ثيوقريطس
ثيوقريطس أو ثاوقريطوس ((باليونانية: Θεόκριτος)؛ إنگليزية: Theocritus؛ ح.315-250 ق.م.) شاعرٌ إغريقيٌ، وضع أساس الشعر الإغريقي الريفي والرعوي. والشعر الريفي يتناول الموضوعات الخاصة بالريف. وقد وضع ثيوقريطس معيار الشعر الريفي، باختياره للموضوعات، وبالعرض الحيّ لها، وبتأثيرها العاطفي.
توجد اليوم ثلاثون قصيدة قصيرة منسوبة إلى ثيوقريطس. وكثير من هذه الأشعار التي تسمى أناشيد الملك الرعوية، تقوم على الحوار، أو المنافسات والمطارحات الغنائية، بين الرعاة حول موضوعات مثل: الحب من جانب واحد، والسحر، وأبطال الملاحم.
قدّم ثيوقريطس هذه الأشعار، على شكل حوار، أو ترانيم، أو قصص قصيرة. وكان تأثيره واضحًا، بشكلٍ خاص في الأناشيد الرعوية للشاعر الروماني ڤيرجيل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
خلفية
ماتت المسلاة اليونانية، ومات الأدب الأثيني إلى حد كبير ، بموت فليمون عام 262. نعم إن المسرح قد ازدهر ولكنه لم ينتج من الروائع ما رأى الزمان أو العلماء أنه خليق بالبقاء، وأخذ تكرار المسالي القديمة-وخاصة مسالي فليمون ومناندر-يطرد من هذه المسارح التمثيليات المبتكرة. ولما انقضى القرن الثالث خفتت معه روح المرح التي أوجدت المسلاة الجديدة وحلت محلها في أثينة النزعة الجدية التي كانت من خصائص المدرسة الفلسفية. وحاولت مدن أخرى وخاصة مدينة الإسكندرية أن تنقل إليها غروس فن التمثيل ولكنها لم توفق.
وجددت المكتبة الكبرى والعلماء الذين اجتذبتهم إليها نفحة الأدب الإسكندري. فكان لا بد للكتب أن تتفق مع أذواق القراء المتعلمين الناقدين التي "سفسطها" العلم والتاريخ. وحتى الشعر نفسه أضحى شعراً علمياً وحاول أن يستر ما فيه من ضعف الخيال بالإشارات الغامضة والتلاعب الدقيق بالألفاظ. وأخذ كلمكس يكتب تراتيل ميتة لآلهة ميتة، ونكات شعرية طريفة تلتمع يوماً واحداً، ومدائح تنم عن فطنة وروية مثل خصلة برنيس The Lock of Bernice وقصيدة إرشادية عن الأسباب (Aitia) وهي قصيدة تحتوي على كثيراً من المعارف العلمية في الجغرافية، والأساطير، والتاريخ، وعلى قصة من أقدم قصص الحب في الأدب. ومضمون هذه القصة أن بطلها أكنتيوس Acontius فتى بارع الجمال إلى درجة لا يصدقها العقل، وأن سيدبي Cydippe ذات جمال مفرط؛ ويلتقي الفتى والفتاة فيتحابان من أول نظرة، ويقف في سبيل هذا الحب أبوهما الشرهان المحبان للمال، فيهددانهما.
تلك هي القصة التي رواها ملايين من الشعراء والقصصيين منذ ذلك العهد، والتي سيظل يرويها ملايين آخرون من هؤلاء وأولئك في مستقبل الأيام. غير أننا يجدر بنا أن نضيف إلى هذا أن كلمكس يعود في إحدى مقطوعاته إلى الأذواق اليونانية المألوفة:
اشرب الآن وأحب يا دمقراطيس Democrates؛ لأنا
لن نجد بعد خمراً أو غلماناً إلى أبد الآبدين(24).
