معاهدة أديس أبابا 1902
اتفاقية أديس أبابا بين بريطانيا وإثيوبيا، الموقعة في 15 مايو 1902، ووقعها بريطانيا بالنيابة عن السودان، وأهم ما فيها المادة الثالثة التي تنص على: "إن الإمبراطور الإثيوبي منليك الثاني يعد بألا يبني أو يسمح ببناء أي أعمال على النيل الأزرق وبحيرة تانا أو السوباط"، إلا أن البعض يذهب إلى أن هذه الاتفاقية ليست لها قوة إلزامية بالنسبة لإثيوبيا لأنه لم يتم قط التصديق عليها من جانب ما كان يسمى مجلس العرش الإثيوبي، والبرلمان البريطاني. كما يذهب البعض إلى أن الوضع اختلف كثيرا بشكل يجعل من الصعب الإلتزام بالمادة المذكورة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الهروع إلى أفريقيا وفاشودة
- مقالات مفصلة: الهروع إلى أفريقيا
- واقعة فاشودة
في المقابل نجحت فرنسا في تشجيع الحبشة على إرسال 4 حملات إلى أعالى النيل لاحتلاله، ورغم أنها لم تحرز نجاحا، إلا أنها أظهرت أطماع الحبشة في الضفة اليمنى من نهر النيل، فوجدت إنجلترا نفسها مضطرة لأن تبذل نشاطاً مضاداً لنشاط فرنسا في أديس أبابا، خاصة أن العلاقات بينها وبين الحبشة لم تكن مرضية، نظراً لمساعدة إنجلترا إيطاليا في حربها ضد الحبشة سنة 1896.
في هذه الأثناء بدأت القوات المصرية تتقدم تحت قيادة كتشنر صوب السودان لاستعادته، وفى يوليو سنة 1898 وصل القائد الفرنسي جان-باتيست مارشان إلى قرية فاشودة ورفع العلم الفرنسى فوق القرية، فتقدمت القوات المصرية صوب الجنوب، ووصلت فاشودة في 19 سبتمبر سنة 1898، ووجه كتشنر إنذاراً إلى «مارشان» بإخلاء القرية ورفع العلم المصرى فوقها ثانية، واضطرت فرنسا للرضوخ، وتم عقد اتفاقية 31 مارس 1899 بين فرنسا وإنجلترا، التى أسدل بها الستار على مطامع فرنسا في نهر النيل وواديه».
ورغم هذه الأحداث، ظلت مشكلة الحدود بين ممتلكات مصر والحبشة التى عجزت مصر عن حلها في عهد الخديو إسماعيل قائمة دون حل، ورأت إنجلترا في ذلك فرصة عام 1902 نتيجة خطأ وقعت فيه فرنسا، واستغلته إنجلترا لصالحها، بعد أن منح إمبراطور الحبشة أحد السويسريين، ألفريد إلگ، عام 1894 حق امتياز مد خط سكة حديد الحبشة، وتكونت لهذا الغرض شركة فرنسية، أخذت على عاتقها تنفيذ هذا الخط، وعجزت الشركة الفرنسية عن القيام بالتزاماتها واحتاجت زيادة رأس المال، فوجدت الشركات الإنجليزية الفرصة سانحة للاشتراك في زيادة رأس المال، لتحصل بذلك على فرصة لفرض نفوذها في الحبشة بجوار النفوذ الفرنسى.
وتدخلت الحكومة الفرنسية لدى الشركة المنفذة للخط ومنحتها إعانة سنوية تقدر بنصف مليون فرنك لمدة 50 عاماً، لزيادة رأس المال واستطاعت أن تسيطر على الشركة دون استشارة ملك الحبشة، بصفته صاحب الحق الأول في منح ذلك الامتياز.
