القادة الأمريكان في جيش مصر
القادة الأمريكان في جيش مصر، هم أول مجموعة من العسكريين الأمريكان التي التحقت بالجيش المصري وخدمت في صفوفه بشكل فعلي لمدة زادت علي 15 عام كاملة، ففي هذه الفترة التاريخية كانت الحرب الأهلية مشتعلة في أمريكا بين الولايات الشمالية والجنوبية، فيما عرف بحرب تحرير العبيد، ورغم ابتعاد مصر شبه الكامل عن هذه الحرب، فإن آثارها لعبت دوراً كبيراً في التاريخ المصري، في هذه الحرب قامت قوات الاتحاد بحصار ومصادرة محاصيل القطن التي كانت المورد الأصلي للأموال في الولايات الجنوبية، هذا الأمر دفع الأوروبيين للاتجاه الفوري إلي مصر والحصول علي ما تحتاجه مصانعهم من القطن، وبالتالي شهدت الدولة المصرية التي كان يرأسها الخديو إسماعيل رواجا اقتصاديا وطفرة هائلة في الدخل العام للدولة، وزاد من رغبة إسماعيل الجامحة في نقل دولته إلي العصر الحديث علي الطريقة الأوروبية مع الحلم الآخر بالانفصال عن الدولة العثمانية، وخلال هذه المحاولات الدائمة بدأ إسماعيل في حفر قناة السويس وأنهي المشروع بحفل عالمي تكلف 10 ملايين دولار أمريكي، وانتهي المشوار بالديون التي أثقلت الكاهل المصري وأدت إلي تعاظم النفوذ والتأثير الفرنسي البريطاني في الشؤون الداخلية المصرية.[1]
وخلال هذا الفخ المحكم عرضت التقنية والخبرة الأمريكية الناشئة وقتها حلا ممكنا للخروج من الحصار المفروض، كان إسماعيل يحتاج إلي الخبرة الأجنبية في بناء جيشه وتحديثه والإشراف عليه، ومثل باقي قادة العالم كان يراقب باهتمام الحرب الأهلية الأمريكية التي مزقت هذه الأمة، ولكنه من ناحية أخري كان يدرك أن الفوضي ربما تمنحه الفرصة التي يرغب بها، حيث كان العشرات من الجنود الأمريكيين الخبراء والمتمرسين يجلسون بلا عمل أو مستقبل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قدومهم إلى القاهرة
في عام 1868 في إسطنبول، التقي تاديوس موت العقيد السابق في قوات الاتحاد الأمريكي بالخديو إسماعيل، وخلال اللقاء انبهر الخديو بالضابط المحنك، في خلال أيام كان موت يعود بصحبة الخديو إلي مصر وهو يحمل رتبة جنرال في الجيش المصري، وبعد إدراك لطبيعة المهمة المناطة به وبمباركة الخديو عاد موت إلي الولايات المتحدة في رحلة الهدف منها حشد مجموعة من العسكريين الأمريكيين للانضمام إلي الجيش المصري والمشاركة في تحديثه وتطويره، وكان أول من تحمس الجنرال الأمريكي وليام شرمان، الذي بدأ في تسجيل أسماء الراغبين في خوض التجربة، والتي كانت تمثل لمعظمهم فرصة لا تعوض وسط حالة الخراب والتدمير، التي كانت الولايات المتحدة تعانيها في هذه الفترة.
وانضم حوالي 50 عسكريا أمريكيا إلي الجيش المصري وكان بينهم 5 جنرالات من الجيش الكونفدرالي وثلاث ضباط كبار من البحرية الكونفدرالية، كانوا عالقين في ميناء كاليه بفرنسا، إذ لا يستطيعون العودة للولايات المتحدة، وهم: وليام پ.أ. كامبل، تشارلز إڤرسون گراڤس وجيمش موريس مورگان.[2] كما ضموا أربع ضباط عاملين بالجيش الاتحادي الأمريكي حصلوا علي إذن غياب للخدمة في الجيش المصري، وهؤلاء العسكريون جميعا وافقوا علي الانخراط في الجيش المصري والتقيد بتنفيذ أي مهمة توكل إليهم فيما عدا القتال ضد جيش الولايات المتحدة.
ومع بداية عام 1870 كان موت يقدم مجنديه للخديو إسماعيل، وكان علي رأسهم وليام وينگ لورنگ وهنري سيبلي وكلاهما كان برتبة جنرال في الجيش الأمريكي، وتحتهما الميجور إراستوس سپارو پردي.[3] وبعد مقابلة الخديو بدآ في مهمتهما وهي تفقد دفاعات الجيش المصري والعمل علي تدعيمها، أما الجنرال تشارلز پومروي ستون فقد عين في منصب رئيس هيئة أركان الجيش المصري، وعمليا فقد تولي قيادة جميع الضباط الأمريكان في مصر «نظريا كان ستون أقل رتبة من موت، ولكن الأخير بدأ في فقد حظوته عند الخديو وبذلك بدأت سيطرة ستون الفعلية». كما ترأس ستون الجمعية الجغرافية المصرية في 1879. واحتل العسكريون الأمريكيون أحد أجنحة القلعة وهو الجناح الذي كان مخصصا، فيما سبق لكريم محمد علي باشا، وللوهلة الأولي بدا أن النظام الذي وضعه الأمريكان بوجود مشرف عام أمريكي لكل فرقة في الجيش لم ينفع علي الإطلاق، حيث كان النظام السائد هو استقلال كل باشا بمجموعة من المقاتلين لا يتلقون أي أوامر من سواه ولم يستطع الباشوات المصريون تفهم الفكرة في تغيير النظام الذي نشأوا عليه طوال حياتهم، وكان ذلك هو الاحتكاك الأول بين ثقافتين، وهي الاحتكاكات التي لم تتوقف أبدا بعد ذلك.
وإذا كانت الاحتكاكات بين المصريين والأمريكان يمكن تفهمها فإن الاحتكاكات بين الأمريكان وبعضهم البعض كان غريباً، حيث وقع حادث إطلاق نار في الإسكندرية تورط فيه ٣ من الجنود الجنوبيين مع ابن أخت الجنرال الاتحادي بنجامن بتلر وأعطي هذا الحادث انطباعا مباشرا بأن الحرب الأهلية الأمريكية لم تنته بعد أن كان ستون قد بذل أقصي ما بوسعه لحفظ النظام بين قواته.
بعثات السودان
يرجع الاهتمام الأمريكي بدارفور إلى القرن التاسع عشر، وإن كان بطريقة غير مباشرة، عبر عدد من الضباط الأمريكان الذين قاموا برحلات إستكشافية لكردفان ودارفور، تحت مظلة المؤسسة العسكرية الخديوية. وقد إقترح أحدهم أن تكون بعض تلك المناطق موطناً للزنوج الأمريكان.
وفي كتاب ذكريات كارل جگلر پاشا النماسوي في السودان، أشار إلى مناسبات جمعته بضباط أمريكان أثناء خدمته ما بين عامي 83-1873. وقد تم تعيين جگلر لمد شبكة التلغراف في البلاد. ووصل في فترة الي منصب حاكم عام السودان.
اليانكي في كردفان
يذكر جگلر أنه عندما وصل الأبيض في إطار عمله عام 1875، وجد بعثة من هيئة الأركان المصرية بقيادة كولستون بك وكانت تضم ضباط أمريكان أخرين. وقال أن البعثة كانت قد تحركت من دنقلا إلي كردفان ودارفور من أجل عمل بحوث عسكرية وأخري في هذه المناطق وخاصة مناجم الحديد في كردفان.[4]
وعن هذه البعثة يقول ديڤد إسينوگل في مقال بعنوان "الأعمال الجغرافية والمسوحات للبعثة العسكرية الأمريكية في مصر 1870-1878"، أن مجموعة المسح سافرت من دنقلا للجنوب الغربي نحو الفاشر متتبعة طريق القوافل القديم المعروف بدرب الاربعين لإستقصاء موارد مديرية دارفور التي ضمت حديثاً.
في دارفور
ويقول جگلر في مذكراته أنه وصل في 14 نوفمبر 1876 إلي مدينة الفاشر ونزل في قصر السلطان حيث كانت تسكن أيضاً بعثة امريكية بقيادة الكولونيل بوردي وهناك إلتقي بالكولونيل بروت و أقام في غرفة قريبة من سكن الضباط الامريكان.
توطين الزنوج الأمريكان في السودان
وبما أن حالة كولستون الصحية لم تكن تسمح له بالحركة لسقوطه من جمل فقد أدار حملة الجنوب في دارفور من منزل كبير في الأبيض حيث إلتقاه جگلر، وغادر الخرطوم للقاهرة في منتصف ديسمبر 1875. ويضيف أن الأميرلاي كولستون عمل بعد عودته للولايات المتحدة بروفسوراً في معهد ڤرجينيا العسكري. وكانت مسوحاته بين النيل ودارفور ذات قيمة جغرافية عالية.
واستمر مساعده هنري جي بروت بك في عمل المسوحات ومعه الكولونيل مارنو وجميعهم من الضباط الأمريكان.[5]
ميسون الذي صار ميسون بك خدم كنائب لبوردي عندما ذهبت البعثة لدارفوروعاد لمصر في 1876. وأثناء خدمته في السودان ابدي إهتماماً بالبلاد. وفي 1883 قدم ورقة للجمعية الجغرافية تحوي دراسة عن إمكانيات الترحيل بالسكة الحديد. وإقترح ايضاً مشروعاً غير عادي..." لماذا لا نتبع مثال دولة ليبيريا لتوطين الزنوج الامريكان الراغبين في ترحيلهم للقارة الأم في المناطق غير المطورة في السودان؟"
ولكن لم يولد الاقتراح الا إهتماماً بسيطاً وعللت ذلك بيتي باتشين جريني،أحد أحفاد ميسون، في مقال نشرته بعنوان "البك من ڤرجينيا" بقولها ربما كان الاهتمام ضعيفاً لأن ميسون فشل في ان بضع في الاعتبار كيفية تكيف الأمريكان الأفارقة المعمدانيين مع الأفارقة المسلمين.
وقد خلف كولستون كقائد لحملة استكشاف دارفور الكولونيل هنري بروت، خريج جامعة متشگن، الذي واصل الإستكشاف وامضي في مصر والسودان 6 سنوات. وقد رقي الي رتبة بمباشي ثم قائمقام و حصل كذلك علي البكوية وصار اخيراً الحاكم العام المكلف للمديرية الاستوائية خلفا لغوردون وعند عودته للولايات المتحدة صار رئيساً لتحرير صحيفة السكة الحديد.
ومن الذين ساهموا ايضاً في مسوحات ورسم خرائط السودان و حملات إستكشاف موارد دارفور ايراستوس سبارو بوردي باشا. وهو ابن حاكم سان فرانسسكو وشارك في الحرب الأهلية الامريكية كضابط فدرالي.
واكتشف بوردي المنطقة الشمالية الغربية لدارفور وكذلك الجهات الواقعة جنوب دارفور وهي المنطقة الواقعة من بلدة دارا إلي حفرة النحاس.. ومن الملاحظ أن كل عضوية بعثات إستكشاف كردفان ودارفور كانت حصراً علي الضباط الامريكيين ولم يأت ذكر لأي جنسية أخري مشاركة وحتي المصريين الذين جندوهم. ويجعلنا هذا نخلص الي إحتمال إرسال نسخ من تقاريرهم الي جهات في الوطن الأم. وأيضاً ربما نشروها في شكل مذكرات في الصحف أو المجلات أو تاقشوها مع طلبتهم إذ إمتهن بعضهم بعد العودة مهن أكاديمية أو صحفية.
انجازاتهم
وبالرغم من هذه الحوادث فإن البعثة الأمريكية أسست مدرسة لتدريب الضباط والمجندين، ونظموا بعض الصفوف لأطفال العسكريين، وقام الأمريكان الفخورون بعملهم بعرض هذه الإنجازات علي القائد الأمريكي وليام تكومسه شرمان الذي قام بزيارة لمصر في عام 1872، ولكن الإنجاز الأكبر للأمريكان جاء في مجال الاكتشافات، حيث قاد العديد من الضباط الرحلات لاستكشاف المناطق المجهولة في شرق أفريقيا ومنها رحلة تشارلز شايه-لونگ إلي أوغندا واكتشافه بحيرة كيوجا التي يبدأ منها النيل، وقامت العديد من الرحلات الأخري لاكتشاف إقليمي دارفور وكردفان ورسم الخرائط لهما، وكانت هذه الرحلات هي موضوع تقرير للإنجازات تقدم به رئيس الأركان للخديو إسماعيل عام ١٨٧٦.
