جمهورية جنوة

جمهورية جنوة الأكثر سكينة

  • Serenissima Repubblica di Genova (إيط)
  • Repúbrica de Zêna (ليج)
1005–1815
علم جنوة
العلم
{{{coat_alt}}}
Coat of arms
Motto: Respublica superiorem non recognoscens
(باللاتينية: "الجمهورية التي لا تعترف بكبير")
أراضي جمهورية جنوة مناطق النفوذ الاقتصادي.
أراضي جمهورية جنوة مناطق النفوذ الاقتصادي.
العاصمةجنوة
اللغات الشائعةالليگورية، اللاتينية، الإيطالية
الدين الكاثوليكية
الحكومةجمهورية أوليگاركية
دوگه 
• 1339–1344
سيمونه بوكـّانـِگرا
• 1795-1797
جاكومو ماريا برينيوله
• 1814-1815
جيرولامو سرّا
التاريخ 
• تأسست
1005
14 يونيو 1797
• أعيد تأسيسها
26 أبريل 1897
7 يناير 1815
Currencyجنوڤينو Genovino
سبقها
تلاها
مملكة إيطاليا (العصور الوسطى)
الجمهورية الليگورية
مملكة سردينيا

الجمهورية الأكثر هدوءاً جنوة (إيطالية: Repubblica di Genova، بالليگورية: Repúbrica de Zêna) كانت دولة مستقلة من 1005 حتى 1797 في ليگوريا على الساحل الشمالي الغربي لإيطاليا، وكذلك في كورسيكا من 1347 وحتى 1768، والعديد من المناطق الأخرى في أرجاء البحر المتوسط.

وقد بدأت عندما أصبحت جنوة بلدة ذات حكم ذاتي ضمن المملكة الإيطالية Regnum Italicum، وانتهت حين فتحتها الجمهورية الفرنسية الأولى بقيادة ناپليون وحل محلها الجمهورية الليگورية. وتنازلت عن كورسيكا في معاهدة ڤرساي سنة 1768. الجمهورية الليگورية ضمتها الامبراطورية الفرنسية الأولى في 1805، وقد أعيد إعلانها لفترة وجيزة في 1814 بعد هزيمة ناپليون، إلا أنها انتهى بها الأمر مضمومة إلى مملكة سردينيا في 1815.

واليوم، فإن جنوة هي اسم عاصمة ليگوريا، الإقليم في شمال غرب إيطاليا.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التاريخ

البزوغ

حصار أنطاكية

أحد الأسباب المباشرة للحروب الصليبية كان رغبة المدن الإيطالية- پيزا، وجنوي، والبندقية، وأمالفي- في توسيع ميدان سلطانها التجاري الآخذ في الازدياد.

وكان مما أضعف سلطان ملك مملكة أورشليم اللاتينية أنه أسلم عدة ثغور: يافا، وصور، وعكا، وبيروت، وعسقلان- إلى البندقية، وبيزا، وجنوى، نظير ما تقدمه للمملكة الجديدة من معونة حربية وما تحمله لها بطريق البحر من مؤن. وبوصول صلاح الدين لسلطان مصر وسوريا (1175)، نشر تجار جنوى، والبندقية، وبيزا الاضطراب في الثغور الشرقية بمنافساتهم القاتلة. وفي الحملة الصليبية الثالثة، أبحر جيش ملك فرنسا فليب أغسطس من جنوى على أن يلتقي بجيش ملك إنگلترة ريتشارد قلب الأسد في صقلية (1190). وفي الحملة الصليبية الرابعة (1202-1204) نجحت البندقية وجنوى في إبعادها عن المشرق العربي لكي لا تهدد صلاتها التجارية مع مصر، فاتجت الحملة إلى القسطنطينية واحتلتها. وقسمت الإمبراطورية البيزنطية إلى أملاك إقطاعية يحكم كلاً منها أمير نبيل إقطاعي. وكانت البندقية حريصة على السيطرة على طرق التجارة فاستولت على هدريانويل، وإبيروس، وأكارنانيا Acarnania، والجزائر الأيونية، وجزء من البلوبونيز، وجزيرة عوبية، وجزائر الأرخبيل، وگاليپولي، وثلاثة أثمان القسطنطينية. وانتزعت من أهل جنوى "المصانع" البيزنطية، والمعاقل الخارجية.


القرنان 13 و 14

حصن جنوي في سوداك، اوكرانيا.

ميخائيل پاليولوگوس Michael Paleologus زعيم الأشراف المتذمرين (1259-1282) كان واسع الحلية شديد الدهاء، دبلوماسياً، معقود لواء النصر، استطاع بمعركة واحدة أن يثبت قدمه في إپيروس، كما استطاع بحلفه مع جنوى أن يفوز بمعونتها على البنادقة والفرنجة في القسطنطينية.

البندقية وجنوى

بعث الدوق جوڤاني ڤيكونتي في عام 1354 پترارك إلى البندقية ليفاوضها في عقد الصلح مع جنوي. وكتب الشاعر في ذلك يقول: "إنك لتشهد في جنوي مدينة حاكمة، مستقرة على سفح تل أجرد ذات أسوار شاهقة ورجال عظام"(52). وكان أهلها من أشد الناس حرصاً على الكسب يتحدون البحار بإقدامهم وبسالتهم، شقوا لتجارة جنوي طرائق في البحر المتوسط إلى تونس، ورودس، وعكا، وصور، وإلى ساموس، ولسبوس، والقسطنطينية، واخترقوا البحر الأسود إلى بلاد القرم وطربزون، واجتازوا مضيق جبل طارق والمحيط الأطلنطي إلى رون وبروج. وهؤلاء المغامرون من رجال الأعمال هم الذين ابتدعوا قبيل عام 1340 طريقة القيد المزدوج (حساب الدوبيا) في إمساك الدفاتر، كما ابتدعوا التأمين البحري على السفن قبيل عام 1370 (53). وكانوا يقترضون المال من الأفراد المستثمرين بفائدة تتراوح بين سبعة وعشرة في المائة، في حين أن سعر الفائدة في معظم المدن الإيطالية كان يتراوح بين أثني عشر وثلاثين. وظلت ثمار التجارة ردحا طويلا من الزمن يتقاسمها بغير طريقة حبية عدد قليل من الأسر الغنية- أسرة دوريا Doria، واسبنولا، وگريمالدى، وفييسكي Fieschi. وقاد سيمون بوكانـِرا Simone Boccanera البحارة وغيرهم من العمال في ثورة موفقة، وأسس أول أسرة من الأدواج Doge حكموا جنوي حتى عام 1797. وخلد ڤردي Verdi أسمه في تمثيلية غنائية. ثم انقسم الغالبون بدورهم إلى عدة جماعات متعادية ونشروا الاضطراب في المدينة بمنازعتهم التي كلفتهم أموالا طائلة، في الوقت الذي كانت فيه البندقية منافسة جنوي العظيمة يعمها الثراء والرخاء بفضل ما تستمتع به من النظام والوحدة.

وكانت البندقية أغنى دول إيطاليا وأقواها بعد ميلان، وكانت حكومتها أقدر الحكومات وأكثرها حزماً بلا استثناء. واشتهر صناعها اليدويون بجمال مصوغاتهم، وكانت كثرتها خاصة بتجارة مواد الترف. وكانت دار صنعتها البحرية تضم 16.000 رجل، و 36.000 بحار يسيرون 3300 سفينة حربية وتجارية. وكان الذي يسرون سفائنها بالمجاديف رجالا من الأحرار لا من العبيد كما جرت بذلك العادة في القرن السادس عشر. وكان تجار البندقية يغزون جميع الأسواق من بيت المقدس إلى أنتويرب، ويتاجرون مع المسيحيين والمسلمين على السواء، ولا يميزون بين أولئك وهؤلاء، وجروا على أنفسهم اللعنات البابوية التي كانت تتساقط عليهم كما يتساقط الظل على الأرض. وكان بترارك الذي جاب الآفاق من نابلي إلى فلاندرز ليشبع "حبه وتحمسه لرؤية كثير من الأشياء" يعجب أشد العجب من كثرة ما يرى من السفن في مياه البندقية:

"أرى سفناً... لا تقل حجماً عن قصري، وسارياتها أعلى من ستة أبراج، كأنها جبال تسبح فوق الماء، تخرج لتواجه ما لا يحصى من الأخطار في كل صقع من أصقاع العالم، تحمل النبيذ إلى إنجلترا، والشهد إلى روسيا، والزعفران والزيت ونسيج الكتان إلى آشور، وأرمينية، وبلاد الفرس والعرب، والخشب إلى مصر وبلاد اليونان، ثم تعود مثقلة بالحاصلات على اختلاف أنواعها فترسلها إلى جميع أنحاء العالم(54).

پترارك

وكانت هذه التجارة العظيمة الواسعة تعتمد على الأموال الخاصة يجمعها ويستثمرها المرابون الذين أطلق عليهم في القرن الرابع عشر لقب "المصرفيين" Bancherii، وهذا الأسم الإيطالي مشتق من لفظ Banco أي المقعد الذي كانوا يجلسون عليه أمام نضدهم لمبادلة النقود. وكانت أهم وحدات النقد هي الليرا (واسمها مختصر من لبرا، أي رطل) والدوقات (من دوقا، أي دون أو دوج)، والثانية قطعة من النقد الذهبي زنتها 3560 جراماً وكانت هذه القطعة النقدية هي والفلورين الفلورنسي أكثر أنواع العملة ثباتاً وأعظمها تقديراً في العالم المسيحي .

وكانت الحياة هنا تكاد تبلغ من المرح ما بلغته مدينة نابلي في عهد بوكاتشيو. فكان البنادقة يحتفلون بأعيادهم وأيام نصرهم احتفالات فخمة، ويصنعون ويلونون سفنهم الخاصة بالنزهة وسفنهم الحربية، ويرتدون الحرائر الشرقية، وتتلألأ على موائدهم آنية الزجاج البندقية، وتعزف لهم الموسيقى في البيوت وعلى صفحة الماء.

أراضي جمهورية جنوة (مناطق النفوذ الاقتصادي تظهر باللون الوردي) حول البحرين المتوسط والأسود، منذ 1400، منذ Codex Latinus Parisinus (1395).

ورأس الدوج لورندسو تشلسي Lorenzo Celssi يصاحبه پترارك مباراة بين أمهر الموسيقيين في إيطاليا، وأنشدت الأغاني على نغمات مختلف الآلات الموسيقية، وغنت فرق المغنيين، وكانت الجائزة الأولى من نصيب فرانتشسكو لونديني Francesco Londini الفلورنسي، وهو مؤلف ضرير للقصص الشعرية والقصائد الغزلية. وكان لورندسو ڤندسيانو Lorenzo Veneziano وغيره ينتقلون وقتئذ بالمظلمات من صرامة العصور الوسطى إلى رشاقة النهضة ويبشرون ببهاء فن التصوير البندقي وزهاء ألوانه.

فكانت البيوت، والقصور، والكنائس ترتفع فوق البحر كالمرجان. ولم يكن في البندقية قصور كالقلاع او مساكن محصنة، أو أسوار ضخمة منيعة، لأن خصام الأفراد فيها سرعان ما كان يخضع لسلطان القانون، هذا إلى أنه يكاد يكون لكل بيت خندق من صنع الطبيعة، وظل التخطيط المعماري قوطياً كما كان، ولكنه يحوي من الرشاقة والخفة ما لا تجرؤ العمارة القوطية الشمالية أن تكونه. وشيدت في ذلك العهد الكنيسة الفخمة التي تحمل أسم القديسة ماريا گلوريوزا دي فراري Santa Maria gloriza dei Frari، وظلت كنيسة القديس مرقس بين الفينة والفينة ترفع وجهها القديم مزداناً بالجديد من التماثيل، والفسيفساء، والنقوش العربية، وتعلوها أقواس قوطية فوق عقود مستديرة من الطراز البيزنطي القديم. ولا يكاد بترارك يصدق أن ميدان القديس مرقس Piazza San Marco، "كان له مثيل في أية بقعة من بقاع العالم (55)" وإن لم يكن قد أحيط في ذلك الوقت بكل ما أحيط به من العمائر الفخمة.

