الأزمة السورية 1957

المانشيت الرئيسي لصحيفة "ترجمان" التركية:
سوريا تثبت سوء نيتها، برفضها وساطة الملك سعود
الغضب يعم العالم العربي بسبب الرفض السوري.
سوريا ألعوبة في يد الاتحاد السوڤيتي.
                                               - أغسطس 1957[1]
خطر نشوب حرب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوڤيتي بسبب الأزمة السورية. مانشيت الصفحة الأولى في صحيفة "لوس أنجلس إكسترا"، 3 ديسمبر 1957.

الأزمة السورية 1957 كانت فترة من المواجهات الدبلوماسية الحادة أثناء الحرب الباردة التي استهدفت سوريا من قِبل تركيا التي حشدت قوات على الحدود وقام طيرانها بخرق الأجواء السورية بصفة مستمرة. وكانت الولايات المتحدة تدعم تركيا بسبب وجود اعتقاد بأن سوريا أصبحت في طريقها لأن تصبح دولة شيوعية بعد أن وقعت اتفاقية قرض من الاتحاد السوڤيتي، كما وقعت اتفاقية صداقة معه.

بدأت التوترات في 18 أغسطس، عندما أقدمت الحكومة السورية بقيادة شكري القوتلي بسلسلة من التغييرات المؤسسية الاستفزازية، مثل تعيين العقيد عفيف البزري قائداً أعلى للجيش السوري، الذي ادعت الحكومات الغربية تعاطفه مع السوڤيت. تزايد الشك في استيلاء الشيوعيين على دمشق، مما دفع العراق والأردن ولبنان إلى النظر في دعم التدخل العسكري العربي أو الغربي لإسقاط الحكومة السورية. كانت تركيا هي البلد الوحيد الذي قام بالتحرك ونشر آلاف القوات على إمتداد الحدود التركية السورية. هدد نيكيتا خروشوڤ بأنه سيطلق صواريخ على تركيا لو قامت بمهاجمة سوريا، بينما قالت الولايات المتحدة أنها ستهاجم الاتحاد السوڤيتي رداً على هذا الهجوم. انتهت الأزمة في أواخر أكتوبر، عندما وافقت تركيا على وقف عملياتها الحدودية في أعقاب الضغط الأمريكي، [2] وعندما قام خروشوڤ بزيارة غير متوقعة للسفارة التركية في موسكو.[3]

تعرف الأحداث على نطاق واسع بأنها فشلاً كبيراً لمبدأ أيزنهاور، والذي أكد على أن الولايات المتحدة قد تتدخل عسكرياً لصالح حليفها الشرق أوسطي لقتال "الشيوعية الدولية".[2]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أنابيبستان و"سويس" أخرى

خط أنابيب كركوك-بانياس، المفتتح في 1952.
النفط السعودي عبر التابلاين يمر في سوريا.
"سويس" أخرى في سوريا، أخبار_اليوم، 10 ديسمبر 1961، ويدلل على استمرار قضية تصدير النفط العراقي بعد أزمة 1957، والتي هي مستمرة حتى 2020.
حديث الدكتور ابراهيم ماخوس، نائب رئيس وزراء سوريا لأخبار اليوم، 10 ديسمبر 1966، عن خلافات 1956 بين الحكومة السورية وشركة نفط العراق.

تأميم قناة السويس، عام 1956، جعل شركات النفط الغربية تشعر بالقلق على المسار الرئيسي لتصدير النفط من الشرق الأوسط. فازداد اهتمامها بالمسار البديل لتصدير نفط الخليج، ألا وهو أنابيب البترول عبر سوريا. ثم جاء العدوان الثلاثي على مصر وأثار موجة احتجاجات في العالم العربي، حيث تم تفجير خط أنابيب كركوك-حيفا، وخط أنابيب كركوك-بانياس في مطلع نوفمبر 1956. وجرت محاولات لتفجير خط التابلاين من السعودية إلى صيدا، لبنان، عبر سوريا. مما أثار هلع شركات النفط الغربية، وعلى رأسها بريتش بتروليوم.

ثم جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير حين قامت الحكومة السورية بتأميم الجزء السوري من خط أنابيب البصرة-بانياس في عام 1956، لخلاف على تفسير اتفاقية 1955 لمناصفة الأرباح بين الحكومة السورية وشركة نفط العراق مالكة الأنبوب. الأمر الذي دفع وزير الخارجية السوري، الدكتور إبراهيم ماخوس، في ديسمبر 1966 في حديث لأخبار اليوم المصرية، إلى اتهام شركات النفط الغربية بمحاولة تدبير عدوان ثلاثي جديد، أو "سويس أخرى في سوريا" لإبقاء خطوط أنابيب النفط تحت السيطرة الغربية.



