العلاقات الصينية الفلسطينية
فلسطين |
الصين |
---|
العلاقات الصينية الفلسطينية، هي العلاقات الثنائية بين جمهورية الصين الشعبية وفلسطين. تمتد العلاقات بين البلدين لتاريخ طويل، حيث ترجع إلى عهد الرئيس ماو زىدونگ. كانت سياسة ماو تدعم الحركات التحررية الوطنية في العالم الثالث. في ما بعد عهد ماو، واصلت الصين دعمها منظمة التحرير الفلسطينية في المنتديات الدولية. اعترفت الصين بدولة فلسطين عام 1988. ومنذ عام 1992، أقامت الصين أيضاً علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ومنذ ذلك الحين حافظت على علاقة ودية مع كلا الكيانين. قام الزعيمان الفلسطينيان ياسر عرفات ومحمود عباس بزيارة رسمية للصين. لا تعتبر الصين حركة حماس منظمة إرهابية ، وتؤيد رسمياً إقامة "دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة" على أساس حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
التاريخ
عهد الرئيس ماو زىدونگ
كانت الصين أولى الدول غير العربية التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية، ورفضت في الوقت نفسه الاعتراف بإسرائيل، رغم اعتراف الأخيرة بها[1]، وهكذا فمنذ الأيام الأولى لانتصار الثورة الاشتراكية في الصين دشنت هذه الثورة وجمهوريتها الوليدة علاقاتها القوية بالقضية الفلسطينية وبالصراع العربي – الإسرائيلي، على نحو مبدئي.[2]
يمكن القول إن مؤتمر باندونگ عام 1955، شكل بداية الانفتاح الصيني على القضية الفلسطينية، من خلال انفتاحها التدريجي على العالم العربي، بعد اللقاء التاريخي الذي جمع بين الرئيس المصري جمال عبد الناصر ورئيس وزراء الصين آنذاك شو إن لاي، على هامش المؤتمر، والذي أعقبه اعتراف مصر بالصين الشعبية عام 1956، ثم توالت بعد ذلك اعترافات الدول العربية بها، وقد أدى هذا التقارب الصيني – العربي إلى إغلاق الباب تماماً أمام أية محاولات للتقارب الصيني – الإسرائيلي، وأصبحت الصين هي الدولة الكبرى التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل خلال هذه المرحلة[3]، وعكس الخطاب السياسي الصيني لهجة عدائية تجاه إسرائيل، بوصفها عميلة للاستعمار، وأداة للإمبريالية، وشريكة للاستعمار الجديد، وتلعب دوراً في الشرق الأوسط شبيهاً بالدور الذي تلعبه فرموزا في منطقة شرق آسيا[4]، فرفضت الطلب الذي تقدمت به إسرائيل لعضوية مؤتمر باندونگ* بوصفها دولة آسيوية[5]، وأعلن رئيس الوزراء الصيني شو إن لاي، أمام اللجنة السياسية للمؤتمر "نحن نؤيد كل القضايا العربية بصفة عامة، ونؤيد قضية فلسطين بصفة خاصة، ذلك أننا نؤيد كفاح الشعوب المستعبدة"[6].
وقد احتل العامل الأيديولوجي الموقع الرئيسي في تكييف السياسة الخارجية الصينية تجاه الصراع العربي – الإسرائيلي، فهذه السياسة لم تتبلور، إلا منذ انعقاد مؤتمر باندونگ عام 1955 حتى قيام الثورة الثقافية عام 1965، فطبقاً للأيديولوجية الصينية في هذه الفترة، فإن آسيا وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية هي ريف العالم، بينما البلاد المتقدمة في الغرب الرأسمالي هي المدن، وكما نجحت الثورة الصينية بحصار الريف الصيني الثائر لمدنه، الواقعة في قبضة القوى الاستعمارية الأجنبية والرجعية المحلية، من طريق الحرب الثورية المسلحة، فإن الطريق الوحيد لنجاح ثورات شعوب العالم الثالث إنما يكون بمحاصرة ريف العالم لمدنه، لذلك أيدت الصين الكفاح الفلسطيني المسلح، على أساس أنه جزء من حركة الثورة العالمية الهادفة إلى إضعاف الاستعمار العالمي، الذي تتزعمه الولايات المتحدة، وعلى أساس أن الحرب الثورية في فلسطين هي نموذج للمفهوم الصيني عن محاصرة الريف الثوري الفلسطيني لمدن العالم إسرائيل.[7]
وترجمت الصين الموقف المطلق للتأييد بأن كانت أول دولة أجنبية توجه دعوة رسمية لرئيس منظمة التحرير لزيارتها، فقام وفد فلسطيني برئاسة أحمد أسعد الشقيري في 17 مارس 1965 بزيارة رسمية إلى بكين وأجرى مباحثات مع شو إن لاي، وأكد ماو زىدونگ التأييد الصيني لعدالة القضية الفلسطينية[8]، وتم حينها فتح مكتب للمنظمة في بكين[9]، وقد كان لذلك الموقف أثر واضح في تعزيز الشخصية الدولية للمنظمة.
