كمال علي محمد
المهندس كمال علي محمد، وزير الري والموارد المائية السوداني الحالي. [1] وهو عضو مجلس وزراء شئون المياه في دول حوض النيل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
آراؤه
صرح وزير الري السوداني بأن هناك تعاون بين السودان وبين دول حوض النيل في إطار ما يسمى بمبادرة حوض النيل والتي تهدف إلى بناء الثقة وأنها تتصل بمشروعات ذات منافع مشتركة وتشمل بناء خزانات ومشروعات الربط الكهربائي بالإضافة إلى تطوير الإدارة المبكرة للفيضانات والجفاف وأعمال الوقاية مثل مشروعات مكافحة التصحر والجفاف والمساقط لتوليد الطاقة الكهربائية في مواضع الخزانات المختلفة في أثيوبيا.
وقال أنه بالنسبة للنيل الشرقي الذي يضم مصر وأثيوبيا وإريتريا وبالنسبة لحوض النيل الاستوائي فهناك كميات هائلة من المياه لتوليد طاقة كهربائية مائية على طول نيل فيكتوريا شمال خزانات أونا الحالي في أوغندا وكذلك شمال بحيرة ألبرت حتى الحدود السودانية، وداخل السودان حوالي (5) مساقط لإنشاء خزانات لتوفير الطاقة منها موصلي" على الحدود وياربور وبولا وماكيدو التي تقع جنوب جوبا.
وقال الوزير السوداني أن هناك مشروع للربط الكهربائي بين دول حوض النيل الواقعة في شرق أفريقيا الستة مع السودان بالإضافة على مشروعات الأمن الغذائي عن طريق الزراعة المروية والمطرية كل هذا التعاون ثم إقراره في مبادرة حوض النيل ويجري الآن إعداد الصيغ لدراسة هذه المشروعات لتحقيق التعاون بين كافة دول الحوض.
وأضاف أنه تم الاتفاق على تكوين مجلس وزاري من وزراء مياه دول الحوض وكذلك لجنة المياه التجارية لتساعد المجلس الوزاري لبلورة هذه المشروعات لتحقيق وتعزيز التعاون، كما تم الاتفاق على حل أي نزاع مائي بين دول الحوض بالطرق الودية دون اللجوء إلى استعمال القوة، وتساهم الصناديق الدولية والدول المانحة والغنية في تحويل هذه المشروعات لصالح شعوب دول الحوض.
وأشار الي أن هناك التزام منها بـ(90) مليون دولار لمشروعات الري المشتركة، فهناك (148) مليون دولار للدراسات فقط، أما التنفيذ فسيعقبه مرحلة الإعداد والتصميمات ودراسات الجدوى الفنية والاقتصادية والبيئة.
وفي هذا الصدد تكونت لجنة "الإنترو" وهي لجنة فنية تتكون من أثيوبيا والسودان ومصر ومقرها العاصمة الأثيوبية أديس أبابا ومهمتها بلورة هذه المشروعات المشتركة بين دول الحوض.
من ناحية أخرى قال الوزير السوداني لـ"صوت" النيل أن حكومة بلاده لديها خطة مستقبلية شاملة للنيل،فهناك مشروع تعلية خزان الروصيرص بمقدار (10) أمتار ليرتفع المخزون من (3) أمتار إلى (7.7) م وقال : لدينا خزانات على طول النيل الرئيسي منها وخزانات السبلوكة (90) كم شمال "الخرطوم" لتوليد الطاقة الكهربائية المائية، وشمال مدينة عطبرة لتوليد الطاقة، وهناك خزانات عند الشلال الثالث وخزان "مروي" عند الشلال الرابع وبدأ لشروع في تنفيذه لتوفير (1250) ميجاوات ولتحسين الري في المناطق خلف هذا الخزانات ولدينا (1.5) مليون فدان يمكن زراعتها من إجمالي (4.1) مليون صالحة للزراعة.