مشروع آيزنهاور

كانت سوريا قد وقفت موقف الرفض من مشروع أيزنهاور، وأصدرت في العاشر من يناير بياناً ترفض فيه نظرية الفراغ التي أتى بها المشروع (157)، لذلك واجهت ضغوطاً غربية لفرض المشروع عليها (158)، ولعل ما يؤيد ذلك أن اللقاء الذي عقد في 22 مارس 1957 بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على جزيرة برمودا كان من ضمن قراراته تنظيم ضغط اقتصادي على سوريا، ذلك أن الولايات المتحدة أرادت من وراء هذا الضغط إجبار سوريا على قبول مشروع أيزنهاور، الأمر الذي أدى إلى معاناة صادرات سوريا التقليدية كالقمح والقطن والغزل والنسيج وغيرها من جراء مكافحة قوية في الأسواق الخارجية ضدها من الدول الغربية (159).[4]

محاولة انقلاب

وفي ٢٦ شباط ١٩٥٧: أصدرت محكمة عرفية خاصة أحكاماً بالإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة على المتهمين بالتآمر لقلب نظام الحكم في سوريا بالتنسيق مع العراق ودول غربية. وحكمت المحكمة غيابياً بالإعدام على ١٢ شخصاً بينهم محمد صفا ومحمد معروف (عسكريان سابقان)، صلاح الشيشكلي (سياسي معارض)، ميخائيل إليان (وزير سابق ونائب)، حسن الأطرش (وزير سابق ونائب)، عدنان الأتاسي (وزير سابق ونائب)، هايل سرور (نائب)، فضل الله جربوع (نائب) وسامي كبارة (وزير سابق ونائب). وحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة على آخرين مثل أديب الشيشكلي (رئيس الجمهورية السابق) ومنير العجلاني (وزير سابق ونائب). وكانت الحكومة السورية قد كشفت في أواخر ١٩٥٦ عن "مؤامرة" لقلب نظام الحكم في سوريا تتضمن إثارة قلاقل داخلية في البلاد وتهريب أسلحة واحتلال مناطق من سوريا بواسطة الحزب السوري القومي الاجتماعي وتشكيل حكومة تطلب تدخل العراق وبريطانيا وفرنسا واغتيال الرئيس شكري القوتلي وسياسيين وضباط كبار.

الاتفاقية السوڤيتية

وعلى أثر هذه الضغوط تدهورت علاقات سوريا بالمعسكر الغربي، وتحسنت علاقاتها بالمعسكر الشرقي وخاصة الاتحاد السوڤيتي الذي أعلن عن استعداده لشراء المنتجات السورية (160)، لذلك أرسل وفد سوري إلى موسكو برئاسة خالد العظم وزير الدفاع وعضوية توفيق نظام الدين رئيس الأركان وفاخر الكيالي وزير المالية، حيث كان الغرض من الزيارة إجراء محادثات اقتصادية وعسكرية مع السوڤيت (161), وقد صدر بيان عن الزيارة في 7 أغسطس 1957 تحدث عن عقد اتفاقية بين الطرفين، والتي بمقتضاها تقدم المساعدة الاقتصادية والعسكرية لسوريا، وكذلك الدعم المادي، فضلاً عن تطوير التجارة بين الطرفين، كما أعلن عن إرسال بعثة اقتصادية سوڤيتية لسوريا، والحقيقة أن هذا الاتجاه نحو الاعتماد على الاتحاد السوڤيتي كان يلقى الدعم الكافي من الجيش السوري والأوساط السورية المختلفة، هذا على الرغم من مطالبة البعثيين بالتوقف عن الاتجاه نحو الاعتماد على السوڤيت (162)، وفى نفس الوقت أعلن رئيس الوزراء السوري فيصل العسلي أن سوريا ستقبل كل مساعدة لا تنتقص من استقلالها سواء من الاتحاد السوڤيتي أو أي دولة أخرى (163).

خالد العظم، على رأس وفد سوري، يفاوض نيكيتا خروشوڤ، على رأس فريق سوڤيتي، في موسكو، أغسطس 1957.

وقد نالت هذه الاتفاقية الرضا داخل الأوساط السورية، وفى نفس الوقت نالت الاهتمام من دول المعسكر الغربي، ذلك أن الأوساط الأمريكية استرعى انتباهها من زيارة خالد العظم القول بأن الاتحاد السوڤيتي ضمن الحماية لسوريا من العدوان، وقد زاد هذا القلق بما نشرته الصحف عن رسالة موسكو التي تقول إن الرئيس خروتشوف لوح للوفد السوري بأنه في استطاعة سوريا الاعتماد على الاتحاد السوڤيتي لضمان أمنها، وهو ما أكد عليه توفيق نظام الدين رئيس أركان الجيش السوري، وقد علقت صحيفة نيويورك تايمز على ذلك بالقول إن الاتحاد السوڤيتي يسعى من ورائه إلى توطيد قدمه بمنطقه البحر المتوسط، وأن الاتفاقية الأخيرة التي عقدها مع سوريا تعد أخطر ما في هذا الاتجـاه حيث نجح بذلك في اكتساب حلفاء مهمين له فيما وراء منطقة حلف بغداد (164). والسفير البريطانى في بيروت كان قد حذر خارجيته من تزايد النفوذ السوڤيتي بسوريا ومنطقة الشرق العربى بصفة عامة (165).