واستغلت إنگلترة هذا الخطأ، حسب الوثائق، عندما أكد مبعوثها السير «جون هارنگتون» لدى منليك الثاني ملك الحبشة أن هناك سوء نوايا من الجانب الفرنسى حيال بلاده، ولذلك منحت إنگلترة الملك منليك الثانى أرضاً من الممتلكات المصرية مساحتها 3600 كم²، تقع على الجنوب الشرقى من السودان وتتصل بنهر السوباط (حالياً في إرتريا وإثيوپيا)، فبسطت إثيوبيا حدودها لتشمل هذا النهر، وتم الاعتراف لها بسيادتها على أراضٍ احتلتها من مصر وتشمل المسافة الواقعة بين نهرى بارو والجب.
ترسيم الحدود بين السودان وأثيوبيا
- مقالة مفصلة: المعاهدة الإثيوپية الإنگليزية 1897
كان منليك الثاني يحاول أن يستغل الصراع الذي دار بين بريطانيا التي تحتل السودان الأنجلو مصري) والمهديين في أن يوسع حدوده على حساب حدود السودان الأنجلو-مصري. ولكي تصفي بريطانيا مشكلة الحدود هذه أرسلت الى مندوبها جون لين هارنگتون John Lane Harrington في أديس أبابا عن طريق كرومر تعليماتها له بأن يوضح الخط الذي سيتبعه في العلاقات بين مصر وإثيوبيا وطلب منه أن يزيل أية شكوك تكون لدى منليك بشأن وجود بريطانيا في مصر والسودان، كما أوصاه بألا يعترف بأية ادعاءات إثيوبية بشأن الحدود الغربية والشمالية الغربية مما ينسحب على أية منطقة كانت تحت الحكم المصري، كذلك ذكر له أن بريطانيا تؤيد بصفة عامة حقوق مصر في وادي النيل، وبالتالي فعليه ألا يعطي أية ردود على الادعاءات الاثيوبية هذه دون أن يكتب بذلك الى الحكومة. وكان تعيين هذا السفير الانجليزي بناء على اقتراح قدمه السير رنل رود Rennell Rodd إلى حكومته بعد عودته من رحلته الى اثيوبيا بضرورة انشاء علاقات سياسية دائمة مع إثيوبيا بسبب أهميتها كعامل سياسي في شرق افريقيا ولكي يقف ضد الدعاية السيئة التي شنتها الدول الاوروبية الأخرى (264).
وقد تسلم هارنگتون منصبه في أوائل سنة 1898 (265)، وعلم تماما بسياسة منليك التي اعتمدت على سياسة الاحتلال الفعلي لكي يحقق منشوره الصادر في سنة 1891 بالتوسع في السودان ، وقد اعتقد كل من هارنجتون وكرومر بأنه لن يوقف منليك عن توسعاته على حساب مصالح مصر في السودان سوى صدمة، وأن هذه الصدمة لن تأتي الا بعد هزيمة المهديين وبالفعل فقد كانت هزيمة المهديين في أم درمان سببا في تغير الموقف السياسي في اثيوبيا، فقد فزع الاثيوبيين لسقوط الخرطوم، وبذلك تحركوا عل طول الحدود حتى يشعروا أنفسهم في موقف أفضل عندما تبدأ المفاوضات مع الإنجليز الذين نظر الاثيوبيين إليهم على أنهم أكبر قوة في المنطقة، وقد تحرك الاثيوبيين الى داخل القلابات وكانوا ينوون التحرك الى كركوج. ورفع الاثيوبيون علمهم على المتعة. لهذا فقط طلبت الحكومة البريطانية من مندوبها هارنجتون أن يطلب من منليك أني قدم مطالبة في الحدود، وبالذات بعد ان احتلت القوات المصرية الانجليزية القضارف والروصيرص في أول نوفمبر سنة 1898. وقد ثار منليك لاحتلال الروصيرص ذات الموقع الهام على النيل الأزرق وكان منليك يطمع في هذه المنطقة والتي تمتد حتى النيل الابيض، وبدأ هارنجتون يتفاوض مع منليك مؤكدا أن هذه المنطقة ملك مصر. وبالرغم من أن بريطانيا أظهرت بعض التنازلات عن أرض كانت ملكا لمصر فانه أصر في هذه الفترة من المفاوضات على ادعاءاته التي جاءت في منشوره سنة 1891 ، وبالرغم من أن هارنگتون أوضح له أن حكومة بريطانيا لم تقبل هذا المنشور (166).