رأيه في سد النهضة بعد أن تقاعد
واحدةٌ من خصائص الإنقاذ الكثيرة أن عدداً من وزرائها ومستشاريها ومسئوليها يقومون، حال الاستغناء عن خدماتهم، بصبِّ جام غضبهم ونقدهم لسياسات وقرارات الإنقاذ التي كانوا قد ساهموا مساهمةً كبيرة، ولسنوات طويلة، في صياغتها وتنفيذها. وينسى هؤلاء الأشخاص، حال إقالتهم، حديثهم السابق عن الإطار التنظيمي المترابط للحزب. وينسون أيضاً رباط الحركة الإسلامية الذي جمعهم منذ سنوات الدراسة. وهناك عددٌ من هؤلاء المسئولين السابقين قرّر الهجرة إلى الفكر الليبرالي، آملين أن يبدأ التاريخُ من لحظة الهجرة تلك.
وقد سار وزير الري والموارد المائية السابق المهندس كمال علي في طريق إخوة الدرب الذين تمّ التخلّي عنهم وفقدوا كرسي الوزارة. فقد قام الوزير السابق في الأيام الماضية بالهجوم والنقد الحاد في مقالين ومداخلة في برنامج "حتى تكتمل الصورة" التلفزيوني يوم 23 مارس عام 2015، ثم في ندوة دار المهندسين يوم 31 مارس عام 2015، على اتفاق إعلان المبادئ حول سد النهضة. ثم انتقد مبدأ المنافع المشتركة لأنه، سيكون حسب قوله، على حساب نصيب السودان من مياه النيل، وعلى حساب أمن السودان المائي. ثم زاد على ذلك بالمطالبة بإعادة مسئوليات الري في السودان إلى وزارة الموارد المائية التي كان قد تمّ تحويلها منها إلى وزارة الزراعة.
الشيء المدهش في تصريحات المهندس كمال علي أن ما ينتقده ويهاجمه، وما يطالب بإعادته الآن، تمّ إقراره وتنفيذه عندما كان المهندس كمال علي وزيراً للري والموارد المائية، وبمشاركته التامة، كما سنوضح في هذا المقال.
2
يتميّز المهندس كمال علي على غيره من وزراء الري والموارد المائية السابقين في أنه خدم لأطول فترة وزيراً لتلك الوزارة. فقد ظل وزيراً للري والموارد المائية منذ منتصف عام 1999 وحتى نهاية عام 2011، أي لأكثر من اثني عشر عاماً. وهذه أطول فترة لأي وزير ري منذ إنشاء وزارة الري في شهر ديسمبر عام 1954. فقد تمّ في ذلك الشهر من ذلك العام تعيين السيد خضر حمد كأول وزيرٍ للري بعد فصل مسئوليات الري من وزارة الزراعة في ذلك التاريخ. وعليه فإن دور الوزير كمال علي في ما حدث في الوزارة كبير، بحكم طول الفترة التي تولى فيها مسئوليات الوزارة.
سوف نتناول في هذا المقال دور الوزير كمال علي وموقفه من سد النهضة، ومن فشل السودان في استخدام نصيبه من مياه النيل ومسألة أمن السودان المائي، وفي التقليص التدريجي والمتواصل لمسئوليات الوزارة عندما كان على رأسها. وهذه هي الأمور الثلاثة نفسها التي يقوم الوزير السابق بالنقد والهجوم الحاد عليها هذه الأيام، رغم دوره الكبير فيها.
