا الصراع سيأتي وقته. قبيل وفاة فيصل كان إبن قيس حاكم الرستاق في عمان، وهو من أبناء فرع جانبي للعائلة الحاكمة في مسقط، قد ثار على قريبه ثويني سلطان مسقط وطلب المساعدة من تركي آل سديري حاكم البريمي. وتم في أواخر عام 1864 طرد قوات ثويني بمساعدة فيصل تركي آل سديري. وانتهز حاكم الرياض فيصل هذه الفرصة فحاول إرغام سلطان مسقط على دفع أتاوة له مقدارها 40 ألف ريال بدلا من 12 ألفاً، وعزز طلبه هذا بإرسال قوات إلى هناك. إلا أ، ثويني وافق، بنصيحة من الإنجليز، على دفع 12 ألفاً فقط. وفي العام نفسه استولى على مدينة صور ثوار أيدهم فيصل من النجديين بقيادة عبد العزيز بن مطلق، شقيق سعد بن مطلق الشهير. بديهي أن المدينة تعرضت للنهب وكان بين المتضررين تجار هنود ورعايا بريطانيون. وعجز ثويني عن طرد النجديين فدفع لهم 10 آلاف ريال، ثم 6 آلاف أخرى. وأخذ الإنجليز يساعدون ثويني وبعثوا باحتجاج إلى الرياض. ووافق عبد الله الذي أمسك بزمام الحكم في الإمارة على إطلاق سراح جميع الأسرى الذين تم القبض عليهم في صور وإعادة الأملاك ولكنه لم يقل شيئا بخصوص التعويضات.

لويس پلي، المعتمد البريطاني في الخليج العربي.

وأوصى بيلي السلطات البريطانية في الهند بمساعدة سلطان مسقط. وسرعان ما أرسل إليه المدافع. وتلقى أمير الرياض في الوقت ذاته إنذاراً يطالب بتقديم الاعتذار والوعد بعدم تكرار مثل هذه الأعمال في المستقبل ودفع التعويضات. وإلا فالإنجليز يهددون بتدمير قلاع الأمير على الساحل والاستيلاء على سفنه. وانتقل الإنجليز من التهديدات إلى الأفعال. فقد أطلقت السفينة الحربية البريطانية هاي فلاير النار على عجمان التي كان مرفأ للنجديين على ساحل عمان في الخليج. وفي بداية فبراير 1866 دمرت القلعة في القطيف وعدة سفن صغيرة في مرفئها. وبعد محاولة فاشلة لإنزال قوات في الدمام أطلقت هاي فلاير النار عليها. ثم قصفت السفينة البريطانية صور المتمردة ودمرت فيها زوارق السكان. إلا أن السلطان ثويني قتل آنذاك على يد إبنه سالم، الأمر الذي خلق المصاعب أمام المناورات السياسية للإنجليز.

وبدأت مراسلات بين عبد الله والمعتمد البريطاني پلي. وسعى أمير الرياض إلى الحيلولة دون تدهور العلاقات وإلى تأمين اعتراف الإنجليز به حاكما للإمارة وإبعاد الدسائس البريطانية المحتملة وتوجيهها صوب سعود، ولذلك اتفق عن طريق ممثله مع بيلي بشأن، التسوية. كان عبد الله يدرك أن، الإنجليز ضده، ولذا لعب لعبة الضعيف فحاول أن، يجد في الأتراك عونا له على الإنجليز، الأمر الذي كلفه غاليا في آخر المطاف.

في تلك الأثناء استجمع سعود القوات في مناطق جنوب نجد للصراع في سبيل عرش الرياض. وعزز عبد الله عاصمته. وعبأ سكان المدن وبدو نجد ووجهم ضد أخيه المتمرد. وبعد أن أصيب سعود بجراح ثخينة فر من ساحة المعركة إلى بدو آل مرة، ونكل أمير الرياض بأنصار سعود وعاقب القبائل والواحات المتمردة في وادي الدواسر. وبعد أن عالج سعود جراحه تحدى أخاه عبد الله من جديد بعد أربعة أعوام.

استمرار النزاعات

في أواخر الستينيات نشب في البحرين من جديد صراع داخل الأسرة الحاكمة، وأسفر هذا الصراع عن فرار أحد أفراد العائلة والتجائه إلى السعوديين وشن غزوات متبادلة وتدخل الإنجليز الذين لم يسمحوا لأمير الرياض هذه المرة أيضا بأن يبسط نفوذه على البحرين.

اجتاحت القلاقل عمان بعد مقتل ثويني. وكان عهد حكم سالم الذي قتل أباه قصيراً. فقد انتهى بتمرد جديد قام به عزان بن قيس من الرستاق الذي استولى على مسقط في الأول من أكتوبر 1868. وقد رفع راية الإباضية المحافظة. واستمرت السلطة الجديدة في ساحل عمان حتى عام 1871 فقط، ولكنها ظلت باقية عشرات السنين في المناطق الداخلية.

وفي عام 1869 قتل أمير البريمي تركي آل سديري في الشارقة عندما حاول التدخل في النزاع المحلي. وفي يونيو 1869 تمكنت القبائل المحلية بعد الاتفاق مع عزان من الاستيلاء على البريمي بمساعدته. وقد رفعت تلك القبائل رايات الإباضية وتوجهت ضد الوهابيين الذين تعتبرهم زنادقة. في تلك الأونة اعترف الإنجليز بأن، البريمي جزء من الدولة السعودية، وقد كتب المندوب البريطاني في مسقط المقدم ديزبرو في أغسطس 1869 يقول: "إن عزان، حسب تقديراتي، قد استولى على البريمي ظلما وعدوانا وبلا مبرر. ولا بد له من توقع انتقام الوهابيين".

لم يكتف عزان بالاستيلاء على البريمي، بل رفض دفع الأتاوة للرياض. وكان رد فعل عبد الله حازماً، إذ كتب إلى عزان بأنه ينوي التوجه نحوه بعشرين ألف محارب. وفي تلك الأثناء كان سعود قد تحالف مع عزان. ونشأ ضد عبد الله ائتلاف بين سلطان مسقط الجديد – عزان وحاكم أبو ظبي وسعود بن فيصل. وحاول شقيق عبد الله أن يقوم بهجوم على قطر، ولكنه هزم والتجأ إلى البحرين. وظهر تصور بأن، الإنجليز يقفون من وراء ظهر سعود، وربما لم يكونوا يقدمون له مساعدة مباشرة، ولكنهم، على أية حال، لم يعترضوا على أعماله.

استمرار نهوض جبل شمر

في مارس 1868 انتحر حاكم حائل طلال آل رشيد، الأمر الذي يعتبر من أندر الظواهر في شبه الجزيرة، وأشار المؤرخ إبن عيسى إلى ذلك الحادث قائلاً أن، طلال اختل عقله فانتحر. ومع أن، أمير حائل حكم المنطقة الواسعة بصورة مستقلة تقريباً، فإنه لم يعلن القطيعة أبدا مع فيصل وأبنه عبد الله، بل كان يقدم لهما مساعدة عسكرية كبيرة. وكانت وفاة طلال قد هيأت الإمكانية لإعادة النظر في العلاقات المتبادلة بين حكام حائل والرياض، وخصوصاً عندما توفي بعد عام واحد عبيد بن علي عم طلال العجوز والمتنفذ في الوقت ذاته. كان عبيد من أنصار التعاون مع آل سعود. وقد نعته بلغريف بالمتعصب أما في رأي آن بلانت فهو البطل الرئيسي لتقاليد شمر، وهو شجاع كريم سخي. وكان تقدير دوتي لعبيد رفيعاً أيضاً، حيث اعتبره عقيداً وشاعراً تتناقل الألسن قصائده.

كان طلال قد فرض سيطرته على خيبر وتيماء الواقعتين شمالي المدينة المنورة. ومع أن حاكم حائل كان يتصرف بصورة مستقلة بقدر كاف، فمن المشكوك فيه أنه كان يستطيع أن يجمع قوات شديدة البأس تكفي لتحدي حاكم الرياض.

كان أمير شمر يتميز بالتسامح الديني وقد سمح للشيعة واليهود بأن يقيموا ويتاجروا في حائل، وكان يجبي منهم ضرائب غير قليلة. وكتب بلگريف:

Cquote2.png إن التجار من البصرة ومشهد علي وواسط ووالباعة من المدينة وحتى من اليمن كانوا يستقرون في سوق حائل الجديد بعد عروض مغرية. وقدم طلال لبعض منهم مقاولات رسمية، وهي نافعة لهم وله بقدر واحد. ومنح البعض الآخر امتيازات وتسهيلات، وكان يولي الجميع الدعم والحماية Cquote1.png

.