واستمرت المفاوضات بين المندوب البريطاني ومنليك الذي شكى له أن بريطانيا قد احتلت مناطق كانت خاضعة له مثل جوري والقلابات، ولكن هارنجتون أوضح له أن هذه المناطق كانت ملك لمصر واستولى منلكي عليها ابان الصراع بين المهديين والجيش المصري الانجليزي الزاحف. وقد عرض هارنجتون في مقابلة أخرى (22 أبريل) خطا للحدود للمناشة، وكان هذا الخط المقترح يتجه جنوبا من تودلوك الى خوريابوس وضم الحمران وكيداوي والقلابات وديباتيه ودار السماني ودارجو باودار وجوموريني وشنقول. وهذه كلها عرضها باعتبارها بلاداً مصرية، على أن منليك تمسك ببني شنقول وذلك للذهب الموجود فيها، ولأهميتها الاستراتيجية لمنطقة من السهل الوصول إليها ملاحيا عن طريق النيلين الابيض والأزرق كما أنها تتحكم في جزء مناسب من تجارة السودان وقد ووافقت بريطانيا على ضمها الى منليك . وقد حاول الامبراطور أن يسيطر على المتمة. وهي مدينة ذات أهمية استراتيجية تجارية في اقليم القلابات تقع على نحو 95 كم غربي قندر العاصمة الأثيوبية القديمة، وكلن هارنجتون رفض ادعاءاته وذلك للأهمية التجارية لهذه المنطقة للسودان (267).
وكان الاثيوبيون قد استولوا على القلابات ورفعوا علم بلادهم عليها، وذلك عقب علمهم بنهاية التعايشي في أم درمان، وكتب قائد الاثيوبيين في هذه المدينة الى القائد الانلجيزي في القضارف بأن دخوله القلابات كان بأمر منليك الذي يرغب في خلق علاقات حسنة معها بغرض فتح الطريق التجاري وانشاء علاقات تجارية بين السودان وأثيوبيا، وأنه ليس بين أثيوبيا وبريطانيا (268) إلا الود. وواضح أن منليك لم يكن يريد الحرب مع بريطانيا وإنما اتخذ اسلوب المفاوضة معها لكي يحصل على ما يريده ولقد عرض هارنجتون رغبة منليك في ضم القلابات إليه على رنل رود الذي اقترح بأن بريطانيا تحتاج فقط الى القلعة التي كانت في المدينة الجديدة. وعلى ذلك فان منليك يعطي المدينة القديمة شرق خور أبنكارا كمركز تجاري تحت حكمه. وقبل منليك هذا التقسيم (269). وعلى ذلك أخلى الإثيوبيون القلابات ودخلها المصريون (270).
وبناء على هذه التغييرات في الحدود بين السودان وأثيوبيا فقد تشكلت مجموعاتان للمسح أرسلتا لبحث الحدود وتحديدهما احداهما لمسح الحدود المقتروح من الشمال والأخرى من الجنوب. وبعد ان انتهت هاتان اللجنتان من عملهما أرسلتا تقريرهما الى هارنجتون الذي عرضهما على منليك. وكان سولسبوري قد أوصى هارنجتون بأن يأخذ في اعتباره بأن يكون خط الحدود المتفق عليه ملائما لاقامة سلسلة من النقاط على الحدود بني نهري السوباط والنيل الأزرق، وأن يتم تحديد الحدود على الطبيعة بواسطة لجنة مشتركة. كذلك عليه أن يحصل على اتفاق من منليك يضمن ألا يكون هناك أي تدخل أثيوبي في مياه النيل الأزرق أو بحيرة تسانا عدا الموجود في الاتفاق مع حكومة بريطانيا أو حكومة السودان. وتحصل الحكومة البريطانية على حق بناء خط سكة حديد خلال المناطق الأثيوبية إلى السودان بهدف وصله بأوغندا. وقد استغرق وصول هذه التعليمات الجديدة من لندن إلى هارنجتون بأديس أبابا عدة شهور. ويبدو أن تأخر وصول هذه التعليمات اثار قلق منليك الى حد أن هارنجتون أرسل يستعجل في يناير سنة 1901 وصولها موضحا خطورة تأخيرها حتى لا تسنح الفرصة لفرنسا وروسيا لكي تغير الموقف الودي لمنليك ازاء بريطانيا (271). والذي استطاع هارنجتون بسياسته أن يحوز ثقته ويجعل بريطانيا تأخذا مكانا كبيرا عنده. والواقع أنه بفضل جهود هارنجتون السياسية استطاع أن يزيد من النفوذ البريطاني في إثيوبيا وبالتالي تضاءل النفوذان الروسي والفرنسي (272).
