توماس مور
سير توماس مورSir Thomas More | |
---|---|
لورد مستشار | |
في المنصب أكتوبر 1529 – مايو 1532 | |
سبقه | توماس وولسي |
خلـَفه | Thomas Audley |
مستشار دوقية لانكستر | |
في المنصب 31 ديسمبر 1525 – 3 نوفمبر 1529 | |
سبقه | ريتشارد وينگفيلد |
خلـَفه | William FitzWilliam |
المتحدث في مجلس العموم البريطاني | |
في المنصب 16 أبريل 1523 – 13 أغسطس 1523 | |
سبقه | Thomas Neville |
خلـَفه | Thomas Audley |
تفاصيل شخصية | |
وُلِد | 7 فبراير 1478 لندن مملكة إنگلترة |
توفي | 6 يوليو 1535 تاور هيل، Stepney, لندن مملكة إنگلترة |
التوقيع |
توماس مور Thomas More ويُسمى بالقديس أيضاً (و. 7 فبراير 1478 - ت. 6 يوليو 1535)، كاتب وفيلسوف سياسي إنكليزي، تسلم عدة مناصب حكومية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مطلع حياته
توماس مور | |
---|---|
شهيد | |
مكرّم في | الكنيسة الكاثوليكية; Anglican Communion |
Canonized | 19 مايو 1935, روما by البابا بيوس الحادي عشر |
الصفات | dressed in the robe of the Chancellor and wearing the Collar of Esses; axe |
يرعى | Adopted children; Ateneo de Manila Law School; civil servants; Diocese of Arlington; Diocese of Pensacola-Tallahassee; University of Malta; University of Santo Tomas Faculty of Arts and Letters; court clerks; lawyers, politicians, and statesmen; stepparents; widowers; difficult marriages; large families |
كان توماس مور الولد الأكبر لوالده القاضي جون مور الذي كان يرغب في إعداده ليكون محامياً، بدأ بدراسته في أحسن المدارس خارج لندن، ثم أعاده والده إلى لندن لدراسة القانون العام، وبعدها التحق بمعهد لينكولن لتدريب المحامين، وهو أحد أربع مؤسسات قانونية لتدريب الحقوقيين وإعدادهم للانتساب إلى مهنة المحاماة. بفضل حبه للاطّلاع وطاقته الكبيرة على القراءة والعمل كان توماس مور نهماً في القراءة، واتجه إلى قراءة تاريخ الكنيسة وسير القديسين الأوائل خاصة، مما أثر في تكوينه وتحديد قناعاته. وخلافاً لرغبة والده، تحول توماس مور من المحاماة إلى خدمة الله والكنيسة، فالتحق بأحد الأديرة وأمضى فيه أربع سنوات ولتفضيله الزواج على حياة العزوبة؛ متأثراً بالرهبان الفرنسيسكان، قرر توماس مور وقف حياته لخدمة الله مسيحياً علمانياً وليس راهباً، فخرج من الدير وتزوج من جان كولت التي أنجبت له ثلاث بنات وصبياً واحداً، وبعد وفاتها تزوج من أليس ميدلتون أرملة أحد التجار اللندنيين، ولم تنجب له أولاداً.[1]
كان مور من أنصار المذهب الإنساني Humanist. اضطر بعد مغادرته الدير وزواجه الأول إلى القيام ببعض الأعمال التجارية ليكفل حياته وحياة أسرته، فقام بالمفاوضات باسم بعض الشركات الإنكليزية في بلجيكا، ونجح بذلك نجاحاً كبيراً، ولكنه بسبب ازدرائه للأعمال التجارية وكذلك لمهنة المحاماة - لأنه كان يرى فيها اختلاساً لحقوق الآخرين - قرر توماس مور أن يعطي وقته كاملاً للوظيفة العامة في خدمة الملك.
كان والد توماس مور محامياً ناجحاً وقاضياً بارزاً. وتلقى توماس تعليمه في مدرسة سانت أنطوني بلندن، وعمل وصيفاً لرئيس الأساقفة مورتون، وكان لهذا الفضل في تثبيت عقيدته المحافظة وتكامله وتقواه المرحة. وتنبأ مورتون، كما يقال لنا، بأن "هذا الطفل الذي يخدم هنا على المائدة... سوف يثبت انه رجل عجيب(25)". وذهب الشاب إلى أكسفورد وهو في الخامسة عشرة من عمره، وسرعان ما فتن بالأدب الكلاسي إلى درجة حملت والد الشاب على انتزاعه من الجامعة، لإنقاذه من أن يصبح أديباً خاوي الوفاض وبعث به لدراسة القانون في لندن، وكانت أكسفورد وكامبردج لا تزالان تستهدفان إعداد الطلاب للعمل في سلك الكهنوت. وكانت كلية نيو إن وكلية لنكولن إن تدربان الرجال الذين كانوا وقتذاك يشرفون بين رجال الأكليروس على الحكومة في إنجلترا، ولم يتلقَ من أعضاء مجلس العموم تعليماً جامعياً سوى ثمانية أعضاء بينما كانت هناك نسبة مرتفعة من المحامين ورجال الأعمال. وفي عام 1499 إلتقى مور، وكان في الحادية والعشرين من عمره، بأرازموس وافتتن بالمذهب الإنساني. وتعد صداقتهما من أطيب العطور شذى في ذلك العصر. فقد وهب كلاهما مرحاً بقدر ما، وجعلا لدراستهما طعماً مستساغاً بالهجو الضاحك. وكانا يشتركان في كراهية الفلسفة الكلامية التي قال مور إن ما تنطوي عليه من خبث في التفريق بين الأشياء يعود على المرء بفائدة توازي ما يكسبه من حلب تيس في غربال(26). وكانا يأملان في إصلاح الكنيسة من الداخل وتجنب تفكك أواصر الوحدة الدينية والتواصل التاريخي. ولم يكن مور نداً لأرازموس في العلم أو التسامح، والحق أن رقته المألوفة وكرمه كان يشوبهما في بعض الأوقات تطرف في الدين، وكان في الجدل ينحني بين آن وآخر مثل كل معاصريه، ليوجه لخصومه طعناً شديداً مريراً(27). ولكنه كان يفوق إرازموس في الشجاعة والإحساس بالكرامة والإخلاص لقضية. ولا شك أن الرسائل التي تبادلاها تعد شاهداً ثميناً على أفضال عصر فظ. فهناك رسالة لمور يقول في ختامها "وداعاً يا أرازموس الحبيب يا مَن هو أعز علي من عيني(28)".
وكان من أعظم رجال الدين في القرن الذي عاش فيه، أخزى بتقواه - العلمانية تهافت رجال الكهنوت من أمثال ولزى على الدنيا. وفي الثالثة والعشرين عندما تبحر في دراسة القانون فكر في أن يصبح قساً. وألقى محاضرات عامة (1501) عن مدينة الرب التي بشر بها أوغسطين، وجلس بين مستمعيه علماء تحارير أكبر منه سناً مثل جروسين. وعلى الرغم من انتقاده الرهبان لتقاعسهم عن الامتثال لما يفرضه عليهم نظامهم فإنه أعجب إعجاباً شديداً بنظام الدير المخلص، وأسف أحياناً لأنه لم يختر هذا النظام، وظل وقتاً طويلاً يرتدي قميصاً من شعر الخيل لا يلبس تحته شيئاً، وكان بين آن وآخر يسحب منه دماً يكفي لتلطيخ ثيابه ببقع من الدماء ترى بوضوح. وكان يؤمن بالمعجزات ويصدق قصص القديسين والمخلفات التي تستخدم للعلاج والصور الدينية ورحلات الحج(29). وكتب مصنفات ولائية لها نغمة القرون الوسطى أن الحياة سجن وأن الهدف من الدين والفلسفة تهيئة نفوسنا للموت، وتزوج مرتين وأنجب عدة أطفال أنشأهم على حب نظام مسيحي يتسم بالوقار والانشراح في آن واحد، وتصحبه صلاة متكررة وحب متبادل واتكال كامل على العناية الإلهية. وكانت "دار مانور" في تشلسي التي انتقل إليها في عام 1523 مشهورة بمكتبتها وصالة العرض فيها وحدائقها الممتدة إلى مائة ياردة إلى نهر التيمز.
واختير وهو في السادسة والعشرين من عمره (1504) نائباً بوصفه مواطناً حراً في المجلس النيابي. وهناك ناقش بنجاح ضد إجراء اقترحه هنري السابع مما دفع الملك إلى أن يسجن مور الكبير فترة قصيرة. ويفرض غرامة باهظة كوسيلة منحرفة لتلقين الخطيب الشاب درساً في مواساة المواءمة.