3 دور الوزير كمال علي في التعامل مع سد النهضة
بدأت إثيوبيا في التفاوض مع شركة ساليني الإيطالية لبناء سد النهضة في شهر سبتمبر عام 2009، ووقّعت معها على عقد بناء السد في شهر ديسمبر عام 2009. وبدأ العمل في هدوء في سد النهضة في شهر يناير عام 2010، أي قبل قرابة عامين من إقالة الوزير كمال علي من منصبه الوزاري. وكان معظم خبراء مياه النيل يعرفون ما كان يدور في أديس أبابا في تلك الأشهر، ويتابعونه بشغفٍ واهتمام، فأين كان الوزير كمال علي خلال فترة العامين تلك؟
وعندما أعلنت إثيوبيا رسمياً بدء العمل في السد في بداية شهر أبريل عام 2011 كانت كل الاستعدادات قد اكتملت، واتخذت إجراءاتُ بناء السد أشكالاً متكاملة ومتقدّمة ومتسارعة. كان المهندس كمال علي وقتها ما يزال وزير الري والموارد المائية. وقد ظلّ في ذلك المنصب لثمانية أشهر أخرى بعد ذلك (حتى نهاية نوفمبر عام 2011). فماذا فعل الوزير كمال علي تجاه سد النهضة؟ إنه يتحدّث هذه الأيام عن اتفاقية عام 1902 التي تلزم إثيوبيا (حسب قوله) بالحصول على موافقة السودان ومصر قبل بدء بناء السد. لماذا لم يقمْ بتقديم هذا الرأي لحكومته في ذلك الشهر، إن لم نقل في شهر يناير عام 2010، عندما شرعت إثيوبيا في بناء السد، ويوضّح لحكومته الطرق والوسائل لفرض نصوص اتفاقية عام 1902، ويضع، بوصفه الوزير المسئول، استراتيجية مواجهة إثيوبيا؟ وما معنى الحديث عن اتفاقية عام 1902 الآن، بعد أربعة أعوام من البدء في بناء السد، وبعد أن اكتملت قرابة نصف أعمال السد؟
ثم يتحدّث المهندس كمال علي عن أن إثيوبيا لم تخطر السودان ومصر بمشروع السد حسب مقتضيات القانون الدولي. أين كان التزام الإخطار والقانون الدولي في شهر أبريل عام 2011، إن لم نقل في شهر يناير عام 2010، عندما كان المهندس كمال علي المسئول الأول عن مياه النيل في السودان؟ ولماذا أصبح الإخطار التزاماً قانونياً الآن وليس في عام 2011، أو عام 2010؟ ثم لماذا الصمت عن سد النهضة وأضراره المزعومة على السودان منذ تاريخ إقالة الوزير كمال علي في نهاية عام 2011 وحتى شهر مارس عام 2015؟
4
في حقيقة الأمر فإن إثيوبيا لم تبدأ برنامج سدودها وتحديها لمصر والسودان بسد النهضة عام 2010. لقد بدأت إثيوبيا برنامج السدود الكبيرة ببناء سد تكزّي الضخم عام 2003 على نهر عطبرة، وأكملته عام 2010. كان كل ذلك العمل والإنجاز الإثيوبي الكبير من بدايته وحتى نهايته خلال فترة الوزير كمال علي، فماذا فعل السيد الوزير تجاه سد تكزّي؟ لقد كان سد تكزّي سياسياً هو "القِطّة" التي ذبحتها إثيوبيا لتستشفَّ من خلال ذلك ردّة فعل السودان ومصر، واقتنعت بعده أنها تستطيع في الحقيقة ذبح بقرة أو ثور بدون تحدٍّ حقيقي.
وقد جاء سد تكزّي، ثم من بعده سد النهضة، كنتيجةٍ حتمية لاتفاقية مياه النيل لعام 1959 التي تجاهلتْ وأقصتْ إثيوبيا. وكانت مصر والسودان قد رفضا طلبات إثيوبيا المتكررة لإشراكها في المفاوضات التي قادت للاتفاقية. وقد خصّصت الدولتان مياه النيل كلها لنفسيهما، دون ترك مترٍ مكعبٍ واحدٍ لدولة نيلية أخرى. وفي حقيقة الأمر فقد خرج سد النهضة من رحم اتفاقية مياه النيل لعام 1959 الإقصائية الاستعلائية التي يدافع عنها هذه الأيام الوزير كمال علي.
وقبل أن يخبرنا الوزير كمال علي أنهم وافقوا على قيام سد تكزّي، نشير إلى ما كتبه وزير الري والموارد المائية المصرية وقتها الدكتور محمد نصر علام من أنهم علموا بالسد عندما كان "إنشاؤه على وشك الانتهاء وسيتم افتتاحه قريباً" (انظر كتاب اتفاقية عنتبي والسدود الإثيوبية، صفحتي 99 و 100). وإذا كانت مصر قد علمت متأخّرةً بالسد، وقرّرت أن لا تكشفَ جهلها بالسد بالاحتجاج المتأخر على قيامه، فيمكننا معرفة متى علم السودان، وعن الموقف السوداني وقتها.
5
فشل السودان في استخدام نصيبه من مياه النيل:
يهاجم الوزير كمال علي مبدأ المنافع المشتركة والانتفاع المنصف والمعقول في حوض النيل والذي نصّ عليه اتفاق إعلان المبادئ حول سد النهضة واتفاقية عنتبي لأن السودان، حسب رأيه، سوف يفقد بمقتضاه حقوقه في مياه النيل التي اكتسبها بمقتضى اتفاقية مياه النيل لعام 1959 والبالغة 18,5 مليار متر مكعب سنوياً، ويفقد أمنه المائي. ومادام الحديث قد أصبح بالأرقام التي لا تخطئ فلا بُدَّ لنا أن نتساءل كم فقد السودان من نصيبه (الذي يتباكى عليه السيد الوزير الآن) خلال سنوات المهندس كمال علي وزير الري والموارد المائية من عام 1999 وحتى نهاية عام 2011؟
قطع المهندس كمال علي وزير الري والموارد المائية قول كلِ خبيرٍ في موضوع كمية المياه من نهر النيل التي فشل السودان في استخدامها عندما تناول هذا الموضوع في أغسطس عام 2011. فقد أوردت جريدة الصحافة السودانية تصريحاتٍ للسيد الوزير كمال علي تحت عنوان "السودان لن يفرط في حصته من مياه النيل" ذكر فيها:
"إن السودان لديه خطة شاملة لاستغلال كامل حصته من مياه النيل. قد نكون تأخرنا في استغلال كامل الحصة حيث يصل إجمالي ما يسحبه السودان من مياه النيل نحو 12 مليار متر مكعب، ونحن بصدد إقامة عدد من المشروعات لاستغلال كامل الحصة." وأضافت جريدة الصحافة أن الوزير "شدد على عدم تفريط السودان في أي متر من حصته من مياه النيل." (راجع جريدة الصحافة، الأربعاء 10 رمضان عام 1432، الموافق 10 أغسطس عام 2011، العدد 6487، الصفحة الثالثة).
في شهر أغسطس عام 2011، أي بعد اثني عشر عام في كرسي الوزارة (منذ عام 1999)، أخبرنا السيد الوزير وقتها أن السودان لديه خطة شاملة لاستغلال كامل حصته من مياه النيل التي كان قد فشل في استخدامها. أين كانت تلك الخطة خلال الاثني عشر عام الماضية التي كان فيها المهندس كمال علي وزيراً للري والموارد المائية؟ ولماذا جاءت الخطة في الزمن بدل الزمن الضائع له كوزير؟
6
ثم شدّد الوزير على أن السودان لن يفرّط في مترٍ واحد من حصته من مياه النيل. ونورد هنا كميات مياه النيل التي تمّ التفريط فيها خلال فترة المهندس كمال كوزيرٍ للري والموارد المائية (1999 – 2011)، والتي تساوي مئات المليارات من الأمتار المكعبة:
أولاً: فشل السودان، كما ذكر الوزير كمال علي نفسه، في استخدام ستة مليار ونصف مليار سنوياً. عليه تكون كمية مياه النيل التي فشل السودان في استخدامها خلال فترة وزارته (التي امتدت لأكثر من 12 عام) تحت هذا البند هي 75 مليار متر مكعب (6,5 مليار في العام خلال 12 عام).
