زقاق المدق
هذا المقال عن رواية نجيب محفوظ. لمطالعة الفيلم المقتبس عن الرواية، اضغط هنا. للمقال الزقاق الذي يحمل نفس الاسم، طالع خان الخليلي.
| ||||||||||||||||||
|
زقاق المدق، هي رواية من تأليف نجيب محفوظ، ألفها بالعربية وتُرجمت للإنگليزية عام 1966. تتناول الرواية قصة زقاق المدق، الذي يقع في قلب حي خان الخليلي بالقاهرة، وتفاصيل الحياة فيه في فترة الأربعينيات والحرب العالمية الثانية وتأثيرها على المصريين. تحولت الرواية لفيلم سينمائي قامت ببطولته شادية.
البطلة الرئيسية في الرواية هي حميدة، فقد افرد نجيب المساحة الكبرى فيها لحميدة التي انتهت حكايتها بين أحضان الضباط الإنجليز..وقد انهت بمسلكها هذا حكاية خطيبها الذي مات مقتولا بيد الضباط الإنجليز.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المكان
زقاق المدق هو أحد الازقة المتفرعة من منطقة الحسين بحى الازهر الشريف بالقاهرة وتتميز هذة المنطقة بأنها جزء من القاهرة الفاطمية والتي اسسها الحاكم الفاطمى(المعز لدين الله الفاطمى) منذ مايزيد عن الف عام لتكون عاصمة الدولة الفاطمية بمصر وزقاق المدق هو زقاق صغير شعبي يتفرع من شارع الصناديقية الموازى لشارع الأزهر.
كما يدقق الباحث في المختبر في المجهر، يتخذنجيب محفوظ من " زقاق المدق" مجهرا، يدقق من خلال عدساته ليرى الدنيا كلها، مكبرة ملايين المرات، هو إذا لا يروى لنا حكاية الزقاق وأهله، بل من خلال الزقاق يروى لنا حكاية الدنيا.
فى كتابه الفريد "المنتمى" يكتب الاستاذ الدكتور غالي شكري، أن من ذلك المقهى الصغير في هذا الزقاق، يرتبط بصر محفوظ بالزمان والعالم والتاريخ، بل إنه يشبه ثقب الحائط في "جحيم باربوس" الذى تراقب منه العالم كله أكثر من اللازم و أعمق من اللازم.
الزقاق هو العين الفنية الحادة التى أبصرت ضياع القاهرة إبان الحرب العظمى الثانية والزقاق، هو الذى سيرد غيبة نجيب محفوظ للأبد، ضد من إتهموه بأبشع التهم، سيقول للجهل ومروجيه، هذا النابغة المصرى كان أول المدافعين عن الاخلاق، والدين، والحرية.
الشخصيات
حميدة هي الشخصية المحورية في الرواية، ونجد أيضاً عباس الحلو، زيطة صانع العاهات، السيد رضوان الحسيني، المعلم كرشة، والقواد.
