إسپانيا الهابسبورگية
إسپانيا الهابسبورگية Habsburg Spainـ تشير لفترة من تاريخ إسپانيا، فيما بين القرن السادس عشر والسابع عشر (1507-1700)، عندما كانت إسپانيا تحت حكم الفرع الرئيسي عائلة هابسبورگ (الذي ارتبط اسمهم بدورهم في تاريخ وسط أوروپا). حكام هابسبورگ (خاصة (شارل الأول وفليپه الثاني)، وصل إلى ذروة نفوذه وقوته، بحكم مناطق الأمريكتين؛ جزر الهند الشرقية في آسيا؛ الأراضي الوطيئة، الأراضي التي تعرف اليوم باسم فرنسا وألمانيا في أوروپا؛ الامبراطورية الپرتغالية من عام 1580 حتى 1640؛ ومناطق أخرى مختلفة مثل الجيوب الصغيرة، مثل سبتة ووهران في شمال أفريقيا. إجمالاً، كانت إسپانيا الهابسبورگية، لأكثر من قرن، أعظم سلطة في العالم. لهذا السبب، يشار أيضاً لهذه الفترة من التاريخ الإسپاني "بعصر التوسع".
تحت حكم آل هابسبورگ، هيمنت إسپانيا سياسياً على أوروپا، وعسكرياً معظم سنوات القرن السادس عشر والسابع عشر لكنها شهدت إنخفاضاً تدريجياً في نفوذها في النصف الثاني من القرن السابع عشر تحت حكم ملوك هابسبورگ اللاحقين.
عُرفت سنوات هابسبورگ أيضاً بالعصر الذهبي الإسپاني للازدهار الثقافي. من بين الشخصيات الأكثر تميزاً في تلك الفترة دييگو ڤـِلازكويز، إل گريكو، ميگل ده سرڤانتس، سانتا تريز، پدرو كالدرون دلا باركا، فرانسيسكو ده ڤيتوريا، دومنيگو ده سوتو وفرانسيسكو سواريز.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
خط زمني
بدايات الامبراطورية (1504–1521)
كدولة موحدة، أصبحت إسپانيا بحكم القانون فقط بعد وفاة شارل الثاني ومع إنقراض آل هابسبورگ الإسپانية، ومع تولي فليپه الخامس الحكم وتنصيب آل بوربون وتطبيق إصلاحاتهم المركزية في فرنسا. ومع ذلك، فقد تأسست إسپانيا الهابسبورگية بحكم القانون دولة موحدة في شبه الجزيرة الإيبيرية وشملت الپرتغال.
امبراطور وملك (1521–1556)
كانت نعمة مشكوكاً فيها لإسبانيا أن يصبح الملك شارل الأول (1516-56) الإمبراطور شارل الخامس (1519-58). وولد وتربى في الفلاندرز: وتعلم مناهج الحياة الفلمنكية، واكتسب الأذواق الفلمنكية، إلى أن تغلبت عليه روح إسبانيا في سنواته. ولم يكن في وسع الملك إلا أن يصبح جزءاً صغيراً من الإمبراطور، الذي كان مشغولاً تماماً بالإصلاح الديني والبابوية وسليمان وبارباروسا وفرانسيس الأول، وشكا الإسبان أنه لم يمنحهم إلا القليل من وقته، وأنه أنفق الكثير من مواردهم البشرية والمادية في المحلات التي كانت في الظاهر لا تهم المصالح الأسبانيّة، وكيف كان في وسع إمبراطور أن يتعاطف مع نظم جماعية جعلت إسبانيا تتمتع بنصف ديمقراطية، قبل مجيء فرديناند الكاثوليكي، وكانت تتوق كثيراً إلى أن تستعيدها؟. [1]
وقام بأول زيارة لمملكته (1517) ولم تكسبه حب أحد، وعلى الرغم من مضي عشرين شهراً عليه وهو ملك، فإنه كان لا يزال لا يعرف الإسبانيّة وكان عزله الفظ لأكسيمينس صدمة للدماثة الإسبانية. وجاء يحيط فلمنكيون، ظنوا إسبانيا بلداً همجياً تنتظر مَن يحلبها. وعين الملك البالغ من العمر سبعة عشر عاماً هذه الديدان الطبية في أعلى المناصب، ولم تخفِ المجالس التشريعية الإقليمية المختلفة التي يسيطر عليها صغار النبلاء، نفورها وعدم رضاها عن ملك أجنبي. ورفض المجلس التشريعي في قشتالة أن يعترف له باللقب، ثم اعترف به على كره منه حاكماً، تشترك معه في الحكم أمه المعتوهة جوانا، وجعله يفهم أنه لابد من أن يتعلم الإسبانيّة، ويعيش في إسبانيا، وألا يعين مزيداً من الأجانب في أي منصب. وقدمت المجالس التشريعية طلبات مماثلة. ووسط مظاهر الإذلال التي تعرض لها شارل تلقى أنباء بأنه انتخب إمبراطوراً، وأن ألمانيا كانت تدعوه للحضور لكي يتوج. وعندما سأل المجلس التشريعي في بلد الوليد (وكانت وقتذاك العاصمة) أن يمول الرحلة مني بالفشل والخيبة، وساد هرج هدد حياته. وحصل آخر الأمر على المال من المجلس التشريعي في كورونا وأسرع إلى الفلاندرز. ولكي يجعل الأمور محفوفة بالمخاطر أضعافاً مضاعفة أرسل نواباً لحماية مصالحه في المُدن، وترك مربيه السابق أدريان كاردينال أترخت نائباً له في إسبانيا.
وثارت البلديات الإسبانيّة واحدة وراء الأخرى في "ثورة أعضاء الكومون" ونفوا النواب وقتلوا بعض النواب الذين صوتوا بالموافقة على منح أموال لشارل، وتحالفوا فيما يعرف باسم Santa Communidad الذي تعهد بالإشراف على الملك. وانضم النبلاء ورجال الكنيسة وأوساط الناس إلى الحركة ونظموا في أفيلا (أغسطس سنة 1520) الـ Santa Iunta أو الاتحاد المقدس ليكون بمثابة حكومة مركزية. وطالبوا بضرورة اشتراك المجالس التشريعية مع المجالس الملكية في اختيار نائب الملك، وعدم شنَّ حرب بغير موافقة المجالس التشريعية، وألا يحكم المدينة النواب بل يحكمها قضاة، أو عمد يختارهم المواطنون. ودافع أنطونيو دي أكونيا أسقف سمورة علناً عن قيام جمهورية، وحول أتباعه من رجال الأكليروس إلى محاربين ثوريين، وقدم موارد أسقفية للثورة. وعين جوان دي باديلا، وهو نبيل من طليطلة، قائداً لقوات الثوار. فقادها لتستولي على نورديسيلاس، وأخذ جوانا لالوكا رهينة، وحثها على أن توقع وثيقة، تخلع فيها شارل، وتعين نفسها ملكة، وكانت عاقلة في جنونها، فرفضت.
ولم يكن لدى أدريان ما يكفي من الجند لقمع الثورة، فاستغاث بشارل وطلب منه العودة، وألقى تبعة قيام الثورة صراحة على تحكم الملك وحكمه الغيابي. ولم يحضر شارل، ولكنه وجد هو أو مستشاروه سبيلاً لإشاعة الانقسام والانتصار. فقد حذر النبلاء أن الثورة كانت تهديداً لطبقات أصحاب الأملاك وللتاج على السواء، والحق أن الطبقات العاملة، التي ظلمت منذ عهد بعيد بالأجور الثابتة، والعمل سخرة، وتحريم الاتحاد، كانت قد استولت من قبل على السلطة في عدة مُدن. وفي بلنسية والمنطقة المجاورة لها قبض الجرمانيا أو اخوة أبناء الطوائف الحرفية على الزمام، وسيطروا على لجان العمال. وكانت هذه الدكتاتورية البروليتارية نقية على غير العادة، وفرضت على آلاف المغاربة الذين ظلوا في المقاطعة أن يختاروا بين التعميد والموت. وقتل آلاف من الذين رفضوا في عناد. وثار العامة في ماجوركا، الذين عاملهم سادتهم كالعبيد، ثورة مسلحة، وخلعوا الحاكم المعين من قبل الملك، وذبحوا كل نبيل لم يستطع أن يفلت منهم. وتخلت كثير من المُدن عن روابطها مع الإقطاعيين ومستحقاتها لهم، وفي مدريد وسجونزا ووادي الحجارة أقصت الحكومة البلدية الجديدة كل النبلاء والأعيان من المناصب، وقتل الأشراف هنا وهناك، وفرض الاتحاد ضرائب على أملاك النبلاء السابق إعفاؤها. وأصبح النهب عاماً، وأحرق العامة قصور النبلاء وذبح النبلاء العامة. وانتشر الصراع بين الطبقات في أرجاء إسبانيا.
وقضت الثورة على نفسها بالتوسع في أهدافها، توسعاً جاوز حدود طاقاتها، وانقلب عليها النبلاء، وحشدوا قواتهم، وتعاونوا مع قوات الملك، واستولوا على بلنسية، وأطاحوا بالحكومة البروليتارية، بعد أيام سقط فيها قتلى من الجانبين (1521)، وانقسم جيش الثوار، عندما بلغت الأزمة ذروتها، إلى فرقتين متنافستين بقيادة باديلا ودون بدرو جيرون، وانقسمت الجماعة السياسية إلى أحزاب، يناصب بعضها بعضاً العداء، وواصلت كل مقاطعة ثورتها، دون تآزر مع باقي المقاطعات.