ثانياً: تحدّد اتفاقية مياه النيل لعام 1959 متوسط منسوب النيل محسوباً عند أسوان بـ 84 مليار متر مكعب. وتخصم فاقد التبخر في بحيرة السد العالي، والبالغ عشرة مليار، ثم توزّع الـ 74 مليار المتبقّية بين مصر والسودان (55,5 لمصر و18,5 للسودان). غير أن الاتفاقية تقضي بتقاسم منسوب النيل الذي يزيد عن 84 مليار مناصفةً بين مصر والسودان.
لقد زاد منسوب النيل بصورةٍ كبيرةٍ خلال الأعوام التي تلت الاتفاقية، ووصل إلى 125 مليار حسب بعض التقارير، و109 مليار حسب تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (راجع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية البشرية 2013، صفحة 13). وعند استخدامنا لأرقام الأمم المتحدة المنخفضة فقد كان معدل الزيادة في منسوب النيل، من 84 مليار إلى 109 مليار، هو 25 مليار متر مكعب. وحسب اتفاقية عام 1959 فإن نصيب السودان منها كان يجب أن يكون النصف، أي 12,5 مليار متر مكعب سنوياً. لكن السودان لم يستخدم متراً واحداً منها. وهذا يعني أن السودان فشل في استخدام 12,5 مليار سنوياً على مدى 12 عام، أي حوالي 150 مليار متر مكعب من نصيبه من مياه النيل خلال فترة الوزير كمال علي بمقتضى هذا النص من اتفاقية مياه النيل لعام 1959.
ثالثا: يذكّرنا مهندسو الري السودانيون مراراً وتكراراً أن نصيب السودان هو 18,5 مليار متر مكعب مقاساً في أسوان. ويضيفون أن نصيب السودان في مناطق الاستعمال داخل السودان هو 21 مليار متر مكعب (أحياناً نسمع الرقم 22 مليار) وليس 18,5 مليار، لأن فاقد الانتقال مقاسٌ عند أسوان، وليس في مناطق الاستخدام. وهذا بدوره يعني فشل السودان في استخدام مليارين ونصف مليار متر مكعب من مياه النيل سنوياً من فاقد الانتقال. وتصل هذه الكمية من المياه التي فشل السودان في استخدامها إلى 30 مليار متر مكعب خلال سنوات الوزير كمال علي (2,5 مليار في العام خلال 12 عام).
عليه فإن الوزير كمال علي الذي شدّد على أن السودان لن يفرّطَ في مترٍ واحدٍ من نصيبه، والذي يحذّرنا من التفريط في أمن السودان المائي هذه الأيام بسبب تأييد سد النهضة، قد فرّط خلال سنوات وزارته الاثني عشر في حوالي 250 مليار متر مكعب على الأقل (75 مليار، زائداً 150 مليار، زائداً 30 مليار). وهذه الكمية تساوي نصيب السودان الكامل من مياه النيل في حوالي 14 عام.
رابعاً: هناك أيضاً السلفة المائية التي قدّمها السودان لمصر خلال الأعوام 1959 - 1977، وفشل حتى الآن في استردادها أو حتى إثارتها. ورغم حديث الوزير كمال علي المتواصل هذه الأيام عن الأمن المائي للسودان وعن اتفاقية عام 1959، ورغم أنه عمل في وزارة الري لقرابة الخمسين عاماً، إلا أنه تجاهل السلفة المائية في كتاباته وأحاديثه تجاهلاً تاماً ولم يتطرّق لها البتّة. وهذه مياه نيلٍ سودانيةٍ أخرى تمّ سكبها، والتفريط التام فيها.
