مارتن لوثر
مارتن لوثر | |
---|---|
Luther in 1529 by Lucas Cranach | |
وُلـِد | Eisleben, Saxony, Holy Roman Empire | نوفمبر 10, 1483
توفي | فبراير 18, 1546 Eisleben, Saxony, Holy Roman Empire | (aged 62)
مارتن لوثر (Martin Luther) (النطق الألماني: [ˈmaʁtin ˈlʊtɐ] 10 نوفمبر 1483 - 18 فبراير 1546) ، هو مصلح ديني مسيحي شهير، ومؤسس المذهب البروتستانتي المسيحي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
النشأة
ولد في إيسليبن في شمالي ألمانيا يوم 10 نوفمبر 1483، وتوفي في نفس البلدة في 18 فبراير 1546. كان ابوه عامل مناجم. وتعلم في مدارس مگدبورگ وآيزناخ.
تعليمه
في سنة 1501 دخل جامعة إرفورت وحصل على الإجازة الجامعية في سنة 1505، ويقول عن نفسه أن قسوة أبويه عليه حملاه على دخول الدير الأوغسطيني في ارفورت سنة 1505. وفي سنة 1507 رسّم قسيساً، وفي سنة 1508 قام بتدريس الفلسفة في [جامعة فتنبرج]، وتولى شرح كتاب "الأخلاق إلى نيقوماخوس" لأرسطو. واستمر في ذلك عامي 1508 - 1509. وقد شعر بأن هذه المهمة شاقة عليه، كما يبدو، مما كتبه لصديقه يوهانس براون، القسيس في ايزنآخ، إذ يقول: " إذا أردت أن تعلم كيف حالي، فاعلم أنني في حال طيبة بفضل الله. لكن الدراسة صعبة شاقة خصوصاً دراسة الفلسفة، وكان بودي أن استبدل بها، منذ البداية، دراسة اللاهوت، أعني اللاهوت الذي يبحث عن بذرة الجوزة، ولباب حبة القمح، ونخاع العظام".
بداية الاصلاح
في سنة 1511 سافر إلى روما، وهذه الرحلة هي التي غيرت مجرى حياته، ولما عاد منها بدء سيرته مصلحاً للدين المسيحي. وكان البابا في روما، في أشد الحاجة إلى المال، ولم يجد سبيلاً للحصول عليه إلا عن طريق إصدار وبيع صكوك الغفران، وكان يطلب إلى الناس شراؤها ليغفر الله ذنوب أقربائهم أو من يشاؤون ممن يعذبون في المطهر بسبب ما اقترفوه من ذنوب. وكان يشرف على هذه العملية راهب دومنيكي يدعى يوحنا تتسل وذلك في سنة 1516، فراح يروّج لها بطرق ظاهرة أثارت ثائرة مارتن لوثر، فأصدر لوثر بياناً يحتوي على 25 قضية ضد صكوك الغفران. ولصق البيان على باب كنيسة فتنبرج، في يوم 31 أكتوبر 1517 ، فسافر تتسل إلى فرانكفورت وأصدر من هناك بياناً فند فيه قضايا لوثر الـ 25، وقام بإحراق بيان لوثر علناً، فانتقم الطلاب في فتنبرج فأحرقوا بيان تتسل.
المواجهات
في سنة 1518 انضم ملانكتون إلى لوثر. وتدخل البابا ليو العاشر (Leo X) في النزاع فاستدعى لوثر إلى روما سنة 1518، لاستجوابه في أمر قضاياه تلك. فتدخلت الجامعة كما تدخل نائب سكسونيا، وأخفقت المفاوضات التي أجراها الكردينال كاجتان وملتتس.
ثم جرت مناظرة بين إك Eck وبين مارتن لوثر في لبيستك سنة 1519، حول سلطة البابا، وصار لوثر يهاجم البابوية ككل، أي كنظام مسيحي.
وفي سنة 1520 نشر لوثر نداءه الشهير الموجه إلى " النبلاء المسيحيين في ألمانيا " وتلاه برسالة عنوانها :"في الأسْر البابلي للكنيسة". وفي كليهما هاجم المذهب النظري لكنيسة روما، فأصدر البابا ليو العاشر مرسوماً ضد لوثر يحتوي على 41 قضية. لكن لوثر أحرق المرسوم علناً أمام جمع حاشد من الأهالي والطلاب والعلماء في مدينة فتنبرج.
