الحملة الصليبية الثانية
الحملة الصليبية الثانية كانت ثاني حملة صليبية رئيسية تنطلق من أوروبا، دُعي إليها عام 1145 كرد فعل على سقوط مملكة الرها في العام الذي سبق. حيث كانت الرها (إديسا) أول مملكة صليبية تقام خلال الحملة الصليبية الأولى (1096 - 1099) وكانت أول مملكة تسقط كذلك. دعا إلى الحملة الثانية البابا إيجونيوس الثالث، وكانت أول حملة يقودها ملوك أوروبا، وهم لويس السابع ملك فرنسا، وكونراد الثالث ملك ألمانيا، وبمساعدة عدد من نبلاء أوروبا البارزين. تحركت جيوش الملكين كل على حدة في أوروبا، وأخرهم بعض الشيء الإمبراطور البيزنطي مانويل الأول كومننوس؛ وبعد عبور الجيوش المناطق البيزنطية من الأناضول، هُزم كلا الجيشين على يد السلاجقة، كل على حدة. ووصل كل من لويس وكونراد وشراذم جيوشهما إلى القدس عام1148، وهناك إتبعوا نصيحة أثبتت كونها سيئة بالهجوم على دمشق.
كانت الحملة الصليبية الثانية إلى الشرق فشلا ذريعا للصليبيين، ونصرا للدويلات الإسلامية. وأدت نتائجها إلى سقوط القدس وقيام الحملة الصليبية الثالثة في نهاية القرن الثاني عشر.
كان النصر الصليبي الوحيد في تلك الحملة على الجانب الآخر من البحر المتوسط، حيث قام الصليبيون الإنجليز أثناء عبورهم للبحر بالسفن بالتوقف مصادفة قرب لشبونة، وساعدوا في السيطرة عليها عام 1147. وفي تلك الأثناء، في أوروبا الشرقية، كانت أولى الحملات الصليبية الشمالية لتحويل القبائل الوثنية للمسيحية قد بدأت، واستمرت تلك الحملات بعد ذلك لقرون.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
خلفية
بعد الحملة الصليبية الأولى، والحملة الصليبية الصغيرة عام 1101 أصبح في الشرق ثلاثة دويلات أو ممالك صليبية: مملكة القدس اللاتينية، إنطاكية والرها، وعام 1109 تأسست رابعة في طرابلس. كانت الرها تقع في أقصى الشمال نسبة للبقية، كما كانت الأضعف والأقل سكانا؛ وبذا كانت هدفا للهجمات المتكررة من الدويلات الإسلامية المجاورة من الأرتقيين والدانشمنديون, والسلاجقة. وأُسر الكونت بلدوين الثاني كما أُسر جوسلين من كورتينيا الذي سيصبح لاحقا كونتا بعد هزيمتهم في معركة حران عام 1104. كما أُسر بلدوين وجوسلين مرة أخرى عام 1122. وبالرغم من أن الرها تعافت إلى حد ما من معركة Battle of Azaz عام 1125، إلا ان جوسلين قتل في المعارك عام 1131. أما خليفته جوسلين الثاني فإضطر للتحالف مع الإمبراطورية البيزنطية. ولكن، وفي 1143، توفي كل من الإمبراطور البيزنطي يوحنا الثاني كومنينوس وملك القدس فولك من آنجو. كما تخاصم جوسلين مع مملكة طرابلس وإمارة إنطاكية، تاركا الرها دون حلفاء أقوياء.
في تلك الأثناء، قام عماد الدين زنكي حاكم الموصل بضم حلب إلى مناطق سيطرته عام 1128. كانت حلب مفتاح للسيطرة في سوريا، وكانت التنافس قائما عليها بين حكام الموصل ودمشق. فإلتفت كل من زنكي والملك بلدوين الثاني إلى دمشق؛ فهزم بلدوين خارج أسوارها عام 1129. فتحالف حكام دمشق البوريون لاحقا مع الملك فولك عندما حاصر زنكي المدينة في 1139 و 1140، وكان يفاوض تفاصيل التحالف المؤرخ اسامة بن منقذ.