7
آمل أن لا يردَّ السيد الوزير كمال علي بالقول إن هذه الكمية الضخمة من المياه التي فشل السودان في استخدامها لم ولن تضيع، وأنها مخزّنة لصالح السودان في بحيرة السد العالي (كما ذكر هو نفسه من قبل في مقالٍ له موجود على المواقع الالكترونية). فمصر لم تقم ببناء السد العالي لكي يخزّنَ السودانُ فيه مياهه التي فشل في استعمالها. كما لا بُدَّ من الإشارة إلى أن بحيرة السد العالي قد تم ملؤها عام 1970، وأن كل سعتها هي 162 مليار متر مكعب. ولن تخفى على فطنة القارئ أين ذهبت، وتذهب كل عام، كل تلك الكمية من المياه. وعندما تأتي اللحظة السياسية المناسبة فسوف تخبر القاهرةُ الخرطوم أن المياه التي فشل السودان في استخدامها كل عام منذ عام 1959 قد أصبحت حقّاً مكتسباً لمصر بمقتضى القانون الدولي الذي يتحدّث باسمه المهندس كمال علي هذه الأيام.
8
تصفية وزارة الري والموارد المائية:
يتحدّث الوزير السابق كمال علي عن تصفية (أو تشليع باللغة الدارجة السودانية) وزارة الري والموارد المائية بسبب تحويل مسئوليات الري لوزارة الزراعة، ويطالب بإعادة الري إلى الوزارة الأم لتصبح كما كانت "وزارة الري والموارد المائية." وهذا مطلبٌ مشروعٌ ومنطقي لأنه لا يمكن فصل الري عن الموارد المائية.
غير أن المتتبّع لتاريخ الوزارة سيجد أن تصفية وزارة الري (وتشليعها) تمّت بالكامل في عهد الوزير كمال علي نفسه، وتحت سمعه وبصره وموافقته.
بدأت التصفية بإنشاء وحدة تنفيذ سد مروي عام 2001. ثم تمّ استبدالها بوحدة تنفيذ السدود عام 2005 (القرار الجمهوري رقم 217 لعام 2005). وتوضّح المادة 8 من ذلك القرار الصلاحيات الكبيرة التي آلت إلى هذه الوحدة على حساب وزارة الري والموارد المائية التي كانت المسئولة عن السدود، القديم والجديد منها. وقد أشار القرار الجمهوري في ديباجية إنشائه وحدة السدود إلى مذكرة وزير الري الذي كان وقتها المهندس كمال علي.
ثم صدر قانون مشروع الجزيرة في عام 2005. وتمّ في عام 2007 صدور قرارٍ من النائب الأول لرئيس الجمهورية وقتها السيد علي عثمان محمد طه بإنشاء وحدة خاصة للري تابعة لمشروع الجزيرة، وتحويل مسئوليات الري في المشروع من وزارة الري إلى تلك الوحدة.
كان ذلك القرار رسالةً واضحة إلى الوزارة، وتأكيداً لمسئوليتها في التدهور الكبير في إدارة الري في مشروع الجزيرة خلال تلك السنوات. عليه فقد فقدت وزارة الري بهذا القرار الإدارة والإشراف على الري في أكبر مشروعٍ زراعي في السودان. ولا بُدَّ من التذكير أن مشروع الجزيرة يستخدم سنوياً حوالي 8 مليار متر مكعب من مياه النيل، وهي تساوي 40% من نصيب السودان البالغ 18,5 مليار متر مكعب. لكنها تساوي 66% من استخدامات السودان الحقيقية لمياه النيل التي أخبرنا الوزير كمال علي أنها 12 مليار متر مكعب سنوياً فقط.
ثم تواصل تقليص مسئوليات وزارة الري والموارد المائية، فتمّ تحويل الري في عددٍ من المشاريع الزراعية الأخرى إلى شركة كنانة.
