محمد سالم الحفني
محمد بن سالم الحفني | |
---|---|
شخصية | |
ولد | 1100 هـ/ 1688م |
توفي | 1181 هـ/ 1768م، 80 عاماً |
مناصب رفيعة | |
تأثر بـ
|
الإمام الشيخ نجم الدين أبو المكارم محمد بن سالم بن أحمد الحفني الشافعي الخلوتي (1100 هـ - 1181 هـ / 1688 م - 1768 م) هو ثامن شيوخ الأزهر الشريف من عام 1171 هـ إلى 1181 هـ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مولده ونسبه
ولد الشيخ الحفني بقرية حفنا ببلبيس بمحافظة الشرقية سنة 1100 هـ/1688 م ونشأ بها ونُسب إليها. ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي من جهة أم أبيه السيدة ترك بنت السيد سالم بن محمد.
تعليمه
نشأ الحفني بقريته وحفظ بها القرآن الكريم حتى سورة الشعراء، وأشار الشيخ عبد الرؤوف البشبيشي على أبيه بإرساله إلى الأزهر فاقتنع الأب بذلك وأرسله إلى الأزهر وهو في الرابعة عشرة من عمره، فأتم فيه حفظ القرآن، ثم اشتغل بحفظ المتون فحفظ ألفية ابن مالك في النحو، والسلم في المنطق، والجوهرة في التوحيد، والرحبية في الفرائض، ومتن أبي شجاع في فقه الشافعية، وغير ذلك من المتون.
تبحر الحفني في علوم النحو والفقه والمنطق والحديث والأصول وعلم الكلام، كما برع في العروض وأظام نظم الشعر بالفصحى والعامية، كما برع في كتابة النثر طبقاً لأسلوب عصره.
مشايخه
من أشهر مشايخ الحفني كل من الشيخ محمد البديري الدمياطي (الشهير بابن الميت) وأخذ عنه التفسير والحديث وإحياء علوم الدين للغزالي وصحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن أبي داوود والنسائي وابن ماجة والموطأ ومسند الشافعي والمعاجم الثلاثة للطبراني (الكبير والأوسط والصغير) وصحيح ابن حبان والمستدرك للنيسابوري وحلية الأولياء لأبي نعيم.
ومن شيوخه أيضاً الشيخ محمد الديربي، وعبد الرؤوف البشبيشي وأحمد الملوي ومحمد السجاعي ويوسف الملوي وعبده الديوي ومحمد الصغير ومحمد بن عبد الله السجلماسي وعيد بن علي النمرسي ومصطفى بن أحمد العزيزي ومحمد بن ابراهيم الزيادي وعلي بن مصطفى السيواسي الحنفي (الضرير) وعبد الله الشبراوي (أحد شيوخ الأزهر) وأحمد الجوهري ومحمد بن محمد البليدي.
تلاميذه
اضطلع الحفني بعد حصوله على الإجازة بالتدريس في مدرسة السنانية والوراقين، ثم في المدرسة الطيبرسية التي أنشأها الأمير علاء الدين طيبرس الخازندار سنة 709 هـ.
ومن تلاميذ الشيخ الحفني أخوه يوسف الحفني وإسماعيل الغنيمي وعلي الصعيدي العدوي ومحمد الغبلاني ومحمد الزهار.
توليه المشيخة
تولى الشيخ الحفني مشيخة الجامع الأزهر بعد وفاة الشيخ الشبراوي عام 1171 هـ/1757 م، وظل في منصب المشيخة مدة عشر سنوات.