ونخلص إلى القول أنه هناك عاملين أثرا بشكل مباشر في الموقف الصيني تجاه القضية الفلسطينية ألا وهما، الأول: عامل خارجي: أن الصين كانت ترى بالأمة العربية أنها أمة كبيرة، وبالتالي فقد سعت لكسب تأييدها، والثاني: عامل داخلي: السياسة الخارجية الصينية التي كانت تقوم على الأيديولوجيا المؤيدة للحركات التحررية الثورية ضد الإمبريالية الغربية الاستعمارية.[10] وأدلى نائب رئيس مجلس الدولة الصيني لي شيانيان، الذي التقى بوفد من حركة فتح في بكين، في مارس 1970: "إن النضالات المطولة جعلت الشعب الفلسطيني وشعوب جميع البلدان العربية يفهمون بشكل أفضل أن مثابرة الشعب في كفاحه المسلح هي الطريق الصحيح للعرب لهزيمة المعتدين وكسب التحرر الوطني، وأنه فقط من خلال الكفاح المسلح يمكنهم هزيمة الإمبرياليين الأمريكيين والمعتدين الإسرائيليين لاستعادة أراضيهم المفقودة وتحقيق الاستقلال الحقيقي والتحرير". وفي أكتوبر من ذلك العام، وقف ممثل فتح إلى جانب ماو تسي تونغ في بكين خلال موكب بمناسبة الذكرى 21 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. كان هنالك تأثيراً أيديولوجياً للحزب الشيوعي الصيني على الفلسطينيين أيضاً. وذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة التابعة للحزب الشيوعي الصيني عدة مرات خلال نفس الفترة أن الفلسطينيين ينظرون إلى أعمال ماو السياسية والعسكرية على أنها "مصدر غير محدود للتوجيه في النضال من أجل تحرير أرضهم والعودة إلى ديارهم".فكتاب ماو الأحمر، وكذلك كتاباته الأخرى مثل "المشاكل الاستراتيجية في الحرب الثورية في الصين" و "المشاكل الاستراتيجية في حرب العصابات ضد اليابان"، أصبح قراءة موصى بها بين أعضاء فتح في سبعينيات القرن العشرين. ومن وجهة نظر الحزب الشيوعي الصيني، أتاح النضال ضد إسرائيل للفلسطينيين أيضا فرصة لتطبيق مبدأ ماركسي مهم: الكفاح المسلح بين مختلف طبقات المجتمع، في هذه الحالة ليس بين البروليتاريا والبرجوازية، ولكن بين الضعفاء (الفلسطينيين) و"المحتلين" الإسرائيليين.[11]
في نهاية 1971 سافر وفد من فلسطيني إلى الصين للمشاركة في مؤتمر الصداقة لشعوب آسيا وأفريقيا، على رأسه السياسي الفلسطيني سعيد السبع. استمرت الزيارة شهراً وأثمرت عن طلب سعيد السبع لسلاح وعتاد من الصيني وذلك خلال لقائه مع رئيس وزراء الصين شو إن لاي. وافق الصينيون على تزويد الثورة الفلسطينية بباخرة السلاح وطلب منهم السبع تحويلها إلى مرفأ اللاذقية في سوريا، وأجرى اتصالاً مع ياسر عرفات يبلغه بأمر الباخرة، فطلب منه عرفات تحويلها إلى العراق ووضعها بعهدة معتمد فلسطين في العراق صبري البنا، بحجة أن نظام الرئيس السوري حافظ الأسد سوف يصادرها في حال وصولها إلى مرفأ اللاذقية، وفي منتصف عام 1972 وصلت باخرة السلاح الصينية إلى ميناء البصرة في العراق واستلمها عاطف أبو بكر وإبراهيم صيدم مسؤول التسليح، وتم تخزينها في مستودعات حركة فتح في العراق وعندما انشق صبري البنا المعروف أبو نضال قام بمصادرة السلاح وبيع أجزاء منه، كانت هذه السفينة هي أول مدد لتنظيم المجلس الثوري الذي ظهر عام 1974، وقد قدرت حمولة السفينة بخمسة مليون دولار في ذلك الوقت.