لم يكن إسماعيل يهتم بهذه الاكتشافات بهدف المعرفة علي الإطلاق، كان ما يهمه في المقام الأول هو حلم بناء إمبراطورية مصرية تضم السودان وإثيوبيا، وفي هذا الإطار أرسل إسماعيل أحد المرتزقة الدنماركيين ويدعي سورن أرندروپ لفتح طريق للتجارة عبر البحر الأحمر من خلال الحبشة، ولكن الملك جون ـ ملك الحبشة وقتها ـ قاد جيشه وقضي علي معظم قوة أرندروب، وكانت هذه المذبحة تتطلب ردا قويا من مصر، وهو ما دعا إليه الضباط الأمريكان الذين طالبوا الخديو بالسماح لهم بقيادة الجيش واحتلال الحبشة، ولكن الخديو وافق علي تجهيز جيش قوامه 12 ألف رجل، وأدي طوال فترة التجهيز وكذلك سوء الفهم المتبادل بين لورنگ الأمريكي قائد الحملة وراتب باشا قائد الجيش المصري إلي وصول هذه القوات إلي الحبشة وهي في حالة فوضي كاملة، ورغب لورانج في مهاجمة عاصمة الحبشة، بينما قرر راتب بناء الحصون وانتظار العدو في الوقت الذي كان فيه الملك جون ملك الحبشة يعد جيشا قوامه 60 ألف مقاتل، وبالطبع كانت نهاية الحملة مآساوية بعد عدة أشهر من القتال والحصار انسحبت القوات المصرية مخلفة وراءها عدة آلاف من القتلي ودون تحقيق أي أهداف، وحدث تبادل للاتهامات بين راتب باشا والعسكريين الأمريكان عن سبب الهزيمة.
كان معظم الأمريكان قد عادوا إلي ديارهم ولم تفلح الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي يوليسيس گرانت في دفع الأوضاع للأمام، بينما كان الغرق في الديون يمكن النفوذ البريطاني الفرنسي من الرقبة المصرية، ومن بين 12 أمريكيا بقوا في مصر طرد أحدهم في 30 يونيو 1878 لسوء السلوك وبعدها لم يبق سوي تشارلز گرانت وحده رئيساً للأركان حتي عام 1883.
وعاد الخبراء العسكريون لبلادهم ليؤلفوا الكتب ويلقوا المحاضرات حول دورهم في تطوير العسكرية المصرية وتحديثها دون سند حقيقي علي أرض الواقع، وبينما انتهت التجربة الأولي للاستعانة بالخبرة الأمريكية العسكرية نهاية مآساوية، كان الخديو إسماعيل هو الآخر يواجه نفس المصير عندما استبدلت إنجلترا وفرنسا ابنه توفيق به قبل أن تحتل إنجلترا مصر ليقضي إسماعيل باقي أيامه منفيا في إيطاليا وتركيا ويموت وحيدا في إسطنبول.
احياء ذكراهم
في عام 2000، في عهد الرئيس بيل كلنتون، قامت بعثة عسكرية أمريكية بزيارة قبر الميجور إراستوس سپارو پردي باشا، في القاهرة، ووضع شاهد قبر جديد، ثم سقط القبر وكل التجربة مرة أخرى في النسيان.[6]
كتب
انظر أيضاً
المصادر
- ^ عزت اندراوس (2007-08-31). "أمريكيون في جيش إسماعيل". المصري اليوم. Retrieved 2009-11-16.
- ^ "17th November 2012 - From Calais to Cairo - Confederate Navy Veterans in Egypt". American Civil War Round table UK. 2012-11-17.
- ^ "LTC Erastus Sparrow Purdy". findagrave.com. 2004-02-10.
- ^ محمد عثمان (دبايو) (2014-03-10). "بعثات عسكرية أمريكية في دارفور- إقتراح بتوطين الزنوج الامريكيين في المناطق غير المطورة بالسودان". التغيير. Retrieved 2015-04-14.
- ^ Mohaned Osman Mustafa (Debaywa (2015-02-10). "U.S. military missions in Darfur". Sudan vision. Retrieved 2015-04-14.
- ^ Betsy Hiel (2015-04-11). "American Civil War vets found success, blame during unique service in Egypt". triblive.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
للاستزادة
- W. W. Loring (1884). A Confederate Soldier in Egypt (جندي كونفدرالي في مصر). Dodd, Mead & Company. p. 450.
- William B. and Hazel C. Wolf Hesseltine (1961). The Blue and the Gray on the Nile. University of Chicago Press.