وكان منافسه الوحيد في القرن الذي عاش فيه هو تلميذه أبلونيوس الروديسي. ولما أن سطا هذا التلميذ على أشعار أستاذه ونافسه عند البطالمة، أخذ الرجلان يتنازعان بالعمل وبالكتابة تنازعاً أدى إلى عودة أبلونيوس إلى رودس، حيث برهن على شجاعته بأن كتب في عصر يفضل الإيجار على الإطناب ملحمة متوسطة القيمة هي ملحمة الأرجنوتكا Argonautica. ولم تنل هذه الملحمة من عناية كلمكس أكثر من نكتة شعرية قصيرة هي قوله: "إن الكتاب الكبير شر مستطير"-وهو قول يستطيع القارئ أن يجد شاهداً عليه في الكتاب الذي بين يديه. وكوفئ أبلونيوس على عمله في آخر الأمر فنال المنصب الذي كان يطمع فيه وهو منصب أمين مكتبة الإسكندرية، وأفلح فوق هذا في إقناع بعض معاصريه أن يقرؤوا ملحمته. ولا تزال هذه الملحمة باقية إلى الآن، وفيها دراسة فلسفية ممتازة لحب ميديا، ولكنها ليست من الملاحم التي لا غنى عنها لطالب العلم الحديث.
ازدحام الإسكندرية
وتنم نشأة شعر الرعاة عن قيام حضارة مدنية غير ريفية، ويكاد هذا الشعر أن يجاري تلك الحضارة خطوة فخطوة. ذلك أن اليونان في القرون الأولى من تاريخهم لم يقولوا إلا النزر اليسير عن جمال الريف لأن معظمهم كانوا يعيشون من قبل في الضياع نفسها أو قريبين منها، وكانوا يعرفون ما في الحياة الريفية وعزلتها من صعاب، كما يعرفون ما فيها من هدوء وجمال. وما من شك في أن إسكندرية البطالمة كانت حارة متربة كإسكندرية هذه الأيام، ولهذا فإن من كان يقيم فيها من اليونان كانوا يعودون بذاكرتهم إلى تلال بلادهم الأصلية وحقولها، ويتخيلون هذه التلال والحقول المثل الأعلى في جمال المنظر؛ فكانت المدينة العظيمة والحالة هذه هي المكان الموحي بالشعر الرعوي. وأقبل عليها حوالي عام 276 شاب جريء يحمل ذلك الاسم الظريف وهو ثاوقريطوس. وكان قد بدأ حياته في صقلية، وقضى بعدئذ جزءاً منها في كوس، ثم عاد إلى سرقوسة يسعى إلى رفد هيرون الثاني، ولكنه لم يوفق؛ غير أنه لم ينسَ قط جمال صقلية، وجبالها وأزهارها، وسواحلها وخلجانها، فلما انتقل بعدئذ إلى الإسكندرية أنشأ قصيدة في مدح بطليموس الثاني نال عليها رضاء البلاط وهو رضاء قصير الأجل. ويبدو أنه ظل بضع سنين يعيش بين رجال البلاط والعلماء، بينما كانت الصور الجميلة التي يرسمها لحياة الجبال تحببه إلى سوفسطائي العاصمة. وتصف قصيدة پركسينوا Praxinoa ما يلقاه الإنسان في شوارع الإسكندرية المزدحمة من هول وفزع [1]:
رباه: ما أكثر أولئك الغوغاء! ليس في وسعي أن أتصور
كيف نستطيع أن نشق طريقنا، أو كم من الزمن يلزمنا لكي نشقه فيها؛
إن عش النمل لا يعد شيئاً إلى جانب هذا الهرج والمرج...
أي جرجون Gorgon، يا عزيزي، أنظر!-ماذا في مقدورنا أن نفعل؟
أولئك هم فرسان الملك! لا تطؤونا بسنابك خيولكم!
أونوا Eunoa، تنحى عن طريقهم!
الأناشيد الرعوية
- مقالة مفصلة: نشيد رعوي
وكيف يستطيع رجل له نفس شاعر وذكريات صقلية أن يكون سعيداً في هذه البيئة؟ لقد كان يمدح الملك لكي يستطيع العيش، ولكنه كان يغذي رومة بما في مخيلته من صور جزيرته الأصلية، ولعله كان يغذيها أيضاً بصور جزيرة كوس؛ وكان يحسد الراعي على حياته البسيطة ويتخيله وهو يخطو وراء قطعانه الهادئة الوديعة فوق منحدرات التلال المعشوشبة المطلة على البحار المشمسة. وقد أتم وهو في هذه الحالة نشيد الرعاة-الإيدليون Eidyllion أو الصورة الصغيرة-ووصفه ذلك الوصف الذي لا يزال محتفظاً به إلى الآن، وهو نقش ريفي أو قصة شعرية. وليس في الاثنتين والثلاثين مقطوعة التي وصلت إلينا من أشعار ثاوقريطوس إلا عشرة أناشيد رعوية، ولكن هذه الأناشيد العشرة قد طبعت ذلك الاسم الذي يشملها جميعاً بطابع نصف ريفي. وبهذه الأناشيد يدخل وصف الطبيعة آخر الأمر في الأدب اليوناني، وهو لا يدخله دخول الإلهة فحسب، بل يدخله كذلك دخول معالم الأرض الحية المحببة إلى النفوس. ولم ينقل الأدب اليوناني قبل ذلك العهد، بمثل هذا الشعور الحي، الإحساس الخفي بالصلة التي تبعث في النفس حب الصخور والجداول، والماء والأرض والسماء، والاعتراف بفضلها على بني الإنسان.