فترة الانفتاح الخارجي الصيني
ما أن بدأ عقد السبعينيات حتى لاحت في الأفق بوادر التحول السريع في سياسة الصين الخارجية تجاه الصراع العربي – الإسرائيلي، فقد بدأت بكين تبحث عن مصالحها الوطنية واتخذت موقفاً معتدلاً وانتهجت سياسة مرنة إزاء عديد من المشكلات الدولية بصفة عامة ومشكلة الشرق الأوسط بصفة خاصة.[12]
فمنذ رحيل ماو زىدونگ وشو إن لاي، بدأت الصين تنظر إلى منطقة الشرق الأوسط، ضمن مفهوم إستراتيجي جديد، يتلاءم مع عدائها للاتحاد السوڤيتي، وهو ما حاولت الولايات المتحدة تشجيع الصين عليه، فقد تركز الموقف الصيني، أساساً، على الفرص التي تنتجها لتقليص الدور السوڤيتي في الشرق الأوسط، لا على تأثيرها في الأوضاع العربية عموماً[13]، وركزت الصين جهودها على الإصلاح الاقتصادي والتنمية المتواصلة الداخلية في الصين، ومن ثم ظهرت أهمية الشرق الأوسط كسوق رائجة للسلاح والصناعات الصينية ومصدر للنفط[14]، وبالتالي فقد تغيرت أولويات السياسة الصينية الخارجية، ما يخدم العلاقات الصينية-الإسرائيلية، ويسجل تراجعاً للدور الصيني في الشرق الأوسط.
فقد مرت الصين بعد وفاة ماو زىدونگ بفترة انتقالية، وسنوات الانفتاح، والتحديث الصيني الشامل، وهذه المرحلة لا تزال مستمرة حتى الوقت الحاضر، فأصبحت إستراتيجية الدولة لتحقيق مصالحها، تأتي على رأس سلم الأولويات، قبل أيديولوجية الثورة.[15]
أما المواقف الصينية تجاه القضية الفلسطينية في تلك الفترة، فقد توالت الصين بمواقفها تجاهها بمساندتها لحركة المقاومة الفلسطينية أثناء حوادث أيلول الأسود عام 1970، وكانت قد صدرت قبل ذلك تحذيرات صينية لياسر عرفات في 22 مارس 1970 حول احتمال إقدام بعض الأنظمة العربية على تصفية المقاومة.[16]
وقد شهدت السبعينيات وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، وكان لذلك مدلولان لدى حركة المقاومة الفلسطينية، أولاً: أنها فقدت أكثر مؤيديها قوة وتأثيراً في العالم العربي، وثانياً: كان ترك المنظمة لتتعامل وحدها مع صعوبات السياسات العربية الداخلية، لذا فقد قيد موقف الصين من قضية فلسطين عقب دخول الصين الأمم المتحدة في 25 نوفمبر عام 1971، بسبب الخلافات العربية حول السياسات التي يجب اتباعها، ولأنه لم يكن لدى الصين موقف عربي موحد يمكنها الانحياز إليه، فقد اختارت سياستها حسب ما تمليه الأهداف الصينية، وبالتالي فإن تصويتها على الحل السياسي عكس أولوياتها الدولية.[17]
وفي 29 نوفمبر عام 1979 أعلن رئيس وزراء الصين المبادئ التي يقوم عليها السلام في الشرق الأوسط، وهي تأييد الشعب الفلسطيني في كفاحه من أجل استرجاع حقوقه المغتصبة: حق العودة إلى وطنه، وحق تقرير المصير، وحق إقامة دولته، واسترجاع الأراضي المحتلة.[18]
إقامة علاقات مع إسرائيل
بدأت الصين مند منتصف الثمانينيات تتراجع عن مواقفها المؤيدة علناً للدول العربية في صراعها مع إسرائيل، ونلمس ذلك بالتحديد في عام 1985 عندما ألقى رئيس مجلس الدولة الصيني محاضرة في المعهد الملكي للشؤون الدولية، وعبر فيها عن الموقف الصيني من القضية الفلسطينية، فلم يتطرق خلال هذه المحاضرة إلى أية تفصيلات حول هذه الحقوق، ولم يشر إطلاقاً إلى إصرار الصين التقليدي على الكفاح المسلح، واكتفى بتكرار “تأييد الشعوب العربية ضد سياسة التوسع الإسرائيلي”[19]، وأكد هذا التوجه في السياسة الخارجية الصينية تجاه السلام في المنطقة، وزير الخارجية الصيني آنذاك عام 1986 عندما صرح بقوله: “إننا نؤيد المفاوضات السلمية التي تخدم الحل العادل والشامل لمشكلة الشرق الأوسط”.[20]
هذا التطور في موقف الصين أصبح يمثل نهجاً مختلفاً عن النهج السابق، وأدى في النهاية إلى إجراء اتصالات دبلوماسية بين الصين وإسرائيل، وصولاً إلى تبادل الاعتراف الدبلوماسي وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة في يناير 1992.