ومن جانب آخر، ساد تركيا قلق شديد عند إذاعة نبأ عقد هذه الاتفاقية بين الجانب السوري والسوڤيتي، وخاصة من جانب العسكريين الذين بادروا إلى تنبيه حكومتهم إلى خطورة الأمر واختلال الميزان في هذه المنطقة ذلك أن تركيا من وجهة نظرهم أصبحت محاطة أو شبه محاطة بدول أما ممالئة للشيوعية أو علاقاتها غير ودية مع تركيا، وطالبوا حكومتهم باتخاذ خطوات سريعة حتى لا يستفحل الأمر مستقبلاً، وقام عدنان مندريس رئيس الحكومة التركية بمباحثات مع ملك العراق وملك الأردن باستنبول، كما استدعى السفير الأمريكي بأنقرة ليبدى له انزعاج بلاده من أمر هذه الاتفاقية (166)، والحقيقة أن حالة القلق التركي هذه لم تكن وليدة الاتفاقية، إذ أن الحذر من الوضع السائد في سوريا كان قد دفع وزير الخارجية التركي في ديسمبر 1956م إلى اتهام سوريا بأنها ليست المسيطرة على مقاليد أمرها (167)، واستمر عقب توقيع الاتفاقية حيث اتهمت الدبلوماسية التركية سوريا في مايو 1957 بأنها مكنت للنفوذ السوڤيتي داخلها، وهو ما أدى إلى عدم الاستقرار بالمنطقة (168).

رداً على محاولة انقلاب، سوريا تجنح يساراً

كان الوضع في سوريا سريع التطاير في منتصف الخمسينيات. فقد استقال شوكت شقير من رئاسة أركان الجيش قبل شهور من العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر 1956.

وعقب ذلك تطورت الأحداث في سوريا، وأعلن بدمشق في 12 أغسطس 1957 عقب عودة خالد العظم من موسكو عن كشف مؤامرة لقلب نظام الحكم، وأن السفارة الأمريكية بدمشق لعبت دوراً في التمهيد لها، ولذلك تم إخطار ثلاثة من الدبلوماسيين الأمريكان بأنهم غير مرغوب فيهم (169)، وهم الملحق العسكري "روبرت مالوي" والسكرتير الثاني للسفارة الأمريكية " هوارد ستون" ونائب القنصل " فرانسيس جيتون "، وقد ردت الحكومة الأمريكية بطرد السفير السورى ٍٍٍوأحد موظفى سفارته (170)، وأعقب ذلك تقاعد اللواء توفيق نظام الدين رئيس الأركان وتعيين عفيف البزري مكانه وهو المعروف بتعاطفه مع السوڤيت، وكذلك أعفى محمد علي إسماعيل قائد الشرطة من منصبه وعين مكانه جمال الفيصل، فضلاً عن حدوث حركة تطهير بالجيش السورى (171)، وهو ما فسر بأنه استيلاء شيوعي على القيادة السورية العليا (172).

أمام هذه التطورات بات واضحاً للدول الغربية أن سوريا توشك على الوقوع في براثن الشيوعية نتيجة لتزايد النفوذ السوڤيتي فيها لذلك أكدت الحكومة الأمريكية أن سوريا أصبحت أو ستصبح قاعدة عسكرية بمنطقة الشرق الأوسط وأنها قد تهدد جيرانها وخاصة تركيا (173)، وبما ينطوى عليه ذلك من أخطار تهدد نقل البترول العراقي للغرب عبر خطوط نقله التى تمر بسوريا، وذلك في ظل السيطرة السوڤيتية عليها، فضلاً عن أن سقوط سوريا في إطار الشيوعية كان يعنى إحاطة تركيا بالخطر الشيوعي في كل حدودها الشمالية والجنوبية (174)، كل هذا دفع صحيفة نيويورك تايمز إلى التساؤل حول إذا ما كانت الولايات المتحدة وجيران سوريا الموالون للغرب سيحتملون وجود دولة تابعة للسوڤيت في قلب الشرق الأوسط من عدمه (175).

أمريكا تشعل محيط سوريا

المبعوث الخاص للشرق الأوسط للرئيس دوايت أيزنهاور، جيمس پ. ريتشاردز، حذر من التحرك السريع وكان يعتقد أن التوترات يمكن أن "تغيّر الطبائع لفترة ثم تتراجع في غضون أيام أو أسابيع قليلة"، في أعقاب محادثات أنگلو-أمريكية رداً على الأحداث. وزير الخارجية الأمريكي، جون فوستر دلس، وصف الوضع على أنه "غير مقبول كلياً" ودعا لمزيد من الجهود لمنع سوريا من أن تصبح "دولة سوڤيتية تابعة". إلا أنه كان يأمل بتجنب ردود الفعل العنيفة على التطورات، خاصة من قبل إسرائيل. في 21 أغسطس، بناءاً على نصيحة دلس، ألقى أيزنهاور في مؤتمر صحفي تصريحات غير واضحة حول الأحداث، بدون أن يزعم بأن الحكومة السورية كانت واقعة تحت السيطرة الشيوعية. بعد يومين، ردت سوريا بمؤتمر صحفي مماثل، أعلنت فيه أن دمشق ملتزمة "بالحياد الإيجابي"، مبدأ السياسة الخارجية الذي يشدد على الاستقلال عن "أبوية" القوى العظمى في الحرب الباردة.[5]