وعند إغلاق ذلك المجلس النيابي عاد مور إلى الحياة الخاصة ونجح في مزاولة القانون. وأقنع عام 1509 بتولي منصب مساعد المشرف في المدينة، أي في لندن القديمة شمالي نهر التيمس. وكان مكلفاً بتبعات تتفق ومزاجه، وهي وظائف لها صيغة قانونية أكر مما تتسم بالمخاطرة. وأكسبته أحكامه شهرة واسعة، لما اتسمت به من حكمة وعدم تحيز، وخالف برفضه المهذب للهدايا من المتخاصمين، سوابق العهد الشائنة التي كانت لا تزال في عنفوانها أيام فرانسيس بيكون. وسرعان ما عاد إلى المجلس النيابي وما أن حل عام 1515 حتى كان خطيب مجلس العموم. ووصف أرازموس في خطاب بعث به إلى هوتن مور (23 يوليه 1517)، بأنه متوسط القامة له بشرة شاحبة وشعر أصحم لا يهتم بالملبس أو المظهر زاهد في الطعام والشراب، منشرح سريع النكتة حاضر الابتسامة، يميل إلى الدعابات والخدع ويحتفظ في بيته بمهرج وقرد وكثير من الحيوانات المدللة الصغيرة، "وكانت كل الطيور في تشلزيا تأتي إليه ليطعمها". وكان زوجاً مخلصاً وأباً محباً يعبد أولاده وخطيباً مقنعاً ومستشاراً أصيل الرأي ورجلاً شديد الحرص على البر وخدمات الأصدقاء - واختتم هذا الرسم التمهيدي الذي يدل على الوله به بأنه "باختصار ماذا خلقت الطبيعة الطف وأحلى وأسعد من عبقرية توماس مور؟(30)". ووجد أمامه متسعاً من الوقت لتأليف كتب وبدأ بكتاب "تاريخ رتشارد الثالث"، ولكن نزعته كانت حادة ضد الحكم المطلق، وكان يجلس على العرش حاكم مطلق، ورأى أن من الفطنة أن يتجنب قضاء الكلمة المطبوعة. ونشر بعد وفاته وكتب شكسبير مسرحية تقوم عليه، ولعل السيرة الذاتية التي أذاعتها الدراما تحمل بعض المسئولية عن الخلق الذي يحمله رتشارد، وفي عام 1516 طرح مور باللاتينية، كما لو كان يقوم بدعاية، كتاباً من أشهر الكتب بأسرها، مبدعاً كلمة، وواضعاً سابقة مقدماً على خطوة للمُدن الفاضلة الحديثة ومتوقعاً نصف الاشتراكية، ومعبراً عن نقد للاقتصاد والمجتمع والحكومة في إنجلترا إلى حد أنه تسلح من جديد بالإقدام بعد التروي ونشر المجلد في الخارج في ست طبعات لاتينية قبل أن يسمح بطبعه باللاتينية كذلك في إنجلترا. واعترف بأنه كتبه للتسلية دون أن يقصد نشره على الجمهور بيد أنه شكر أرازموس لإطلاعه عليه في المطبعة بلوفان(31) وترجم إلى الألمانيّة والإيطالية والفرنسية قبل أن تظهر النسخة الإنجليزية (1551) بعد وفاة المؤلف بستة عشر عاماً. وما أن حل عام 1520 حتى كان حديث القارة. وأطلق عليه مور اسم "ليس في موضع" ولا نعرف من خطر له ذلك الخاطر السعيد بتغيير هذا العنوان وسط الطباعة إلى المرادف اليوناني يوتوبيا أو المدينة الفاضلة(32) وثم إخراج الحكاية بصورة بارعة جداً دفعت كثيراً من القراء إلى الاعتقاد بأنها قصة حقيقية ويقال إن مبشراً دينياً قد فكر في السفر وتحويل سكان المدينة الفاضلة إلى المسيحية(33). وكان هنري الثامن قد أرسل مور سفيراً إلى بروجس (1515) ومن هناك انتقل إلى أنتورب برسالة قدمه فيها أرازموس إلى بيتر جيلس كاتب المدينة. وادعت المقدمة أن جيلس قد قدم مور إلى ملاح برتغالي له لحية، لوحت بشرته تقلبات الطقس، يدعى رافاييل هيثلوداي، وترادف باليونانية "ماهر في الهذر" كان قد سافر بحراً مع أمريجو فسبوتشي عام 1504، ودار حول الكرة الأرضيّة (ست سنوات قبل رحلة ماجلان)، وزار في العالم الجديد، جزيرة سعيدة حل سكانها معظم المشكلات التي كانت تعاني منها أوربا في ذلك العهد. وجعلت طبعة لوفان للسخرية أكثر تقبلاً بأن بدأت بحفر الخشب للجزيرة وعينة من لغة المدينة الفاضلة. ولم يكشف المؤامرة إلا هفوة واحدة: "فهيتلد واي يميل إلى الثناء على رئيس الأساقفة مورتون بكلمات(34) أقرب إلى فطرة مور التي تعترف بالجميل من تجربة الملاح.
ويصف ماجلان الوهمي شيوعية سكان الجزيرة بقوله: "لما كان كل شيء على المشاع، بين سكان المدينة الفاضلة فإن كل شيء متوفر لدى كل إنسان. وأنا أقارن بينهم وبين كثير من الأمم... حيث يقول كل إنسان إن كل ما قد حصل عليه ملك خاص له وإنه أموال خاصة. وأنا أستمسك جيداً بما قاله أفلاطون... إن كل الناس يجب أن يحصلوا ويتمتعوا بحصص متساوية من الثروة والأمتعة... لأنه حيث ينتزع كل إنسان، يتخذ ألقاباً معينة ويتمسك بادعاءات ما، ويختطف أكبر قدر يستطيع الحصول عليه بحيث نجد أن قلة هي التي تتقاسم فيما بينها كل الثروات فلن يترك للباقين سوى العوز والفاقة(35).
وكل إنسان في المدينة الفاضلة يأخذ إنتاجه إلى المخزن العام ويتسلم منه حسب ما تتطلبه احتياجاته. ولا أحد يطلب أكثر مما يكفيه لأن الأمان من الحاجة يصده عن الجشع. ويتناول الناس الوجبات على مائدة مشتركة ولكن للمرء أن يأكل في بيته إذا شاء. وليس في المدينة الفاضلة عملة ولا شراء بثمن رخيص ولا بيع بثمن غال، وآفات الغش والسرقة والنزاع على الملكية غير معروفة. ولا يستخدم الذهب بوصفه عملة، ولكن لصناعة أشياء نافعة مثل الأواني التي نقضي فيها الحاجة. وهي لا تعرف المجاعات أو السنوات العجاف، لأن المخازن العامة تحتفظ باحتياطي للطوارئ. وكل أسرة تشتغل بالزراعة والصناعة معاً، يستوي في ذلك الرجل والنساء. ولكي يتحقق إنتاج مناسب لابد أن يعمل كل بالغ ست ساعات يومياً، ويتحدد اختيار المهنة باحتياجات الجماعة. وسكان المدينة الفاضلة أحرار بمعنى الحرية من الجوع والخوف، ولكنهم ليسوا أحراراً في أن يعيشوا على حساب الآخرين. وفي المدينة الفاضلة قوانين بيد أنها بسيطة وقليلة، ومن ثم ينتظر من كل إنسان أن يدافع عن قضيته ولا حاجة لوجود محامين. ويحكم على الذين يخالفون القانون بالعمل عبيداً للجماعة، ويقومون بأداء المهام الكريهة، ولكنهم يستعيدون المساواة الكاملة بأقرانهم بعد انتهاء دورهم. أما الذين يكدرون صفو الأمن تكديراً خطيراً فيحكم عليهم بالإعدام في بلاد أخرى.
ووحدة المجتمع في المدينة الفاضلة هي الأسرة الأبوية "والزوجات يهيمن على أزواجهن، والأولاد ينسبون لآبائهم(36)". والزواج من واحدة هو الشكل الوحيد الذي يسمح به في مجال الارتباط الجنسي. وقبل الزواج ينصح الخطيبان بأن يرى أحدهما الآخر وهو مجرد من الملابس، حتى يكتشف العيوب الجسمانية في حينه، وإذا بلغت درجة كبيرة من الجسامة فإن العقد قد يلغى. وتذهب الزوجة لتعيش مع زوجها في دار والده بعد الزواج، ويسمح بالطلاق بسبب الزنا أو برضى الطرفين بشرط موافقة مجلس الجماعة. وتختار كل ثلاثين أسرة زعيم قبيلة كل عام ليحكمها ويختار كل عشرة من زعماء القبائل رئيساً لإدارة مقاطعة بها 300 أسرة. ويكون المائتا زعيم للقبائل مجلساً قومياً ينتخب أميراً أو ملكاً مدى الحياة.
ومن التبعات الأساسية الملقاة على عاتق زعماء القبائل المحافظة على صحة الجماعة بتزويدها بالماء النظيف واتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على الصحة العامة وتوفير العناية الطبية والعلاج بالمستشفيات لأن الصحة أهم النعم على الأرض وينظم الحكام التعليم للأطفال والكبار ويهتمون اهتماماً شديداً بالتدريب المهني ويؤيدون العلم ولا يشجعون التنجيم وقراءة الطالع والخرافة. ولهم أن يشنوا الحرب على الشعوب الأخرى إذا رأوا أن هذا يقتضيه صالح الجماعة: "إنهم يعتبرون أن أعدل سبب للحرب يتوفر عندما يحتفظ أي شعب بقطعة من الأرض فضاء ولا تستغل بأي صورة نافعة أو مربحة، ويمنع الآخرين من الاستفادة منها أو حيازتها، وهم بحكم قانون الطبيعة يجب أن يطعموا ويفرج عنهم(37) (هل كان هذا دفاعاً عن استعمار أمريكا؟). بيد أن سكان المدينة الفاضلة لا يمجدون الحرب، إنهم يكرهونها باعتبارها عملاً وحشياً واضحاً، ومناقضاً لشعور كل أمة أخرى تقريباً. ويرون أنه لا شيء أكثر خسة وتفاهة من المجد المستمد من الحرب(38)".
والدين في المدينة الفاضلة لا يكاد يكون حراً تماماً. وتعامل بالتسامح أي عقيدة، اللهم إلا الإلحاد وإنكار خلود الإنسان. وفي وسع ساكن المدينة الفاضلة إذا شاء أن يعبد الشمس أو القمر. ولكن الذين يلجئون إلى العنف في العمل أو الكلام عن أي دين معترف به يقبض عليهم ويعاقبون لأن القوانين تستهدف منع النزاع الديني(39). والذين ينكرون الخلود لا يعاقبون بل يبعدون عن الوظيفة ويحرم عليهم إبداء آراءهم لأي إنسان اللهم إلا للقساوسة و"أصحاب الشأن". وإلا "فإنه يباح لكل إنسان أن يؤثر ويتبع أي دين يشاء... ويستطيع أن يبذل كل جهده لإقناع آخر برأيه ما دام يفعل هذا سلمياً وفي رصانة، وفي غير ما عجلة وبلا زجر أو قدح يصدران عن نزاع ضد الآخرين(40)". ومن ثم فإن في المدينة الفاضلة عدة أديان بيد أن "أعظم وأحكم دور... هو الإيمان بوجود قوة إلهية معروفة، دائمة، لا تدرك ولا تفسر، أعظم من أن يدركها عقل الإنسان ومقدرته، متفرقة في أنحاء العالم(41)". والرهبانية مسموح بها بشرط أن يشغل الرهبان أنفسهم بأعمال البر والمنفعة العامة، مثل إصلاح الطرق والجسور وتطهير الخنادق وقطع الأخشاب والعمل خدماً بل ورقيقاً، وفي وسعهم أن يتزوجوا إذا رغبوا. وهناك قساوسة، ولكنهم يتزوجون أيضاً. وتعتبر الدولة أن أول وآخر كل شهر وكل عام بمثابة أعياد دينية، ولكن في تأدية الاحتفالات الدينية في هذه العطلات، "لا يرى تمثال أي إله في الكنيسة"، ولا تؤدى صلوات، ولكن في وسع كل إنسان أن يتلو صلاة ما في جرأة دون أن يسيء إلى أي طائفة(42). وفي كل يوم من هذه العطلات تسجد الزوجات والأطفال أمام أزواجهن أو آبائهم، ويطلبون الصفح عن أي ذنب قد اقترفته أو أي واجب يكونون قد أخلوا به، ولا يسمح لأحد بالحضور إلى الكنيسة إلا بعد أن يسود الوئام والسلام بينه وبين عدوه. وهذه لمسة مسيحية، ولكن إنسانية مور الفتية تبدو في قبوله الجزئي لوجهة النظر اليونانية عن الانتحار. إذا عانى الإنسان من مرض عضال غير قابل للشفاء، فإنه يسمح له ويشجع على إنهاء حياته. أما في الحالات الأخرى فإن مور يعتقد أن الانتحار جن، ويروى "أن الجثة يجب أن تلقى دون دفن في مستنقع نتن(43).