في أواخر 1144، تحالف جوسلين الثاني مع الأرتقيين وتحرك بكامل جيشه تقريبا من الرها ليدعم حاكم سلالة الأرتقيين فخر الدين قره أرسلان ضد حلب، فقام زنكي منتفعا من موت فولك عام 1143 بالإسراع شمالا لحصار الرها، فسقطت بين يديه بعد شهر في 24 ديسمبر عام 1144. اُرسل مانسيس من هيرجيس وفيليب من ميلي وغيرهم من القدس ليساعدوا المملكة الصليبية، ولكنهم وصلوا متأخرين. واستمر جوسلين الثاني يحكم البقية الباقية من دويلته من تل بشير جنوب شرق تركيا الحالية. ولكن شيئا فشيئا سقط ما بقي من ملكه أو بيع للبيزنطيين. أما زنكي الذي مُدح في طول البلاد وعرضها كحامي العقيدة والملك المنصور. فأنه لم ينطلق في هجوم على ما بقي من مناطق الرها أو انطاكية كما كان يخشى الصليبيون. فالأحداث في الموصل أجبرته على العودة. ومرة أخرى وضع دمشق نصب عينيه، ولكنه إغتيل على يد أحد العبيد عام 1146 وخلفه في حلب إبنه نور الدين زنكي. حاول جوسلين إستعادة الرها بعد إغتيال زنكي، ولكن نور الدين هزمه في نوفمبر 1146.
ردود الفعل في الغرب
وصلت أنباء سقوط الرها إلى أوروبا بداية على يد الحجاج المسيحيين في بدايات 1145، وبعدها بمبعوثين من أنطاكية ، القدس وأرمينيا. وكان الأسقف هيو من دوقية جبلة في إنطاكية هو الذي أوصل الخبر إلى البابا أيوجينيوس الثالث. والذي أصدر مرسوما باباويا في 1 ديسمبر من ذاك العام، يدعو فيه إلى حملة صليبية ثانية. كما أخبر الأسقف هيو البابا عن ملك مسيحي شرقي، والذي ، كان يأمل الأسقف انه سينجد الدويلات الصليبية في الشرق: وكان هذا أول وثيقة يذكر فيها القس يوحنا. أيوجينيوس لم يكن له سلطة على روما، وعاش في منطقة فيتربو، ولكن مع ذلك، كانت الحملة الثانية أكثر تنظيما وتم إدارتها بشكل مركزي بشكل أكبر من الحملة الأولى. كان البابا يوافق على واعظين محددين، وقيدت الجيوش من قبل أقوى ملوك أوروبا. وكان خط مسير الجيوش مخططا مسبقا. في البداية تم إغفال هذه التخطيطات. وكان الملك لويس السابع ملك فرنسا يخطط لحملة صليبية جديدة بشكل مستقل عن الباباوية، الأمر الذي أعلنه لمجلسه في عيد الميلاد. ولكن لعل المرسوم لم يكن قد وصل إلى لويس بعد! وفي كل الأحوال فإن رئيس الدير سوجر ونبلاء آخرون لم يكونوا في صف خطط لويس. فإستشار لويس برنارد من كليرفو، والذي بدوره وجهه إلى البابا أيوجينيوس. وهنا أصبح لويس يعرف بشأن المرسوم بلا شك، وأصبح أيوجينيوس داعما متحمسا لحملة لويس. تم إعادة إصدار المرسوم في 1 مارس 1146، و خوّل البابا أيوجينيوس برنارد من كليرفو أن يعظ وينشر الخبر في أنحاء فرنسا.
برنارد من كليرڤو يحشد للحملة
لم يكن هناك تعاطف مع الحملة على ما يبدو في تلك الفترة كذاك التعاطف الذي كان في عام 1095 و 1096. ولكن سانت برنارد، أحد أكثر الشخصيات المسيحية شهرة وإحتراما في ذلك الزمان، أوجد هذا التعاطف ونظّر لكون الحرب المقدسة وسيلة لمحو الخطايا والفوز بالنعمة والبركة. في 31 مارس، وبوجود لويس، وعظ برنارد لحشد كبير في سهل في فيزييليه. ففعل كلام برنارد المعسول وهو المعلم الجهبذ والخطيب البليغ فعله في الجماهير، فقام الرجال يصيحيون "الصلبان، إلينا بالصلبان!" ويروى ان القماش لم يكف لصنع صلبان للجماهير، فما كان من برنارد إلا أن مزّق لباسه الرهباني ليصنع منه المزيد من الصلبان. وعلى خلاف الحملة الصليبية الأولى فإن المغامرة الصليبية جذبت إليها الطبقة النبيلة والعائلات الإقطاعية، وذلك كإليانور من أكيتين، الملكة ؛ ثييري من ألزاس، كونت الفلاندرز؛ هنري الأول من شمبانيا، وكونت شامبانيا المستقبلي؛ أخو لويس؛ روبرت الأول، ألبانز من تولوز، وليام الثاني من نيفرز؛ وليم وليام من ويرني، إيرل سوريي الثالث، هيو السابع دي لوزيان؛ وعدد آخر من النبلاء وملاك الأراضي والأساقفة. ولكن الدعم الأكبر جاء من العامة. وكتب سانت برنارد للبابا بعد العظة بعدة أيام "فتحت فمي، تكلمت، وفي لحظة تضاعفت أعداد الصليبيين إلى المالانهاية. القرى والمدن أمست مهجورة. ونادرا ما تجد رجلا لكل سبع نساء، وفي كل مكان ترى أرامل أزواجهن ما زالوا على قيد الحياة".
