صالح بن عبد القدوس أبو الفضل البصري هو صالح بن عبد القدوس بن عبد الله بن عبد القدوس الأزدي الجذامي. وهو شاعر عباسي كان مولي لبني أسد. كان حكيماً متكلماً يعظ الناس في البصرة، له مع أبي الهذيل العلاف مناظرات، واشتهر بشعر الحكمة والأمثال والمواعظ، يدور كثير من شعره حول التنفير من الدنيا ومتاعها، وذكر الموت والفناء، والحثّ على مكارم الإخلاق، وطاعة الله، ويمتاز شعره بقوة الألفاظ، والتدليل، والتعليل، ودقة القياس.
مرت أحداث في حياة الشاعر جعلته يقارن بين الأسباب كما يقارن بين النتائج؛ فيَصل إلى آراء مُحكمة مستخلصة من تجاربه وتجارب غيره. قال المرتضى: (قيل رؤي ابن عبد القدوس يصلي صلاة تامة الركوع والسجود، فقيل له ما هذا ومذهبك معروف؟ قال: سنة البلد، وعادة الجسد، وسلامة الولد!) وعمي في آخر عمره.
يتميز شعره بنبرة تشاؤمية، ولا غرابة في ان يكون كذلك بالنسبة لانسان عاش في حقبة مليئة بالقلاقل السياسية، والاضطرابات الطبقية والخلافات العقائدية، وهو في مجمله امثال ومواعظ وحكم وعبر وتجارب حياتية تدور حول الترهيب من الدنيا وأحوالها، والآخرة وأهوالها، والزهد في العيش، والتقتير في المعيشة، والحث على التقوى زالصبر والمجاهدة ومحاسبة النفس وردعها عن الملذات، ومن سماته قوة وجزالة الألفاظ، وجمال التعبير، وروعة التصوير، والالتجاء الى المحسنات البديعية والقياس والنقارنة للتدليل على تيمتي الخير والشر، والعذاب يوم الحساب الى غير ذلك من الصفات والتوصيفات.
وقد ذكره الثعالبي في كتابه " لباب الآداب " وقال عنه : كل شعره حكم وأمثال ..
ويقول ابن الأثير في تاريخه: "كانت تلك التهمة في زمنه وسيلة للايقاع والانتقام" وقد اعدم العديد من الشعراء والمفكرين بتهم ظنية تقوم على الوشايات الكيدية الكاذبة .
" يروي ابن القارح في رسالته الى ابي العلاء المعري: "أحَضرَ - اي المهدي- صالح بن عبد القدوس واحضرَ النطْعَ (شبيه بكرسي الاعدام) والسيافَ، فقال صالح: عَلامَ تقتلني ؟!
فاخذ غفلته السيافُ فاذا راسه يتدَهدأُ على النطعِ ".
وفي هامش "رسالة الغفران" التي حققتها د. عائشة عبد الرحمن يذكر ان "المهدي" نفسه ضربه بالسيف فشطره شطرين، وُصلب بضعة ايام ثم دفن عام 778 .
يظل سؤال بن عبد القدوس: علامَ تقتلني ؟! عالقاً في الاذهان وشاخصاً في صفحات التاريخ المشوهة والمخفية ليومنا هذا ليشكل ادانة قوية وفاضحة لكل عصور الاستبداد التي نهشت العقل والقلب والجسد ."
يقول عباس محمود العقاد: ّأن هذا الحكيم قد حوسب بقوله وقتل؛ لأنه درج منذ صباه على رأي في الدين لم يعدل عنه بعد بلوغ الشيخوخة كما قال مُتَّهِمُوهُ، فألزموه الحجة من كلامه؛ حيث قال في قصيدة أخرى من قصائد الحكمة:
لا يبلغ الأعداء من جاهل
ما يبلغ الجاهل من نفسه
والشيخ لا يترك أخلاقه
حتى يُوارَى في ثَرى رَمْسه
إذا ارْعَوَى عاد إلى جهله
كذي الضنى عاد إلى نكسه
وكان متهمًا بالزندقة، فنقل الوُشاة أحاديثَ زندقته إلى الخليفة المهدي، فقال له بعد أن مَثَلَ بين يديه: ألست أنت القائل:
والشيخ لا يترك أخلاقه
حتى يُوارَى في ثرى رَمْسه؟
فقال: بلى يا أمير المؤمنين! … فعاد الخليفة يقول: وهكذا أنت، لا تترك أخلاقك حتى تموت! وأمَر به فصُلِبَ ومات …
ومن أخبار الزندقة، التي قيل إنها نقلت عنه، أنه شُوهد يصلي صلاةً حسنةَ الركوع والسجود، فَسُئِلَ: ما هذا ومذهبك معروف؟! فلم ينكر ذلك المذهب، ولكنه قال: سُنَّةُ البلد، وعادة الجسد، وسلامة الأهل والولد …!
وهو القائل:
أنست بوحدتي ولزمت بيتي
فتم الصفو لي ونما السرور
وأدَّبني الزمان فليت أني
هُجِرْتُ، فلا أُزار ولا أزور
ولست بسائل ما عشتُ يومًا
أقام الجند أم نزل الأمير؟
بل هو القائل كل كلام يحتاج إليه الفتى المنصوح من الشيخ الحكيم؛ ليعرف طريق الخلاص من المصير الذي صار إليه، بمنطق لسانه، بعد أن عرف كل ما عرف، وقال كل ما قال!
ولكنَّه القدر، كما قيل، يعمي البصر، وقد عمي ابن عبد القدوس وفقد بصره قبل أن يفقد حياته (سنة 167للهجرة) … ولعله — غفر الله له — قد عاش ومات مفترًى عليه؛ إذ ليس الافتراء على أمثاله بالعجيب ولا بالقليل!"
انتهى كلام العقاد.
قصائده
القصيدة الزينبية
تُنسب القصيدة الزينبية للإمام علي بن أبي طالب في عدة مصادر، بينما يرجح الكثير من رواة الشعر ومؤرخي الأدب نسبتها إلى الشاعر العباسي صالح بن عبد القدوس، وإن وردت في ديونيهما معا مع تفاوت طفيف، أولا لورود اسم علي في ختام قصيدة غلي، وثانيا لورود أسماء لم تكن في عصره، كشخصية أشعب، الذي عاش بعده بقرن ونيف، والأكيد انها مجمعة من عدة مصادر أدبية، ولا نكاد نجزم أنها لشاعر واحد.[2]
وتقع القصيدة الزينبية في خمسة وستين بيتا، وسميت بالزينبية نسبة لمطلعها حيث يرد اسم زينب، ولا نعرف من هي زينب، وأن استخدم اللازمة شعراء آخرون.