المالية الرومانية
لقرون كانت الشئون المالية للجمهورية الرومانية في يد مجلس الشيوخ الروماني. وكانت تلك الصفوة تحب أن تقدِّم نفسها على أنها محافظة مالياً.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
العملة
- مقالة مفصلة: العملة الرومانية
كان إصدار هذه العملة المضمونة عاملاً مهماً في تدعيم الأعمال المالية في البلاد، فقد كان الرومان الأولون يستخدمون الهياكل في أعمال المصارف، كما نتخذ نحن المال إلهاً لنا والمصارف هياكل نعبده فيها من دون الله. وقد ظلت الدولة تتخذ الأضرحة القوية البناء مستودعات للأموال العامة، ولعلها كانت ترى أن الدين قد يلقى الرعب في قلوب اللصوص فلا يقدمون على السرقة.
الفائدة
وكان إقراض المال من أقدم الأعمال في روما، وشاهد ذلك أن الألواح الأثني عشر تحرم الربا إذا زاد على 8.3% في السنة. ثم خفض سعر الفائدة القانوني في عام 347 إلى خمسة في المائة، ثم حرم الربا على الإطلاق في عام 342 ق.م. ولكن المرابين كان في وسعهم أن يروغوا من هذا التحريم الأرسطاطيلي، وكان أقل سعر للفائدة يتقاضونه فعلاً لا يقل عن 12%. فضلاً عن هذا فقد كان الربا الفاحش (الذي يزيد على 12%) واسع الانتشار، وكان يحدث من حين إلى حين أن يتخلص المدينون من ديونهم بالإفلاس أو التشريع. وحدث في عام 352 ق.م. أن استخدمت الحكومة وسيلة جد حديثة للتخفيف عن المدينين: ذلك أنها تكفلت هي بالرهون التي كان الوفاء بها مرجحاً أكثر من غيرها، وأقنعت الراهنين بأن يقبلوا عن الرهون الأخرى فوائد أقل من التي تعاقدوا عليها. وأصبح أحد الشوارع المجاورة للسوق العامة Forum هي رجال المصارف، وازدحمت فيه حوانيت المقرضين (argentarii) والصيارفة مبدلي النقود (trapezitae). وكان في وسع الأهلين أن يقترضوا المال بضمان الأرض والمحاصيل الزراعية والأوراق المالية، والعقود الحكومية، كما كان في وسعهم أن يقترضوا لتمويل المشروعات التجارية والرحلات البحرية، وكان يحل محل التأمين الصناعي السائد في أيامنا الحاضرة نظام الإقراض التعاوني؛ وكان يحدث أن يشترك عدد من أصحاب المصارف في تقديم الأموال اللازمة لمشروع ما بدل أن ينفرد واحد منها بتمويله. وكانت هناك شركات مساهمة أشهر ما كانت تقوم به من الأعمال تنفيذ العقود الحكومية التي يبرمها الرقيب بعد أن تقدم إليه عنها عطاءات. وكان أصحاب هذه العطاءات يحصلون على المال اللازم لقيامهم بهذه الأعمال ببيع ما لديهم من الأسهم والسندات للجمهور في صورة "أجزاء صغيرة" أي أسهم particular أو (partes). وقد اضطلعت هذه الشركات المؤلفة من رجال يقومون بالمشروعات العامة أو مشروعات الدولة بعمل خطير في تموين الجيش والأسطول في الحرب البونيقية الثانية بما يحتاجانه من المؤن والعتاد ونقلها إليهما، ولم يفتها في هذا العمل أن تحاول ما يحاوله غيرها من الشركات، وهو أن تخدع الحكومة(62)، وكان رجال الأعمال equites هم الذين يديرون هذه المشروعات الكبرى، أما ما كان أصغر منها فكان يديره الأرقاء المحررون. وكانت المشروعات غير الحكومية يديرها مديرو الأعمال negotiatunes وكان هؤلاء يدبرون لأنفسهم ما يلزمها من المال.