ووجهت في عام 1378 ضربة مهلكة إلى هذا الجمال كله الذي كان ظله يتماوج منعكساً على مياه القناة العظمى، وهذا الصرح الموحد من نظامي الحكم والاقتصاد الذي كان يسيطر على إمبراطورية تشمل البحر الأدرياوي وبحر إيجة، وهو نفسه قائم في بقعة مائية صغيرة على سطح الأرض، وذلك حين بلغ النزاع القديم أوجه بين البندقية وجنوي. وسار لوتشيانو دوريا Luciano Doria على رأس أسطول حربي من جنوي إلى پولا Pola، ووجد الأسطول البندقي قد أضعفه وباء تفشى بين بحارته، وأوقع به هزيمة ساحقة استولى فيها على خمس عشرة من سفنه. وأسر نحو ألفين من رجاله. وقتل لوتشيانو في المعركة, ولكن أخاه أمير رجيو خلفه في إمارة الأسطول، واستولى على بلدة Chiogia -الواقعة على رأس ضيق في البحر على بعد خمسة عشر ميلاً أو نحوها جنوب البندقية نفسها. ثم عقد حلفاً مع بدوا وسد الطريق على جميع سفن البندقية، واستعد لغزو المدينة نفسها ببحارة من جنوي وجنود مرتزقة من بدوا. وظنت المدينة المزهوة بنفسها أنها عاجزة عن الدفاع فطلبت الصلح، ولكن الشروط التي فرضها المنتصرون كانت من الوقاحة والشدة بحيث رفضها المجلس الكبير، وصمم على الدفاع عن كل شبر من المياه الضحلة المتصلة بالبحر. وأخرج الأغنياء ما كانوا يخبئونه من المال وصبوه صبا في خزائن الدولة، وأخذ الأهلون يكدون ليلا ونهاراً لبناء أسطول جديد، وانشئت قلاع سابحة حول الجزائر، وجهزت بالمدافع التي ظهرت وقتئذ لأول مرة في إيطاليا (1379). ولكن أهل جنوي وبدوا كانوا قد حاصروا البندقية من ناحية البحر ثم مدوا حصاراً آخر من الجند على مداخلها البرية وقطعوا الطعام عن المدية. وبينما كان بعض أهلها يموتون جوعاً كان ڤيتورى پيزاني Vittore Pisani يدرب المجندين للأسطول الجديد. حتى إذا كان شهر ديسمبر من عام 1379 قاد بيزاني والدوج أندريا كونتاريني Andrea Contarini هذا الأسطول المجدد- وكان مؤلفا من أربع وثلاثين سفينة واطئة ذات سطح واحد، وستين مركباً كبيراً، وأربعمائة قارب صغير-ليحاصر به الغزاة الجنويين وسفائنهم عند كيوجيا. وكان أسطول جنوي أصغر من أن يواجه أسطول البندقية الجديد، وكانت مدافع البنادقة تصب على مراكب جنوي ومعاقل جنودها ومعسكراتهم حجارة زنة الواحد منها مائة وخمسون رطلاً، وقتلت فيمن قتلت وهم كثيرون أمير البحر پيترو دوريا. ولم يجد الغزاة من أهل جنوي حاجتهم من الطعام ، فطلبوا أن يؤذن لهم أن يخرجوا النساء والأطفال من كيودجا، وأجابهم البنادقة إلى ما طلبوا، ولما أن طلب الجنويون أن يخضعوا إذا سمح لأسطولهم أن يعود إلى بلدهم، جاء دور البنادقة فطلبوا بلا شرط. ودام حصار البنادقة ستة أشهر حتى فت الموت والمرض في عضد الجنويين فاستسلموا، وعاملتهم البندقية معاملة كريمة رحيمة. ولما أن عرض أماديوس السادس Amadeus VI كونت سافوي أن يتوسط لحسم النزاع وافق الطرفان المنهوكا القوى، ونزل كلاهما عن بعض مطالبه، وتبادلا الأسرى، وجنحا إلى السلم (1381).