ويدل هذا الموقف الصيني على تغير واضح في سياستها تجاه القضية الفلسطينية، فلم تعد تطالب بحل جذري وشامل للقضية الفلسطينية، بل أصبحت تنادي بحل كل قضية على حدة، كذلك لم تعد تدعم المنادين بإخراج إسرائيل من الضفة الغربية وقطاع غزة بالقوة والتهديد، بل لابد من إتباع الوسائل السلمية لاستعادة الأرض.
وأسفرت حرب الخليج الثانية عن تأكيد هيمنة الولايات المتحدة على النظام العالمي، وحصولها على تفويض من جانب قواه الكبرى بالعمل على حل الصراع العربي–الإسرائيلي، أو ما يعرف في الخطاب الدارج دولياً بمشكلة الشرق الأوسط وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وقد باشرت إدارة الرئيس بوش الأب 1988-1992، حملة مكثفة خلال النصف الثاني من عام 1991 لإقناع أطراف الصراع بالمشاركة في المؤتمر الدولي الذي قررت رعايته لهذا الغرض، وقد لقيت دعوتها استجابة واسعة، فعقد المؤتمر فعلاً في نهاية أكتوبر 1991 بالعاصمة الإسپانية مدريد، برعاية الولايات المتحدة والاتحاد السوڤيتي، وحضور إسرائيل وسوريا ولبنان والأردن (بوفد مشترك مع الفلسطينيين) كأطراف، ومصر (كشريك)، والمجموعة الأوروپية ومجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة (كمراقبين). [21]
كما أنه في أعقاب بداية مفاوضات السلام بين العرب والإسرائيليين، أعلنت الصين عن رغبتها في القيام بدور رئيسي في عملية السلام إلا أن الرد الإسرائيلي كان متعنتاً، حيث رفضت إسرائيل دخول الصين كطرف في عملية السلام إلا بعد أن تعترف بإسرائيل اعترافاً كاملاً، وبعد أن تقيم علاقات دبلوماسية كاملة معها، وقد بدأ التغير في السياسة الصينية جلياً، ويظهر في أن قادة الصين أعربوا في التوصل إليها بين مصر وإسرائيل بعد توقيع الرئيس المصري أنور السادات على اتفاقية السلام مع إسرائيل، وأكدت الصين في عام 1978 على استعدادها للاعتراف بإسرائيل على شرط تخليها عن الأراضي التي احتلتها عام 1967.[22]
وقد دعمت الصين المفاوضات الفلسطينية–الإسرائيلية، والعمل على تشجيعها وعدم توقفها، كما دعت الصين إلى عدم اتخاذ الإجراءات أحادية الجانب والتي من شأنها أن توقف عملية التفاوض مع ضرورة تنفيذ الأطراف الاتفاقات الموقعة عليها[23]، كما أعلنت الصين تأييدها لاتفاق إعلان المبادئ الفلسطيني–الإسرائيلي الموقع في أوسلو عام 1993، والتمسك بمبدأ الأرض مقابل السلام، وأن حل القضية الفلسطينية يتم عن طريق الجهود السلمية والمشتركة بين فلسطين وإسرائيل وبمساعدة المجتمع الدولي،[24] كما أنها أيدت اتفاقية السلام الأردنية–الإسرائيلية التي وقعت بينهما في وادي عربة جنوب الأردن عام 1994.[25]
وفي تحديد أكثر وضوحاً قال “تشياي تشي تشن” وزير الخارجية الصيني أن سياسة الصين تجاه القضية الفلسطينية تتلخص في خمسة عناصر أساسية هي:</ref>كرم خميس، الصين والصراع العربي – الإسرائيلي: الجذور والأبعاد والتداعيات، مرجع سابق، ص 62.</ref>
1- أن محادثات السلام ينبغي أن تسير على أساس تنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالشرق الأوسط وصيغة الأرض مقابل السلام المتفق عليها في مؤتمر مدريد.