وبالأموال الواردة إلى بيت المال من الغزوات والحج والتجارة أنجز طلال قلعة بارزان وأنشأ حول العاصمة سورا ارتفاعه سبعة أمتار، وبنى حي السوق ومسجدا كبيرا وكثيرا من الآبار العامة. وإذا كان الدين في جبل شمر لا يلعب دور القوة التوحيدية الأولى فإن التعاضد القبلي أدى هذه الوظيفة. وحتى الحضر في حائل والمدن الأخرى كانوا يعتبرون أنفسهم من أبناء شمر بالدرجة الأولى، وموحدين بالدرجة الثانية. لقد لعب البدو في إمارة جبل شمر دوراً أكبر مما في إمارة الرياض. إلا أن سيطرة قبيلة واحدة شمر دوراً أكبر مما في إمارة الرياض. إلا أن سيطرة قبيلة واحدة كانت تؤمن استقرار السلطة في منطقة محدودة، ولكنها كانت عائقاً أمام توسيع إمارة جبل شمر، لأنها تنير حفيظة القبائل القوية الأخرى.

كان طلال يدفع الأتاوات لفيصل وعبد الله بشكل خيول وحصة من الضريبة المفروضة في حائل على الحجاج الفرس وحصة من الغنائم. إلا أن نفوذ الرياض في أواسط الجزيرة أخذ يضعف، بينما صارت الراية الخضراء الحمراء لإمارة جبل شمر ترتفع. وكتب فالين بحق منذ عهد عبد الله بن الرشيد: "إنني أعتبر أهالي شمر دون ريب من أنشط القبائل في الجزيرة حاليا. وإن سلطتهم ونفوذهم يشملان جيرانهم أكثر فأكثر من عام لآخر".

وورث متعب شقيق طلال العرش. وبعد عشرة شهور قتل متعب في مجلسه بيد بندر الإبن البكر لطلال، وصار بندر أميراً، ولكنه ظهر لديه منافس خطر هو عمه محمد بن عبدالله آل رشيد، الإبن الثالث لمؤسس السلالة. وقد قتل هذا بندر في عام 1874، عارفا بأن، الثأر ينتظره وأخذ الأمير الجديد يلاحق إخوان بندر الخمسة فانتقم من أربعة منهم. واعترفت جبل شمر بالأمير الجديد. ومع أن حكمه بدأ بالانتقام الدموي من منافسيه، فإنه دشن عهدا من الازدهار والسلطة القوية في الإمارة. وكتب فيلبي يقول: "لم تكن الحكومة فعالة أبدا مثلما كانت في عهده".

تعتبر كتابات ضاري بن رشيد التي استخدمها ويندير على نطاق واسع أهم مرجع في تاريخ آل الرشيد منذ وفاة طلال حتى استيلاء محمد علي السلطة. وخلال أمد طويل لم تخرج إمارة آل الرشيد عن إطار جبل شمر وأقرب الواحات إليها – خيبر وتيماء والجوف. وقدر الرحالة عدد السكان الخاضعين لحائل في أواخر القرن التاسع عشر (قبل ضمها إلى نجد) ما بين 20 و50 ألف نسمة من الحضر، ومثل هذا العدد تقريبا من البدو. وتفيد معطيات أخرى أن عدد البدو يمكن أن يكون ضعف عدد الحضر.

كان حاكم جبل شمر يلقب بالأمير أو شيخ المشايخ، أي أنه ظل زعيما لاتحاد قبائل شمر التي يعتمد عليها. وكان آل رشيد يحكمون بمساعدة أقربائهم ومفارز خدعهم الشخصيين. وفي ظل الصراع المتواصل تقريبا داخل الأسرة الحاكمة وعدم الثقة بالأقرباء كان الأمير يعتمد أكثر فأكثر على مفارز الخدم والمرتزقة المصريين والأتراك. وتفيد معطيات فالين أن مفرزة الأمير تتكون من 200 شخص تقريبا، ويذكر رحالة الستينات – الثمانينات من القرن التاسع عشر الرقم 500-600. ومنهم 20 شخصا يشكلون حرس الأمير الأكثر إخلاصا، وحوالي 200 شخص كانوا في حائل أما الباقون فيرافقون التجار والحجاج وجماعات جباة الزكاة ويؤدون حسب الدور الخدمة في الحاميات في المناطق الملحقة بالإمارة.

وكان بين أفراد مفارز الأمير محاربون بسطاء ورجال شيخ المشايخ. وهذا المصطلح يطلع على كبار أفراد المفرزة وكذلك على المقربين إلى الأمير، وعموما على كل من يتمتع بثقة خاصة لديه. والكثيرون منهم متحدون من العبيد. وكان رجال الشيخ يمثلون كبار الموظفين وقادة مفرزته والقائمين على أمور القصر وحكام ممتلكات الأمير. وبعد أن تطورت الإمارة صاروا يتراسون مختلف أصعدة جهاز إدارة الدولة. واعتبارا من سبعينات وثمانينات القرن التاسع عشر كان بين أكثر المتنفذين في الإمارة، كما يقول الرحالة، صاحب المضايف في القصر وصاحب بيت المال والكاتب الأول وحامل الراية والجليس ووزير آل الرشيد.

كان أمراء جبل شمر ملتزمين بتقاليد كرم الضيافة التي يرمز إليها القدر النحاسي الضخم الذي يحمله بصعوبة أربعة من الرجال الأشداء. وفي ثمانينات القرن التاسع عشر كان القصر يستضيف يومياً 150-200 شخص، ويصل هذا العدد إلى 1000 شخص أثناء مرور القوافل الكبيرة.

ومع تطور نظام الدولة طبقت الشريعة باتساع متزايد، مما ضيق على العرف والعادات. وهذا أمر أشار إليه الرحالة. وكان من بين العقوبات قطع الأيدي ومصادرة الأموال على العصيان ضد الأمير والسجن على السرقة وعلى رفض دفع الزكاة، والجلد بالعصى على الضرب والإصابة بجراح، والغرامات المالية. واستخدم مقر آل رشيد السابق بمثابة سجن، إلا أن الرهائن والسجناء الذين يتمتعون بمنزلة رفيعة صاروا منذ ستينات القرن التاسع عشر يحتجزون في مضيف القصر الجديد. وكان لحائل عمالها المباشرون في الأطراف، ولكنهم في الغالب كانوا من الوجهاء المحليين. وظل شيوخ جميع قبائل البدو يحكمونها كالسابق.

ونظراً لقلة التزام وإخلاص الهجانة البدو أخذ آل الرشيد يعتمدون أكثر فأكثر على سكان المدن والواحات وعلى حرس من العبيد. وقدر غوارماني الحد الأقصى لعساكر جبل شمر في ستينات القرن التاسع عشر بـ 6.5 آلاف شخص، وإذا أضيف إليها محاربو المناطق الملحقة يبلغ هذا العدد 9 آلاف. ويقول نولدي أن الأمراء في التسعينات كان بوسعهم أن يقدموا 40 ألف محارب. وتمتطي العساكر ظهور الجمال، بينما يركب الوجهاء الخيل. والأسلحة هي الرماح والسيوف، وأحيانا السلاح الناري. وكانت هناك عدة مدافع.

وفي عهد محمد الرشيد (1817-1897) بلغت إمارة جبل شمر أوج ازدهارها. ففي السبعينات تم الاستيلاء على العال وقرى في وادي السرحان حتى حدود وادي حوران. وكان استمرار ركود إمارة الرياض والتحالف مع الباب العالي قد مكنا محمد من بسط نفوذه على مدن القصيم في البداية، ثم في عام 1884 على نجد كلها.

وماكان بإمكان إمارة جبل شمر أن تنهض إلا بتضعضع إمارة الرياض ذات الكثافة السكانية الأكبر والتي تمتلك قدرة عسكرية كبيرة دون شك. كانت حروب السعوديين في مطلع القرن وغزوات المصريين الفتاكة والنزاع القبلي المضيء كل ذلك شمل جبل شمر بقدر أقل من أواسط نجد. واستفاد عدد من الحكام المحنكين من هذه الظروف الملائمة بالنسبة لهم فجعلوا من حائل لوقت قصير سيدة لأواسط الجزيرة كلها.