وانطلق جيرون، وانضم إلى الملكيين الذين استولوا من جديد على تورديسلاس وجوانا. أما جيش باديلا الذي تضاءل عدد جنوده فقد هزم هزيمة منكرة في فيلالار، وأعدم باديلا. وعندما عاد شارل إلى إسبانيا (يوليو سنة 1522) ومعه 4.000 جندي ألماني، كان النبلاء قد فازوا بالنصر، وقد أضعف النبلاء والعامة بعضهم بعضاً إلى حد أنه استطاع أن يتغلب على البلديات والطوائف الحرفية، ويروض المجالس التشريعية، ويوطد أركان ملكية تكاد تكون مطلقة. وقد قمعت الحركة الديمقراطية تماماً بحيث ظل كل العامة الأسبان خائفين خاضعين، حتى القرن التاسع عشر. وخفف شارل سلطته بالدماثة، وأحاط نفسه بالنبلاء، وتعلم الحديث بلغة إسبانية سليمة، وسرت إسبانيا عندما علق قائلاً إن الإيطالية هي اللغة اللائقة لكي تتحدث بها النساء، والألمانية هي لغة الأعداء، والفرنسية لغة الأصدقاء، والإسبانية لغة الرب.
من سانت كونتين حتى لـِپانتو (1556–1571)
لم تكن هنا إلا قوة واحدة تستطيع أن تتحدى شارل - هي الكنيسة - وكان نصيراً للكاثوليكية، ولكنه مناهض للبابوية. وسعى، مثل فرديناند الكاثوليكي، إلى جعل الكنيسة الإسبانيّة مستقلة عن البابوات ونجح في هذا إلى حد أن التعيينات في مناصب الكنيسة ودخول الكنيسة إبان حكمه كانت في يديه، واستخدمت لرفع شأن السياسة الحكومية: ولم تكن هناك حاجة للإصلاح الديني في إسبانيا، كما هو الحال في فرنسا، لكي تتبع الكنيسة الدولة. ومع ذلك فإن الحماسة للعقيدة المحافظة الإسبانيّة، إبان نصف مدة حكمه، التي قضاها في مملكته، استحثته إلى حد أنه في سنواته الأخيرة لم يكن هناك أمر (باستثناء قوة آل هايسبرج) يهمه أكثر من قمع الهرطقة.
وبينما حاول البابوات أن يخففوا من وطأة محكمة التفتيش فإن شارل أيدها حتى وفاته. وكان مقتنعاً بالهرطقة في الأراضي المنخفضة كانت تؤدي بها إلى الفوضى والحرب الأهلية، وصمم أن يمنع حدوث مثل هذا التطور في إسبانيا.
وأخمدت محكمة التفتيش الإسبانيّة سورة غضبها، ولكنها مدت رقعة اختصاصها القضائي في عهد شارل. فاضطلعت بعبء الرقابة على المصنفات، وقامت بتفتيش كل مخزن للكتب، وأمرت بإحراق الكتب الموصومة بالهرطقة(32). واستقصت حالات الانحراف الجنسي وعاقبت عليها: ووضعت قواعد نقاء الدم، التي أغلقت كل طرق التمييز أمام ذرية المتحولين إلى غير دينهم وكل مَن عاقبتهم المحكمة. وكانت تنظر إلى المتصوفة نظرة قاسية، لأن بعض هؤلاء ادعوا أن صلتهم المباشرة بالله أعفتهم من حضور الصلاة في الكنيسة، وأضفى آخرون على حالات وجدهم الصوفي طعماً جنسياً مشبوهاً. وأعلن الواعظ العلماني بدرو رويز دي الكراز أن الجماع هو اتحاد بالرب حقاً، وقال الأخ الراهب فرانسيسكو أورتيز مفسراً أنه عندما يرقد مع زميلة متصوفة جميلة فإنه لا يرتكب خطيئة من خطايا الجنس، بل ينعم بمتعة روحية. وعاملت محكمة التفتيش برفق هؤلاء المتنورين واحتفظت بأقسى إجراءاتها ضد البروتستانت في إسبانيا.
وكما حدث في شمالي أوربا وقعت مناوشة أرازمية قبل معركة البروتستانت، وهتف بعض رجال الكنيسة المتحررين استحساناً لانتقادات علماء الإنسانيات لأخطاء رجال الأكليروس، ولكن أكسيمنيس وآخرين كانوا قد قوموا من قبل المظالم البارزة أكثر من غيرها، قبل مجيء شارل. ولعل اللوثرية كانت قد تخللت أرض إسبانيا مع الألمان والبلجيكيين المتكلمين بالفلمنكية في الحاشية الملكية. وأدانت محكمة التفتيش ألمانيّاً في بلنسية عام 1524، لأنه جاهر بالتعاطف مع لوثر، وحكم على فلمنكي بالسجن مدى الحياة عام 1528، لتشككه في المطهر وصكوك الغفران، وأحرق في المحرقة فرانسيسكو دي سان رومان، أول مَن عرف من اللوثريين الأسبان عام 1542، بينما كان المشاهدون المتحمسون يطعنونه بسيوفهم. واعتنق جوان ديازاف كوينكا، الكالفينية في جنيف، فاندفع أخوه الفونسو من إيطاليا ليحوله مرة أخرى إلى العقيدة المحافظة، وعندما فشل الفونسو عمل على قتله (1546) وسجن جوان جيل، أو أجيديو، وهو كبير قساوسة متعلم في أشبيلية، لمدة عام بسبب وعظه ضد عبادة الصور والصلاة للقديسين وفاعلية الأعمال الصالحات في الفوز بالخلاص. ونبشت عظامه بعد وفاته وأحرقت، وواصل رفيقه كبير القساوسة كونستانتينو بونس ديلافوينتي، دعايته، ومات في سجون محكمة التفتيش. وأحرق أربعة عشر من زملاء كونستانتينو، ومنهم أربعة رهبان وثلاثة نساء، وحكم على عدد كبير بعقوبات مختلفة، ودك البيت الذي اجتمعوا فيه حتى سوي بالأرض.
وتطورت جماعة نصف بروتستانتية أخرى في بلد الوليد، وهنا تورط نبلاء من ذوي النفوذ ورجال دين من أصحاب الرتب الرفيعة. ووشي بهم لمحكمة التفتيش، وقبض عليهم جميعاً تقريباً وحكم عليهم بالإدانة، وحاول البعض مغادرة إسبانيا فقبض عليهم وأعيدوا. وكان شارل الخامس وقتذاك يستحم في يوستى، فأوصى بعدم إظهار أية رحمة في معاملتهم، وقطع رأس النائبين وإحراق مَن يرفضون التوبة. وفي يوم أحد الثالوث الموافق 21 مايو سنة 1559 أعدم أربعة عشر من المحكوم عليهم أمام جمع متهلل. وتراجع الجميع عما قالوا إلا واحداً، وعوملوا برفق، وقطعت رءوسهم، أما أنطونيو دي هرزويلو الذي رفض التوبة فقد أحرق حياً. وسمح لزوجته ليونور دي سيزنيروس البالغة من العمر ثلاثة وعشرين عاماً بالسجن مدى الحياة. وبعد أن أمضت عشر سنوات في السحن، عدلت عن إنكارها لما قالت وجاهرت بهرطقتها، وطالبت أن تحرق حية مثل زوجها فأجيبت إلى ملتمسها. وعرض ستة وعشرون آخرون من المتهمين للحرق أحياء في اليوم الثامن من أكتوبر سنة 1559، أمام حشد مكون من 200.000 شخص، يرأسه فيليب الثاني. وحرقت ضحيتان وهما حيتان وخنق عشرة.
وكان بارتلومي دي كارانزا، رئيس أساقفة طليطلة ورئيس أساقفة إسبانيا، أشهر فريسة وقعت في براثن محكمة التفتيش في هذه الفترة. وكان باعتباره من الكومنيكان قد قام بنشاط كبير من مطاردة الهراطقة والإيقاع بهم، وعينه شارل مبعوثاً له في مجلس ترنت، وأرسله إلى إنجلترا لحضور زواج فيليب والملكة ماري. وعندما انتخب رئيساً للأساقفة (1557) كان الاختيار بالإجماع ما عدا صوته. ولكن بعض "البروتستانت" الذين قبض عليهم في بلد الوليد شهدوا بأن كارانزا كان قد تعاطف سراً مع آرائهم، ووجد أنه كان قد راسل المصلح الديني الإسباني الإيطالي جاون دي فالديس، واتهمه عالم اللاهوت ذو النفوذ ملشيور كانو بأنه كان يعضد العقيدة اللوثرية في التزكية بالإيمان. ولم يقبض عليه إلا بعد سنتين من ارتفاع شأنه ووصوله إلى أعلى منصب كنسي في إسبانيا، ونستطيع أن نحكم من هذا على مدى قوة محكمة التفتيش. وظل سبعة عشر عاماً معتقلاً في سجن أو غيره، بينما كانت تصرفاته في حياته ورسائله تتعرض للفحص والاستقصاء في طليطلة وروما. وأعلن جريجوري الثالث عشر أنه "مشتبه فيه بشدة" بالهرطقة وأمره بأن ينكر ستة عشر ادعاء، وأوقفه لمدة حمس سنوات عن مباشرة وظيفته. وتقبل كارانزا الحكم في ذلة،
وحاول أن يؤدي الكفارات التي فرضت عليه، ولكنه مات في خلال خمسة أسابيع بعد أن أنهكه السجن والإذلال (1556).
وبموته زال خطر البروتستانتية عن إسبانيا، وحدث أن أعدم حوالي 200 شخص بين عامي 1551 و 1600، لما نسب إليهم من هرطقات بروتستانتية - أي بواقع أربعة أشخاص كل عام. وقد تجمد طبع الناس، الذي كان قوامه من كراهية المغاربة واليهود، التي تأصلت جذورها قروناً طويلة، في عقيدة محافظة لا تتزعزع، وامتزجت الكاثوليكية وحب الوطن، ووجدت محكمة التفتيش أن من اليسير أن تسحق، في خلال جيل أو جيلين، المغامرة الإسبانيّة العابرة التي اتسمت بفكر مستقل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الملك المضطرب (1571–1598)
وقام شارل الخامس في الثامن والعشرين من سبتمبر سنة 1556 بالدخول إلى إسبانيا لآخر مرة. واستغنى في برجوس عن خدمات معظم الذين كانوا قد عملوا معه ومنحهم مكافآت، وودع شقيقته، ماري الهنغارية والينورا، أرملة فرانسيس الأول. وأبديا رغبتهما في مشاركته اعتزاله في الدير، ولكن القواعد منعتهما، فاتخذا لهما مسكناً في موضع لا يبعد كثيراً عن هذا الشقيق الذي يبدو أنه لم يكن هناك مَن يحبه وقتذاك سواهما. وبعد أن أقيمت له عدة احتفالات في الطريق، وصل قرية جوانديلا في وادي بلازنسيا، على مسيرة نحو 120 ميلاً غربي مدريد، ولبث هناك عدة شهور، ريثما أكمل العمال الحجرات التي أمر بتجهيزها وتأثيثها في دير يوستى (سانت جوستوس) على مسيرة ستة أميال. وعندما قام بالمرحلة الأخيرة من رحلته (3 فبراير سنة 1557)، لم ينتقل إلى خلوة في دير بل إلى قصر ريفي فسيح، اتسع لإقامة المقربين من تابعيه الخمسين. وابتهج الرهبان بوجود ضيف عظيم مثله، بيد أنهم اكتأبوا عندما وجدوا أنه ليس لديه النية في أن يشاركهم حميتهم ونظامهم، فقد كان يأكل ويشرب كميات كبيرة، كما كان يفعل من قبل - أي بإفراط، وكانت عجات السردين وسجق الأسترمادورا وفطائر ثعبان السمك، ولحم الحجل المملح والديوك الخصية السمينة وأنهار من النبيذ والجعة، تختفي في كرشه الإمبراطوري، واضطر أطباؤه إلى أن يصفوا له كميات كبيرة من السنامكي والراوند للتخلص من الزيادة في وزنه.
وبدلاً من أن يتلو شارل تسابيحه وأوراده ومزاميره كان يقرأ رسائل من ابنه أو يملي رسائل له، وكان يعرض عليه النصيحة في كل وجه من وجوه الحرب واللاهوت والحكم. وأصبح في العام الأخير من عمره متعصباً متطرفاً قاسياً، وأوصى بتوقيع عقوبات وحشية "لاستئصال جذور" الهرطقة، وأسف لأنه كان قد سمح للوثر بالهرب منه في ورمس. وأمر بجلد أي امرأة مائة جلدة إذا اقتربت من أسوار الدير قاب قوسين أو أدناه. وراجع وصيته لكي ينص فيها على إقامة 30.000 قداس من أجل طمأنينة روحه. ويجب ألا نحكم عليه من أعماله في أيام الشيخوخة هذه، ولعل لوثة خبل قد انتقلت إليه بالوراثة من أمه.
وفي أغسطس عام 1558 انقلب النقرس الذي يشكو منه إلى حمى ملتهبة. وعاودته هذه بصورة متقطعة، وأخذت تشتد يوماً بعد يوم، وظل شهراً يتعذب بكل آلام النزع الأخير قبل أن تزهق روحه (21 سبتمبر سنة 1558). وفي عام 1574 أمر فيليب بنقل الجثة إلى الأسكوريان حيث يرقد تحت نصب تذكاري فخم.
وكان شارل الخامس أكبر فاشل في عصره، بل إن فضائله كانت أحياناً بؤساً وشقاء للإنسانية. ومنح إيطاليا السلام، ولكن لم يتم هذا إلا بعد مرور عقد من الزمان. تعرضت فيه للتخريب، وبإخضاعها هي والبابوية لإسبانيا، وجف عود النهضة الإيطالية تحت رئاسته الكئيبة، وهزم فرانسيس وأسره، ولكن ضاعت منه في مدريد فرصة ملكية ليبرم معه معاهدة كانت حرية بأن تنقذ ما كل الوجوه ومائة ألف روح. وعاون في إعادة سليمان إلى بلاده في فيينا، وصد بارباروسا في البحر الأبيض المتوسط، وقوى مركز آل هايسبورج، ولكنه أضعف الإمبراطوريّة، وفقد اللورين وسلم بورغنديا، وأحبط أمراء ألمانيا محاولة لتركيز السلطة هناك، وكانت الإمبراطوريّة الرومانية المقدسة منذ عهده نسيجاً واهياً، تنتظر نابليون ليحكم بإعدامها، وفشلت جهوده لسحق البروتستانتية في ألمانيا، وترك الأسلوب الذي انتهجه في قمعها في الأراضي المنخفضة تراثاً محزناً لابنه. وكان قد وجد المُدن الألمانية مزدهرة وحرة، وتركها ترزح ألماً تحت وطأة إقطاع رجعي، وعندما جاء إلى ألمانيا كانت تنبض بالحياة، فيها أفكار ونشاط تبز بهما أية أمة أخرى في أوربا وعندما تنازل عن عرشه كانت ضعيفة واهنة روحياً وفكرياً، وظلت جدباء مدى قرنين. وكانت السياسة التي انتهجها في ألمانيا وإيطاليا سبباً واهياً لما لحقهما من ضعف، أما في إسبانيا فكان عمله هو الذي سحق حرية البلديات وقوتها، وكان حرياً بأن يبقي إنجلترا في حظيرة الكنيسة بإقناع كاثرين أن تسلم بحاجة هنري إلى وريث، وبدلاً من أن يفعل ذلك أجبر كليمنت على اتخاذ موقف فيه تذبذب، يؤدي إلى الخراب.
ومع ذلك فإن استبصارنا المتأخر هو الذي يرى أخطاءه وجسامتها، وفي وسع حسنا التاريخي أن يصفح عنها باعتبارها متأصلة بجذورها في قيود بيئته العقلية وفي أوهام العصر العاتية. وكان اقدر سياسي بين معاصريه، ولكنه لم يكن كذلك إلا بمعنى أنه عالج بشجاعة أعمق موضوعات النزاع في أوسع مدى وصلت إليه. وكان رجلاً عظيماً حطت من شأنه مشكلات عصره وحطمته.
ونفذت إلى حكمه الطويل حركتان أساسيتان، وكانت أعظمهما نمو القومية في عهد ملكيات تنزع إلى المركزية، وفي هذه لم يكن له فيها نصيب. وأعظمها من الناحية الدرامية ثورة دينية، حفزت إليها الانقسامات والمصالح القومية والإقليمية. وقبلت شمالي ألمانيا وإسكنديناوة اللوثرية، أما جنوب ألمانيا وسويسرة والأراضي المنخفضة فقد انقسمت إلى طائفتين بروتستانتية وكاثواليكية، وأضحت إسكوتلندة كاللفينية مشيخية، وإنجلترا كاثوليكية أنجيلكانية أو بيوريتانية كالفينية. وظلت إيرلندة وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال موالية لبابوية بعيدة أو مهذبة. ومع ذلك نشأ تكامل واهٍ، وسط ذلك الانقسام المزدوج: فقد وجدت الولايات المستقلة المعتزة بنفسها أنها في حاجة إلى بعضها البعض، لضمان استقلالها، كما لم يحدث من قبل، وأنها مرتبطة بصورة متزايدة في نسيج اقتصادي، وأنها تؤلف مسرحا رحيباً لمناهج سياسية متشابكة العلاقات، وحروب وقانون بأدب وفن. كانت أوربا التي عرفها شبابنا تتخذ شكلها.
"الله إسپاني" (1596–1626)
الطريق إلى روكروي (1626–1643)
آخر الهابسبورگين الإسپان (1643–1700)
نسب شارل الثاني |
---|
المجتمع الإسپاني ومحاكم التفتيش (1516–1700)
وفي أسبانيا علينا كذلك أن نفتش عن الكاهن. ذلك أن الدين لم يفرض مثل هذا السلطان على الشعب، ومن ثم على الحكومة، في أي بلد آخر من بلاد الله، ولم تكتف أسبانيا برفض حركة الاصلاح البروتستنتي فحسب، بل تجاوزتها إلى رفض النهضة أيضاً-اللهم إلا لحظة إرزمية عابرة. وظلت »وسيطة« في عالم حديث، قانعة بنصيبها هذا. وكان فقر الشعب يتهلل لثراء الكنيسة. كان الكل متدينين، من الملوك »الأشد كثلكة من البابا« إلى قطاع الطرق الذين لم يروا قط إلا حاملي المداليات أو الشارات الكتفية الدينية. وفي عام 1615 سار نحو أربعين الف اسباني في مظاهرة مطالبين بأن يجعل البابا من »حمل العذراء غير المدنس« (أي خلوها من لوثة الخطيئة الأصلية) عقيدة في صلب الإيمان-أي اعتقاد الزامي على جميع الكاثوليك. وفي كل مكان كنت تجد القساوسة والرهبان والأخوة، لا متسامحين أو راضين عن مباهج الحياة والحب كما في إيطاليا أو فرنسا، بل ملقين جوا من اكتئاب الجريكو على كل شيء الا مصارعات الثيران. واصبح في أسبانيا الآن 9.088 ديرا، و 32.000 أخ دومنيكي وفرنسسكاني، وعدد متزايد من اليسوعيين. وكانت الكنائس معتمة، تزخر بالرفات الرهيبة، وتزدان بالمرعبات الواقعية في فنها. اما قصص القديسين ومعجزاتهم فهي الشعر الذي يعتز به الشعب. وحبب الناس في التصوف في أغاني القديس يوحنا الصليبي وكتابات القديسة تريزا، ووجدت الكنيسة لزاما عليها أن تحتج على ما ادعاه »المهدئون« من صلة حميمة بالله ومن روى طوباوية، وفي عام 1640 وقعت في براثن محكمة التفتيش طائفة من الألومبرادو -»أي المستنيرين«- زعموا أن اتحادهم الصوفي بالاله يطهرهم من كل اثم حتى وهو في نشوات الجنس. علينا أذن ان نذكر هذا التدين الواسع الانتشار، الشديد التحمس، إن أردنا أن نفهم لم استطاع الشعب الأسباني أن يرقب في استحسان قوى حرق المهرطقين، وأن يجود بماله حتى الإفلاس والإعياء دفاعا عن العقيدة في ألمانيا والأراضي المنخفضة. لقد كان في هذا الجنون شيء من النبل، وكأن الأمة أحست بأنه ما لم يكن إيمانها صادقا فإن الحياة تصبح سخفا لا معنى له.
وهكذا مضت محكمة التفتيش في وحشيتها التي املاها عليها ضميرها، فحدت بالعقوبات »المعتدلة« - كجلد المذنب مائة جلدة - من بدع كتلك التي زعمت أن الزنى ليس خطيئة، أو أن الزواج مقدس كالتبتل الديري. أما المارانو »المرتدون«- وهم اليهود الذين اعتنقوا المسيحية من قبل ثم ارتدوا إلى اليهودية سرا- فكان التكفير المقرر عن جريمتهم هو الموت أو السجن المؤبد. وحين وصل فليب الثاني إلى اسبانيا (1559) استقبل في بلد الوليد بتنفيذ حكم للمحكمة شهد فيه 200.000 شخص يرأسهم الملك عشرة من المهرطقين يشنقون واثنين يحرقان أحياء. والتمس أحد المحكوم عليهم الرأفة من فليب فرفض، واكتسب إعجاب الشعب بقوله »لو أن ابني كان شقيا مثلك لحملت بنفسي الحطب لأحرقه« وقد قاوم فليب أحيانا جنوح محكمة التفتيش إلى توسيع سلطانها على حساب السلطة المدنية، ولكنه على العموم شجع هذه المؤسسة باعتبارها أداة تعين الحماسة والوحدة القوميتين. وقد أراحه بعض الشيء أنه استطاع استخدام المحكوم عليهم عبيدا على السفن. وأمه في سنة واحدة (1566) تسلم 200.000 دوكاتية من الذهب هي نصيب الثلثين المستحق للحكومة من غرامات محكمة التفتيش ومصادراتها.
واعتزت محكمة التفتيش بصونها عقيدة العصر الوسيط نقية لا غش فيها، وبإنقاذها اسبانيا من الفرقة الدينية التي تتلوى فرنسا تحت قبضتها. وترك اهتمامها بالعقيدة دون السلوك حماية الفضيلة لرجال الاكليروس-وكانوا هم أنفسهم مشهورين بالتهاون في سلوكهم-ولموظفين المدنيين الذين حد من سلطانهم على الشعب خضوعهم لما تصدره محكمة التفتيش من أحكام بالسجن أو الغرامة. أما عفة النساء فلم يقم حارسا عليها الدين والقانون فحسب، بل »البونتو«، أي حق الدفاع عن العرض، وهو مبدأ يلزم كل ذكر بأن يدافع أو يثأر بالسيف لعرض أية امرأة في اسرته هدد أو انتهك. وكانت المبارزة غير قانونية ولكنها محببة إلى الشعب. وكان كرام النساء يلزمن بيوتهن في احتجاب شبيه بما كان عند العرب، يأكلن بمعزل عن الرجال، وقلما يصحبنهم علانية، ويركبن المركبات المقفلة إذا انتقلن من بيوتهن. وكان طلاب يد الفتاة يتوددون بالموسيقى تعزف من الشارع للعذراء المحتجبة خلف نوافذ ذات قضبان، وقل أن يؤذن لهم بدخول البيت حتى يصل والدا الطرفين إلى اتفاق، ومع ذلك كثرت زيجات الغرام. وفي عهد فيليب الثاني احتفظ بمستوى الأخلاق عاليا على قدر ما سمحت به فتنة النساء أو خيال الرجال، وخفف من فساد الموظفين الطبيعي يقظة الملك، وإلى هزيمة الأرمادا كان يصون روح الشعب المعنوية اعتقادهم بأن أسبانيا تخوض حربا مقدسة ضد الإسلام، والأراضي المنخفضة، وإنجلترا، فلما تحطم الحلم انهارت أسبانيا جسداً وروحاً.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
البيروقراطية الإسپانية (1516–1700)
الاقتصاد الإسپاني (1516–1700)
الفن والثقافة الإسپانية (1516–1700)
انظر أيضاً
- آل هابسبورگ
- تاريخ إسپانيا
- الامبراطورية الإسپانية
- الامبراطورية العالمية
- ملكية هابسبورگ
- الحروب العثمانية الهابسبورگية
- الطاعون العظيم في إشبيلية
الهوامش
- ^ ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
المصادر
- Armstrong, Edward (1902). The Emperor Charles V. New York: The Macmillan Company
- Black, Jeremy (1996). The Cambridge Illustrated Atlas of Warfare: Renaissance to Revolution. Cambridge: Cambridge University Press. ISBN 0-521-47033-1
- Braudel, Fernand (1972). The Mediterranean and the Mediterranean World in the Age of Philip II, trans. Siân Reynolds. New York: Harper & Row. ISBN 0-06-090566-2
- Brown, J. and Elliott, J. H. (1980). A palace for a king. The Buen Retiro and the Court of Philip IV. New Haven: Yale University Press
- Brown, Jonathan (1998). Painting in Spain: 1500–1700. New Haven: Yale University Press. ISBN 0-300-06472-1
- Dominguez Ortiz, Antonio (1971). The golden age of Spain, 1516–1659. Oxford: Oxford University Press. ISBN 0-297-00405-0
- Edwards, John (2000). The Spain of the Catholic Monarchs, 1474–1520. New York: Blackwell. ISBN 0-631-16165-1
- Harman, Alec (1969). Late Renaissance and Baroque music. New York: Schocken Books.
- Kamen, Henry (1998). Philip of Spain. New Haven and London: Yale University Press. ISBN 0-300-07800-5
- Kamen, Henry (2003). Empire: How Spain Became a World Power, 1492–1763. New York: HarperCollins. ISBN 0-06-093264-3
- Kamen, Henry (2005). Spain 1469–1714. A Society of Conflict (3rd ed.) London and New York: Pearson Longman. ISBN 0-582-78464-6
- Parker, Geoffrey (1997). The Thirty Years' War (2nd ed.). New York: Routledge. ISBN 0-415-12883-8
- Parker, Geoffrey (1972). The Army of Flanders and the Spanish road, 1567–1659; the logistics of Spanish victory and defeat in the Low Countries' Wars.. Cambridge: Cambridge University Press. ISBN 0-521-08462-8
- Parker, Geoffrey (1977). The Dutch revolt. Cambridge: Cambridge University Press. ISBN 0-8014-1136-X
- Parker, Geoffrey (1978). Philip II. Boston: Little, Brown. ISBN 0-316-69080-5
- Parker, Geoffrey (1997). The General Crisis of the Seventeenth Century. New York: Routledge. ISBN 0-415-16518-0
- Stradling, R. A. (1988). Philip IV and the Government of Spain. Cambridge: Cambridge University Press. ISBN 0-521-32333-9
- Various (1983). Historia de la literatura espanola. Barcelona: Editorial Ariel
- Gallardo, Alexander (2002), "Spanish Economics in the 16th Century: Theory, Policy, and Practice", Lincoln, NE:Writiers Club Press,2002. ISBN 0-595-26036-5.
- Smith, Preserved (1920). Haskins, Charles Homer (ed.). The Age of the Reformation. American Historical Series. New York: Henry Holt and Company. OCLC 403814.
{{cite book}}
: Invalid|ref=harv
(help)