وبعد أن تم كل شيء بين هارنجتون ومنليك ولم يبق سوى الانتظار لتوقيها تقدم منليك بطلبات جديدة حرضه عليها كل من فرنسا وروسيا منتهزة في ذلك انشغال بريطانيا بحرب البوير في جنوب أفريقيا، وذلك لكي تتوتر العلاقات الطيبة بين أثيوبيا وبريطانيا، وقد تتطور الى اشعال حرب استعمارية بين هاتين الدولتين. على أن هارنجتون استطاع أن يحبط هذه المؤامرة وأن يتقدم في أوائل سنة 1902 بمسودة اتفاق، وفي المقابل أرسل إيلج مستشار منليك الى هارنجتون نسخة أمهرية بها بعض المواد المخالفة للاتفاقية هدمت عمليا كل ما اتفق عليه حتى هذا التاريخ، ذلك أن منليك غير الحدود جنوب مليلي لمصلحته، وأدخل مادة بشأن بحيرة تسانا والنيل الأزرق هدمت كل ما اتفق عليه من قبل، بل أدخل مادة جديدة تنص على أن هذه المعاهدة سارية المفعول لعشر سنوات، ويمكن انهاؤها عن طريق مذكرة تسلم الى أحد الطرفين قبلها بستة أشهر. وقد رفض هارنجتون هذه المواد التي قدمها اليه ايلج واعتبر أن هذه العقبات التي توضع لتعطيل توقيع المعاهدة سيكون لها نتائج خطيرة وسيئة. على أنه لم ينقضي اثنا عشر يوما حتى كان قد تم الاتفاق على مواد المعاهدة كما أرادها هارنجتلون (273)، وقد ساهمت الدبلوماسية الإيطالية مع الدبلوماسية البريطانية في معارضة محاولات فرنسا لعرقلة اتمام هذا الاتفاق حتى تم في النهاية لهارنجتون من توقيع معاهدة أديس أبابا في 15 مايو سنة 1902 الذي بمقتضاها تم تخطيط الحدود أخيرا بين السودان الشرقي وأثيوبيا (274)، وذلك بعد صراع كبير بدأ في عهد محمد علي باشا عندما امتدت الادارة المصرية الى السودان، كان سببه عدم تحديد الحدود واستمر طوال القرن التاسع عشر حتى تم أخيرا في أوائل القرن العشرين تحديد هذه الحدود وبالتالي استقرت الاوضاع بين مصر وأثيوبيا (275).
