توماس كارلايل
توماس كارلايل Thomas Carlyle (و.4 ديسمبر 1795 – 7 فبراير 1881) كان كاتب مقالات وساخر ومؤرخ اسكتلندي, وكانت أعماله بالغة التأثير أثناء العصر الڤيكتوري. ولانحداره من عائلة كالڤينية متشددة, فقد رغب والداه أن يصبح قساً, إلا أنه أثناء دراسته في جامعة إدنبره قد فقد إيمانه المسيحي. وبالرغم من ذلك فقد ظلت القيم الكالڤينية معه طوال حياته. هذا المزيج من اليقين على النمط الديني مع فقدان الإيمان بالمسيحية التقليدية زاد من جاذبية أعمال كارلايل للكثير من الڤيكتوريين الذين كان يصارعون للتوافق مع التغيرات العلمية والسياسية التي هددت النظام الاجتماعي التقليدي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
نشأته والمؤثرات
ولد توماس كارلايل في 4 ديسمبر 1795 ، من أب فقير، ولكن فقر هذا الاب لم يمنعه من ارسال ابنه الى إحدى المدارس المعروفة عند الإنجليز بمدارس النحو ، وقد ظهر تفوق هذا التلميذ النجيب منذ البداية، حتى اذا أكمل الخامسة عشرة ، دخل الطالب الفقير جامعة إدنبرة وتخرج منها ليعمل مدرسا للرياضيات ، وفي هذه الفترة تعرف على " إدوارد إرڤنگ "، الذي أصبح صديقه الحميم لسنوات طويلة فيما بعد .
وفي عام 1819 م ، عاد كارلايل الى جامعة ادنبرة لدراسة القانون ، ثم شرع بدراسة الفكر الألماني ، ليكون ذلك بداية لحياته الأدبية الحافلة ، التي استهلها بكتابة سلسلة من المقالات عن الشاعر الألماني " شلر " في " مجلة لندن " عام 1823 م.
وفي السنة التالية انصرف كارلايل الى كتابة سيـَر نلسون ، ولافونتين ، ومونتسكيو ، كما ترجم كتاب " فليهلم مايستر، لصديقه ومعاصره المفكر الالماني الكبير " جوته "، كما تعرف في هذه الفترة على الناقد الكبير " وليم هازلت " والشاعر " كولريدج " ، وفي عام [1826] تزوج من " جين ويلش ".
سارتور رسارتوس Sartor Resartus
وخلال السنوات الستة التالية تعمق كارليل في الفلسفة الأخلاقية ، وعرض أفكاره في كتاب (( سارتور ريسارتس )) ، الذي يعتبر قريبا الى ان يكون سيرة ذاتية له ، ثم عاد الى كتابة السير الذاتية لعدد من كبار الادباء ، ابتداء بسيرة الشاعر " برنز "، ومرورا بسيرة " جونسون " وانتهاء بسيـَر " ڤولتير" و " ديدرو" و" نوفاليس " .
وفي سنة 1834 انتقل مع زوجته ليسكن في حي تشيلسي ـ حي الفنانين في لندن ـ حيث أمضى هناك كل سنوات عمره المديد الذي جاوز الثمانين بستة أعوام، وفي هذا المسكن، الّف كارلايل اكثر اعماله شهرة وانتشارا : (( الابطال وعبادة البطولة )) - الذي مجّد فيه الرسول محمد ( صلى الله عليه وسلم ) نبيا وبطلا ، اضافة الى كتابه المشهور " تاريخ الثورة الفرنسية "، الذي جعل كارليل ـ عندما نشر سنة 1837 ـ علما من اعلام التاريخ.
مؤلفاته
لقد تفرغ كارليل لتاليف كتابه عن الثورة الفرنسية طويلا ، ثم شرع ـ بعد ان انتهى من هذا السفر الكبير ـ بألقاء محاضرات عامة بين عامي 1837 – 1841 ، كان اهمها تلك التي جمعها كارليل فيما بعد بكتاب عرف باسم عرف فيما بعد (( البطولة وعبادة الابطال )) ـ الذي نشر عام 1841
ـ والمجموعة التي اطلق عليها اسم (( الادب الالماني )) ، وفي عام 1843 ظهر كتابه (( الماضي والحاضر )) ، الذي عالج فيه مشكلات ومواضيع سياسية ـ اضافة الى كتاباته السابقة حول موضوع الحقوق العامة وكيفية حصول الشعب على هذه الحقوق ، وفي هذه الكتابات دعا كارليل الى ضرورة ايجاد طبقة حاكمة قوية وحكيمة ، وبعد سبع سنوات عاد كارليل الى هذه المواضيع السياسية في كتابه ((الكراريس العصرية )) .