سقوط إمارة الرياض. استيلاء الأتراك على الإحساء. في خريف 1870 عقد سعود بن فيصل من جديد تحالفاً مع قبائل العجمان وآل مرة ودخل العقير واستولى على الإحساء وأرسل عبد الله أخاه محمد على رأس عساكر لاستعادة السيطرة على الإحساء وعاصمته الهفوف. وفي ديسمبر 1870 نشبت في البادية معركة الجودة. وفي اللحظة الحاسمة التزم بدو سبيع الذين جاءوا مع محمد جانب سعود فحقق هذا نصراً تاماً. وتم القبض على محمد بن فيصل وزج به في سجن القطيف حيث ظل حتى أطلق الأتراك سراحه. وأعلن الإقليم الشرقي كله البيعة لسعود. ثم ارتبك أمير الرياض عبد الله بن فيصل الذي يواجه الهزيمة وأدى ذلك إلى ازدياد تدهور الأوضاع في إمارته. وفي تلك الأثناء حل جفاف مرعب، مما أدى، طبعا، إلى قلاقل وفتن جديدة. وفي إبريل – مايو 1871 تحرك سعود، أخيرا، نحو الرياض.

وعندما دخل العاصمة نهبت عساكره البدوية هذه المدينة وسكانها لدرجة جعلت الجميع يحقدون عليه. واندلعت النزاعات القبلية في نجد من جديد. وأشار إبن عيسى إلى أن السلطة الجديدة كانت ضعيفة فتشوشت الأمور لدرجة أكبر وتدهورت الأوضاع بسبب المجاعة وارتفاع الأسعار، وصار الناس يأكلون جيف الحمير، ومات الكثيرون بسبب الجوع، وترك الناس يواجهون الموت والمصائب والنهب والقتل والفساد. ولكنه ينبغي، كما يرى ر. ويندير، أن نأخذ بعين الاعتبار أن إبن عيسى كان من أنصار عبد الله.

وواجهت الإمارة المحتضرة خطراً جديداً. فإن والي بغداد مدحت باشا، وهو حاكم عثماني كبير معروف ومن أنصار السياسة النشيطة، قد قرر الاستفادة من الموقف وإضافة أراضي جديدة إلى الدولة العثمانية التي تقلصت أراضيها. وأسفرت أعماله في شرقي الجزيرة العربية عن نشوب أزمة دبلوماسية بين لندن والاستانة. وادعى مدحت باشا بأن السيادة العثمانية تشمل نجد وبأن عبد الله بن فيصل كان مجرد قائم مقام للأتراك. وكانت الحجة للتدخل هي استعادة النظام ونجدة القائم مقام المذكور ضد شقيقه العاصي.

وأرسل الأتراك أسطولهم لغزو الإحساء، وقد حصلوا من حاكم الكويت على حوالي 300 سفينة أخرى. وكانت القوات النظامية مكونة من أربعة آلاف شخص، من المشاة بالأساس، وكذلك الفرسان والمدفعية. وأرسلت قبائل المنتفق عن طريق البر حوالي ثلاثة آلاف شخص. وفي مايو 1871 نزلت القوات التركية في رأس تنورة وزحفت نحو القطيف دون أن تواجه مقاومة. وبعد معارك غير كبيرة احتل الأتراك المدن والقلاع الرئيسية في الإقليم كله. وهكذا فقد الإخوان السعوديان الإقليم الشرقي بسبب العداء العائلي. وفي الوقت ذاته تقريباً زار مدحت باشا الإحساء، ولكن محاولة غزو الرياض أخفقت.

واستمر الصراع داخل أسرة آل سعود. وظهر عبد الله في الأراضي المحتلة من قبل الأتراك، في حين طرد سعود من الرياض مؤقتاً، وقد طرده عمه عبد الله بن تركي شقيق الأمير فيصل. واستجمع سعود حلفاءه من العجمان وآل مرة وأخذ يهاجم الحاميات التركية، ولكن دون جدوى. وفي أواخر 1871 ومطلع عام 1872 عاد عبد الله من جديد إلى الرياض، إلا أن الوضع في الإمارة كان ميئوساً منه. فالمجاعة مستمرة، وكان الناس، كما يقول إبن عيسى، يأكلون الجيف والجلود وأوراق الشجر. وحاول الإخوان أن يتعاونا ضد الأتراك، ولكن دون جدوى.

وفي مارس 1873 عاد سعود مجدداً إلى الرياض. واستمرت المعارك سجالاً بين الأخوين، واقترنت، كالعادة، بالنهب والقتل. ونظرا لأن عبد الله بن فيصل أخذ يعتمد على الأتراك زاد الإنجليز من دعمهم لسعود حتى أنهم أرسلو أغذية له. وفي منتصف السبعينات ظهر على المسرح عبد الرحمن الإبن الرابع للأمير فيصل. كان قد ولد في عام 1850 على وجه التقريب. ويعتقد ر. ويندير أن عبدالرحمن يؤيد سعود، بينما يتصور فيلبي أن عبد الرحمن التزم جانب عبد الله. ولا يستبعد أنه كان متذبذباً في اختيار أحد الأخوين الأكبر.

وفي مارس 1874 تخلى الأتراك عن حكم الإحساء مباشرة لكي يقللوا النفقات. وصار زعيم بني خالد وهو من آل عريعر أداة لتنفيذ سياستهم. وكان ناصر باشا بن سعدون والي البصرة التي تشكلت إدارياً من جديد وزعيم قبيلة المنتفق قد عينه متصرفا. وتم سحب القوات النظامية التركية واستبدلت بمفرزة شرطة عثمانية.

وتزعم عبد الرحمن بن فيصل في عام 1874 انتفاضة على الأتراك في الإقليم الشرقي. والتحق به قسم من قبائل العجمان وآل مرة وبدو آخرون. وأنزل ناصر باشا بن سعدون في العقير 2400 جندي من القوات النظامية مزودين بأربعة مدافع فتم دحر الثائرين. والتجأ عبد الرحمن إلى سعود في الرياض. وتعرضت الهفوف لنهب من الغالبين استمر ثلاثة أيام. وترك ناصر باشا الإقليم في فبراير 1875 بعد أن، عين متصرفاً فيه.

وكانت سلطة سعود في نجد متضعضعة. ففي أواخر عهده لم تعد جبل شمر والقصيم تخضعان له. وصارت الرياض مركزاً لإمارة صغيرة مقطعة الأشلاء في أواسط الجزيرة. وانقطعت العائدات المنتظمة. ولما كان سعود يعتمد على بدو العجمان فإن سكان الواحات والمدن لم يكونوا راضين عنه. وفي يناير 1875 توفي سعود، وربما كانت وفاته بسبب الجدري، مع أن، معطيات أخرى تفيد بأنه مات مسموماً.

وصار عبد الرحمن بن فيصل حاكم للرياض. وبدأ يخوض القتال ضد أشقائه الأكبر وضد حلفائهم من البدو. وفي تلك الأثناء ثار عليه في العاصمة نفسها أولاد أخيه سعود الذي حل محله. وتوجه عبد الرحمن. خوفا من أبناء أخيه، إلى عبد الله، فقرر الأخوة الثلاثة تشكيل جبهة موحدة بزعامة عبد الله ضد أولاد سعود الذين تمكنوا من السيطرة على الرياض بضعة أسابيع. ثم فر أولاد سعود واحتفظوا بحلفائهم في إقليم الخرج وفي الإحساء. ودخل عبد الله الرياض من جديد. وخلال السنوات الإحدى عشر التي مرت على وفاة فيصل تبدلت السلطة في المدينة للمرة الثامنة.

وأورد فيلبي الجدول الزمني التالي للحكم في الرياض بعد وفاة فيصل:

وفي عام 1878 قامت إنتفاضة جديدة ضد الأتراك في المنطقة الشرقية، ولكنها هزمت بعد انتصاراتها الأولى.