عليه فقد فقدت وزارة الري في عهد الوزير كمال علي مسئولياتها على السدود، ثم على الري، وأصبحت وزارةً للموارد المائية فقط. وهذه هي الوزارة التي تركها الوزير كمال علي، عندما تمت إقالته، لخلفه الوزير الجديد الدكتور سيف حمد في أواخر شهر نوفمبر عام 2011، وتمّت تسميتها في ذلك الشهر "وزارة الموارد المائية." وقد عكس ذلك الاسم حقيقةً مسئوليات الوزارة وصلاحياتها التي تبقّت لها في ذلك الوقت. ومن الناحية العملية فلم يتبق للوزارة الجديدة غير متابعة وتصريف أعمال مبادرة حوض النيل.
لهذه الأسباب كان لا بُدّ من إعادة النظر في تلك الوزارة الصغيرة المحدودة الصلاحيات. عليه فقد تم دمجها بعد ثلاثة أشهرٍ فقط مع وحدة السدود ووزارة الكهرباء، لتصبح وزارة الموارد المائية والكهرباء.
9
و لا بد من التذكير بالارتباك الكبير الذي ساد موقف السودان من مبادرة حوض النيل إبان فترة الوزير كمال علي. فقد أخبرنا السيد الوزير في شهر مايو عام 2009، عندما انسحب من اجتماع كينشاسا لوزراء مياه دول الحوض (وهو الانسحاب الوحيد لأي وزيرٍ في تاريخ مبادرة حوض النيل الطويل)، أن السودان قد انسحب من مبادرة حوض النيل. ثم عاد ليقول لنا إن السودان لم ينسحب من المبادرة ولكن جمّد نشاطه فيها. ثم أخبرنا لاحقاً أن السودان لم ينسحب ولم يجمّد نشاطه في المبادرة، وإنما جمّد نشاطه في المشاركة في مشاريع المبادرة. غير أن السودان واصل نشاطه في مشاريع المبادرة، وواصل الموظفون السودانيون الذين انتدبهم الوزير كمال علي بنفسه، ومن وزارته، أداء مهامهم في مشاريع وبرامج مبادرة حوض النيل. وتواصل ذلك الارتباك في التعامل مع المبادرة ومع اتفاقية عنتبي.
10
ينتقد الوزير السابق كمال علي اتفاق إعلان المبادئ حول سد النهضة من منطلق تفسيره لأحكام ومبادئ القانون الدولي للمياه، وكأن ذلك هو تخصّصه. وقد سألنا في مقالٍ سابق الوزيرَ كمال علي من أين يستمد صلاحياته في الحديث الدائم والكتابة عن القانون الدولي للمياه ومبادئه رغم أنه ليس قانونياً، ولا علاقة له بقوانين المياه؟ وقد ردَّ السيد الوزير أن مهندسي الري، من أمثاله، هم الذين يضعون قواعد القانون الدولي للمياه. وأن مهمة قانونيي المياه، من أمثالي، هي صياغة ما يخبرهم به ويمليه عليهم مهندسو الري.
كنت أتمنى لو ترك السيد الوزير قوانين المياه الدولية للقانونيين الحقيقيين، ورابطتهم وجمعيتهم (ولجنتهم الدولية التي ستعقد اجتماعها السنوي الشهر القادم في مدينة أدنبره في استكوتلندا)، وانشغل بدلاً عن ذلك بمهامه الهندسية والوزارية، والتي تشمل أمن السودان المائي باستخدام السودان لنصيبه الكامل من مياه النيل، والحفاظ على مسئوليات السدود والري داخل وزارته، ومتابعة أنشطة وبرامج دول حوض النيل الأخرى ودراسة آثارها على السودان، والتوصية للحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة تجاهها. فذلك هو ما كان قد تمّ تعيينه وزيراً من أجله.
انظر أيضا
وصلات خارجية
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .