البرنامج النووي المصري
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تاريخ المشروع النووي
في عام 1955 تم تشكيل "لجنة الطاقة الذرية" برئاسة الرئيس جمال عبد الناصر ، وفى يوليو من العام التالى تم توقيع عقد الإتفاق الثنائى بين مصر والإتحاد السوفييتى بشأن التعاون فى شئون الطاقة الذرية وتطبيقاتها . وفى سبتمبر عام 1956 وقعت مصر عقد المفاعل النووى البحثى الأول مع الإتحاد السوڤيتى بقدرة 2 ميجاوات (أُطلق عليه إسم مفاعل أنشاص) . وتقررفى العام التالى تحويل "لجنة الطاقة الذرية" إلى "مؤسسة الطاقة الذرية" . ودخل مفاعل أنشاص العمل فى سنة 1961 ، وهذا المفاعل كما يقول الدكتور مهندس عصمت زين الدين لم يكن يرقى إلى مستوى أى مفاعل نووى في أى مشروع نووى حقيقي.[1]
اشتركت مصر كعضو مؤسس عام 1957 فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، ووقعت فى القاهرة اتفاق تعاون نووى مع المعهد النرويجى للطاقة الذرية حصلت بموجبه على معمل للنظائر المشعة .
في عام 1964 أنشأ الدكتور مهندس عصمت زين الدين مستشار الرئيس جمال عبد الناصر فى شئون الطاقة الذرية قسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية لتوفير الخبرات وإعداد كوادر رفيعة على المستوى العالمى .
في عام 1964 ، طرحت مؤسسة الطاقة الذرية التى كان يرأسها اللواء صلاح هدايت مناقصة عالمية لتوريد محطة نووية لأغراض كثيرة منها توليد الكهرباء وتحلية مياه البحر، وتقدم للمناقصة عرضان من أكبر الشركات العالمية. ورجحت لجنة البت التى كان يرأسها د.م. عصمت زين الدين أحد العرضين ماليا وفنيا المالي، وكان ذلك لمحطة نووية بقدرة 30 ميجاوات ، يمكن استخلاص البلوتونيوم من وقودها المستنفد spent uranium fuel الذى يعتبر أكفأ مادة انشطارية تستخدم لتصنيع السلاح النووي. وكان سعر المحطة 30 مليون دولار، وكان الدولار وقتها بساوى 70 قرشا. ويقول عصمت زين الدين (أطال الله عمره): كان هذا العرض إنجازا كبيرا جدا وبسعر ضئيل جدا مقارنة بأسعار تلك الأيام ، وأن الشركة التى رسى عليها العطاء كانت تتمنى سرعة إصدار أمر الإسناد والتوريد ولكن جاء دور أعضاء التنظيم الطليعي وهو تنظيم سرى كان يسيطر على كل شركات مصر ومؤسساتها وجامعاتها ويندس فى كافة نواحى الأنشطة الإقتصادية والإجتماعية. ودخل أعضاء هذا التنظيم صراعا مع صلاح هدايت وقالوا إن هذه المحطة لن تنفع مصر ولن تخدم المشروع النووى وذلك لمجرد الشهرة الكاذبة والتسلق بالباطل على أكتاف المخلصين وعلى حساب مصلحة مصر. ولم يستطع عبد الناصر فى ذلك الوقت اتخاذ القرار المناسب بشأن تلك المحطة النووية، وكان معذورا – على حد قول عصمت زين الدين – لأنه لم يستطع تصديق صلاح هدايت أمام أعضاء مجموعة تنظيمه السرى، فكلف كمال رفعت (أحد الضباط الأحرار) لبحث هذا الموضوع ، إلا أن أعضاء التنظيم السرى كانوا أغلبية جاهلة فأخذ كمال رفعت برأى الأغلبية. وتم صرف النظر عن أول مبادرة جادة لإقامة المشروع النووى المصرى . واستطاع هؤلاء المتسلقون الجهلة إبعاد صلاح هدايت عن رئاسة مؤسسة الطاقة الذرية التى انتهى دورها منذ ذلك الوقت بعد أن سيطر عدد من أهل الثقة من متسلقى التنظيم السرى الطليعى على مراكز إدارتها العليا (مازال الكلام على لسان عصمت زين الدين) ، وهم جميعا من ذوى الخبرات المحدودة العاجزة عن استيعاب التكنولوجيا النووية الكاملة بفروعها المختلفة وأبعادها الصعبة ، وكانوا حريصين على الإيحاء لجمال عبد الناصر بأنهم هم وحدهم علماء البلد، وهم أفهم الناس فيها، وهم كل شيء وماسواهم لا يساوى شيئاً!
استمر المشروع النووى بفعالية بطيئة غير جادة أو مستنيرة إلى أن جاء عام 1967 الذى شهد هزيمة قاسية للقوات المسلحة المصرية وأصاب الشعب المصرى بخيبة وانتكاسة كبرى أثرت على المشروع النووى فأصابته بحالة من الشلل التام.
وبعد أكتوبر عام 1973، بدأ الإلتصاق بالولايات المتحدة، وظن الرئيس أنور السادات أن علاقته الجديدة المميزة بالولايات المتحدة سوف تنعكس إيجابا على حلم الشعب المصرى فى إحياء المشروع النووى من جديد . فشهد عام 1976 إصدار خطاب نوايا لشركة وستنجهاوس الأمريكية وتوقيع اتفاقية تعاون نووى مع الولايات المتحدة الأمريكية .
وبعد توقيع السادات معاهدة السلام مع إسرائيل فى مارس 1979 ، تم بعدها فى نفس العام تقريبا وضع برنامج مع الولايات المتحدة الأمريكية لبناء عشر محطات نووية مصرية قبل حلول عام 1999! . ولكن لم تقم الولايات المتحدة بتنفيذ خطوة إيجابية واحدة فى هذا البرنامج ، وكان السبب طبقا لما أشيع وقتها هو رفض السادات مغالاة الولايات المتحدة وتشددها فى شروط التفتيش التى أرادت فرضها على مصر . فتوجه السادات إلى فرنسا ، وفى أثناء زيارة له للعاصمة الفرنسية تم توقيع بروتوكول يتضمن تزويد مصر بمفاعلين لتوليد الكهرباء عن طريق مؤسسة "فراماتوم" الفرنسية قدرة كل واحد منهما 1000 ميجاوات بتكلفة قدرها 2000 مليون دولار. ولكن تعثرت مفاوضات تنفيذ هذا البروتوكول، وكان المبرر من وجهة نظر فرنسا هو أن مصر غير مشتركة فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ، فقرر الرئيس السادات المصادقة على تلك المعاهدة وتم ذلك فى عام 1981 لكى يزيل الحجج الفرنسية ، ولكن ذلك لم يفتح المجال للحصول على المفاعلين وتعثرت المفاوضات مرة أخرى ، واستمر الحال متأزما إلى أن تم اغتيال الرئيس السادات عام 1981 .
الاغتيالات
فى تلك الأثناء وعلى مدى العقود الممتدة من الخمسينيات والستينيات وصولا إلى الثمانينيات ، اغتيلت أسماء مشهورة لمعت فى سماء المشروع النووى المصرى ، كان أبرزها الدكتورة سميرة موسى (1917-1952) التى كان لها شهرة علمية عالمية فى مجال الإشعاع النووى ، الذى تمنت أن تطوعه علاجا ممكنا متاحا بأقل تكلفة لعلاج مرضى السرطان (هكذا كانت تقول) ، وتم اغتيالها فى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1952. والدكتور يحيى المشد الذى كان أستاذا بقسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية ، وله خمسون بحثا علميا تركز معظمها على تصميم المفاعلات النووية ومجال التحكم فى المعاملات النووية، تم اغتياله فى 13 يونيو عام 1980 فى فندق المريديان بباريس ، حيث تم العثور على جثته هامدة مهشمة الرأس ودماؤه تغطى سجادة الحجرة ، وأغلق التحقيق الذى قامت به الشرطة الفرنسية على أن الفاعل مجهول. وكانت أصابع الإتهام فى كل حالات الإغتيال تشير بقوة إلى المخابرات الإسرائيلية.
عهد مبارك
وجاء الرئيس حسنى مبارك بالصدفة - غير السعيدة - خلفا للرئيس الراحل أنور السادات ، وبدأ التفكير من جديد فى إحياء المشروع النووى المصرى . واختارت مصر منطقة الضبعة بالقرب من العلمين موقعا لإنشاء المحطة النووية الأولى بعد إجراء دراسات دقيقة جدا ، وتميز موقع الضبعة بقربه من مصدر مياه التبريد ، وبالإتجاه السائد للريح والبعد عن الزلازل وبعدة اعتبارات أخرى ، وتكلف تجهيز الموقع بأكثر من 30 مليون دولار[13]. وتمت الموافقة على تخصيص موقع الضبعة للمحطة النووية الأولى المقترحة بعد أن اتخذت الدولة قرار الدخول فى المشروع النووى عام 1986 لبناء عدد من المحطات النووية تصل إلى 8 محطات بحلول عام 2000 . ثم تراجعت الدولة فجأة عن تنفيذ المشروع ، وعلقت أسباب تراجعها على شماعة الحادثة التى وقعت بالمحطة النووية بشرنوبل Chernobyl ببلاروسيا فى 26 إبريل 1986، ولم تكن تلك الأسباب مقنعة لعدد كبير من العالمين بطبيعة الضغوط الأمريكية الإسرائيلية التى يمكن ممارستها على القرار السياسى المصرى فى هذا الشأن ، فقد ذكر الدكتور على الصعيدى رئيس هيئة المحطات النووية أن بنك التصدير والإستيراد الأمريكى أوصى بعدم تمويل المحطة النووية المصرية ، كما امتنع صندوق النقد والبنك الدولى عن مساندة المشروع . أى أن حادثة شرنوبل كانت مجرد شماعة بررت بها القيادة السياسية تراجعها عن تنفيذ المشروع لحفظ ماء الوجه ، وخاصة وأن العالم لم يتوقف عن بناء المحطات النووية بعد هذه الحادثة ، وإن كان معدل بناء المحطات النووية قد تباطأ ووصل إلى 2% خلال الأعوام من 1990 إلى 2004 بعد أن كان 17% خلال الأعوام من 1970 إلى 1990 ، ولم يكن ذلك بسبب حادثة شرنوبل بل بسبب انخفاض أسعار الوقود الحفرى مما جعله منافسا فى ذلك الوقت لليورانيوم كوقود نووى لمحطات توليد الكهرباء [14] . وتساءل المستنيرين من أبناء مصر المخلصين قائلين : هل توقف العالم عن ركوب الطائرات بسبب بعض حوادث الطيران ؟! ، أو توقف عن استعمال الفحم الحجرى واستخراجه من مناجمه بسبب بعض كوارث الإنفجارات والإنهيارات بالمناجم التى راح ضحيتها آلاف البشر عبر تاريخ استخراج الفحم وحتى الآن ؟! ... كما أن معظم المفاعلات التى مازالت تعمل حتى الآن على مستوى العالم هى من الجيل الثانى للمفاعلات مثلها مثل مفاعل شرنوبل ولم يتخلص منها أحد حتى الآن ، وظهر بعدها الجيل الثالث من المفاعلات فى التسعينيات بمزايا اقتصادية أفضل وبمعاملات أمان أعلى ، وتُعرف مفاعلات هذا الجيل بالمفاعلات متأصلة الأمان النووى وتتميز بأنها ذاتية الدفاع عن نفسها ضد المخاطر . ويتم حاليا تطوير جيل رابع من المفاعلات (Gen-IV) من المتوقع تسويقه على المستوى التجارى عام 2030 (نفس المصدر السابق) .
الدولة الوحيدة التى صدقت فى وعودها مع مصر هى الأرجنتين ، حيث وقعت معها مصر عقد إنشاء مفاعل نووى بحثى متطور عام 1992 بقدرة مركبة 22 ميجاوات ، وهو المفاعل النووى البحثى الثانى فى مصر الذى تم بناؤه عام 1997 . وقامت الأرجنتين فى عهد رئيسها كارلوس منعم فى إطار اتفاقيات للتعاون والبحث العلمى بتطوير مفاعل أنشاص البحثى الأول وزيادة كفاءته .
ولم يكن الرئيس حسنى مبارك متحمسا للمشروع النووى كما يقول الدكتور محمد عزت عبد العزيز [15] - (قد يكون ذلك راجعا فى رأيى لمشاكل التمويل وللضغوط الأمريكية الصهيونية على مبارك ونظامه) – ومايؤكد قول محمد عزت هو : أن الرئيس حسنى مبارك قال ذات يوم فى طريق عودته فى 29 إبريل 2001 من جولة شملت ألمانيا ورومانيا وروسيا : " أنه لاتفكير فى الوقت الحالى لإقامة محطات نووية لتوليد الكهرباء فى مصر ، لأنه تتوافر لدينا كميات كبيرة من الطاقة ، وأن احتياطيات الغاز الطبيعى فى تزايد من عام لآخر ، وكذلك فى ضوء عدم ترحيب الرأى العام المصرى بإقامة مثل هذه المحطات " .
وفي 19 سبتمبر 2006 وأثناء انعقاد مؤتمر الحزب الوطنى الحاكم ، ألقى جمال مبارك (ابن حسنى مبارك) رئيس لجنة السياسات بالحزب بقنبلة فى كلمته التى ألقاها حيث قال : "أنه قد جاء الوقت لكى تستخدم مصر الطاقة النووية كأحد البدائل الهامة لمصادر الطاقة" ، ولاقت دعوة جمال مبارك تأييدا من أبيه الرئيس حسنى مبارك ! حيث قال بعد ذلك بكلمته التى ألقاها فى نفس المؤتمر : " أننا يجب أن نستفيد من مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة بما فى ذلك الإستخدامات السلمية للطاقة النووية ، وأنا أدعو لحوار جاد يضع فى اعتباره الطاقة النظيفة والإقتصادية المتاحة من التكنولوجيات النووية ، ثم أشار إلى أن مصر تمتلك خبرة فى المجال النووى ، وأننا لانبدأ فى هذا المجال من فراغ ، كما أننا نمتلك المعرفة بهذه التكنولوجيات التى سوف تساعدنا على التقدم فى هذا المجال .. " !!
وبعد ذلك بأيام قليلة وتحديدا فى 25 سبتمبر ، اجتمع المجلس الأعلى للطاقة الذى لم يجتمع منذ 18 عاما [16] لمناقشة مصادر الطاقة غير التقليدية بما فى ذلك الطاقة النووية ، ورأس الإجتماع الدكتور أحمد نظيف رئيس وزراء مصر ، وضم هذا الإجتماع وزراء الدفاع والمالية والكهرباء والبترول والتنمية الإقتصادية ، وأسفر هذا الإجتماع عن وضع خطة قُدرت فيها احتياجات مصر من المحطات النووية بثلاث محطات بقدرة إجمالية 1800 ميجاوات تدخل مرحلة التشغيل مع حلول عام 2020 .
وقال الدكتور محمد عزت عبد العزيز الرئيس السابق لهيئة الطاقة الذرية فى حوار له مع أحد محررى جريدة الوفد عدد 31 أكتوبر 2006 (تمت الإشارة إليه من قبل) معقبا : " هناك متشككون فى حقيقة دعوة جمال مبارك قد أكون واحدا منهم إلا أننى بطبيعتى متفائل دائما . ومع ذلك دعنا نتساءل : هل هناك هدف سياسى من موافقة الولايات المتحدة وإعطاء الضوء الأخضر أن ننطلق نحو تنفيذ برنامج نووى ؟ وهل هناك ثمن ستدفعه مصر سواء كان ثمنا سياسيا أو غير سياسى ؟ هل هنا اتفاقية سيطلب من مصر التوقيع عليها ويكون فيها بعض القيود مثل التوقيع على البروتوكول الإضافى للمعاهدة المتعلق بالتفتيش على المنشآت النووية فى مصر؟ وهناك مجموعة من الأسئلة يمكن أن تثار حول هذا الموضوع . وطبعا هذا الشك له مايبرره فنحن منذ أيام لم يكن أى مسئول بوزارة الكهرباء أو غيرها يتحدث حول هذا الموضوع تحت دعاوى البعد عن المشاكل ، وفجأة يتحولون جميعهم للكلام فى القضية بكل قوة ، وهو مايطرح لدينا شكا فى حقيقة هذا التحول المفاجئ " .
مصادر اليورانيوم بمصر
- منطقة المسيكات (30َ 26ْ شمالا ، 25َ 33ْ شرقا) حيث يوجد اليورانيوم فى عريقات من الجاسبر بتركيزات بلغ متوسطها 1850 ج/طن (ج.م.م.) .
- منطقة العريضية (20َ 26ْ شمالا ، 28َ 33ْ شرقا) وتتشابه مع منطقة المسيكات ، ويقتصر وجود اليورانيوم على نطاقات التغيير والتهشيم فى الجرانيت .
- منطقة العطشان وهي من أقدم المناطق المكتشفة وتقع فى منطقة القصير، وتوجد بها معادن اليورانيوم (البتشبلند والعطشانيت) فى نطاق تلامس بين قاطع من الجرانيت الدقيق والشيست .
- أم دويلة (17َ 22ْ ، 26َ 33ْ) جنوب وادى العلاقى حيث يوجد قاطع من الجرانيت الدقيق وصل تركيز اليورانيوم به إلى 1800 ج/طن.
- منطقة أم شلمان (37َ 22ْ ، 49َ 33ْ) وُجدت تركيزات من اليورانيوم والرصاص والزيركونيوم على حافة محتوى جرانيتى .
- كما توجد خامات اليورانيوم فى رسوبيات الأوليجوسين بجبل قطراني بالصحراء الشرقية (خط عرض N 27o 5’ 0” ، خط طول E 33o 22’ 0”) على فالق طوله 4 كيلومتر وبعرض يتراوح بين 5،10 متر ، وتشير التقديرات إلى إحتمال إستخراج 10 إلى 20 ألف طن من خام اليورانيوم من هذا الموقع ، تتراوح نسبة تركيز اليورانيوم فيه بين 0.2 إلى 1.4% .
إضافة لما سبق يوجد الثوريوم واليورانيوم برواسب الرمال السوداء (كمصدر غير تقليدى) المترسبة على مقربة من مصبات فرعى رشيد ودمياط الحالية والقديمة فى شواطئ دلتا النيل.
كما أشارت بيانات هيئة المساحة الجيولوجية وهيئة المواد النووية (الدكتور أحمد حسنين حشاد) أن أعمال المسح الإشعاعى والإستطلاع الجيولوجى أثبتت وجود تمعدنات للمواد النووية بمنطقة أم بجمة التى تقع غرب وسط سيناء وفى منطقة سانت كاترين ، حيث تظهر صخور القاعدة المعقدة ومنها الجرانيت الذى يعتبر من أهم الصخور بالنسبة لوجود المعادن المشعة . وقد تبين من الدراسة أن الحجر الدولوميتى بصخور الكربونى بمنطقة أم بجمة يحتوى على تمعدنات المواد النووية . وتعتبر منطقة أم بجمة من المناطق ذات الأهمية الخاصة من حيث وجود تمعدنات اليورانيوم والثوريوم ، وخاصة موقعى علوجة وأبو ثور حيث أثبتت تحاليل بعض العينات وجود نسب عالية من هذين العنصرين .
وقُدرت مصادر خامات اليورانيوم التقليدية فى مصر بحوالى 15 ألف طن من اليورانيوم مصنفة ضمن فئة المصادر التخمينية (Speculative Resources – SR)[17] ، بينما قُدرت المصادر غير التقليدية من اليورانيوم والثوريوم التى يمكن استخلاصها من معادن المونازيت والزكونيوم فى ترسيبات الرمال السوداء بمصبات فرعى رشيد ودمياط الحالية والقديمة بحوالى 1000 طن بتصنيف المجموعة الثانية ضمن فئة الإحتياطيات الإضافية المقدرة (EAR-II)[18] ، بالإضافة إلى 1000 طن أخرى من فئة المصادر التخمينية (SR)[19] . هذا بالإضافة إلى مايمكن إضافته من المصادر غير التقليدية بتصنيف المجموعة الثانية من فئة المصادر الإضافية المقدرة (EAR-II) من كميات اليورانيوم التى يمكن استخلاصها من خامات الفوسفات المصرية أثناء عملية الإنتاج المباشر لحامض الفوسفوريك .
ويلخص الجدول رقم 13 بالصفحة رقم 27 بالكتاب الأحمر إصدار عام 2008 (الطبعة الإلكترونية) مصادر مصر غير التقليدية من اليورانيوم التى تم تسجيلها بطبعات الكتاب الأحمر بين عامى 1965 و 1993 ، حيث أبلغت مصر الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه يمكن استخلاص مابين 35 ألف إلى 100 ألف طن يورانيوم من صخور الفوسفات كمصدر غير تقليدى لليورانيوم. ولم تبلغ مصر عن مصادرها الأخرى غير التقليدية من الرمال السوداء الحاملة لمعادن المونازيت والزركونيوم التى تمتد على شواطئ البحر المتوسط من رشيد حتى رفح.
كما يعرض الجدول رقم 15 بالصفحة رقم 28 مصادر الثوريوم بمصر بنفس نظام تصنيف مصادر اليورانيوم كما يلى :
المرحلة الثانية
وهى المرحلة التى تراجعت فيها الحكومة المصرية عن مشروعها النووى فى وقت معاصر لحادثة تشرنوبل ، لأسباب على رأسها كما ذكر الكتاب الأحمر نقص الكوادر المؤهلة لتشغيل المحطات النووية وعدم استيعاب نظمها المعقدة وكذلك لمشاكل التمويل وصعوبته . وكان من أثر ذلك أن تجمد المشروع النووى المصرى فتراجعت أنشطة هيئة المواد النووية فى أعمال البحث والإستكشاف والتقييم بشكل ملحوظ خلال تسعينيات القرن الماضى . وعلى سبيل المثال فإنه لم يحدث خلال هذه الفترة إضافة إكتشاف لليورانيوم سوى فى موقع واحد ، وبقيت أعمال تقييم مصادر اليورانيوم المكتشفة سابقا على حالها كما كانت عليه فى المراحل المبكرة . ومع ذلك فقد تم عمل تجارب نضدية bench scale tests على بعض عينات المصادر غير التقليدية لليورانيوم مثل رواسب الفوسفات والرمال السوداء بغرض التقييم ، وتم تسجيل نتائج تلك التجارب فى طبعات الكتاب الأحمر السابقة.
المرحلة الثالثة
شهدت تلك المرحلة من عام 2001 تخفيضا ضخما فى ميزانيات الهيئات الحكومية ، وكان من بين تلك الهيئات هيئة المواد النووية التى عانت من تخفيض لايستهان به فى ميزانيتها فى الفترة بين عام 2001 وعام 2005 . وقد أدى هذا التخفيض إلى ضرورة إعادة تنظيم أنشطة الهيئة بحيث تحقق هدفين : الهدف الأول هو التركيز على استمرار الدراسات البحثية والتقييمية بقدر الإمكان بحيث تقتصر فقط على بعض الإكتشافات القديمة الواعدة ، وحتى هذا النشاط كان يتطلب تعاونا فنيا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية للوصول إلى نتائج يمكن تنميتها والإستفادة منها ، ولم يحدث ذلك . والهدف الثانى كان يقتضى لأول مرة تسخير خبرة العاملين بالهيئة التى اكتسبوها من أنشطتهم السابقة فى البحث عن اليورانيوم فى أنشطة أخرى عن طريق التعاقد مثل البحث عن خامات معدنية أخرى أو عن المياه الجوفية ، بحيث تدر تلك الأنشطة الجديدة عائدا مناسبا يغطى مصروفات الهيئة على الهدف الأول ويساهم فى تغطية المصروفات الإدارية ورواتب العاملين . وفيما يلى بيانا بتطور مصروفات هيئة المواد النووية السنوية مقدرا بآلاف الدولارات الأمريكية مستخرجا من الجدول رقم 17 صفحة رقم 31 بالنسخة الإلكترونية للكتاب الأحمر إصدار عام 2008 (ذُكرت تحت عنوان المصروفات الحكومية على أبحاث اليورانيوم الجيولوجية وتنميتها) موضحا كما يلي:
أبحاث اليورانيوم الجديدة والجارية بمصر
تتوجه معظم إمكانبات وأنشطة هيئة المواد النووية حاليا – فى غياب برنامج حكومى وفى حدود الميزانية المخفضة المخصصة لها – إلى أنشطة أخرى غير متعلقة بالمواد النووية ، مثل البحث عن خامات معدنية أخرى وعن المياه الجوفية والبترول ، وهى أنشطة تتم بنظام التعاقد وتمثل أغلب أعمال الهيئة فى الوقت الحالى . وتركز الهيئة بالنسبة لنشاطها الأساسى والأعمال المتعلقة به فيما يلى :
- البحث عن المصادر التقليدية لليورانيوم بالصحراء الشرقية . وتركز جهودها فى هذا الشأن على الجرانيتات الأحدث younger granite فى التكوينات المماثلة لبعض مناطق التكوين الأفريقى Pan-African type ، وكذلك فى الرواسب المصاحبة لتكوين الوديان ، وذلك بالتعاون الفنى مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من خلال مشروع التعاون TC project EGY/03/014 .
- تقييم مصادر اليورانيوم فى بعض تواجداته بالصحراء الشرقية . وفى هذا الشأن تجهز هيئة المواد النووية حاليا برنامجا لأعمال الحفر الإستكشافى اللبى core drilling فى منطقة كب عميرى Kab Amiri ومنطقة السيلا EL Sella بمثلث حلايب . وقد تم تدبير نظام العمل بهذا البرنامج بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من خلال مشروع التعاون الفنى TC project EGY/03/015 . وقد اتفقت هيئة المواد النووية على تلقى مساعدات فنية إضافية من خلال المشروع السابق لتقييم اكتشافات مصادر اليورانيوم بمصر ذات التواجدات الواعدة . ومن شأن ذلك أن بساعد هيئة المواد النووية بطريقة مؤكدة على إنجاز أعمال التقييم بطريقة ناجحة وموثوق بها إذا ماتوفرت الميزانية المطلوبة لتلك الأعمال .
- بالنسبة لرواسب الرمال السوداء (وهى مصادر كامنة potential واعدة يمكن تنميتها واستغلالها كمصدر من مصادر اليورانيوم غير التقليدية) . فإن رواسب الرمال السوداء كمصدر لمعادن التيتانيوم والزيركونيوم والمونازيت ، تحدد دور هيئة المواد النووية فى الوقت الحالى فى تقييم مخاطر الإشعاع وتخفيف أضراره على البيئة عند استخلاص معادن التيتانيوم والزركونيوم والمونازيت من الرمال السوداء . ويجرى الآن الإعداد للدراسات المتعلقة بهذا الشأن من خلال برنامج التعاون الفنى مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالمشروع رقم TC project EGY/9/073 .
- وذكرت إصدارات الكتاب الأحمر السابقة أن هيئة المواد النووية قد قامت بأعمال تعدين وحفر استكشافى لبعض مناطق رواسب الرمال السوداء الممتدة على ساحل البحر الأبيض بشمال الدلتا حتى رفح بسيناء . وقدرت بـ 6 مليون طن من رواسب تلك الرمال بمحتوى 4.5% من المعادن الثقيلة ، ولم توضح الهيئة أن لديها خططا لإنتاج اليورانيوم من تلك الرواسب .
- كما نذكر أن هيئة المساحة الجيولوجية قد نشرت تقييما لتلك الرواسب عام 1994 (paper No 67) ، تأسس على أعمال حفر لبى core drilling وتعدين استكشافى وتخريط تفصيلى ، وأخذ عينات وصلت إلى أكثر من 30 طن ممثلة لمساحتين برشيد 6 كم2 بإسم رشيد 1 و 8.4 كم2 بإسم رشيد 2 ، وجرى معالجتها وتركيزها . وعلى ذلك أثبتت الجدوى الإقتصادية الأولية لمعادن الإلمنيت والجارنت والروتيل والمونازبت والزيركونيوم وأكاسيد الحديد التى يمكن استخلاصها وتسويقها . وأوصت بعمل مصنع تجريبى pilot plant بسعة إنتاجية تصميمية 100 م3 /ساعة تمهيدا لعمل دراسات الجدوى النهائية وتحديد المخطط التفصيلى للإنتاج على المستوى الصناعى . كما أصدرت الهيئة المصرية للمساحة الجيولوجية بالتعاون مع الإستشارى Shell Winning N.V. مجلدا تعريفيا بخامات التيتانيوم بمصر فى يوليو 1988 ذكرت فيه أن النسبة المئوية بالوزن لمحتوى أكسيد اليورانيوم U3O8 فى المونازيت والزركونيوم بالرمال السوداء التى يمكن استخلاصها هى 0.48% و 0.04% على الترتيب ، وأن النسبة المئوية بالوزن لمحتوى الثوريوم بالمونازيت التى يمكن استخلاصها هى 6.04% .
- ويبدو أنه نتيجة للإسترخاء والهروب من وجع الدماغ وعدم الإكتراث باحتياجات أولادنا وأحفادنا أو بمشاكل المستقبل القريب ، بدأنا نبيع الرمال السوداء كما نبيع كل شيئ فى مصر . فقد أعلن المهندس أحمد زكى عابدين محافظ كفر الشيخ ، أن شركة أمريكية تدعى "روش" قدمت عرضا لشراء الرمال السوداء التى تشتهر بها مدينة البرلس لإستخراج مواد نووية ، مؤكدا أن هيئة الطاقة الذرية بوزارة الكهرباء تدرس العرض حاليا ، لافتا إلى أنه سيتم استطلاع رأى أهالى مركز مطوبس الذى يقع المشروع فى دائرته لمعرفة موقفهم منه [20] .
- أما بالنسبة للوحدة شبه التجريبية semi pilot plant التى كانت مخصصة لإنتاج حامض الفوسفوريك النقى ثم استخلاص اليورانيوم من الحامض الناتج ، فقد تحولت تماما تلك الوحدة لإنتاج حامض الفوسفوريك للأغراض الزراعية والصناعية فقط ، وذلك نظرا للصعوبات التى تم اكتشافها من خلال تجارب تشغيلها منذ عام 1997 ، وشملت هذه الصعوبات انخفاض محتوى اليورانيوم فى حامض الفوسفوريك عكس ماكان متوقعا ، والإخفاق الفنى الخطير الذى حدث فى دورة استخلاص اليورانيوم بتلك الوحدة التجريبية .
وذكرت إصدارات الكتاب الأحمر السابقة من عام 1999 إلى عام 2003 أن هيئة المواد النووية طورت وحدة تجريبية (السابق ذكرها) لإستخلاص اليورانيوم من حمض الفوسفوريك بسعة إنتاجية تصميمية 15 م3 /يوم لإنتاج حامض الفوسفوريك النقى الذى يحتوى على حوالى 65 جزء فى المليون يورانيوم . وكان من المتوقع أن تبدأ الوحدة التشغيل عام 1999 لإستخلاص اليورانيوم من حامض الفوسفوريك ، ولكن ظهرت بعض المشاكل غير المتوقعة التى تسببت فى تأخير إنتاج العجينة الصفراء U3O8 . وعلى الرغم من ذلك تم الإستمرار فى الإستفادة من تلك الوحدة لإنتاج حامض الفوسفوريك لبعض الإستخدامات الزراعية والصناعية الأخرى .
ونذكر فى هذا المجال أنه قد تم إسناد مشروع بتمويل من وزارة البحث العلمى (أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا) إلى هيئة المواد النووية بعنوان "مشروع استخلاص اليورانيوم من خامات الفوسفات المصرية" وكان الباحث الرئيسى الدكتور حسين عبد المحسن حسين، وانتهى المشروع بتقديم تقرير بالنتائج عام 1991. كما كان الدكتور حسين عبد المحسن حسين الباحث الرئيسى أيضا لمشروع آخر تم إسناده إلى هيئة المواد النووية بالإشتراك مع شركة أبو زعبل للأسمدة الكيميائية وبتمويل من وزارة البحث العلمى ، وكان موضوع المشروع هو "استخلاص اليورانيوم خلال الإنتاج المباشر لحامض الفوسفوربك بطريقة الهيمى هيدرات من خامات الفوسفات المصرية " وانتهى المشروع بتقديم تقرير بالنتائج والتوصيات عام 2000 . ولم يتسنى لنا الإطلاع تفصيلا على التقريرين إلا أنهما انتهيا إلى تأكيد إمكان استخراج اليورانيوم كمنتج ثانوى فى مصنع شركة أبو زعبل للأسمدة والمواد الكيميائية بعد التوصية بمضاعفة الإنتاج السنوى لحامض الفوسفوريك ليصل إلى 10 آلاف طن خامس أكسيد الفوسفور P2O5 ، ومايتبع ذلك من إنشاء وحدات إنتاجية لمشتقات فوسفاتية جديدة تعتمد على الحامض النقى ، علاوة على خط إنتاج اليورانيوم بطاقة إنتاجية تصل إلى 35 كجم يورانيوم سنويا . وهناك أيضا مشروع ثالث تم إسناده إلى هيئة المساحة الجيولوجية بتمويل من وزارة البحث العلمى ، تحت عنوان "مشروع توزيع رواسب البوتاسيوم والأملاح الأخرى واليورانيوم بمنطقة خليج السويس والصحراء الغربية" ، وكان الباحث الرئيسى لهذا المشروع الدكتور أحمد عاطف دردير ، وانتهى هذا المشروع بتقديم تقرير عام 1990 .
ويجب فى هذا الشأن التوصية بعمل دراسات جديدة تفصيلية تجريبية ، كما يجب إعادة تقييم الإحتياطيات التقليدية وغير التقليدية لليورانيوم التى سبق ذكرها ، وكذلك البدأ فى دراسة إمكان استخلاص اليورانيوم من الطفلة الزيتية فى حال إثبات جدوى استخلاص زيت البترول منها كمنتج أولى رئيسى .
وأخيرا يشير الكتاب الأحمر إصدار 2008 إلى أن مصر لم تبلغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن أى بيانات لمصادر معروفة لليورانيوم طبقا لمسميات فئات المصادر بنظام التصنيف القياسى لمصادر اليورانيوم التقليدية المعتمد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية IAEA ووكالة الطاقة النووية NEA التابعة لمنظمة التعاون الإقتصادى والتنمية OECD . وختم الكتاب الأحمر حديثه عن مصر بقوله أنه لايوجد بها مراكز لإنتاج اليورانيوم ، أو مناجم لإستغلاله ، أو مصانع لتجهيزه وتركيزه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
اضافي من صحيفة الشعب
الحلم النووى أو دخول مصر مجال الطاقة الذرية، مشروع قومى طال انتظاره لخمسة عقود، وبدأته مصر في خمسينيات القرن الماضى، وتباطأ في عصر السادات، وجُمد بالكلية وُوئد الحلم تماما في عهد المخلوع حسنى مبارك بأوامر أمريكا وإسرائيل في الباطن، وخدع المخلوع الشعب بذكر أسباب واهية لتوقف المشروع العملاق، مستغلا حادث تشرنوبل لتخويف عامة الشعب من مخاطر امتلاك منشآت نووية، مدعيا أن هذه الحوادث يمكن أن تقع كل يوم.
والآن وبعد مرور عامين على ثورة يناير المجيدة، وفى النظام الحالى، يعود الأمل إلى الشعب المصرى من جديد لتحقيق الحلم الذى لا بد من تحقيقه لأسباب عدة؛ من أهمها تحقيق الاكتفاء الذاتى من الطاقة الكهربائية، ودخول عصر النهضة العلمية في مختلف المجالات الهندسية والطبية والزراعية والتعدينية والصناعية. ورغم أن بداية الحلم النووى المصرى كانت مع الكيان الصهيونى، اكتفينا بالمفاعلات التجريبية، فيما تمتلك تل أبيب مئات القنابل الذرية. ورغم ذلك ساهم الدكتور محمد البرادعى أثناء رئاسته الهيئة الدولية للطاقة الذرية في التشهير بمصر والترويج لفكرة وجود يورانيوم مخصب، ملمحا إلى سعى مصر لتصنيع قنبلة نووية بالخلاف للحقيقة، وتغاضى عن امتلاك إسرائيل مئات القنابل الذرية، وهو ما رد عليه يسرى أبو شادى كبير مفتشى الوكالة الدولية السابق بوصفه بخيانة مصر والولاء المطلق إلى الولايات المتحدة ومن يدور في فلكها.
وفى هذه الحلقة من مشروع مصر القومى، نتناول الحلم النووى منذ أن بدأ التفكير فيه والحديث عنه في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في خمسينيات القرن الماضى، وبالتحديد عام 1953؛ عندما وقّعت مصر على معاهدة الذرة من أجل السلام، وبعده بعامين (عام 1955) شُكلت لجنة الطاقة الذرية برئاسة الرئيس جمال عبد الناصر، وتوالت بعدها الخطوات التى اتخذها النظام الحاكم وقتها للدخول في مجال الطاقة الذرية؛ إذ وقعت مصر 1956 عقد الاتفاق الثنائى مع الاتحاد السوفييتى بشأن التعاون في شئون الطاقة الذرية وتطبيقاتها في النواحى السلمية، كما وقعت عام 1956 عقد المفاعل النووى البحثى الأول بقدرة 2 ميجاوات مع بولندا، ومن الباطن من الاتحاد السوفييتى، وتقرر في العام التالى إنشاء مؤسسة الطاقة الذرية،كما أصبحت مصر في العام ذاته عضوا مؤسسا في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحصلت أيضا على معمل للنظائر المشعة من الدنمارك في العام نفسه، وفى عام 1961، بدأ تشغيل المفاعل النووى البحثى الأول ووُقّع اتفاق تعاون نووى مع المعهد النرويجى للطاقة الذرية.
ومع دخول عام 1964، طرحت مصر مناقصة لتوريد محطة نووية لتوليد الكهرباء قدرتها 150 ميجاوات وتحلية المياه بمعدل 20 ألف متر مكعب في اليوم. وبلغت التكلفة المقدرة 30 مليون دولار، إلا أن حرب يونيو 1967 أوقفت هذه الجهود، فتوقف المشروع بالكلية تحت ضغط قوى الاستكبار العالمى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
أول مناقصة
وبعد حرب العاشر من رمضان، طرحت مصر عام 1974مناقصة لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء قدرتها 600 ميجاوات، ووُقع عقد لتخصيب اليورانيوم مع الولايات المتحدة، في خطوة غريبة من نظام السادات الذى اختار أمريكا رغم معاداتها حصول مصر على التكنولوجيا النووية، وتبع ذلك توقيع اتفاقية تعاون نووى مع واشنطن.
وشهد عام 1976 إصدار خطاب نوايا لشركة وستنجهاوس. وفى عام 1979 طلب السادات دراسات مصرية واستعان بدراسات وخبرات خارجية من أجل إتمام بناء محطات الطاقة النووية لتوفير ثلثى احتياجات مصر من الكهرباء تقريبا في غضون 20 عاما، أى بحلول نهاية القرن الماضى. وكان ذلك يتطلب وضوح رؤية سياسية، وإتمام اتفاقيات بين مصر وعدد من الدول لإتمام المشروع على أنجح وجه.
وبالفعل، تم توقيع 4 اتفاقيات مع فرنسا وأمريكا وكندا وألمانيا وتسمح الاتفاقيات بالحصول على محطتين للمفاعلات بصورة مبدئية، على أن تصل إلى 8 محطات في عام 2000.
وكأى بلد محترم، بحث السادات عن أفضل الطرق لتنفيذ المشروع، ووُضعت ثلاثة بنود هى: التكلفة والوقت والجودة، بجانب وضع المساهمة الوطنية في الاعتبار؛ حتى لا يتم الاعتماد على خبرات أجنبية في إدارة المشروع.
إلا أن تلك الجهود سرعان ما توقفت بسبب عراقيل وضعتها الإدارة الأمريكية بطلبها إضافة شروط جديدة تشمل التفتيش الأمريكى على المنشآت النووية المصرية شرطا لتنفيذ المشروع. وقد اعتبرت الحكومة المصرية هذا الأمر ماسا بالسيادة ورفضته؛ ما أوقف المشروع، وكان خطأ نظام السادات في هذه المرحلة عدم اختيار بديل حقيقى لأمريكا من دول الكتلة الشرقية أو الغربية التى لا تتفق تماما مع توجهات واشنطن رغم توقيع اتفاقيات مع الدول الأربع السابق ذكرها. وتأخرت هذه الخطوة خمسة أعوام؛ إذ وقعت في العام التالى (1982) اتفاقية للتعاون النووى مع كندا، وأخرى لنقل التقنية النووية مع أستراليا. وبالطبع أضاع ذلك خمس سنوات كانت كفيلة ببدء المشروع.
وقررت الحكومة تخصيص جزء من عائدات البترول لتوفير دعم لإنشاء أول محطة نووية (محطة الضبعة الساحل الشمالى). وكان قد سبق ذلك انضمام مصر عام 1981 إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وتوقيعها عدة اتفاقيات للتعاون النووى مع كل من فرنسا، والولايات المتحدة، وألمانيا الغربية، وإنجلترا، والسويد.
وأعلن وقتها عن التخطيط لبدء العمل في أول محطة للطاقة النووية في أبريل عام 1982، إلا أن اغتيال السادات في 6 أكتوبر 1981 -أى قبل ستة أشهر من بدء العمل في المحطة- أوقف المشروع بالكلية.
المواصفات
وبعد تولى مبارك الحكم، توقف الحديث عن المشروع لعامين، حتى طرحت مصر عام 1983 مواصفات مناقصة لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء قدرتها 900 ميجاوات، إلا أنها توقفت عام 1986. وكان التفسير الذى خدع به الشعب المصرى هو المراجعة للتأكد من أمان المفاعلات بعد حادث محطة تشرنوبل الذى وقع في أوكرانيا «إحدى دول الاتحاد السوفييتى السابق»، ومكمن خداع نظام مبارك، أن المحطة التى كانت ستنشأ في مصر من نوع يختلف تماما عن النوع المستخدم تشرنوبل، فلا مجال لمخاوف تكرار حادثة انفجار نووى؛ ما يوحى بأن التبرير الرسمى لإيقاف البرنامج كان خديعة لإخفاء وجود تعليمات من أمريكا وإسرائيل بوقف أى خطوة تجاه امتلاك مصر التكنولوجيا النووية؛ فقد كشف الدكتور على الصعيدى رئيس هيئة المحطات النووية المصرية الأسبق ووزير الكهرباء السابق، أن بنك التصدير والاستيراد الأمريكى أوصى بعدم تمويل المحطة النووية المصرية، كما امتنع صندوق النقد والبنك الدولى عن مساندة المشروع في خطوة شبيهة بضغوط أمريكية على البنك الدولى لوقف تمويل السد العالى.
وفى عام 1992 وُقع عقد إنشاء مفاعل مصر البحثى الثانى مع الأرجنتين، ثم توالت في السنوات 95 و96 و1998 بعض المشروعات المتعلقة باليورانيوم ومعادن الرمال السوداء، وصولا إلى افتتاح مصنع وقود المفاعل البحثى الثانى، وهكذا أضاع نظام مبارك أحد عشر عاما من حكمه دون اتخاذ خطوة في هذا المجال الحيوى، ولم تَجْنِ مصر سوى مفاعل بحثى ثان بعد الذى حصلنا عليه في الستينيات من الاتحاد السوفييتى.
وتحت ضغوط هائلة ومطالب متتابعة من العلماء والباحثين الوطنيين بضرورة اقتحام المجال النووى والإسراع بإنشاء محطات للطاقة الذرية لإنتاج الكهرباء لتغطية الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية وعدم وجود بدائل تكفى لسد العجز المتزايد للطاقة اللازمة لتشغيل المصانع والشركات والإنارة المنزلية وكذلك الاحتياج الشديد للتطبيقات النووية والنظائر المشعة في مختلف المجالات العلمية البحثية والتطبيقية، استمرت هذه الضغوط والمطالب التى أيدها عموم الشعب المصرى ستة عشر عاما. وبعد هذه الفترة الطويلة أعلن نظام مبارك عام 2002 الاتجاه إلى إنشاء محطة للطاقة النووية السلمية خلال 8 أعوام بالتعاون مع كوريا الجنوبية والصين، وهو ما رحب به الخبراء ووصفوه بالخطوة المهمة والنقلة النوعية في مجال دخول مجال الطاقة النووية، لكن هذا الإعلان لم تتبعه خطوة فعلية على الأرض لتسعة أعوام أخرى وسط تسريبات بوجود مطامع لجمال مبارك نجل المخلوع في بيع أراضى الضبعة للمستثمرين والتربح من العملات الرهيبة التى سيحصل عليها من بيع الأرض التى قدرت قيمتها وقتها بستين مليار جنيه.
وفى الوقت ذاته، رجح خبراء تأخير البدء في المشروع النووى حتى توريث الحكم لجمال حتى يظهر في صورة البطل القومى الذى يحقق لمصر حلما انتظرته عقودا؛ ما يكسبه شعبية وتعاطفا من عموم الشعب. واستمرت الأوضاع مجمدة؛ لا يزيد الأمر عن تصريحات متناقضة تخرج بين الحين والآخر من مسئول لينفيها مسئول آخر، دون تحرك أو خطوة حقيقية على الأرض، حتى خلعت ثورة يناير المباركة مبارك ونظامه وأجلتهم عن حكم مصر.
قطع العشرات من أهالى مدينة الضبعة الطريق الدولى الإسكندرية-مطروح-ليبيا، وهددوا بتفجير خط مياه الشرب المغذى لمحافظة مطروح، ومنعوا رئيس مجلس إدارة شركة مياه الشرب والصرف الصحى بمطروح من المرور أثناء عودته إلى مرسى مطروح من جولة تفقدية بمدينة الحمام، وأشعلوا النيران في إطارات السيارات على الطريق ومنعوا مرور السيارات اعتراضا على إقامة محطة نووية بالضبعة.
جناية المخلوع على الحلم النووى جناية مبارك على المشروع النووى لم تتوقف بخلعه وإجلائه عن الحكم، بل امتدت إلى ما بعد ذلك؛ إذ أدى عدم تحمسه للمشروع أو توعية الشعب بأهميته وخلق شعور وطنى عام بحتمية دخول المجال النووى للأسباب العملية والتطبيقية السابقة ولتحقيق الردع للعدو الصهيونى الذى يمتلك مئات القنابل الذرية؛ إلى رفض أصحاب أرض الضبعة والمنطقة المحيطة بها إقامة المفاعلات النووية في الموقع. وساعد في تضليل الناس اتجاه نظام مبارك إلى المشاريع الاستهلاكية والرفاهية، مثل الشواطئ والمنتجعات والمشروعات السياحية، وتصوير أن هذه المشروعات كفيلة بالنهوض بمصر؛ وذلك بالطبع بخلاف الحقيقة، وإنشاء المصايف والمنتجعات بطول الساحل الشمالى بدءا بحدود الإسكندرية الغربية، مرورا بالعلمين ومطروح والسلوم؛ ما أدى إلى تنامى شعور برفض أهالى المنطقة إقامة المشروع في الضبعة. وعقب الثورة بأشهر اعتصم العشرات من أهالى مدينة الضبعة أمام أرض محطة الطاقة النووية، لمدة شهر، وصعدوا احتجاجاتهم بطرد موظفى مصالح حكومية ومنعهم من أداء وظائفهم وإغلاقها من أجل لفت الأنظار إليهم بعد تجاهل المسئولين اعتصامهم لأكثر من شهر داخل خيام أمام أرض المحطة، للمطالبة بإلغاء المشروع أو نقله من الضبعة؛ لتخوفهم من أضراره ولإعادة أرض المشروع إلى أصحابها التى نزعت منهم منذ 30 عاما.
كما طرد المعتصمون موظفى مجلس مدينة الضبعة ومكتب البريد وأغلقوهما، كما ترك عدد من موظفى المصالح الأخرى عملهم وأغلقوا مقار العمل منعا لحدوث خلافات أو صدامات مع معتصمى المحطة النووية، مثل إدارة تأمينات الضبعة وغيرها.
وبعد انتخاب الرئيس مرسى، زار بعد تسلمه مقاليد الحكم بأشهر محافظة مرسى مطروح وتصريحه في مؤتمر جماهيرى بإقامة المحطة النووية في الضبعة، ووعده بتعويض أهالى المنطقة عن الأرض التى لم يحصلوا على مقابل عادل عن هذه الأرض، لكن ذلك لم يقنع الأهالى، فنظموا عدة تظاهرات تطالب برفض المشروع. وعلى إثر ذلك ومنذ هذا التاريخ لم يتحدث مسئول بخصوص مشروع الضبعة الذى ذهب مع الريح، وأصبحت أرض المشروع مزارع وحدائق من الصعب إزالتها أو التفكير في إقامة المشروع بالمنطقة، بناء على طلب الأهالى وإصرارهم على العودة إلى أراضيهم وزراعتها.
صلاحية الضبعة
ويلزم أن نعرض رأى العلماء والمتخصصين في صلاحية موضع الضبعة أو تغييره إذا لزم الأمر، وكذلك مخاطر بناء المفاعلات النووية في هذا المكان من ناحية وكيفية تجنب مخاطر حدوث انفجار نووى أو تسرب إشعاعى مثلما حدث في مفاعلى تشرنوبل وفوكوشيما؛ إذ يؤكد أكثر العلماء والمتخصصين صلاحية موقع الضبعة لإقامة المحطة؛ فأكد الدكتور على إسلام الرئيس الأسبق لهيئة المحطات النووية الضبعة أن موقع الضبعة مناسب تماما لإقامة المفاعل النووى الأول وتم اختياره بعد دراسات مستفيضة من المركز القومى للأمان النووى والرقابة على الإشعاع ( NCNSRC)، ويتوافر فيها كل الشروط المطلوبة لإقامة محطة نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية، وأجريت دراسات مؤخرا عليها من جديد، وأكدت صلاحيتها التامة لإقامة أول محطة نووية سلمية عليها. وقلل الدكتور إسلام من مخاوف وجود منتجعات سياحية وشواطئ للسباحة والاصطياف قائلا: «أى مكان آخر يتم ترشيحه لإقامة محطات نووية به، لا بد أن يوجد به مصدر كبير للمياه سواء في الضبعة أو في البحر الأحمر أو في السلوم، فالجدل حول استغلال الشواطئ مواقع لمحطات نووية سيلازمنا عند اختيار أى موقع آخر؛ لأنه سيكون به شواطئ ومصايف بالفعل، أو تزحف الشواطئ إليه نتيجة الزحف العمرانى، ومن ثم فإن ذلك الجدل عقيم ولا فائدة منه، ويجب على جميع الأطراف تغليب الصالح العام والتعجيل بدخولنا المجال النووى، ولا يجب أو يكون العالم كله يتجه إليه ونتخلف نحن».
وأضاف: «اختيار مكان لإقامة محطة يستغرق وقتا وجهدا وأموالا كثيرة؛ إذ يجب توافر عدة شروط؛ أهمها مصدر لمياه البحر للتبريد، والثانى أن تكون طبوغرافية أو تضاريس المكان مناسبة، وأن يكون النشاط الزلزالى ضعيفا أو منعدما بها، وأن تكون بعيدة عن الكثافة السكانية؛ أى لا تكون قريبة بدرجة كبيرة من المدن الكبرى؛ وذلك لتقليل عوامل الخطر إذا حدث تسرب إشعاعى. ويشترط أيضا ألا تكون بعيدة بدرجة كبيرة عن تلك المدن؛ حتى لا تكون تكاليف نقل الكهرباء منها كبيرة، ويجب أن تنشأ عدة محطات لا محطة واحدة؛ لعدة أسباب؛ منها أن يوزع الجهد على عدة أماكن، ولأن إقامة محطة واحدة تكلف كثيرا في عمليات إنشاء البنية الأساسية لمستلزمات المحطات النووية؛ فلو أنفقت تلك التكاليف على عدة محطات يكون نصيب كل محطة أقل بكثير من تحميلها لمحطة واحدة».
وأكد د. على أنه في ظل الاحتياطات المأخوذ بها حاليا، لا تمثل تلك المنتجعات أى عائق، وفى كثير من دول العالم توجد شواطئ ومنتجعات الاصطياف على سور المحطات النووية، فلا خوف من المحطة على الشواطئ أو حركة السياحة، ولا خوف من الشواطئ على المحطة؛ لأنه -كما قلت- أى مكان آخر سيرشح لإقامة محطات به، سيكون قريبا من الشواطئ وأماكن الاصطياف؛ لاحتياج المحطة إلى مصدر مياه للتبريد».
ويتفق معه الدكتور على يحيى الليثي الأستاذ بكلية العلوم، مؤكدا أن الضبعة من الأماكن المثالية لإنشاء المفاعل النووى؛ لأنها قريبة من البحر وبعيدة عن السكان. ويشاركهما الرأى الدكتور محمد منير مجاهد نائب رئيس هيئة الطاقة النووية السابق، الذى أكد أن كل المحطات النووية في العالم بجانبها شواطئ سياحية، ووصف ما فعله البدو من تدمير للهجوم على موقع الضبعة بالعمل الإجرامي.
وقال إن المناطق التى تصلح لإنشاء محطات نووية في مصر محدودة؛ لأنها تتطلب اشتراطات أمان معينة، مضيفا أن موقع الضبعة هو الموقع الوحيد المتاح والمؤهل لإنشاء محطة نووية. ويؤيدهم أيضا الدكتور إبراهيم العسيرى مستشار هيئة الطاقة النووية (كبير مفتشين بالوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقا) والمستشار النووى، الذى كشف عن أن نقل المشروع النووى من موقعه الحالى بالضبعة إلى أى موقع بديل سيكلف مصر خسائر باهظة تصل إلى نحو 50 مليار دولار.
وقال العسيرى إن موقع الضبعة يسع من 4 إلى 8 محطات نووية بقدرات من 900 إلى 1650 ميجاوات للمفاعل الواحد. ولإيجاد موقع بديل لإقامة هذا العدد من المفاعلات فإن التكلفة تتضمن مليارى دولار تكلفة البنية الأساسية، كما أن دراسة الموقع البديل تستغرق 4 سنوات. وبفرض تصاعد تكاليف بناء المحطة الواحدة مليار دولار في 4 سنوات فإن تكلفة الأسعار للمفاعلات المستهدفة في هذا البند تصل إلى من 8 إلى 16 مليار دولار.
ويضيف الدكتور يسرى أبو شادى كبير مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقا؛ أن موقع الضبعة ليس الموقع الوحيد الذى يصلح لإنشاء المحطة النووية؛ فهناك مواقع كثيرة بمصر تصلح لإنشاء المحطة، لكن هذا الموقع درس على مدار ثلاثين عاما، وتم اختياره لمواصفات عديدة، مؤكدا أن تربة موقع الضبعة ملائمة جدا لإنشاء المحطة.
رأى مخالف
وعلى النقيض من هذه الآراء، الدكتور خالد عبد القادر عودة الخبير الجيولوجى الشهير وعضو مجلس الشورى، والأستاذ الدكتور السيد حسن القلا أستاذ الطبيعة الإشعاعية بجامعة الأزهر وخبير الوقاية من الإشعاعات ونظم الجودة والاختبارات غير الإتلافية ومستشار الوقاية من الإشعاعات للعديد من كبرى المؤسسات والشركات الدولية والمحلية والجامعات المصرية. وأكد الدكتور خالد عودة أن موقع الضبعة أو أى موقع آخر في الساحل الشمالى لا يصلح بتاتا لإنشاء المحطة النووية، وشكك في كل التقارير التى كتبت بشأن التربة في موقع الضبعة، مؤكدا أن كلها أجرتها شركات أجنبية، وقال إن تربة الضبعة تتكون من الحجر الجيرى الطفيلى على السطح، ثم الحجر الجيرى المرمريكى الذى يتميز بالشقوق والفراغات التى تحفظ فيها المياه الجوفية، وهى تربة لا تصلح لبناء مشروع المحطة النووية عليها؛ لأنها تعتبر تربة هشة لا تتحمل إقامة منشآت نووية حسب اشتراطات الوكالة الدولة للطاقة الذرية التى ترفض إقامة منشآت نووية على أرض جيرية أو طفلية. وأضاف أن زاوية رياح الضبعة تتجه إلى القاهرة والجيزة والفيوم، إضافة إلى أن التيارات البحرية تشكل دوامات في هذه المنطقة؛ ما يعرض تلك المدن المكتظة بالسكان للغبار الذرى حال مهاجمة المحطة النووية في أى حرب مستقبلا مع العدو الصهيونى أو حلفائه.
وقال عودة إن مستقبل مصر في الصحراء الغربية، سواء في الزراعة أو إنشاء مدن سكنية كبيرة تستوعب الزيادات المتتالية في عدد السكان، ولو دُفنت النفايات النووية في الضبعة على بعد 1000 متر، كما تقرر الوكالة الدولية، فإن المكان الذى ستدفن فيه هو مكان خزان المياه الجوفية الرئيسى الذى يكفى لزراعة ملايين الأفدنة في محافظات مرسى مطروح والوادى الجديد وقنا وأسوان؛ ما سيلوث هذه المياه ويؤدى إلى عدم الاستفادة منها وضياع فرصة استصلاح ملايين الأفدنة؛ لسد الفجوة الغذائية التى تعانى منها مصر، مضيفا أن الطرق الأخرى للتخلص من النفايات النووية مخاطرها كبيرة، وتهدد بكارثة رهيبة إذا هاجمتها أى دولة معادية.
وأضاف الخبير الجيولوجى الكبير عدم صلاحية موقع الضبعة من حيث المعايير والمواصفات الفنية الدقيقة التى اتفق عليها العالم لإنشاء المفاعلات؛ لأن موقع الضبعة الحالى المقترح تعوزه إضافة منطقة شاسعة خالية من التجمعات السكانية تمتد إلى مسافة 16,4 كيلومترا غرب الطريق السريع الموصل إلى مطروح، لمتطلبات خطة الطوارئ، وهذه المساحة POPULATION CENTER DISTANCE لا يجب أن يزيد عدد الأفراد بها عن 25 ألفا بحيث إنه عند حدوث أى حادث نووى ينتج منه تسرب إشعاعى يتم إخلاؤهم جميعا ومنهم المرضى بالمستشفيات والأطفال وغير القادرين، وفقا لخطة طوارئ معتمدة من الجهة المختصة ومعدة سلفا. أما مدينة الضبعة المواجهة تماما للموقع المقترح لإقامة المحطة على الجانب الآخر من الطريق السريع المتجه من الإسكندرية إلى مطروح؛ فتبعد مسافة أقل من كيلومترين، وهى مدينة مكتظة الآن بالسكان والمبانى، ويصعب إخلاؤها؛ إذ يبلغ عدد سكان الضبعة الحالى نحو 80 ألف نسمة.
وأشار إلى أن الصحراء الشرقية ومنطقة حلايب وشلاتين جنوب البحر الأحمر، هى الأصلح لإقامة المشروع، مؤكدا إمكانية اختصار الوقت اللازم لإجراء الدراسات والتحاليل اللازمة للموقع الجديد. وطالب د. عودة بعرض أرض الضبعة للبيع للمستثمرين، علما بأن ثمن الأرض يصل حاليا إلى نحو 100 مليار جنيه مصرى (نحو 55 مليون متر مربع بمتوسط 300 دولار المتر). وهذا الثمن سوف يساهم في شراء أربعة مفاعلات من الماء الخفيف المضغوط دون أن تكلف الحكومة أعباء مالية أو ديونا مستقبلية، كما يعوض الوزارة عن الأموال التى أُنفقت على الموقع والدراسات السابقة؛ هذا مع العلم بأن ممثلى سكان الضبعة قد أعلنوا أمام لجنة الشئون الخارجية والأمن القومى بمجلس الشورى، موافقتهم الكاملة على التنازل عن أى حقوق لهم في هذه الأرض نظير نقل المفاعل من الموقع واستغلال الأرض في مشروعات أخرى يستفيد منها السكان، وقد أرسلوا إلى رئيس الجمهورية ما يفيد بهذا الشأن.
وما سبق كان خلافا بين العلماء حول صلاحية المكان. ويوضح هذا الخلاف وجود أمكان أخرى صالحة ويتفق عليها المتخصصون.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأمان النووي
ويلزم أيضا أن نعرض رأى العلماء في مخاطر المفاعلات النووية وحتمية اقتحام مصر المجال النووى؛ إذ يؤكد الدكتور على إسلام في قضية الأمان النووى أن المفاعلات الحديثة آمنة تماما، وتنتمى إلى الجيل الثالث. أما مفاعلا تشرنوبل وفوكوشيما فكانا ينتميان إلى الجيلين الأولى والثانى. أما الآن فتوجد أنظمة غير خطيرة.
وأضاف: «وُضعت اشتراطات واحتياطات أمان إضافية، مثل وضع حيز إضافى كاحتياطى لوقوع انفجار أو تسريب نووى، وتم أيضا تقليل أو إلغاء عنصر الخطأ البشرى؛ إذ كان من أبرز الأخطاء التى يمكن أن تحدث أن تنقطع الكهرباء عن المحطة أو المفاعل، وتم التغلب على ذلك العامل بوضع عدة مولدات كهربائية؛ يعمل الأول على تشغيل المحطة أو المفاعل؛ فإذا تعطل المولد الأول عمل الثانى، وإذا كان به عطل عمل الثالث.. وهكذا»، مضيفا أن أعلى درجات الأمان تتحقق بإيجاد مولد يعمل ببطارية موصل بمفتاح أوتوماتيكى يفصل التيار الكهربائى ويوقف المفاعل عند توقف التبريد أو انقطاع المياه أو أى خطر يهدد بحدوث انفجار نووى، ويضمن إبقاء الأوضاع تحت السيطرة وعدم انفجار جسد المفاعل.
مخاوف غير حقيقية
ويضيف د. يسري أبو شادى: «ما حدث في اليابان وقع في محطة واحدة من ستين محطة موجودة في اليابان وحدها, كما أن ما حدث لمحطة فوكوشيما هو لجيل قديم من المفاعلات. ونحن نتحدث عن تكنولوجيا الجيل الثالث, كما أننا في مشروع الضبعة نتحدث عن عنصر الأمان الذاتى بحيث تتوقف المحطة ذاتيا إذا حدث خلل في الوقود أو في أى مرحلة من مراحل المفاعل, كما أن المحطة تعتمد على تحويل المياه إلى بخار يشغل توربينات. وبالنظر إلى الزلزال الذى حدث في اليابان ففوكوشيما رغم أنها مجهزة لتحمل الزلازل لدرجة 9, فإن التسونامى حينما حدث كسر كل الأشياء وقطع الكهرباء وأوقف نظام التبريد، وليس لخطأ في المفاعل نفسه. والضبعة مهما حصل، فلن تصل إلى درجة الزلزال الذى حدث في اليابان, ومع ذلك فإن المحطة مصممة لتحمل درجة 9 فأكثر إضافة إلى وجود كود يوقف المحطة تلقائيا إذا حدث زلزال وشبكات رصد عالية المستوى.
وأضاف: «لا يصح أن نخضع لعمليات التخويف والترهيب التى تمارسها الدول الأوروبية حاليا؛ لعدم إقدام الدول العربية على اكتساب التكنولوجيا النووية. لقد تأخرنا كثيرا، وآن الأوان أن نراجع أنفسنا من حيث مواصفات السلامة والأمان قبل الندم مستقبلا؛ حينما نفاجأ بأزمة حقيقية في المياه والكهرباء». واختتم الدكتور يسرى كلامه مؤكدا أنه لا بديل للطاقة النووية لتغطية الاحتياج المتزايد للكهرباء، مؤكدا أن أى مجال آخر للطاقة الجديدة والمتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية والأمواج، لن تسد عُشر الاحتياج المتزايد للطاقة.
ومن ناحيته يؤكد الدكتور كريم الأدهم أستاذ الأمان النووى أن «ما حدث في مفاعل فوكوشيما يجب ألا يدفعنا إلى التراجع مرة أخرى, بل نتقدم وبخطى ثابتة, خاصة أن موقع الضبعة يعد من أكثر المواقع في العالم التى خضعت لاختبارات ودراسات وتقييم لأكثر من عشرين سنة, و هى من نوع مختلف عن مفاعل فوكوشيما وعن تشرنوبل؛ ففوكوشيما هى من نوع الماء الخفيف المغلى وبه دائرة واحدة للمبرد.
أما مفاعل الضبعة فسيكون من نوع الماء المضغوط وبه دائرتان, وبه أيضا النمط الجديد من نظم الأمان النووى الحديث, وهو نظام متعدد الأنساق، ويعتمد على نظرية الدفاع في العمق».
ويضيف: «الظروف المناخية لموقع الضبعة أخذ بها في التصميم مع معامل الأمان, وعوامل السلامة المأخوذة في المشروع كافية وزيادة, كما أن أى حدث يجرى في العالم لا بد من إخضاعه للدراسات واستخلاص الدروس المستفادة منه؛ فما حدث في تشرنوبل مثلا، رغم أنه غير قابل للتكرار حتى في روسيا نفسها؛ لم يكن عيبا في المفاعل نفسه، وهو مفاعل قديم جدا وغير شائع, كما أن القائمين على تشغيله كانوا يريدون إحداث تجربة حادث نووى، ومن أجل إنجاحها أوقفوا أجهزة الأمان. أيضا فإن ما حدث في مفاعل فوكوشيما لم يؤثر خارج منطقة الطوارئ التى أقرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية».
الاستخدامات النووية السلمية
أما عن حتمية دخول مصر المجال النووى والفوائد العلمية غير المتناهية لاستخدامات الطاقة النووية، فيقول الدكتور على إسلام: «هناك استخدامات كثيرة جدا للطاقة النووية السلمية أو للنظائر المشعة في جميع المجالات؛ ما يحدث نهضة علمية أو طفرة تكنولوجية عند اقتحامها؛ إذ تنقسم الاستخدامات النووية السلمية إلى قسمين رئيسين؛ أولهما الطاقة النووية السلمية، أهمها كما قلنا هو الذى يستحوذ على الاهتمام الأكبر عند الحديث عن الطاقة النووية السلمية، وهو توليد الكهرباء؛ وذلك بلا شك يغطى الطلب المتزايد على الكهرباء في ظل زيادة السكان وإنشاء المصانع التى تستخدم الطاقة الكهربائية، كما يوجد استخدام الطاقة النووية قوة دفع؛ إذ تستخدم لأغراض الدفع للمركبات التى لا يمكن تزويدها المستمر بالوقود أو تحتاج إلى قوة دفع جبارة، فيمكن تزويدها بمفاعلات نووية صغيرة الحجم، ويتم ذلك في الغواصات وحاملات الطائرات التى تظل في المياه عدة شهور أو سنوات، وأيضا كاسحات الجليد والسفن التجارية العملاقة ومركبات الفضاء والأقمار الصناعية. وهناك استفادة مهمة جدا هى تحلية مياه البحار المالحة، وهناك دراسات في هذا وبحوث متقدمة في هذا الفرع من التكنولوجيا النووية في دول الخليج العربى، وأهميتها تزيد في ظل مخاوف الفقر المائى ونضوب المياه؛ إذ يمكن تحلية كميات هائلة من مياه البحار والمحيطات والتغلب على تلك المشكلة التى تؤرق كل مهتم بمستقبل بلده».
وثانيا إنتاج النظائر المشعة التى تدخل تطبيقاتها في مجالات عدة؛ منها الزراعة مثل التخلص من الحشرات الضارة؛ وذلك بدلا من تلويث البيئة بالمبيدات وتوفير بلايين الجنيهات، وزيادة سرعة نمو النباتات؛ إذ أظهرت الدراسات أن تعريض بذور النباتات لجرعات محددة من الإشعاع يؤدى إلى سرعة نمو النبات، وسرعة التزهير والنضج؛ ليس هذا فقط، بل تم إنتاج نباتات تتميز بكثرة الإنتاج، وزيادة حجم الثمار، وترشيد استخدام الأسمدة؛ وذلك باستخدام الفسفور 32 المشع الذى استطاع العلماء من خلاله تقدير كمية السماد التى يحتاجها النبات وكمية السماد المفقودة، ودراسة الطرق الغذائية للنبات؛ فبتوافر النظائر المشعة أمكن ذلك.
وفى حفظ الأغذية توصلت الدراسات إلى إمكان معالجة المنتجات الغذائية باستخدام أشعة جاما الصادرة عن الكوبالت 60. وتعتبر هذه التقنية رخيصة وسهلة الاستخدام. وتمتاز هذه الطريقة بطول فترة التخزين. ولم ترصد الدراسات مخلفات إشعاعية في المواد الغذائية. وأضاف: «ومن أهم استخدامات الطاقة النووية السلمية في مجال زراعة، الكشف عن المياه الجوفية؛ إذ أمكن استخدام النظائر في الكشف عن أماكن المياه الجوفية وسرعة تدفق أنهارها وحركة الرسوبيات وتقدير أعمار المياه وعمق وسمك خزانات المياه الجوفية، ويتم ذلك باستخدام النظائر المشعة الطبيعية الموجودة داخل المياه، مثل الأكسجين 18، والهيدروجين والكربون 14 والتريتيوم، وأيضا في معالجة مياه الصرف الصحى والزراعى. وذلك يتم بعد فصل السوائل بالتطهير بالإشعاع؛ إذ يتم فصل الرواسب الصلبة من مياه الصرف الصحى، ثم تعرض لجرعات إشعاعية جاما صادرة عن الكوبالت 60 للقضاء على الطفيليات الميكروبية التى تلوث الصرف الصحى. وتصبح هذه الرواسب المعالجة أسمدة غنية بالمواد العضوية التى تفيد التربة.
وتابع د. على: «فى الصناعات البترولية، تستخدم النظائر المشعة في قياس سرعة تدفق البترول في خطوط الأنابيب؛ وذلك بحقن النظير في إحدى الأنابيب، ثم مرور النظير داخل الأنبوب، كما يمكن تعيين مستوى سطح نواتج تكرير البترول داخل الخزانات المغلقة وتمييز الفواصل بين المنتجات البترولية داخل الأنابيب وتحديد أماكن التلف في أنابيب البترول، والكشف عن عيوب عملية اللحام في خطوط الأنابيب وعيوب تصنيع المسبوكات، خاصة المستخدمة في صناعة الصواريخ وفى الطائرات والغواصات وسفن الفضاء، وأيضا إزالة الكبريت من الغاز الطبيعى والفحم لمنع تآكل خطوط الأنابيب، ومعالجة الأخشاب البلاستيكية؛ إذ أمكن تحسين الخواص الفيزيائية والكيميائية للأخشاب المعالجة بالبلاستيك؛ فأصبح أكثر مقاومة للخدش والحرق. وتتضمن عملية المعالجة تغطية سطح الخشب بطبقة رقيقة من البلاستيك، ثم تعريض السطح لأشعة جاما، فيتغير التركيب الجزيئى للبلاستيك، معطيا خواص أفضل رغم عدم تغير مظهره الخشبى، وتحسين خصائص المواد البلاستيكية؛ وذلك بتعريضها لأشعة فتصبح المادة الناتجة بعد التشعيع أكثر عزلا للحرارة وأكثر مقاومة للتيار الكهربى؛ ما يجعلها أكثر ملاءمة للاستخدام في عزل الأسلاك الكهربائية. وفى مجال القياس والمعايرة، يمكن استخدام النظائر المشعة في كثير من القياسات في خطوط الإنتاج. وفى صناعة السيارات يمكن استخدام النظائر المشعة لمعرفة مدى تآكل جدران أسطوانات محرك».
ولفت د. على إلى نشاط جديد قائلا: «يوجد أيضا إنتاج البطاريات النووية التى تتميز بعمرها الطويل وحسن أدائها لمدة تصل إلى 80 عاما. ويرجع هذا إلى طول فترة عمر النصف للنظير المشع.
وأضاف: «كما أنه بتسليط أشعة جاما على نوع معين من الرمال يسمى (كوارتز) فإنه يتحول إلى رقائق السليكون الذى يستخدم في تركيب الترانزستور الذى يدخل في تركيب جميع الأجهزة الإلكترونية، مثل الكمبيوتر والتلفزيون وغيرهما. وفى الطب تستخدم النظائر في التشخيص وفى العلاج أيضا. ويوجد في المستشفيات قسم خاص بالطب النووى يستخدم لعلاج الأمراض، كما تستخدم المواد المشعة لتصوير الأعضاء الداخلية لجسم الإنسان، وأنواع أخرى تستخدم للعلاج وللمعالجة الإشعاعية للمطاط التى تكسب المنتج مرونة وشفافية عالية، بالإضافة إلى خلوه من مادة النيتروزوامين المسرطنة وأكاسيد الكبريت والزنك وانخفاض نسبة السمية فيه. وتعتبر هذه الخواص مهمة جدا للاستخدامات الطبية، كما يوجد التعقيم الإشعاعى للمنتجات الطبية مثل المحاقن وملابس الجراحين والخيوط وأنابيب القسطرة والمشارط وغيرها؛ ليس هذا وفقط بل يمتد التعقيم الإشعاعى إلى المنتجات الغذائية المعلبة ومنتجات الألبان، وفى تطهير النفايات الطبية الحيوية التى يكون مصدرها المستشفيات وعيادات الأطباء ومعامل الأبحاث، بالإضافة إلى نفايات المطارات والموانئ. وتمثل هذه النفايات مخاطر جسيمة للصحة العامة؛ إذ تحتوى على نفايات التشريح، مثل الأنسجة الآدمية وبقايا الأطعمة والمواد البلاستيكية والمعدنية والزجاجية، ومن ثم فإن حرق مثل هذه النفايات يؤدى إلى أضرار بيئية جسيمة؛ لذا كان تطهيرها إشعاعيا الحل الأمثل للقضاء على التلوث الميكروبيولوجى الذى تسببه بعد إلقائها في أماكن تخزينها. وفى الكشف عن الثروات الطبيعية، يستخدم الكاليفورنيوم 252 في البحوث الجيولوجية للكشف عن المعادن مثل الذهب والحديد والنحاس». و تابع د. على: «وأيضا يمكن بالنظائر معرفة التأريخ الزمنى لتحديد عمر الحفريات والمومياوات التى ماتت منذ آلاف السنين، والكشف عن الجرائم؛ إذ تعد الطرق النووية المستخدمة في الكشف عن الجريمة من أقوى الأدلة القضائية وأكثرها حسما، ويسمى هذا الدليل بالبصمة الذرية، وعن طريقها اكتشف وجود كميات غير عادية من الزرنيخ في شعر نابليون بونابرت؛ ما يدل على موته مسموما».
واختتم الدكتور على إسلام حديثه قائلا: «لدينا العلماء الأكفاء الذين درسوا وتدربوا على جميع المدارس الغربية والشرقية للعمل في البرنامج النووى المصرى والعربى، بل ونمد أى دولة العربية بما تحتاجه من الكوادر أو المتخصصين عندما تطلب منا ذلك»، لافتا إلى دخول الإمارات المجال النووى بقوة بالتوقيع على اتفاقية مع تحالف كورى غربى لتوريد وبناء 4 محطات نووية. ويبقى الأمل في نظام الدكتور مرسى في البداية الفعلية للمشروع النووى والإسراع بإنشاء أول محطة نووية للطاقة النووية، خاصة بعد تسريبات عن قيام مجموعة من الباحثين المصريين بالعمل فريقا لوضع تصميم للمفاعل النووى المصرى الأول. ويزيد تفاؤل العلماء الوطنيين وجود اليورانيوم في الأراضى المصرية، حسبما تؤكد المؤشرات والشواهد، وبالتحديد في الصحراء الشرقية، في الجبل «العرضية» أو «مسكات الجوخ»، الذى يفصل بينه وبين الطريق الأسفلتى «قنا-سفاجا» مدق ترابى طوله يصل إلى نصف كيلومتر؛ حيث تختفى كل مظاهر الحياة البرية، فلا أشجار حوله ولا حيوانات لشدة الإشعاع المنبعث من اليورانيوم، كما أكد خبراء جيولوجيون.
كما أكد متخصصون وجود مادة التيتانيوم الذى مكن استخراج الوقود النووى منه، بدلا من اليورانيوم في منطقة «أبو غصون» جنوب مرسى علم؛ حيث تقع مناجم «الإلمنيت»، وهو الخام الذى تُستخرج منه مادة التيتانيوم المستخدم في الوقود النووى بديلا لليورانيوم. ويستخدم التيتانيوم أيضا في صناعة هياكل الطائرات ومكوك الفضاء، بالإضافة إلى وضعها في فوهات مدافع الدبابات وهياكل الصواريخ؛ لشدة صلابتها. وتشير تقديرات لعاملين في هذا المنجم إلى وجود احتياطى يفوق 40 مليون طن، لكن نظام مبارك سمح بتصدير كميات كبيرة لخارج بسعر 30 دولارا للطن، وهو ما عدته أجهزة رقابية وبرلمانيون إهدارا للمال العام؛ لأن سعر الطن يتراوح بين 40 ألف دولار و240 ألف دولار حسب النقاء ودرجة التركيز.
مرئيات
المصادر
- ^ عاطف هلال (2009). "خامات العناصر المشعة". مدونة عاطف هلال.