الثورة الصينية
| ||
الثورة الصينية Chinese Revolution في عام 1949 هي المرحلة النهائية للصراع العسكري (1946–1950) في الحرب الأهلية الصينية. في بعض وسائل الاعلام الشيوعية التقدمية والمراجع التاريخية، بالاضافة إلى وسائل الاعلام الرسمية تعرف باسم حرب التحرير (الصينية المبسطة: 解放战争؛ الصينية التقليدية: 解放戰爭؛ پنين: Jiěfàng Zhànzhēng�).
ازداد الضغط الياباني باضطراد في الثلاثينيات ففي العام 1931، احتل الجيش الياباني الشمال الشرقي. وفي كانون الثاني من العام 1932، هاجم شانغهاي، في 1933، اخترق السهول الشمالية واحتل "جيهول" jehol . وفي 1935 وسّع نفوذه في شاهار وهيبي. واستمرت التوترات بالتصاعد حتى تموز 1937، عندما بدأ الغزو العام للبلد.
استمرت الحرب الصينية-اليابانية حتى هزيمة الإمبراطورية اليابانية عام 1945. خلال هذه السنوات الثماني من الحرب قامت جبهة موحدة بين الحزب الشيوعي الصيني والكومينتانگ. وللوهلة الأولى، تبدو هذه الجبهة شبيهة بتلك التي قامت في الفترة 1923-1927. إذا اكتفى المرء بتفحص البيانات الدبلوماسية فقط للـ ج.ص.ش سوف يكتشف أنه تخلى مرة أخرى عن استقلاله ووافق على السير وراء الكومينتانگ. فلقد جرى حل الجيش الأحمر اسمياً. ومن عام 1934 وصاعداً شهدت موسكو انعطافاً سياسياً كبيراً، أقره المؤتمر السابع للأممية الشيوعية، وأضفى عليه الطابع الرسمي في تموز-آب 1935. لقد أعلن أن الوقت قد حان لخلق جبهات شعبية مع الأحزاب البورجوازية ضد الفاشية، وإقامة كتلة عالمية مع القوى الإمبريالية "الديمقراطية" . وفي العديد من البلدان وضعت الأحزاب الشيوعية تحت وصاية حلفائها المؤقتين. [1]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الاعتداء الإمبريالي: حروب الدفاع القومي والجبهة المتحدة
أعلنت الجمهورية السوفيتية بشكل رمزي الحرب على اليابان في 1932 وكان الحزب الشيوعي الصيني قد طرح فكرة تشكيل الجبهة المتحدة المقاومة لليابان قبل 1936 بوقت طويل ولكن ضد تشيانگ كاي شيك الذي تعرضت ميوله الاستسلامية إلى شجب الحزب وإدانته. كان الهدف الأساسي لهذه السياسة هو الاستفادة من التناقضات الداخلية ومهاجمته منفرداً. نشأت معارضة قوية داخل الحزب الشيوعي الصيني حين قررت القيادة في بداية الأمر تغيير اتجاه الحزب وطرحت فكرة الجبهة المتحدة، على الكومنتانگ.
أما تشيانگ كاي-شك، فإنه لم يخف رغبته في القضاء على الشيوعيين مرة وإلى الأبد. وكان لديه ما يكفي من الوقت كي يحكم قبضته على البلد بدءاً من عام 1928 وحتى 1937 ، "عهد نانكين" – تيمناً باسم المدينة التي جعلها تشيانگ عاصمة له. كان قد تم إرضاخ آخر المتمردين من أمراء الحرب في الفترة 1934-1936. وقد كسبت حكومته الاعتراف بالبلد . وخاصة من لدن الطبقات الوسطى، وكذلك في الغرب، بالنسبة إلى تشيانگ، كان ضرورياً تحقيق نصر حاسم على الحزب الشيوعي الصيني قبل أن يتمكن من التفرغ بشكل فعلي لحرب المقاومة الوطنية. كان يردد دائماً : "إن اليابانيين هم مرض جلدي، أما الشيوعيون فهم مرض في القلب"(2). إن ما أجبر الطرفين رغماً عنهما على الدخول في تحالف هش كان حجم المخاطر التي كانت تواجههما وردود فعل الرأي العام الصيني. كانت طوكيو راغبة بالفعل في تحويل الصين من نصف مستعمرة إلى مستعمرة مباشرة. أي استكمال العملية التي بدأتها بريطانيا قبل قرن من الزمن.
ولكن الصين التي كانت في الأساس أمة مضطهدة ، مهددة بفقدان العناصر القليلة الأخيرة من استقلالها، لم تقف ساكنة . وكان سيتم الحكم على أي طرف ، من ذلك الوقت وصاعداً ، انطلاقاً من التزامه بجهد المقاومة الوطنية. كانت اليابان تحاول إقامة منطقة نفوذها الواسع ، الخاصة بها، في شرق آسيا والمحيط الهادئ. ولهذا فقد جرت الصين نحو الطريق المؤدي إلى الحرب العالمية الثانية قبل الكثير من البلدان الأخرى بوقت طويل. كان التنافس الإمبريالي يشكل خلفية هذا الحريق العالمي. التحقت الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا بصراع الهيمنة، في حين اكتفت فرنسا وإيطاليا بلعب الأدوار الثانوية.
ولكن الحرب العالمية الثانية لم تكن مجرد نزاع بين الإمبرياليين . لقد هيأتها ثورة مضادة تستهدف بشكل أساسي الوقوف في وجه الديناميّة التي أطلقتها الثورة الروسية في أوروبا. ورغبة القوى العظمى في تعزيز سلطتها في العالم الثالث. ومثلما كان الحال في الغالب، في الفترة 1914-1918، باستثناء أن الأمر كان على نطاق أوسع بكثير هذه المرة، أظهرت الحرب العالمية في 1939-1945 "العلاقة الوثيقة بين الحرب الإمبريالية وحروب التحرر الوطني والثورة".
لا يمكن النظر إلى الحرب العالمية الثانية ، لا سيّما في الشرق، كمجرد نزاع بين الديمقراطيات واليدكتاتوريات . لم تكن القوى الاستعمارية التقليدية (مثل بريطانيا وفرنسا) ديمقراطية، بقدر ما كان الأمر يتعلق بالشعوب التي تضطهدها (4). ولم يكن النظام الياباني ، بالرغم من أنه كان عسكرياً وقمعياً إلى درجة شديدة، معادلاً للنازية الألمانية. لقد لجأت طوكيو إلى الإرهاب لفرض سيطرتها ، بوصفها قوة إمبريالية جديدة . ولكن لم يكن ذلك شيئاً استثنائياً، مثلما سوف يبر هن سريعاً تاريخ الاستعمار الأوروبي (5). وأخيراً، فإن الأنظمة الآسيوية المتحالفة مع القوى الغربية كانت ، في فترات عديدة، أقرب إلى الفاشية منها إلى الليبرالية. وهذا بالضبط كان حال الصين. يقول كريستوفر ثورن: "حقاً ، إذا كان ينبغي استعمال كلمة "الفاشية" في سياق غير أوروبي لفترة الثلاثينيات، فهي لا تلائم أي نظام قدر ملاءمتها لنظام الكومنتانگ في الصين. و"الفاشية" ، كما أعلن تشيانگ كاي شيك، أمام حشد من أتباعه، من ذوي القمصان الزرقاء في عام 1935، "هي حافز لإنهاض مجتمع منحط...هل تستطيع الفاشية إنقاذ الصين؟ نجيب: نعم" (6) وبالعبارات السلطوية، فالقائد العام Generalissimo ، كما طلب بتواضع أن يُدْعى، لم يرقق كلماته إذ قال: "يجب على الشعب إطاعة أوامر الحكومة والقائد بشكل مطلق" (7). لقد سد تشيانگ الطريق أمام أية خطوة نحو الإصلاح الديمقراطي بثبات لا يلين، محطماً بذلك كل المحاولات الرامية إلى إقامة "قوة ثالثة" بين الكومنتانگ و الحزب الشيوعي الصيني "عقيدة واحدة ، حزب واحد، قائد واحد" ، وذلك كان شعار الديكتاتورية. وداخل الكومنتانگ كان اللوبي المؤيد لليابان قوياً وقد عمد العديد من مسؤولي الحزب لاحقاً إلى التعاون مع السلطات اليابانية. لهذا فإن ما كان يبرر التحالف بين الحزب الشيوعي الصيني و الكومنتانگ لم يكن عضوية هذا الأخير في "المعسكر العالمي للديمقراطية"، بل واجب خوض حرب "عادلة"، حرب الدفاع الوطني والتحرر في بلد تابع يواجه الاحتلال الإمبريالي ، كان هذا رأي تروتسكي في ذلك الوقت وقد خاض سجالاً عنيفاً (8) ضد أولئك الين رفضوا الإصغاء إلى حديث حول الجبهة المتحدة مع العدو الطبقي، والذين كانوا يطالبون الثوريين الصينيين بالانهزامية، كما هو الحال في البلدان الإمبريالية، واللجوء في وقت واحد إلى القتال ضد اليابان و الكومنتانگ . "إن الحديث عن "الانهزامية الثورية" بشكل عام، دون التمييز بين البلدان المستغِلة والبلدان المستغَلة، يعني رسم كاريكاتور سخيف عن البلشفية ووضع ذلك الكاريكاتور في خدمة الإمبرياليين (...) إن الصين هي بلد نصف مستعمر تقوم اليابان ، تحت أنظارنا ، بتحويله إلى بلد مستعمر. إن كفاح اليابان هو إمبريالي ورجعي . في حين أن كفاح الصين هو كفاح تحرري وتقدمي" (9). ولكن الدعوة إلى جبهة متحدة شيء وزرع الأوهام حول تشيانگ شيء آخر: "إننا نعرف تماماً أن تشيانگ كاي شيك هو جزار العمال. ولكن تشيانگ كاي-شك هذا نفسه مضطر إلى قيادة حرب هي حربنا. وفي هذه الحرب، على رفاقنا أن يكونوا أفضل المقاتلين. عليهم سياسياً أن ينتقدوا تشيانگ كاي-شك لا لخوضه الحرب بل لخوضه إياها بطريقة غير فعالة، دون فرض ضرائب عالية على الطبقة البورجوازية، ودون تسليح كاف للعمال والفلاحين، الخ.." (10). ولهذا كان لا بد من انتزاع راية المقاومة الوطنية من أيدي الكومنتانگ، والاستعداد تالياً للمجابهات الطبقية المستقبلية: "المشاركة في النضال العسكري تحت قيادة تشيانگ، طالما أنه لسوء الحظ هو الذي يمسك بناصية حرب الاستقلال، من أجل الإعداد سياسيا لإطاحة تشيانگ... تلك هي السياسة الثورية الوحيدة"(11). هذه الرسائل لتروتسكي تبين أنه كان قد فهم بشكل صحيح طبيعة الصراع الصيني والعقبات التي يزخر بها، إلا أن الحزب الشيوعي كان غائباً عن المعادلة السياسية التي رسمها[تروتسكي]. ويبدو أنه كان يعتبر الحزب الشيوعي الصيني ككيان تابع عاجز عن القيام بلعب دور مستقل. ولكن الحزب الشيوعي الصيني نفسه هو الذي كان مقدراً له أن يلعب دوراً عظيماً في الحرب الصينية – اليابانية.