رضوان الحسيني
ربما لم يسجل الأدب العربى كله شخصية بمثل هذا النقاء و الطهارة، و العطاء ، كما يصفه محفوظ" كان السيد رضوان الحسيني ذا طلعة مهيبة، تمتد طولاً وعرضاً، وتنطوي عباءته الفضفاضة السوداء على جسم ضخم، يلوح منه وجه كبير أبيض، مُشرَب بحمرة، ذو لحية صهباء، يشع النور من غرة جبينه، وتقطر صفحته بهاءً، وسماحةً، وإيماناً" و هو الرجل الذى مات أولاده جميعهم ، و في لحظة العزاء .. أشار إلى السماء، وهو يقول: "أعطى وأخذ، كل شيء بأمره، وكل شيء له، والحزن كفر" فكان هو العزاء.يقول نجيبنا الفذ على لسانه-لا تقل مللت! الملل كفر. الملل مرض يعتور الإيمان. وهل معناه إلا الضيق بالحياة! ولكن الحياة نعمة الله سبحانه وتعالى، فكيف لمؤمن أن يملها أو يضيق بها؟ ستقول ضقت بكيت وكيت، فاسأل الله من أين جاءت كيت وكيت هذه؟ أليس من الله ذي الجلال؟ فعالج الأمور بالحسنى، ولا تتمرّد على صنع الخالق. لكل حالة من حالات الحياة جمالها وطعمها. بيد أن مرارة النفس الأمارة بالسوء تُفسد الطعوم الشهية. صدِّقني إن للألم غبطته، ولليأس لذته، وللموت عظته، فكل شيء جميل، وكل شيء لذيذ! كيف نضجر وللسماء هذه الزرقة، وللأرض هذه الخضرة، وللورد هذا الشذا، وللقلب هذه القدرة العجيبة على الحب، وللروح هذه الطاقة على الإيمان؟ كيف نضجر وفي الدنيا من نحبهم، ومن نعجب بهم، ومن يحبوننا، ومن يعجبون بنا، استعذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا تقل مللت".
ويضيف بنقاء نقي: أما المصائب فلنصمد لها بالحب، و سنقهرها به، الحب أشفى علاج، و في مطاوى المصائب ، تكمن السعادة كفصوص الماس في بطون المناجم الصخرية، فلنلقن أنفسنا حكمة الحب.. ثم نسمع منه في آخر الرواية و هو يغادر الزقاق ذاهبا للحج ، و يدعو له كل أهل الزقاق بالعودة سالما، من لى بمن يقرنى ما تبقى من عمرىفى البقاع الطاهرة؟أمسى و أصبح في أرضا تطامنت يوما اللمس أقدام الرسول، و هواء خفقت بتضاعيفه أجنحة الملائكة،و مغانى أصغت للوحى الكريم يهبط من السماءإلى الارض، فيرتفع بأهل الأرض إلى السماء،هنالك لا يطوف بالخيال إلا ذكريات الخلود،و لا يخفق الفؤاد إلا بحب الله،، هنالك الدواء و الشفاء..
أموت شوقا إلى إستطلاع أفق مكة ، و إستجلاء سماوتها ، و الإنصات إلى همس الزمان بأركانها، و السير بمناكبها و الإنزواء بمعابدها، و إرواء الغلة من زمزمها ،و إستقبال الطريق الذى مهده الرسول بهجرته منذ ثلثمائة و ألف عام و لا يزالون، و ثلوج القلب بزيارة القبر النبوى و الصلاة في الروضة الشريفة ،، و إن بقلبى من مكنون الهيام ما يقصر الزمان عن بثه، و لدى من فرص الزلفى و السعادة ما يعجز العقل عن تصوره،ارانى يا أخى ضاربا في شعب مكة تاليا الآيات كما نزلت أول مرة ، كأنما أسمع درسا للذات العلية ، أى سرورو أرانى ساجدا في الروضة متخيلا الوجه الحبيب كما يتراءى في المنام..أى سعادة!..و أرانى متخشعا لقاء المقام مستغفرا فأى طمأنينة؟و ارانى واردا زمزم أبل جوارح الشوق بندا الشفاعة ، أى سلام!..أخى لا تذكرتنى بالعودة و إدع الله معى أن يحقق المنى........." و يستمر رضوان الحسينى واصفا روعة الحج في صورة لم يبدع الادب صورة في نقاءها و صدقها- ص269-274- طبعة مكتبة مصر
لم يكن نموذجا سلبيا للمسلم الغارق في طقوس ميكانيكة يؤديها ولا يعمل بها .. هو دائما حضر في الأزمات يتدخل في الخلافات مصلحا و ناصحا .. لا يخشى سطوة المعلم كرشة و ينصحه بالبعد عن الشذوذ ، و ينصح عباس الحلو قبل مقتله بساعات بأن ينسى حميده و يرجع لعمله في الأورنس..
