التدوين في السعودية
يشير عدد من المثقفين السعوديين إلى أن حركة التدوين السياسي في بلدهم، لم تكتسب مكانة بالنسبة للحالة الثقافية للمشهد التاريخي المعاصر للمملكة.[1]
فالمكتبة المحلية لا تمتلك إرثاً تاريخياً سياسياً موثقا باستثناء ما كان مصاحباً للرؤية الرسمية السائدة، إلا أن ذلك الأمر وفقاً لأحاديثهم، بدا مختلفاً في الخارج، من خلال اهتمام المؤرخين الغربيين بتدوين تاريخ المملكة السياسي، نظراَ للحالة الخاصة التي تتمتع بها الرياض من حيث موقعها الإستراتيجي الديني والسياسي.
وكان آخر تلك التدوينات الغربية، ما قام به المؤرخ وكاتب السيرة الصحفي البريطاني روبرت ليسي في كتابه المملكة من الداخل، والذي قام فيه بتوثيق ثلاثة عقود (1979- 2009) من المواقف التي كادت تعصف "بالحياة السياسية السعودية من الداخل".
ولقي هذا الكتاب احتجاجاً من الحكومة السعودية، ممثلة في وزارة إعلامها في طبعتيه الإنجليزية (2009) والعربية (2011)، وهو ما دفع إلى عدم نسخه وتوزيعه في السعودية، بالرغم من إدلاء شخصيات رفيعة المستوى، بشهاداتها في بعض فصول الكتاب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الإسهامات المحلية
أما محلياً فجاء التدوين مؤخراً مع كتاب "السجين 32 .. أحلام محمد سعيد طيب وهزائمه"، وهو سلسلة حوارات معمقة، أجراها الصحافي أحمد عدنان مع الإصلاحي السعودي محمد سعيد طيب، الذي تعرض لأكثر من اعتقال سياسي، كان آخرها بأمر مباشر من الملك السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز آل سعود، والذي وثق فيه المنعطفات التاريخية الهامة في تاريخ الدولة السعودية الثالثة، والتي تمتد لأكثر من أربعة عقود ماضية.
تقلبات حرية التدوين
وأكد أحمد عدنان -وهو صحفي سياسي سعودي مقيم في بيروت- أن حركة التدوين السياسي السعودي لا زالت في بداياتها، مضيفاً أنه عند الحديث عن تدوين المنعطفات والمراحل السياسية في تاريخ الدولة، يجب أن يوضع في الحسبان حدود فاصلة في حركة التدوين ما قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وما بعدها، باعتبار الحدث يمثل فاصلا تاريخيا مهما ومؤثرا في التدوين السياسي.
يعطي عدنان أسباباً أخرى، يرى أنها تؤثر جذرياً في استمرار ضعف حركة التدوين السياسي المحلي، والتي من بينها، ندرة الكتاب السياسيين المحليين الذين أضحوا عملة نادرة، بالإضافة إلى غياب الصحفيين السياسيين السعوديين، حيث من يدير دفة أقسام الشؤون السياسية في الإعلام المحلي صحفيون عرب، كذلك ضعف الجانب الأكاديمي لأقسام العلوم السياسية في جامعاتنا.
النضوج الثقافي
وأشار أحد أصحاب دور النشر المحلية إلى أن هناك امتيازات رسمية وتسهيلات، تقدم من الجهات المختصة للمؤرخين والصحفيين الأجانب المتخصصين في التدوين السياسي، بل إن بعض المسؤولين مثلاً يفضلون إعطاء كواليس التاريخ السياسي للصحفيين الأجانب والعرب.
وقالوا إن تلك التسهيلات ليست على المستوى نفسه، إذا كان الأمر متعلقاً بحركة النشر الداخلي، ولم تتمكن الجزيرة نت من الحصول على تأكيدات لصحة ما أشارت له المعلومة السابقة من قبل مصدر رسمي سعودي.
عدد من المثقفين الذين تحدثوا للجزيرة نت وفضلوا عدم ذكر أسمائهم، أوضحوا أن حالة الضعف الشديد التي وصفوا بها حالة التدوين السياسي المحلي، لا ترتبط فقط بمجرد رواية التاريخ السياسي، بل ترتبط برفع مستوى حالة النضوج في المشهد الثقافي المحلي العام أيضاً، وعدم ترك سردية التاريخ لحركة النشر الداخلي، الذي ربما يصنع معطيات غير واقعية يمكن أن تمس بالأمن القومي السعودي.
وأشاروا في أحاديثهم الهاتفية مع الجزيرة نت إلى أن حالات الانفتاح التي تشهدها المنطقة العربية بفعل الثورات الشعبية عموماً، يجب أن يصاحبها انفتاح في حركة التدوين السياسي الداخلي.
وأكدوا في مفصل آخر ضرورة عدم حصر حركة التدوين السياسي في مواقف السلطة السياسية التاريخية، بل يجب أن تشمل صانعي بعض الأحداث من الحركات الإسلامية والليبرالية واليسارية، بل وحتى المذهبية كحركة المعارضة الشيعية، التي عادت للبلد إثر صفقة سياسية مع الدولة عام 1993، والتي يرون فيها أنها لم توثق تاريخها بعد، بشكل حيادي يبحث الإخفاقات والانتصارات والكبوات.