كان قد تقرر ان تنطلق الحملة بعد عام، وان تتم التحضيرات في تلك الفترة وان يوضع مسار الرحلة للأرض المقدس. تلقى لويس وأيوجينيوس الموافقة والدعم من الحكام الذين ستمر الجيوش الصليبية عبر أراضيهم: غيزا ملك هنغاريا، روبرت الثاني من صقلية، والإمبراطور البيزنطي مانويل الأول كومنينوس، بالرغم ان كومنينوس أراد أن يقسم الصليبييون يمين الولاء له، كما طلب جده الكسيوس الأول كومنينوس ذلك من قبله.
في تلك الأثناء، إستمر برنارد بالوعظ في بورغوندي، اللورين والفلاندز. وكما في الحملة الصليبية الأولى، أدت العظات وبشكل غير مقصود إلى مذابح ضد اليهود؛ فكان راهب ألماني سيستري متعصب يدعى رودولف يلهم المذابح في منطقة الراين، كولونيا، ماينز، ووزمز وسبير. فكان يقول بأن اليهود لم يكونوا يشاركون في الحملة إلى الأرض المقدسة ماليا. برنارد وأساقفة كولونيا وماينز كانوا معارضين وبشكل عنيف لتلك الهجمات، وهكذا سافر برنارد من الفلاندرز إلى ألمانيا ليعالج القضية، وبشكل عام أقنع برنارد مستمعي رودولف بأن يتبعوه بدلا من رودولف. ولما وجد برنارد رودولف في ماينز ، إستطاع إسكاته وإعادته إلى ديره.
وفي أثناء وجوده في ألمانيا، وعظ برنارد لدى كونراد الثالث في نوفمبر من عام 1146، ولكن كونراد لم يبد إهتماما بالمشاركة شخصيا، فإستكمل برنارد طريقه للوعظ في جنوب ألمانيا وسويسرا. وفي طريق عودته في ديسمبر، توقف في شپيير، حيث ألقى خطبة نارية عاطفية، وبوجود كونراد، أخذ برنارد دور المسيح مخاطبا الإمبراطور "أيها الإنسان، ماذا كان يمكن أن أفعله لك ولم أفعله؟" فلم يستطع كونراد المقاومة وإنضم للحملة ومعه العديد من النبلاء والإقطاعيين، من ضمنهم فريدريك الثاني ، دوق شوابيا. وكما حدث في فيزيلييه سابقا، إنضمت حشود من العامة لنصرة القضية الصليبية.
بارك البابا حملة صليبية في إسبانيا أيضا، ومع ان رحى الحرب بين الإسبان والمسلمين كانت دائرة منذ أمد. فإنه غمر ألفونزو السابع من كاستيل بذات المباركة التي أعطاها للصليبيين الفرنسيين. وكما فعل البابا أوربان الثالث عام 1095، فإنه شجع الإسبان بأن يقاتلوا في أرضهم بدل الإنضمام للحملة الصليبية إلى الشرق. كما أشار على مارسيليا، بيزا، جنوه ومدن اخرى بالقتال في إسبانيا أيضا. ولكنه في مناطق اخرى شجع الإيطاليين كأماديوس الثالث من سافوا بالذهاب إلى الشرق. ولم يشأ أيوجينيوس ان يشارك كونراد في الحملة، آملا بأن يبقى ليقف إلى جانبه في تمسكه بكرسي البابوية التي كان له منافسون عليه، ولكنه لم يمنعه من الإشتراك لمّا أراد كونراد الإنضمام للحملة.