وامتد الهيجان إلى سائر ألمانيا فدعا الإمبراطور كارل الخامس (شارلكان) إلى عقد مجمع في مدينة فورمس في سنة 1521 واصدر المجمع قراراً بتدمير كتب لوثر، وأمر لوثر بالمثول أمام هذا المجمع، وصدر قرار بنفيه من سائر بلاد الإمبراطورية الألمانية.
وفي سنة 1522 لما قامت الاضطرابات الشهيرة، عاد مارتن لوثر إلى فتنبرج، وأعلن سخطه على الثائرين كما أعلن سخطه على الطغاة. وفي نفس السنة كتب رده الحاد على ملك إنجلترا هنري الثامن، حول الطقوس السبعة.
تتلخص اصلاحات لوثر في الكنيسه الكاثوليكيه وانشاؤه الكنيسه البروتسنتيه على اساس :
- إلغاء غفران القسيس للذنوب وحرق صكوك الغفران وبالتالي الغاء تكسب الكنيسه من الشعب
- المطالبه بزواج الكهنة والقسس حتى تتوقف الدعارة في الاديره والكنائس وقام بالزواج من احدى الراهبات
- إلغاء القداس الالهي وغفران القسيس لذنوب الميت حيث لايغفر الذنوب الاالله
- إلغاء تحويل القسيس للخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه باعتبارها عملية نصب وخزعبلات
التوهج
في سنة 1530 بلغت حركة الإصلاح الديني في ألمانيا التي قام بها لوثر أوجها بإصدار اعتراف أوگسبورگ.
وقد أمضى لوثر السنوات الباقية من عمره في زيارة الكنائس التي أخذت بحركة الإصلاح، وفي إلقاء المواعظ التي نشر الكثير منها، وفي لقاءاته مع ممثلي الكنائس الإنجليزية التي انضمت إلى حركة الإصلاح الديني. وقد عقد في سنة 1539 مع سائر ممثلي الكنائس الألمانية المصلحة ميثاقا يسمى " ميثاق ڤيتنبرگ ".
ترجمة لوثر للكتاب المقدس
- مقالة مفصلة: إنجيل لوثر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أسد ڤيتنبرج 1536 - 1546
لم يشترك لوثر مباشرة في المؤتمرات السلمية في سنوات الأفول هذه، وأصبح الأمراء لا المشتغلون باللاهوت زعماء البروتستانت وقتذاك، لأن مواضيع النزاع كانت تدور حول الملكية والسلطان، أكثر مما تدور حول العقيدة والشعيرة. ولم يخلق لوثر للمفاوضة، وكان قد تقدم في السن، فلم يعد قادراً على الكفاح بأسلحة أخرى غير العلم. ووصفه رسول بابوي عام 1535، بأنه مازال قوياً، يميل إلى المزاح (كان أول سؤال وجهه إلي هو هل سمعت الخبر، الذي يتردد في إيطاليا، وهو أني سكير ألماني)(27)، ولكن هيكله المديد كان مأوى لكثير من الأمراض - سوء هضم وأرق ودوار ومغص وحصوات في الكليتين ودمامل في الأذنين وقرحات وداء النقرس وروماتزم وعرق النسا وخفقان في القلب. واعتاد أن يجرع الخمر ليخدر إحساسه بالالم، ويستعين بها على النوم، وجرب جرعات من عقاقير وصفها له الأطباء، وعكف على الصلاة ضجراً، واشتدت عليه الأسقام، وخيل إليه في عام 1537 أنه سيموت متأثراً بداء الحصوة، فأصدر إنذاراً نهائياً للرب قال فيه: "إذا استمر هذا الألم يعصرني أكثر من هذا فإني سوف أجن وأعجز عن إدراك رحمتك"(28). وكان مزاجه المتدهور يعكس، بعض الشيء، ما يقاسيه من آلام. وانصرف أصدقاؤه عنه، يوماً بعد يوم، لأنه كما وصفه أحد مريديه في حزن: "كان من الصعب على أحدنا أن يفلت من غضبه واقتصاصه منه علناً"، وكان ميلانكتون المعروف بالصبر يتلوى ألماً، لكثرة ما يلقى من إذلال على يد صنمه، الذي صنعه دون أن يصقله، ومما يؤثر على لوثر أنه قال أما أوكيولامباديوس وكالفن... والهراطقة الآخرون فهم قلوب فاسدة، ذلك لأن الشيطان احتواهم من الباطن والظاهر، ومن الرأس إلى القدم، ولهم ألسنة لا تنطق إلا كذباً"(29).
ولكم حاول جاهداً أن يتوخى الاعتدال في رسالته "عن المجالس والكنائس" (1539)، وشبه الوعود البابوية المتكررة وتأجيل عقد مجلس عام أكثر من مرة بإثارة حفيظة حيوان جائع، وذلك بتقديم الطعام له ثم انتزاعه منه واستعرض تاريخاً ارتكز على المصالحة، وذلك بصورة تنم على علم غزير، وسجل أن عدة مجالس كهنوتية كانت قد دعيت إلى الانعقاد، ورأسها أباطرة - وفي هذا تلميح لشارل، وأعرب عن شكه في أن يقوم أي مجلس، دعاه البابا إلى الانعقاد، بإصلاح المحكمة الرومانية، وقبل إقرار حضور البروتستانت في مجلس للكنيسة "يجب أولاً أن ندين أسقف روما، باعتباره طاغية، وأن نحرق كل منشوراته ومراسيمه"(30).
وتوحي آراؤه السياسية في السنوات الأخيرة من عمره بأن السكوت من ذهب حقاً بعد سن الستين. وقد كان طوال حياته من المحافظين في السياسة، حتى عندما اتضح أنه يشجع على قيام ثورة اجتماعية. وكانت ثورته الدينية موجهة إلى ممارسة الشعيرة، أكثر مما وجهت إلى المبادئ النظرية، فقد اعترض على الثمن الفادح الذي يدفع مقابل الحصول على صكوك الغفران، واعترض فيما بعد على استبداد البابوات. ولكنه قبل إلى آخر لحظة من حياته أشق العقائد في مسيحية المحافظين - الثالوث وولادة العذراء والتكفير عن الخطايا وحضور المسيح بجسده في القربان المقدس والجحيم - وجعل بعض هذه العقائد تبدو مستساغة في نظر الناس أكثر من ذي قبل. وكان يزدري العامة من الناس، وما كان أحراه بعد ذلك أن يصحح خطأ لينكولن الشهير في عدم الاكتراث بالعامة، إن السيد "الجمهور" في حاجة إلى حكومة قوية، حتى لا يطلق الناس غرائزهم الهمجية من عقالها، ويتبدد السلام، وتبور التجارة... لا حاجة لأن يعتقد أحد أن العالم يمكن أن يحكم دون إراقة الدماء... إن العالم لا يمكن أن يحكم بمسبحة"(31)، ولكن عندما تفقد حكومة المسبحات سلطانها، فمن الواجب أن تحل مكانها حكومة تعتمد على حد السيف. وعلى هذا كان لزاماً على لوثر أن ينقل إلى الدولة معظم ما كانت تنعم به الكنيسة من سلطة. ومن ثم فقد دافع عن الحق الإلهي للملوك، وفي هذا يقول: "إن اليد التي تدير السيف الدنيوي ليست يداً بشرية وإنما هي يد الرب. والرب(32)، لا الإنسان، هو الذي يشنق، ويحطم الضلوع على دولاب التعذيب، ويقطع الرؤوس بالمقصلة، ويجلد بالسياط. والرب أيضاً هو الذي يشهر الحرب". وفي هذا التمجيد للدولة، كما هو الحال الآن، نجد أن المنبع الوحيد للنظام يضع بذور فلسفات هوبز وهيجل الاستبدادية، وهو نذير بقيام ألمانيا الإمبراطوريّة. ولقد وجد هنري الرابع في لوثر ما يؤيد إحضار هيلدبراند إلى مدينة كانوسا.
وعندما تقدم لوثر في السن أصبح محافظاً أكثر من الأمراء أنفسهم، وأقر الإكراه البدني على العمل، والضرائب الإقطاعية الباهظة المفروضة على الفلاحين. وعندما أحس أحد البارونات بتأنيب ضميره طمأنه لوثر على أساس أن مثل هذه الأعباء الثقيلة، إذا لم تفرض على العامة، فإنهم سوف يشمخون بأنوفهم، إلى حد لا يطاق(33).
واستشهد بآيات من العهد القديم تبريراً للرق "الأغنام والماشية والعبيد والجواري كانت كلها ممتلكات يجوز لأصحابها أن يبيعوها كما يشاءون. ومن الخير لو ظل هذا معمولاً به الآن، لأنه بدون هذا لا يمكن لامرئ أن يكره طبقة الرقيق على العمل، أو يروضها عليه"(34). "وعلى كل إنسان أن يقوم بواجبه في جلد، وأن يتخذ نهج الحياة الذي فرضه الله عليه"، "وفي وسع كل امرئ أن يعبد الله بان يبقى في وظيفته ومهنته، مهما كانت وضيعة وبسيطة". وقد أصبح هذا المفهوم عن الوظيفة دعامة لمذهب المحافظين في البلاد البروتستانتية.
وتسبب أمير كان نصيراً مخلصاً للقضية البروتستانتية، في خلق مشكلة معضلة للوثر عام 1539. فقد كان فيليب الهسي جندياً محارباً ومحباً عاشقاً ورجلاً حي الضمير في آن واحد. وكانت زوجته كريستين من (السافوية)، امرأة تفتقر إلى الوسامة، ولكنها مخلصة ولود. وتردد فيليب في أن يطلق زوجة كهذه تستحق التكريم، وكان يشتهي مرجريت السالية of Saale، التي لقيها، وهو في طور النقاهة من مرض الزهري(35)، وبعد أن اقترف جريمة الزنى فترة من الوقت، قرر أنه غارق في الإثم إلى أذنيه، ومن الواجب أن يمسك عن تناول العشاء الرباني. ولما كانت التجربة جد مزعجة، فقد أبدى رأيه إلى لوثر بأن الدين الجديد، الذي يعتمد على العهد القديم إلى حد كبير، يجب أن يسمح مثله بالزواج مرة أخرى. وهو أمر كانت عقوبته القانونية السائدة الإعدام. وفضلاً عن ذلك ألم يكن هذا أكثر لباقة مما أقدم عليه فرانسس الأول، من أن يرث العشيقات، وأكثر شفقة من الأعمال الهوجاء التي جنح إليها هنري الثامن في زيجاته؟ كان فيليب تواقاً للوصول إلى حل يعتمد على الإنجيل، حتى إنه أعلن أنه سوف يتخلى عن المعسكر الإمبراطوري، بل والبابوي، إذا لم يستطع علماء اللاهوت في فيتنبرج أن يتبينوا ضوء الكتاب المقدس. وكان لوثر على استعداد. والحق أنه كان قد فضل في رسالته "الأسر البابيلوني" الزواج مرة أخرى على الطلاق، وقد نصح بالزواج مرة أخرى باعتباره أفضل حل لمشكلة هنري الثامن(36). وكان الكثيرون من علماء اللاهوت في القرن السادس عشر منفتحي الأذهان بالنسبة لهذا الأمر(37)، أما ميلانكتون فكان ينفر منه، إلا أنه اتفق أخيراً مع لوثر على أنه لا مفر من أن يعربا عن موافقتهما، ولكن يجب ألا يباح هذا للجمهور. ووافقت كرستين بدورها على شريطة أن يقوم فيليب بواجباته الزوجية نحوها أكثر من ذي قبل(38). وفي يوم 4 مارس عام 1540 تزوج فيليب رسمياً، وإن يكن ذلك سراً، من مرجريت، واعتبرها زوجة ثانية، وذلك بحضور ميلانكتون وبوسر. وما كان من اللاندجراف المعترف بالجميل إلا أن أرسل إلى لوثر حمل عربة من النبيذ على سبيل الهبة(39). وعندما تسرب نبأ الزواج أنكر لوثر أنه تم بموافقته، وكتب يقول: "إن لفظ نعم سراً يجب أن يظل لا علناً لصالح كنيسة المسيح"(40).