"الوقت يجري، إن لم يكن قد حان بالفعل، عندما تكف سوريا عن كونها دولة مستقلة لكن سيكون قد تم الاستيلاء عليها مثل تشيكوسلوڤاكيا عام 1948 وتصبح دولة عميلة سوڤيتية ليس لديها إلا الاستقلال الاسمي وليس الجوهري. نحن مقتنعون أيضاً بأنه إذا ما كانت هناك مجموعة مسيطرة في دمشق عززت وضعها الآن في سوريا فسوف تمضي في جهودها لتخريب البلدان المجاورة، ومن ثم ينتشر الڤيروس الشيوعي ويفسح الطريق لسيطرة عناصر تابعة لموسكو."
برقية من السفارة الأمريكية في السعودية إلى وزارة الخارجية الأمريكية.[6][7]

بحلول نهاية أغسطس، كانت كل من واشنطن ولندن على قناعة بأن سوريا لم تعد في معسكر عدم الانحياز، وأن هناك ما شيء ما يتوجب فعله لمنع تخريب بلدان الجوار. في رسالة لدلس بتاريخ 28 أغسطس، وصف رئيس الوزراء البريطاني هارولد مكميلان القائد السوڤيتي نيكيتا خروشوڤ على أنه "أكثر خطراً من ستالين نفسه"، وشدد على أهمية الحراك لمنع سقوط لبنان، الأردن وفي النهاية العراق تحت السيطرة السوڤيتية. في اليوم نفسه، السفير البريطاني لدى الأردن، تشارلز هپرن جونستون، قال بأن الحكومة الأردنية كانت على معرفة بأن الخلايا المناهضة للحكومة داخل سوريا كانت مسلحة، لكنها عدلت عن الفكرة وقررت انتظار المزيد من التطورات. في نهاية الشهر، أرسل أيزنهاور لوي و. هندرسون كمبعوث خاص للشرق الأوسط، للعمل على حل الأزمة بالتشاور مع الحكومات ذات العلاقة، فيما عدا الحكومة السورية.[6]

الرئيس الأمريكي دوايت آيزنهاور (يسار) ونائبه ريتشارد نيكسون (يمين) يستقبلان الملك سعود في 29 يناير 1957 في المطار ثم في البيت الأبيض، حيث تباحثا في إنشاء الحلف الإسلامي، والذي كانت أولى مهامه غزو سوريا.

في 2 سبتمبر، صرح وزير الخارجية دلس في مؤتمر صحفي عقد بواشنطن، بأن جميع البلدان المحيطة بسوريا كان رأيها بأن سوريا ستصبح دولة شيوعية إذا لم يحدث شيء في غضون الستين يوماً التالية. جاء هذا بعد أن سلم هندرسون لأيزنهاور تقريراً عن زيارته للشرق الأوسط.[8] وجاء هذا أيضاً في أعقاب سلسلة من التبادلات الدبلوماسية بين مسئولين من بلدان مختلفة، والتي تبين أثنائها أن إسرائيل لدية النية بالقيام بإجراء عسكري، الأمر الذي تم مناقشته في مطلع سبتمبر في اجتماع عقد بأنقرة بين رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس، وولي العهد العراقي عبد الإله بن علي الهاشمي والسفير الأمريكي في تركيا.

والحقيقة أن الولايات المتحدة لم يكن باستطاعتها الوقوف موقف المتفرج من تزايد النفوذ الشيوعى في سوريا (176)، حيث اتجه تفكير خبراء الشرق الأوسط الأمريكيين نحو فكرة وضع سوريا في حالة عزلة، فقد قالت النيويورك تايمز في عددها الصادر في 22 أغسطس 1957: " إنها لدبلوماسية مشروعة للولايات المتحدة أن تشجع جميع الدول المعادية للشيوعية بالشرق الأوسط كى تستخدم كل ما في وسعها للضغط على سوريا (177)، ونظرا إلى أن الولايات المتحدة لم يكن في استطاعتها الاستناد إلى مبدأ أيزنهاور مباشرة، وذلك على اعتبار أن ما يحدث داخل سوريا هو مسألة داخلية (178)، لذلك آثرت الاعتماد على حلفائها بالمنطقة للتصدى للتهديد السورى، فأوفدت في 24 أغسطس 1957 لوي هندرسون نائب وكيل وزارة الخارجية الأمريكية إلى المنطقة حيث اتجه إلى تركيا وهناك تباحث مع رئيس الوزراء عدنان مندريس وكذلك مع ملكى العراق والأردن اللذين كانا موجودين بتركيا ساعتها (179)، ثم طار بعد ذلك إلى بيروت حيث التقى مع الرئيس اللبنانى كميل شمعون ووزير خارجيته شارل مالك وتباحث معهما في أمر سوريا (180).