لگوريا

مقاطعة ليگوريا التي تضم جميع أمجاد الريڤييرا الإيطالي، ففي جهة الشرق يوجد ريڤييرا الليڤانتي Riviera di Levant (أي ساحل مشرق الشمس)، وفي الغرب رفييرا الپونتنتى Por di Pontente أي ساحل مغربها، وتقوم عند ملتقاهما على عرش من التلال وقاعدة منبسطة من البحر ذي الماء الأزرق مدينة جنوى التي لا تكاد تقل بهاء وروعة عن نابلي. وقد بدت هذه المدينة لعين بترارك كأنها "بلد الملوك، والمثل الأعلى للرخاء، وباب البهجة والسرور"، ولكن هذا الوصف ينطبق عليها قبل التصدع الذي حدث في كيودجا chioggia ‏(1378)، وبينا كانت البندقية تنتعش انتعاشا سريعاً بفضل تعاون جميع طبقاتها تعاوناً منظماً قائماً على الإخلاص للمصلحة العامة في سبيل إعادة التجارة والرخاء المادي، ظلت جنوى جارية على ما ألفته من التناحر الداخلي بين الأشراف بعضهم وبعض، وبين الأشراف والعامة. وأوقد الظلم الذي ارتكبته الألجاركية الحاكمة نار ثورة صغيرة (1383)، ذلك أن القصابين ساروا، وهم مسلحون بأدوات حرفتهم التي لا يرد لها مطلب، وعلى رأس جماعة من الغوغاء إلى قصر الدوگى Doge وأرغموه على تخفيض الضرائب وطرد جميع النبلاء من المناصب الحكومية، وحدثت في جنوى عشر ثورات في فترة لا تزيد على خمس سنين، (1390 - 1394)، حكم خلالها وسقط عشرة دوجات، حتى بدا لأهلها آخر الأمر أن النظام أثمن من الحرية، وخشيت الجمهورية المنهكة أن تضمها ميلان إلى أملاكها فأسلمت نفسها مع شاطئ الرفييرا التابعين لها إلى فرنسا (1396)، ثم قامت ثورة عاصفة بعد عامين من ذلك الوقت طرد على أثرها الفرنسيون، ووقعت خمس معارك طاحنة في شوارع المدينة، وأحرق عشرون قصراً، ونبهت المباني الحكومية وهدمت، وأتلف من الأملاك ما قيمته مليون من الفلورينات. وأدركت جنوى مرة أخرى أن فوضى الحرية لا يمكن أن تطاق، فأسلمت نفسها إلى ميلان (1426). ولكن ميلان طغت وتجبرت فلم يطق أهل جنوى صبراً على حكمها، وشبت نار الثورة فيها مرة أخرى، وأعيدت الجمهورية (1435)، وعاد تطاحن الأحزاب إلى سابق عهده.

وكان عنصر الثبات الوحيد وسط هذه التقلبات هو مصرف القديس جورج. وترجع نشأته إلى أن الحكومة في أثناء حربها مع البندقية اقترضت المال من الاهلين، وأعطتهم بدلها صكوكاً، فلما وضعت الحر بأوزارها عجزت الحكومة عن استهلاك هذه الصكوك، ولكنها عهدت إلى المقرضين أن يحصلوا العوائد الجمركية على البضائع التي تمر بالميناء، وكون الدائنون من أنفسهم هيئة عرفت باسم بيت القديس جورج Casa di San Giorgio، واختاروا من بينهم مجلس إدارة من خمسة محافظين، وأعطتهم الحكومة قصراً يتخذونه مقراً لهم. وسارت إدارة البيت أو الشركة سيراً حسناً، وكانت أقل أنظمة الجمهورية فساداً، وعهد إليها أمر جباية الضرائب، وأقرضت الحكومة بعض مالها، واستولت في نظير ذلك على أملاك قيمة في ليجوريا، وقورسقة، وشرقي البحر المتوسط، وفي البحر الأسود، وأصبحت في وقت واحد بيت مال الحكومة ومصرفاً خاصاً يقبل الودائع، ويخصم الكمبيالات، ويعقد القروض لتمويل التجارة والصناعة. وإذ كانت الأحزاب جميعها مرتبطة بها، فقد كانت موضع احترامها جميعاً، ولا يمسونها بأذى ما في أثناء الثورات والحروب، ولا يزال قصرها الفخم الذي أنشئ في عهد النهضة قائماً إلى اليوم في ميدان كريكا منتو Piazza Caricamento.

تأثير سقوط القسطنطينية

وكان سقوط القسطنطينية في أيدي الأتراك العثمانيين ضربة أوشكت أن تقضي على جنوى، فقد استولى الأتراك على ميناء پرايوس القريبة من القسطنطينية، التي كانت تابعة لجنوى. ولما خضعت الجمهورية المفتقرة إلى فرنسا مرة أخرى (1458)، أشعل فرانچسكو اسفوردسا نار ثورة بفضل ما بذله من الأموال، طرد الفرنسيين على أثرها من جنوى، وخضعت المدينة مرة أخرى لحكم ميلان (1464). وأتاحت الإضرابات التي أضعفت ميلان بعد اغتيال جالست جاليستو اسفوردسا (1474) إلى أهل جنوى فسحة قصيرة تنسموا فيها نسيم الحرية؛ فلما أن استولى لويس الثاني عشر على ميلان سنة 1499، دانت جنوى أيضاً لسلطانه. ثم حدث آخر الأمر في أثناء الصراع الطويل الذي قام به فرانسيس الأول وشارل الخامس أن قام أمير من أمراء البحرين من أهل جنوى يدعى أندريا دوريا Andrea Doria ووجه سفنه لقتال الفرنسيين، وطردهم من جنوى ووضع لها دستوراً جمهورياً جديداً (1528)؛ جعل حكومتها الحركية تجارية شبيهة بحكومتي فلورنس والبندقية؛ وخضعت بالحقوق السياسية فيها الأسر التي كانت أسمائها مدونة في الكتاب الذهبي (il libro d'oro). وتألفت الحكومة الجديدة من مجلس للشيوخ يضم أربعمائة عضو، ومن مجلس يتألف من مائتين، ومن دوج يختار لمدة عامين. وبسط هذا النظام لواء السلام والأمن بين الأحزاب المتنازعة، وحافظ على استقلال جنوى حتى غزاها نابليون في عام 1797.

ولم تسهم المدينة في أثناء هذه الاضطرابات العاصفة إلا بأقل من نصيبها الخليقة به في الآداب، والعلوم، والفنون الإيطالية. نعم إن رؤساء بحريتها ارتادوا البحار في عزم وشجاعة، ولكن لما أن قام ابنها كولمبس بينهم كانت جنوى أجبن، أو أفقر، من أن تمده بالمال ليحقق به أحلامه. أما أعيانها فكانوا منهمكين في السياسة، وتجارها لا هم لهم إلا كسب المال، ولم يكن لإحدى الطائفتين متسع من الوقت أو المال تنفقه في مغامرات العقل، وأعيد بناء كتدرائية سان لوراندسو القديمة على الطراز القوطي (1307)، وأصبح داخلها رائعاً فخماً، وزين معبد سان جوڤاني باتستا (1451 وما بعدها) وهو مصلى الكتدرائية - بمحراب جميل، وستر من صنع ماتيو چڤيتالي Mateo Civitali، وتمثال مكتئب ليوحنا المعمدان من صنع ياكوبو سانسوڤينو Iacopo Sansovino. وأحدث أندريا دوريا ثورة في جنوى لا تكاد تقل أثراً عما أحدثه من ثورة في حكومتها، فقد استدعى الراهب جوڤاني دى مانتورسولي Giovanni de Mantorsoli من فلورنس ليعيد تخطيط قصر دورينا Palazza Dorina، (1529) كما استقدم پرينو دل ڤاگا Perino del Vaga من روما ليزينها بالمظلمات والنقوش البارزة على الجص، ورسوم الحيوانات والنباتات الغريبة التي لا وجود لها، وبالنقوش العربية الطراز؛ وقد أضحى القصر بذلك من أعظم قصور إيطاليا فخامة. وجاء ليونى ليوني Leone Leoni منافس تشليني وعدوه من روما ليصب مدلاة جميلة لأمير البحر، كما خطط متتروسولى قبره. وملاك القول أن عصر النهضة لمن يبدأ في جنوى قبل دوربا بزمن طويل ولم يطل بعد وفاته كثيراً.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الاضمحلال

العصر الذهبي للصيارفة الجنوڤيين

الاحتلال الفرنسي

واصلت جنوة الانحدار في القرن 18، وفي 1768 أجبرها تمرد متواصل على بيع كورسيكا للفرنسيين وبذلك تنازلت عن كورسيكا في معاهدة ڤرساي في 1768. وفي 1742 آخر ممتلكات الجنوڤيين في حوض البحر المتوسط، حصن وجزيرة طبرقة، خسرته لصالح باي تونس.[1]


انظر أيضاً

الهامش

  1. ^ Alberti Russell, Janice. The Italian community in Tunisia, 1861-1961: a viable minority. pag. 142