وخر ميلانكتون صريعاً بمرض خطير، ويبدو أنه كان يعاني من وخز الضمير والإحساس بالعار، وأمسك عن الطعام، إلى أن هدده لوثر بالحرمان من الغفران(41) وكتب لوثر يقول: "إن ميلانكتون شعر بحزن عميق بسبب هذه الفضيحة، أما أنا فإني ساكسوني صعب المراس، وفلاح صلب العود، وقد ازداد جلدي غلظاً إلى درجة تجعلني أستطيع أن أتحمل مثل هذه الأمور"(42). ومهما يكن من أمر فإن معظم الإنجيليين افتضحوا. وطرب الكاثوليك وتفكهوا، دون أن يعرفوا أن البابا كليمنت السابع نفسه، كان قد فكر في السماح لهنري الثامن بالزواج مرة أخرى(43). وأعلن فرديناند ملك النمسا أنه على الرغم من ميله القليل إلى العقيدة الجديدة، فإنه أصبح الآن يمقتها أشد المقت. وانتزع شارل الخامس من فيليب تعهداً بتأييده في جميع الانقسامات السياسية في المستقبل، وذلك مقابل عدم اضطهاده لفيليب. وأصبح لوثر ناري الطبع كلما دنت منيته، فقد هاجم في عام 1545 "المؤمنون بأن القربان المقدس مجرد رمز" من أنصار زونجلى بعنف شديد، دفع ميلانكتون إلى أن يعرب عن أساه بسبب اتساع الهوة بين البروتستانت في الجنوب والبروتستانت في الشمال. وعندما طلب الأمير المختار جون من لوثر أن يستأنف حملته ضد الاشتراك في مجلس يديره البابا مباشرة، دبج لوثر خطاباً مقذعاً بعنوان: "ضد البابوية في روما التي أسسها الشيطان" (1545) بدت فيها بوضوح نزعته إلى الطعن التي جاوزت الحد. وارتاع كل أصدقائه، ما عدا المصور لوكاس كراناش، الذي زين الكتاب برسوم محفورة على الخشب، تنطوي على هجاء مقذع، فأحدها يصور البابا ممتطياً ظهر خنزير، يبارك كومة من الروث، وأخرى تمثله هو وثلاثة من الكرادلة معلقين على مشانق، أما صورة الغلاف فتصور الحبر الأعظم جالساً فوق عرشه، تحيط به الشياطين ويتوج رأسه دلو "لجامع قمامة" وألهبت كلمة "شيطان" نص الخطاب... ووصف البابا بأنه "أعظم أب جهنمي" و "هذا الخنثى الروماني" و "البابا السدومي"، أما الكرادلة فقال عنهم أنهم "أولاد الشيطان الضالون... الحمير الجهلة... لكم يود المرء أن يصب عليهم لعنته، وأن تنقض عليهم صاعقة، تبيدهم، وأن يحرقوا في نار جهنم، وأن يصابوا بالطاعون والزهري والصرع والأسقربوط والجذام والجمرة وسائر الأمراض(44). ورفض مرة أخرى التسليم بالرأي القائل بان الإمبراطوريّة الرومانية المقدسة منحة من البابوات، ورأى على النقيض أن الوقت قد حان لكي تبتلع الإمبراطوريّة الولايات البابوية:
فلتبدأوا الهجوم الآن أيها الإمبراطور والملك والأمراء والسادة، ولتنظروا مَن يبدأ معكم، إن الله لا يسعد الأيدي العاطلة. خذوا من بابا روما، أولاً وقبل كل شيء، رومانيا وأوربينو وبولونيا وكل ما يملك، باعتباره بابا، لأنه حصل على هذه البلاد بالأكاذيب والخداع، واختلسها وسرقها من الإمبراطوريّة بالكفر وعبادة الأوثان، في غير ما خجل، وداسها بقميه، ومن ثم دفع بأرواح لا تحصى إلى جهنم لتلقى جزاءها خالدة فيها... ومن ثم يجب أن يؤخذ البابا وكرادلته وكل طغمته من الدهماء، من عبدة الأوثان، وأنصار قداسته البابوية، واعتبارهم كفرة، وانتزاع ألسنتهم من أقفيتهم، وشد وثاقهم في صفوف على المشانق(45).