وقد خرج هندرسون من خلال مباحثاته مع الدول الأربع باتفاق مؤداه مبادرة العراق بالهجوم على سوريا، بينما تقوم الدول الثلاث الأخرى ومعهم إسرائيل بحشد قواتهم على الحدود السورية، مع تعهد الولايات المتحدة بتقديم الأسلحة وحماية هذه الدول من اى تدخل عسكرى تقوم به أى قوة خارجية (181). وقد أثارت تحركات هندرسون عاصفة كبيرة من التعليقات الغاضبة فقد اتهمت موسكو الولايات المتحدة بأنها تمهد الطريق لتدخل مباشر في سوريا، واتهمت القاهرة هندرسون بأنه يخطط لعزل سوريا وكذلك لحصارها، وأن واشنطن تسعى إلى إثارة صدام بين سوريا وجيرانها ليتيح لها تطبيق مبدأ أيزنهاور (182).

وقد زاد هذا الشك بما ورد من واشنطن عن تحركات أمريكية دبلوماسية وعسكرية موجهة ضد النظام الحاكم في سوريا. كما عبأت تركيا قوات كبيرة وقامت بعمل مناورات على الحدود السورية في محاولة للتأثير على مجرى الأحداث السورية (183) .


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الرد السوڤيتي

وبذلك أصبح على السوڤيت مواجهة التحركات الأمريكية لتطبيق مبدأ أيزنهاور ولو بطريق غير مباشر، كما أن الفرصة قد واتتهم للتأكيد على دورهم كدولة عظمى لها مصالح بالشرق الأوسط، فقاموا بحملة دعائية للتنديد بالتحركات التى تقوم بها الدول الموالية للغرب ضد سوريا، كما هددوا بتصعيد حدة المواجهة (184)، ثم إن السوڤيت وجهوا في 3 سبتمبر 1957 مذكرة إلى الولايات المتحدة وانجلترا وفرنسا انتقدوا فيها رفض هذه الدول لمقترحات 11 فبراير 1957 وسعيها لإقحام دول المنطقة في تحالفات عدوانية كـمبدأ أيزنهاور، وهو المشروع الذى يعتبر عقبة في سبيل تعزيز استقلال شعوبها، وما يؤكد ذلك التدخل الأمريكي بمقتضاه بالأردن في أبريل 1957، وما يتم الإعداد له من مؤامرة ضد سورياً، والحكومة السوڤيتية تؤكد أن الشعب السورى أمام هذه الضغوط التى تمارس ضده لا يقف منفرداً ، كما أنها تعتبر أن أسباب هذا التوتر ترجع للسياسة العدوانية للدول الغربية بالمنطقة، وأنها ترى ضرورة إصدار بيان من الدول الأربع تتعهد فيه بالامتناع عن استخدام القوة والعدول عن التدخل في الشئون الداخلية لدول الشرق الأوسط (185).

كما وجه رئيس الوزراء السوڤيتي نيقولاي بولگانين رسالة إلى عدنان مندريس رئيس الوزراء التركي في 11 سبتمبر 1957 أشار فيها إلى توتر الوضع في منطقة الشرق الأوسط، وحذر من أن الاتحاد السوڤيتي لا يمكنه إلا أن يأخذ بعين الاعتبار مسألة تطور الأحداث بالمنطقة انطلاقاً من أمر قرب منطقة الشرق الأوسط من حدوده وتقديراً لمصالح أمن دولته، خاصة أن هذه الأحداث قد تؤدى إلى ظهور نزاع مسلح بها، وناشد بولجانين الحكومة التركية عدم المشاركة في التدخل المسلح ضد سوريا، والعمل على تخفيف حدة التوتر بالمنطقة، وحذر من أن تركيا يمكن أن تجلب على نفسها مصائب جمة إذا استرشدت بنصائح تلك الدوائر الأجنبية التي لا يهمها أمر الحفاظ على السلام بمنطقتي الشرق الأوسط والأدنى (186). وفى نفس اليوم أكد وزير الخارجية أندريه گروميكو على ما جاء برسالة رئيس وزرائه في الاجتماع الصحفي الخاص الذي دعا إليه المراسلين السوڤيت والأجانب حول قضايا الوضع بالشرق الأوسط (187).

أمام هذا التهديد أرسلت الحكومة التركية إلى موسكو رداً على مذكرتها السابقة لتؤكد فيه على أن التهديد الذي حوته المذكرة السوڤيتية لتركيا بخصوص المسألة السورية يخلق من جديد حالة عدم الثقة والطمأنينة بين البلدين، وعلى أن هناك تناقضا ًواضحا بين السياسة التي تنتهجها الحكومة السوڤيتية بالشرق الأوسط وبين رغباتها في إقامة علاقات صداقة حقيقية مع تركيا، ذلك أن السياسة التي يتبعها السوڤيت بالشرق الأوسط وبخاصة في سوريا سوف تؤدى إلى توتر العلاقة بين البلدين، وأن بلاده ليس لها أي نية للعدوان على الأقطار المجاورة، وأن التدابير التي اتخذتها بالنسبة للوضع في سوريا لا يجب تأويلها على أنها تدابير عدوانية، وإنما هي تدابير اتخذتها للدفاع عن نفسها وهذا من حقها. وقد علق مستشار السفارة السوڤيتية بأنقرة على هذه المذكرة مؤكداً على المغالطات التي ذكرت بها، إذ كيف يتحدث الأتراك عن التهديد والضغط وهم الذين بدأوا فعلا به على جارتهم سوريا بدون سبب، ثم أن التناقض في مذكرتهم واضح إذ أكدت المذكرة في بادئ الأمر على أن الحشود التي تقوم بها تركيا على الحدود السورية هي للمناورات المعتادة سنويا ً ثم عادت لتقول بأن الحشود موجودة بغرض الدفاع عن نفسها (188).

