ليڤي
تيتوس ليڤيوس Titus Livius (اعتيادياً 59 ق.م. - 17 م.[1]), ويـُعرَف بإسم ليڤي Livy في الإنگليزية, كان مؤرخاً رومانياً كتب تاريخاً هائلاً لروما, Ab Urbe Condita, منذ تأسيسها (المتعارف على أنه كان في 753 ق.م.) وحتى نهاية عهد أغسطس قيصر الذي عاصر ليڤي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
حياته
لم يظفر النثر في عهد أغسطس بمثل ما ظفر به الشعر من مؤلفات عظيمة قيمة، فقد اضمحلت الخطابة بانتقال التشريع والقرارات، في الواقع إن لم يكن في الشكل، من مجلس الشيوخ والجمعيات إلى حجرات الزعيم السرية. وظل العلم يجري في مجراه الهادئ تحميهِ من العواصف والأحداث ومصالحه الخيالية، ولم ينتج العصر كله آية أدبية خالدة إلا في التاريخ. وكان صاحب هذه الآية الخالدة تيتس ليفيوس Titus Livius.
ولد تيتس في بتفيوم Patavium (بدوا Padua) في عام 59ق.م. ثم وفد غإلى العاصمة، وأكب على دراسة البلاغة والفلسفة، وخص السنين الأربعين الأخيرة من حياتهِ بكتابة تاريخ لرومة (23ق.م-17م). وذلك كل ما نعرفه عن هذا المؤرخ "فمؤرخ رومة لا تاريخ له"(63). وكان موطنه الأصلي، كموطن فرجيل، وهو إقليم البو، وقد احتفظ على الدوام بفضائل الأقدمين وبساطتهم وتقواهم، ثم نشأ فيهِ احترام قوي للمدينة الخالدة-لعل سببه ما كان يصله عنها من أنباء وهو بعيد عنها. وقد وضع خطة كتابه على أساس واسع عظيم، وقدر له أن يتمه وإن لم يصل من "كتبه" البالغة مائة واثنين وأربعين كتاباً إلا خمسة وثلاثون. وإذ كانت هذه الكتب الباقية تحتويها ستة مجلدات فإن في وسعنا أن نقدر ضخامة هذا المؤلف. ويلوح أن الكتاب قد ظهر أجزاء متتابعة لكل منها عنوان خاص، ويجمعها كلها عنوان واحد هو "من أسس المدينة Ab urbe condita". وكان في وسع أغسطس أن يتغاضى عن ميوله الجمهورية وأبطاله الجمهوريين لأن روح الكتاب الدينية والأخلاقية والوطنية كانت تتفق كل الاتفاق مع خطط الإمبراطورية السياسية. ومن أجل ذلك اتخذ ليفي صديقاً له وشجعه ليجعل منه فرجيلاً ناثراً يبدأ عمله من حيث تركه الشاعر. وقد فكر ليفي في يوم من الأيام وهو في وسط مرحلته الطويلة التي بدأت في عام 753 ق. م أن ينقطع عن العمل بحجة أنه نال ما يبتغيه من الشهرة الخالدة؛ ثم واصل العمل لأنه على حد قوله وجد نفسه قلقاً حائراً حين امتنع عن الكتابة.
وكان المؤرخون الرومان يرون أن الشعر ولد هجين من أبوين هما البلاغة والفلسفة! وإذا كان لنا أن نصدقهم فإنهم كانوا يؤرخون ليوضحوا المبادئ الأخلاقية بالقصص البليغة، أي أن يجلو المغزى الخلقي بقصة. وقد نُشئ ليفي ليكون ممثلاً، ولكنه حين وجد الخطابة خطرة معرضة للنقد، "اتجه نحو التاريخ" كما يقول تين Taine "لكي يظل كما كان خطيباً"(65). وبدأ كتابه بمقدمة جافة ندد فيها بما كان شائعاً في عصره من فساد وترف وخنوثة؛ وقال إنه دفن نفسه في الماضي لكي ينسي مساوئ الحاضر، "الذي لا نطيق ما ابتلانا من أمراض كما لا نطيق لها علاجاً"، ثم يقول إنه سيتخذ التاريخ سبيلاً لتصوير الفضائل التي رفعت من شأن رومة. وكانت سبباً في عظمتها، وهي اتحاد الأسرة وقداستها، وتقوى الأبناء، والعلاقة المقدسة بين الناس والآلهة في كل خطوة من الخطوات، وقدسية ما يقطعه الناس من عهود وضبط النفس والوقار إلى أقصى حد. ويقول إنه سيجعل رومة الرواقية هذه أمة نبيلة كريمة الأخلاق إلى حد يرى الناس معه أن فتح بلاد البحر الأبيض المتوسط كان من الأعمال التي تحتمها من الأخلاق الكريمة، أو أنها أمر إلهي وشريعة مقدسة نزلت على ما في الشرق من فوضى وما في الغرب من همجية، وسيجعل ما نالته رومة من ظفر نتيجة لما تحلي لها به أهلها من كريم الخلق، كما عزاه بولبيوس إلى نظام حكومتها الصالح الرشيد.
وأكبر ما في الكتاب من عيوب إنما يرجع إلى هذه النزعة الأخلاقية، ففي على أن مؤلفه رجل يخضع لحكم العقل. وكان احترامه للدين احتراماً مسرفاً إلى حد يكاد يحمله على الأيمان بكل خرافة، ويملأ صحف كتابه بالفأل والطيرة والتنبؤ بالغيب حتى لنشعر ونحن نقرؤها أن الذين يدبرون الحوادث ويقومون بالأعمال هم الآلهة كما نشهد ذلك في أشعار فرجيل. ولسنا ننكر أنه يعبر عن شكهِ أنه يعبر عن شكهِ فيما يروي من أساطير تاريخ رومة الأول، ويبتسم حين يذكرمن الروايات أقلها احتمالاًأسأأ ، ولكنه حين يواصل الكتابة لا يفرق بين الأساطير والتاريخ الحقيقي، ويسير وراء أسلافه بلا تميز كبير بين الباطل من أقوالهم والصحيح، ويقبل الأقاصيص والروايات الخيالية التي اخترعها المؤرخون الأولون ليمجدوا بها أسلافهم(66). وقلما يعنى بالرجوع إلى المصادر الأصلية أو الآثار، ولا يشغل نفسه قط بزيارة الأماكن التي وقعت فيها أهم الحوادث. وتراه أحياناً يعمد إلى شرح صحائف كاملة من بولبيوس(67). ويلجأ إلى طريقة القساوة القديمة طريقة الحوليات، فيقص الحوادث التي وقعت في عهد كل قنصل من القناصل، ولهذا فإنك إذا ضربت صفحاً عما فيهِ من بحوث أخلاقية لن تجد فيهِ أثراً للتعليل الصحيح وربط النتائج بأسبابها، بل كل ما تجده سلسلة متتابعة من الأحداث الرائعة. وهو لا يفرق بين الآباء الأجلاف الأولين الذين عاشوا في عهد الجمهورية المبكر وبين أشراف عصره، أو بين السوقة الأشداء الذين أنشئوا الديمقراطية الرومانية والغوغاء الأدنياء الذين قرضوا أركانها، وهو يتحيز للأشراف على الدوام.
ولقد كان السر الحقيقي في عظمة ليفي هو العزة الوطنية التي تجعل رومة في نظرة محقة على الدوام. وهذا السر هو الذي حباه بالسعادة الدائمة في أثناء كدحه الطويل، ولهذا السبب فإننا قلما نجد كاتباً نفذ خطة واسعة كخطتهِ بمثل ما نفذها هو في أمانة أشعرت قراءة الأقدمين ولا تزال تشعرنا نحن بعظمة رومة وبما قدر لها في عالم الغيب من مصير. ولقد كان هذا الشعور بعظمة رومة هو مصدر ما في أسلوب ليفي من نشاط، وما في أشخاصه من قدرة، وما في وصفهِ من بهجة وقوة، وما في نثره من انسجام رائع جليل. وإن الخطب التي اخترعها من عنده وبثها في تاريخه لتعد آيات في الخطابة أصبحت من بعدهِ نماذج تُحتذى في المدارس، وإن القارئ ليسحر لبه ما يتخلل الكتاب كله من أخلاق كريمة؛ فليفي لا يعمد إلى الصخب والضجيج، ولا يقسو في أحكامهِ على الناس، وعطفهِ على الدوام أوسع من علمهِ وأعمق من فكرهِ. وهذا العطف يفارقه حين يروي قصة هنيبال، ولكننا لا يسعنا أن نغفر ذلك لهُ، وهو إلى هذا يكفر عن هذا الذنب بتتابع حوادث القصة وروعتها التي تصل إلى ذروتها حين يصف الحرب البونية الثانية.
ولم يكن قراؤه يهتمون بما في كتابهِ من أخطاء، ومن نقص في الدقة، ومن تحيز، وكانوا يحبون أسلوبه وقصصه، ويبتهجون بالصورة الواضحة التي صور بها ماضيهم. وكانوا يعدون كتابهُ "من أسس المدينة" ولحمة منثورة من أنبل ما خلفه عصر أغسطس، والنزعة التي سادت ذلك العصر. ولقد ظل كتاب ليفي يلون أفكار الناس عن تاريخ رومة وأخلاق أهلها ثمانية عشر قرناً كاملة تبدأ من أيامه. وحتى الذين كانوا يقرءون كتابه من أهل البلاد الخاضعة لسلطان الرومان قد تأثروا بهذا السجل الضخم للفتوح التي لم يكن لها نظير من قبل، وبالأعمال الضخمة الجبارة التي قام بها رجالها. ويقص بلني الأصغر قصة أسباني تأثر بكتاب ليفي تأثراً حمله على أن يسافر من قادس Cadiz إلى رومة لعله يلقاه فيها. فلما حقق رغبته وصلى لربهِ، ونسي كل ما عدا ذلك من الحقوق، وعاد راضياً إلى موطنه عند المحيط الأطلنطي(68).
المراجع
- Burck, E (1934), Die Erzählungskunst des T. Livius (Berlin)
- Chaplin, J (2000), Livy's Exemplary History (Oxford)
- Ed. Hornblower, Simon, and Antony Spawforth (2003), The Oxford Classical Dictionary (Oxford)
- Feldherr, A (1998), Spectacle and Society in Livy's History (Berkeley and London)
- Jaeger, M (1997), Livy's Written Rome (Ann Arbor)
- Kamm, Antony (1995), The Romans (London)
- Kraus, C S and Woodman, A J (1997), Latin Historians (Oxford)
- Lipovsky, James P (1984), A Historiographical Study of Livy: Books VI-X
- Luce, T J (1977), Livy: The Composition of his History (Princeton)
- Mackail, J.W. (1895), Latin Literature (New York)
- Miles, Gary B. Livy: Reconstructing Early Rome. Ithaca, NY: Cornell University Press, 1997 (paperback, ISBN 0-8014-8426-X).
- Oakley, S P (1996-2005), A Commentary on Livy, Books VI-X, 4 vols. (Oxford)
- Ogilvie, R M (1965), A Commentary on Livy Books 1 to 5 (Oxford)
هامش
- ^ Ronald Syme, following G. M. Hirst, has argued for 64 ق.م.-12 م.
وصلات خارجية
مصادر رئيسية
مصادر ثانوية