نجران تحت الصفر (رواية)
المؤلف | يحيي يخلف |
---|---|
البلد | فلسطين |
اللغة | عربية |
الناشر | |
الإصدار |
نجران تحت الصفر رواية للكاتب الفلسطيني يحيي يخلف. وهي ضمن أفضل مائة رواية عربية.
رواية نجران تحت الصفر تخرج من المخطط الهندسي المعتاد ، حيث يقوم الكاتب يحيى يخلف بتقديم ما يشبه الوثيقة التاريخية، الأنثروبولوجية، السياسية. فهي تاريخية من منطلق التوقيت السياسي والبيئي ، وهي أنثروبولوجية لأن الكاتب إخترق المكان إلى الشخصية ودخل في خفايا الدائرة الحضارية الصغيرة في مكان الرواية وأناسها. والرواية سياسية لأنها تنطلق من محور سياسي وتملأ أجواءها رائحة التسيس الإستغلالي والإنتهازي في المنطقة.
والرواية تأتي من واقع عايشه الكاتب الفلسطيني يحيى يخلف ، في منطقة نجران. إنه تاريخ شخصي لعيون راقبت مجرى الأمور وتحولاتها في المنطقة. حارة العبيد في نجران : الجهل ، الفقر ، العبودية ، والهروب من دائرة الاحتضار. التحدي ، السقوط ، المهانة ، المؤامرات والإستدراج وكيف يصنع الأمراء من الذيول التي تسقط ، وكيف تباع قضية الإنسان من حاجة الهروب واللاوعي.
والرواية لا ترتبط حدثيتها بنجران فقط ، إنها حول مشروع ذل وإستغلال ، وإمتهان لكرامة الإنسان العربي في أي مكان على أرض شبه الجزيرة العربية , وقد يصح التعميم ليكون أي مكان في بطن العالم العربي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أحداث الرواية
القصة تدور في حارة العبيد حيث يمتزج الرق ، والبؤس ، والحاجة ، وحيث يكثر “المطوعون ” ، أعضاء جمعية الأمر بالمعروف ، حرس الأمير ، ” الخويان ” وعدد من المناضلين السابقين المختبئين خلف زجاجة الكولونيا أو كأس الشاي. وهناك الذباب ، وأكوام القاذورات ، والوجوه التي يسكنها الجوع وتطاردها الحاجة. والحارة في عين الكاتب ليست بعيدة جداً في أجوائها وبؤسها عن مخيمات اللاجئين ، يشبهها بمخيم اليرموك ويرى أجواء المطاردة فيها مثيلة لما يحدث للفلسطينيين ، أو غيرهم من أصحاب القضايا في العالم العربي.
والكاتب يسرد القصة وهو يخاطب الشخصيات. إنه يبدو وكأنه صوتها الآخر الذي يصرخ فيها ينبئها عما تصنع. إنه ذلك الضمير الواقف الذي يخرج من الأفراد لكي يحتل القصة بأكملها ويسرد عليها مأساتها وأوبئتها ويشاطرها أحزانها. في جمل مقتضبة وغنية تجيء إلينا الرواية ، التي تنتهي بجزء وثائقي عن المؤلف وشخصيته ، وتوضيح يجعل القارئ متأكداً من أنه لم يقرأ رواية خيالية ، بل وثائق وتاريخاً وحقائق. يدرك القارئ من طبيعة الرواية أنها كذلك من السطر الأول : أقبل المطوعون ، وطلبة المعهد الديني وأعضاء جمعية الأمر بالمعروف ، وحرس الأمير، والخويان ، وباعة المقلقل ، وسيارات الونيت ، وعدد من مرتزقة “بوطالب” وواحد من الزيود. أقبل الغامري شيخ مشايخ التجار ، وسمية عبدة السديري سابقاً وبائعة الفجل حالياً. أنها شخصيات لا يخترعها الراوي بل نراها في مدن الجزيرة أينما سقطت نظراتنا.
ورائحة القصة فيه عفونة الألم والظلم ، هي تبدأ بمقتل ” اليامي “. التهمة سياسية ، القتل بقطع الرأس في مكان عام. كبير ” المطاوعة ” رجل عجوز فقد القدرة الجنسية وأصابته العنة، زوجته شابة صغيرة وجميلة ، حالها مثل حال النساء الأخريات ، يقوم زوجها بعملية ختان واستئصال لعضوها الجنسي لأنه لا يستطيع إشباعها. ثم أن المرأة ترجم في مكان عام بتهمة ممارسة الجنس مع رجل قادر ، أو بمعنى آخر الرجم بجريمة الزنى.
أبو سنان مناضل قديم ، يقضي وقته في ملاحقة شراب عطر الكولونيا ، يشربه ليفقد وعيه، يفقد وعيه ليهرب من واقعه. وهو رجل تقاذفه السجن حتى إرتوى ، وأصبح شخصية مهزوزة تدور عليها العناكب. ويصبح لعبة في يد “المستر” و “الأمير” مقابل حاجة الخمر ، وحاجة الجنس. إبن أمينة رجل جائع ، يلاحق فضلات المدينة ، تلاحقه الصفرة والشحوب وصرخات زوجته. يطارد اللقمة لا يجدها ، يلح عليه الجوع فيهجم على قطعة لحم نيئة في محل جزارة ، ويأكلها. إبن أمينة يسكن السجن ، ويجد أطفال الحارة ذراعه المقطوعة ملقاة مع كومة الفضلات و”الزبالة”. قطع اليد التي تجوع حدث لا يذكر.
سمية هي الطيبة ، وهي الحب. إنها تفرح وتبكي ، العاطفة الخرساء المقطوعة اللسان. ” سمية كانت صبية ، ومليحة ، ووسيمة ، لم يكن في شفتيها غلظة ، ولم يكن في وجهها وشم. يقولون أنها أحبت شاباًَ كان ينطح الصخر برأسه فيكسره ، كان أبوه عبداً من عبيد السديري ، كان حبهما قوياً ، وكان حكاية جميلة من حكايا حارة العبيد ، ولكنه كان حباً قصيراً ودامياً. فذات يوم وقع إختيار السديري على الشاب القوي ليقدمه هدية لأمير نجد ، وجاء أحد العطارين من جيزان. وأمام جميع الناس في حارة العبيد تم خصي الشاب القوي الذي كان ينطح الصخر ، وبعد أن نام أسبوعاً في الفراش لتشفى جراحه ، أرسل إلى نجد لينضم إلى قافلة الخصيان في قصر نساء الأمير “.
رأفت بائع الفلافل ، يسجن مع الفئران. أرسل برقية إلى جده يطلب فيها إرسال الفلافل إليه. أخطأ البريد وكتب القنابل ، فيسجن رأفت من أجل خطأ مطبعي. وعذب لأن المستر والأمير كلاهما يخاف من القنابل والأخطاء المطبعية.
ورغم البؤس تخرج الرواية من الظلمة ، من القبو ، إلى الشمس ، الفيضان ، ويخرج فيها أبو شنان وإبن أمينة ورأفت من القبضة إلى صحبة النهار الوضاح ، والدم المنتظر “بشعان”. رجل الجبهة الذي ما زال يزاول الثورة ، وما زال يبحث عن النقابة ، يدور في حارة أبناء السبيل وينظم صفوف العمال.
الرواية كتبها فلسطيني ، استطاع أن يخرج من إقليمية جلده وقضيته ، إلى إقليم آخر في العالم العربي. إقليم لا زال الكثيرون من الكتاب العرب لا يعرفون عنه شيئاً ولا يقيمون مأساته وقضيته ، ويكتفون بالقطف من ثمرات البترول ، يكتفون بوصم شعوب المنطقة بالتخمة والترف. الرواية طرقت أبواب البيوت ، استمعت إلى تمثيلية ” أم حديجان ” مع العجائز ، وأغاني أبو بكر سالم ، وأغاني محمد عبده ” لا تناظرني بعين ” ، كما شهدت لعبة الطرنيب و ” الورق “.
يحيي يخلف عاش في نجران ، درس أطفالها وحكى مع عجائزها وشيوخها. يقول عن نجران ما سجلته الذاكرة : ” هنا عالم خرافي لا يمت إلى جدة وعماراتها العالية وسياراتها وأميراتها. هنا عالم ينتمي إلى القرون الوسطى. التجار والسماسرة وقوات الإمام المرتزقة ، والمطاوعة والغلمان والنساء المضطهدات وحارة العبيد “.
في الساحة الواسعة التي تتحول إلى سوق مرة في الأسبوع ، يجري إعدام المحكومين ، وجلد الذين يشربون الكحول ، ورجم النساء الزانيات. وعلى إمتداد شارع الزيود تزدهر تجارة الأسلحة ، المسدسات والرشاشات والقنابل اليدوية ، والمعارك اليومية لا تتوقف بين قوات الإمام والقوات الجمهورية.
والمرتزقة يمشون وسط الشوارع بالسراويل القصيرة وسيارات الجيب. وسكان حارة العبيد لا يجدون الرغيف ، وتكسد بضائعهم المكومة من الفجل والقصب وبعض البقول البرية. والعسس (المخابرات) يأخذون الناس بالشبهة ، والرعب الخفي يملأ فجوات الأبواب وشقوق النوافذ “.
كل هذه الأجواء لا تحدث صدفة ، وليست إلا ذلك الكابوس الذي يراه الإنسان العربي تحت كل حجر يحمل بصمته في هذا الزمن الرديء.[1]