التهديدات التركية

أدهم مندريس وزير الدفاع في حكومة عدنان مندريس.
كرتون تركي من علي دايي عن تهديد السلاح السوڤيتي من سوريا على تركيا، 1957.

على أية حال، فإن تطورات الأحداث جعلت من الأتراك وحشودهم على الحدود السورية أصل الأزمة السورية، ذلك أن الدول العربية المجاورة لسوريا كانت قد تراجعت عن مشاركتهـا في المؤامرة، فقد خشي العراقيون أن يؤدى اشتراكهم فيها إلى تفجير خطوط أنابيب بترولهم التي تمر بالأراضي السورية، كما أن الأردنيين واللبنانيين تراجعوا عن موقفهم بعد الحملات الإذاعية التي تعرضوا لها من جانب إذاعات القاهرة، فضلا عن قلقهم من أن يؤدى اشتراكهم في مهاجمة سوريا إلى إثارة القلاقل والاضطرابات من جانب أنصار التيار القومي الناصري. وهكذا لم يبق من دول المؤامرة على سوريا سوى تركيا التي حشـدت 50 ألف جندي على الحدود السورية (189).

لذلك أخذ الموقف السوڤيتي تجاه تركيا يزداد حده، فقد هدد بولجانين رئيس الوزراء في 13 سبتمبر 1957 تركيا باستخدام القوة ضدها إذا قامت بأي عمل عسكري ضد سوريا، هذا في الوقت الذي حذر فيه من أن هذا النزاع لن يقتصر على منطقة الشرق الأوسط فقط (190)، كما أن الرئيس خروتشوف أكد على أن الاتحاد السوڤيتي ليس معنيا فحسب بالشرق الأوسط بل إنه مستعد لاستخدام القوة المسلحة إذا لزم الأمر للدفاع عن مصالحه بالمنطقة، واتهم وزارة الخارجية الأمريكية بأنها تحرض تركيا على مهاجمة سوريا بعدما فشلت في حث الدول العربية على مهاجمتها (191)، ووصل تهديد الرئيس خروتشوف إلى درجة استخدام الصواريخ النووية السوڤيتية إذا ما تعرضت سوريا لهجوم من جانب تركيا أو أي دولة من حلف بغداد، ورغبة في إرسال تحذير لتركيا قامت وحدات من الأسطول السوڤيتي بزيارة ميناء اللاذقية والتي استمرت من 19 سبتمبر وحتى 2 أكتوبر 1957، كما أعلن عن مناورات بحرية ضمت وحدات من الأسطول السوڤيتي بالبحر الأسود (192).

وعندما وضعت سوريا مسألة خطر العدوان عليها على بساط البحث بالجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة في دورتها الثانية عشرة في 18 سبتمبر 1957 وجه السوڤيت الاتهام مباشرة إلى تركيا، فعلى أثر اتهام دلس لسوريا بأنها تقع تحت النفوذ السوڤيتي، رد عليه أندريه گروميكو وزير الخارجية السوڤيتي بالتأكيد على ضرورة وضع حد للعب بالنار في الشرق الأوسط ومعلنا ً تأييد بلاده لشكوى سوريا، ومقترحا ً تشكيل لجنة خاصة من قبل الأمم المتحدة للتحقيق في النوايا العدوانية لتركيا تجاه سوريا، وأكد على أن الاتحاد السوڤيتي مستعد للمساهمة بقواته المسلحة من أجل القضاء على العدوان وتأديب الخارجين على السلام (193). وقد اعتبر الموقف السوڤيتي من المسالة السورية بالأمم المتحدة، واقتراحهم تشكيل لجنة تحقيق يكون الاتحاد السوڤيتي والولايات المتحدة من أعضائها، من قبيل انتزاع الاعتراف من الدول الغربية بوضعيتهم كدولة ذات مصالح بمنطقة الشرق الأوسط (194).

خروشوف: أمريكا تدفع تركيا لمهاجمة سوريا

خروشوف: دلس يحرض تركيا لبدء حرب في الشرق الأوسط. النيويورك تايمز، الصفحة الأولى، 10 أكتوبر 1957.

كانت هذه المواجهة الحادة من السوڤيت لتركيا دافعاً قوياً للدبلوماسية الأمريكية لتعلن على لسان وزير خارجيتها دالاس بأن تركيا تتعرض لخطر عسكرى من جراء تزايد الوجود العسكرى السوڤيتي في سوريا (195)، فرد عليه الرئيس خروشوف في مقابلة مع جريدة نيويورك تايمز في 10 أكتوبر 1957 ليتهم الولايات المتحدة بأنها تدفع تركيا نحو مهاجمة سوريا (196) ، بينما أكد رئيس الوزراء جروميكو على أن الاتحاد السوڤيتي لن يقف موقفاًًًً سلبياً بينما تتحول المنطقة الملاصقة لحدوده الجنوبية إلى بؤرة للصراعات المسلحة (197). وهو الأمر الذى دفع الولايات المتحدة إلى أن تصدر تحذيراً تؤكد فيه على أن تركيا عضو في حلف الناتو، وأن الولايات المتحدة مصممة على تطبيق مبدأ أيزنهاور، ثم أكد وزير الخارجية دالاس على هذا التحذير عندما أعلن بأن هجوما سوڤيتياً إذا ما وقع على الأراضى التركية، فإن هذا سيؤدى إلى انتقام أمريكي ضد الأراضى السوڤيتية (198).

القوات المصرية

وفي 13 أكتوبر، أرسل الرئيس المصري جمال عبد الناصر قوات مصرية لمجابهة الحشود التركية على الحدود التركية السورية.[9]، كان من الأسباب الرئيسية لوحدة مصر وسوريا في 1958. وفي النهاية رضخت إسرائيل لضغوط من الغرب لإظهار ضبط النفس وعدم التحرك. كان عبد الإله حذراً، حيث أراد استشارة الأردن قبل القيام بأي تحرك، كان اختراق الأراضي السورية يبدو خطة "أكثر سهولة" له من اختراقها عبر الحدود العراقية السورية.[10] إلا أن تركيا كانت على استعداد لاتخاذ تدابير عسكرية، لأنها كانت ترى الوضع على أنه أمراً يمس أمنها القومي ينظر إلى الوضع على سبيل أمنها القومي.[8]


الانذار السوڤيتي

كرتون سياسي بعنوان "Odhalená agresia" (عدوان انكشف)، مرسوم في 1958، بريشة ڤيليام وايس‌كوپف Viliam Weisskopf ‏(*1906 † 1964)، ونـُشِر في المجلة التشيكوسلوڤاكية الساخرة "روهاتش Roháč"، التي كانت أول مجلة ساخرة احترافية باللغة السلوڤاكية.[11]
وكانت تشيكوسلوڤاكيا قد شعرت بالإهانة حين قالت الخارجية الأمريكية أن سوريا في طريقها لأن تصبح دولة سوڤيتية تابعة، مثلما حدث لتشيكوسلوڤاكيا في 1948.

ورغم هذا التحذير فإن الحكومة السوڤيتية ظلت على موقفها من تركيا، لذا قدمت في الثامن من أكتوبر 1957 مذكرة لتركيا تطلب منها إيضاحا لموقفها من حشد قواتها على الحدود السورية، وقد أجابت الحكومة التركية بأنه على الرغم من انزعاجها لتدفق الأسلحة الروسية لسوريا بكميات كبيرة لا تتناسب وحجم الجيش السوري إلا أنها لا تضمر العداء لسوريا ولا ترغب في الهجوم عليها (199). كما أن السوڤيت أقدموا في 24 أكتوبر 1957 م على عمل مناورات برية وبحرية مشتركة في منطقة القوقاز والبحر الأسود تهديداً لتركيا والتي كان لها أثر فعلى على الموقف التركي رغم تأكيد خروتشوف لعبد الناصر بأنها مجرد مناورات فقط عندما طالب الأخير بضمانات سوڤيتية بمساعدة مصر إذا ما اضطرت للتدخل إلى جانب سوريا في حالة قيام تركيا بالهجوم عليها (200).

على أية حال، فإن هذا الضغط السوڤيتي جعل تركيا تتراجع عن موقفها تجاه سوريا، وبدأ الموقف الحدودي بين الدولتين يصل إلى مرحلة التهدئة، خاصة بعد تصريح جهاد الهواشي المستشار بالسفارة السورية بأنقرة بأنه يسعى لتحسين العلاقات بين البلدين، وتأكيده على أن البلد الوحيد الذي تنتظر منه سوريا العدوان هو إسرائيل، وأن الحكومة التركية قد أوضحت أن هذه الحشود والتحركات إنما الغرض منها هو القيام بالمناورات السنوية للقوات التركية (201).

ومع ذلك فإن السوڤيت أرادوا استعجال الأتراك في سحب قواتهم من الحدود السورية، لذلك سلم السفير الروسي بأنقرة عند منتصف ليلة 26 نوفمبر 1957 لرئيس الوزراء التركي رسالة من رئيس الوزارة السوڤيتية بخصوص هذا الموضوع، حيث أجمعت الصحف على أن نص الرسالة يشير إلى الموقف التركي من سوريا والذي لا يعتبر سلميا ً حيث لم تسحب تركيا قواتها التي حشدتها على الحدود السورية حتى الآن، وطائراتها تحلق فوق سماء سوريا مما يسبب إخلالاً بالأمن، والعساكر الأتراك يجتازون الحدود ويطلقون النار على المراكز السورية، ووسائل الإعلام التركية لا تنقطع عن مهاجمة سوريا. لذا فإن الحكومة السوڤيتية مضطرة سوف تتخذ التدابير اللازمة التي تساعد على المحافظة على الأمن والسلام العالمي بالمنطقة. وقد علقت الدوائر الحكومية بتركيا على هذه المذكرة بأنها لا تختلف عن المذكرة التي أرسلت لهم في 12 سبتمبر 1957. بينما اعتبرها تقي الدين الصلح السفير اللبناني بتركيا مناورة من السوڤيت قصد بها التأثير على الدول العربية بعد أن تأكد الاتحاد السوڤيتي من سحب القوات التركية من الحدود السورية ليظهر للبلاد العربية بأن سحب هذه القوات إنما جاء بضغوط من الاتحاد السوڤيتي على تركيا (202).

انتهاء الأزمة

لا يمكن انكار الدور السوڤيتي في إنهاء الأزمة السورية، وبالدرجة التى دفعت الحكومة الأمريكية إلى أن تتراجع عن حث تركيا على مهاجمة الأراضى السورية، وأن يعلن وزير الخارجية دالاس بأن الولايات المتحدة لا ترى ضرورة لتطبيق مبدأ أيزنهاور فيما يتعلق بتطورات الأوضاع في سوريا، وأنها ستلجأ إلى الوسائل التفاوضية (203). فلولا هذا الموقف السوڤيتي لمضت الولايات المتحدة في خطتها لتطبيق مبدأ أيزنهاور هناك، وبذا انتهت الأزمة السورية دون أن تحدث مواجهة عسكرية، غير أن موسكو مع نهاية الأزمة شعرت بأنها قامت بدورها كاملاً تجاهها، ووقفت بجوار سوريا موقفا ثبت دورها بالمنطقة كقوة عظمى يحسب حسابها، وكذلك أكد موقفها الرافض لمحاولة أمريكا تطبيق مبدأ أيزنهاور بالشرق الأوسط (204).


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الذكرى والأثر

جمال عبد الناصر يصافح عفيف البزري، الذي ترأس وفداً عسكرياً سورياً زار القاهرة بمطلع 1958 لبحث الوحدة بين مصر وسوريا.

الأزمة السورية وتآمر جيران سوريا عليها، دفعت القيادات العسكرية والسياسية السورية إلى طلب الوحدة مع مصر. فسافر وفد عسكري سوري، بقيادة عفيف البزري، إلى القاهرة في مطلع 1958، وقابلوا الرئيس جمال عبد الناصر، وطالبوه بالوحدة بين مصر وسوريا. وفي أحداث متسارعة تم إعلان الوحدة لاحقاً في 1958، مما شكل انتصاراً هائلاً للتيار القومي والعروبي في المنطقة. تصاعد أسهم القومية العربية، آنذاك، كان على حساب انحسار هائل للأنظمة التقليدية (الرجعية)، مثل السعودية والأردن والعراق وتركيا. ثم كان اندحار فكرة حلف بغداد.

الفشل الذريع الذي حاق بتركيا سياسياً وعسكرياً في الأزمة السورية عام 1957 وفشل حلف بغداد، دفع المؤسسة العسكرية التركية، في عام 1960، للاطاحة بعدنان مندريس وسياساته، بل وإعدامه هو ووزير خارجيته فطين زورلو.

واليوم في عام 2015، يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردغان يريد أن يواصل ما حاول عدنان مندريس القيام به من قبل، بلعب دور شرطي أمريكا في الشرق الأوسط، وتنفيذ مخطط أنابيب النفط والغاز التي أصبحت أكثر أهمية اليوم باكتشافات الغاز الكبيرة في شرق المتوسط، والتي لا سبيل لوصولها إلى أوروبا لمنافسة الغاز الروسي إلا بالمرور عبر سوريا معادية لروسيا. ومثلما كانت أمريكا مساندة لعدنان مندريس بكل قوة، نجد نفس أمريكا اليوم تقوم بنفس الدور المساند لأردغان.

ويبقى هناك معيار واحد للنجاح في الأزمة السورية الحالية: هل سيمر أنبوبا الغاز القطري والإسرائيلي عبر سوريا إلى تركيا أم لا؟


انظر أيضاً

الهوامش

  1. ^ Birde Buradan (2013-04-15). "Suriye işi eskiden daha büyük dertti 1957'de neredeyse savaş açacaktık-Murat Bardakçı". http://birdeburadandinleyin.blogspot.com/. {{cite web}}: External link in |publisher= (help)
  2. ^ أ ب Yaqub 2011, pp. 114-116.
  3. ^ Brecher 1997, pp. 345-346.
  4. ^ سيد محمد عبد العال. "الموقف السوفيتي من مشروع أيزنهاور 1957-1958". معرفة المصادر.
  5. ^ Anderson 1995, pp. 25.
  6. ^ أ ب Anderson 1995, pp. 26.
  7. ^ وزارة الخارجية الأمريكية, pp. 500.
  8. ^ أ ب Anderson 1995, pp. 28.
  9. ^ "مابين دمشق وأنقرة 1921- 1957". الحوار المتمدن. 2011-11-02. Retrieved 2015-11-27.
  10. ^ Anderson 1995, pp. 27.
  11. ^ Rodegas (2015-11-15). "CSSR old caricature on Syria". http://rodegas.deviantart.com/. {{cite web}}: External link in |publisher= (help)

المصادر