ولا نعرف كم من هذه يمثل النتائج التي توصل إليها مور بعد ترو، وكم منها كان من تفكير أرازموس، وكم منها كان من وحي ألاعيب الخيال. وعلى أية حال فإن السياسي الشاب أبعد نفسه في حرص عن اشتراكية سكان المدينة الفاضلة، وهو يتمثل نفسه يقول لهيثلوداي: "أرى أن كل الناس لن يعيشوا في ثراء حيث تكون كل الأشياء على المشاع. لأنه كيف تكون هناك وفرة في السلع... حيث نجد أن نظرة الإنسان إلى مكاسبه الشخصية لا تدفعه إلى العمل، ولكن الأمل يراوده في أن يجد في عناء الآخرين ما يجعله ينعم بالكسل. لا يمكن أن تكون كل الأمور على ما يرام، ما لم يكن كل الناس صالحين، وهو ما اعتقد أنه لن يحدث في هذه السنين العديدة الطويلة(44)". ومع ذلك فإن بعض التعاطف على ضروب الحنين المتطرفة لابد أن يكون قد استلهم بصورة كبيرة المثال الشيوعي. وثمة صفحات أخرى في المدينة الفاضلة تنتقد في غضب قسوة استغلال الأغنياء للفقراء. وفيها تنديد بإحاطة اللوردات الإنجليز لبعض الأراضي العامة بسياج، وذلك بصورة مفصلة وروح لا يتوقعان فيما يبدو، من أجنبي. ويقول هيثلوداي لمور: "إن الطمع الجائر للقلة قد تحول إلى الخراب التام لجزيرتك. إن هؤلاء الأغنياء لا يطيقون إلا أن يشتروا كل شيء ليتلهوا ويستأثروا بكل شيء ويتحكموا في السوق وحدهم كما يشاءون باحتكارهم(45)". وعندما أفكر وأزن بعقلي كل هذه الحكومات التي تزدهر الآن في كل مكان فإني لا أفهم - وليساعدني الله - إلا أن هناك مؤامرة، يدبرها الأغنياء لترويج سلعهم باسم الجمهور. إنهم يخترعون ويتوسلون بكل الوسائل والخدع... كيف يستأجرون... ويتعسفون... في جهد الفقراء مقابل مبلغ صغير بقدر الإمكان... وهذه الحيل تؤدي إلى سن القوانين(46). وهكذا يكاد يكون صوت كارل ماركس يحرك العالم من سفح فضاء في المتحف البريطاني، ولا شك أن المدينة الفاضلة هي أقوى ضروب الاتهام وأولها للنظام الاقتصادي الذي استمر في أوربا الحديثة حتى القرن العشرين، وإنها سوف تظل معاصرة مثل اقتصاد يسير وفق خطة معينة ومثل رفاهية الدولة أيضاً.
عمله السياسي المبكر
انتخب عضواً في المجلس النيابي (البرلمان) في عام 1504م، وفي عام 1523 انتخب رئيساً لمجلس العموم، كما تولى منصب مساعد عمدة لندن مقدماً نفسه إلى سكانها أنه نصير عام للفقراء، ثم تولى منصب قاضي القضاة (وزير العدل Chancellor) في إنكلترا بين عامي 1529-1532م.
مؤلف المدينة الفاضلة
كان والد توماس مور محامياً ناجحاً وقاضياً بارزاً. وتلقى توماس تعليمه في مدرسة سانت أنطوني بلندن، وعمل وصيفاً لرئيس الأساقفة مورتون، وكان لهذا الفضل في تثبيت عقيدته المحافظة وتكامله وتقواه المرحة. وتنبأ مورتون، كما يقال لنا، بأن "هذا الطفل الذي يخدم هنا على المائدة... سوف يثبت انه رجل عجيب(25)". وذهب الشاب إلى أكسفورد وهو في الخامسة عشرة من عمره، وسرعان ما فتن بالأدب الكلاسي إلى درجة حملت والد الشاب على انتزاعه من الجامعة، لإنقاذه من أن يصبح أديباً خاوي الوفاض وبعث به لدراسة القانون في لندن، وكانت أكسفورد وكامبردج لا تزالان تستهدفان إعداد الطلاب للعمل في سلك الكهنوت. وكانت كلية نيو إن وكلية لنكولن إن تدربان الرجال الذين كانوا وقتذاك يشرفون بين رجال الأكليروس على الحكومة في إنجلترا، ولم يتلقَ من أعضاء مجلس العموم تعليماً جامعياً سوى ثمانية أعضاء بينما كانت هناك نسبة مرتفعة من المحامين ورجال الأعمال.
وفي عام 1499 إلتقى مور، وكان في الحادية والعشرين من عمره، بأرازموس وافتتن بالمذهب الإنساني. وتعد صداقتهما من أطيب العطور شذى في ذلك العصر. فقد وهب كلاهما مرحاً بقدر ما، وجعلا لدراستهما طعماً مستساغاً بالهجو الضاحك. وكانا يشتركان في كراهية الفلسفة الكلامية التي قال مور إن ما تنطوي عليه من خبث في التفريق بين الأشياء يعود على المرء بفائدة توازي ما يكسبه من حلب تيس في غربال(26). وكانا يأملان في إصلاح الكنيسة من الداخل وتجنب تفكك أواصر الوحدة الدينية والتواصل التاريخي. ولم يكن مور نداً لأرازموس في العلم أو التسامح، والحق أن رقته المألوفة وكرمه كان يشوبهما في بعض الأوقات تطرف في الدين، وكان في الجدل ينحني بين آن وآخر مثل كل معاصريه، ليوجه لخصومه طعناً شديداً مريراً(27). ولكنه كان يفوق أرازموس في الشجاعة والإحساس بالكرامة والإخلاص لقضية. ولا شك أن الرسائل التي تبادلاها تعد شاهداً ثميناً على أفضال عصر فظ. فهناك رسالة لمور يقول في ختامها "وداعاً يا أرازموس الحبيب يا مَن هو أعز علي من عيني(28)".
وكان من أعظم رجال الدين في القرن الذي عاش فيه، أخزى بتقواه - العلمانية تهافت رجال الكهنوت من أمثال ولزى على الدنيا. وفي الثالثة والعشرين عندما تبحر في دراسة القانون فكر في أن يصبح قساً. وألقى محاضرات عامة (1501) عن مدينة الرب التي بشر بها أوغسطين، وجلس بين مستمعيه علماء تحارير أكبر منه سناً مثل جروسين. وعلى الرغم من انتقاده الرهبان لتقاعسهم عن الامتثال لما يفرضه عليهم نظامهم فإنه أعجب إعجاباً شديداً بنظام الدير المخلص، وأسف أحياناً لأنه لم يختر هذا النظام، وظل وقتاً طويلاً يرتدي قميصاً من شعر الخيل لا يلبس تحته شيئاً، وكان بين آن وآخر يسحب منه دماً يكفي لتلطيخ ثيابه ببقع من الدماء ترى بوضوح. وكان يؤمن بالمعجزات ويصدق قصص القديسين والمخلفات التي تستخدم للعلاج والصور الدينية ورحلات الحج(29). وكتب مصنفات ولائية لها نغمة القرون الوسطى أن الحياة سجن وأن الهدف من الدين والفلسفة تهيئة نفوسنا للموت، وتزوج مرتين وأنجب عدة أطفال أنشأهم على حب نظام مسيحي يتسم بالوقار والانشراح في آن واحد، وتصحبه صلاة متكررة وحب متبادل واتكال كامل على العناية الإلهية. وكانت "دار مانور" في تشلسي التي انتقل إليها في عام 1523 مشهورة بمكتبتها وصالة العرض فيها وحدائقها الممتدة إلى مائة ياردة إلى نهر التيمز.
واختير وهو في السادسة والعشرين من عمره (1504) نائباً بوصفه مواطناً حراً في المجلس النيابي. وهناك ناقش بنجاح ضد إجراء اقترحه هنري السابع مما دفع الملك إلى أن يسجن مور الكبير فترة قصيرة. ويفرض غرامة باهظة كوسيلة منحرفة لتلقين الخطيب الشاب درساً في مواساة المواءمة.
