ماغنا غريشيا
جزء من سلسلة عن |
تاريخ إيطاليا |
---|
التاريخ القديم |
إيطاليا ما قبل التاريخ |
الحضارة الإتروسكية (12م–6م. ق.م) |
ماگنا گريشيا (ق. 8–7 ق.م.) |
روما القديمة (ق. 8 ق.م.–5 م) |
سيطرة القوط الشرقيين (القرون 5-6 ) |
العصور الوسطى |
إيطاليا في العصور الوسطى |
اعادة فتح البيزنطيين لإيطاليا (قرون 6 -8) |
سيطرة اللومبارد (6 –8 ح.) |
الامبراطوريتان الكارولنجية والرومانية المقدسة |
الإسلام والنورمان في جنوب إيطاليا |
الجمهوريات البحرية والمدن-الدول الإيطالية |
العصر الحديث المبكر |
النهضة الإيطالية (ق. 14 –16) |
الحروب الإيطالية (1494–1559) |
السيطرة الأجنبية (1559–1814) |
توحيد إيطاليا (1815–1861) |
التاريخ الحديث |
الملكية (1861–1945) |
إيطاليا في ح.ع.1 (1914–1918) |
الفاشية والامبراطورية الاستعمارية (1918–1945) |
إيطاليا في ح.ع.2 (1940–1945) |
الجمهورية (1945–الآن) |
سنوات الرصاص (عقدا 1970–1980) |
موضوعات |
الدول التاريخية |
التاريخ العسكري |
التاريخ الاقتصادي |
التاريخ الجيني |
تاريخ المواطنة |
تاريخ الموضة |
التاريخ البريدي |
تاريخ السكك الحديدية |
تاريخ العملة |
بوابة إيطاليا |
ماگنا گريشيا Magna Graecia (لاتينية تعني "اليونان الكبرى"، باليونانية: Μεγάλη Ἑλλάς، مـِگالى هلاّس) هو اسم المناطق الساحلية في إيطاليا الجنوبية على الخليج الترانتي التي كانت مستعمرة بكثافة من المستوطنين اليونانيين؛ وخصوصاً المستعمرات الآخية في تارنتوم, كروتون، وسيباريس، ولكن أيضاً بشكل فضفاض، مدن كوماي ونياپوليس إلى الشمال.[1] المستعمرون، الذين بدأوا الوصول في القرن 8 ق.م.، جلبوا معهم حضارتهم الهلينية، التي تركت أثراً مستمراً في إيطاليا، وخصوصاً على ثقافة روما القديمة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
التاريخ
القِدم
نهضة سراقوصة
كانت سراقوصة طوال القرن الرابع من أكبر المدن اليونانية ثروة وأعظمها قوة، رغم ما كان ينتابها من الاضطرابات السياسية الكثيرة. وكان ملكها ديونيشيوس الأول مجرداً من الضمير، خائناً غداراً، مختالاً مغروراً، ولكنه كان أقدر رجال زمانه في الشئون الإدارية. حوَّلَ هذا الرجل جزيرة أرتيجيا Ortygia إلى قلعة حصينة اتخذها مسكناً له، وسور الطريق الذي يوصلها بأرض القارة، فأصبح مركزه فيها أمنع من عقاب الجو؛ ثم ضاعف أجور الجنود، وقادهم بنفسه إلى انتصارات هينة، فحبب نفسه إليهم وكسب ولاءهم، فاستطاع البقاء على العرش ثمانية وثلاثين عاماً. ولما أن ثبت قواعد حكمه استبدل بسياسة القسوة التي نهجها في بداية أمره سياسة رحيمة استرضى بها الأهلين، وبسط على البلاد حكماً استبدادياً طابعه العدالة والمساواة. وأقطع ضباطه وأصدقاءه أجزاء من أحسن الأراضي وأعظمها خصباً، وخص جنوده بجميع المساكن في أرتيجيا والطريق الموصل إليها إلا القليل النادر منها؛ ووزع كل ما بقي من أرض سراقوصة وما حولها على سكان المدينة الأحرار منهم الأرقاء من غير تمييز بينهم. وبهديه وإرشاده ازدهرت سراقوصة، وإن كان قد فرض عليها من الضرائب ما لا يكاد يقل عما فرضته الجمعية على الأثينيين. ولما أن أسرفت نساء المدينة في زينتهن أعلن أن دمتر قد جاءته في الحلم وأمرته أن يجمع حلي النساء كلها ويودعها في معبدها. وصدع الملك بأمر الإلهة، وصدعت به كذلك معظم النساء؛ ثم ما لبث أن "اقترض" الحلي من دمتر ليمول بها حروبه(43).
ذلك أن خططه كلها كانت تهدف إلى إخراج القرطاجيين من صقلية. وقد آلمه وحز في نفسه أن يستطيع هنيبال استخدام آلات التدمير القوية في حصار سيلينس، فجمع في خدمته خيرة الصناع والمهندسين من بلاد اليونان القريبة؛ وطلب إليهم أن يعملوا على تحسين عدد الحرب. وكان من بين ما اخترعه هؤلاء الرجال من آلات الهجوم والدفاع الجديدة المنجنيق الذي يقذف الحجارة الثقيلة وغيرها من القذائف، وانتقل هذا الاختراع من المخترعات العسكرية من صقلية إلى بلاد اليونان واستخدمه فليب المقدوني. وأرسل يدعو لخدمته جنوداً مرتزقة، وأخذت دور الصنعة في سراقوصة تخرج مقادير لا عهد للناس بها من الأسلحة والدروع تتفق مع عادات كل طائفة من طوائف الجند المختلفة ومع حذقها في القتال. وكان المشاة قبل هذا الوقت هم الذين يقاتلون في المعارك البرية لكن ديونيشيوس نظم فيالق كبيرة من الفرسان، وأفاد من هذا أيضاً فليب والإسكندر. وأخذ في الوقت نفسه يصب المال صباً لبناء مائتي سفينة معظمها من ذات الأربعة الصفوف أو الخمسة، فأنشأ بذلك أسطولاً ضخماً لم ترَ له بلاد اليونان قبل ذلك مثيلاً في سرعته أو قوته.
ولم يحل عام 397 حتى كان كل شيء على أهبة الاستعداد، وأرسل ديونيشيوس بعثة إلى قرطاجة يطلب إليها أن تحرر جميع المدن اليونانية في صقلية من سيطرة القرطاجيين، وتوقع ألا يُجاب إلى طلبه فدعا هذه المدن إلى خلع نير الحكم الأجنبي، فاستجابت إلى دعوته، وكانت لا تزال حاقدة على القرطاجيين ولم تنسَ ما ارتكبه فيها هنيبال من المذابح، فأعدمت جميع من وقع في أيديها منهم بعد أن أذاقتهم من ألوان العذاب ما لم يعذبه اليونان أحداً غيرهم من قبل، ولم يدخر ديونيشيوس جهداً في الحيلولة بينهم وبين هذا التعذيب لأنه كان يريد أن يبيع أسرى القرطاجيين في أسواق الرقيق. ونقلت قرطاجة جيشاً كبيراً بقيادة هملكون Himilcon بطريق البحر، ودارت الحرب بين الأمتين في فترات متقطعة خلال أعوام 397، 392، 383، 368. وانتهت هذه الحرب بأن استردت قرطاجة كل ما استولى عليه ديونيشيوس من أملاكها، وعادت الأمور بعد الدم المهراق كله إلى ما كانت عليه من قبل.
وكان ديونيشيوس في هذه الأثناء قد وجه قوته الحربية لإخضاع المدن اليونانية في الجزيرة، وربما كان مدفوعاً إلى هذا بحب السلطان أو بما كان يحس به من أنه لا سبيل من القضاء على سلطان قرطاجة في صقلية إلا إذا اتحدت كلها تحت حكومة واحدة. فلما تم له إخضاعها، عبر الجزيرة إلى إيطاليا، وأخضع رجيوم Rheginm وفرض سلطانه على جميع إيطاليا الجنوبية. ثم هاجم إتروريا واستولى على ألف وزنة من هيكلها القائم في أجلا Agylla، ووضع الخطط لنهب ضريح أبلو في دلفي، ولكن الأيام وقفت في سبيله فلم تمكنه من تنفيذ خططه. فقد وأدت بلاد اليونان في نفس ذلك العام (387) حريتها في الغرب، ثم باعتها "بصلح الملك" إلى الفرس في الشرق. وكان برنس Brennus والغليون قد وقفوا ظافرين أمام أبواب رومة يدقونها دقاً، وكان البرابرة المحيطون بالعالم اليوناني يزدادون قوة في كل مكان، وكان ما حل بإيطاليا الجنوبية من التدمير على يد ديونيشيوس قد مهد السبيل للأهلين القاطنين حول المستعمرات أولاً ثم للرومان أنصاف البرابرة بعدئذ لغزو هذه المستعمرات والاستيلاء عليها. وقام الخطيب ليسياس في الدورة التالية من دورات الألعاب الأولمبية يدعو بلاد اليونان إلى الخروج على الطاغية الجديد، فهاجم الجماهير الثائرة خيام رسل ديونيشيوس وأصمت آذانها عن الاستماع إلى أشعاره.
وهذا الطاغية الذي عرض على أهل رجيوم بعد أن تم له الاستيلاء عليها حريتهم إذا آتوه بكل ما يدخرونه من مال فدية لهم، فلما جاءوه به باعهم بيع الرقيق، هذا الطاغية نفسه كان رجلاً واسع الثقافة من أرباب السيف والقلم ولم يكُ فخره بقلمه أقل من فخره بسيفه. ولما أن طلب إلى الشاعر فلكينس رأيه في شعره وأجاب بأنه غث لا قيمة له حكم علية بالأشغال الشاقة في المحاجر(44). على أن ديونيشيوس، كان يناصر الآداب والفنون على الرغم من هذه الأعمال المثبطة، وقد استضاف أفلاطون أثناء أسفاره في صقلية وسره أن يستمتع لحظة بهذا الفيلسوف (387). وهناك قصة ذائعة نقلها ديوجانس ليرتيوس تقول إن الفيلسوف أخذ يطعن في حكم الطغاة فرد عليه ديونيشيوس بقوله: "إن أقوالكَ أقوال عجوز محترف"، فأجابه أفلاطون قائلاً: "إن هذه اللغة هي لغة الطغاة". ويقال إن ديونيشيوس باع أفلاطون في سوق الرقيق ولكن أنسريز القيروني لم يلبث أن افتداه(45). ولم يقضِ على حياة الفيلسوف واحد من القتلة السفاحين الذين كان يخشى بأسهم بل قضى عليه شعره نفسه. وتفصيل ذلك أن مأساته افتداء هكنز نالت الجائزة الأولى في عيد لينيا الأثيني عام 367. وسُر ديونيشيوس من هذا الفوز سروراً جعله يحتفل بأصدقائه ويُفرط في الشراب، فيصاب بالحمى ويموت.
وقبلت المدينة المغتاظة التي كانت قد ارتضته بديلاً من الخضوع لقرطاجة قبلت أن يخلفه ابنه على العرش راجية الخير على يديه. وكان ديونيشيوس الثاني وقتئذ شاباً في الخامسة والعشرين من عمره، ضعيف الجسم والعقل، فظن السراقوصيون الماكرون أنه لهذا السبب سيحكمهم حكماً رحيماً يترك لهم فيه الحبل على الغارب. وكان له من عمه ديون Dion والمؤرخ فلستيوس مستشاران قديران. فأما ديون فكان رجلاً واسع الثراء ولكنه جمع إلى ثرائه حبه للآداب والفلسفة، وكان من أوفى تلاميذ أفلاطون وألصقهم به. وأصبح عضواً في المجمع العلمي وعاش في داخل بيته وخارجه عيشة البساطة الفلسفية. وخطر بباله أن الطاغية الجديد الشاب اللدن العود سوف يتيح له الفرصة لأن يقيم على الأقل حكماً دستورياً يُستطاع به توحيد صقلية بأجمعها وتمكينها بسبب هذه الوحدة من القضاء على سلطان القرطاجيين فيها، هذا إذا لم يتمكن من أن يجعل منها "المدينة الفاضلة" التي وصفها له أفلاطون.