وكان أهم بنود معاهدة أديس أبابا في 15 مايو سنة 1902، ما جاء في المادة الأولى من تحديد الحدود بين أثيوبيا والسودان المصري الانجليزي. ويسير خط الحدود من خور أم حجر على نهر ستيت إلى القلابات فالنيل الأزرق جنوب فامكه فنهر بارو ونيبور واكروبوالي مليلي، ومنها الى نقطة تقاطع الخط السادس من خطوط العرض الشمالي مع الخط الخامس والثلاثين من خطوط الطول شرق جرينتش. وبعبارة أخرى فان الأجزاء السفلى من نهر عطبرة والنيل الأزرق والسوباط تخضطع للحكم المصري الإنجليزي في السودان، كما تعهد منليك قبل ملك بريطانيا بعدم تشييد أو السماح بتشييد أي بناء في النيل الأزرق وبحيرة تسانا أو نهر السوباط يكون من شأنه منع جريان المياه إلى النيل الا بالاتفاق مع حكومة جلالة ملك بريطانيا وحكومة السودان. كذلك تعهد منليك بأن يسمح لحكومة السودان باختيار قطعة أرض بجوار ايتانج على نهر بارو لا يزيد طولها عن ألفي متر ولا تزيد مساحتها عن 400 ألف متر لاحتلالها وادارتها محكمة تجارية ما دام السودان قد خضع للحكم المصري الانجليزي. وقد اتفق على ألا تستخدم هذه الأرض في الأغراض السياسية أو الحربية. ووافق منليك أيضا على منح الحكومة البريطانية وحكومة السودان الحق في انشاء خط حديدي عبر الأراضي الاثيوبية لربط السودان باوغندا وذلك من الناحية الشرقية، لأن الناحية الغربية منخفشة وكثيرة المستنقعات وسوف تتفق الحكومتان السودان وإثيوبيا فيما بينهما على طريق هذا الخط الحديدي (276).
وبهذه المعاهدة استقرت الأوضاع في حدود السودان مع أثيوبيا ، وانعكس ذلك على العلاقات بين مصر وإثيوبيا التي تحسنت أخيراً بعد أن انتهت مشكلة الحدود التي كانت عاملا أساسيا في توتر هذه العلاقات.
توقيع الاتفاقية
في 15 مايو 1902 تم توقيع معاهدة بشأن الحدود المصرية مع الحبشة (إثيوبيا) وهي الاتفاقية التى تم الحصول على صورتها الأصلية من الأرشيف البريطانى وتعهد فيها ملك الحبشة بعدم تشييد أو السماح بتشييد أي عمل على النيل الأزرق وبحيرة تسانا أو نهر السوباط من شأنه منع جريان المياه إلى النيل إلا بالاتفاق مع حكومة جلالة الملكة البريطانية وحكومة مصر بالسودان، وفق ترجمة نصوص المعاهدة.
نص المعاهدة
المادة الأولى:
اتفق الطرفان خلال المعاهدة على أن خط الحدود بين السودان وإثيوبيا يسير من «أم حجر» إلى «القلابات»، فالنيل الأزرق فنهر بارو فنهر بيبور ثم نهر أكوبو حتى مليلة، ومنها إلى نقطة تقاطع خط عرض 6 شمالا مع خط طول 35 شرق جرينتش وتم رسم خط الحدود بالمداد الأحمر في الخريطتين الملحقتين بالاتفاق.
المادة الثانية
تعهد الإمبراطور منليك الثانى، قبل حكومة صاحبة الجلالة البريطانية، بعدم تشييد أو السماح بتشييد أى عمل على النيل الأزرق وبحيرة تسانا أو نهر السوباط يكون من شأنه منع جريان المياه إلى النيل إلا بالاتفاق مع حكومة جلالة الملكة البريطانية وحكومة مصر بالسودان.
المادة الثالثة
يتعهد الإمبراطور منليك، ملك إثيوبيا، بأن يسمح لحكومة جلالة الملكة البريطانية في السودان باختيار قطعة أرض بجوار إيتانج على نهر بارو لا يزيد طولها على 2000 متر ولا تزيد مساحتها على 40 هكتاراً لاحتلالها وإدارتها كمحطة تجارية، طالما خضع السودان للحكم المصرى الإنگليزي، واتفق الطرفان المتعاقدان على أن الأرض المؤجرة لن تستخدم في الأغراض السياسية أو الحربية.
المادة الرابعة
منح الإمبراطور منليك حكومتي الملكة البريطانية والسودان حق إنشاء خط حديدى عبر الأراضى الحبشية لربط السودان بأوغندا. وفى البند الثانى ورد اتفاق الحدود المحدد للحق المصرى والسودانى في مياه النيل، والذى أكد أن العدول عنه يقتضى من أطرافه العدول عن الأرض المصرية التى تتسيدها إثيوبيا، والتى تحددت لها في عام 1902 بموجب «المنحة المصرية، وهى ذات الأرض ونفس الاتفاقية التى تمسكت بها إثيوبيا في ترسيم الحدود بينها وبين إرتريا قبل أعوام، مما يعنى إقرارها قانونا باتفاق 1902.