التحضيرات
في 16 فبراير 1147، إجتمع الصليبيون الفرنسيون في أيتومبيه لنقاش أي الطرق عليهم سلوكها. أما الألمان فكانوا قد عقدوا العزم على التحرك برا عبر الأراضي المجرية، وذلك للعداء بين بين كونراد وروجر الثاني ، ولكون العبور بحرا غير عملي من ناحية سياسية. عارض العديد من النبلاء الفرنسيين الطريق البري، الذي سيعبر بهم عبر الأراضي البيزنطية، والتي كانت سمعتها تعاني من أحداث الحملة الصليبية الأولى. ومع ذلك فأنه تقرر ان يتبع الفرنسيون خطى كونراد ، وإنطلقوا في 15 يونيو. شعر روجر الثاني بالإهانة، ورفض الإنضمام للحملة. وتم إنتخاب رئيس الدير سوجار والكونت وليام من نيفرز كأوصياء أثناء غياب الملك في الحملة الصليبية.
في ألمانيا، إستمر الوعظ على يد آدم من إيبراخ، وإخذ أوتو من فرايسنگ الصليب أيضا. وفي 13 مارس تم إنتخاب كونراد، إبن فريدرش ملكا في فرانكفورت تحت وصايه هنري، اسقف ماينز. خطط الألمان للإنطلاق في مايو ، وان يلتقوا الفرنسيين في القسطنطينية. وفي أثناء ذلك الإجتماع وسّع أمراء ألمان آخرون فكرة الحملة للقبائل السلافية التي تعيش في شمال شرق الإمبراطورية الرومانية المقدسة. وسمح لهم برنارد بدء حملة ضدهم. وفي 13 ابريل أكد أيوجينيوس الحملة. مقارنا إياها بالحملات في إسبانيا وفلسطين. وبذلك كان عام 1147 تاريخ ميلاد الحملة الصليبية الوندية.
حروب الاستعادة وسقوط لشبونة
في أواسط مايو غادرت أولى الفرق إنجلترا. مكونة من الفلمنكيين، الفريزيين، النورمانيين، الإنجليز، الاسكتلنديين وبعض الصليبيين الألمان. لم يقد أمير أو ملك هذا الجزء من الحملة الصليبية؛ فإنجلترا في ذلك الوقت كانت وسط الفوضى. وصل هؤلاء إلى پورتو في يونيو، وهناك أقنعهم الأسقف بالإستمرار إلى لشبونة. حيث كان الملك أفونسو من البرتغال قد توجه إلى هناك سابقا لما سمع بأن اسطولا صليبيا متوجه إلى هناك. فوافق الصليبييون على الذهاب حيث ان الحملة في إسبانيا كانت قد أُقرت من البابا، وكانوا سيقاتلون المسلمين هناك أيضا. بدأ حصار لشبونة في أول يوليو وإستمر حتى 24 اكتوبر عندما سقطت المدينة بيد الصليبيين، والذين نهبوها بالكامل قبل تسليمها لألفونزو. وإستقر بعض الصليبيين في المدينة المسيطر عليها حديثا. وتم إنتخاب گلبرت من هاستنگز أسقفاً، ولكن معظم الاسطول أكمل طريقه إلى الشرق في فبراير من 1148. وفي ذات الوقت تقريبا، قام الإسبان تحت قيادة ألفونسو السابع من قشتالة ورامون بيرنگير الرابع، كونت برشلونة وآخرين بالسيطرة على المرية. وفي 1148 و 1149 سيطروا كذلك على تورتوسا، فراگا ولاريدا.
إنطلاق الألمان
عرض الملك روجر الثاني على كونراد ولويس السابع بنقلهم بحراً بسفنه. إلا أن كونراد رفض ذلك نظراً للعداوة القديمة بين الرجلين، وكذلك رفض لويس السابع نظراً لكون روجر كان عدواً لعم لويس. حسم كونراد الثالث أمره بالمسير البري ونظراً لأن مانويل كومننوس الإمبراطور البيزنطي كان قد تزوج أخته. انضم المندوب البابوي والكاردينال ثيودوين إلى القوات الألمانية، وتم الاتفاق على مقابلة القوات الفرنسية في القسطنطينية. كما انضم إليهم أوتوكار الثالث دوق شتاير مارك في فينا، وسمح ملك المجر بالمرور من أراضيه دون أن يتعرض لهم. لتبدأ رحلة الألمان في نهاية مايو من سنة 1147.[2]
المسير إلى القسطنطينية
عبرت الجيوش الألمانية المجر دون أي مشاكل تذكر وبلغ تعداد الجيش الألماني حسب بعض المصادر إلى 20 ألف مقاتل [3] واشارت مصادر أخرى إلى أنها خمسون ألف فارس و100 من المشاة [4]. وقد وصلت بعثة من الإمبراطورية البيزنطية إلى كونراد الثالث في المجر لتأخذ منه المواثيق والقسم على عدم حدوث إساءات إلى الإمبراطورية من قبل الألمان ولدى وصول الجيوش إلى المناطق البيزنطية، ليدخل الألمان أراضي الإمبراطورية في البلقان وتم عبر نهر الدانوب على السفن البيزنطية. وقد قام الجيش الألماني بعمليات النهب أثناء مسيره وخاصة في مدينة تراقيا، مما اضطر الإمبراطوار بالتدخل عسكرياً [5] كما قام السكان المحليين بعمليات قتل للجنود المخمورين في الطرقات كانتقام لعمليات النهب.[6] كانت هناك مناوشات مع البيزنطيين منذ مغادرة الجيش الألماني صوفيا وقيامهم بنهب القرى في الطريق. وتم إرسال القوات البيزنطية لضمان عدم حدوث مشاكل. وقد كان هناك بعض المناوشات مع بعض الألمان الغير منضبطين قرب بلوفديف وأدرنة، حيث تعارك القائد البيزنطي بروسوش مع ابن أخ كونراد والذي سيصبح فيما بعد الإمبراطور فريدريك الأول. ومما زاد الطين بلة ان بعض الجنود الألمان قتلوا في فيضان في بداية سبتمبر. وفي 10 سبتمبر، وصل الألمان إلى القسطنطينية،[7] أقام كونراد في بادء الأمر في قصر فيلوباتيم بالقرب من أسوار القسنطينية، لكن تعرض هذا القصر للنهب أيضاً، لينتقل إلى قصر بيكريديوم، وأرتكب جنوده أعمال عنف ضد السكان المحليين. لتعود المناوشات مع البيزنطيين، وتتأزم العلاقة بين الملك الألماني والإمبراطور البيزنطي، حتى أن كونراد ألمح بأنه سيعود في العام التالي لمحاصرة القسطنطينية. وقد لعبت شقيقة كونراد دوراً في تهدئة العلاقات بين الرجلين.[8] وكان مانويل يحث الألمان على سرعة العبور خشية التقاء الجيشين الألماني والفرنسي في القسنطينية والآثار السيئة على المدينة. وبالفعل بدأت المناوشات مع طلائع الفرنسيين الواصلين إلى القسنطينية، ليذعن الألمان إلى طلبه ويبدأوا بالتحرك. وقد طلب مانويل بقاء بعض الجنود الألمان للمساعدة في حرب مانويل مع روجر الثاني الصقلي لكن كونراد رفض ذلك.[7]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الألمان في أسيا الصغرى
- مقالة مفصلة: معركة دوريلايوم الثانية
تحرك كونراد الثالث باتجاه مدينة خلقدون وطلب من مانويل مرشدين للطريق. وبالفعل أمده مانويل بالمرشدين ونصحه بالتحرك عبر طريق الساحل باتجاه أنطاليا وبذلك يبقون ضمن أراضي الإمبراطورية. لم يعبأ كونراد بذلك وتحرك نحو قونية وهناك قام بتقسيم الحملة إلى قسمين، قسم بقياد أوتو دوق فرايسنگ يضم معه معظم الحجاج يتحرك إلى أنطاليا عبر نهر ليكوس (en). والقسم الآخر بقيادة سيخترق البلاد عبر نفس طريق الحملة الصليبية الأولى.[9]
خرج الألمان من نيقية في 15 أكتوبر وبعد 10 أيام وصلوا إلى مدينة ضورليم بالقرب من نهر باثي وقد اصابهم الإرهاق ونقص المياه. ليفاجؤا بهجمات سريعة ومتكررة من فرسان سلاجقة الروم بقيادة ركن الدين مسعود لتم سحق الجيش الألماني في 25 أكتوبر 1147 في معركة دوريلايوم.[7][10] ليتم إبادة تسعة أعشار جنوده وليولوا الفرار بحلول المساء مع من تبقى من جنوده عائداً إلى نيقية.[11]. أما القسم الآخر من الجيش، بقيادة أوتو من فريسينج، فإنه تحرك جنوبا إلى سوريا نحو سواحل المتوسط وتم إبادته بشكل مشابه في أوائل 1148.[12]
إنطلاق الفرنسيين
إنطلق الصليبييون الفرنسيون من ميتز في يوليو بقيادة لويس ، ثييري من الألزاس، رينو الأول من بار، أماديوس الثالث من ساڤوا، وليام السابع من أوڤرجنيه، وليام الثالث من مونتفيريه، وغيرهم، مع جيوش من اللورين وبريتاني وبرگندي وأكيتين. وقررت قوة من پروڤانس بقيادة ألفونسو من تولوز الإنتظار حتى أغسطس والعبور بالبحر. وفي ورمز إنضم للويس صليبييون من نورماندي وإنگلترة. سارت القوات على خطى كونراد وبدون مشاكل بشكل عام، بالرغم ان لويس إختلف مع ملك هنجاريا غيزا عندما إكتشف غيزا أن لويس سمح لأحد الخارجين على غيزا بالإنضمام لقواته.
كانت العلاقة مع البيزنطين متوترة كذلك، وكان صليبيو اللورين الذين تقدموا القوات الصليبية الفرنسية تناوشوا مع ذيول القوات الألمانية المتأخرة التي إلتقوا في الطريق. ومنذ المحادثات الأولى بين لويس والملك البزنطي مانويل، فإن مانويل فض خلافه مع السلاجقة وتحالف مع السلطان مسعود، ولكن مع ذلك فإن العلاقات البيزنطية الفرنسية كانت أفضل من العلاقات البيزنطية الألمانية ، ورحب بلويس ببذخ في القسطنطينية. غضب بعض الفرنسيون لتحالف إيمانويل مع السلاجقة ودعوا للهجوم على القسطنطينية، ولكن الرسول البابوي منعهم من ذلك.
عندما إنضمت الجيوش من ساڤوا، أوڤرنيه ومونتفرات إلى لويس في القسطنطينية لسلوكهم الطريق البري عبر إيطاليا وعبورهم من برنديزي إلى دورازو، تم شحن كامل الجيش عبر البوسفور إلى آسيا الصغرى. وكان إشاعات بأن الألمان سيطروا على عاصمة سلطنة قونية قد شجعتهم على العبور ربما حسدا أو طمعا، فجعل مانويل من الفرنسيون أن يقسمو بأن يعيدو للأمبراطور أية أراضي يسيطرون عليها، ومع ذلك لم يقدم مانويل أي دعم عسكري بيزنطي للويس. وبذا، دخل الصليبييون آسيا دون مساعدة بيزنطية، على عكس جيوش الحملة الصليبية الأولى.
إلتقى الفرنسيون بشراذم جموع مسلحة ألمانية بقيادة فريدرش من شوابيا ثم شراذم جيش كونراد في نيقية، وإنضم الألمان لقوات لويس. وتبعا خط مسير أوتو من فرايسنگ على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، ووصلا إلى إفسوس في ديسمبر، حيث وصلتهما أخبار ان الأتراك يخططون للهجوم عليهم. كما أرسل مانويل رسولا يشكو السلب والنهب الذي قامت بها قوات لويس على طول الطريق، ولم يكن هناك ضمان بأن البيزنطيين سيساعدونهم ضد الأتراك. وفي ذات الوقت سقط كونراد طريح الفراش لمرض ألم به وعاد إلى القسطنطينية، حيث عاده مانويل هناك شخصيا وإهتم به ، فهو مرحب به دون جيوش ولا يشكل خطرا، بل إن المفاوضات مع مانويل تجددت بخصوص الأعمال المشتركة ضد مملكة صقلية، أما لويس فلم يعر إهتماما للتحذيرات من هجوم الأتراك، فإنطلق خارجا من إفسس.
كان الأتراك ينتظرون وقت الهجوم، ولكن وفي معركة صغيرة خارج إفسس، كان النصر حليف الفرنسيين. فوصلوا لاوديكيا على الليكوس (تركيا) في أوائل يناير 1148، بعد أيام من سحق جيش أوتو من فرايسنگ في ذات المنطقة. وبإستكمالهم التقدم، إنفصلت طلائع تحت قيادة أماديوس من ساڤوا عن بقية الجيش، وتم حصار قوات لويس من قبل الأتراك. لويس نفسه، طبقا لرواية أودو من دويل، تسلق شجرة فتركه الأتراك، حيث أنهم لم يعرفوه. لم يزعج الأتراك أنفسهم بإستكمال التقدم والهجوم، وإستمر الفرنسيون بالتحرك نحو أداليا، وأستمر الأتراك يناوشونهم من الخلف، كما أحرقوا الأراضي أيضا لمنع الفرنسيين من التمون لأنفسهم ولخيولهم. أراد لويس ان يستمر بالطريق البري، وتقرر ان يجمع اسطول في مدينة أتالا البحرية البيزنطية والإبحار نحو إنطاكية. وبعد ان تأخروا لمدة شهر بسبب العواصف، فإن معظم السفن التي وعدوا بها لم تصل. فأخذ لويس والمقربون منه السفن، بينما ترك بقي الجيش ليسير إلى أنطاكية برا. كان الجيش مدمر كليا تقريبا، إما على يد الأتراك أو ضحية للمرض.
الرحلة إلى القدس
وصل لويس إلى أنطاكية في 19 مارس، بعد أن أخرته العواصف؛ وأمادوس من سافوي توفي في قبرص أثناء الرحلة. رحب عم إليانور ريموند صاحب إنطاكية بلويس. توقع ريموند من لويس المساعدة في هزم الأتراك ومعاونته للتوسع بإتجاه حلب، ولكن لويس رفض مفضلا إنهاء حجه إلى القدس بدلا من التركيز على البعد العسكري للحملة الصليبية. راق لإليانور المكوث، لكن عمها أراد ان تطلق لويس إذا رفض مساعدته. فغادر لويس إنطاكية بسرعة متجها إلى طرابلس. وفي تلك الاثناء، وصل أوتو من فرايسنگ وبقايا قواته إلى القدس في أوائل إبريل، وبعدها بفترة قصيرة وصل كونراد، وارسل بطريرك القدس فولك لدعوة لويس للإنضام. والاسطول الذي توقف في لشبونة لبعض الوقت وصل، كما وصل البروفانسيون الذي قاده ألفونس-جوردان (ألفونسو من تولوز). ألفونز ذاته توفي في طريقه إلى القدس، ومن الجائز أنه قد تم تسميمه على يد إبن اخته/اخيه ريموند الثاني ملك طرابلس الذي كان يخشى من طموحاته السياسية في المملكة.
مجمع عكا
في القدس تحول تركيز الحملة الصليبية بسرعة نحو دمشق، الهدف المفضل لبلدوين الثالث ملك القدس وفرسان الهيكل. وتم إقناع كونراد بأن يشارك في هذه المغامرة. ولدى وصول لويس، إجتمعت الجمعية (المحكمة) العليا لمملكة القدس اللاتينية في عكا في 24 يونيو. كان ذلك الإجتماع مشهودا أكثر من أي من إجتماعات الجمعية (المحكمة) الأخرى في تاريخ وجودها:كونراد، أوتو، هنري الثاني من النمسا، دوق شوابيا والإمبراطور المستقبلي فريدريك الأول بربروسا، ومثل وليم الثالث من مونتفري الإمبراطورية الرومانية المقدسة؛ لويس، برتراند إبن ألفونزو، ثييري من الألزاك، وآخرون كنسيون وعلمانيون مثلوا الفرنسيين؛ ومن القدس الملك بلدوين، والملكة ميسلندا، البطريرك فولك، روبرت من كراون رئيس جمعية الفرسان الهيكليين، ريموند دي بيو دي بروفينس رئيس جمعية الأوسبتاليين. ماناسيس هيرجيس ضابط قوات مملكة القدس اللاتينية، همفري الثاني من تورون، فيليب من ميلي و باريسان من إبيلين كانوا بين الحاضرين. ومن الملاحظ أن لا أحد من انطاكية، طرابلس أو دويلة الرها السابقة كان من الحاضرين! إعتبر بعض الفرنسيين ان حجهم قد تم وأرادوا العودة إلى ديارهم؛ بعض البارونات المقيمين في مملكة القدس أشاروا انه ليس من الحكمة مهاجمة دمشق، حلفائهم ضد الاسرة الزنكية (نسبة إلى عماد الدين زنكي). أصر كونراد ولويس وبلدوين على مهاجمة دمشق، وفي يوليو تجمع جيش عند طبريا.