ومن انتاجاته الادبية الناجحة الاخرى : (( رسائل اوليڤر كرومويل وخطبه )) ، الذي ظهر عام 1845 ، مغيرا النظرة العامة السلبية السابقة الى شخصية كرومويل واخلاقه ، ثم كتابه عن (( حياة جون ستيرلنج )) سنة 1851 ، لينصرف بعدها الى تأليف كتابه الضخم (( فردريك العظيم )) ، الذي استغرق في تاليفه اثنى عشر عاما ، وطبعت مجلداته بين عامي 1858 ـ 1865 ، وفي هذه السنة منح لقب (( رئيس جامعة ادنبرة )) .
يعد كتاب «سارتر ريسارتس» أو «إعادة تفصيل للخياط» Sartor Resartus ء( 1833 ـ 1834) ـ وهو مزيج من الفلسفة الألمانية والسيرة الذاتية ـ أول مؤلفات كارلايل الناضجة وأبرزها. وتتمحور فكرة الكتاب الأساسية حول كون مظاهر العالم الخارجي المادية «ملابس» يلتف بها العالم الروحي، إلا أن هذه الملابس قد بليت وحان وقت تجديدها لتلائم العصر. يعالج الكاتب هذه الفكرة من خلال قصة خيالية حول مخطوطة لكاتب ألماني يدعى تويفلزدروخ Teufelsdrökh (فضلات الشيطان)، وهو أستاذ في جامعة فايسنيشتفو Weissnichtwo (لايدري أين). تقع هذه المخطوطة وعنوانها «تاريخ الملابس وتأثيرها» Clothes, Their History and Influence بين يدي ناشر إنگليزي فيحاول تعرف شخصية المؤلف وفكره، ويزيد الطين بلة حين يضع ملاحظاته الشخصية عليها. ويشكل الجزء الثاني من الكتاب سيرة ذاتية مبطنة لكارلايل؛ إذ يروي تويفلزدروخ قصة حبه للصبية بلوماين (بلومينِه) Blumine، التي تمثل في الواقع ماري گوردون Mary Gordon، ورفضها له والكآبة التي تصيبه ورحلته الطويلة عبر هذا العالم ليصل في النهاية إلى القبول والاستسلام لقدره.
أعماله اللاحقة
كتب كارلايل في «موسوعة إدنبره» The Edinburgh Encyclopaedia ء(1819 ـ 1823) مقالات لم تعبر كثيراً عن موهبته التي لم تتبلور إلا بعد دراسته الأدب والفلسفة الألمانية. وقد أسهمت هذه الدراسة في تشكل نظرته الفلسفية الخاصة التي بدأت في الظهور في كتابه «حياة شيلَّر» Life of Schillerء(1825)، وكذلك في مقالاته حول گوته وفيشته Fichte وريشتر Richter، وأيضاً من خلال دراسته الرومنسية الألمانية الحديثة آنذاك التي أكدت الخيال والعاطفة وسمو العقل، وأخذ عن هؤلاء النظرة إلى العالم المادي الخارجي على أنه امتداد لعالم ذاتي داخلي. وضع مقولة كانت حول «الأمر المطلق» categorical imperative في إطار كالڤيني Calvinist يقدس الواجب والعمل، وأيضاً مبدأ «المختارون» The Elect في صيغة علمانية من دون أي تخفيف لحدتها. وتلك هي إحدى مفارقات فكر كارلايل؛ إذ يحاول الحفاظ على المنظومة الدينية ويخرج في الوقت ذاته على تعاليمها، مستبدلاً بـ«الكتاب المقدس» التاريخ الذي عده كشفاً إلهياً.
تكريمه
بعد وصوله الى هذا النجاح العريض والشهرة الواسعة ، وبعد وفاة زوجته عام 1866 ـ وقد تجاوز السبعين من عمره ـ اخلد كارليل الى الراحة والسكينة ، وفي عام 1874 ، منحته الملكة فكتوريا ـ عن طريق رئيس وزرائها دزرائيلي ـ لقب لورد مدة حياته ، لانه كان ـ كدزرائيلي ـ بلا عقب غير ان كارلايل اعتذر بادب عن قبول هذا اللقب ، موضحا لرئيس الوزراء ان هذا اللقب لن يرفع من قدره شيئا ، وان المرتب الضخم الذي سيناله امر لا يعنيه كذلك ، لانه ـ وقد تجاوز الثمانين ـ لم يعد يحتاج شيئا ذا بال ... ولكن كارليل قبل وسام الاستحقاق الذي كان قد انشأه فردريك الكبير ملك بروسيا ، لماذا رفض توماس كارليل تقدير الملكة فكتوريا له ، بينما تقبل مثل هذا التقدير من الملك الالماني فردريك ـ الذي الف عنه كتاب ضخما .