ولعل الضعف قد بدأ يتسرب إلى ذهنه عندما كتب هذه الدعوة الصارخة إلى استخدام العنف. ولعل التسمم التدريجي للأعضاء الداخلية، بمرور الوقت وتناول الطعام والشراب، قد وصل إلى ذهنه وعطله عن التفكير. وأصبح لوثر في سني حياته الأخيرة بديناً إلى درجة مزعجة، بخدين متهدلين وذقن ملتو... وكان شعلة من النشاط، عملاقاً لا يهدأ، ويقول: "إذا استرحت فسوف يصيبني الوهن"(46)، أما الآن فقد تطرق إليه التعب ووصف نفسه (17 يناير عام 1546) بأنه "شيخ هرم مترهل متعب، لا يكترث لشيء، ليس له عين سليمة"(47). وكتب يقول: "لقد سئمت الحياة الدنيا وسئمت هي مني"(48) وعندما تمنت له الأميرة أرملة منتخب ساكسونيا أن يعيش أربعين عاماً أخرى رد عليها بقوله "سيدتي، إني لأتنازل عن فرصتي في دخول الجنة فهذا أحب إلي من أن أعيش أربعين عاماً أخرى"(49). وقال "إني لأضرع إلى الرب أن يبادر بالحضور ليحملني من هنا. ألا فليقبل بصفة خاصة مع اليوم الآخر، وعندئذ سوف أمد عنقي ويدوي الرعد وأرقد في سلام"(50). وظل حتى أخر نسمة من حياته تلوح له رؤى من الشيطان، وتراوده الشكوك بين آن وآخر في رسالته. وفي هذا يقول: "إن الشيطان يتعدى علي بالاعتراض بأن لساني أساء إلى الكثيرين، وأطلق سيلاً من الألفاظ الآثمة. وبهذا كثيراً ما يتركني في حيرة شديدة"(51). وكان في بعض الأحايين يتملكه اليأس من مستقبل البروتستانتية: "إن الصالحين من العباد يقلون يوماً بعد يوم" والطوائف والأحزاب(52) تزداد عدداً، وتتسع بينهما هوة الخلاف و "بعد وفاة ميلانكتون سوف تمر فترة انحلال يؤسف لها"(53) على العقيدة الجديدة. ولكن عندئذ عاودته شجاعته، وقال: "لقد أمسكت المسيح والبابوات من الآذان، ولهذا لن أزعج نفسي أكثر من ذلك، وعلى الرغم من أني حصرت نفسي بين الباب والمفصلات، أن عودي يهصر هصراً، فإني لا أبالي بهذا الأمر، ولسوف يكابد المسيح ما كابدت"(54).
وبدأ وصيته بحروف كبيرة، بقوله: "إني معروف تماماً في السماء وعلى الأرض وفي الجحيم". وروت كيف أن "آثماً تعساً يستحق اللعنة، لقي من الرب العون لنشر إنجيل ابنه، وكيف أنه ظفر بالاعتراف به، أستاذاً للحق، يزدري الحرمان المفروض عليه من البابا والإمبراطور والملوك والأمراء والقساوسة، والكراهية من كل الشياطين" وانتهت بهذه العبارة: "لهذا السبب، ومن أجل تقرير هو أن شأني، أرجو أن يكفى الشاهد بخطي"، وأن يقال: "لقد كتب هذا الدكتور مارتن لوثر موثق الرب وشاهد إنجيله"(55)، ولم يراوده الشك قط في أن الرب كان في انتظاره للترحيب به. وفي يناير عام 1546 سافر في شتاء قارص البرد إلى مسقط رأسه أيسليبين، ليحكم في نزاع، وبعث خلال تغيبه هناك برسائل شائقة إلى زوجته - منها الرسالة المؤرخة أول فبراير: أتمنى أن تجدي في المسيح السلام والبركة، وابعث إليكِ بحبي الضعيف العتيق المسكين. عزيزتي كاتي لقد كنت عليلاً وأنا في الطريق إلى أيسليبين، ولكن هذا إنما يرجع إلى خطئي، فقد هبت ريح صرصر عاتية من خلفي، واخترقت قلنسوتي فوق رأسي، فشعرت أن مخي قد تجمد واستحال إلى ثلج، وكان هذا حرياً بأن يعينني على ما يصيبني من دوار. أما الآن فأنا، ولله الحمد، بصحة جيدة، إلى الحد الذي يجعلني أشعر بميل شديد إلى الجميلات من النساء، فما بالكِ وأنا كيس ظريف. وليبارك الله(56).
وتناول عشاءه يوم 17 فبراير في مرح، وفي الصباح المبكر من اليوم التالي سقط مريضاً يعاني من آلام حادة في المعدة. ووهن جسده بسرعة، وأدرك أصدقاؤه، الذين تجمعوا إلى جانب فراشه، أنه يحتضر وسأله أحدهم "أيها الأب الجليل هل تقف راسخاً كالطود إلى جانب المسيح والعقيدة التي بشرت بها؟" فرد عليه قائلاً "نعم"، ثم أصيب بنوبة فالج، أفقدته النطق، ومات على أثرها (18 فبراير سنة 1546). ونقل الجثمان إلى فيتنبرج، ودفن في كنيسة القيصر، التي كان قد علق على بابها مقالاته منذ تسعة وعشرين عاماً.