حصار دمشق
قرر الصليبيون مهاجمة دمشق من الغرب، حيث ستوفر لهم الغياط إمداد مستمرا بالأغذية. وصلوا في 23 يوليو بجيش من القدس في الطليعة، يتبعه لويس ثم كونراد يغطي مؤخرة الجيش. كان المسلمون متحضرون للهجوم وهاجموا الجيش المتقدم بشكل مستمر عبر الغياط. نجح الصليبييون بشق طريقهم وملاحقة المدافعين عبر نهر بردى إلى دمشق؛ وبوصولهم لأسوار المدينة فرضوا عليها فورا حصارا. تمنت دمشق الدعم من سيف الدين غازي حاكم حلب، ومن نور الدين زنكي حاكم الموصل، وقاد الوزير معين الدين النور هجوما فاشلا على معسكر الصليبيين. كان هناك تضاربات في كلا المعسكرين، فمعين الدين النور لم يكن يأمن سيف الدين أو نور الدين إذا قدما المساعدة ألا يفرضا سلطتهما على المدينة ويضماها إليهما، والصليبييون لم يتمكنوا من الإتفاق من سيمتلك المدينة في حال تم السيطرة عليها. وفي 27 يوليو قرر الصليبييون الإنتقال إلى الجانب الشرقي للمدينة الذي كانت حمايته أقل شدة من تلك في الناحية الغربية ولكن ايضا بإمدادات أقل بكثير من الطعام والماء. كان نور الدين قد وصل فعلا وأصبح من المستحيل العودة إلى مواقعهم الأولى الأقوى. فقرر كونراد (لعله برشوة من الوزير الدمشقي) العودة ببقية الجيش إلى القدس.
النتائج
شعر كل طرف من الصليبيين بانه قد تم خيانته. ووضعت خطة جديدة للهجوم على عسقلان، وأخذ كونراد قواته إلى هناك، ولكن لم يصله أي دعم إلى هناك بسبب إنعدام الثقة الذي ولده فشل حصار دمشق. وتم التخلي عن مغامرة السيطرة على عسقلان، وعاد كونراد إلى القسطنطينية لتطوير حلفه مع مانويل، بينما بقي لويس في القدس حتى 1149. وفي أوروبا لم يكن موقف برنارد من كليرفو مشرفاً وعندما فشلت محاولاته للدعوة لحملة صليبية جديدة، حاول حل الربط بينه وبين الحملة الصلبية الثانية التي فشلت فشلا ذريعا، ولم يعمر طويلا بعدها، فمات عام 1153م.
كان لحصار دمشق الفاشل آثارا مدمرة طويلة الأمد على مملكة القدس اللاتينية: فما عادت دمشق تثق بالمملكة الصليبية، وتم تسليم المدينة لنور الدين زنكي عام 1154. أما بلدوين الثالث فإنه سيطر على عسقلان في 1153، مما أدخل مصر في جو الصراع. تمكنت القدس من التقدم بإتجاه مصر وإحتلال القاهرة لفترة وجيزة في سنوات 1160. ولكن العلاقات مع الإمبراطورية كانت متوترة في أحسن التقديرات والدعم المقدم من الغرب كان شحيحا بعد الحملة الصليبية الثانية السيئة. وفي 1171، أصبح صلاح الدين ، إبن اخ أحد ضباط نور الدين سلطانا على مصر، موحدا مصر وسوريا ومحاصرا المملكة الصليبيية بشكل تام. وفي 1187 آلت القدس إليه وتوسع شمالا ليبسط سيطرته على كل الممالك الصليبية تاركا عواصمها مع الصليبيين، ممهدا للحملة الصليبية الثالثة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مراجع
- راجع مراحع ويكيبيديا الإنجليزية.
الهامش
- ^ أ ب Norwich 1995, pp. 94–95.
- ^ الحروب الصليبية/ أرنست باركر/ترجمة د.السيد الباز العريني/دار النهضة العربية بيروت / صفحة 74
- ^ تاريخ الحملات الصليبية/الجزء الثاني مملكة بيت المقدس/ستيفن رانسيمان/ترجمة نور الدين خليل/صفحة 300
- ^ تاريخ الحروب الصليبية/د.محمود سعيد عمران/دار المعرفة الجامعية/2000/صفحة 148
- ^ الصليبيون في الشرق/ميخائيل زابورووف/ دار التقدم موسكو/ صفحة 179
- ^ الصليبيون في الشرق/ميخائيل زابورووف/ دار التقدم موسكو/ صفحة 178
- ^ أ ب ت Runciman 1952, pp. 259–267
- ^ تاريخ الحملات الصليبية ج2 مملكة بيت المقدس / ستيفن رانسيمان /ترجمة نور الدين خليل /صفحة 310
- ^ cinnamus 1952, pp. 801
- ^ تاريخ الحملات الصليبية ج2 مملكة بيت المقدس/ستيفن رنسيمان/صفحة 315
- ^ نظرة عربية على غزوات الإفرنج من بداية الحروب الصيبيبة حتى وفاة نور الدين/تيسير بن موسى/الدار العربية للكتاب/صفحة 132
- ^ Runciman 1952, pp. 267–270