كان كارليل في بدء حياته يريد الانخراط في سلك القسس والرهبان ، ورغم انه عدل عن ذلك فيما بعد ، الا انه بقي طوال حياته اشبه بواعظ ديني ، وقد آمن بأن العمل اعظم علاج للعلل والشقاء الذي يصيب بني الانسان دوما ، كما انه امن بتقديس الابطال وبان تاريخ العالم ما هو إلا سير عظمائه .
لقد كان كارلايل مؤرخا ذا حيوية هائلة ، وكان اسلوبه أدبياً جزلا ، وكانت تعابيره تصويرية نابضة بالحياة ، ومن اكثر كتبه اثارة للاعجاب هو كتابه المشهور، الأبطال وعبادة البطولة. وقد تاثر كارليل في أفكاره بالمثالية الألمانية وبالفيلسوف الألماني فيشته على وجه الخصوص. وهناك الكثير من التشابه بين أفكار كارلايل وأفكار الفيلسوف الالماني نيتشه في "عبادة القوة"، إلا أن نيتشه، اللاحق لكارلايل، كان دائم الاتهام لكارلايل بتشوش أفكاره لتركيزه على الأخلاق. احتقار كارلايل للديمقراطية وإيمانه بالزعامة الكاريزمية كانت مغرية لأدولف هتلر، الذي كان يقرأ سيرة فريدريك الأكبر لكارلايل في أيامه الأخيرة عام 1945.
كتاب الابطال
وكتاب (( الابطال )) دراسة ادبية وتاريخية رائعة للبطولة ، اختار كارليل لعرضها وتحليلها ارقى النماذج الانسانية الرائعة .. البطل معبودا في شخص ( اودين ) المعبود الاسكندينافي الاسطوري ـ الذي خلد اسمه على رأي كارلايل في يوم من ايام الاسبوع بالانكليزية وهو يوم الاربعاء
والبطل نبيا في شخص نبينا الكريم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .. والبطل شاعرا في شخص دانتي وشكسبير .. والبطل راهبا في شخص مارتن لوثر ـ زعيم الاصلاح الديني ـ ونوكس ـ زعيم المطهرين ـ .. والبطل كاتبا واديبا في شخص جونسون وروسو وبرنز .. والبطل ملكا وحاكما في شخص كرومويل و نابليون ـ الذي كان معاصر لكارليل ـ …
ويبدو من هذا العرض السريع لكتاب " الابطال " ان كارلايل لم يستطع ان يختار بطلا واحدا في مجال واحد ، فقسم البطولة في ذلك المجال بين شخصين او اكثر ، باستثناء البطل الها اسطوريا : ( اودين ) ، والبطل نبيا : محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
واذا ما علمنا ان الاله الأسطوري شخصية موهومة ، لادركنا ان الشخص الوحيد الذي انفرد بالبطولة في مجال واحد ، هو رسولنا العظيم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، وحتى في بقية فصول الكتاب التي يتحدث فيها عن ابطال اخرين .. تراه لايذكر خصلة من خصال العظمة لدى هذا البطل او ذاك ، الا وتراه يذكر نبينا العظيم ( صلى الله عليه وسلم ) .. وفي هذا ما يدل ان محمد ( صلى الله عليه وسلم ) كان " بطل أبطال " كارليل ، وهو محق في هذا كل الحق ، ومنصف كل الانصاف
أراؤه في كتاب الابطال
وينعى صاحب كتاب الأبطال توماس كارليل على قومه عداوتهم لمحمد وجهلهم بحاله فيقول: (لقد أصبح من العار على أي فرد من أبناء العصر أن يصغي إلى ما يقال: من أن الدين الإسلامي باطل، وأن محمداً خداع ومزور، وآن لنا أن نحارب ما يشاع من تلك الأقوال السخيفة المخجلة. فإن الرسالة التي أداها ذلك الرسول الكريم مازالت السراج المنير مدة ثلاثة عشر قرناً).
المصادر
مناصب أكاديمية | ||
---|---|---|
سبقه وليام گلادستون |
رئيس جامعة إدنبره | تبعه اللورد مونتكريف |