1935-1939: بدايات الجبهات المتحدة
مع حلول فترة 1935-1936، كان الجيش الأحمر قد تفولذ في خضم تجاربه ومحنه. أصبح جيشاً كادرياً، والعمود الفقري للحركة الثورية. إن الناجين (من المجازر) الذين فروا إلى جنوب أو وسط الصين استطاعوا الآن أن يقيموا جذوراً جديدة في منطقة شانغسي الشمالية . اضطرت قيادة الحزب الشيوعي الصيني إلى اتخاذ سلسلة من القرارات السياسية الهامة والحاسمة في تلك الظروف الشائكة، وبسرعة كبيرة . لقد كان الوضع الوطني في أوج صعوده، كانت الصلة قد أعيدت مع موسكو ، وكان على الحزب الشيوعي الصيني أن يتعامل مع الطلبات السوفيتية. في الأول من آب، 1935، نشر بيان مهيب في موسكو، باسم الحزب الشيوعي الصيني بالرغم من انقطاع الصلة لعدة أشهر. هذا النداء المعروف بـ"نداء ماو و جاي"(13). نسب إلى الحزب الشيوعي الصيني و ماو، في حين أنه كان في الواقع قد وضع في روسيا بمشاركة وانغ مينغ، وفيه ، اقترحت موسكو وقد أقلقها الضغط الياباني في الشرق الأقصى، جبهة متحدة مع الكومنتانگ . إن الحادث يكشف تماماً الطريقة التي كانت البيروقراطية السوفييتية تنظر بها إلى التنظيمات الوطنية المختلفة المنتمية إلى الكومنتيرن كأدوات طيعة لسيادتها. لقد لعب الضغط السوفيتي دوراً في تغيير سياسة الحزب الشيوعي الصيني ولكن من الخطأ تحليل تطور الحزب من تلك الزاوية فقط، بل ينبغي أن تؤخذ بالاعتبار جملة من العوامل. ففي أواسط الثلاثينيات، اضطر الحزب، وكان بالكاد استقر بعد المسيرة الطويلة إلى القيام بتغيير صعب لاتجاهه في وقت كان يتعرض فيه لضغط قوي من اتجاهات متنافسة، فموسكو كانت تدفع بقوة في اتجاه خطها الجديد للجبهة الشعبية. أما في الصين، فإن نمو الشعور المعادي لليابان كان يطرح قضية الوحدة الوطنية. في حين كانت قاعدة الحزب والفلاحون الفقراء يمارسون ضغطهم باتجاه اليسار. كان كل من هذه اللوبياتLobbies* [*مجموعات ضاغطة تؤثر في رسم سياسة بلد ما (المعرب)] يصرخ في أذن قيادة يهددها على الدوام حصار الكومنتانگ والعوز المادي، وحيث لم تكن هنالك بعد أية شخصية أو مجموعة مهيمنة بشكل مطلق"(14).
لقد تقلقل اتجاه الحزب الشيوعي الصيني تدريجياً . في اجتماع المكتب السياسي في وايا بو، في أواخر كانون الأول 1935، كانت القيادة الصينية قد أُخبرت مسبقاً بالتوجه الجديد للكومنترن. ومع ذلك فإن القرار الذي اتخذته لم يكن مجرد حبر على ورق. بالطبع ، كان الحزب الشيوعي الصيني يدعو الآن إلى الوحدة مع البورجوازية الصينية، في وجه الداعين إلى سياسة "الباب المغلق". أصبح شعار "أوسع جبهة موحدة وطنية" منذ ذلك الحين "الخط التكتيكي العام"(15).
ولكن في مسألة الحرب، أكد قرار المكتب السياسي على أن المبدأ الأساسي للنضال الثوري للحزب هو دمج الحرب الأهلية الصينية بالحرب الوطنية"(16). لقد بقي الهدف الداخلي للقرار إذاً عزل تشيانگ كاي-شك . وظل برنامج الإصلاح الزراعي، بالرغم من أنه كان أشد اعتدالاً من ذلك المطبق في جيانغسي، جذرياً بما فيه الكفاية في نظر موسكو التي لم توافق عليه. لقد تأكد من جديد صراع الحزب الشيوعي الصيني من أجل الظفر بالهيمنة داخل الجبهة المتحدة. (17) من السهولة بمكان تفسير الحذر الذي كانت تبديه القيادة الماويّة، فهي لم تكن قد نسيت الدروس الرهيبة لعام 1927. وظل ماو تسي تونغ يكرر ذلك طوال مؤتمر وايا بو: "لقد انهزمت الثورة في 1927 بشكل أساسي بسبب (...) عدم بذل أي جهد لتوسيع صفوفنا (الحركة العمالية والفلاحية والقوات المسلحة بقيادة الحزب الشيوعي الصيني) والاقتصار على الاعتماد على حليف مؤقت هو الكومنتانگ (...) في تلك الأيام ، لم تكن الجبهة المتحدة الثورية تملك معقلاً ولا قوات مسلحة ثورية قوية. إن الدرس الذي دفعنا دمنا ثمناً له هو افتقادنا لنواة صلبة من القوى الثورية قادت الثورة إلى الهزيمة. أما اليوم فإن الأمر مختلف تماماً"(18).
مع أواخر 1935 وبداية 1936 ، انخرطت القيادة الماويّة في معركة سياسية مزدوجة: ضد تيار اتهمته بالعصبويّة، لأنه كان يريد أن يبقي على "الباب مغلقاً" في وجه الكومنتانگ ، وضد تيار انتهازي كان يريد فتح الباب أمام تشيانگ كاي-شك بسرعة وعلى مصراعيه. في شباط 1936، شن الجيش الأحمر هجوماً عسكرياً كبيراً في شانكسي (19) مسبباً امتعاضاً شديداً في موسكو. وفي آذار طرح ماو تسي تونغ على الجنزاليسيمو* إمكانية تشكيل جبهة متحدة: "إذا وقف تشيانگ كاي-شك أو أي جيش آخر الأعمال العدوانية ضد الجيش الأحمر، فإن الحكومة السوفيتية الصينية ستبادر فوراً إلى إيقاف العمل العسكري للجيش الأحمر ضده أو ضد الجيش المعني". وحول المسالة الحاسمة بصدد من الذي يسيطر على الجيش الأحمر ، "لا حاجة إلى القول أننا لن نسمح مطلقاً لتشيانگ كاي-شك أن يمسه بإصبع". هذا الدمج بين الهجمات العسكرية والانفتاحات السياسية هو مثال واضح على السياسة المزدوجة (ذات بعدين) التي كان يتبعها الحزب الشيوعي الصيني آنذاك(20).
بعد فشل الهجمة العسكرية ، وصعود المشاعر المعادية لليابان داخل الرأي العام الصيني، قرر الحزب الشيوعي الصيني توسيع سياسته التوحيدية وزيادة اعتدال برنامجه الاجتماعي. ولكن جرى التأكيد على تصميم القادة الماويين على عدم التفريط بالنقاط الجوهرية، أي الإشراف على قواتهم المستقلة الخاصة بهم وعلى أهدافهم بعيدة المدى. وفي المقابلة التي أجراها إدغار سنو مع ماو تسي تونگ عام 1936، شرح ماو تسي تونگ موقفه حول حل الجيش الأحمر وحكومة يانان المستقلة، سلفاً. ويروي الصحفي الأمريكي أنه خارج المقابلة الرسمية أشار ماو تسي تونگ إلى أن الشيوعيين سوف يكونون مستعدين للقيام بمثل هذه التغييرات في التسمية بما يسهل "التعاون" دون التأثير من حيث الجوهر في الدور المستقل للجيش الأحمر: والحزب الشيوعي. هكذا لو اقتضى الأمر، سوف يعمد الجيش الأحمر إلى تغيير اسمه (...) وسيتم التخلي عن اسم "السوڤيتيات" وتعديل السياسة الزراعية خلال فترة الاستعداد للحرب ضد اليابان(21). في كانون الأول 1936، شكلت "حادثة كسيان" انعطافة كبيرة في العلاقات بين الحزب الشيوعي الصيني و الكومنتانگ. كان تشيانگ كاي-شك قد قام برحلة إلى كسيان (شانكسي) للحث على تنشيط العمليات ضد الشيوعيين. ومع هذا ، فحين وصل إلى هناك اعتقله القادة المحليون للكومنتانگ الذين أحسوا أن الأولوية القصوى تكمن في المقاومة ضد اليابان. وقد شجبت موسكو بعنف العملية، مسمية إياها "خطفاً" في حين حيت يانان الجنرالات المتمردين لوطنيتهم. أخيراً وبعد فترة من التردد(22). تدخل الحزب الشيوعي الصيني لإطلاق سراح تشيانگ كاي-شك . وفشل تمرد الشمال الغربي. في 19 شباط 1937، طلبت اللجنة المركزية للكومنتانگ رسمياً إعادة علاقات التعاون مع الاتحاد السوفيتي والشيوعيين، وأقيمت رسمياً جبهة متحدة في الأشهر التالية، وخلال العام الأول من عمرها، عام "شهر العسل" لجأ الكومنتانگ إلى إطلاق سراح السجناء السياسيين، وتمكن الحزب الشيوعي الصيني من فتح مقراته في المناطق البيضاء (وقد ظل في الواقع، محتفظاً بوفده الدائم في شونغ كينغ حتى النهاية المرة)(23).
على أن التوتر سرعان ما تجدد بين الحزبين وراحت علامات الحرب الأهلية تطفو تدريجياً على السطح داخل معسكر المقاومة الوطنية. كان ماو تسي تونگ قوة موجهة في تطور سياسة الجبهة المتحدة في 1936-1937. وقد جادل بعنف أولئك الذين حاولوا خلق العراقيل في وجه تحقيقها. ولكنه كان واضحاً حول حدود التنازلات التي يمكن القيام بها: التمسك باستقلالية الحزب الشيوعي الصيني والسيطرة الحصرية على المناطق المحررة والجيش الأحمر. في "الأطروحات" التي قدمها في تشرين الثاني 1937 (24)، أشار ماو تسي تونگ إلى مسودة قرار سابق للجنة المركزية تتسم خلاصته بالوضوح التام: "من الجوهري تماماً الاحتفاظ المطلق بالقيادة المستقلة للـ ح.ش.ص. في ما كان أصلاً الجيش الأحمر وفي جميع وحدات حرب العصابات، ويجب على الشيوعيين أن لا يظهروا أي تذبذب فيما يخص هذه المسألة المبدئية"(25). لقد أشار قرار داخلي للحزب الشيوعي الصيني إلى أنه: "حتى بعد تأسيس الجمهورية الديمقراطية، على الشيوعيين ألا يتخلوا عن القيادة المطلقة للشعب والقوات المسلحة القائمة في المناطق السوفيتية. فبالعكس، ينبغي على الحزب أن يقود بإصرار نضال الجماهير الصينية المعادي لليابان والنضال الاقتصادي والسياسي اليومي ويتشبث بتوسيع قواها السياسية والعسكرية الخاصة وتعزيزها، لتحقيق نصر كامل في الحرب المناهضة لليابان وضمان قيام الجمهورية الديمقراطية، بغية الكفاح من أجل تحقيق مستقبل اشتراكي"(26).