رجال المال
ترى كيف كان الإنتاج والتجارة يمولان؟ لقد كانا يمولان قبل كل شيء ينقد محترم موثوق به في العالم إلى حد كبير. نعم إن النقود الرومانية جميعها قد انحطت قيمتها شيئاً فشيئاً من أيام الحرب البونية الأولى، لأن الخزانة وجدت انه يسهل عليها أن تؤدي ما استدانته الحكومة من المال بسبب الحروب بسماحها بالتضخم الذي ينشأ بطبيعته من ازدياد النقود ونقص السلع. منم ذلك ان الآس وكان في الأصل رطلاً من النحاس انخفض وزنه إلى أوقيتين في عام 241، وإلى أوقية واحدة في عام 202، وإلى نصف أوقية في عام 87 ق.م، وإلى ربع أوقية في عام 60م؛ وفي المائة العام الأخيرة من عهد الجمهورية كان قواد الجند يسكون نقودهم، وكانت هذه النقود في العادة هي الأورى وهو نقد ذهبي كانت قيمته في الغالب مائة سسترس. ومن هذه النقود الحربية جاءت نقود الأباطرة، وقد جرى هؤلاء على سنة قيصر فطبعوا صورتهم على ما يسكونه من النقود رمزاً لضمان الحكومة إياها. وسك السسترس وقتئذ من النحاس بدل الفضة، وجعلت قيمته أربعة آسات، وأنقص نيرون ما كان يحتويه الدينار من الفضة إلى 90% مما كان يجتويه منها قبل، ثم أنقصه تراجان إلى 85%، وأورليوس إلى 75%، وكمودس إلى 70%، وسبتميوس سفيرس Septimius Severus إلى 50%. وأنقص نيرون قيمة الآوريوس من 1slash40من الرطل من الذهب إلى 1slash45،وأنقصها كركلا إلى1slash50. وصحب هذا التخفيض ارتفاع عام في إثمان السلع، ولكن يلوح ان الدخل ارتفع بنسبة هذا التخفيض وظل يرتفع حتى زمن أورليوس. ولعل هذا التضخم غير الطليق الخاضع لإشراف الحكومة، لم يكن إلا وسيلة سهلة لتخفيف العبء عن المدينين على حساب الدائنين، لأن هؤلاء لو تركوا وشأنهم لاستطاعوا بفضل ما يمتازون به من كفاية، وما يتاح لهم من فرص، أن يركزوا الثروة في أيد قليلة إلى حد يقف معه دولاب الاقتصاد وينذر بالثورة السياسية.ومن واجبنا أن نعد النظام المالي الروماني من أكثر النظم المالية نجاحاً وثباتاً في التاريخ رغم ما طرأ عليه من تغيرات. ذلك ان معياراً واحداً للنقد ظل قائماً موثوقاً به مدى قرنين من الزمان، وبفضل هذا الثبات راجت التجارة واستثمار المال رواجاً لم يكن له نظير في أي عصر من العصور السابقة.
ومن أجل هذا انتشر الصيارفة في كل مكان، يبدلون النقود بعضها ببعض، ويراجعون الحسابات والودائع ذات الفوائد، ويصدرون التحاويل المالية للمسافرين وتوكل إليهم إدارة أملاك الأفراد وبيعها، وشرائها، واستثمار الأموال، وأداء الديون، وإقراض المال للأفراد والشركات. وكان مصدر هذا النظام المصرفي بلاد اليونان وبلاد الشرق اليوناني، وكان أكثره في أيدي اليونان والسوريين حتى في إيطاليا نفسها وفي غربي أوربا؛ وكان اللفظان اللذان يطلقان على السوري، والمصرفي في غالة مترادفين. وانخفض سعر الفائدة إلى أربعة في المائة لكثرة الغنائم الت يجاء بها أغسطس من مصر، ولكنه عاد فارتفع إلى 6% بعد موته، وبلغ حده القانوني الأقصى وهو 12% قبيل عصر قسطنطين.