وكتب دوتي يقول:

Cquote2.png الرياض وضواحيها هي كل ما تبقى من ممتلكات الوهابيين، وغدت الرياض إمارة صغيرة ضعيفة مثل بريدة. إن المدينة الكبيرة المبنية من الطوف والتي كانت في السابق عاصمة لأواسط الجزيرة غارقة في الصمت. ومضيفها الفسيح مهجور (قصر الأمير الوهابي المبني من الطوف أوسع من القصر في حائل). خدم إبن سعود يغادرون نجمه الذاوي ويتوجهون... إلى العمل عند محمد بن رشيد. ولا يخضع أحد من البدو للوهابيين. القرى الكبيرة في شرقي نجد طردت جامعي الزكاة التابعين لعبد الله. Cquote1.png

وفي عام 1880 ولد عبدالرحمن الذي هو الإبن الرابع لفيصل، طفل سماه عبد العزيز، وأمه سارة إبنة أحمد السديري. وعندما بلغ عبد العزيز السابعة من العمر عهدوا بتربيته إلى معلم هو قاضي الرياض... إلا أن الصبي كان مهتما باللعب بالسيف والبندقية أكثر من اهتمامه بالدروس الدينية، مع أنه تمكن من قراءة القرآن في الحادية عشرة من العمر. وفي الرابعة عشرة عندما كان أبوه يقيم في المهجر في الكويت بدأ عبد العزيز، ملك العربية السعودية فيما بعد، دراسة الفقه والعلوم الدينية الأخرى بصورة جادة تحت إشراف عبد الله بن عبد اللطيف الذي أصبح فيما بعد القاضي الأول للرياض ومفتيها. كانت الشهور التي قضتها أسرة عبد الرحمن فيا لتجوال بين قبائل آل مرة قد هيأت للأمير الشاب إمكانية التضلع في العادات والأخلاق البدوية وأساليب وحيل العمليات الحربية للبدو الرحل. وأخذ عبد العزيز، بصحبة أبيه أو لوحده، يتردد على مجالس شيخ الكويت ويطلع على تشابكات السياسة في الجزيرة العربية وعلى قرارات الأمير القضائية. وكانت الحالة المادية لعبد الرحمن بن فيصل في المهجر مزرية حتى أ،نه لم يتمكن من تزويج إبنه الأكبر إلا بمعونة الأصدقاء. وفي هذه الظروف اختمرت أحلام عبد العزيز الطموح إلى استعادة كرامة العائلة وممتلكات آل سعود وأمجادهم وثرواتهم.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أمراء الدولة السعودية الثانية

صورة عبد الرحمن بن فيصل أخر أمراء الدولة السعودية الثانية
أمراء الدولة السعودية الثانية

النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي

كان أمير الرياض، مثلما في الدولة السعودية الأولى، إماماً للمسلمين، أي أنه قائد عام وحاكم أعلى وكذلك رئيس السلطة التنفيذية. وكان يبت شخصياً في أهم مسائل السياسة الداخلية والخارجية والقضايا المالية والحربية ويتخذ القرارات بشأن الغزوات أو الصلح ويشرف بنفسه على تنفيذها ويراقب استقبال وإرسال الممثلين المتعلقة بالحلفاء والأتباع والجيران والقبائل البدوية.

ولم يكن بلاطه كبيراً، كما لم يكن مثقلاً بالرسميات وبالجهاز البيروقراطي. وفي أهم المسائل كان الأمير يتشاور مع أقرب أقربائه الذين يعتبر ولاءهم له أسمى من المصالح المحلية. ولعبت عائلة آل الشيخ كذلك دوراً هاماً مع أن، أحداً منها لم يبلغ منزلة الشيخ محمد بن عبدالوهاب نفسه.

وكان توزيع المناصب المربحة والرفيعة قد ساعد على تلبية المطالب المتعارضة لأفراد العائلة. وأعلن فيصل أن عبد الله وريثه وأشركه في الشئون الحربية وفي حكم الرياض والمناطق الوسطى. ومنح فيصل إبنه الثاني سعود المنافس لعبد الله استقلالاً كبيراً في حكم المناطق الجنوبية. وسلمت إلى محمد، الإبن الثالث، المناطق الواقعة شمالي العاصمة. ومال محمد إلى عبد الله في خلافه مع سعود، وكان الإبن الأصغر عبد الرحمن الذي كان سيغدو فيما بعد أب مؤسس الدولة السعودية الجديدة قد ولد في عام 1850 وكان آنذاك صغير السن لا يصلح لوظيفة مستقلة. إلا أن تقسيم الإمارة بين أبناء فيصل ساعدهم على كسب أنصار في مناطقهم، الأمر الذي هيأ أساسا للنزاعات المرتقبة التي أدت إلى تمزيق الدولة السعودية الثانية.

وتدهورت صحة فيصل في السنوات الأخيرة من حياته. فعندما كان في مصر أصيب بالرمد، وربما بالتراخوما، وغدا أعمى كلياً عندما قام العقيد بيلي ممثل الإدارة الإنجلو-هندية بزيارته الثانية إلى الرياض. وكان فيصل آنذاك في حوالي السبعين من العمر فلم يتمكن من تصريف شئون دولته بنشاط فسلم زمام الأمور إلى عبد الله. وكتب رسالة. ويندر يقول:

قالب:اقتباس هاص

وكان من هؤلاء الرجال الأشداء فيصل بن تركي. ورغم موقف الإنجليز المعادي لإمارة السعوديين اعترف المقيم بيلي قائلاً:

Cquote2.png ماكان بوسعي إلا أن ألاحظ أن الأمير فيصل، في رأي الجميع، كان حاكما عادلا صارما وموفقا إلى أقصى حد في قمع العادات الوحشية للقبائل. وكان يريد أن يغرس بينها عادات أكثر تنظيما وتوجيه اهتمامها إلى الزراعة والتجارة. وكان يخيل لي أنه لا أحد يحب الأمير، ولكن الجميع معجبون به. وكانوا يتحدثون عنه برهبة اختلط فيها الاحترام بالكراهية على نحو طريف. Cquote1.png

وبعد اللقاء الأول مع فيصل رسم بيلي صورته على النحو التالي:

Cquote2.png وجدت الإمام جالسا في الركن إلابعد للغرفة على سجادة صغيرة جذابة متكئا بظهرة إلى تكية ثقيلة... وعندما اقتربت منه نهض بصعوبة. أخذ يدي وتلمسها. كان ضريرا، إلا أن محياه رائع بتقاسيم معتدلة وتعلوه مسحة من الهدوء والصرامة والاطمئنان. كان يبدو في أكثر من السبعين، وملابسه فاخرة تنم عن ذوق رفيع. وعلى كوفيته عمامة من الحرير أخضر. نبرات صوته عذبة وكلماته هادئة موزونة كانت هيئته تدل على الاعتزاز بالنفس وتكاد تتسم بالرقة. ولكن المرء يشعر بأنه يمكن أن يكون قاسيا دون رحمة. Cquote1.png

إن درجة السيطرة المركزية القائمة في مختلف مناطق وأقاليم الدولة السعودية الثانية، شأنها شأن الدولة السعودية الأولى، تختلف من منطقة لأخرى وتتقلص كلما ابتعدت المسافة عن الرياض. ويعود دور للوضع الداخلي في هذه المنطقة أو تلك ولوزنها النسبي وللمعتقدات الدينية عند أهلها. وكان حاكم الرياض يعين الأمراء وكذلك علماء الدين في المناطق الوسطى.

وكانت من أسباب القلاقل في القصيم محاولات أمير الرياض لتقوية سلطته هناك. وقد اضطر إلى ترك أبناء الوجهاء المحليين في أماكنهم. وكانت العلاقات مع جبل شمر معتدلة إلى حد مدهش، وذلك لأن الرياض لم تحاول بسط سيطرتها بصورة مباشرة على جبل شمر واكتفت بالتبعية الإسمية. وكانت هناك علاقات ودية بين الأسر الحاكمة وقد عززها التزواج بينها وأن كانت تلك الأسر بحاجة إلى مساعدة بعضها البعض عسكريا.

وكان أمراء الهفوف يعينون دوما من بين النجديين. ولم يكن سكان المنطقة الشرقية متعاطفين كثيراً مع الرياض والوهابيين، إلا أن أهمية هذه المنطقة كبيرة لدرجة جعلت أمير الرياض يرى ضرورة الاحتفاظ بحاميات دائمة هناك.

وكان النجديين حامية في البريمي، كما عين لها أمير من الرياض. إلا أن مجموعة واحات البريمي احتفظت بسمات المنطقة الجبهوية أكثر من الهفوف. وكما كان الحال في الأزمان السالفة ظل الاحتفاظ بالرهائن في العاصمة وسيلة لإرغام المناطق والقبائل على الولاء. وعندما دعا فيصل بيلي لزيارة السجن قال له بأنه سيرى هناك الآن حوالي سبعين من شيوخ العشائر.

وكانت القبائل البدوية على درجات متباينة من التبعية لأمير الرياض، إلا أن فيصل لم يتمكن أبداً من السيطرة عليها بالشكل الذي كان في زمن الدولة السعودية الأولى. فقد شهدت سنوات حكمه الكثير من التمردات البدوية المتواصلة. وكانت الوهابية في الدولة السعودية الثانية قد فقدت جزئيا طابعا المتعصب المتشدد. ويبدو أن الخبرة الشخصية التي اكتسبها فيصل في مصر قد أوحت إليه أن المصريين والحكومة العثمانية أقوى بكثير من نجد وأن استفزازهم بإبداء مظاهر التعصب الديني يعني جلب الهلاك لنجد. إلا أن المشاعر الدينية كانت تشتد في بعض الأحيان.