المعلم كرشة
شخصية محيرة بالفعل ..كيف تدهور من فتى ثائر و عضو فاعل في ثورة 1919 إلى بلطجى و تاجر مخدرات و شاذ؟؟ هل يلفت نجيب محفوظ نظرنا بعنف نحو هؤلاء الذين آمنوا بثورة 1919 ثم إنتهت الثورة إلى لاشئ؟ هل هذا مصير من ينتمى إلى ثورة قائدها باشا؟ الحق لم أجد إجابة شافية عن هذا السؤال المحير رغم البحث و التدقيق.. و لكن " محفوظ يقول بالحرف الواحد : إنقلب نصيرا لمن يدفع أكثر ، يعتذر عن مروقه بما طرأ على الحياة السياسية من فساد، قائلا إنه إنه إذا كان المال غاية المتنابذين في ميدان الحكم، فلا ضير أن يكون كذلك غاية الناخبين المساكين، بلحقه الفساد و غلبه الذهول و ركبته الشهوات و نبذ جميع قيم الحياة الشريفة.نرى "الداء الوبيل" كما يصف نجيب محفوظ الشذوذ الجنسى للمعلم كرشة صاحب المقهى ،..ونسمعه بقحته المعهودة " لكم دينكم و لى دين" يتحلل تماما من أى قيد أخلاقى أو دينى .. و على النقيض تماما زوجته.. تسمعها تدافع عن بيتها و هى تأخذ بتلابيب الشاب الرقيع الذى يأتى له على المقهى: إياك أن تتحرك يا فاجر ، يا مرة في ثياب رجل، أتريد أن تخرب بيتى يا رقيع يا إبن الرقعاء؟ أنا ضرتك؟؟ و إذا حاول ان يدافع عنه تصرخ فيه: يا حشاش يا مذهول ، يا وسخ، يا إبن الستين، يا أبا الخمسة و جد العشرين، يا رطل، سفخص على وجهك الأسود..
الشيخ درويش
ونعتقد أنه من مقعده على المقهى يقوم بدور الرواى للأحداث بل يتنبأ بما سوف يحدث، بل يضيف الدكتور ( غالى شكرى ) أنه ضمير هذه الحارة، كان مدرسا للغة الإنجليزية ثم نقل إلى وزارة الأوقاف ، و عندما بدأ يحرر مخاطبات الوزارة بالإنجليزية ، حول للتحقيق، و قبل أن يبت في التحقيق ، إنتهى الأمر بأن إقتحم مكتب وكيل الوزارة ، و قال له يا سعادة الوكيل : لقد إختار الله رجله... إنى رسول الله إليك بكادر جديد... فتم إحالته للتقاعد..و يتميز إلى جانب الصفاء بالرؤية الثاقبة ، و خفة الظل ، فبعد معركة المقهى بين حرم المعلم و الشاب الرقيع يقول:يا معلم .. إمرأتك قوية ، هى ذكر و ليست أنثى ، فلماذا لا تحبها؟؟و إذ ينهره السيد علوان يوما يبكى و ينتحب كالطفال .. و يصيب الزقاق الرعب من بكاءه ظنا منهم أنه تحميه ملائكة.. و ان غضبا سيحل بهم جراء بكاءه هذا..