ودعا ديونيشيوس الثاني بناءً على اقتراح ديون، أفلاطون إلى بلاطه، فلما قبل أفلاطون الدعوة تتلمذ عليه ديونيشيوس وصار من أتباعه. ومما لاشك فيه أن الشاب الطاغية أراد أن يظهر للفيلسوف خير طباعه، فأخفى عليه إدمانه الخمر والعهر(47)، الذي جعل أباه يتنبأ أن الأسرة ستنقرض بموت ولده. وانخدع أفلاطون برغبة الشاب الظاهرة في الفلسفة فقاده إليها من أصعب السبل - من سبيل العلوم الرياضية والفضيلة. وعلَّم الحاكم، كما علَّم كنفوشيوس دوق لو، أن المبدأ الأول من مبادئ الحكم هو القدوة الصالحة، وأنه إذا أراد أن يُصلح شعبه، فعليه أن يجعل نفسه أنموذجاً لهم في الذكاء والنية الحسنة، وشرعت الحاشية كلها تدرس الهندسة، وتقف مذهولة سياسياً أمام خطوط مرسومة في الرمل. ورأى فلستيوس أن مقام أفلاطون أصبح أعلى من مقامه، فهمس في أذن الطاغية أن ذلك كله لم يكن إلا مؤامرة أراد بها الأثينيون، الذين عجزوا عن فتح سراقوصة بقوة الجيش والأسطول، أن يستولوا عليها بعمل رجل واحد، وأن أفلاطون بعد أن استولى على القلعة المنيعة بالرسوم والحوار، سَيُنزل ديونيشيوس عن عرشه، ويجلس ديون مكانه. ووجد ديونيشيوس في هذا الهمس فرصة قيمة للنجاة من متاعب الهندسة، فنفى ديون، وصادر أملاكه، ووهب زوجته لرجل من رجال البلاط كانت ترهبه. وغادر أفلاطون سراقوصة، رغم تأكيد الطاغية له بأنه يحبه أشد الحب، وانظم إلى ديون في أثينة. وبعد ست سنين من ذلك الوقت عاد إلى سراقوصة استجابة لطلب الملك نفسه، وألح عليه في أن يستدعي ديون، ولما رفض ديونيشيوس رجاءه اعتزله أفلاطون وآوى إلى المجمع العلمي(48).
وفي عام 357 جند ديون من بلاد اليونان القارّية، وكان وقتئذ فقيراً في المال غنياً في الأصدقاء، قوة مؤلفة من ثمانمائة رجل أبحر بهم إلى سراقوصة، ودخل فيها سراً فألفى الأهلين شديدي الرغبة في تأييده. وكانت معركة واحدة نال فيها النصر ببسالته، مع أنه كان وقتئذ في سن الخمسين، كافية لهزيمة جيش ديونيشيوس، ودب الرعب من هولها في قلب الملك الشاب فآثر الفرار إلى إيطاليا. وفي هذا الوقت عزلت الجمعية السراقوصية ديون من القيادة، وكان هو الذي دعاها إلى الاجتماع، خشية أن ينصب نفسه حاكماً بأمره. وكانت في عملها هذا تجري على ما طبع عليه اليونان من الاندفاع وعدم التبصر في العواقب. وانسحب ديون في سلام إلى اليونتيني؛ ولكن جيوش ديونيشيوس شجعها تقلب الأحداث فهاجمت الجيش الوطني على حين غفلة، وبددت شمله. وأرسل الزعماء الذين كانوا قد عزلوا ديون من القيادة يطلبون إليه أن يعود مسرعاً ويتولى قيادة جيش الشعب، فاستجاب إلى دعوتهم، وانتصر على أعدائه مرة أخرى، وعفا عن الذين قاوموه، وأعلن قيام دكتاتورية مؤقتة قال إنها ضرورية لعودة النظام إلى البلاد، وأبى أن يكون له حرس خاص مخالفاً بذلك نصيحة أصدقائه، وقال إنه "يفضل أن يموت على أن يعيش على حذر دائم من أصدقائه وأعدائه على السواء"(49). واحتفظ بدلاً من هذا الحرس بحياته المتواضعة المعتدلة رغم ما كان يحيط به من الثراء وقوة السلطان.
ويقول پلوتارخ "إنه، وإن كان قد نال ما يشتهيه من النجاح، لم يكن يرغب في أن ينال فائدة عاجلة أتاحها له حظه الطيب... فاكتفى بقدر معتدل من الثراء راعى فيه جانب الاقتصاد، وأدهش بذلك الناس جميعاً. وبينما كانت صقلية وقرطاجة وبلاد اليونان بأجمعها ترى أنه قد بلغ أعلى مراتب النعيم والثراء، وأن ليس بين الأحياء جميعاً من هو أعظم منه، أو بين القواد من هو أوسع منه شهرة في البسالة والظفر، كان يبدو في حرسه، وحاشيته، وعلى مائدته، أنه يشترك مع أفلاطون في المجمع العلمي. ولا يعيش بين ضباطه المأجورين وجنوده المرتزقة الذين يجدون في ملء بطونهم بلذيذ المأكل والمشرب والاستمتاع بلذائذ الحياة عزاء لهم عن كدحهم المتواصل وما يتعرضون له من الأخطار"(50).
وإذا أخذنا بقول أفلاطون فإن ديون كان يبغي إقامة ملكية دستورية، وإلى إصلاح حياة السراقوصيين وأخلاقهم على مثال الحياة والأخلاق الإسبارطية، وأن يعيد بناء المدن اليونانية المستعيدة أو المخربة في صقلية، وينشئ منها دول موحدة، حتى إذا تم له ذلك أخرج القرطاجيين من الجزيرة. ولكن السراقوصيين كانوا يحرصون أشد الحرص على النظام الدمقراطي، ولم يكونوا يتوقون إلى الفضيلة أكثر مما يتوق إليها ديونيشيوس الأول أو الثاني. فاغتال ديون صديق له، وانطلقت على أثر اغتياله الفوضى من عقالها، وأسرع ديونيشيوس بالعودة إلى سراقوصة، واستولى مرة أخرى على أرتيجيا وعلى أزمة الحكم، وسار فيه بالقسوة والفظاعة التي ينتظرها الإنسان من طاغية خُلِعَ عن عرشه ثم استرده.
وبعد، فإن الأقدار تصيب أحياناً من لا يستحقها من الأفراد، ولكنها قلما تفعل ذلك بالأمم. ثم استغاث السراقوصيون بأمهم كورنثة. وجاءت هذه الاستغاثة في وقت كان فيه كورنثي نبيل نبلاً لا يكاد يصدقه العقل ينتظر أن تتاح له فرصة يُظهر فيها بطولته. لقد كان تيمليون رجلاً من الأشراف، بلغ من حبه للحرية أنه لم يتردد في قتل أخيه تموفانيز حين أراد هذا الرجل أن يقيم نفسه حاكماً مستبداً في كورنثة. واستنزلت أمه اللعنة عليه عقاباً له على عمله هذا، وأنبهَ عليه ضميره، فاعتزل هذا القاتل الناس وآوى إلى الغابات. ولكنه سمع وهو في مأواه بحاجة سراقوصة إلى النجدة، فخرج من ملجأه، ونظم قوة من المتطوعين، وأبحر بها إلى صقلية، وقاد شرذمته القليلة بمهارة لم يرَ جيش الملك معها بُداً من الاستسلام، بعد أن ذاق البلاء من جراء براعته في القيادة، ومن غير أن يقتل من رجاله رجل واحد. ومنح تيمليون الطاغية الذليل من المال ما يمكنه من العودة إلى كورنثة حيث قضى ما بقي من حياته يعلم في المدرسة ويسأل الناس القوت في بعض الأحيان(51).
وأعاد تيمليون الدمقراطية، وهدم الحصون التي جعلت أرتيجيا معقلاً حصيناً للاستبداد، ورد عنها غارة شنها القرطاجيون، وأعاد الحرية والدمقراطية إلى المدن اليونانية. وبفضله ساد السلام وعم الرخاء صقلية جيلاً من الزمان، هرع إليها في خلاله مستوطنون جدد من جميع أنحاء العالم اليوناني. وأبى مع ذلك أن يتولى منصباً عاماً، بل اعتزل الحياة السياسية وفضل عليها الحياة الخاصة؛ ولكن الدمقراطيات القائمة في الجزيرة كانت تعرض عليه كل شئونها الكبرى تستنصحه وتعمل برأيه إيماناً منها بحكمته واستقامته. ولما اتهمه الناس من "المرشدين" بسوء استخدام سلطته أصر على الرغم من احتجاج الشعب وإعلانه شكره له واعترافه بجميله، أن يحاكم من غير محاباة حسب قانون البلاد، وحمد الآلهة على أن عادت إلى صقلية حرية الكلام والمساواة أمام القانون. ولما مات في عام 337 حزنت عليه بلاد اليونان كلها وعدَّته من أعظم عظماء أبنائها.
مأثورات
انظر أيضاً
- Ancient Greek dialects
- Greeks in Italy
- Graia
- Graïke
- Graecus
- Griko people
- Griko language
- Hellenic civilization
- Names of the Greeks
Notes
- ^ The Oxford Companion to Classical Literature, Paul Harvey, 1927,1955, p258
المراجع
- Luca Cerchiai, Lorena Jannelli, Fausto Longo, Lorena Janelli, 2004. The Greek Cities of Magna Graecia and Sicily (Getty Trust) ISBN 0-89236-751-2
- T. J. Dunbabin, 1948. The Western Greeks
- A. G. Woodhead, 1962. The Greeks in the West
وصلات خارجية
- Map
- Italy rediscovers Greek heritage
- Gaze On The Sea Salentinian Peninsula, Greece and Greater Greece (in Italian, Greek and English)
- Oriamu pisulina, traditional Griko song performed by Ghetonia
- Kalinifta, traditional Griko song performed by amateur local group