كان التنظيم العسكري لإمارة الرياض في عهد فيصل مثلما كان في عهد السعوديين الأوائل. فقد كان على كل مدينة أو قبيلة أن تقدم في حالة الاستدعاء عددا معينا من المقاتلين والدواب. وكانت تلك الأرقام تسجل في سجلات تعتبر كذلك أساسا لجباية الزكاة. وعندما يصدر الأمير أمراً بالتعبئة يخبر الحكام المحليين بعدد المحاربين الذين يحتاج إليهم، بينما يتحمل هؤلاء الحكام مسئولية جمعهم وتموينهم. ويشمل الاستدعاء عادة نصف العدد الإلزامي للمحاربين. وفي الحالات الاستثنائية تستدعي كل القوات طبعا. وكان المحاربون يأتون مع سلاحهم الخاص وماشيتهم. وكانت الحكومة، من الناحية النظرية، تقدم العتاد اللازم. وكان الفرسان أكبر شأنا، ولذا كانوا يتمتعون بالامتيازات.

كانت كل قبيلة أو مدينة تشكل في عساكر أمير الرياض وحدة خاصة لها رايتها. وعندما تنتهي الحملة الحربية يجري حل العساكر كلها. ولا تستلم المتطوعة رواتب منتظمة، إلا أن1، أربعة أخماس الغنائم تقسم بين المحاربين – حصة للمشاة أو الهجانة وحصتان للفرسان. ويحال إلى بيت المال خمس الغنيمة. ولدى الأمير فيصل من الحرس الشخصي مكون من حوالي 200 عبد ومعتوق، كانوا عند الاقتضاء يمارسون وظيفة الشرطة. وكان السكان الحضر يشكلون نواة عساكر نجد.

كانت عند النجديين بضعة مدافع، ولكن من المشكوك فيه أنهم استخدموها إلا في حالات نادرة جداً. ولم يتخذ فيصل خطوات جدية لتشكيل أسطول حربي. فبدلا من ذلك كان يعول على شبه الأتباع كالبحرين. وبديهي أن حكام السواحل كانوا يجدون الأعذار للتملص من تنفيذ مطالبه. زد على ذلك أن المعاهدات التي فرضها الإنجليز عليهم قيدت إمكانيات العمل بالاشتراك مع الرياض.

ولم تكن الضرائب في عهد فيصل لتختلف عنها في ظل الدولة السعودية الأولى. كان الزراع يدفعون زكاة الحبوب فقط والثمار القابلة للكيل والحفظ : 10% من محاصيل الأراضي الديمية و5% من محاصيل الأراضي السيحية. وكان البدو يدفعون زكاة الماشية في حدود 2.5-5% من قيمة الذهب والفضة، وكذلك نفس النسبة من قيمة بضائع التجار. ويمكن أن يعفى من الزكاة الذين يحصلون على دخل سنوي أقل من الحد المعين. إلا أن ضرائب إضافية تطبق في حالة الحرب.

وكما كان الحال سابقاً تتوارد على بيت المال مكوس الحج وأتاوات مسقط والبحرين والإمارات الأخرى وعائدات ممتلكات حاكم الرياض. ولايمكن حساب المداخيل العامة للدولة على وجه التدقيق. وقدم العقيد بيلي أثناء زيارته للرياض جردا تقريبيا للسكان والمداخيل والعساكر. وتفيد حساباته أن سكان نجد والإحساء، والمقصود على مايبدو الحضر فقط، بلغوا 115 ألف نسمة، وإن المداخيل 692 ألف ريال وأن عدد المحاربين 7900. أما البدو فقد حدد عددهم الإجمالي بـ 20 ألفا ومداخيلهم بـ 114 ألف ريال. وهكذا بلغت مداخيل الدولة، في رأي بيلي، 806 آلاف ريال. وهو يضيف إليها أتاوات مسقط وجبل شمر والبحرين والأقاليم الأخرى، وكذلك مليوني ريال تجبى من الحجاج. وربما كانت هناك مبالغة في أرقام العائدات، بينما قد يكون عدد الحضر والبدو أكثرمن الرقم المذكور. ولعل بيلي أخذ في الحسبان الذكور الراشدين فقط.

وقدر بلگريف المداخيل العامة للدولة بما يعادل 160 ألف جنيه إسترليني. والمعلومات المتوفرة عن نفقات الدولة السعودية الثانية أقل من تلك. وإذا أهملنا نفقات أسرة الأمير وبلاطه فإن نصف النفقات، على مايبدو، يصرف على الأغراض الحربية، بينما يخصص الباقي للشئون الاجتماعية – صيانة الآبار والمساجد وكذلك معونات المرضى والعجزة ورواتب الموظفين الذين تعينهم الحكومة المركزية ورجال الدين والمعونات المقدمة إلى الشيوخ المحليين وأمراء الأقاليم. وكان قسم كبير من الزكاة يسدد عينا، ولكنه يدفع نقدا في بعض المناطق.

وكانت العملة الرئيسية هي الريال الذهبي (ريال ماريا تيريزا)، ومع ذلك استخدم في التداول الشلن الإنجليزي والنقود العثمانية والفارسية الذهبية والفضية. وفي المنطقة الشرقية غالبا ما كانت تستخدم النقود الهندية. وفي منطقة سواحل الخليج استخدم مايسمى بالنقود الطويلة، وهي قطع نقدية معدنية مستطيلة تشبه الإبزيم النسوي وعليها كتابة عربية. وكانوا يصكونها من النحاس ويضيفون إليها قليلا من الفضة. وكانت هناك نقود طويلة فضية.

وفي عهد فيصل صار تصدير الخيول العربية الأصيلة بابا لعائدات ثابتة. وكانت خيول جبل شمر تصدر عبر الكويت، أما الخيول الأخرى فتصدر عبر القطيف والعقير. وفي عام 1863 بيع عن طريق الكويت 600 من الخيول العربية بسعر متوسط قدره 150 ريالا للرأس الواحد. وأرسل عباس باشا من مصر عدة بعثات لشراء الخيول. وكان الرحالتان الأوربيان المعروفان فالين وغوارماني قد زارا الجزيرة العربية بحجة شراء الخيول. إلا أن، عدد الخيول المتبقية كان في عام 1864 قليلا جدا، واتضح أن الخيول التي أرسلها فيصل إلى الاستانة سيئة للغاية مما آثار استياء الباب العالي الذي منع تصدير الخيول طوال أربعة أعوام. ولم يكن بالإمكان تطبيق هذا المنع عمليا.

وقبل اكتشاف البترول كان صيد اللؤلؤ هو العمل الرئيسي لسكان سواحل الخليج. إلا أن الإحساء أقل شأنا في صيد اللؤلؤ من البحرين وإمارات الصلح البحري وقطر. وكان لؤلؤ الخليج يرسل إلى بومباي، ومن هناك يباع إلى أوروبا. ونجد عند لوريمير وصفاً ضافياً لصيد اللؤلؤ مع قواعده الاجتماعية والمالية الثابتة. ومع أن، ماكتبه لوريمير يخص عام 1906 إلا أن اللوحة التي رسمها من المستبعد أن تكون قد تغيرت منذ ستينيات وسبعينيات القرن التاسع عشر. ولئن كان قد مارس صيد اللؤلؤ في سواحل إمارات الصلح البحري 22 ألف شخص، وفي قطر حوالي 13 ألف شخص وفي البحرين حوالي 18 ألف شخص وفي الكويت 9200، ففي واحة القطيف مارسه حوالي 3400 شخص فقط.

تمكنت الدولة السعودية الثانية من الانبعاث والنهوض بسبب توقف التدخل الخارجي في شئون نجد. وكانت مصلحة قسم كبير من وجهاء وأعيان نجد وتجارها وصناعها وزراعها في التوحيد وتأييد الفقهاء الوهابيين وارتفاع منزلة آل سعود قد مكنت فيصل من بسط سيطرة الرياض على قسم كبير من أواسط الجزيرة وشرقيها. إلا أن علائم الضعف والخور، وأحيانا عجز السلطة المركزية، والنزعة الانفصالية لدى الإقطاعيين ونزوات القبائل البدوية كانت واضحة لدرجة كبيرة لا تجعل أحدا من المعاصرين يتوقع لإمارة الرياض عمرا مديدا. وكان إقليم جبل شمر القوي حليفا أكثر من كونه تابعا طبعا. ودافعت القصيم عن استقلاليتها في تمردات متكررة. وكانت القبائل البدوية تتحدى فيصل المرة بعد المرة. وخيم ظل الإمبراطورية البريطانية من جهة الخليج وبحر العرب، وكانت قد ابتلعت في الواقع الإمارات الصغيرة على سواحل شبه الجزيرة. وأضيف إلى ذلك كله تعمق الخلافات والانقسام داخل أسرة أمير الرياض.

ما بعد الدولة السعودية الثانية

نهوض إمارة جبل شمر بعد سقوط إمارة السعوديين

أخذت الواحات والمناطق وقبائل البدو تنفصل الواحدة تلو الأخرى عن الرياض وتنتقل طوعاً أو كرهاً إلى حماية آل الرشيد وتدفع الأتاوات لهم. ولم توفق محاولات عبد الله لإبعاد قبضة آل الرشيد الثقيلة. وكان محمد بن الرشيد يلعب مع أمير الرياض لعبة القط والفأر.

واشتد التنافس في القصيم بين الأسرة الحاكمة سابقاً في بريدة آل عليان وبين الحكام الجدد من آل مهنا الذين أيدتهم حائل. وكان توزيع القوى على النحو التالي: الرياض تتعاون مع عنيزة وتعتمد على تأييد عتيبة ومطير، أما حائل فهي تؤيد بريدة وتتعاون مع قبيلة حرب.

وفي تلك الأثناء حاول أولاد سعود بن فيصل أن يتحدوا ابن الرشيد. فجمعوا قسماً من قبائل عتيبة وبعض سكان واحات العارض، ولكنهم اندحروا. إلا أن إمارة عبد الله الصغيرة كانت تتمزق مزقاً. وفي أكتوبر 1887 استولى أولاد سعود بن فيصل على الرياض والعارض وأسروا أمير الرياض. وتمكن الأمير قبل ذلك بقليل من طلب النجدة من حاكم حائل الذي لم يتردد في قطف الثمرة الناضجة. وكان طلب عبد الله حجة بيد محمد بن الرشيد (لإنقاذه) ولبسط سلطة آل الرشيد على كل ممتلكاته. وتوجه إبن الرشيد إلى الرياض على رأس قوات كبيرة، ففر أولاد سعود إلى الخرج. وأطلق أمير جبل شمر سراح عبد الله من السجن ونقله إلى العاصمة حائل (حفاظاً على سلامته)، وترك واحدا من أكثر القادة العسكريين إخلاصا، وهو سالم آل سبهان الذي لايعرف الرحمة أميرا للرياض.

كان عبد العزيز الذي صار فيما بعد ملكا للعربية السعودية يرى أن هناك ثلاثة أسباب لسقوط عمه الأمير عبد الله: (لم يستقم الأمر لعبد الله لثلاثة أسباب : (أولاد – وجود أبناء أخيه في الخرج يحرضون القبائل عليه، ثانيا – مناصرته لآل عليان أمراء القصيم السابقين على أعدائهم آل مهنا الأمراء الحاكمين في ذلك الحين. وكان هذا جهلا من عبد الله في وقت ضعفه ليس من الحكمة أن يتحزب لبيت مغلوب فيضعضع نفوذه في القصيم. ثالثا – ظهور محمد بن الرشيد الطامع بحكم نجد. فقد تحالف مع آل أبي الخيل... وكانوا كلهم يدا واحدة على إبن سعود). وانتهى وجود دولة السعوديين الثانية رسميا في آواخر عام 1887.

وفي أغسطس من العام التالي تمكن حاكم الرياض سالم آل سبهان من اللحاق بأولاد مسعود. ويتضح النطاق الفعلي لقواتهم من عدد أفراد فيصل شمر الذي طاردهم – 35 شخصا لاغير. وقد قتل ثلاثة من أولاد سعود، وقتل الرابع قبل ذلك، أما الخامس فقد فر إلى الأخير لسعود كان أسيرا فخريا في حائل.

وفي شتاء 1889/1890 قام الشمريون بغزوة وصولاً فيها إلى الحجاز. وعندما عاد إبن الرشيد إلى العاصمة علم بأن ضيفه الأسير عبد الله بن فيصل مريض وأن حالته خطرة. فسمح له بالعودة إلى الرياض مع أخيه عبد الرحمن بن فيصل. عاد عبد الله إلى عاصمته الخالية وتوفي في نوفمبر 1889. وقبل 24 عاما من ذلك، عندما تربع على العرش، كانت إمارة الرياض تمتد من جبل شمر حتى المناطق الداخلية في عمان، ومن الخليج حتى الحجاز وحدود اليمن. وعندما توفي وهو تابع لحائل لم يكن عنده غير منطقة العارض وسيادة إسمية على الوشم وسدير. وكان ثلث تلك الفترة تقريبا هاربا مشردا، بينما كان آخرون يحكمون الدولة المتداعية. ونعته فيلبي بالحاكم (غير القدير). إلا أن مجمل الملابسات غير الملائمة وليس الضعف الشخصي، هي الأسباب الحاسمة في هلاك دولة السعوديين.

وصار عبد الرحمن أمير للرياض. وقد اصطدم في عام 1860 مع حاكمها الشمري سالم وأعلن الانتفاضة عليه. وحاصرت قوات إبن الرشيد الرياض، إلا أن المدينة كانت آنذاك قد تعززت كثيرا. وأخفق الحصار، تعقد الطرفان هدنة. وظل عبد الرحمن حاكما للرياض وبعض المناطق المجاورة لها ولكن بصفة تابع في في الواقع لمحمد بن الرشيد.

وفي تلك الأثناء فضل أهالي عنيزة وبريدة في القصيم التحالف مع عبد الرحمن ضد جبل شمر بعد أن تأكد لهم أن سلطة الشمريين تتقوى عليهم وأن الضرائب تزداد والامتيازات تتقلص. وفي أواخر عام 1890 تشكل ائتلاف واسع نسبيا للعناصر المناهضة لآل الرشيد من بين أهالي القصيم وأنصار عبد الرحمن وقبائل مطير. وجمع إبن الرشيد كل قواته، بما فيها وحدات من قبائل شمر وكذلك من حلفائها من بدو الظفير وحرب والمنتفق. وكتب أن. موسيل يقول أن إبن الرشيد (بعث 30 رسولا على أربعين ناقة موشحة بستائر سوداء إلى مختلف أفخاذ وبطون شمر التي خيمت آنذاك بين كربلاء والبصرة. وكان يراد للستائر السوداء أن تبين بوضوح لجميع رعايا الأمير محمد بأن عارا أسود سيلطخهم إذا لم يهبوا فورا لنجدة زعيمهم). ونشبت معركة كبيرة هي وقعة المليدة في القصيم اقتتلت فيها من الجانبين آلاف عديدة من المحاربين. وربما كانت تلك أكبر معركة منذ الغزو المصري.

واستمر القتال سجالاً طوال شهر. إلا أن عبد الرحمن، لسبب ما، لم يهب لنجدة حلفائه وتركهم وحيدين في مواجهة الشمريين. الحيلة متظاهرا بالانسحاب، ولكنه نظم بعد ذلك هجوما مضادا مباغتا. جمع بضعة آلاف من الجمال في الوسط وحركها إلى الأمام بعد أن أطلق النار على القصيميين. وتقدم المشاة من وراء الجمال. وسدد الهجانة والفرسان في وقت واحد ضربات من الجناحين. وفقد القصيميون مابين 600 أو 1200 شخص، وفر الكثيرون إلى الكويت والعراق والشام. وعزز إبن رشيد لعشر سنين تقريبا مواقعه كحاكم بلا منازع لأواسط الجزيرة.

وعندما بلغ عبد الرحمن بن فيصل نبأ هزيمة حلفائه فر إلى البادية وبعد تجوال طويل استقرت عائلته في عام 1893 في الكويت تحت حماية شيخها محمد الصباح. وخصصت الحكومة العثمانية لعبد الرحمن معاشاً متواضعاً بستين ليرة ذهبية شهريا. وانتقلت السلطة كاملة في الرياض إلى عجلان وهو من عبيد محمد بن الرشيد. وتم تقسيم نجد إلى عدة مناطق خاضعة لجبل شمر.

وغدا حاكم جبل شمر سيداً لبلد مستنزف مخرب، ومحروم من منفذ إلى البحر. وكتب جميع الرحالة الذين زاروا أواسط الجزيرة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر عن البساتين الذابلة والنخيل الميتة والآبار التي اجتاحها الرمال والقوى الموات. ولم تكن الدولة الخائرة بقادرة على حماية الواحات من البدو. ونزح آلاف الناس إلى العراق أو إلى سواحل الخليج. وتضررت التجارة. وكتب أمين الريحاني عن الأحوال العصيبة التي واجهها التجار آنذاك. وأسفرت مخاطر نقل البضائع بطرق القوافل التجارية عن تذبذب في الأسعار ونسقت العلائق الاقتصادية وأدت إلى إفلاس الصناع والتجار.

وفي العقد الأخير من القرن التاسع عشر لم تحل دون الانتفاضات إلا القوة العسكرية لدى محمد بن الرشيد. ولكن القلاقل بدأت على أثر وفاته، وأخمدها بوحشية الأمير الجديد لجبل شمر عبد العزيز بن الرشيد. فقد نهب المدن والقرى بلا رحمة وخنقها بالغرامات الحربية. ولكنه تورط في صراع مع الكويت فعجز عن السيطرة على النزاعات القبلية الإقطاعية التي تصاعدت في كل مكان وعن الحيلولة دون نهب البدو للواحات. وقال موسيل: "كان الحضر جميعا يحنون إلى سلطة قوية تحمي أموالهم وحياتهم".

آل الرشيد في أواخر القرن التاسع عشر

يقول المؤرخ خالد الفرج:

Cquote2.png اعتمد محمد العبد الله الرشيد في تشييد إمارته على سياسة فرق تسد واتكأ على قوة عشيرته (شمر) وهي من كبريات القبائل المشهورة بالفروسية والشجاعة... وخص الأتراك بكثير من المجاملة والمسايرة لأن طرفي طريق الحجاج الذي يقوم آل رشيد على إيراده، وهما العراق والحرمان، في أيديهم، حتى أنه اعترف بخضوعه للسلطان عبد الحميد. وتعددت منه الرسل والهدايا إلى الباب العالي وحاز النياشين الرفيعة وقبل المعتمدين المندوبين من الحكومة العثمانية. فصارت تعتمد عليه، وتعده من أبر المخلصين لها، وتراه الوسيلة الفعالة التي قضت على آل سعود ومحت إمارتهم من الوجود، فأغدقوا عليه العطاء وخصوه بالمساعدات والتعضيد. وكان على الأجمال رجل وقته، إلى أن توفي سنة 1315 هـ (1897م) مريضا بذات الجنب، عقيما لم يخلف ولداً. Cquote1.png

وورث الحكم عنه إبن أخته عبد العزيز المتعب الذي كان في حوالي الثلاثين من العمر، وكان محارباً باسلاً ومغامراً، ينساق للغضب والاستعجال في اتخاذ القرارات. كان يجيد استخدام السيف أكثر مما يجيد السياسة، وكان يفعل قبل أن يفكر. وفي غضون عشر سنين بدد القسم الأكبر من الإرث الذي خلفه له خاله الجبار.

ولم تستطع إمارة جبل شمر أن تلعب دول الدولة الموحدة المستقرة. فهي تستند إلى قبيلة شمر، ولذا اعتبرها سائل السكان أداة سيطرة اتحاد قبلي واحد على القبائل الأخرى وليس سلطة لعموم الجزيرة العربية تتجاوز الأطر القبلية. وفي أواخر القرن التاسع عشر وقعت إمارة جبل شمر في تبعية متزيادة للدولة العثمانية فغدت وسيلة لنقل النفوذ العثماني إلى شبه الجزيرة، ولذلك فإن تذمر واستياء أعراب الجزيرة من حكم الأتراك شملا أمراء حائل أيضا. وكانت بريطانيا قد عززت مواقعها على ساحل الخليج وأعاقت محاولات الأتراك لاستعادة مواقعهم، وأخذت تؤيد منافسي إمارة جبل شمر. وأخيرا، بعد وفاة محمد الرشيد، لم تتمكن العائلة الحاكمة الغارقة في النزاعات من ترشيح أي حاكم بمنزلة عبد العزيز بن عبد الرحمن مؤسس العربية السعودية المرتقب. وكانت كل هذه العوامل التي أضيفت إليها فيما بعد المشاركة في الحرب العالمية الأولى إلى جانب الأتراك قد أسفرت من غروب وسقوط إمارة جبل شمر القوية.

تنافس الدول على حوض الخليج في مطلع 20

لقد بين تاريخ الدولتين السعوديتين الأولى والثانية بوضوح مدى تشابك مصير الجزيرة العربية مع التطور العام للوضع في هذه المنطقة من العالم. فإن مستقبل الكيانات الدولية في الجزيرة حدده ليس فقط تناسب القوى في البادية، وأحيانا لييس تناسب القوى فيها بالذات، بل وكذلك القرارات المختلفة في لندن واسطنبول والقاهرة وبرلين وكذلك بطريسبورغ وباريس.

كانت أقوى دولة استعمارية في أواخر القرن التاسع عشر – بريطانيا – قد استولت، بعد شق قناة السويس في 1869، على مصر عام 1882 وسعت إلى السيطرة المباشرة أو غير المباشرة على الجزيرة العربية كلها. وكانت الإمبراطورية الاستعمارية البريطانية في الهند قد شدت إليها بشكل أوثق سلطنة عمان وإمارات ساحل الصلح البحري وقطر والبحرين. وكان قد جاء دور الكويت التي كانت رسميا تحت السيادة العثمانية. ومع أن الخليج العربي كان من الناحية النظرية ممرا مائيا دوليا، فقد غدا عمليا بحيرة بريطانية. كانت المواصلات البرقية الإمبراطورية تمر عبر الخليج العربي إلى الهند وإلى أستراليا. وكانت حصة بريطانيا العظمى والهند البريطانية في صادرات بلدان الخليج 40%، وفي وارداتها 63%. وكانت جميع البضائع تقريبا تصدر وتستورد من هناك على سفن تحمل العلم البريطاني وكان الأسطول البحري الحربي البريطاني يسيطر على الخليج والمحيط الهندي.

وكان المندوب البريطاني السامي في منطقة الخليج يسمى (بالمعتمد السياسي لصاحب الجلالة ملك بريطانيا في الخليج الفارسي والقنصل العام في فارس وخوزستان). وكان على حد تعبير نائب الملك في الهند كيرزون (ملكا غير متوج للخليج الفارسي). وعلى الساحل العربي من الخليج كان لبريطانيا معتمدون سياسيون خاضعون لها في مسقط والكويت والبحرين. وكان المعتمد السياسي مسئولا أمام الحكومة البريطانية الهندية، وكان كقنصل عام، خاضعا للسفير البريطاني في طهران. لقد طرحت السياسة البريطانية في الخليج العربي مهمة مزدوجة هي السيطرة على طرق المواصلات البحرية وغيرها من الطرق المؤدية إلى الهند وأحلال (الوئام البريطاني Pax Britannica) في الخليج والذي يقصد به سيادة المصالح التجارية البريطانية وعدم السماح بدخول دول أخرى إليه.

وفي أواخر القرن التاسع عشر شمل تناجر الدول الكبرى وتوسعها الاستعماري حوض الخليج. وكان الإمبراطورية الألمانية تبحث بشكل مسعور خصوصا عن مكان لها تحت الشمس. وكانت حكومة غليوم الثاني التي أعلنت بأنها (حامية للإسلام) قد أخذت تتقارب أكثر فأكثر مع حكومة السلطان العثماني وتعزز بنشاط مواقعها الاقتصادية والسياسية والعسكرية في الإمبراطورية العثمانية. واعتبارا من أواخر الثمانينات ظهرت فكرة مد سكة حديد اسطنبول – بغداد وإيصالها إلى الخليج بغية التغلغل إلى هذه المنطقة بدون الطرق البحرية التي تسيطر عليها بريطانيا. وفي عام 1899 حصل الألمان على امتياز أولي لمد السكة المذكورة مع إيصالها إلى الكويت. وظهر خطر نشوء خط استراتيجي مباشر بين برلين والخليج، الأمر الذي يهدد السيطرة البريطانية في الخليج والجزيرة العربية والشرق الأوسط كله. وفي غرب الجزيرة كان الألمان يساعدون الأتراك في مد سكة حديد الحجاز التي تربط بين دمشق والمدينة المنورة.

وكانت بريطانيا في أواخر القرن التاسع عشر تعتبر روسيا القيصرية التي تحالفت مع فرنسا منافسا خطرا أيضا في هذه المنطقة. ونوقش في بطرسبورغ بصورة جدية مشروع الحصول على امتياز لمد سكة حديدية عبر القفقاس إلى الخليج. وليس من قبيل الصدفة أن السلطات البريطانية في الهند اعتبرت زيارات السفن الحربية الروسية والفرنسية إلى موانئ الخليج (لعرض العلم) ومحاولاتها للعثور على مكان لمحطة فحمية تحديا مباشرا.

واشتدت التناقضات الإنكلوفرنسية بشأن مسقط التي حاول الفرنسيون في 1899 أن ينشئوا محطة للفحم فيها. وفي عام 1903 قامت السفن الروسية والفرنسية بزيارة مشتركة لموانئ الخليج والجزيرة العربية. وفي أواخر القرن التاسع عشر بدأ تغير في السياسة البريطانية التقليدية إزاء الإمبراطورية العثمانية. ففي السابق كانت لندن تسعى إلى الحفاظ على وحدة تلك الإمبراطورية مؤملة في إخضاعها بالكامل واستخدامها في الصراع ضد روسيا. إلا أن مركز ثقل المصالح البريطانية في شرقي البحر الأبيض المتوسط وفي الشرق الأوسط انتقل تدريجيا من القسطنطينية إلى مصر وبلاد الرافدين. ولعب ازدياد النفوذ الألماني في الإمبراطورية العثمانية دورا غير ضئيل في تغيير تلك السياسة. وأخذ سولزبري الذي صار من جديد رئيسا لوزراء بريطانيا عام 1895 يتحدث عن انقسام الإمبراطورية العثمانية. وكان المقصود أن تكون الجزيرة العربية وحوض دجلة والفرات، شأن مصر والسودان، منطقة للسيطرة البريطانية. وفي سياق هذه الخطط كانت لندن تعتبر الاحتفاظ بالسيطرة على الخليج من أكبر المهمات. وفي عام 1903 زار أسطول بريطاني يحمل علم كيرزون نائب الملك في الهند موانئ الخليج العربي. وكان ذلك أكبر أسطول أجنبي في مياه الخليج منذ عهد العمارة البرتغالية البوكيركا عام 1515. ودافع كيرزون في خطبه عن المواقع البريطانية بالأسلوب الملازم للعصر الاستعماري عصر (نير الإنسان الأبيض).

ومع أن ركود الإمبراطورية العثمانية استمر في أواخر القرن التاسع عشر إلا أن مواقعها في الجزيرة العربية تعززت بعض الشيء بسبب تقوية وتحسين الجيش وتطور المواصلات. وكان الأتراك، بعد الإنجليز، أهم عامل في شئون الجزيرة.

وكان افتتاح قناة السويس قد غير بصورة جوهرية مكانة الأتراك في غربي الجزيرة. فأن كانت تصل إلى هنا في السابق طوابير من الجنود المتعبين بعد مسير طويل عبر البادية وكان مجرد إرسالهم يكلف غاليا، فقد صار الجنود يرسلون بحرا عن طريق القناة. وفي سبعينات القرن التاسع عشر استطاع الأتراك أن يحتلو اليمن وعسير من جديد. بديهي أن والي جدة وشريف مكة كانا في نزاع دائم فيما بينهما. وكانت العلاقات بين والي جدة وحاكم مكة عون الذي تسلم هذا المنصب اعتبارا من عام 1883 قد تأزمت في الثمانينات. فقد بدأ الوالي بأداء أعمال عامة فحسن تزويد جدة بالمياه وأعاد بناء ترعة زبيدة وأنشأ مبنى جديدا لحاكمية المدينة كما أنشأ عنابر ومباني للخفراء. وسمح الوالي العثماني لعون بأداء وظائفه القضائية ولكن فقط في المسائل المرتبطة بعشيرته والبدو والأشخاص من غير الأتراك والذين ولدوا في مكة نفسها. وأخذ الأتراك يشرفون على طرق القوافل ويقومون بحملات على قبيلة حرب بدون موافقة شريف مكة. وتقلصت عائدات عون من الرسوم الجمركية. وعند ذاك انتقل شريف مكة وقسم من أبرز أفراد عائلته مع الوجهاء والتجار ومفتي الشافعيين والعلماء الآخرين إلى المدينة المنورة احتجاجا على تصرفات الوالي حتى تمكنوا من إقناع السلطان بتنحيته.

وكان الوالي الجديد جمال باشا أكثر حذرا من سابقه. وازداد نفوذ شريف مكة بعض الشيء، إلا أن الصدام بينه وبين الباشا استمر. وترى موقف العرب من الأتراك. وبعد وفاة عون في عام 1905 تسلم منصف الشرافة على صنيعة الأتراك. وفي تلك الفترة اندلعت ثورة تركيا الفتاة، فنحى جمال باشا بوصفه من أنصار النظام السابق. وبعد فترة قصيرة من الغموض في الموقف عين لمنصب الشرافة في خريف 1908 الزعيم المرتقب للإنتفاضة العربية الحسين بن علي الذي كان أسيرا فخريا في الاستانة منذ عام 1893 مع أولاده الثلاثة علي وعبد الله وفيصل.

وفي عام 1908 نفسه افتتحت في الحجاز سكة حديد معان – المدينة المنورة. وأدى مد هذه السكة إلى تحسين كبير في المواقع العسكرية الاستراتيجية للأتراك في غربي الجزيرة. إلا أن الإمبراطورية العثمانية في شرقي الجزيرة لم تتمكن من تعزيز مواقعها بسبب مقاومة بريطانيا وبسبب تصاعد الميول المعادية للأتراك عند عرب الجزيرة.

وسعت الكويت التي غدت في أواخر القرن التاسع عشر مرفأ رئيسيا لباطن الجزيرة ومركزا تجاريا مزدهرا إلى التقليل من تبعيتها للأتراك، وهي تبعية شكلية أصلا. وأخذ شيخ الكويت محمد الصباح يتدخل على نحو نشيط في الصراع داخل الجزيرة، حيث كانت إمارة جبل شمر التابعة للعثمانيين تشكل خطرا فعليا عليه، ولذلك وفر الحماية عبد الرحمن بن فيصل الذي يدعي بأحقيته في عرش الرياض. واحتفظ هذا الأمير الذي فر من الرياض بعلاقات مع واحات وقبائل أواسط الجزيرة فشجع الميول المناهضة للشمريين هناك. وفي عام 1896 قتل محمد الصباح وأخوه بيد أخيهم الثالث مبارك الذي غدا شيخا للمدينة ولقبائل أطرافها. وصار هذا الحاكم الجديد للكويت يمارس طوال عشرين عاما تقريبا تأثيرا غير قليل على الأحداث في الجزيرة.

وكانت قبيلة المنتفق القوية وعلى رأسها فخذ آل سعدون في جنوب العراق عاملا له شأنه في السياسة في أواسط الجزيرة. إلا أن المنتفق كانوا يعتبرون البادية مجرد جهة لغزوات النهب. وفي تلك الأثناء كانت الحكومة البريطانية مشغولة البال بالخطط الألمانية التركية لاستعادة الكويت ووضعها تحت السيطرة العثمانية المباشرة وتأمين منفذ سكة حديد برلين بغداد إلى البحر. وحاول الأتراك مرارا الاستيلاء على الكويت ونفي الشيخ مبارك إلى اسطنبول. وكان مبارك يدرك ذلك فيطلب الحماية من الإنجليز الذين كان في الماضي يتحاشى التعاون الوثيق معهم. وفرضوا عليه معاهدة سرية غدت الكويت بموجبها محمية بريطانية. ووقعت في 23 يناير 1899. والتزم الشيخ، فيما التزم، بعدم تقديم امتيازات لأحد ماعدا بريطانيا. وعادت بخفي حنين البعثة الألمانية التي وصلت إلى الكويت في العامل التالي للحصول على حق إيصال سكة حديد بغداد إلى الكويت.

وصار الإنجليز يشعرون بالقلق من إمارة حائل بوصفها تابعة مخلصة للأتراك. وكان السعي إلى إضعاف هذه الإمارة إحدى مهمات السياسة البريطانية في شبه الجزيرة، مع أن ذلك لم يكن يستبعد في بعض الحالات استخدام الإنجليز إمارة حائل لأغراضهم. وأخذوا يؤيدون خصوم الأتراك وجبل شمر في الجزيرة العربية، الأمر الذي كان له تأثيرا هام، إن لم نقل حاسم، على نجاح عودة أل سعود إلى السلطة في نجد.


الأمراء والقادة

برز في الدولة السعودية الثانية بعض الأمراء والقادة؛ فكان منهم:

  • أحمد بن محمد السديري.
  • تركي بن أحمد السديري.
  • محمد بن أحمد السديري.
  • سعد بن مطلق المطيري.
  • حطاب العطيفة الرشيدي.
  • عجيلان القنور الرشيدي .
  • عبد الله بن رشيد.
  • حمد بن يحيى بن غيهب.
  • عبد الله بن سعد المداوي.
  • محمد بن سيف العجاجي.
  • متعب بن عبد الله بن رشيد.
  • عمر بن عفيصان.

انظر أيضاً

مرئيات

الدولة السعودية الثانية.

المصادر

  1. ^ Alexei Vassiliev, The History of Saudi Arabia, London, UK: Al Saqi Books, 1998, p. 185
  2. ^ Vassliev, p. 165, 186
  3. ^ Vassiliev, p. 165, 186
  4. ^ Vassiliev, p. 177

وصلات خارجية

23°0′N 45°30′E / 23.000°N 45.500°E / 23.000; 45.500