كانت هذه السنوات من أخطر السنوات في التاريخ. وكان لوثر صوتها المدوي الذي يأخذ بمجامع القلوب، وكانت أخطاؤه عديدة، فقد كان يفتقر إلى تقدير الدور التاريخي، الذي لعبته الكنيسة في نشر المدنية في أوربا، وكان ينقصه فهم تعطش البشرية إلى أساطير رمزية، تجد فيها العزاء والسلوى، وكان يعوزه البر والإحسان، ليعدل في معاملته مع خصومه من الكاثوليك والبروتستانت. ولقد حرر اتباعه من بابا معصوم من الخطأ، ولكن في الوقت نفسه أخضعهم لكتاب منزه من الخطأ، مع أن تغيير البابوات أيسر من تغيير ذلك الكتاب. وتشبث بأكثر العقائد تشدداً في ديانة القرون الوسطى، وهي عقائد لا يمكن أن تصدق، بينما سمح بالقضاء على كل ما في تلك الديانة من جمال تقريباً في أساطيرها وفنها، وأورث ألمانيا مسيحية، ليست أصدق من القديمة، وهي أقل منها بهجة وساواناً، وإن كانت أكثر صدقاً وأشد إخلاصاً في القائمين بها. وكاد لوثر أن يصبح في تعصب محكمة التفتيش، بيد أن أقواله كانت أغلظ من أفعاله، وأدين بأنه كتب مقالات، انطوت على أقذع الألفاظ في تاريخ الأدب، وعلم ألمانيا كراهية لاهوتية صبغت أرضها بلون الحقد الأسود مائة عام عقب وفاته.
ومع ذلك فقد كانت أخطاؤه دعامة نجاحه، فقد كان بفطرته محباً للحرب، لأن الوقت كان يتطلب النزال، ولأن المشكلات التي هاجمها قد قاومت جميع الوسائل المؤدية إلى السلام قروناً طويلة. وقضى طوال حياته في معركة ضد الإحساس بالذنب، وضد الشيطان والبابا والإمبراطور وزونجلى، بل وضد الأصدقاء، الذين كان من الممكن أن يهدئوا من ثورته، ويحولوها إلى احتجاج مهذب، يسمعه الناس في سماحة، ثم يضيع في غمرات النسيان. وماذا كان في وسع رجل أرحب منه صدراً أن يفعل، إذا ووجه بمثل هذه الصعاب وتلك القوى؟ ما من شك في أنه ليس في وسع رجل متضلع في الفلسفة ولا رجل له عقلية علمية، لا تؤمن إلا بشيء يثبت بالدليل، ولا رجل فطر على منح رواتب سخية لأعدائه، أن يقذف بمثل هذا التحدي، الذي هز العالم، أو أن يسير قدماً. بمثل هذا التصميم إلى هدفه، كما لو كانت هناك عصابة على عينيه. وإذا كان لاهوته، الذي يقول بحتمية القدر، منافياً للعقل والرأفة الإنسانية، كأي أسطورة أو معجزة في عقيدة أهل القرون الوسطى، فإنه أثر في قلوب الناس بهذه اللاعقلانية العاطفية، فالأمل والروع هما اللذان يدفعان الناس إلى الصلاة، وليس الدليل على أشياء يرونها بأعينهم.
ويبقى أن نذكر أنه حطم بضربات قبضته الخشنة كعكة العادات وصدفة السلطة، التي كانت قد سدت الطريق في وجه حركة الفكر الأوروبي. وإذا كنا نحكم على عظمة المرء بما له من نفوذ - وهذا أقل اختبار موضوعي في وسعنا أن نلجأ إليه - فإننا نستطيع أن نضع لوثر في مصاف كوبرنيقوس وفولتير وداروين، باعتبارهم من أقوى الشخصيات، التي ظهرت في العالم الحديث. ولقد كتب عنه أكثر مما كتب عن أي رجل آخر في العصر الحديث باستثناء شكسبير ونابليون. وكان تأثيره على الفلسفة بطيئاً وغير مباشر، ولقد أثر على يقينية fideism كانت وقومية فيخته ومذهب شوبنهاور في الإرادة واستسلام الروح الهيجلي للدولة، أما تأثيره على الأدب الألماني واللغة الألمانية، فكان حاسماً وشاملاً، كتأثير الإنجيل، الذي نشره الملك جيمس، على اللغة والآداب في إنجلترا. ولم يستشهد الناس بأقوال ألماني آخر بمثل هذه الكثرة، وهذا الولع. ولقد أثر هو وكارلشتادت وآخرون في خلق الإنسان الغربي، وعاداته التي درج عليها، بالتنصل من العزوبة المفروضة على رجال الدين، وبصبه في الحياة الدنيوية الطاقات التي كانت قد صرفت إلى الزهد والرهبانية، أو إلى حياة الدعة والاسترخاء، أو إلى الورع. واخذ تأثيره يتقلص كلما انتشر... كان هائلاً في اسكنديناوة وعابرا في فرنسا، وانعدم بتأثير كافن في سكوتلاندة وإنجلترا وأمريكا، أما في ألمانيا فكان تأثيره فائقاً. ولم يقدر لمفكر أو كاتب آخر أن يكون له هذا التأثير العميق في العقلية الألمانية والشخصية الألمانية. كان أقوى شخصية في تاريخ ألمانيا، ولا شك أن مواطنيه من أهل الريف يحبونه حباً جماً، لأنه كان أشدهم جميعاً تعصباً لألمانيته.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
رسائله
له رسائل كثيرة، من آخرها، رسالة حول " المجامع الدينية " ، ورسالة ضد " مجددي التعميد " ، ورسالة عنيفة بعنوان : " بابوية روما أسّسها الشيطان ".
وفاته
في سنة 1546 دُعي لفض نزاع قام في بلدة إيسليبن، وبعد ان أفلح في فض النزاع أصيب بنوبة برد ما لبث أن توفي في أثرها وذلك في 18 فبراير 1546.
انظر أيضاً
- Theology of Martin Luther
- Consubstantiation
- Erasmus's Correspondents
- جون كلڤن
- John Wycliffe
- Luther's Seal
- Martin Luther's views on Mary
- Role of the printing press in the Reformation
- Christianity and anti-Semitism
مرئيات
محاضرة بعنوان "لوثر واليهودية"، د. فوزي البدوي، مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث وجمعية الدراسات الفكرية والاجتماعية، بتونس العاصمة، 30 نوفمبر 2017. |
المصادر
- موسوعة الفلسفة، الدكتور عبدالرحمن بدوي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، ط 1 1984، الجزء الثاني.
- Martin Luther - Eine Bibliographie (German)
قراءات إضافية
For works by and about Luther, see Martin Luther (resources).
أعمال مختارة
- Dillenberger, J., ed. Martin Luther: Selections from his Writings. New York: Garden City, 1961. OCLC 165808.
- Lull, Timothy F, ed. Martin Luther: Basic Theological Writings. Minneapolis: Fortress, 1989. ISBN 0800636805.
- Luther, M. The Bondage of the Will. Eds. J. I. Packer and O.R. Johnson. Old Tappan, N.J.: Revell, 1957. OCLC 22724565.
- Luther's Works, 55 vols. Eds. H. T. Lehman and J. Pelikan. St Louis Missouri, and Philadelphia, Pennsylvania, 1955–86. Also on CD-ROM. Minneapolis and St Louis: Fortress Press and Concordia Publishing House, 2002.
- مواليد 1483
- وفيات 1546
- 16th-century Latin writers
- Anti-Catholicism in Germany
- معاداة السامية
- Augustinian friars
- Bible translators
- Burials at Schlosskirche (All Saints), Wittenberg
- عبرانيون مسيحيون
- Christian religious leaders
- مؤسسو أديان
- German Christian ministers
- لوثريون ألمان
- German theologians
- مترجمون ألمان
- Late Middle Ages
- Latin-German translators
- Lutheran hymnwriters
- Lutheran sermon writers
- كتاب لوثريون
- مارتن لوثر
- أشخاص مشاهير في التقويم الديني اللوثري
- أشخاص حرمتهم الكنيسة الكاثوليكية
- People from Eisleben
- إصلاحيون بروتستانت
- Renewers of the church
- Translation scholars
- Translators
- University of Erfurt alumni
- University of Wittenberg faculty
- Walhalla enshrinees
- مصلحون دينيون مسيحيون
- ألمان