لقد أوضح شوآن لاي الأهداف البعيدة للجبهة المتحدة في حديث مع إدگار سنو عام 1936 ولكنه طلب من الصحفي آنذاك ألا ينشر المقابلة، خشية أن تؤدي صراحتها إلى إلحاق الخطر بالمفاوضات الجارية مع الكومنتانگ . يتحدث سنو عن المقابلة قائلاً: كانت خطط الحزب الشيوعي الصيني ، كما شرحها شوآن لاي تهدف بشكل رئيسي إلى إنهاء الحرب الأهلية وتشكيل "جبهة موحدة" مع جيوش أخرى لمقاتلة اليابان وقد سألته: "إذن تتخلون عن الثورة؟" "أبداً، فنحن لا نتخلى عن الثورة، بل ندفعها إلى الأمام. ومن المرجح أن تصل الثورة إلى السلطة عن طريق الحرب المناهضة لليابان". وعن تشيانگ كاي-شك، تنبأ قائلاً: "إن اليوم الأول من الحرب المناهضة لليابان يعني بداية النهاية لتشيانگ كاي-شك". سوف ينتصر الشيوعيون، قال شو، لأنهم يعرفون كيف ينظمون الفلاحين ويسلحونهم في حرب وطنية، في حين لم يعرف تشيانگ ذلك"(27)
القيادة الماوية
بدا أخيراً أن موسكو ويانان قد تلاقتا بعد فراق. ومع ذلك فإن الخلافات التي ظهرت فيما بينهما في سنوات 1935 و1937 أظهرت أن العاصمتين لا تنظران إلى مسألة الجبهة المتحدة من الزاوية نفسها. إن الهم الأساسي لقيادة الكومنتيرن كان مسألة تطبيق الخيارات الدبلوماسية للبيروقراطية السوفيتية التي كانت ترغب الآن في الإمساك بالمبادرة في الشرق الأقصى: كان تشيانگ كاي-شك البؤرة الأساسية لهذه السياسة ، الحليف المنشود. كانت القيادة الماويّة تفكر في الشروط التي تستطيع في ظلها خوض النضال، بقي تشيانگ كاي-شك عدواً مخيفاً. لقد ركزت اهتمامها أولاً على الوضع الوطني ومن ثم راحت تفاوض موسكو. هاتان النظريتان المختلفتان لم تكونا وليدتي الصدفة. ولهذا فقد راحتا تظهران على السطح بشكل متكرر طوال فترة الحرب الصينية- اليابانية. ولقد عبر هذا الاختلاف عن نفسه داخل الحزب الشيوعي الصيني في الصراع بين القيادة الماويّة وجناح وانغ مينغ، الحليف المخلص لموسكو(28). إن النقاش الذي كان يدور حول التوجه، يزود الباحثين بالأدوات التي تمكنهم من تقدير موازين القوى داخل الحزب الشيوعي الصيني وعلاقاته اللاحقة بالكرملين. لقد اقتصر الجدال السياسي على نخبة صغيرة من القادة. ومع هذا وبفضل أعمال غريغ بنتون، في مقدورنا الآن تمييز منحنيات ذلك الجدال (29). لنلق في البدء نظرة سريعة على الكيفية التي ظهر فيها الصراع حول التوجه.
إن الخلافات التي ظهرت بين ماو تسي تونگ ووانغ مينغ أواخر 1935 قد استمرت في العام التالي. كان وانغ يشكو باستمرار من أن "نقاط ضعف جدية" في سياسة الحزب تهدد إمكانية تحقيق الوحدة الوطنية. وفي موسكو، لجأ جورجي ديمتروف، الذي كان قد ألقى تقريره حول الجبهة الشعبية في المؤتمر السابع للأممية الشيوعية إلى انتقاد "عدم النضوج السياسي" لـ ح.ش.ص. أمام سكرتارية الكومنتيرن ، وكانت المشكلة أن الحزب استمر في الدعوة إلى إطاحة طغمة تشيانگ كاي-شك (30).
في 22 حزيران، وافقت قيادة الحزب أخيراً على إقرار السياسة الزراعية التي طرحها وانغ مينغ . هذه المرة أيد ديمتروف الخطوة. واتخذ الحزب الشيوعي الصيني موقفاً مؤيداً لفكرة توحيد القوتين السياسية والعسكرية. ولكنه أكد أن مثل هذا التوحيد يمكن أن يتحقق فقط "بعد قيام جمهورية ديمقراطية صينية"، وأن المناطق السوفيتية سوف تلتحق بتلك الجمهورية كأجزاء مكونة. وكما يلاحظ غريغ بنتون، كان ذلك اقتراحاً من شأنه المساهمة في آن واحد في توفير "إطار للمناورة والضغط السياسي على تشيانگ، وتكتيك يضمن وحدة المناطق الحمراء طالما أن الكومنتانگ لا يستطيع مطلقاً تأمين مثل هذه الشروط"(31). ولهذا فليس مفاجئاً أن نرى وانغ مينغ مستمراً في انتقاد سياسة الحزب الشيوعي الصيني حتى في أيلول 1936. من جهة أخرى ، كان ماو تسي تونگ يسخر في جلساته الخاصة من كتابات وانغ مينغ (32). كان حريصاً على عدم القيام بذلك أمام الرأي العام وذلك لكي يتجنب اصطداماً مباشراً مع موسكو. في الفترة التي تلت حادثة كسيان، رد هاو و وانغ مينغ على الكومنتانگ بعبارات مختلفة . في نبرتها العامة ، فيما يتعلق بمسألة الحقوق الاجتماعية للجماهير واستقلال القوى الشيوعية، والديمقراطية والمجلس الوطني، يلاحظ بنتون ما يلي: "كانت صيغة وانغ تميل إلى المساومة ، أما صيغة ماو تسي تونگ فقد كانت تكشف الطبيعة الرجعية للكومنتانگ"(33). وفي حزيران، 1937، وضع شوآن لاي خطاً فاصلاً بين الجبهات الشعبية الأوربية وبين الوضع الذي كان سائداً في الصين، مؤكداً على التعارض بين طبيعة الكومنتانگ التي كانت رجعية، وبين طبيعة الحزب الشيوعي الصيني الثورية. مع تقدم المفاوضات ، طرحت مسألة الحكومة المتحدة. اعتبر معظم الكوادر المقيمين في يانان أن النظام القائم يمثل "ديكتاتورية الحزب الواحد، الكومنتانگ". لم يكن بوسع الحزب الشيوعي الصيني الدخول في حكومة نانكين. كان الأمر يقتضي تغيير المجلس الوطني والدستور وانتخاب حكومة جديدة على ذلك الأساس. أما وانغ مينغ فقد كان يعتقد أن حكومة نانكين من شأنها أن تتحول إلى حكومة فعلية لكل الصين للدفاع الوطني، بشرط تغيير سياستها في مجالات عديدة، وطرد أعضائها الموالين لليابان...الخ. هذه الحكومة التي يتم إصلاحها وتقويتها سيكون بمقدورها الدعوة إلى عقد مجلس وطني جديد.
عقد المكتب السياسي مؤتمراً في آب 1937 وقد ظهرت ثلاثة اتجاهات: اتجاه ماو تسي تونغ ، اتجاه وانغ مينغ، ومجموعة وسطية هي مجموعة "التوفيقيين"، ومن ضمنهـا شودي. عاد وانغ مينغ من رحلة كان يقوم بها إلى موسكو في تشرين الأول 1937. وسرعان ما تفجر النزاع حول السيطرة على الغالبية في المكتب السياسي، ولكنه انتهى بمساومة. بالرغم من اضطرار ماو تسي تونگ إلى الانسحاب، فقد كان قادراً على الاحتفاظ بسيطرته على الجيش والبقاء في موقع يمكنه من تقوية جناحه في يانان (في حين انتقل وانغ مينغ إلى ووهان). في 1937 و1938، ظهرت سلسلة من الخلافات الإضافية بعيدة المدى.
هزيمة الكل أو انتصار الكل
تبعاً للعديد من المؤلفين (34)، فإن هذه العبارة هي ما لخص به ماو تسي تونگ النزاع الذي كان قائماً. كان ينادي بـ"هزيمة الكل" (أي هزيمة اليابانيين و الكومنتانگ) في حين طرح "التوفيقيون" صيغة "انتصار الكل" (المقصود الحزب الشيوعي الصيني و الكومنتانگ).
الاتجاه العسكري
وصف ماو تسي تونگ سياسة الكومنتانگ بأنها "مقاومة جزئية" لليابانيين، موجهاً بذلك انتقاداً لاذعاً إلى وانغ مينغ، دعا ماو تسي تونگ إلى استراتيجية عسكرية مستقلة عن الكومنتانگ وقائمة على الحركة ووحدات حرب العصابات، في حين كان وانغ مينغ يدعو إلى الجمع بين الاتجاهين. كان العديد من الكوادر في يانان يعتقدون أن تغيير اسم القوى الشيوعية (من الجيش الأحمر إلى جيش الدرب الثامن) سوف يبقى مجرد مسالة شكلية أما بالنسبة إلى وانغ مينغ، فإن التوحد تحت قيادة واحدة هو الخطوة الأولى على طريق بناء جيش فعلي لكل الصين. كان الهدف في رأيه تحقيق الوحدة على صعيد كل من القيادة والتنظيم والجيش والانضباط والمعاملة والأوامر والنشاطات العسكرية"(35).
آفاق ما بعد النصر
في وثيقة مؤرخة في 27 كانون الأول 1938، ينتقد وانغ مينغ أعضاء الحزب الشيوعي الصيني الذين لم يدركوا أسس سياسة التحالف مع الكومنتانگ . وهو يوضح قائلاً إن ربط كل شيء بالمقاومة ضد اليابان يجنب الصراع على الهيمنة داخل الجبهة المتحدة، ويؤكد بقوة أن التعاون مع الكومنتانگ سوف يستمر بعد الانتصار على اليابان. ويتوقع أن تنتقل قيادة الصين المحررة إلى تشيانگ كاي-شك ، الذي سوف تحوله الحرب إلى بطل وطني. لقد سبق أن لاحظنا كيف أن ماو تسي تونگ أيضاً كان يتكلم على تشيانگ كاي-شك كـ"بطل وطني". ولكنه ترك مسألة موازين القوى داخل الجبهة الموحدة واحتمالات تطورها اللاحق أمراً مفتوحاً. وأشار إلى أن البورجوازية الصينية عاجزة عن القيام بالمهام الديمقراطية للثورة. وأوضح قائلاً أنه طالما بقيت الجبهة الموحدة مكونة من مجموعات متعددة "فإن الصراع فيما بينها هو الذي سوف يحدد المستقبل" . ففي حرب يخوضها حزب للعمال "لا يمكن اختزال نتيجة (الصراع) إلى إصلاحات بسيطة. لقد خلقت قيادة البروليتاريا إمكانية تحويل الحرب إلى ثورة اشتراكية. هذه الآراء، التي نقلها بيسون، كان المقصود منها وضع الأساس لنشر أطروحات ماو تسي تونگ 3 أيار 1937، تحت عنوان "مهمات الحزب الشيوعي الصيني في فترة المقاومة ضد اليابان" وتبعاً لهذه الأطروحات، فإن الجمهورية الديمقراطية القادمة قد تنحو منحى رأسمالياً. كما هناك أيضاً إمكانية التوجه نحو الاشتراكية وعلى حزب البروليتاريا الصينية أن يناضل بدأب من أجل التوجه الأخير(36). كل هذا لا يعني أن وانغ مينغ كان يأمل بشكل مقصود في انتصار الكومنتانگ على الحزب الشيوعي الصيني ، فكما يلاحظ غريغ بنتون، من المحتمل أن كلاً من ماو تسي تونگ ووانغ مينغ يتقاسمان الهدف نفسه وهو انتزاع السلطة من الكومنتانگ وإطاحة المجتمع القديم. إن اختلاف ماو تسي تونگ عن وانغ مينغ، حتى في أوج فترة الجبهة الموحدة كان يكمن في قدرته على دمج هذا الوجه الثوري مع العمل اليومي للحزب، عوضاً عن إحالته إلى مستقبل بعيد" (73). "ولكن، في حين أن تحليلات وانغ قادته على صعيد التطبيق إلى التخلي عن أية استعدادات لأجل حسم لاحق، فإن ماو تسي تونگ قد كرس نفسه لمراكمة ما يكفي من القوة العسكرية والسياسية لحسم القضايا ما إن تطرح نفسها"(38). وكان إنجاز ماو تسي تونگ في هذه الفترة الصمود أمام ضغوطات استثنائية من عدة اتجاهات والوقوف في آن واحد في وجه خطري الاستسلام للكومنتانگ والعصبوية العقيمة"(39).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
نقل القوات الشيوعية إلى خلف الخطوط اليابانية و"حادثة آنهوى"
في 1937-1938، لم يكن موقف ماو تسي تونگ في قيادة الحزب الشيوعي الصيني قد ترسخ بعد بشكل كامل. كان مناخ الجبهة الموحدة ملائماً لظهور تيار وسطي داخل الجهاز الحزبي، الأمر الذي أدى بدوره إلى فسح مجال أكبر للمناورة أمام وانغ مينغ، وفي إحدى مقابلات ماو تسي تونگ مع آنا لويز سترونغ، أشار إلى أنه حين انتهت المسيرة الطويلة، لم يكن الوضوح السياسي قد تحقق بعد. "بعد وصولنا إلى يانان، قضينا ثلاث سنوات ونصفاً في حملة تصحيح لحل هذه المشكلة (الخط السياسي) بشكل كامل، لقد استغرق ذلك وقتاً(40). كما في 1934-1935، فإن امتحان الأحداث هو الذي مكن ماو تسي تونگ من إعادة تأكيد قيادته الشخصية والسياسية وتعزيزها. منذ حزيران 1937 وحتى تشرين الأول 1938، تقدم الجيش الياباني بسرعة كبيرة واحتل المقاطعات الخمس في شمال الصين. وراح الجيش الصيني يدافع عن المراكز المدينية الرئيسية ، ولكنه تعرض إلى السحق على يد الجنود اليابانيين بعد حرب مواقع طاحنة. كرس وانغ مينغ نفسه شخصياً للقتال في معركة ووهان، العاصمة، جنباً إلى جنب مع الكومنتانگ ، ولكن ووهان سقطت في تشرين الأول 1938. وكان ذلك فشلاً كبيراً ، عسكرياً وسياسياً ، سواء بالنسبة إلى الكومنتانگ أم بالنسبة إلى أولئك الذين كانوا يراهنون داخل الحزب الشيوعي الصيني على استراتيجية دفاعية موحدة و"تقليدية".
دعا ماو تسي تونگ إلى سياسة أخرى ، جريئة جداً: توسيع شبكة الشيوعيين على نطاق قومي شامل، لكن بإرسال القسم اكبر من قواتهم النظامية إلى شمال الصين، خلف خطوط اليابانيين. ولقد كانت نقطة الانطلاق بالنسبة إليه اعتبارات ذات طبيعة عسكرية (الحاجة للجوء إلى حرب العصابات في وجه عدو شديد التسلح) كما من طبيعة سياسية يجب على حروب الدفاع الوطني أن تكون "حرباً شعبية". ينبغي لها أن تقوم على أساس تعبئة السكان ، وتنظيم الجماهير، وكان من الممكن القيام بهذا العمل خلف خطوط اليابانيين دون الاضطرار للانخراط في صدامات دائمة مع الكومنتانگ . لقد تمكن الحزب الشيوعي الصيني من تشكيل مناطق محررة جديدة. هذا المفهوم كان حاسماً من عدة أوجه. لقد جعل من الممكن اللجوء إلى المقاومة ضد الاحتلال الأجنبي بطرق أكثر فعالية من الحرب التقليدية. وكذلك تحويل حرب الدفاع الوطني إلى حلقة تربط بين الحرب الثورية في الأمس والحرب الثورية في الغد.
استفاد تشيانگ كاي-شك من الأرض الصينية الشاسعة للقيام بانسحاب طويل كانت خطته تكمن في الانتظار حتى يصيب الإنهاك القوات اليابانية في حرب المحيط الهادئ قبل اللجوء إلى شن هجمة مضادة، وهذا ما ترك مساحات واسعة من الأرض مفتوحة أمام نشاط الحزب الشيوعي الصيني . كان تشيانگ كاي-شك يسعى إلى إضعاف القوات الشيوعية بكل طريقة ممكنة. وقد تكررت الحوادث بين القوتين وتنامت حتى عام 1941، حين جرت تصفية هيئة الأركان العامة للجيش الرابع الجديد وهو ما يعرف بـ"حادثة جنوب آنهوي". كانت قوات جيش الدرب الثامن قد اخترقت مقاطعات الشمال . وكانت وحدات الاستطلاع التابعة للجيش الرابع الجديد قد اجتازت نهر يانگ زي. كانت القوات الشيوعية تسعى إلى تمهيد الطريق للعمل خلف الخطوط اليابانية وذلك من خلال الحد من سلطة أمير الحرب المحلي، أي سلطة الكومنتانگ. نشب قتال عنيف بين الجنود الشيوعيين والقوات البيضاء في هونغ كياو، وقد منيت الأخيرة بالهزيمة بالرغم من التفوق العددي الساحق، حينئذ قرر تشيانگ كاي-شك التخلص من الجيش الرابع الجديد الذي كان مركز قيادته لا يزال في جنوب نهر اليانغسي، في منطقة كان يسيطر عليها، وذلك مرة وإلى الأبد. في كانون الثاني 1941 تعرض طابور من الشيوعيين مؤلف من عشرة آلاف جندي بقيادة يي تينغ وشيانغ بينغ إلى الحصار من جانب الكومنتانگ ثم الإبادة بمساعدة اليابانيين الذين استخدموا الطائرات ضد الشيوعيين، هذه الأحداث تركت انطباعاً عميقاً على الرأي العام. فقد كانت معركة هونغ كياو انقلبت سياسياً لغير مصلحة تشيانگ : فهو حاول منع الجيوش الصينية من التحرك إلى مواقع يستطيعون منها مقاتلة اليابانيين. وقد تحول انتصاره في جنوب آنهوي أيضاً إلى غير مصلحته، حيث كان حطم قوات قومية بمساعدة الغازي الياباني!
الحادث ترك أيضاً انطباعاً عميقاً لدى الشيوعيين ، لقد سجل نهاية النزاع الطويل حول الاتجاه السياسي بين يانان وكسيانغ بينغ، كان الأخير ينتمي إلى مجموعة "البلاشفة الـ28"، وكان قد بقي في الوراء حين بدأت المسيرة الطويلة. وبقي ثلاث سنوات في جيانغسي مع الماويّ شن يي. وقد شكلت القوات التي نجت من تلك المعركة الأسطورية النواة الصلبة للجيش الرابع الجديد. وأقامت منطقة حمراء جديدة في جنوب آنهوي، ولكن هذه المرة ، تحت راية الجبهة المتحدة، وتبعاً لغريغ بنتون، "كل شيء عبر الجبهة المتحدة" كان الشعار النموذجي لسياسة شيانغ. لم يكن ذلك شعاراً عادياً، بل شعاراً يرتبط ارتباطاً وثيقاً بوانغ مينغ ويتعرض إلى الانتقاد من جانب ماو تسي تونگ وليو شاو شي بوصفه شعاراً انتهازياً. (41). ولكن بنتون لا ينظر إلى شيانغ كـ"عميل" لوانغ مينغ. فقد انحاز إلى ذلك الخط لاعتبارات خاصة به: "لقد آمن بالجبهة المتحدة مع الكومنتانگ . ووجد على الأرجح أن من الصعب التكيف مع ظروف الحرب، التي كانت مختلفة اختلافاً كبيراً عن ظروف أواسط الثلاثينيات. وفوق كل شيء ، لقد رغب في الاحتفاظ باستقلاليته إزاء المكتب الماوي. وحين طلبت إليه يانان نقل قواته إلى الشمال. رفض ذلك، وقد كان شن يي، التابع له رسمياً، هو الذي قاد وحدات عديدة من الجيش الرابع الجديد عبر نهر يانغسي، منقذاً بذلك نواة هذه المجموعة العسكرية. ويرى بنتون أن "هونغ كياو كانت تتويجاً مظفراً للخط الذي تقرر في 1938، في حين كان الحادث الذي وقع في جنوب آنهوي الخطوة الأخيرة في انطلاقة خاطئة"(42). تظهر دراسة غريغ بنتون أن القيادة الوطنية في يانان قد ارتكبت أيضاً أخطاء أثناء هذه الأحداث الحاسمة وذلك من خلال التردد حول الزمان وخط السير اللذين كان على القوات الشيوعية أن تتقيد بهما لاختراق الشرك، الذي كانت قوات الكومنتانگ قد حاصرت فيه هيئة الأركان العامة الجيش الرابع الجدي. على أن المستتبعات السياسية للهزيمة كانت واضحة ما فيه الكفاية. كانت القيادة الماويّة (ماو تسي تونگ، ليو شاوشي، (43) شن يي) تختلف اختلافاً أساسياً مع كسيانغ بينغ. إن فشل كسيانغ كان أيضاً فشلاً لخط وانغ مينغ. ولقد بات واضحاً أن دفاعاً مشتركاً مع الكومنتانگ كان مستحيلاً. وبقي هناك الطريق الماويّ.