منزلته
وصفه الجبرتي بالشيخ الإمام العلامة الهمام أوحد أهل زمانه علمًا وعملاً، ومن أدرك مالم تدركه الأول، المشهود له بالكمال والتحقيق، والمجمع على تقدمه في كل فريق، شمس الملة والدين محمد بن سالم الحفنى الشافعى الخلوتى.[1]
وشهد له معاصروه بالتقدم في العلوم.. وكان في ذلك الوقت في شدة من ضيق العيش، فعمل مدّة في نسخ الكتب ليتمكن من إعاشة نفسه، وفى ذلك الوقت نزعت نفسه لسلوك طريق أهل الله، فكان ييذهب إلى زاوية الشيخ شاهين الخلوتى بسفح جبل المقطم ويمكث فيها الليالى مُختليا بربه مقبلاً بكليته عليه. ثم جاء الفرج، وفتح الله عليه أبواب الرزق من حيث لا يحتسب.
وشهد له أساتذته وغيرهم من العلماء بالتقدم والرسوخ، وأقبل عليه الطلاب ينهلون من علمه، وتخرج عليه غالب أهل عصره من العلماء، وكان على مجلسه هيبة ووقار.. وكان على جانب عظيم من مكارم الأخلاق، لخصها الجبرتى فقال:
كان كريم الطبع جدا، وليس للدنيا عنده قدر ولا قيمة، جميل السجايا مهاب الشكل عظيم اللحية أبيضها، كأن على وجهه قنديلا من النور. وكان له جلالة ومهابة، وكان في الحلم على جانب عظيم، ومن مكارم أخلاقه إصغاؤه لكلام كل متكلم ولو من الخزعبلات مع انبساطه إليه وإظهار المحبة ولو أطال عليه، ومن رآه مدعيًا شيئًا سلّم له في دعواه، ومن مكارم أخلاقه أنه لو سأله إنسان أعز حاجة عليه أعطاها له كائنة ما كانت، ويجد لذلك أنسًا وانشراحا، ولا يعلق أمله بشى من الدنيا، وله صدقات وصلات خفية وظاهرة، وكان راتب بيته من الخبز في كل يوم نحو الإردب، والطاحونة دائمة الدوران، وكذلك عمل البن وشربات السكر، ولا ينقطع ورود الواردين ليلا ونهارًا، ويجتمع على مائدته الأربعون والخمسون والستون، ويصرف على بيوت أتباعه والمنتسبين إليه.. وكان رزقه فيضًا إلهيا. انتهى
تلقى الشيخ الحفنى الطريقة الخلوتية على شيخها العلامة السيد مصطفى البكرى قدوة السالكين ومربى المريدين، وذلك عند قدومه لمصر سنة 1133هـ قادما من الشام، ويصف الجبرتى هذا اللقاء بين الشيخ والمريد فيقول: "فسلّم عليه وجلس، فجعل السيد (البكرى) ينظر إليه وهو كذلك ينظر إليه، فحصل بينهما الارتباط القلبى، ثم قام وجلس بين يدى السيد بعد الاستئذان، وكانت عادته إذا أتاه مريد أمره أولا بالاستخارة، إلا هو، فلم يأمره بها، وذلك إشارة إلى كمال الارتباط، فأخذ عليه العهد حالاً، ثم اشتغل بالذكر والمجاهدة."
وقد تملكت منه محبة الشيخ، ودائما تكون رتبة المريد على قدر محبته لشيخه وتوقيره له، وقد بلغ الشيخ محمد الحفنى في ذلك شأوًا عظيمًا، هو الذى بلغ به ما بلغ.
من أمثلة تأدبه مع الشيخ وحُسن طاعته أنه كان لا يتكلم في مجلسه قط، إلا إذا سأله، فيجيبه على قدر السؤال على الرغم مما كان له من مكانة عالية بين الناس.. ولم يزل كذلك حتى أذن له شيخه بالتكلم في مجلسه في بعض رحلاته إلى القاهرة.
وفى مرة قال له:
- تعال الليلة مع الجماعة واذكروا عندنا في البيت.
فلما دخل الليل اشتد البرد وأمطرت السماء مطرا شديدا، فلم يتخلف، وذهب حافيا والمطر ينسكب عليه وهو يخوض في الوحل، فقال له الشيخ:
- كيف جئت في هذه الحالة؟
قال:
- يا سيدى أمرتمونا بالمجيء ولم تُقيِّدوه بعذر.
فقال له:
- أحسنت، هذا أول قدم في الكمال.
فقدَّمه الشيخ على خُلفائه، وأولاه مزيد رعايته، ودعاه بالأخ الصادق، ومنحه أسرارًا وفهومًا وأنوارًا، وأذن له في التلقين وأخذ العهد..
كان هو بمصر، وشيخه بالشام، وكانت أشواقه للشيخ في ازدياد مستمر، حتى وصفه الجبرتى بأن انشغاله بالعلم كان بجسمه فقط، أما قلبه فكان عند شيخه.. "ولم يزل كذلك إلى عام 1149هـ فحنَّ جسمه إلى زيارة شيخه فقال مخاطبا له شعرًا:
أخذتم فؤادى وهو بعضى فما الذى يضركم لو كان عندكم الكُلُّ
ويصور الجبرتى اللقاء تصويرًا بديعًا فيقول:
فأرسل إليه السيد يدعوه لزيارته، فهام إذ فهم رمز إشارته وتعلَّقت نفسه بالرحيل، فترك الإقراء والتدريس وتقشف، وسافر إلى أن وصل بالقرب من بيت المقدس. فقيل له إذا دخلت بيت المقدس فادخل من الباب الفلانى وصلِّ ركعتين وزُر محل كذا، فقال لهم: أنا ما جئت قاصدًا بيت المقدس، وما جئت قاصدًا إلا أستاذى، فلا أدخل إلا مِن بابه، ولا أصلى إلا في بيته. فعجبوا له، فبلغ السيد كلامه فكان سببًا لإقباله عليه وإمداده. ثم سار حتى دخل بيت المقدس فتوجَّه إلى بيت الأستاذ، فقابله بالرَّحب والسَّعة، وأفراد له مكانًا، ثم أخذ في المجاهدة في الصلاة والصوم والذكر والعزلة والخلوة.
قال: فبينما أنا جالس في الخلوة إذا بداعٍ يدعونى إليه، فجئت إليه فوجدت بين يديه مائدة، فقال: أنت صائم، قلت: نعم. فقال: كل. فامتثلت أمره وأكلت، فقال: اسمع ما أقول لك، إن كان مُرادك صومًا وصلاة وجهادًا أو رياضة فليكن ذلك في بلدك، وأما عندنا فلا تشتغل بغيرنا ولا تُقيد أوقاتك بما تروم من المجاهدة، وإنما يكون ذلك بحسب الاستطاعة، وكُل واشْرب وانْبسط. قال فامتثلت إشارته ومكثت عنده أربعة أشهر كأنها ساعة، غير أنى لم أفارقه قط خلوة وجلوة. ومنحه (الشيخ) في هذه المدة الأسرار، وخلع عليه خلع القبول، وتوَّجه بتاج العرفان...اهـ
وظل السيد مصطفى البكري يُثنى عليه ويراسله نظمًا ونثرا، ويدعوه بالأخ، ويعلق الجبرتى على ذلك بقوله: ولولا أنه رآه قسيمًا له في الحال ما صدر عنه ذلك المقال، حتى أن الحفنى قال له يوما: إنى أخشى من دعائكم لى بالأخ لأنه خِلاف عادة الأشياخ مع المريدين، فقال له: لا تخش من شىء. وامتدحه أشياخه ومعاصروه وتلامذته.
قال الجبرتى: وللشيخ رضى الله عنه مناقب ومُكاشفات وكرامات وبشارات وخوارق عادات يطول شرحها، ذكرها الشيخ حسن المكى المعروف بشمه في كتابه الذى جمعه في خصوص الأستاذ، وكذلك العلامة الشيخ محمد الدمنهورى المعروف بالهلباوى، له مؤلف في مناقب الشيخ ومدائحه وغير ذلك.
وقد تناقل الناس فيما بينهم ذكر كراماته ومناقبه، وقال الوزير محمد باشا راغب لبعض بنى السقَّاف: إنما لُقِّب جدكم بالسقاف لكونه كان شقفا على اليمن من البلاء، وكذلك الشيخ الحفنى سقفٌ على مصر من نزول البلاء. وقيل لبعض الأمراء: كان الأستاذ الحفنى من عجائب مصر، فقال: بل من عجائب الدنيا.
ختم الجبرتى ترجمته بذكر وفاته فقال: توفى رضى الله عنه يوم السبت قبل الظهر سابع عشر ربيع الأول سنة 1181، ودُفن يوم الأحد بعد أن صُلى عليه في الأزهر في مشهد عظيم جدا، وكان يوم هولٍ كبير.
ثم قال: ومن ذلك التاريخ ابتدأ نزول البلاء، واختلال أحوال الديار المصرية، وظهر مصداق قول راغب باشا إن وجوده أمان على أهل مصر من نزول البلاء، وهذا من المشاهد المحسوس.
وذلك أنه إذا لم يكن في الناس من يصدع بالحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقيم الهدى فَسَد نظام العالم وتنافرت القلوب، ومتى تنافرت القلوب نزل البلاء، ومن المعلوم المقرر أن صلاح الأمة بالعلماء والملوك، وصلاح الملوك تابع لصلاح العلماء، وفساد اللازم بفساد الملزوم، فما بالك بفقده، والرّحى لا تدور بدون قطبها.
وفاته
توفي الشيخ محمد بن سالم الحفني يوم السبت 27 ربيع الأول 1181 هـ/1767 م عن عمر يناهز الثمانين عاماً ودُفن في اليوم التالي بعد الصلاة عليه في الجامع الأزهر في مشهد حافل.
مؤلفاته
ترك الإمام الحفنى عددا من المصنفات العلمية والأدبية منها:
- الثمرة البهية في أسماء الصحابة البدرية في التاريخ.
- حاشية على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك في النحو.
- أنفس نفائس الدُّرر، وهو حاشية على شرح همزية البوصيرى لابن حجر الهيثمى.
- حاشية على شرح السمرقندى على الرسالة العضدية للإيجى في علم الوضع.
- حاشية في جزأين على الجامع الصغير للسيوطى في الحديث.
- رسالة في التقليد في الفروع في أصول الفقه.
- حاشية على شرح الفوائد الشنشورية للشنشورى على الرحبية في المواريث.
- حاشية على السبط الماردينى للياسمينية في الجبر والمقابلة.
- رسالة في الأحاديث المتعلقة بِرُؤْيَة النبى صلى الله عليه وسلم سماها درر التنوير برؤية البشير النذير.
- رسالة في فضل التسبيح والتمجيد في الفضائل والآداب.
- حاشية على شرح الحفيد على مختصر جده السعد التفتازانى في البلاغة.
- شرح المسألة في تحليل المطلقة (ثلاثا).
- مختصر شرح منظومة المنينى الدمشقى في مصطلح الحديث.
ونظم الشعر باللغة الفصحى وبالعامية لأن مقصوده هو الدعوة والترغيب في سلوك الطريق إلى الله، مثل قوله بالعامية:
يامُبتغى طــــــرق أهـــل الله والتسليك دع عنك أهل الهوى تسلم من التشكليك
(أن اذكرونى) لرد المعترض يكفيك فاجعـــل سلاف الجــــــلالة دائما في فيك
ومن جميل نظمه قوله:
لو فتشوا قلبى لألقــوا بـــــه سطرين قد خُطاّ بلا كاتبِ
العلــــم والتوحيد في جانب وحب آل البيت في جانبِ
المصادر
قبلــه: عبد الله الشبراوي |
شيخ الجامع الأزهر الثامن (1171 هـ - 1181 هـ / 1757م - 1767م) |
بعــده: عبد الرؤوف السجيني |