2- تنفيذ كل الاتفاقيات الموقع عليها بشكل جاد لتفادي أي تعطيل لعملية السلام.
3- القضاء على الإرهاب والعنف في كل أشكاله حتى يتسنى إرساء أمن الدول الشرق أوسطية.
4- تشجيع التعاون الإقليمي بوصفه عاملاً مساعداً على تبادل الثقة ونبذ العداء تدريجياً بين الدول العربية وإسرائيل.
5- التأكيد على دور المجتمع الدولي في مساعدة الأطراف المعنية في الشرق الأوسط ومساندتها، لتحقيق سلام شامل وعادل في المنطقة.
ومما يؤكد على موقف الصين تجاه القضية الفلسطينية والفلسطينيين الاستقبال الحافل الذي لقيه الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في زيارته للعاصمة الصينية بكين يوم 13 يوليو 1998، وبحضور الرئيس الصيني جيانگ زمين في ساحة تيانآنمن الكبرى، حيث يستقبل رؤساء الدول والشخصيات الدولية المرموقة – دور في لفت الانتباه مجدداً للدور الصيني من القضية الفلسطينية، وهو دور تاريخي سباق ومميز في مساندة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة منذ بدايتها الأولى.</ref> أبو بكر الدسوقي، الصين والقضية الفلسطينية: الدور والفرص والقيود، مرجع سابق، ص 190.</ref>
والذي يسترعي الاهتمام حقاً أن التطورات العاصفة التي مر بها الصراع العربي – الإسرائيلي منذ يوليو 2000، وأبرزها فشل قمة كامپ ديڤيد الثانية، واشتعال انتفاضة الأقصى، واتجاه إسرائيل إلى نسف خطوات التسوية، لم تؤثر في مضمون الموقف الصيني، وواصلت بكين سياستها الداعية إلى ضرورة التزام الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بطريق المفاوضات، ونبذ العنف، واحترام الشرعية الدولية.[26] وهكذا أعلنت الصين دعمها لخارطة الطريق ولخيار المفاوضات وللجنة الرباعية الدولية (الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروپي)، وبالمناسبة، فإن كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ترفضان عضوية الصين في اللجنة الرباعية.
وقد تقدمت الصين بمبادرة جديدة لحل القضية الفلسطينية أثناء استقبالها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس في مايو 2013، وترى في هذه القضية كجوهر لكل قضايا الشرق الأوسط، ولقد طرح الرئيس الصيني شي جنپنگ الرؤية الصينية ذات النقاط الأربع حول تسوية القضية الفلسطينية خلال مباحثاته مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، كما يلي[27]:
- أولاً: يجب التمسك بالاتجاه الصحيح المتمثل في إقامة دولة فلسطين المستقلة والتعايش السلمي بين دولتي فلسطين وإسرائيل، وإن إقامة دولة مستقلة ذات سيادة كاملة على أساس حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
- ثانياً: يجب التمسك بالمفاوضات بوصفها الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى السلام الفلسطيني – الإسرائيلي.
- ثالثاً: يجب التمسك بثبات بمبدأ "الأرض مقابل السلام".
- رابعاً: يجب على المجتمع الدولي أن يقدم دعماً قوياً لدفع عملية السلام، يتعين على الأطراف المعنية في المجتمع الدولي أن تشدد على الشعور بالمسؤولية وإلحاح القضية، وتتخذ موقفاً موضوعياً ومنصفاً وتعمل بنشاط على النصح بالتصالح والحث على التفاوض.
ونخلص إلى أن الصين تحرص على أن تكون مواقفها متوازنة تجاه أطراف الصراع العربي – الإسرائيلي، وهي إسرائيل والسلطة الفلسطينية والبلدان العربية الأخرى ذات الصلة، كما أنها تضع في حسبانها القيام في مرحلة ما بالوساطة، ولذلك فهي حريصة على علاقاتها التقليدية مع البلدان العربية من جانب والتعامل مع إسرائيل من جانب آخر.