بيد أن موضوعاً آخر ينفذ في قلب ثاوقريطوس إلى أعماق أبعد من التي ينفذ إليها الشعر الرعوي- ذلك هو موضوع الحب. ولكنه وهو لا يزال يونانياً رغم بعده عن بلاد اليونان، ينشئ أغنيتين شعريتين (الثانية عشرة والتاسعة والعشرين) في الصداقة الجنسية بين الغلمان، ويقص قصصاً واضحاً جياشاً بالعاطفة قصة هرقل وهيلاس Hylas (الأغنية الثالثة عشرة)، وكيف "قاوم الجبار وحشية الأسد، وأحب شاباً، وعلمه ، كما يعلم الأب ابنه، كل ما يستطيع به أن يكون رجلاً طيباً ذائع الصيت؛ ولم يكن يفارق الغلام في مطلع الفجر، أو وقت الظهيرة أو في المساء، ولكنه كان يعمل دائباً على أن يشكله بالصورة التي يحب من صميم قلبه أن يكون عليها، وأن يجعله رفيقه الحقيقي، يماثله في أعمال العظمة". وثمة أنشودة أشهر من الأنشودة السابقة (الأنشودة رقم 1) وهي التي تعيد إلى مسامعنا قصة دفنيس Daphnis لاسنكسورس الراعي الصقلي الذي زمر وغنى زميراً وأغاني بلغ من جمالها أن جعلته الأقاصيص الخرافية مخترع شعر رعاة البقر. وخلاصة القصة أن دفنيس ظل وقتاً ما يراقب قطعانه، ويحسدها على مرحها وحبها، حتى إذا ما نبتت الشعرة الأولى على شفته هامت بحبه إحدى حور الغاب المقدسات، وتزوجت بهِ. ولكنها تقاضت من ثمن حبها بأن جعلته يقسم ألا يحب قط امرأة غيرها. وحاول جهده أن يبر بقسمهِ وأفلح في هذا إلى أن افتتنت ابنة أحد الملوك بشبابه وأسلمت نفسها له في الحقول. وأبصرت هذا أفرديتي، وانتقمت لزميلتها الإلهة بأن جعلت دفنيس يذوب قلبه وجسمه من الحب غير المستجاب. فلما مات أوصى بمزماره إلى پان Pan في أغنية يضيف إليها صاحب القصة قراراً موسيقياً يردده بعد كل مقطوعة في الأغنية:
"أقبل يا سيدي؛ وخذ هذا المزمار الجميل
المغمور في الشمع الذي لا تزال تفوح منه رائحة الشهد
والمربوط عند الشفتين بالخيط. ذلك أن حبي قد أقبل
ليناديني إلى بيت الأموات".
يا ربات الشعر أقلعي، أقلعي عن نشيد الرعاة
"والآن فليخرج العوسج والحسك أزهار،
البنفسج؛ وليزهر النرجس،
فوق العرعر؛ ولتتنكب كل الأشياء طريقها السوي،
وليثمر الصنوبر الكمثري، لأن دفنيس سوف يموت.
ولتطارد الوعول كلاب الصيد، وليطرد البوم الناعق
العندليب من التلال"
يا ربات الشعر أقلعي، أقلعي عن نشيد الرعاة
"قال هذا-ثم لم يقل شيئاً. وكان يود أفرديتي
أن ترفعه؛ ولكن ربات الأقدار
قطعت حبل حياته، فهوى دفنيس
في نهر الموت وجرفه التيار، وانقفل الدردور على رأسه
رأس من كانت تحبه ربات الشعر بأجمعها
رأس من لم تغضب منه حور الغاب"
يا ربات الشعر أقلعي، أقلعي عن نشيد الرعاة
وتواصل الأنشودة الثانية موضوع الحب، ولكنها تواصله في نغمة أعنف من هذه النغمة. وتقص كيف أغوى دلفيس Delphis سميثيا Simaetha عذراء سرقوسة ثم هجرها فأخذت تستثير حبه بالتعاويذ، ورحيق العشاق، وتقول إنها اعتزمت أن تتجرع السم إذا عجزت عن كسب حبه. وتقف تحت النجوم وتصف لسيليني Selene إلهة القمر ما دب في قلبها من الغيرة حين رأت دلفيس يسير مع رفيقته.
وما كدنا نصل إلى منتصف الطريق عند مسكن ليكون Lycon
حتى شاهدت دلفيس مقبلاً مع أودانبوس Eudanippus
وكانت وجنات الفتى والفتاة وذقنهما
أنصع بياضاً من القَسْوس حين يكمل نماءه
نعم، وصدراهما أكثر تلألؤاً منك يا سيليني،
يدّلان على أنهما قد اقبلا تواً من كدح المصارعين النبيل.
فكري في حُبي، وفكري من أين جاء، أنت يا سيدة سيليني.
فلما رأيتهما، استشطت غضباً، واتقدت نار الغيرة في صدري
فاكتوى بنار الحب الضائع قلبي. وذبل جمالي ولم أعد
أرقب المراكب حين تمر؛ ولم أدرِ كيف عدت إلى داري
لأن آفة كريهة، أو مرضاً لافحاً، قد قضى عليّ،
وظللت أربعة أيام مسجى على فراشي وعشر ليالٍ قضيتها في ألم ممض.
فكري في حبي، وفكري من أين جاء، أنت يا سيدة سيليني
وكثيراً ما جفت نضرة جسمي واصفرت كالهشيم الجاف،
أجل وتساقط شعر رأسي، وكل ما كنته قبلاً
لم يبقَ منه إلا جلد وعظم، وما من إنسان إلا لجأت إليه،
وما من طريق فيه عجوز شمطاء تتلو فيه رقبة حب إلا سلكته.
لكنني لم أجد عزاء، ومرت الأيام سراعاً.
فكري في حبي، وفكري من أين جاء، أنت يا سيدة سيليني
والأنشودة الثانية تصل بنا إلى الحورية أمرلس Amaryllis ومفاتنها البعيدة المنال، وتصل بنا الرابعة إلى الراعي كريدون Corydon والسابعة إلى لسداس Lycidas راعي الماعز الشعري-وتلك كلها أسماء قد تغنى بها آلاف الشعراء من فرجيل إلى تنيسن Tennyson. ولقد أصبح أولئك الشعراء الريفيون مثلاً عليا ينطقون بأجمل الأشعار اليونانية، وفي وسع كل منهم أن يقرض أبياتاً سداسية الأوتاد أجمل من أبيات هومر؛ ولكننا قد علمنا أن تراثهم، الذي لا يكاد يدرك العقل جماله كأنه تقليد مألوف، متوسط القدر حين نستسلم إلى ما في أغانيهم من نغمة حزينة. بيد أن ثاوقريطوس يعيدهم إلينا أشخاصاً واقعيين يحدثنا عن ثيابهم التي تفوح منها رائحة أجسامهم، وحين يذكرنا فحش أفكارهم؛ ذلك أن في فكاهاتهم من الفجور ما يحط بعض الشيء من رقيق عواطفهم فيجعلهم أناساً حقيقيين. وجملة القول أن هذا الشعر أكمل شعر يوناني كتب بعد يوربديز، وهو دون غيره من الشعر الهلنستي الباقي إلى يومنا هذا الشعرُ الذي تسري فيه أنفاس الحياة.
الهامش
المصادر
- ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
- الموسوعة المعرفية الشاملة
- Suda, Theocritus
وصلات خارجية
- Poems by Theocritus English translations
- Online text: Theocritus translation by J. M. Edmonds, 1912
- أعمال من Theocritus في مشروع گوتنبرگ translations by A. Lang, 1889; and C.S. Calverly
- An ancient Life of Theocritus, from the scholia