المفهوم الماويّ عن الجبهة المتحدة
من الضروري الآن مراجعة المفهوم العام لـ ماو حول الجبهة المتحدة، أثناء حرب الدفاع الوطني ، كان المفهوم الماويّ عن الجبهة المتحدة مع الكومنتانگ يدمج قطبين: اقتراح إقامة أوسع جبهة ضد الاحتلال الإمبريالي وقبول إجراء تعديل كبير على برنامج الحزب لتحقيق تلك الوحدة في الوقت نفسه الذي يتم فيه كسب قيادة المقاومة الوطنية عن طريق الحفاظ على استقلالية القوات الشيوعية وتقويتها، عبر القيام بنشاطات ديمقراطية (ذات طبيعة سياسية واجتماعية في آن) كافية لضمان بقاء قاعدة جماهيرية. كان الجيش الثوري عماد هذه السياسة. فبدونه لم يكن بمقدور الحزب الشيوعي الصيني السير بنجاح في توجهه الحافل بالجوانب المتناقضة. إن سياسة التحالف الأوسع لم تكن تستثني الصراع، بالعكس، كانت ترى فيه أحد أسسه. ففي المفهوم الماويّ كان التحالف مع الكومنتانگ يعني صراعاً حول القيادة والخط ، وقد رفع شعار "الوحدة والصراع" في وجه من كانوا ينادون بالوحدة فقط أو الصراع فقط. فضلاً عن ذلك كانت سياسة التحالف قابلة للتعديل : لوهلة كان على الحرب الأهلية أن تتجسد في الجبهة المتحدة وتتحول إلى صراع حول النفوذ داخل الحركة الوطنية وكان على هذا النزاع أن يزداد احتداماً إلى أن يؤدي إلى حرب أهلية جديدة حينئذٍ تنقلب الجبهة المتحدة ضد الكومنتانگ . في صيغتها الأكثر عمومية تهدف سياسة التحالف الماويّة إلى توحيد معسكر القيادة الثورية وتوسيعه وإلى تقسيم معسكر قيادة الثورة المضادة وإضعافه، إنها تعمل على الصعيدين السياسي والاجتماعي وتسعى نحو أهداف قريبة وبعيدة في آن واحد (44).
ويمكن اختصارها بما يلي: تأمين قيادة الحزب (باسم البروليتاريا) ، تعزيز التحالف الأساسي (بين العمال والفلاحين) ، كسب القوى الوسيطة (بما فيها تلك التي تمثل الطبقات الوسطى) ، تحييد العناصر المتذبذبة ، تقسيم صفوف العدو ، عزل أخطر الأعداء في لحظة معينة، وتركيز الضربات ضد هذا العدو، تكييف التكتيكات مع كل مرحلة من مراحل النضال بحيث يتم القضاء على قوى الثورة المضادة واحدة تلو الأخرى، ويضمن بذلك الانتصار النهائي.
1-القدرة على التكيف:
ينبغي لسياسة جبهة موحدة أن تنسجم مع الواقع المحلي، تنشأ الصعوبة بسبب وجوب أن تكون حلاً لمطالب هي جزئياً متناقضة. إن أولئك المكلفين بتجسيدها وتطبيقها يحتاجون إلى قدر من الموهبة للتمكن من الجمع الصحيح فيما بينها في التطبيق.
يمكن معرفة عمق هذه المسألة من خلال قراءة كتاب وليم هينتون فان شين fanshen وهو وصف للنجاحات والانتكاسات التي رافقت نشاط الحزب في قرية في شمال الصين أثناء الحرب الأهلية الثالثة. (45).
كانت الأراضي قليلة وجدباء، وقد طبقت الإجراءات الأولى للإصلاح الزراعي ولكن الفلاحين الأكثر فقراً ظلوا محتاجين . فلو طبقت سياسة توزيع الأرض بطريقة أكثر راديكالية لتستجيب بشكل كامل لحاجتهم الفعلية للأرض لأدى ذلك إلى المساس بأراضي الفلاحين المتوسطين ، الأمر الذي كان يهدد بانتقال جزء هام من سكان الريف إلى جانب الثورة المضادة. كان هدف الحزب الشيوعي الصيني العاجل هو تعزيز نفوذه بين الطبقات السفلى وتجنب قيام قاعدة سياسية جديدة للكومنتانگ في الريف. ليست هناك حلول شاملة لمثل هذه المآزق. فالجواب لا بد أن يكون ملموساً وحسب.
دراسة أخرى بقلم اليزابيث بيري (46)، تظهر الطبيعة المتذبذبة للتحالفات التي عقدها الشيوعيون الصينيون مع الاتحادات الفلّاحيّة التقليدية في المقاطعة الشمالية هوابي، المعروفة بتمرداتها الفلاحية وحركة الرماح الحمراء، وهي مجموعة سرية كبيرة كانت قد لقيت في السابق تجاوباً حماسياً من جانب لي ليزان وشن دوكسيو (47).
أثبتت الحقيقة أنها أكثر تعقيداً مما توقعه الشيوعيون . حصلت حركات انشقاق عدة ضمت أعداداً كبيرة من الأنصار بين الناس في تلك المنطقة، كان هناك قطاع طرق اجتماعيون جندوا فلاحين مقتلعين من جذورهم مثل جمعية "البيضة العارية" ، وعارضوا أحياناً حركة "الرماح الحمراء". وقد كانت حركة الرماح الحمراء حركة دفاع عن القرية، لكنها كانت تحت سيطرة وجهاء محليين هم الأعيان. كان على الشيوعيين التعامل مع شبكة معقدة من العلاقات الاجتماعية داخل القرية: فغالباً ما خلقت سلطة العلاقات العشائرية والحاجة إلى حماية جماعية ضد التهديدات الخارجية ، تضامناً بين طبقات مختلفة كان من الصعب تحطيمه إلا في فترات استثنائية (48).
وقد دعي كوادر سياسيون من أمثال شن يي وليو شاوكي وبينغ دي هواي للإسهام بأفكارهم في هذا السجال المشوق. وفي النهاية تقلبت السياسة ببساطة حسب الفترة : على سبيل المثال فسح التحالف مع جمعية "البيضة العارية" في المجال أمام سياسة جديدة من "إعادة التنظيم" بالنسبة "للرماح الحمراء" خلال المقاومة المعادية لليابانيين. وفي تلك الحالة أيضاً الجواب الوحيد كان يجب أن يكون محسوماً ومستنداً إلى تكييفات adjustments تدريجية . تضمن نشاط التحالف والجبهة الموحدة وجوهاً عديدة وكان عليه التكيف مع أوساط مختلفة عديدة وظروف متغيرة. كان دور الكوادر المحلية هاماً كدور القيادة المركزية.
ويأخذ "خط الجماهير" الماويّ هذه المشكلة بعين الاعتبار عندما يدافع عن "المركزية الأيديولوجية" في قضايا تتعلق بالمسالة القومية، و"اللامركزية العملانية" وفي قضايا مأخوذة من وجهة نظر الكوادر غير العاملة في الميدان. القاعدة الاجتماعية للمقاومة والخطر اليميني.
في عام 1948 كتب ماو تسي تونگ ما يلي: "يدل تاريخ حزبنا على أن الانحرافات اليمينية غالباًَ ما حدثت في الفترات التي يشكل فيها الحزب جبهة موحدة مع الكومنتانگ . وأن الانحرافات "اليسارية" غالباً ما حدثت في الفترات التي قطع فيها الحزب علاقته بالكومنتانگ"(49).
وخلال الحرب الصينية – اليابانية، تجلى هذا الخطر اليميني ليس فقط فيما يتعلق باتساع الجبهة الموحدة مع الكومنتانگ وشكلها، بل أيضاً على صعيد الطبقات ، في صلب القاعدة الاجتماعية للحزب الشيوعي. فلقد جمَّد الحزب الشيوعي الصيني سياسته لتوزيع الأراضي من أجل الإبقاء على إمكانية التحالف مع "ملاكي الأراضي الوطنيين". وحددت القيادة الإجراءات الواجب اتخاذها في قواعد الجيش الأحمر الواقعة خلف الخطوط اليابانية، في قرار صدر في 28 كانون الثاني 1942: فمن جهة ، أمرت بتخفيض سقف الإيجارات ومعدلات الفائدة على القروض (وهو إجراء لصالح الفلاحين) ، ومن جهة أخرى ، كفلت دفع هذه الالتزامات (إجراء يحمي مصالح ملاك الأراضي). حذرت من الأخطاء اليسارية، وحذرت بحزم أكبر من الأخطاء اليمينية. ولخصت المبادئ الثلاثة التي بنت عليها توجهاتها في ذلك الوقت على النحو التالي: كان الفلاحون "القوة الأساسية" في الحرب ضد اليابانيين ، والواقع أنه لم يكن يمكن تجنيدهم لفترة طويلة دون خفض الإيجارات ومعدلات الفائدة. وكان يجب الاعتراف بحقوق ملاكي الأراضي والأعيان في سبيل الحفاظ على الجبهة الموحدة المعادية لليابانيين. وقد مثل الفلاحون الأغنياء ورأسماليو الريف قوة "لا غنى عنها في الحرب ضد اليابانيين وفي معركة الإنتاج"، نظراً لكون نمط الإنتاج الرأسمالي هو النمط الأكثر تقدماً في الوقت الحاضر في الصين".
طرح تجميد سياسة إعادة توزيع الأراضي مشكلات خطيرة . يشير المراسل الصحافي جاك بلدن (j.belden) في كتابه المشوق الذي يغطي تلك الفترة، وعنوانه "الصين تهز العالم" إلى أن "هذه الحرب القومية ، بحد ذاتها، كانت حرباً ثورية، وغالباً ما حركت عواطف الشعب أكثر وأسرع مما كان يمكن أن يفعله الإصلاح الزراعي (...) لكن برنامج الشيوعيين استبعد بعضاً من الفلاحين الفقراء، ومستأجري الأراضي والعمال ذوي العقود طويلة الأمد. ولقد تعلم الفلاح من تجربته المريرة أن لا يثق بأي مثقف يأتي إلى قريته بوعود براقة . فقط عندما تعطيه أرضاً يعتبرك جاداً. وعندما تخلى الشيوعيون عن مصادرة الأراضي واخبروا المستأجرين والعمال الزراعيين بأن عليهم تناسي ملاكي الأراضي ومحاربة اليابانيين، رأى أولئك الرجال المحرومون من الملكية وراء تلك الوعود البراقة مجرد خدعة قديمة. "فانغ كوو يي" ("الكلب نافخ الريح")، "غمغموا بصوت خافت ومضوا في حال سبيلهم".
ظاهرياً، بدا الشيوعيون شبيهين بالكومنتانگ، الذين دافع برنامجهم رسمياً أيضاً عن تخفيض الإيجارات على الأراضي. "إلا أن الفارق بين الكومنتانگ والكوادر الشيوعية يكمن في أن الأخيرين حاولوا أن يفرضوا بالقوة قانون خفض الإيجارات. وعندما رأى الفلاح ذلك، توقف وقلب مواقفه، إذ كان هنا أمام نوع مختلف من الموظفين"(51). وعلى الرغم من اعتدال برنامج الحزب الشيوعي الصيني ، فقد اكتشف بعض القضايا ذات الأهمية القصوى بالنسبة للفلاح، مثل كلفة الأرض ومشكلة الربا الحاسمة والديون الفلاحيّة. كانت جزءاً من سياسة تعبئة اقتصادية واجتماعية نشطة مخصصة لإرساء الإنتاج الضروري للحرب، وتغيير السلوك الاجتماعي وعلاقات القوى داخل القرية: فرض ضرائب على الأغنياء، الاستيلاء على أراضي المتعاونين مع الأعداء، تطوير صناعة ريفية ، فُرَق تبادل العون، تعاونيات، هيئات فلاحيّة، حملات توعية وإرساء إدارة جديدة تحت سيطرة الشيوعيين..(52). إن النزعة القومية لا تعطي لوحدها تفسيراً للدعم الذي منحه الفلاحون للـ ح.ش.ص.(53). خلال الحرب الصينية اليابانية كان على الحزب الشيوعي الصيني توسيع حركة المقاومة، وبالتالي القيام بتنازلات وتعبئة الجماهير عبر تلبية حاجاتهم. كان عليه الدمج بين إجراءات متناقضة جزئياً ضمن توجه واحد. وقد كان متوقعاً بالتالي أن يؤدي هذا التفاوت الخطير، الذي ازداد بين مواقف الحزب "الدبلوماسية" ، من جهة، (التي تم إقرارها بروح "إجماع" كبير) وبين سياسته الراهنة ، من جهة أخرى، (المُعدّة لتقوية قيادته)، إلى تشجيع الضغوطات اليمينية. على كل حال ، فإن الدرس الذي لقنته المقاومة الصينية للاحتلال الياباني كان واضحاً. وتعزى فعالية تلك المقاومة – مثلها مثل استمرارية النضال الثوري- إلى التعبئة الجماهيرية وإلى قدرة الحزب الشيوعي الصيني على تنظيم تلك التعبئة. لم يكن باستطاعة الحرب الدفاعية القومية أن تبقى حرباً شعبية لولا التطبيق الفعلي لإجراء التخفيض على إيجارات الأراضي. ولولا استئناف الإصلاح الزراعي لاحقاً، كما سنرى، لما أمكنت إعادة توظيف القوى المتراكمة في عامي 1937-1938 في الصراع الثوري على السلطة. في حين كان الجيش الثوري عماد سياسة الجبهة الموحدة مع الكومنتانگ ، كان النشاط الجماهيري عماد سياسة التحالف الاجتماعي. لقد شكل التحالف الاجتماعي للطبقات الشعبية التحالف الأساسي، الأساس الوطني الثابت لسياسة الجبهة المتحدة الثورية. وغالباً ما لعبت التحالفات الواسعة ذات الطبيعة السياسية دوراً هاماً بالفعل إلا أنه كان عليها أن تتلاءم مع الإطار الدائم للتحالفات الاستراتيجية.
مقاربة السلطة داخل الجبهة المتحدة والخطر العصبوي
على الرغم من الملاحظات التي سجلناها للتو، وخلافاً لبعض المفاهيم الشائعة ، اعتقد أن الخطر الرئيسي الذي ينطوي عليه المفهوم الماويّ للجبهة الموحدة ليس لجهة الانتهازية، بل لجهة العصبوية(54). يمكن أن نصور برسم بياني المفهوم الماويّ للتحالفات على شاكلة دوائر متحدة المركز (انظر الرسم البياني على الصفحة 45). ويمثل المركز في الوسط الحزب الشيوعي الصيني. تحيط به دائرة أولى تمثل التحالف ذا الأساس الوطيد أو التحالف الطبقي الأساسي، وتمثل الدائرة الثانية التحالف العريض (سواء قومياً أو معادياً للفاشية) الذي ينطوي على احتمال نزاعات، أما الدائرة الثالثة فتمثل قوات العدو التي يجري السعي لعزلها. ويمكن إدخال دوائر إضافية فيما بين الدوائر المذكورة سابقاً مما يجعلها أكثر تعقيداً.
هذه المقاربة الأساسية بعيدة كل البعد عن مفهوم للتحالفات يكون فيه الحزب الشيوعي في موقع تابع ، فهي تضع الحزب ونشاطات قيادته وآليات الرقابة فيه في المركز من الجبهة الموحدة. ومن المرجح أكثر بكثير أن يؤدي ذلك إلى ظهور فهم عصبوي وتلاعبي للتحالفات ، باتجاه أقصى اليسار. وتنطوي النظرية الماويّة حول الجبهة الموحدة على فرضية أنه يوجد اليوم وسيبقى دائماً حزب "بروليتاري" واحد يستحق هذا الاسم في أي بلد. ذلك أن الرسم "متحد المركز" لا يترك مجالاً لحزب ثوري ثان. فالقوات السياسية الأخرى لا بد أن تمثل إما شرائح اجتماعية وسيطة (بورجوازية صغيرة) أو شرائح اجتماعية معادية. ويجب تحديد موقعها إما ضمن علاقة تبعية أو ضمن علاقة عداء. لقد شاركت في تلك النظرة اتجاهات شيوعية عدة في ذلك الوقت (ليس فقط تيارات ستالينية). كانت تعددية الاتجاهات الماركسية لا تزال واقعاً هامشياً جداً، تتجسد مثلاً في وجود تيارات تروتسكية يسهل التغاضي عنها، أو التنديد بها أو قمعها. منذ ذلك الحين ، تغيرت الأحوال بشكل جوهري فالحركة الشيوعية العالمية تعيش اليوم حالة انقسامات دائمة. في معظم البلدان، توجد منظمات ثورية جنباً إلى جنب، وقد باتت المشكلة الأهم هي إيجاد الوسائل لتوحيدها على المستويين القومي والدولي(55). إن مفهوم "الدوائر متحدة المركز" للجبهة الموحدة لا يقدم أي وسيلة لمعالجة تلك المشكلة، لأن أي حل يفترض الاعتراف بمنظمات عديدة تتماثل مع الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والثورة. ولقد ساهمت الستالينية السوفيتية في جعل الانقسامات داخل الحركة الشيوعية تزداد سوءاً، إلا أن هذه الانقسامات عبرت أيضاً عن وقائع أعمق: التنافر على صعيد الطبقات الاجتماعية والتجارب القومية، وتعقيدات سيرورة التوعية السياسية داخل الطليعة السياسية (القدرة غير المتساوية على المقارنة النظرية مع التجارب الراهنة)، ووزن التاريخ الطويل للاشتراكية...إن التعددية الماركسية هي واقع سياسي هام. إذا أردنا التغلب على الانقسامات الدولية والمحلية للقوى الثورية وتجنبها، يجب أن يصبح ذلك جزءاً واعياً من المقاربة المعاصرة للجبهة الموحدة، وهذا يتطلب إبطالاً للتراث الماويّ (وتراث اتجاهات عديدة أخرى أيضاً). إن المخطط "متحد المركز" للجبهة الموحدة يحول الحزب إلى مركز القوة الاجتماعية والسياسية، وهذا أمر أكثر جوهرية. إن النظام الإداري للـ"ثلاثة أثلاث" (three thirds) الذي أنشئ خلال الحرب الصينية- اليابانية مكن الحزب الشيوعي الصيني من إشراك ممثلين عن "منظمات الخلاص القومي" في إدارة العمال اليومية من جهة، كما مكنه من عزل أعدائه الكامنين (56) من جهة أخرى .لم يكن مرسوماً للحزب أن يشارك في السلطة الحقيقية لصنع القرار. فهناك رابط واضح بين مفهوم الجبهة الموحدة في المجتمع والموقع الذي اضطلع به الحزب الشيوعي الصيني في الدولة بعد النصر(57).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تمثيل لمفهوم ح.ش.ص.. عن الجبهة المتحدة كجزء من نظرية التناقضات
يبين الرقم 1 حدود تحالف العمال –الفلاحين الأساسي، بقيادة الحزب الشيوعي الصيني ، ويمثل رقم 2 الحد الخارجي "للشعب" أي الحد الخارجي للجبهة الموحدة والحد الذي ينطوي على تناقضات لا تناحرية. وترمز الأسهم إلى الضغوطات أو التأثيرات الممارسة على جماعة الوسط، ويلاحظ أن جماعة الوسط بإمكانها إما البقاء إلى جانب "الشعب" أو الانتقال إلى "العدو". إن هوية أولئك المدرجين في الدائرتين الخارجيتين (الوسط والعدو) تتغير حسب الظروف، كل أجزاء هذه الهيكل موجودة دائماً، يجب ألا يزيد العدو عن 10% من عدد السكان ، ويفضل أقل". (ليمان ب. فان سلايك، الأعداء والأصدقاء– الجبهة المتحدة في التاريخ الشيوعي الصيني، ص250)
العمل في المدن
بذل الحزب الشيوعي الصيني جهوداً كبيرة في المدن خلال الحرب الصينية- اليابانية. ولقد سيطرت القيادة الماويّة تدريجياً على هذا المجال من نشاط الحزب حيث كان العديد من كوادر جناح وانغ مينغ نشيطين. فاختارت بعض كوادرها القياديين للعمل في المناطق البيضاء ، سواء من أجل العمل العلني، كما في تشونغكينغ ، إلى حيث جرى إرسال شوآن لاي، أو من أجل عمل سري، بوجه أخص، كان المسؤول عنه ليو شاوكي. وقد نفذت تلك الأعمال ضمن إطار سياسة الجبهة المتحدة. وهي أتاحت للـ ح.ش.ص. التأثير على قطاعات مدينية ذات ميول قومية، والقيام بالدعاوة ضد الكومنتانگ وكسب المزيد من الناس.
مع مرور السنين استطاع الحزب الشيوعي الصيني تجديد تحالفه مع الأوساط الطلابية، والمثقفين، وقطاعات من البورجوازية الصغيرة. وفي عام 1938 بلغت قوة نظام تشيانگ كاي-شك أقصى حدها. لكنها بدأت تتضاءل في عام 1939 مع كل تقدم جديد للقوات اليابانية. وشيئاً فشيئاً، ظهر الحزب الشيوعي الصيني كحزب المقاومة الوطنية. ازداد أنصاره في الجامعات ، فذهب الكثير من الطلاب إلى يانان. كانت المعركة السياسية التي خيضت آنذاك في المدن تحمل ثماراً سوف تنضج لاحقاً. لكن تلك التطورات كانت حاسمة. إن ما سيحصل بين عام 1946 وعام 1949 من حسم، لم يتم على الصعيد العسكري وفي الريف فقط، بل أيضاً على الصعيد السياسي وفي المدن: لقد استطاع الحزب الشيوعي الصيني بعد سنوات من الحرب أن يظهر كبديل، عندما بدأ نظام تشيانگ كاي-شك يخسر قاعدته الاجتماعية الخاصة به، بعد أن أضعفه انعدام فعاليته الشديد وإهماله. لعب نشاط الحزب هناك دوراً أهم بكثير مما تدعونا الطبيعة العسكرية للصراع في الصين إلى الاعتقاد. لقد نفذ الحزب الشيوعي الصيني هذا العمل في ظروف صعبة جداً وهذا ليس بإنجاز وضيع. إلا أن إعادة تنظيم النشاط الشيوعي في مركز العمل لم تصل إلى مستوى الجهد، والجبهة المدينية، وهي جبهة "سياسية"، اكتسبت طابعاً "ديمقراطياً" بشكل جوهري: لم تكن استمرارية التعبئة واضحة حول قضايا طبقية كما في الريف. تم تحقيق التحالف مع "القوى الوسيطة" (مثقفين، طلاب، عناصر قومية وديمقراطية) في ظروف حرب، وقمع وسرية. وشجعت السرية المناورة التي ازدادت كثيراً مع المقاربة "متحدة المركز" للجبهة الموحدة. وهكذا، تطورت علاقة "أداتية" instrumental بين الحزب الذي سيصبح لاحقاً قائد الدولة وحلفائه الحاليين. ولن ينتهي مع ذلك دور تلك "القوى الوسيطة" في لحظة الانتصار. فقد كان لهم موقعهم في إعادة إعمار المجتمع. وقد أدت تلك العلاقة المناورة والأداتية إلى مرارة وانشقاق مزمن، بعد عام 1949: انفجر ذلك بقوة عظيمة وفجأة عام 1956 خلال حملة المائة زهرة. ففي حين أعطى استخدام الأوساط المثقفة كأدوات مردوداً على المدى القصير، غذى على المدى البعيد أزمة كان من الصعب جداً التغلب عليها.
نفي جذري لنظرية "كتلة الطبقات الأربع"
جمد التراث الستاليني السياسة الجبهويّة للأحزاب الشيوعية في البلدان التابعة خلال فترة الثورة الديمقراطية كلها، في صيغة جامدة: تضم كتلة الطبقات الأربع "البروليتاريا، والفلاحين، والبورجوازية الصغيرة المدينية والبورجوازية القومية. وقد استخدم الحزب الشيوعي الصيني تلك الصيغة مرات عدة. إلا أن التجربة الصينية للجبهة الموحدة المعادية لليابانيين تشكل نفياً قاطعاً لصحة تلك النظرية، وهذه حقيقة قامت بتأكيدها التحليلات الماويّة بالذات. تشمل فترة الثورة الديمقراطية (قبل الاستيلاء على السلطة عام 1949) حرباً أهلية وليس فقط تحالفاً مع الكومنتانگ . في الواقع كانت التوترات كبيرة إلى حد أنها لم تؤد إلى علاقات منسجمة بين الطرفين ولا حتى إلى بناء منظمة جبهة موحدة مستقرة. خلال الحرب الصينية اليابانية الثانية، وسع الحزب الشيوعي الصيني سياسة تحالفه لتشمل قطاعات لا تدخل ضمن فئات "كتلة الطبقات الأربع" ، ومعظمها كانت داخل الكومنتانگ : طبقة ملاكي الأراضي (الموصوفة بالإقطاعية أو شبه الإقطاعية)، البورجوازية الكومبرادورية والبيروقراطية. إن العائلات الكبرى التي قادت حزب تشيانگ كاي-شك (حزب بات يختلف تماماً عن حزب صن يات صن) لا تستحق نعتها بـ"البورجوازية القومية" بأي شكل من الأشكال، إذ كانت ترتبط بالإمبريالية (الأميركية أو البريطانية، وأحياناً حتى اليابانية) وشكلت بالتحديد ما كان يسميه الماويون بحق البورجوازية البيروقراطية: بورجوازية استخدمت إشرافها على جهاز الدولة بشكل منهجي من أجل توسيع سلطتها الاقتصادية وثروتها.
ليس هناك من حاجة لتجميل الكومنتانگ أو طليه بطلاء قومي بهدف تبرير قيام جبهة موحدة. فالتحالف لم يكن ضرورياً لأسباب بنيوية، بل لأسباب سياسية (غزو الصين)، لهذا فقد كان غير مستقر ومزعزعاً بالنزاعات، ولهذا طفت على السطح التناقضات الطبقية في منتصف حرب الدفاع القومي، ولهذا أشارت هزيمة اليابانيين إلى استئناف الحرب الأهلية. لا يقول ماو تسي تونگ شيئاً آخر في خطاباته عام 1956: "تألفت البورجوازية الكومبرادورية الصينية من مجموعات مؤيدة لبريطانيا، والولايات المتحدة واليابانيين. وخلال حرب المقاومة ضد اليابان استغلينا التناقض ما بين بريطانيا والولايات المتحدة من جهة، واليابان من جهة أخرى، ضاربين في البدء المعتدين اليابانيين ومجموعة الكومبرادور المعتمدة عليهم. ثم انتقلنا إلى توجيه الضربات ضد القوات المعتدية لبريطانيا والولايات المتحدة وتحطيم المجموعات الكومبرادورية المؤيدة لبريطانيا والولايات المتحدة.
"إن البورجوازية القومية خصم لنا (...) في الوقت الذي تعادي فيه الطبقة العاملة، تعادي أيضاً الإمبريالية (...) علينا كسب البورجوازية القومية إلى المعركة ضد الإمبريالية بكل الوسائل. فالبورجوازية القومية لا يهمها محاربة الإقطاعية لأن لديها علاقات حميمة مع طبقة ملاكي الأراضي.، وأكثر من ذلك، فإنها تقمع العمال وتستغلهم. لذا علينا النضال ضدها. لكن، في سبيل كسبها للانضمام إلينا في المعركة ضد الإمبريالية، علينا معرفة لحظة وقف الصراع (....) بكلام آخر، تلزمنا بالضبط أرضيات لشن النضال والتأكد من النصر، واستخدام كوابح حالما يتم كسب مقدار حقيقي من النصر (...) علينا تبني سياسة "وحدة وصراع في الوقت ذاته" تجاه البورجوازية القومية"(58).
يبدو لي أن مفهوم البورجوازية القومية قابل للسجال، خاصة في البلدان التابعة اليوم. ويترك تداخل القطاعات الاقتصادية المتنوعة مجالاً بسيطاً هكذا لمقولة كهذه تفترض بعضاً من الاستقلال البنيوي عن السوق الإمبريالية. حتى في صين الثلاثينات والأربعينات، لم تظهر البورجوازية القومية كقوة سياسية محددة جيداً ودينامية ومستقلة. أعتقد أنه من الأفضل الكلام على بورجوازية وسطى قد تكون لها بعض الارتباطات بالسوق العالمية كما بطبقة ملاكي الأراضي، لكن بسبب ضعفها الاقتصادي تستطيع عقد مساومات مع الثورة أكثر ديمومة من تلك التي تستطيع عقدها البورجوازية الكبرى، قلعة الثورة المضادة(59).
انظر أيضا
المصادر
- ^ "الثورة الصينية-الجزء الثاني - الفصل الخامس 1937- 1945 الحرب الصينية اليابانية الثورة والجبهة المتحدة". جريدة الشرق الأوسط. 2005-08-18. Retrieved 2010-12-23.
هوامش الفصل الخامس: (1) انظر ماو تسي تونگ ، "حول المرحلة الجديدة – تقرير إلى الاجتماع الكامل السادس للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني" (ت1 1938)، في ستيوارت شرام ، الفكر السياسي... ص228-229. وهذه المقاطع لم تنشر في المختارات التي تضم ذلك القسم الثاني من هذا التقرير (وإن مع بعض التعديلات) الذي يشدد على دور الحزب الشيوعي الصيني في المقاومة ضد اليابان.
(2) أورد الاستشهاد رولان ليو، ماو تسي تونگ يأخذ السلطة، ص 98.
(3) أرنست ماندل، معنى الحرب العالمية الثانية، لندن، 1986، ص21.
(4) كانت اليابان قادرة لفترة من الوقت على اجتذاب عناصر قومية في بعض بلدان جنوب شرق آسيا والتحالف معها، عن طريق وعدها بالتضامن الآسيوي والاستقلال.
(5) يكفي تذكر أن الغرب المسيحي يستطيع تبني إحياء العبودية وتجارة العبيد.
(6) كريستوفر كورن، حرب الشرق الأقصى، الدول والمجتمعات 1941-1945، لندن: كاونتربوينت-أنوين بابرباكس، 1986، ص 73.
(7) الاستشهاد وارد في رولان ليو، ماو تسي تونگ...ص73.
(8) مشيراً إلى اليساريين القصويين الذين ندّدوا انطلاقاً من بلدانهم في الغرب بأية إمكانية جبهة متحدة بين الثوريين الصينيين والكومنتانگ، كتب تروتسكي: "إننا هنا إزاء خونة حقيقيين أو حمقى بالكامل. لكن الحماقة حين تصل إلى هذه الدرجة تعادل الخيانة". "حول الحرب الصينية- اليابانية" (رسالة إلى د. رفيرا، 23 أيلول 1937) ، حول الصين، ص568.
(9) المرجع ذاته، ص568-569.
(10) ليون تروتسكي، "بخصوص القرار حول الحزب" (رسالة إلى أمانة السر الأممية، 27 ت1 1937)، مرجع مذكور ، ص 574.
(11) تروتسكي، "حول الحرب الصينية-اليابانية"، مرجع مذكور ، ص571.
(12) توقف ماو تسي تونگ في ووكي ثلاثة أيام، في ت1 1935. ثم استأنف سيره إلى واياوبو حيث بقي حتى أوائل عام 1936، ثم بقي في مدينة باوان، وكانت منطقة أكثر أمناً، حتى 10 ك2 1937. وفي الأخير استقر في يانان التي ستصبح "العاصمة الحربية" للقوات الشيوعية.
(13) من المؤكد الآن أن هذا النداء كتب من دون إعلام القيادة الصينية به مسبقاً. وحسب الشهادة التي جمعها هاريسون سالزبوري، كان المكتب السياسي لح.ش.ص. المتقهقر إلى ماور غاي (سيشوان)، منشغلاً بالكامل بمحاولة تسوية النزاع مع زانغ غووتاو بأفضل الطرق الممكنة، ولم يكن ثمة حتى ذكر لموضوع جبهة موحدة ممكنة بين الحزب الشيوعي الصيني و الكومنتانگ (سالزبوري، المسيرة الطويلة، ص 260-261). انظر أيضاً غريغور بنتون، "خط وانغ مينغ الثاني" (1935-1938)، فصلية الصين، العدد 61، آذار 1975، ص62-65.