وعند إغلاق ذلك المجلس النيابي عاد مور إلى الحياة الخاصة ونجح في مزاولة القانون. وأقنع عام 1509 بتولي منصب مساعد المشرف في المدينة، أي في لندن القديمة شمالي نهر التيمس. وكان مكلفاً بتبعات تتفق ومزاجه، وهي وظائف لها صيغة قانونية أكر مما تتسم بالمخاطرة. وأكسبته أحكامه شهرة واسعة، لما اتسمت به من حكمة وعدم تحيز، وخالف برفضه المهذب للهدايا من المتخاصمين، سوابق العهد الشائنة التي كانت لا تزال في عنفوانها أيام فرانسيس بيكون. وسرعان ما عاد إلى المجلس النيابي وما أن حل عام 1515 حتى كان خطيب مجلس العموم. ووصف أرازموس في خطاب بعث به إلى هوتن مور (23 يوليه 1517)، بأنه متوسط القامة له بشرة شاحبة وشعر أصحم لا يهتم بالملبس أو المظهر زاهد في الطعام والشراب، منشرح سريع النكتة حاضر الابتسامة، يميل إلى الدعابات والخدع ويحتفظ في بيته بمهرج وقرد وكثير من الحيوانات المدللة الصغيرة، "وكانت كل الطيور في تشلزيا تأتي إليه ليطعمها". وكان زوجاً مخلصاً وأباً محباً يعبد أولاده وخطيباً مقنعاً ومستشاراً أصيل الرأي ورجلاً شديد الحرص على البر وخدمات الأصدقاء - واختتم هذا الرسم التمهيدي الذي يدل على الوله به بأنه "باختصار ماذا خلقت الطبيعة الطف وأحلى وأسعد من عبقرية توماس مور؟(30)".
ووجد أمامه متسعاً من الوقت لتأليف كتب وبدأ بكتاب "تاريخ رتشارد الثالث"، ولكن نزعته كانت حادة ضد الحكم المطلق، وكان يجلس على العرش حاكم مطلق، ورأى أن من الفطنة أن يتجنب قضاء الكلمة المطبوعة. ونشر بعد وفاته وكتب شكسبير مسرحية تقوم عليه، ولعل السيرة الذاتية التي أذاعتها الدراما تحمل بعض المسئولية عن الخلق الذي يحمله رتشارد، وفي عام 1516 طرح مور باللاتينية، كما لو كان يقوم بدعاية، كتاباً من أشهر الكتب بأسرها، مبدعاً كلمة، وواضعاً سابقة مقدماً على خطوة للمُدن الفاضلة الحديثة ومتوقعاً نصف الاشتراكية، ومعبراً عن نقد للاقتصاد والمجتمع والحكومة في إنجلترا إلى حد أنه تسلح من جديد بالإقدام بعد التروي ونشر المجلد في الخارج في ست طبعات لاتينية قبل أن يسمح بطبعه باللاتينية كذلك في إنجلترا. واعترف بأنه كتبه للتسلية دون أن يقصد نشره على الجمهور بيد أنه شكر أرازموس لإطلاعه عليه في المطبعة بلوفان(31) وترجم إلى الألمانيّة والإيطالية والفرنسية قبل أن تظهر النسخة الإنجليزية (1551) بعد وفاة المؤلف بستة عشر عاماً. وما أن حل عام 1520 حتى كان حديث القارة.
وأطلق عليه مور اسم "ليس في موضع" ولا نعرف من خطر له ذلك الخاطر السعيد بتغيير هذا العنوان وسط الطباعة إلى المرادف اليوناني يوتوبيا أو المدينة الفاضلة(32) وثم إخراج الحكاية بصورة بارعة جداً دفعت كثيراً من القراء إلى الاعتقاد بأنها قصة حقيقية ويقال إن مبشراً دينياً قد فكر في السفر وتحويل سكان المدينة الفاضلة إلى المسيحية(33). وكان هنري الثامن قد أرسل مور سفيراً إلى بروجس (1515) ومن هناك انتقل إلى أنتورب برسالة قدمه فيها أرازموس إلى بيتر جيلس كاتب المدينة. وادعت المقدمة أن جيلس قد قدم مور إلى ملاح برتغالي له لحية، لوحت بشرته تقلبات الطقس، يدعى رافاييل هيثلوداي، وترادف باليونانية "ماهر في الهذر" كان قد سافر بحراً مع أمريجو فسبوتشي عام 1504، ودار حول الكرة الأرضيّة (ست سنوات قبل رحلة ماجلان)، وزار في العالم الجديد، جزيرة سعيدة حل سكانها معظم المشكلات التي كانت تعاني منها أوربا في ذلك العهد. وجعلت طبعة لوفان للسخرية أكثر تقبلاً بأن بدأت بحفر الخشب للجزيرة وعينة من لغة المدينة الفاضلة. ولم يكشف المؤامرة إلا هفوة واحدة: "فهيتلد واي يميل إلى الثناء على رئيس الأساقفة مورتون بكلمات(34) أقرب إلى فطرة مور التي تعترف بالجميل من تجربة الملاح.
ويصف ماجلان الوهمي شيوعية سكان الجزيرة بقوله: "لما كان كل شيء على المشاع، بين سكان المدينة الفاضلة فإن كل شيء متوفر لدى كل إنسان. وأنا أقارن بينهم وبين كثير من الأمم... حيث يقول كل إنسان إن كل ما قد حصل عليه ملك خاص له وإنه أموال خاصة. وأنا أستمسك جيداً بما قاله أفلاطون... إن كل الناس يجب أن يحصلوا ويتمتعوا بحصص متساوية من الثروة والأمتعة... لأنه حيث ينتزع كل إنسان، يتخذ ألقاباً معينة ويتمسك بادعاءات ما، ويختطف أكبر قدر يستطيع الحصول عليه بحيث نجد أن قلة هي التي تتقاسم فيما بينها كل الثروات فلن يترك للباقين سوى العوز والفاقة(35).
وكل إنسان في المدينة الفاضلة يأخذ إنتاجه إلى المخزن العام ويتسلم منه حسب ما تتطلبه احتياجاته. ولا أحد يطلب أكثر مما يكفيه لأن الأمان من الحاجة يصده عن الجشع. ويتناول الناس الوجبات على مائدة مشتركة ولكن للمرء أن يأكل في بيته إذا شاء. وليس في المدينة الفاضلة عملة ولا شراء بثمن رخيص ولا بيع بثمن غال، وآفات الغش والسرقة والنزاع على الملكية غير معروفة. ولا يستخدم الذهب بوصفه عملة، ولكن لصناعة أشياء نافعة مثل الأواني التي نقضي فيها الحاجة. وهي لا تعرف المجاعات أو السنوات العجاف، لأن المخازن العامة تحتفظ باحتياطي للطوارئ. وكل أسرة تشتغل بالزراعة والصناعة معاً، يستوي في ذلك الرجل والنساء. ولكي يتحقق إنتاج مناسب لابد أن يعمل كل بالغ ست ساعات يومياً، ويتحدد اختيار المهنة باحتياجات الجماعة. وسكان المدينة الفاضلة أحرار بمعنى الحرية من الجوع والخوف، ولكنهم ليسوا أحراراً في أن يعيشوا على حساب الآخرين. وفي المدينة الفاضلة قوانين بيد أنها بسيطة وقليلة، ومن ثم ينتظر من كل إنسان أن يدافع عن قضيته ولا حاجة لوجود محامين. ويحكم على الذين يخالفون القانون بالعمل عبيداً للجماعة، ويقومون بأداء المهام الكريهة، ولكنهم يستعيدون المساواة الكاملة بأقرانهم بعد انتهاء دورهم. أما الذين يكدرون صفو الأمن تكديراً خطيراً فيحكم عليهم بالإعدام في بلاد أخرى.
ووحدة المجتمع في المدينة الفاضلة هي الأسرة الأبوية "والزوجات يهيمن على أزواجهن، والأولاد ينسبون لآبائهم(36)". والزواج من واحدة هو الشكل الوحيد الذي يسمح به في مجال الارتباط الجنسي.
وقبل الزواج ينصح الخطيبان بأن يرى أحدهما الآخر وهو مجرد من الملابس، حتى يكتشف العيوب الجسمانية في حينه، وإذا بلغت درجة كبيرة من الجسامة فإن العقد قد يلغى. وتذهب الزوجة لتعيش مع زوجها في دار والده بعد الزواج، ويسمح بالطلاق بسبب الزنا أو برضى الطرفين بشرط موافقة مجلس الجماعة. وتختار كل ثلاثين أسرة زعيم قبيلة كل عام ليحكمها ويختار كل عشرة من زعماء القبائل رئيساً لإدارة مقاطعة بها 300 أسرة. ويكون المائتا زعيم للقبائل مجلساً قومياً ينتخب أميراً أو ملكاً مدى الحياة.
ومن التبعات الأساسية الملقاة على عاتق زعماء القبائل المحافظة على صحة الجماعة بتزويدها بالماء النظيف واتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على الصحة العامة وتوفير العناية الطبية والعلاج بالمستشفيات لأن الصحة أهم النعم على الأرض وينظم الحكام التعليم للأطفال والكبار ويهتمون اهتماماً شديداً بالتدريب المهني ويؤيدون العلم ولا يشجعون التنجيم وقراءة الطالع والخرافة. ولهم أن يشنوا الحرب على الشعوب الأخرى إذا رأوا أن هذا يقتضيه صالح الجماعة: "إنهم يعتبرون أن أعدل سبب للحرب يتوفر عندما يحتفظ أي شعب بقطعة من الأرض فضاء ولا تستغل بأي صورة نافعة أو مربحة، ويمنع الآخرين من الاستفادة منها أو حيازتها، وهم بحكم قانون الطبيعة يجب أن يطعموا ويفرج عنهم(37) (هل كان هذا دفاعاً عن استعمار أمريكا؟). بيد أن سكان المدينة الفاضلة لا يمجدون الحرب، إنهم يكرهونها باعتبارها عملاً وحشياً واضحاً، ومناقضاً لشعور كل أمة أخرى تقريباً. ويرون أنه لا شيء أكثر خسة وتفاهة من المجد المستمد من الحرب(38)".
والدين في المدينة الفاضلة لا يكاد يكون حراً تماماً. وتعامل بالتسامح أي عقيدة، اللهم إلا الإلحاد وإنكار خلود الإنسان. وفي وسع ساكن المدينة الفاضلة إذا شاء أن يعبد الشمس أو القمر. ولكن الذين يلجئون إلى العنف في العمل أو الكلام عن أي دين معترف به يقبض عليهم ويعاقبون لأن القوانين تستهدف منع النزاع الديني(39). والذين ينكرون الخلود لا يعاقبون بل يبعدون عن الوظيفة ويحرم عليهم إبداء آراءهم لأي إنسان اللهم إلا للقساوسة و"أصحاب الشأن". وإلا "فإنه يباح لكل إنسان أن يؤثر ويتبع أي دين يشاء... ويستطيع أن يبذل كل جهده لإقناع آخر برأيه ما دام يفعل هذا سلمياً وفي رصانة، وفي غير ما عجلة وبلا زجر أو قدح يصدران عن نزاع ضد الآخرين(40)". ومن ثم فإن في المدينة الفاضلة عدة أديان بيد أن "أعظم وأحكم دور... هو الإيمان بوجود قوة إلهية معروفة، دائمة، لا تدرك ولا تفسر، أعظم من أن يدركها عقل الإنسان ومقدرته، متفرقة في أنحاء العالم(41)". والرهبانية مسموح بها بشرط أن يشغل الرهبان أنفسهم بأعمال البر والمنفعة العامة، مثل إصلاح الطرق والجسور وتطهير الخنادق وقطع الأخشاب والعمل خدماً بل ورقيقاً، وفي وسعهم أن يتزوجوا إذا رغبوا. وهناك قساوسة، ولكنهم يتزوجون أيضاً. وتعتبر الدولة أن أول وآخر كل شهر وكل عام بمثابة أعياد دينية، ولكن في تأدية الاحتفالات الدينية في هذه العطلات، "لا يرى تمثال أي إله في الكنيسة"، ولا تؤدى صلوات، ولكن في وسع كل إنسان أن يتلو صلاة ما في جرأة دون أن يسيء إلى أي طائفة(42). وفي كل يوم من هذه العطلات تسجد الزوجات والأطفال أمام أزواجهن أو آبائهم، ويطلبون الصفح عن أي ذنب قد اقترفته أو أي واجب يكونون قد أخلوا به، ولا يسمح لأحد بالحضور إلى الكنيسة إلا بعد أن يسود الوئام والسلام بينه وبين عدوه. وهذه لمسة مسيحية، ولكن إنسانية مور الفتية تبدو في قبوله الجزئي لوجهة النظر اليونانية عن الانتحار. إذا عانى الإنسان من مرض عضال غير قابل للشفاء، فإنه يسمح له ويشجع على إنهاء حياته. أما في الحالات الأخرى فإن مور يعتقد أن الانتحار جن، ويروى "أن الجثة يجب أن تلقى دون دفن في مستنقع نتن(43).
ولا نعرف كم من هذه يمثل النتائج التي توصل إليها مور بعد ترو، وكم منها كان من تفكير أرازموس، وكم منها كان من وحي ألاعيب الخيال. وعلى أية حال فإن السياسي الشاب أبعد نفسه في حرص عن اشتراكية سكان المدينة الفاضلة، وهو يتمثل نفسه يقول لهيثلوداي: "أرى أن كل الناس لن يعيشوا في ثراء حيث تكون كل الأشياء على المشاع. لأنه كيف تكون هناك وفرة في السلع... حيث نجد أن نظرة الإنسان إلى مكاسبه الشخصية لا تدفعه إلى العمل، ولكن الأمل يراوده في أن يجد في عناء الآخرين ما يجعله ينعم بالكسل. لا يمكن أن تكون كل الأمور على ما يرام، ما لم يكن كل الناس صالحين، وهو ما اعتقد أنه لن يحدث في هذه السنين العديدة الطويلة(44)". ومع ذلك فإن بعض التعاطف على ضروب الحنين المتطرفة لابد أن يكون قد استلهم بصورة كبيرة المثال الشيوعي. وثمة صفحات أخرى في المدينة الفاضلة تنتقد في غضب قسوة استغلال الأغنياء للفقراء. وفيها تنديد بإحاطة اللوردات الإنجليز لبعض الأراضي العامة بسياج، وذلك بصورة مفصلة وروح لا يتوقعان فيما يبدو، من أجنبي. ويقول هيثلوداي لمور: "إن الطمع الجائر للقلة قد تحول إلى الخراب التام لجزيرتك. إن هؤلاء الأغنياء لا يطيقون إلا أن يشتروا كل شيء ليتلهوا ويستأثروا بكل شيء ويتحكموا في السوق وحدهم كما يشاءون باحتكارهم(45)". وعندما أفكر وأزن بعقلي كل هذه الحكومات التي تزدهر الآن في كل مكان فإني لا أفهم - وليساعدني الله - إلا أن هناك مؤامرة، يدبرها الأغنياء لترويج سلعهم باسم الجمهور. إنهم يخترعون ويتوسلون بكل الوسائل والخدع... كيف يستأجرون... ويتعسفون... في جهد الفقراء مقابل مبلغ صغير بقدر الإمكان... وهذه الحيل تؤدي إلى سن القوانين(46).
وهكذا يكاد يكون صوت كارل ماركس يحرك العالم من سفح فضاء في المتحف البريطاني، ولا شك أن المدينة الفاضلة هي أقوى ضروب الاتهام وأولها للنظام الاقتصادي الذي استمر في أوربا الحديثة حتى القرن العشرين، وإنها سوف تظل معاصرة مثل اقتصاد يسير وفق خطة معينة ومثل رفاهية الدولة أيضاً.
الشهيد
كيف تأتى لرجل تعج في رأسه مثل هذه الأفكار أن يعين في مجلس هنري الثامن في السنة التالية لنشر كتاب المدينة الفاضلة؟ الراجح أن الملك على الرغم مما اشتهر به من علم، لم يستطع أن يتحمل قراءة الكتاب للاتينية ومات قبل أن ينشر بالإنجليزية. واحتفظ مور بخواطره المتطرفة لأصدقائه. وعرفه هنري مزيجاً نادراً من المقدرة والكمال، وقدره باعتباره صلة وثيقة بينه وبين مجلس العموم، ونصبه فارساً وعينه وكيلاً للخزانة (1521)، وعهد إليه بمهام دبلوماسية دقيقة.
وعارض مور السياسة الخارجية التي انتهجها ولزى وقاد بها إنجلترا للحرب مع شارل الخامس، إذ أن الإمبراطور في نظر مور لم يكن داهية خطيراً فحسب، بل كان أيضاً البطل المدافع عن العالم المسيحي ضد الأتراك. وعندما سقط ولزى نسي مور حتى وقتذاك أخلاقياته ليراجع - في المجلس النيابي - زلاته وأخطاءه التي أدت إلى السقوط. وكان، بصفته زعيماً للمعارضة، الخليفة المنطقي للكردينال، وظل يعمل رئيساً لوزراء (حاجباً) إنجلترا واحداً وثلاثين شهراً.
ولكن الملك كان الخليفة الحقيقي لولزى. فقد اكتشف هنري قوته ومقدرته وقال إنه قرر أنه يحرر نفسه من بابوية تكن له العداوة وتقف في طريقه وأن يسبغ صفة الشرعية على زواجه بامرأة أحبها وتستطيع أن تنجب له وريثاً للعرش.
ووجد مور نفسه لا يوجه السياسة بل يخدم الأهداف التي تسير في اتجاه مضاد لأعمق مشاعر الولاء التي يطويها بين جوانحه. وواسى نفسه بتأليف كتب ضد اللاهوت البروتستانتي وبمطاردة زعماء البروتستانت. واتفق في كتاب حوار يتعلق بالهرطقة (1528) وفي كتب متأخرة، مع فرديناند الثاني وكالفن والأمراء اللوثريين على ضرورة الوحدة الدينية لتحقيق القوة والسلام القوميين. وخشي انقسام الإنجليز إلى اثنتي عشرة أو مائة طائفة دينية. ومع أنه كان قد دافع عن ترجمة أرازموس للعهد الجديد إلى اللاتينية فإنه احتج ضد نسخة تندال الإنجليزية باعتبارها تحريفاً للنص بصورة تثبت وجهات النظر اللوثرية، وشعر بأن ترجمات الكتاب المقدس يجب ألا تتحول إلى أسلحة يشرعها فلاسفة الحانة. وعلى أية حال فإنه تمسك بأن الكنيسة كانت أداة ثمينة جداً للنظام والمواساة والإلهام، بحيث لا يجوز تمزيقها إرباً بالاستدلال المتسرع من مجادلين معجبين بأنفسهم.
وانتقل من هذه الحال إلى إحراق البروتستانت على المحرقة. أما الاتهام الذي وجه إليه بأنه أمر بجلد رجل في بيته بسبب الهرطقة(47) فإنه موضع خلاف، ويبدو أن رواية مور عن المذنب بعيدة عن اللاهوت "إذا نظر خلسة لأية امرأة وهي تركع" في الصلاة و "إذا تدلى من رأسها شيء في تذرعاته فإنه عند إذ يتسلل وراءها. يعمل على رفع كل ثيابها ويقذف بها فوق رأسها(48)". ويمكن أن يقال إنه في أحكام الإعدام الثلاثة التي أعلنت في أسقفيته إبان توليه منصب الحاجب، كان يستجيب فيها للقانون، الذي كانت الدولة في حاجة إليه ليكون العضد العلماني للمحاكم الكنسية(49)، ولكن ليس من شك في أنه وافق على عمليات الإحراق(50). ولم يسلم بوجود أي تناقض بين سلوكه والتسامح الكبير في الاختلافات الدينية الذي أبداه في مدينته الفاضلة، لأنه حتى هناك رفض التسامح مع الملحدين والمنكرين للخلود، وهؤلاء الهراطقة الذين لجئوا إلى العنف أو توسلوا بالطعن. ومع ذلك فقد ارتكب هو نفسه جريمة الطعن بمجادلته البروتستانت الإنجليز .