موقف مصر من معاهدة سنة 1902
وفي أثناء زيارة مطران أثيوبيا لمصر، وقعت معاهدة 15 مايو سنة 1902 بين بريطانيا وأثيوبيا. ويتضح من هذه المعاهدة أن بريطانيا استغلت احتلالها لمصر ومشاركتها في حكم السودان في تدعيم نفوذها في بلاط منليك، اذ وضعت هذه المعاهدة حدا للصراع الدولي بين الدول الأوروبية لصالح بريطانيا، فهي انتصار للسياسة الاستعمارية الانجليزية (16)، لم تستطع الحصول عليها الا بسبب احتلالها لمصر والسودان وادعائها أنها ترعى مصالح مصر في تحديد الحدود بينها وبين أثيوبيا، وحقوقها التاريخية والطبيعية في منابع النيل الأثيوبية، اذ لولا ذلك لما استطاعت أن تحصل على هذه المنح التي أعطاها منليك بموجب هذه المعاهدة والتي لم تستطع أي دولة أخرى أن تحصل على مثلها، فقد حصلت على مركز تجاري هام بالقرب من حدود السودان، ونالت تعهدا من منليك بعدم التدخل في فيضان وتدفق النيل من بلاده إلى السودان ومصر الا بعد موافقتها. وكان هذا اعترافا رسميا من أثيوبيا بمصالح بريطانيا في هذه المنطقة، وان ثلث اثيوبيا اصبح تحت نفوذ بريطانيا (17)ز
ويلاحظ على هذه المعاهدة أن الحكومة البريطانية تجاهلت حق مصر في التوقيع عليها، وبالرغم من حقوقها الطبيعية والتاريخية في منابع النيل الأثيوبية وحقوقها كشريكة في حكم السودان مع أنها وقعت على معاهدة عدوه في سنة 1884، وكان السبب في ذلك أن بريطانيا وطدت احتلالها لمصر، واصحبت تتحدث باسمها وهو ما لم تستطع أن تقوم به في بداية عهد الاحتلال (18). وقد أدى ذلك الى احتجاج خديوي مصر على عدم حضور مندوبه للتوقيع على هذه المعاهدة، وعلى اعتبار أن للسودان صفة قائمة بذاتها في نظام ادارته تخول له التعاقد أو الاتفاق باسمه كما جاء في نصوص المعاهدة اذ أن هذه المسألة من شئون السيادة عليه أي (مصر وبريطانيا) ولو أنه – السودان – تعاقد بهذه الصفة لكان الحاكم العام له هو المتحدث عنه ولكن كان المتحدث هو ملك إنجلترا ولم يكن ليستقل بهذا الأمر دون خديوي مصر (19).
وقد نتج عن تجاهل بريطانيا لمصر في كل الأمور المتعلقة بالسودان، وقوع خلافات عديدة بين اللورد كرومر والخديوي عباس حلمي الثاني، على أنه نتيجة لارتباط المصالح بين مصر وبريطانيا في تحديد حدود السودان وتنميته اقتصاديا والحفاظ على منابع النيل الأثيوبية، جعل الحكومة المصرية الخاضعة لبريطانيا لا تحفل كثيرا باحتجاج الخديوي هذا ، وبعبارة أخرى أنها وافقت على هذه المعاهدة بل وما تقوم به بريطانيا بعد ذلك من اجراءات مترتبة عليها (20). كما أنه كان هناك دعوة في ذلك الوقت الى ضرورة تحسين العلاقات مع أثيوبيا والحفاظ على صداقتها وخصوصا بعد أن عادت الحدود المشتركة معها مرة أخرى (21). وعلى ذلك فبعد توقيع المعاهدة بدأت اجراءات تنفيذها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .