السائرون نياماً (رواية)
المؤلف | سعد مكاوي |
---|---|
البلد | مصر |
اللغة | العربية |
الموضوع | رواية |
الناشر | الهيئة المصرية العامة للكتاب |
الإصدار | 1997 |
عدد الصفحات | 283 |
السائرون نياماً، هي رواية من تأليف سعد مكاوي، نشرتها الهيئة المصرية العامة للكتاب في 1997.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الرواية
تتناول الرواية الثلاثين عامًا الأخيرة من حكم المماليك في قالب شيِّق جذاب. رأى فيها بعضُ النقاد أنها إسقاط مباشر على الضباط الأحرار وصراعاتهم وعلاقتهم بالشعب. [1]وقد نُشرت هذه الرواية عام 1963 فكانت من أوائل الأعمال التى وظفتْ التراث، ثم مرة أخرى عام 1997.
الرواية تُقحمك في أجواء أسطورية؛ سواء بالأحداث المتشعّبة، أو بألفاظ "مكاوي" وأسلوبه الساحر الذي يأخذك منذ الكلمة الأولى لهذا العالم.. تعيش بداخله وتحيا وسط المسميات المملوكية، فتقابل أتابك العسكر وبيت المال والمتلزم والسخرة؛ ويجعلك بحرفية تعيش ما لم ترَه، وتتخيّل ما كان يحدث على أرض مصر في تلك الحقبة الزمنية. وينقسم العمل إلى ثلاثة أقسام: "الطاووس، الطاعون، الطاحون"، وقد أنهى القسم الثاني بحلول كارثة الطاعون، فبدت وكأنها قضت على جيل بأسره لينتقل بعدها بالأبطال لجيل الأبناء. ونسج كاتبنا عبر هذه الأقسام عشرات الشخصيات والأماكن في سحر جذّاب يجعلك تفغر فاك في دهشة سائلاً كيف أمكنه الإمساك بتلابيب هذه الشخصيات وبحكاياتهم وبجمعهم معاً بهذا الأسلوب والبيان الأخاذ.
فأبطال العمل متشابكون، ولا يربط أغلبهم رابط مباشر سوى المكان والفترة الزمنية. هنا ستجد الشيخة زليخة -تلك المرأة حليقة الرأس- التي تمسك بالمقرعة في يدها، والبخور يعبق منزلها، ويتحلّق في حضرتها زمرة من المجاذيب، لتغوص في هذه الأجواء؛ حيث سوق النخاسين ومقهى نور الدين، لكن هؤلاء مهمومين على الدوام بأمر بلدهم الذي يتعرّض للسلب والنهب من قِبل المماليك، وتكون الاجتماعات الخاصة بهم لمناقشة كيفية الانتقام، خاصة بعد أن خُطفت "عزة" أخت "خالد" - أحد مريدي زليخة- على يد أحد المماليك، فيحضرها ملتاعاً ليسألها ماذا يصنع؟ فتجيبه في حكمة: "أينما تولي وجهك فثمّ وجه عزة، يداها في البحر المالح وقدماها في أرض الصعيد، وملء البر أنفاسها الطاهرة!".
ثم تنتقل لحياة الأمراء والسلاطين، تلك الحياة التي تُدرك من خلالها أن الذي كان يحكم مصر بتلك الفترة مجموعة من عبدة الحكم الذين لا يشغلهم شيء في دنياهم سوى شهواتهم المُتّقِدَة من النساء والمال والجاه والسلطان. "بلباي" مثلاً، الذي نُصّب سلطاناً عبر "خير بك" رئيس أتابك العسكر، لذا ظلّ الأخير صاحب فضل عليه؛ يُحرّكه كيفما شاء، لدرجة أنهم أطلقوا على بلباي السلطان: "قل له"، في إشارة لتنفيذه ما يُقال له. وعندما أراد "خير بك" أن يزيحه من منصبه فعل، لتتوقّف هنا عند شيئين: الأول طبيعة المملوك التي تتغلّب عليه، فهو في الأصل قد تمّ شراؤه، ودخل في كنف أحد الأمراء، والثاني: هشاشة الحكم وضعفه. وهالني في الواقع ما قرأته عن ولع بعض الأمراء بالنساء، والرجال أحياناً، وكيف أن ذلك كان يلهيهم عن أمور رعيتهم. كما أن القوة كانت هي عنوان بسط النفوذ، وأصبح مبدأ "الحكم للأقوى" هو الذي يسري في مصر، لنجد صراعات عديدة بين أمراء المماليك للقبض على مقاليد الحكم، والبلاد تغرق في فساد لا يجد رادعاً له.[2]
وتناولت الرواية قوالب مختلفة للشيوخ، تلك القوالب التي تجدها تُحيط بك في كل زمان ومكان. وتبدأ بالشيخ "علاء الدين" الذي يجزّ السلطان بلباي عنقه؛ لأنه رفض السجود له، ويتعرّض للشيخ "عباس" شيخ الكتّاب الذي لا يُحبّه الناس ويقولون دائماً: "الحمد لله الذي لا يحبّ الشيخ عباس"، وسبب ذلك أنه دائماً ما يطبّق ما يطلبه منه الولاه، لكن عندما يتقدّم به العمر يتغيّر حاله كثيراً وينعزل عن الناس. وعريف الكتّاب الشيخ "خليل" الذي يعيش حياته اللاهية ولا يلوي على شيء. وتتعرّف أيضاً على الشيخ الطيب الذي يموت عند الشجرة فيُدفن فيها، ويحمل مقامه اسم "سيدي المرعوش"، ويتوافد إليه الجميع من أجل التبرّك وطلب ما يرغبون بتحقيقه. وهناك كذلك القضاة الذين يتشيّع كل منهم بمذهب، فهذا حنبلي وآخر مالكي، ويتدخّلون في البلاط السلطاني ليرفعوا سلطاناً ويخفضوا آخر؛ إذ إن لهم كلمتهم المسموعة.
ويحضر الجانب الأهم برأيي في العمل البديع، والخاص بالجيزة، وقرية ميت جهينة، والتي تمتلئ بالأرض الزراعية، ويوجد على رأسها "حمزة" و"إدريس"، ويُطلق عليهما "الملتزمين"، أي الذين يملكون هذه الأراضي، ويعمل عندهما الفلاحين بالسخرة ويلاقون خلال عملهم المشقّة والذل، والمحصول الذي يتم حصده من الأرض يوسّع من أملاك الملتزم، ويعود على أمراء المماليك، ويأخذ العُمّال منه الفتات والإهانة. وتجد حمزة وإدريس يستبيحان النساء، وعندما وقف بطريقهما وعارضهما فتى اسمه "بركات"، صحى أهل القرية يوماً ليجدوه "مصلوباً على شجرة، دامي الفخذين فاقد الرجولة". ويصف حال الفلاح وقتئذ بعبقرية قائلاً: "إن وليمة الفلاح التي لا ينالها كل يوم هي الجبن القريش والبصل ورغيف الشعير.. والكرباج من وراء ذلك محيط"؛ لتشعر أنك أمام عصابة لا تختلف كثيراً عن تلك التي كانت تحكمنا.
وقد يُقال إن في الأمر إجحافا للنظام المباركي المخلوع، لكنك إن قرأت مَشهد النهاية ستعرف ماذا أعني، "الملتزم" الذي يسانده والي الجيزة استيقظ صباحاً على ثورة، نعم ثورة ممن خنع بالسياط، ثورة ممن سُرق قوته لأجل الكِبار، ثورة من الأهالي بكل أطيافهم: الشيوخ العجائز، النساء، الأطفال، الشباب، الكل شعر أن ثمة تارا عليهم أن يأخذوه. ويصف المشهد المهيب قائلاً: "أصوات، أصوات ترجّ الأرض من كل صوب، راعدة.. والأرض على مدى الأفق تشغي تحت شمس سبتمر بناس كالنمل.. ومد وجزر من رجال ونساء من كل الأعمار". نعم لقد توحّد الجميع من أجل أن يعود إليهم حقهم الذي سُلب منهم عنوةً بعد أن كانوا نياماً. وللقراءة معنى مختلف عقب الثورة؛ فأنت تقيس الأمر على الأحداث الدائرة من حولك، وهكذا التاريخ، نتعلّم به مما فات ويتشابه مع حالنا، ليعننا على ما هو آت من مستقبلنا.
صدرت الرواية عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1997، ثم دار الشروق في 2011. وقد اختيرت ضمن قائمة اتحاد الكتاب، لأفضل مائة رواية عربية في القرن العشرين.