ويدل "الذعر" المشهور الذي حدث في عام 33 م على ما وصلت إليه حال المصارف والتجارة في أيام الإمبراطورية، كما يدل على اعتماد كلا النظامين على الآخر. ذلك أن أغسطس سك العملة بلا حساب، وبسط يده في الإنفاق كل البسط، على أساس أن كثرة تداو ل المال، وانخفاض سعر الفائدة، وارتفاع الأثمان، ستبعث النشاط في الأعمال المالية والتجارية. وقد حدث هذا فعلاً ولكن هذه العملية لم يكن من شأنها أن تستمر إلى غير نهاية، ولذلك حدث انتكاس ولما يمض على بدايتها زمن طويل؛ فقد حدث في عام 10 ق.م أن وقف إصدار العملة، وعاد تيبيريوس إلى عكس النظرية السابقة وهي أن خير ضروب الاقتصاد هو أشدها اقتصاداً.ولذلك فرض القيود الشديدة على النفقات الحكومية، وحدد إصدار العملة تحديداً شديداً، وجمع في خزانة الدولة 2.700.000.000. ونشأ عن هذا أن قل تداول النقود قلة زاد أثرها سوءاً نزوح الأموال إلى بلاد الثراء لابتياع الكماليات منها. ونتج عن ذلك انخفاض الأثمان، وارتفاع سعر الفائدة. وعجز المدينون عن الوفاء بديونهم، فباعوا أملاكهم، وقاضى المدينون المرابين، وامتنع الاقتراض أو كاد. وحاول مجلس الشيوخ أن يمنع تصدير رؤوس الأموال فطلب أن يستثمر قدر كبير من ثروة كل عضو من أعضائه في الأراضي الإيطالية، فعمد الشيوخ من أجل ذلك إلى المطالبة بما لهم من الديون، وباعوا أملاك مدينيهم للحصول على الأموال،وازدادت الأزمة سوءاً على سوء؛ ولما ان أبلغ الشيخ ببليوس أسبنثر Publius Spinther مصرف بلبس وأليوس Balbes & Ollius انه لابد له أن يسحب 30.000.000 سسترس للوفاء بما يتطلبه القانون الجديد، أعلن المصرف إفلاسه. وحدث في الوقت نفسه أن أفلست شركة بالإسكندرية هي شركة سوثيس وولده Seuthes & Son على أثر ضياع ثلاث سفن لها تحمل التوابل\، وانهارت شركة ملكس Malchus للصباغة في مدينة صور، فشاع في طول البلاد وعرضها ان مصرف مكسمس وفيبو Maximus & Vibo الروماني على وشك الإفلاس بسبب ما له من ديون كثيرة على هاتين الشركتين. ولما ان هرع أصحاب الودائع إلى هذا المصرف لسحبها أغلق أبوابه، وحدث بعدئذ في اليوم نفسه أن أجل الدفع مصرف كبير آخر هو مصرف أولاد بتيوس Pettius. ووصلت في الوقت عينه تقريباً أنباء تقول إن مصاريف مالية كبرى في ليون، وقرطاجنة، وكورنثة، وبيزنطية قد أفلست هي الأخرى، وأغلقت مصارف رومة واحداً بعد واحد، ولم يكن من المستطاع اقتراض المال إلا بفوائد أعلى كثيراً من السعر المصرح به قانوناً. واضطر تيبيريوس في آخر الأمر أن يعالج الأزمة بوقف قانون الاستثمار في أرض إيطاليا، وتوزيع 100.000.000 سسترس على المصارف لقرضها من غير فائدة لآجال تبلغ ثلاث سنين، بضمان الأملاك العقارية، فاضطر المرابون من الأفراد إلى تخفيض سعر الفائدة، وخرجت الأموال من مخابئها، وعادت الثقة شيئاً فشيئاً إلى السوق المالية والتجارية.
العمالة
وكانت الصناعة في أيدي صناع مستقلين يشتغل كل منهم في حانوته الخاص، وكان معظم هؤلاء الصناع ممن الأحرار ولكن كان إلى جانبهم عدد من المحررين ومن الأرقاء أخذ يتزايد على مر الأيام. وكانت الأعمال التي يقوم بها هؤلاء الصناع مختلفة كل الاختلاف، وكان أكثر ما ينتجون للسوق لا للعميل الخاص. وقد أدى التنافس بين العمال الأحرار والأرقاء إلى خفض أجور الأولين، فانحط مستوى العمال إلى درجة من البؤس لا تقل عن بؤس أفقر عمال المدن الذين يعيشون في أقذر الأحياء في هذه الأيام. ولم يكن إضراب هؤلاء العمال عن العمل ذا فائدة لهم ولذلك كان نادر الحدوث ؛ غير أن الفتن بين الأرقاء كانت كثيرة؛ ولم تكن "حرب الأرقاء الأولى" (139 ق.م) أولى هذه الفتن. ذلك أن التذمر إذا اشتد وضاق الناس ذرعاً بمعيشتهم، كان من السهل تلمس سبب للحرب تهيئ أعمالاً للمتعطلين، وتيسر انتشار النقود المنخفضة القيمة، وتوجه غضب الشعب نحو عدو خارجي يطعم الرومان من أرضه إذا انتصروا، أو تستقبلهم هذه الأرض موتى أو أسرى إذا هزموا.