ما بعد ثورات الربيع العربي
لقد دخلت القضية الفلسطينية منعطفاً جديداً بعد اندلاع ما يعرف بثورات الربيع العربي، والتي كانت انطلاقتها من تونس عام 2010، فقد انعكست تلك الثورات على الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الاحتلال الإسرائيلي. ثم إن هذه الحالة المائجة المحيطة بالقضية الفلسطينية، لتفرض علينا عدداً من الأسئلة الملحة، ما هو موقف السياسة الخارجية الصينية تجاه القضية الفلسطينية خاصة بعد ثورات الربيع العربي في منطقة الشرق الأوسط؟
حول هذا الموضوع يقول الدبلوماسي الصيني السابق وعميد كلية الدراسات العربية في جامعة الدراسات شوي گو تشينگ أن الشعب الصيني يكن للشعوب العربية مشاعر ودية، ويعتبره من الشعوب الصديقة في المراحل المختلفة وحتى الآن، وشدد تشينغ على أن موقف بلاده من القضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية هو موقف واضح وليس غامضاً، حيث وجهت الصين دعوة إلى المجتمع الدولي مفادها مساعدة الدول التي تشهد أراضيها ما يسمى بثورات الربيع العربي والنزاعات الدموية من أجل الحفاظ على وحدة الشعب والأرض، وبناء القدرة الوطنية، وكان موقفها ثابتاً في إقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.[28]
ولكن، يعاب على حيادية موقف الصين من الصراع العربي – الإسرائيلي أنها غير ظاهرة في بعض المواقف والتزامها بالسكوت على عكس الأعضاء الأربعة الدائمين في مجلس الأمن للأمم المتحدة الذين يلعبون دوراً مهماً في عملية السلام وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الوسيط الأساسي بالرغم من تحيزها للموقف الإسرائيلي، فإن الدول الأوروبية الرئيسية بما في ذلك فرنسا وبريطانيا تتحملان المسؤولية في الاتحاد الأوربي عن تقديم حوافز ومساعدات اقتصادية كبيرة لكلا الطرفين، أي كل من فلسطين وإسرائيل[29].
وبناء عليه، فيمكن وصف السياسة الخارجية الصينية في الشرق الأوسط بعد الربيع العربي باثنين من السمات الرئيسية: تتمثل السمة الأولى بأنها سياسة عملية وواقعية من خلال استمرارية دعمها اللامتناهي للقضية الفلسطينية ونبذ كل أشكال العنف الإسرائيلي، ومن جهة أخرى تتمثل السمة الثانية بالثبات أي أن موقفها تجاه القضية الفلسطينية ظل ثابتاً بدعمها المادي والمعنوي للشعب الفلسطيني، بالرغم من العراقيل والتهديدات الأمنية التي كانت تواجهها في مجال الطاقة وانخفاض فرصها في الاستثمار التي تلقاها في الخارج، ذلك أن جوهر السياسة الصينية هو الحفاظ على بيئة دولية مستقرة لتسهيل استمرار الاصلاح والتنمية في الوطن العربي، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط تؤيد الصين التعامل مع النزاعات مثل أحداث الربيع العربي في مناخ من التعاون والتفاوض السلمي وإدارة الصراع.
خلال قمة منتدى التعاون الصيني العربي لعام 2024، ذكر شي جيبنگ أنه يجب دعم حل الدولتين وأن الحرب يجب ألا تستمر إلى أجل غير مسمى.[30]وتعهدت الصين بتقديم مبلغ إضافي قدره 69 مليون دولار أمريكي على شكل إغاثة إنسانية طارئة لفلسطين و3 ملايين دولار أمريكي إلى الأونروا.[30]
في 6 أكتوبر 2024 حضر سفير الصين لدى فلسطين تسنغ جيشين حفل افتتاح مشروع توسيع طريق رام الله الذي تموله الصين في فلسطين، كما حضر الحفل ممثلون عن رئيس الوزراء الفلسطيني، ووزير الإدارة المحلية، ووزير الأشغال العامة والإسكان، ومسؤولي محافظة وبلدية رام الله.[31] وحمل المشروع شعار "نحن نبني، وإن هدموا".
التسليح
بحسب هاني الحسن، المستشار السياسي الخاص لياسر عرفات، فإنه بين عامي 1964 و1970، قاتل الفلسطينيون بأسلحة صينية الصنع، مما يعني أن الصين كانت المورد الرئيسي للفلسطينيين. وقدرت المخابرات الإسرائيلية أن قيمة الأسلحة المنقولة من الصين إلى الفلسطينيين خلال هذه الفترة بلغت 5 ملايين دولار (تعادل اليوم حوالي 30 مليون دولار). وكانت البنادق والقنابل اليدوية والبارود والألغام والمتفجرات الأخرى في شحنات من الصين. كما قدم الحزب الشيوعي الصيني الإلهام الأيديولوجي والتدريب العسكري لأعضاء منظمة التحرير الفلسطينية من خلال استدعائهم إلى "معسكر تدريب" في الصين. وأوضحت المؤرخة ليليان كريغ هاريس ذلك في مقال نشرته عام 1977 في مجلة الدراسات الفلسطينية من جامعة كاليفورنيا ومعهد الدراسات الفلسطينية في بيروت، أن العلاقات بين الحزب الشيوعي الصيني والفدائيين الفلسطينيين كانت دائما وثيقة. إذ "نقلت مجلة بكين ريفيو عن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات قوله ذات مرة إن جمهورية الصين الشعبية هي "المؤثر الأكبر في دعم ثورتنا وتعزيز عزيمتنا". وكانت المنظمات الفلسطينية الأكثر راديكالية، مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أكثر وضوحاً، إذ أعلن زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، جورج حبش، في عام 1970 أن "أفضل صديق لنا هو الصين. الصين تريد محو إسرائيل من الخريطة لأنه طالما أن إسرائيل موجودة، ستبقى هناك معاقل إمبريالية عدوانية على الأراضي العربية". وقالت هاريس عن ماو تسي تونغ أنه قال في عام 1965: "الإمبريالية تخاف من الصين والعرب. إسرائيل وفورموزا (مصطلح تاريخي لجمهورية تايوان) هي قواعد الإمبريالية في آسيا. أنتم [الفلسطينيون] بوابة القارة العظيمة، ونحن [الصينيون] جبهتها الداخلية. لقد خلقوا [الإمبرياليين] إسرائيل من أجلكم وفورموزا من أجلنا. هدفهم هو نفسه في كلتا الحالتين".[32]
وقال إفرايم هالڤي، رئيس الموساد السابق، أن جهود إسرائيل للحد من الدعم الصيني لأعدائها لم تقابل بشكل إيجابي، واستمرت الصين بتسليح إيران وسوريا. كما وصلت شحنات الصواريخ من الصين إلى حماس وحزب الله.
وفي الوقت الحالي هناك صاروخان صينيان معروفان في ترسانة حركة حماس الصاروخية: صاروخ عيار 107 ملم (صاروخي 107) بمدى أقصى يبلغ 8 كيلومترات، والذي تم إطلاقه لأول مرة على إسرائيل في عام 2006 وغير الواضح ما إذا كان قيد الاستخدام حاليا. وصاروخ WS-1E (صاروخ غراد) بمدى حوالي 40 كم، قادر على ضرب أسدود وبئر السبع انطلاقاً من غزة. انه تم تطوير الصاروخ، المسمى رسميا Weisha ("الحارس")، من قبل SCAIC (صناعة الطيران التابعة للحزب الشيوعي الصيني في سيتشوان) ودخل حيز الاستخدام في حرب 2008. كما استخدمته حماس أيضاً في عام 2018.[33]
حقوق الإنسان
في يونيو 2020، أيدت دولة فلسطين قانون الأمن القومي في هونگ كونگ في الأمم المتحدة.[34]
انظر أيضاً
المصادر
- ^ أبو بكر الدسوقي، الصين والقضية الفلسطينية: الدور والفرص والقيود، مجلة السياسة الدولية، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، عدد 134، القاهرة، 1998م، ص 190.
- ^ عبد القادر ياسين، الصين والدولة الفلسطينية، مجلة صامد الاقتصادي، عدد 118، 1999م، ص ص 54-55.
- ^ د. حسن نافعة وآخرون، المجتمع الدولي والقضية الفلسطينية، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1993م، ص 276.
- ^ جون فوستر دالاس، حرب أم سلام، العالمية للنشر، القاهرة، 1957م، ص 57.
- من الجدير بالذكر أن الصين لم تكن تعلم الوضع التفصيلي للقضية الفلسطينية، فهي ترى في القضية الفلسطينية قضية لاجئين فقط، حيث التقى رئيس الوزراء الصيني أثناء المؤتمر بعدد من القادة الفلسطينيين بينهم أحمد الشقيري رئيس الهيئة العربية العليا التي كانت تمثل الشعب الفلسطيني آنذاك واستمع منه إلى تفاصيل المشكلة وكيفية تأمر الدول الاستعمارية على فلسطين وشعبها، وكيف ساعدت الصهيونية العالمية بكل الوسائل على اغتصاب فلسطين وتحويل شعبها إلى شعب لاجئ.
- ^ د. بكر مصباح تنيرة، تطور الاعتراف الدولي بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، العلوم الاجتماعية، جامعة الكويت، عدد خاص عن فلسطين، مايو 1981م، ص 57.
- ^ Shicha, Yitzhak. The Middle East In Chinese Foreign Policy: 1949-1977, Cambridge University Press, 1979, p .54.
- ^ رباب عبد المحسن، الصين الشعبية ومنظمة التحرير الفلسطينية، مركز الجزيرة للدراسات، 2010/5/24م، أنظر: http://studies.aljazeera.net/reports
- ^ شادي مراد، مقدمات الموقف الصيني من الصراع العربي الصهيوني، مرجع سابق، ص 70.
- ^ مركز زايد للتنسيق والمتابعة، التوغل الإسرائيلي في آسيا، مركز زايد للتنسيق والمتابعة، أبو ظبي، 2000م، ص 37.
- ^ "المنظور الصيني للقضية الفلسطينية: المواقف، والأهداف، وآليات تعزيز العلاقات ومستقبل العلاقات الثنائية". المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية. 2019-11-04. Retrieved 2020-08-25.
- ^ إيال ليفينتر، الصين واسرائيل، مجلة Epoch، 7 يونيو 2021
- ^ عبد العزيز حمدي عبد العزيز، العلاقات الصينية الإسرائيلية، مجلة السياسة الدولية، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، عدد 132، 1998م، ص 133.
- ^ رباب عبد المحسن، الصين الشعبية ومنظمة التحرير الفلسطينية، المركز العربي للمعلومات، 2010/5/24م، أنظر: http://www.arabsino.com/articles/10-05-24
- ^ نزار عبد المعطي زيدان، العلاقات الأمريكية الصينية: أوجه التقارب وأوجه التباعد، مجلة السياسة الدولية، عدد 132، 1998م، ص 122.
- ^ صحيفة القبس الكويتية، 29/3/1987.
- ^ شادي مراد، مقدمات الموقف الصيني من الصراع العربي الصهيوني، مجلة الوحدة، عدد 69، 1990م، ص 70.
- ^ هاشم بهبهاني، سياسة الصين الخارجية في العالم العربي، مؤسسة الأبحاث العربي، بيروت، 1984م، ص ص 103-104.
- ^ الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1979، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1981م، ص 401.
- ^ د. حسن نافعة وآخرون، المجتمع الدولي والقضية الفلسطينية، مرجع سابق، ص 287.
- ^ د. بكر مصباح تنبرة، تطور سياسة الصين الشعبية من الصراع العربي الإسرائيلي، مرجع سابق، ص 162.
- ^ كرم خميس، الصين والصراع العربي – الإسرائيلي: الجذور والأبعاد والتداعيات، مركز زايد العالمي للتنسيق والمتابعة، الإمارات العربية المتحدة، 2010م، ص 59.
- ^ عبد العزيز حمدي عبد العزيز، العلاقات الصينية الإسرائيلية، مرجع سابق، ص 133.
- ^ مركز زايد للتنسيق والمتابعة، التوغل الإسرائيلي في آسيا، مرجع سابق، ص 38.
- ^ سعد حقي توفيق، علاقات العرب الدولية في مطلع القرن الحادي والعشرين، مرجع سابق، ص 212.
- ^ المرجع السابق، الصين تحمل تقديراً خاصاً لمصر، الدفاع، عدد 101، سبتمبر 1995م، ص 130.
- ^ كرم خميس، الصين والصراع العربي – الإسرائيلي: الجذور والأبعاد والتداعيات، مرجع سابق، ص 64.
- ^ السفير الصيني ل “القدس”: القضية الفلسطينية جوهر وأساس القضايا، صحيفة القدس الفلسطينية، 2015/9/3م، أنظر: http://wwww.alquds.com/articles/1441292234794042800
- ^ مواقف الصين الملفات العربية الساخنة، الجزيرة.نت، 2015/7/17م، أنظر: http://www.aljazeera.net/amp/programs/arab-present-situation/2015/07/17
- ^ Ilan Goldenberg, Ely Ratner. China’s Middle East Tightrope, 20/4/2015, retrieved from http://foreignpolicy.com/2015/04/20/china-middles-east-saudi-arabia-iran-oil-nuclear-deal,
- ^ أ ب "Xi Says China Wants to Work with Arab States to Resolve Hot Spot Issues". Reuters. May 30, 2024.
- ^ "驻巴勒斯坦办事处主任曾继新出席中国援巴勒斯坦拉马拉道路延长项目开工仪式". ps.china-office.
- ^ إيال ليفينتر، الصين واسرائيل، مجلة Epoch، 7 يونيو 2021
- ^ إيال ليفينتر، الصين واسرائيل، مجلة Epoch، 7 يونيو 2021
- ^ Lawler, Dave (2 July 2020). "The 53 countries supporting China's crackdown on Hong Kong". Axios (in الإنجليزية). Retrieved 3 July 2020.