وجاء الوقت الذي رأى فيه مور أن هنري أخطر الهراطقة على الإطلاق. ورفض الموافقة على زواجه من آن بولين ورأى في التشريع المناهض لرجال الدين الذي صدر في 1529-32 اعتداء صارخاً على كنيسة يرى أنها بمثابة قاعدة لا غنى عنها للنظام الاجتماعي. وعندما تقاعد من المنصب وانسحب إلى خلوة بيته في تشلسي (1532) كان لا يزال في عنفوانه، في الرابعة والخمسين من عمره، ولكنه كان يرتاب في أنه لن يعيش طويلاً. وحاول أن يهيئ أسرته للمأساة بالحديث (هكذا يقول زوج ابنته وليام روبر) عن حياة الشهداء الأحرار وعن جلدهم العجيب وعما كابدوه من آلام وعن ميتتهم التي آثروا فيها أن يتعرضوا للعذاب على أن يسيئوا إلى الرب، فأي شيء أسعد وأكثر بركة من أن يحب الله وأن يتعرض لفقد المال والسجن وضياع الأرض بل والحياة أيضاً. وكان فضلاً عن هذا يقول لهم معتصماً بعقيدته إذا أدرك أن أبناءه سوف يشجعونه على الترحيب بالموت في سبيل هدف سام فإنه سوف يجد في هذا من السلوى ما يملأ نفسه حبوراً ولهذا السبب يهرع إلى الموت مبتهجاً(52). وتحقق كل ما توقعه، فقد اتهم عام 1534، ووجهت إليه تهمة بأنه كان على علم بمؤامرة تتعلق براهبة كنت، فأقر بأنه التقى بها، وآمن بأنها تتلقى الوحي، ولكنه أنكر أنه كان على علم بالمؤامرة. وتشفع كرومويل، وتفضل هنري بالصفح عنه. ولكن في السابع عشر من أبريل حكم على مور بالسجن في البرج لأنه رفض أن يحلف اليمين على قانون الوراثة، الذي رأى عندما قدم إليه أنه ينطوي على إنكار لسيادة البابا على الكنيسة في إنجلترا.
وكتبت إليه ابنته الأثيرة، مرجريت رسالة ترجوه فيها أن يحلف اليمين، فرد عليها بأن توسلها سبب له ألماً أشد مما سببه له سجنه. وزارته زوجته (الثانية) في البرج وانتهرته (كما يقول روبر) لعناده:
"إني لأعجب لك في هذا العام يا مستر مور، يا مَن كنت أحسبك حتى الآن رجلاً عاقلاً، لماذا تتظاهر بالحمق، فترقد هنا في هذا السجن الضيق القذر، وترضى بأن تحبس بين الفئران والجرذان، بينما في وسعك أن تكون حراً في الخارج، وتنعم بحظوة ورضا الملك ومجلسه، إذا فعلت فقط ما فعله كل الأساقفة وخير المتعلمين في هذه المملكة. وعندما أرى أن لك في تشلسي بيتاً جميلاً لائقاً، وأرى مكتبتك وكتبك وقاعة صورك وحديقتك وبستانك وكل الضروريات الأخرى، تبدو جميلة من حولك، حتى لتستطيع أن تسعد برفقتي، أنا زوجتك، ورفقة أولادك وأسرتك، فإني أتأمل باسم الرب ماذا تعني بمكوثك هنا وكلفك بإطالة أمده(53)".
وبذلت محاولات أخرى لزحزحته عن موقفه، بيد أنه قاومها كلها بابتسامة.
وفي أول يوليه سنة 1535 قدم لمحاكمة أخيرة. فدافع عن نفسه جيداً ولكن حكم عليه بالإدانة لخيانة الدولة، وبينما كان عائداً وستمنستر إلى البرج اقتحمت ابنته مرجريت صفوف الحرس، واحتضنته وتقبلت بركته الأخيرة. وفي اليوم السابق لإعدامه أرسل قميصه المصنوع من الشعر إلى مرجريت ومعه رسالة "غداً نلتقي) لكي نذهب إلى الله... وداعاً يا ابنتي العزيزة، صلي من أجلي، وسوف أصلي من أجلكِ، ومن أجل جميع أصدقائكِ، لكي نلتقي في السماء مسرورين(54).
وعندما ارتقى منصة المقصلة (في 7 يوليو) ووجد أنها ضعيفة توشك أن تنهار قال لأحد التابعين: "أرجوك أيها الملازم أن تراعي أن أكون في أمان وأنا في أعلاها، وبالنسبة لنزولي دعني أحتال لنفسي(55)". وطلب منه الجلاد الصفح والمغفرة فاحتضنه مور. وكان هنري قد أصدر تعليمات بألا يسمح للسجين إلا ببضع كلمات. وطلب مور من المشاهدين أن يصلوا من أجله، وأن يشهدوا بأنه تعرض للموت في سبيل عقيدة الكنيسة الكاثوليكية المقدسة، ومن أجلها، ثم طلب منهم أن يصلوا من أجل الملك، وأن ينعم الله عليه بمشير صالح، واحتج بأنه مات وهو خادم صالح للملك، ولكنه خادم الرب أولاً(56)، وتلا المزمور الحادي والخمسين، ثم وضع رأسه على الكتلة، وسوى بعناية لحيته البيضاء الطويلة، حتى لا تتعرض لأي أذى وقال: "مما يؤسف له أنها سوف تقطع، وأنها لم ترتكب جريمة خيانة الدولة(57)"، وعلق رأسه على جسر لندن. وسرت موجة من الرعب في إنجلترا التي أدركت وقتذاك قسوة الملك، التي أصر عليها، وسرت في أوربا قشعريرة من الفزع. وشعر أرازموس أنه هو نفسه قد مات لأنه، "ليس لنا إلا روح واحدة تتردد بيننا(58)" وقال إنه لم تعد لديه وقتذاك أي رغبة في الحياة. وبعد عام مات هو أيضاً. وعلم شارل الخامس بالحادث وقال للسفير الإنجليزي: "لو كنت سيداً لخادم مثل هذا توفرت لي - أنا نفسي - عن أعماله خبرة غير ضئيلة في هذه السنوات العديدة، فإني كنت أفضل أن أفقد أحسن مدينة في ممتلكاتي ولا افقد مثل هذا المستشار الجليل(59)". وصاغ البابا بولس الثالث نشرة بابوية بحرمان هنري الخارج على القانون من زمالة العالم المسيحي، وتحريم الصلوات الدينية في إنجلترا، ومنع كل تجارة معها، وحل كل الرعايا البريطانيين من إيمانهم بالولاء للملك، وأمرهم هم وكل الأمراء المسيحيين بخلعه فوراً. ولما كان كل من شارل وفرانسيس لا يرحبان بهذه الإجراءات، فإن البابا حجز صدور النشرة البابوية حتى عام 1538. وعندما أصدرها، منع شارل وفرانسيس نشرها في مملكتيهما، إذ لم يرضيا التصديق على الادعاءات البابوية بوجود سلطة له على الملوك. وكان فشل النشرة البابوية إيذاناً بضعف السلطة البابوية، وارتفاع سلطة الدولة القومي.
ورأى دين سزيفت أن مور رجل "يتمتع بأعظم الفضائل" - ولعله يستخدم الكلمة بمعناها القديم الخاص بالشجاعة - "بين الرجال الذين أنجبتهم هذه المملكة(60)". وفي الذكرى الأربعمائة لإعدام توماس مور وجون فيشر أدرجتهما كنيسة روما بين قديسيها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المحاكمة والإعدام
وبسبب رفضه إقرار انفصال الكنيسة الإنكليزية عن البابوية، والاعتراف بالملك هنري الثامن رئيساً روحياً للكنيسة الإنكليزية، إضافة إلى رفضه الإقرار بطلاق الملك من زوجته السابقة وزواجه من آن بولين Anne Boleyn (وهو السبب المباشر لانفصال هنري الثامن عن الكنيسة الكاثوليكية وتأسيسه الكنيسة الإنكليزية المستقلة) حُكم على توماس مور بالإعدام وضُرب عنقه في تموز/يوليو 1535م. ولهذا رسمته الكنيسة الكاثوليكية قديساً في أيار/مايو 1935م.
ترك توماس مور كثيراً من الآثار الأدبية والفلسفية والاقتصادية، من أهم هذه الآثار: «تاريخ الملك ريتشارد الثالث» الذي كتبه مور باللغتين اللاتينية والإنكليزية بين عامي 1513- 1518 ولكنه لم ينهِ كتابته. مع هذا يُعدّ الكتاب في مقدمة كتب التاريخ الإنكليزية التي استقى منها المؤرخون اللاحقون المنهج والأسلوب، ويرى نقاد الأدب أن شكسبير Shakespeare مدين لكتاب مور هذا باستلهام صورة الطاغية Tyrant.
أما كتاب مور الذي يُعدّ معلماً فلسفياً واشتراكياً كبيراً فهو كتاب «الطوباوية» Utopia الذي كتبه مور بعد ضلوعه في المفاوضات التجارية الإنكليزية - الفلمنكية التي زار من أجلها مدناً بلجيكية كثيرة، والتقى رجالاً مثقفين مثله يقومون بمهام سياسية رفيعة، فبدأ كتابة الـ«يوتوبيا» في بلجيكا وأتم كتابته بعد عودته إلى لندن ونشره في لوفان أواخر عام 1516، والـ«يوتوبيا» تسمية لمدينة خيالية غير موجودة (لفظ معرب أصله أوتوبيا أو يوتوبيا وهو مؤلف من لفظين يونانين، topos ومعناها المكان وou ومعناها ليس، فمعنى اليوتوبيا إذن ما ليس في مكان، وهو الخيالي أو المثالي)، وفيها يصف مور المجتمع الذي يتمناه، وهو مجتمع «شيوعي» بمعنى أن المؤسسات فيه. والسياسات تدار إدارة عقلانية بعيدة عن المصالح الفردية والاقتتال على السلطة. في الـ«يوتوبيا» يتحدث مور على لسان بحار وهمي (رحالة) اسمه رافاييل هايثلوداي قائلاً: إن المجتمع الشيوعي هو العلاج الوحيد لمرض الأنانية في الحياة الخاصة والحياة العامة على السواء، وفي الـ«يوتوبيا» التعليم حكومي ومجاني وللمرأة حقوق مساوية للرجل، ولا وجود للملكية الخاصة أو حتى الفردية والناس يعيشون حياة هادئة بعيدة عن المشكلات، وفي الـ«يوتوبيا» مهد مور الطريق لظهور الأفكار الاشتراكية ذات النزعة الإنسانية.
وقف مور حياته لخدمة الإنسان، وقضى نحبه دفاعاً عن مبادئه وقناعاته، مخلفاً وراءه تراثاً إنسانياً اشتراكياً ألهم المفكرين والفلاسفة من بعده، ولا يزال يلهمهم حتى اليوم الحاضر.
كيف تأتى لرجل تعج في رأسه مثل هذه الأفكار أن يعين في مجلس هنري الثامن في السنة التالية لنشر كتاب المدينة الفاضلة؟ الراجح أن الملك على الرغم مما اشتهر به من علم، لم يستطع أن يتحمل قراءة الكتاب للاتينية ومات قبل أن ينشر بالإنجليزية. واحتفظ مور بخواطره المتطرفة لأصدقائه. وعرفه هنري مزيجاً نادراً من المقدرة والكمال، وقدره باعتباره صلة وثيقة بينه وبين مجلس العموم، ونصبه فارساً وعينه وكيلاً للخزانة (1521)، وعهد إليه بمهام دبلوماسية دقيقة. وعارض مور السياسة الخارجية التي انتهجها ولزى وقاد بها إنجلترا للحرب مع شارل الخامس، إذ أن الإمبراطور في نظر مور لم يكن داهية خطيراً فحسب، بل كان أيضاً البطل المدافع عن العالم المسيحي ضد الأتراك. وعندما سقط ولزى نسي مور حتى وقتذاك أخلاقياته ليراجع - في المجلس النيابي - زلاته وأخطاءه التي أدت إلى السقوط. وكان، بصفته زعيماً للمعارضة، الخليفة المنطقي للكردينال، وظل يعمل رئيساً لوزراء (حاجباً) إنجلترا واحداً وثلاثين شهراً.
ولكن الملك كان الخليفة الحقيقي لولزى. فقد اكتشف هنري قوته ومقدرته وقال إنه قرر أنه يحرر نفسه من بابوية تكن له العداوة وتقف في طريقه وأن يسبغ صفة الشرعية على زواجه بامرأة أحبها وتستطيع أن تنجب له وريثاً للعرش. ووجد مور نفسه لا يوجه السياسة بل يخدم الأهداف التي تسير في اتجاه مضاد لأعمق مشاعر الولاء التي يطويها بين جوانحه. وواسى نفسه بتأليف كتب ضد اللاهوت البروتستانتي وبمطاردة زعماء البروتستانت. واتفق في كتاب حوار يتعلق بالهرطقة (1528) وفي كتب متأخرة، مع فرديناند الثاني وكالفن والأمراء اللوثريين على ضرورة الوحدة الدينية لتحقيق القوة والسلام القوميين. وخشي انقسام الإنجليز إلى اثنتي عشرة أو مائة طائفة دينية. ومع أنه كان قد دافع عن ترجمة أرازموس للعهد الجديد إلى اللاتينية فإنه احتج ضد نسخة تندال الإنجليزية باعتبارها تحريفاً للنص بصورة تثبت وجهات النظر اللوثرية، وشعر بأن ترجمات الكتاب المقدس يجب ألا تتحول إلى أسلحة يشرعها فلاسفة الحانة. وعلى أية حال فإنه تمسك بأن الكنيسة كانت أداة ثمينة جداً للنظام والمواساة والإلهام، بحيث لا يجوز تمزيقها إرباً بالاستدلال المتسرع من مجادلين معجبين بأنفسهم. وانتقل من هذه الحال إلى إحراق البروتستانت على المحرقة. أما الاتهام الذي وجه إليه بأنه أمر بجلد رجل في بيته بسبب الهرطقة(47) فإنه موضع خلاف، ويبدو أن رواية مور عن المذنب بعيدة عن اللاهوت "إذا نظر خلسة لأية امرأة وهي تركع" في الصلاة و "إذا تدلى من رأسها شيء في تذرعاته فإنه عند إذ يتسلل وراءها. يعمل على رفع كل ثيابها ويقذف بها فوق رأسها(48)". ويمكن أن يقال إنه في أحكام الإعدام الثلاثة التي أعلنت في أسقفيته إبان توليه منصب الحاجب، كان يستجيب فيها للقانون، الذي كانت الدولة في حاجة إليه ليكون العضد العلماني للمحاكم الكنسية(49)، ولكن ليس من شك في أنه وافق على عمليات الإحراق(50). ولم يسلم بوجود أي تناقض بين سلوكه والتسامح الكبير في الاختلافات الدينية الذي أبداه في مدينته الفاضلة، لأنه حتى هناك رفض التسامح مع الملحدين والمنكرين للخلود، وهؤلاء الهراطقة الذين لجئوا إلى العنف أو توسلوا بالطعن. ومع ذلك فقد ارتكب هو نفسه جريمة الطعن بمجادلته البروتستانت الإنجليز . وجاء الوقت الذي رأى فيه مور أن هنري أخطر الهراطقة على الإطلاق. ورفض الموافقة على زواجه من آن بولين ورأى في التشريع المناهض لرجال الدين الذي صدر في 1529-32 اعتداء صارخاً على كنيسة يرى أنها بمثابة قاعدة لا غنى عنها للنظام الاجتماعي. وعندما تقاعد من المنصب وانسحب إلى خلوة بيته في تشلسي (1532) كان لا يزال في عنفوانه، في الرابعة والخمسين من عمره، ولكنه كان يرتاب في أنه لن يعيش طويلاً. وحاول أن يهيئ أسرته للمأساة بالحديث (هكذا يقول زوج ابنته وليام روبر) عن حياة الشهداء الأحرار وعن جلدهم العجيب وعما كابدوه من آلام وعن ميتتهم التي آثروا فيها أن يتعرضوا للعذاب على أن يسيئوا إلى الرب، فأي شيء أسعد وأكثر بركة من أن يحب الله وأن يتعرض لفقد المال والسجن وضياع الأرض بل والحياة أيضاً. وكان فضلاً عن هذا يقول لهم معتصماً بعقيدته إذا أدرك أن أبناءه سوف يشجعونه على الترحيب بالموت في سبيل هدف سام فإنه سوف يجد في هذا من السلوى ما يملأ نفسه حبوراً ولهذا السبب يهرع إلى الموت مبتهجاً(52). وتحقق كل ما توقعه، فقد اتهم عام 1534، ووجهت إليه تهمة بأنه كان على علم بمؤامرة تتعلق براهبة كنت، فأقر بأنه التقى بها، وآمن بأنها تتلقى الوحي، ولكنه أنكر أنه كان على علم بالمؤامرة. وتشفع كرومويل، وتفضل هنري بالصفح عنه. ولكن في السابع عشر من أبريل حكم على مور بالسجن في البرج لأنه رفض أن يحلف اليمين على قانون الوراثة، الذي رأى عندما قدم إليه أنه ينطوي على إنكار لسيادة البابا على الكنيسة في إنجلترا. وكتبت إليه ابنته الأثيرة، مرجريت رسالة ترجوه فيها أن يحلف اليمين، فرد عليها بأن توسلها سبب له ألماً أشد مما سببه له سجنه. وزارته زوجته (الثانية) في البرج وانتهرته (كما يقول روبر) لعناده: "إني لأعجب لك في هذا العام يا مستر مور، يا مَن كنت أحسبك حتى الآن رجلاً عاقلاً، لماذا تتظاهر بالحمق، فترقد هنا في هذا السجن الضيق القذر، وترضى بأن تحبس بين الفئران والجرذان، بينما في وسعك أن تكون حراً في الخارج، وتنعم بحظوة ورضا الملك ومجلسه، إذا فعلت فقط ما فعله كل الأساقفة وخير المتعلمين في هذه المملكة. وعندما أرى أن لك في تشلسي بيتاً جميلاً لائقاً، وأرى مكتبتك وكتبك وقاعة صورك وحديقتك وبستانك وكل الضروريات الأخرى، تبدو جميلة من حولك، حتى لتستطيع أن تسعد برفقتي، أنا زوجتك، ورفقة أولادك وأسرتك، فإني أتأمل باسم الرب ماذا تعني بمكوثك هنا وكلفك بإطالة أمده(53)".
وبذلت محاولات أخرى لزحزحته عن موقفه، بيد أنه قاومها كلها بابتسامة. وفي أول يوليه سنة 1535 قدم لمحاكمة أخيرة. فدافع عن نفسه جيداً ولكن حكم عليه بالإدانة لخيانة الدولة، وبينما كان عائداً وستمنستر إلى البرج اقتحمت ابنته مرجريت صفوف الحرس، واحتضنته وتقبلت بركته الأخيرة. وفي اليوم السابق لإعدامه أرسل قميصه المصنوع من الشعر إلى مرجريت ومعه رسالة "غداً نلتقي) لكي نذهب إلى الله... وداعاً يا ابنتي العزيزة، صلي من أجلي، وسوف أصلي من أجلكِ، ومن أجل جميع أصدقائكِ، لكي نلتقي في السماء مسرورين(54). وعندما ارتقى منصة المقصلة (في 7 يوليو) ووجد أنها ضعيفة توشك أن تنهار قال لأحد التابعين: "أرجوك أيها الملازم أن تراعي أن أكون في أمان وأنا في أعلاها، وبالنسبة لنزولي دعني أحتال لنفسي(55)". وطلب منه الجلاد الصفح والمغفرة فاحتضنه مور. وكان هنري قد أصدر تعليمات بألا يسمح للسجين إلا ببضع كلمات. وطلب مور من المشاهدين أن يصلوا من أجله، وأن يشهدوا بأنه تعرض للموت في سبيل عقيدة الكنيسة الكاثوليكية المقدسة، ومن أجلها، ثم طلب منهم أن يصلوا من أجل الملك، وأن ينعم الله عليه بمشير صالح، واحتج بأنه مات وهو خادم صالح للملك، ولكنه خادم الرب أولاً(56)، وتلا المزمور الحادي والخمسين، ثم وضع رأسه على الكتلة، وسوى بعناية لحيته البيضاء الطويلة، حتى لا تتعرض لأي أذى وقال: "مما يؤسف له أنها سوف تقطع، وأنها لم ترتكب جريمة خيانة الدولة(57)"، وعلق رأسه على جسر لندن. وسرت موجة من الرعب في إنجلترا التي أدركت وقتذاك قسوة الملك، التي أصر عليها، وسرت في أوربا قشعريرة من الفزع.
وشعر إرازموس أنه هو نفسه قد مات لأنه، "ليس لنا إلا روح واحدة تتردد بيننا(58)" وقال إنه لم تعد لديه وقتذاك أي رغبة في الحياة. وبعد عام مات هو أيضاً. وعلم شارل الخامس بالحادث وقال للسفير الإنجليزي: "لو كنت سيداً لخادم مثل هذا توفرت لي - أنا نفسي - عن أعماله خبرة غير ضئيلة في هذه السنوات العديدة، فإني كنت أفضل أن أفقد أحسن مدينة في ممتلكاتي ولا افقد مثل هذا المستشار الجليل(59)". وصاغ البابا بولس الثالث نشرة بابوية بحرمان هنري الخارج على القانون من زمالة العالم المسيحي، وتحريم الصلوات الدينية في إنجلترا، ومنع كل تجارة معها، وحل كل الرعايا البريطانيين من إيمانهم بالولاء للملك، وأمرهم هم وكل الأمراء المسيحيين بخلعه فوراً. ولما كان كل من شارل وفرانسيس لا يرحبان بهذه الإجراءات، فإن البابا حجز صدور النشرة البابوية حتى عام 1538. وعندما أصدرها، منع شارل وفرانسيس نشرها في مملكتيهما، إذ لم يرضيا التصديق على الادعاءات البابوية بوجود سلطة له على الملوك. وكان فشل النشرة البابوية إيذاناً بضعف السلطة البابوية، وارتفاع سلطة الدولة القومي. ورأى دين سزيفت أن مور رجل "يتمتع بأعظم الفضائل" - ولعله يستخدم الكلمة بمعناها القديم الخاص بالشجاعة - "بين الرجال الذين أنجبتهم هذه المملكة(60)". وفي الذكرى الأربعمائة لإعدام توماس مور وجون فيشر أدرجتهما كنيسة روما بين قديسيها.
رفاته
تطويبه
من أقوالة
-- حول الحروب : اللصوص يكونون أحيانا جنود أنيقين ، ومن عادة الجنود أن يكونوا لصوصا شجعانا وبين المهنتين أمور كثيرة مشتركة
-- حول السرقة : لايمكن الاي عقوبة ، مهما كانت صارمة ، ان تحول دون أن يسرق الناس أذا كانت هذه وسيلتهم الوحيدة للحصول علي الطعام
-- حول حكم الاعدام : يبدو لي انة من الجور سرقة حياة إنسان لانه سرق بعض المال فلا شئ في العالم له قيمة الحياوة الانسانية . العدالة القصوي هي إهانة قصوي إنكم تصنعون اللصوص وبعد ذلك تفاقبونهنم
-- حول المال : من السهل جدا إشباع حاجات حياة المجتمع ، اذا كان الشئ المقدس المدعو مالا ، والمفترض أنه اخترع لمعالجة تلك الحاجات
انظر كتاب مرايا مايشبه تاريخا للعالم ص 141
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
انظر أيضا
أعماله
NOTE: The reference “CW” is to the relevant volume of the Yale Edition of the Complete Works of St. Thomas More (New Haven and London 1963-1997)
منشورات أثناء حياته
- A Merry Jest (c. 1516) (CW 1)
- Utopia (1516) (CW 4)
- Latin Poems (1518, 1520) (CW 3, Pt.2)
- Letter to Brixius (1520) (CW 3, Pt. 2, App C)
- Responsio ad Lutherum (1523) (CW 5)
- A Dialogue Concerning Heresies (1529, 1530) (CW 6)
- Supplication of Souls (1529) (CW 7)
- Letter Against Frith (1532) (CW 7)
- The Confutation of Tyndale's Answer (1532, 1533) (CW 8)
- Apology (1533) (CW 9)
- Debellation of Salem and Bizance (1533) (CW 10)
- The Answer to a Poisoned Book (1533) (CW 11)
منشورات بعد وفاته
- The History of King Richard III (c. 1513-1518) (CW 2 & 15)
- The Four Last Things (c. 1522) (CW 1)
- A Dialogue of Comfort Against Tribulation (1534) (CW 12)
- Treatise Upon the Passion (1534) (CW 13)
- Treatise on the Blessed Body (1535) (CW 13)
- Instructions and Prayers (1535) (CW 13)
- De Tristitia Christi (1535) (CW 14)
ترجمات
- Translations of Lucian (many dates 1506-1534) (CW 3, Pt.1)
- The Life of Pico della Mirandola (c. 1510) (CW 1)
الهوامش
ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
قائمة المراجع
Early works;
- Roper, William (ca. 1555, but first printed in 1626). The Life of Sir Thomas More. London.
{{cite book}}
: Check date values in:|year=
(help) - Harpsfield, Nicholas. The Life and Death of Sir Thomas More. London.
{{cite book}}
: Unknown parameter|EETS (1932) year=
ignored (help) - Ro: Ba: (1599). The Lyfe of Syr Thomas More.
{{cite book}}
: Text "EETS (1950)" ignored (help)CS1 maint: extra punctuation (link) - More, Cresacre (1630). The life and death of Sir Thomas More, Lord High Chancellour of England.
Later biographies;
- de Craon, Princesse (1832/1833). Thomas Morus, Lord Chancelier du Royaume d'Angleterre au XVIe siècle (in French).
{{cite book}}
: Check date values in:|year=
(help)CS1 maint: unrecognized language (link) - Brady, Charles A. (1953). Stage of Fools: A Novel of Sir Thomas More. Dutton.
- Basset, Bernard, S.J. (1965). Born for Friendship: The Spirit of Sir Thomas More. London: Burns and Oates.
{{cite book}}
: CS1 maint: multiple names: authors list (link) - Reynolds, E. E. (1964). The Trialet of St Thomas More.
- Reynolds, E. E. (1965). Thomas More and Erasmus.
- Guy, John (1980). The Public Career of Sir Thomas More. ISBN 978-0300025460.
- Ridley, Jasper (1983). Statesman and Saint: Cardinal Wolsey, Sir Thomas More, and the Politics of Henry VIII. ISBN 0-670-48905-0.
- Marius, Richard (1984). Thomas More: A Biography.
- Wegemer, Gerard (1985). Thomas More: A Portrait of Courage. ISBN 978-1889334127.
- Ackroyd, Peter (1999). The Life of Thomas More.
- Guy, John (2000). Thomas More. ISBN 978-0340731383.
- Guy, John (2009). A Daughter's Love: Thomas More and his daughter Meg.
- Martinex, Paloma Castillo, (2010). Tommaso Moro (il primato della coscienza) (in Italian). Milano: Paoline. ISBN 9788831536752.
{{cite book}}
:|format=
requires|url=
(help)CS1 maint: extra punctuation (link) CS1 maint: multiple names: authors list (link) CS1 maint: unrecognized language (link)
وصلات خارجية
- Thomas More Chambers - The Chambers of Mr Geoffrey Cox QC, MP.
- Thomas More Studies database: contains several of More's English works, including dialogues, early poetry and letters, as well as journal articles and biographical material
- أعمال من Thomas More في مشروع گوتنبرگ
- Sir Thomas More, or, Colloquies on the Progress and Prospects of Society, available at Project Gutenberg.
- Sir Thomas More by William Shakespeare (spurious and doubtful works), available at Project Gutenberg.
- Sir Thomas More: A Man for One Season, essay by James Wood. Presents a critical view of More's religious intolerance
- More and The History of Richard III
- Thomas More and his Utopia by Karl Kautsky
- Thomas More and Utopias - a learning resource from the British Library
- Integrity and Conscience in the Life and Thought of Thomas More by Professor Gerald Wegemer
- [[wikisource:Catholic Encyclopedia (1913)/St. Thomas More "|St. Thomas More]"]. Catholic Encyclopedia. New York: Robert Appleton Company. 1913.
{{cite encyclopedia}}
: Check|url=
value (help) - Works by or about توماس مور in libraries (WorldCat catalog)
- body and head of Thomas More at Find A Grave
- Patron Saints Index entry - Saint Thomas More biography, prayers, quotes, Catholc devotions to him.
- Trial of Sir Thomas More at the University of Missouri-Kansas City (UMKC) School of Law
مناصب سياسية | ||
---|---|---|
سبقه Sir Thomas Neville |
الناطق بإسم مجلس العموم 1523 |
تبعه Sir Thomas Audley |
سبقه Sir Richard Wingfield |
مستشار دوقية لانكاستر 1525–1529 |
تبعه Sir William Fitzwilliam |
سبقه Thomas Wolsey |
لورد مستشار 1529–1532 |
تبعه Sir Thomas Audley (Keeper of the Great Seal) |
- Articles with hatnote templates targeting a nonexistent page
- Pages with empty portal template
- CS1 errors: unsupported parameter
- CS1 errors: unrecognized parameter
- CS1 errors: format without URL
- CS1 errors: URL
- مواليد 1478
- وفيات 1535
- قديسون مسيحيون من القرن 16
- كتاب لغة لاتينية من القرن 16
- شهداء كاثوليك من القرن 16
- رومان كاثوليك من القرن 16
- قديسون أنجليكانيون
- مناهضة الپروتستانتية
- مستشارو دوقية لانكاستر
- إنسانيون مسيحيون
- فلاسفة حديثون مبكرون
- شعراء كاثوليك إنجليز
- إنسانيون إنگليز
- English non-fiction writers
- كتاب دينيون إنگليز
- إنسانيو النهضة الإنگليز
- قديسون كاثوليك إنگليز
- كاثوليك إنگليز
- قديسون إنجليز
- إنگليز معدومون
- فلاسفة معدومون
- كتاب معدومون
- إعدامات في برج لندن
- مخترعو نظام الكتابة
- Lord Chancellors of England
- Members of Lincoln's Inn
- أعضاء پرلمان إنگلترة (قبل 1707)
- أعضاء مجلس الخاصة بإنگلترة
- Old Waynfletes
- أشخاص مرتبطون بجامعة أكسفورد
- أشخاص أعدموا بقطع الرأس
- أشخاص أُعدموا بتهمة خيانة إنگلترة
- أشخاص من عصر تيودور
- أشخاص من مدينة لندن
- پورتريهات بريشة هانز هولباين الأصغر
- سجناء في برج لندن
- فلاسفة كاثوليك
- كتاب كاثوليك
- Saints canonized by Pope Pius XI
- الناطقون بإسم مجلس عموم إنگلترة
- طوباويون