(14) بنتون ، المرجع ذاته.
(15) قرار واياو بو، أورد الاستشهاد ليمان ب، فان سلايك، أعداء وأصدقاء، الجبهة الموحدة في التاريخ الشيوعي الصيني، ستانفورد، كاليفورنيا: ستانفورد يونيفر سيتي برس، 1967، ص59.
(16) أورد الاستشهاد بنتون، مرجع مذكور ، ص 59-60، 67.
(17) انظر بنتون، ص 66-67، وليمان فان سلايك، مرجع مذكور ، ص59-60.
(18) ماو تسي تونگ ، "حول التكتيكات ضد الإمبريالية اليابانية" (27 ك1 1935)، المختارات، الجزء الأول، بكين، 1975 ص166-167.
(19) شانكسي shanxi (مع a فقط) مقاطعة في شمال شانكسي shaanxi (مع 2a) وأحياناً تسمى الأولى شينشي) والثانية شانكسي (أو شانسي).
(20) بنتون ، ص67.
(21) ماو تسي تونگ كما استشهد به إدغار ، نجمة حمراء فوق الصين، لندن: بنغوان بوكس طبعة أولى منقحة وموسعة، ص418. هكذا حصلت الأمور بالفعل. إن قسماً من الحركة التروتسكية لم يفهم ذلك، ثم رفض فيما بعد التسليم به، جاعلاً السجالات داخل الأممية الرابعة حول أسباب النصر عام 1949 مشوشة بوجه خاص. في تقرير بتاريخ 8 ت2 1951 ، أكد شوزي ، على سبيل المثال، أن الحزب الشيوعي الصيني "استسلم حتى لحكومة تشيانگ كاي-شك بإلغاء سياسته الزراعية وحل الجيش الأحمر والسوڤيتات. وهذا لم يمنع بنگ من الإشارة أيضاً إلى النمو العظيم للقوات المسلّحة الشيوعية خلال الحرب الصينية-اليابانية. انظر "تقرير حول الوضع الصيني" ، "الثورات الصينية، الجزء الأول، تعليم الاشتراكيين، نيويورك: حزب العمال الاشتراكي (الولايات المتحدة) ، حزيران1972، ص23.
(22) لا يزال من الصعب اليوم الحكم على الأسباب الدقيقة التي جعلت قيادة الحزب الشيوعي الصيني تهرع لنجدة عدوها اللدود: هل كانت الضغوط الممارسة من موسكو، الخلافات الداخلية، و/أو تحليل الوضع السياسي في البلد وتوازن القوى داخل الكومنتانگ؟ حسب فان سلايك، كان العامل الأخير حاسماً. ضمن وجهة النظر هذه، خافوا أن يستفيد اللوبي الموالي لليابان داخل الكومنتانگ بشكل أساسي من إزاحة تشيانگ أكثر مما ستستفيد العناصر المؤيدة للمقاومة القومية (أعداء، وأصدقاء...، الفصل الخامس).
(23) أصبحت شون كينگ، سيشوان ، عاصمة حكومة تشيانگ كاي-شك الحربية بعد سقوط شانغهاي وتايوان" (12 ت2 1937)، المختارات، ج2، بكين، منشورات اللغات الأجنبية 1975، ص61-74.
(25) مسودة قرار اللجنة المركزية لح.ش.ص. بخصوص مشاركة الحزب الشيوعي الصيني في الحكومة" (25 أيلول 1937، النقطة 8، المختارات، ج2، ص72 (الهامش5).
(26) أورد بنتون الاستشهاد، ص70.
(27) استشهاد إدگار سنو بشوإن لاي ، رحلة إلى البدايات، رؤية شخصية للتاريخ المعاصر، نيويورك: فنتاج بوكس، 1972، ص158.
(28) كتب وانغ مينغ أيضاً "نشيداً إلى موسكو" من خمسة مقاطع . وإنه لأمر معبر جداً إيضاحه أنه كتب كلمات ذلك النشيد في أواخر ت1 1941. في يانان، ، بعد أن رفض ماو تسي تونگ تعديل خططه العسكرية من أجل تكييفها مع الوضع الروسي. فوفقاً لمينغ شينغ شو، كان وانغ مينغ أراد شن هجوم "من أجل منع اليابانيين من فتح جبهة ثانية ضد الاتحاد السوفيتي" (وانغ مينغ، خيانة ماو، موسكو: دار التقدم، 1979، ص48). وهذه النقطة مهمة إذ غالباً ما كان يريد الستالينيون ملاءمة وتيرة العمليات العسكرية في بلدهم الخاص بهم مع حاجات الحرب في الاتحاد السوفيتي، في حين كان الآخرون يفضلون ملاءمتها مع الوضع الخاص ببلدانهم. (29) اعتمدت بشكل أساسي على دراسة غريغور بنتون المستهد بها آنفاً، "الخط الثاني..." من أجل دراسة هذا القسم. ومن أجل نقاش مقاله، انظر السجال بين شوم كوي كوونغ وبنتون في فصلية الصين، العدد69، آذار 1977.
(30) إزاء حصار الجيوش البيضاء، أطلق ماو تسي تونگ وشوده نداء آخر على طول الخطوط ذاتها في 5 نيسان 1936.
(31) المرجع ذاته، ص70.
(32) بنتون، نجمة حمراء...ص580.
(33) بنتون، ص 73.
(34) المرجع ذاته، ص 76.
(35) المرجع ذاته، ص85.
(36) بخصوص القرارات التي نقلها بيسون في كتابه يانان في حزيران 1937، وبالنسبة إلى الاستشهاد المأخوذ من تقرير ماو تسي تونگ في أيار 1947، انظر بنتون، ص 76. انظر أيضاً ماو تسي تونگ ، "مهام الحزب الشيوعي الصيني في فترة المقاومة ضد اليابان" (3أيار 1937)، المختارات، ج1، ص 263-283.
(37) بنتون، ص92.
(38) المرجع ذاته، ص85.
(39) المرجع ذاته، ص94.
(40) "أنا لويز سترونگ: ثلاثة مقابلات مع الرئيس ماو تسي تونگ "، تراسي ب. سترونگ. وهلن كايسار keyssar ، فصلية الصين، العدد 103، أيلول 1985 ، ص 501.
(41) گريگور بنتون، حادث جنوب آنهوي، صحيفة الدراسات الآسيوية، ج45. العدد4، آب 1986، ص 683. وقد اعتمدت على هذه الدراسة من أجل كتابة هذا القسم، تكتب آنهوي أيضاً آنوي Anwhei .
(42) المرجع ذاته، ص 713.
(43) كان ليو شاوكي مكلفاً بمهام في الشمال. وثمة نصوص عديدة مؤرخة عام 1936 أو 1937 في مختارات ليوشاوكي، ج1، دار بكين للغات الأجنبية، 1984، تساجل ضد سياسة "الباب المغلق" و"الانتهازية اليمينية" ، وتدافع عن مبدأ الدور القيادي لـ ح.ش.ص. في الجبهة الموحدة، وتحلل الحرب ضد اليابان كحرب أنصار.
(44) يجري عرض الأهداف التكتيكية والاستراتيجية، في آن معاً في النصوص الصينية. وهذا يخلق أحياناً ارتباكاً لدى القارئ.
(45) وليم هـ.هنتون، فان شن، لندن: بنغوان بوكس.
(46) اليزابيث بيري، متمردون في شمال الصين. 1845-1945 ، ستانفورد كاليفورنيا: ستانفورد يونيفرسيتي برس، 1980.
(47) من المثير أن نلاحظ كيف تحمس شن دوكسيو "المدينيّ" بصدد العصيان الفلاحيّ للرماح الحمراء. ولاحظ أن الوقت الراهن أنتج حزباً وجيشاً ثوريين يستطيعان التوحد مع سلطة الفلاحين من أجل سد ثغرات العصيانات التقليدية"، بيري، مرجع مذكور ، ص214-215.
(48) كان الغرض من اجتماعات "تَكَلّم على المرارة" الماويّة، التي روى الفلاحون خلالها أوضاعهم المزرية ، خلق وعي طبقي وتفكيك التضامن الذي يجمع الفلاح والسيد داخل العشيرة.
(49) ماو تسي تونگ ، "تعميم حول الوضع" (20 آذار، 1948)، المختارات، المجلد الرابع، 1975، ص 219.
(50) قرار اللجنة المركزية حول السياسة الزراعية في المناطق الواقعة تحت السيطرة المناهضة لليابان" (28 ك2، 1942)، تاريخ توثيقي...، منشورات براندت وشوارتز وفيربانك، ص276-279.
(51) جاك بلدن، الصين تهز العالم، لندن ، بنغوان، ص 221-222.
(52) قامت الإدارة الثورية إما باستبدال البنية القديمة بشكل مكشوف أو بإرفاقها ببنية موازية، بسبب وضع يتسم بالسرية الجزئية أو الكاملة، إن الطريقة التي تم بها تطبيق برنامج الحزب الشيوعي الصيني كانت وفقاً للمناطق وميزان القوى (قواعد مستقرة أو مهددة، الخ..)
(53) حول هذا الموضوع، انظر بوجه خاص إلى الينور ليرنر، "الفلاحون الصينيون والإمبريالية": نقد لكتاب شالمرز جونسون، النزعة القومية الفلاحية والسلطة الشيوعية"، Bulletin of concerned Asian scholars الجزء السادس، العدد الثاني، نيسان-آب 1974، وشالمرز جونسون، Peasant Nationalism Revisited : the biography of a book, China Quarterly, العدد 72 ، كانون الأول1977.
(54) يقف هذا المبدأ على نقيض الحكمة التقليدية لدى قسم كبير ضمن الحركة التروتسكية يماثل بين الجبهة الموحدة الماويّة ومفهوم "الجبهة الشعبية" "المنشفي- الستاليني" الذي يرضى بالدور القيادي للبورجوازية القومية في الثورة الديمقراطية.
(55) وهذا يصح بالأخص على بلد كالسلفادور، إلا أن المشكلة أصبحت الآن القاعدة وليس الاستثناء. والأمر واضح بالدرجة ذاتها، على المستوى العالمي، فمعظم نشاطات التضامن الأمميّ تجمع جنباً إلى جنب منظمات ثورية لكل منها تاريخ سياسي وإيديولوجي مختلف.
(56) كان من المفترض أن يكون الثلث داخل الهيئات الإدارية المتنوعة التي تضطلع بمسؤوليات حكومية مؤلفاً من أعضاء حزبيين، والثلث الثاني من ممثلين لمنظمات جماهيرية والثلث الأخير من أعضاء في أحزاب أخرى. إلا أنه ، في الممارسة، اختلف تركيب تلك الهيئات والنسب داخلها وفقاً للزمان والمكان.
(57) انظر الفصل الختامي في هذه الدراسة.
قراءات إضافية
- Franke, W., A Century of Chinese Revolution, 1851-1949 (Basil Blackwell, Oxford, 1970).