محمد شنن
محمد شنن |
---|
الإمام محمد شنن المالكي (1056 هـ ـ 1133 هـ / 1656 ـ 1720 م) هو فقيه مالكي مصري، وهو الخامس في الترتيب بين شيوخ الجامع الأزهر.[1]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مولده
ولد الشيخ محمد شنن سنة 1056 هـ (1656م) تقريباً، وكان مولده في قرية الجدية التابعة لمركز رشيد بمديرية البحيرة، وهي قرية تقع على الضفة الغربية لفرع رشيد.
تعليمه
نشأ الشيخ شنن في قريته، وفيها حفظ القرآن الكريم، ثم قصد الجامع الأزهر لاستكمال علومه الدينية. وقد اشترك الشيخ شنن في الفتنة التي حدثت بين فريقي الشيخ القليني والشيخ النفراوي، وكان مؤيداً للشيخ أحمد النفراوي، فلما تدخل ولاة الأمور في ذلك صدرت الأوامر بنفي الشيخ شنن إلى قريته "الجدية"، وتحديد إقامة الشيخ النفراوي في بيته.
منزلته
كان الشيخ شنن واسع الثراء، ويذكر الجبرتي أنه ترك لابنه ثروة طائلة من الذهب والفضة والأملاك والضياع والأطيان، وكان له مماليك وعبيد وجوارٍ، ومن مماليكه أحمد بك شنن، الذي أصبح من كبار حكام المماليك وصار صنجقاً (أي من كبار ولاة الأقاليم).
ومع ثرائه العريض كان غزير العلم، واسع الاطلاع، وكان من أعلام المالكية في زمانه، ولم تصرفه أمواله عن تحصيل العلم ومتابعة تلاميذه والاطلاع على التراث.
وقد أقام الشيخ شنن صديقه الشيخ محمد الجداوي وصياً على ابنه موسى، وذلك قبيل وفاته، وقام الجداوي بحراسة هذه الأموال على خير وجه، وسلمها إلى موسى ابن الشيخ شنن بعد بلوغه سن الرشد، ولم يمض وقت طويل ـ كما ذكر الجبرتي ـ حتى بدد الابن ثروة أبيه جميعها رغم ضخامتها، ومات بعد كل هذا الثراء مديناً فقيراً.
وفي أيام مشيخة الشيخ شنن، جرى ترميم الجامع الأزهر، بعد أن أصاب التصدع بعض جدرانه، واعتمد السلطان العثماني أحمد الثالث ـ بناء على طلب الشيخ شنن ـ خمسين كيساً ديوانياً من أموال الخزانة للإنفاق على ذلك الترميم.
مؤلفاته
اكتفى الشيخ شنن بتدريس المؤلفات المعروفة في عصره، إذ يبدو أنه لم تكن له مؤلفات خاصة به.
توليه المشيخة
توفي الشيخ أحمد النفراوي أثناء مشيخة الشيخ عبد الباقي القليني، مما دعا شيوخ الأزهر للإجماع على تولية الشيخ محمد شنن المشيخة؛ إذ كان ثلاثتهم (النفراوي والقليني وشنن) هم الأقطاب الثلاثة في ذلك العصر، وكان جميعهم على المذهب المالكي، الذي كانت المشيخة لا تخرج إلا منه غالباً.
ويمتازُ الإمام محمد شنن بما لديه من الكفاءة والكفاية؛ ما يجعله أهلاً لتحمُّل المسؤوليَّة الكبيرة التي يتطلَّبها منصبه البالغ الرفعة والشأن، ويتَّضح ذلك من حبِّه للأزهر وحِرصه الذي لا حدودَ له في أنْ يرى الأزهر صرحًا شامخًا، يُلاحظ ذلك عندما رأى ذات يوم تصدُّعًا في أحد أركان مبنى الجامع الأزهر، وخشي أنْ يكون له تأثير على بُنيانه، وأنَّه هو أصبح المسؤول عن هذه الأمانة التي أُلقيت على عاتقه، فصعد إلى الوالي العثماني في القلعة، وقال له بعدَ أنْ أدَّى إليه تحيَّة الإسلام: المرجوُّ من حضرتِكم وعالي همَّتكم أنْ تكتُبوا لحضرة مولانا السلطان - نصَرَه الله العزيز الرحمن - لينعم على الأزهر بالعمارة فإنَّه محلٌّ للعلم الذي ببَقائه بقاء الدولة العثمانيَّة، وله ولك الثواب من المالك الوهَّاب، ووافق الوالي على الفور، واقترح أنْ يضع كبار المشايخ مذكرةً تُرفَع للسلطان ويُوقِّعوا عليها بأختامهم وأختام الباشا وكبار الأمراء والمماليك. واستجاب السلطان إلى ما جاء في المذكِّرة التي رُفعت إليه، وأمر البعثة التي تحملُ موافقته على اعتماد خمسين كيسًا ديوانيًّا من مال الخزانة للإنفاق فيها على إصلاح الجامع. وقد آثَر الانقطاع للعلم وحبس الوقت والجهد عليه، والقُرآن الكريم صرَّح بهذا التوجُّه في قوله سبحانه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]، وفي السُّنَّة يقول الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اطلُبوا العلمَ من المهد إلى اللَّحد))، ومع أنَّه كان واسعَ الثَّراء لم يُلهِه ذلك عن الاطِّلاع الواسع وبحثه عن العلوم، وهذا يُذكِّرنا بالمناظرة التي دارت بين أبي الوليد الباجي شيخِ فقهاء الأندلس وابن حزم كبير عُلَمائها، استمرَّت المذاكرة بينهما ثلاثةَ أيَّام، وفي نهايتها قال الوليد لابن حزم: اعذرني؛ فقد طلبت العلمَ على مصابيح الشوارع، يريدُ أنَّه بلغ مبلغه من العلم مع فقره الشديد الذي حرمه الذي حرمه من اتِّخاذ مصباح خاص به، فقال له ابن حزم: أنا أبلغُ منك عذرًا؛ فقد طلبتُ العلم على قناديل الذهب والفضة؛ يريد أنَّه لم يصرفُه ثراؤه العريض عن الإقبال على البحث والدرس حتى بلغ مَبلَغه من العلم. وكان الشيخ الإمام محمد شنن ذا مكانة سامية تقاربُ مكانة الحكَّام.[2]
وفاته
ظلَّ الشيخ محمد شنن شيخًا للأزهر يشرف عليه ويُواصل البحث والتدريس فيه، وانتشَر علم الإمام الجليل في دِيار الإسلام شرقًا وغربًا حتى هذا العصر الذي نعيشُ فيه ولا تنتهي مَزايا الإمام الجليل عند هذا الحد، وإنما له مَزايا أخرى منها: إنَّه لم يسعَ للمشيخة، وإنما هي التي سعَتْ إليه، فإنَّ تلاميذه وعارفي فضله قد جاؤوه إثر اختفاء القليني وعدم مُباشرته لمشيخة الأزهر، فقَبِلَها وهو غير راغبٍ فيها ولا حريص عليها؛ لأنها لن تضيفَ إليه جديدًا، فهو المشهور واسع الثراء والجاه، فقد أُوتِي من هذا كله فوقَ ما يريد. وتذكُر المصادر التاريخيَّة وفهارس المكتبات العامَّة في مصر والخارج أنَّه لا تُوجد للشيخ محمد شنن مُصنَّفات ولا من الذين أرَّخوا له، ولعلَّه اكتفى وسار على نهج مَن سبقه بدِراسة وتدريس المصنَّفات المألوفة في عَصره وتوضيح ما فيها من مشكلات. وكما ذكر أنَّه ظلَّ يُواصل البحث والتدريس حتى انتقل إلى جوار ربِّه في سنة 1132هـ - 1720م وعُمره وقتها سبع وسبعون عامًا.
المصادر
قبلــه: عبد الباقي القليني |
شيخ الجامع الأزهر الخامس |
بعــده: ابراهيم الفيومي |