الطوائف والنقابات
وكان للأحرار من العمال اتحادات أو جماعات طائفية (Collegia). ولكنها قلما كانت تعنى بمسائل الأجور أو ساعات العمل أو ظروفه. وتعزو الروايات المتواترة إلى نوما Numa فضل إنشاء هذه الاتحادات أو الاعتراف بمشروعيتها. وسواء صح هذا أو لم يصح فإننا نعرف أنه كان القرن السابع قبل الميلاد منظمات للزمارين، والصائغين، والنحاسين، وطارقي الحديد، والحذائين، والفخرانيين ، والصبّاغين والنجارين. وكانت جماعات "الفنانين الديونيزيون" Dionysian Artists -الممثلين والموسيقيين- من أكثر الجماعات انتشاراً في العالم القديم. وقد كان في روما قبل بداية القرن الثاني قبل ميلاد المسيح جماعات طائفية للطباخين، ودابغي الجلود، والبنائين، وصناع البرونز، والحدادين، وصانعي الحبال، والنسّاجين؛ ولكن الراجح أن هذه الطوائف كانت قديمة قدم الطوائف السالفة الذكر. وكان أهم أهداف هذه الاتحادات وأمثالها مجرد السرور الذي تبعثه الصلات الاجتماعية في قلوب أعضائها. وكان الكثير منها جمعيات تعاونية تكفل نفقات دفن الموتى. ولم تكن الدولة تنظم شئون هذه الاتحادات والجماعات الطائفية وحسب، بل كانت تنظم كذلك كثيراً من النواحي في حياة روما الاقتصادية؛ فكانت تشرف على استغلال المناجم وعلى غيرها من الامتيازات والعقود التي كانت تبرمها الحكومة، وكانت تهدئ الاضطرابات التي يثيرها العامة باستيراد الطعام وتوزيعه بأثمان اسمية على الفقراء أو على كل من يطلبه. وكانت تفرض الغرامات على الاحتكارات؛ وقد أممت صناعة تعدين الملح لتقضي بذلك على احتكار هذه الصناعة، بعد أن ارتفع ثمن الملح بسبب هذا الاحتكار ارتفاعاً جعله في غير متناول طبقة العمال.
التجارة الخارجية
وكانت روما تتبع سياسة حرية التجارة، ولذلك فإنها لما تغلبت على قرطاجنة فتحت غرب البحر المتوسط لتجارة الأمم جميعها؛ وقررت حماية يوتيكا Utica ثم ديلوس مشترطة عليهما في نظير هذه الحماية أن يظلا ميناءين حرين تدخل فيهما البضائع وتخرج منهما دون أن تؤدي لهما رسوماً. على أنها كانت في بعض الأحيان تحرم تصدير السلاح، والحديد، والخمر، والزيت، والحبوب. وكانت تفرض على معظم الغلات التي تدخل روما عوائد جمركية تقدر عادة باثنين ونصف في المائة من قيمتها، ثم امتدت هذه الضريبة القليلة فيما بعد إلى غيرها من المدن، وظلت حتى عام 147 ق.م. تفرض ضريبة على الأملاك (tributum) في جميع أنحاء إيطاليا. ويمكن القول بوجه عام إن إيرادات الدولة لم تكن كثيرة وإن أهم ما كانت تستخدم فيه هو نفقات الحرب، شأنها في هذا شأن غيرها من الدول المتحضرة.
انظر أيضاً
- Agentes in rebus
- Aerarium
- Comes
- Congiarium
- Donativum
- Fiscus
- Rationalis
- Rationibus
- Roman commerce
- Roman economy
للاستزادة
- Jean Andreau, Banking and Business in the Roman World, translated by Janet Lloyd (Cambridge University Press, 1999). Limited preview online.
الهامش
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المصادر
ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.