زيطة
شخصية ذات طابع خاص جدا ، تمت سرقتها في فيلم " المتسول" بدون أى الإشارة إلى المصدر، جسد نحيل أسود و جلباب أسود، سواد فوقه سواد، القذارة الملبدة بعرق العمر كونت على " جثته" طبقة سوداء، لا يزور و لا يزار،يقصده الراغبون في إحتراف الشحاذة ،كانت رائحته النتنة هى سبب تجنب أهل الحارة له، كان إذا سمع صوات على ميت يرقص طربا " جاء دورك لتذوق التراب الذى يؤذيك لونه على جسدى " يصفة " توفيق حنا" أنه شخصية أسطورية ، إستخدمه محفوظ ليعكس ما فعله المسيح إبن مريم عليه السلام ، فإذا كان المسيح قد أتى ليعيد للأعمى بصره ، فإن زيطة يعمى المبصر ليستطيع أن يعيش بعاهته.. يتسلى بتخيل جعدة الفران هدفا لعشرات الفؤوس واجدا في ذلك لذة لا تعادلها لذة، يتصور السيد سليم علوان و قد استلقى على الأرض ووابور زلط يروح عليه و يجئ و دمه يجرى ، أو يتمثل السيد رضوان تجره الأيدى من لحيته الصهباء نحو الفرن الملتهبه، ثم يستخرجونه منها زكيبة من الفحم ، أو يرى المعلم كرشة مطروحا تحت عجلات الترام يمزق أوصاله ثم يلمون اشلاءه في مقطف قذر يبيعونه لهواة الكلاب.. أى شخصية هذه؟؟؟
حميدة/تيتي
الحق أن الدكتور / غالى شكرى في دراسته الهامة عن " المنتمى " نجيب محفوظ ، قد إكتشف خريطة للشخصيات الرئيسة في أدب محفوظ، هى الطريق القصير و المسدود و الطريق المفتوح..و شخصية حميدة هى اوضح مثال لمن يختار بكل إرادته السير في هذا الطريق القصير و عليه أن يتحمل نفقات و تبعات ذلك الطريق المأسوي.
هى الشخصية الرئيسة في زقاق المدق و التى حولها تدور الاحداث و الشخصيات ،من خلال المجهر المكبر يراها محفوظ بأدق تفاصيها..، أبصرت النور يتيمة و تلقفتها زميلة أمها في بيع المفتقة ، و تولت تربيتها، أحبتها كإبنتها، و لكن حميدة لم يعرف الحب طريقا لقلبها، هى تعشق المال .. المال فقط ... هو القوة و هو النفوذ.. كل شئ..هى تملك ذلك الجمال الباهر الذى لا تخطئه العين... يقابله قبح قبيح في شخصيتها منذ اللحظة الأولى لا تتعاطف معها على الإطلاق ، فهى كما تطلق عليها أمها بالتبنى " الخماسين" و ياله من وصف يذكرنا بتلك الرياح الموسمية الحارة المحملة بالأتربة و الرمال و القاذورات.. هى بلا قلب .. بلا مشاعر .. بلا رحمة تستعمل حب جارها عباس إستعمالا دنيئا، تسخره لرغباتها .. توهمه بالحب لكى يهجر محله و يسافر للأورنس ليجمع لها المال .. لا مانع من الكذب عليه و إيهامه بأنها تعشقه و ستدعو له في الحسين ليعود سالما غانما..و بعد سفره ، تنبذه كانه لم يكن، و تقبل خطوبة أغنى رجل في الزقاق السيد / علوان" مع ملاحظة الإسم إنه عالى"..يضيف نجيب محفوظ في وصفها " بل إنها من حب الجاه لفى مرض.. و إن الشغف بالقوة لغريزة جائعة في باطنها ، فهل يتاح لها الشفاء أو الإرتواء إلا بالثروة؟ لم تكن تدرى دواء لهذا التشوف الأليم يضطرم في أعماقها إلا الثراء الكبير، فهو الجاه العريض ، و هو القوة الشاملة ، و هو بالتالى السعادة الكاملة .-و إذ عرفت أن السيد علون يرغبها زوجة .." كانت في سرورها المباغت كمحارب أعزل عثرت يده بسلاح مصادفة في أشد المواقف حرجا .. كانت كطائر مقصوص الجناحين يسف في يأس و قنوط على الرغم محاولاته الفاشلة ، ثم ينبت له ريش بمعجزة تدق على الأفهام ،يحلق به ألى قمم الجبال"- المال و الجاه فقط هو ما تقدر عينيها الجميلاين على رؤيتهما.. و ليس هذا فقط بل عندما إستشارت أمها الشيخ رضوان الحسينى في شرعية فسخ الخطبة على الحلو و رفض الشيخ الجليل قالت لأمها" لا تسألى السيد عن زواجى و سليه إن شئت عن تفسير آيه أو سورة.. أما و الله لو كان طيبا كما يزعمون لما رزاه الله في أبنائه جميعا".. هو ولى من أولياء الله و نبى ايضا إن أحببت و لكنه لن يقف حجر عثرة في سبيل سعادتى... أى بشاعة؟ هى إختارت بكل إرادتها الطريق القصير " إنتظمت في سلك الدعارة لؤلؤة منعدمة النظير.
لم يترك نجيب محفوظ مناسبة واحدة ذكرت فيها حميده إلا و إنهال عليها بأوصاف غاية في القسوة.. " الأخلاق أهون شئ على نفسها المتمردة، و عندما فاتحها عباس الحلو في شأن الزواج ، كان خيالها يستدعى مشاهد الزواج المزمع بأنه" كنس و طبخ و غسل و إرضاع و جلباب مرقع و حفاء " و لكنها لم تغلق الباب في وجهه ، فهو الوحيد المناسب لها على الاقل مرحليا.
ونأتى إلى قمة الصراع في زقاق المدق مع قدوم المرشح إبراهيم فرحات و بصحبته القواد فرج. يطلب المرشح من الشيخ درويش الدعاء.. فيرد " الله يخرب بيتك" .. و في تلك الليلة أيضا ، تلتقى حميدة بالقواد و تسلك طريقها البائس ، إذا عدنا بضعة ساعات قبل قدوم هذه الليلة الكئيبة ، في الصباح ، نجد نجيب محفوظ يهيئ لنا مسرح المهرجان الإنتخابى بعمال يقيمون سرادق الحفل ، و نسمع بوضوح عم كامل بائع البسبوسة و زميل الحلو بالسكن يقول " إنا لله و إنا إليه راجعون" ظنا منه أنه سرادق لميت- سيموت الحلو بعد ذلك ثمرة لقاء حميدة بالقواد في هذه الليلة المشؤمة- و إذ يعلم انها إنتخابات يقول" سعد و عدلى مرة أخرى" مشيرا إلى نهاية ثورة 1919 التى إنتهت فعلا بمنافسات على الحكم و لعلنا نتذكر هنا نكتة مصرية قديمة تقول "أنت سعديست ولا عدليست؟" فيرد المصرى العبقري: "أنا فلـِّست!" ويرفض عم كامل أن يلصقوا إعلانا إنتخابيا بدكانه فيقول" ليس هنا يا ولاد الحلال / هذا شؤم يقطع الرزق" في هذه الليلة تحددت المصائر ... وسارت حميدة في طريقها القصير الكئيب ودفع الحلو ثمن سلبيته و تخاذله و خضوعه لحب من لا ترحم و من لم يعرف الحب إلى قلبها طريقا..
اليهودي
يحسبه الجاهل صديقا، وهو في الحقيقة نمر يتوثب، يتمسكن ويتمسكن حتى يتمكن، والويل لمن يتمكن منه، هو عدو ما من صداقته بد، بل هو شيطان مفيد كما يراه التاجر السيد علوان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
القواد
رسم نجيب محفوظ هذه الشخصية بإقتدار نادر، فهو صائد عبقرى، يحوم حلو الفريسة ويسبر أغوارها، ويجهز شباكه، ولا يبدا القنص إلا بإستراتيجية محكمة غاية الإحكام، أدرك طبيعة حميدة الثائرة المتوحشة المتكالبه على المال والقوة والسلطان بأى ثمن، أدرك أنها ليست الفتاة الساذجة التى يخدعها بمعسول الكلام وبالأحلام الوردية، بل نجده يقول لها بكل شفافية "أريد شريكا محبوبا نقتحم معا حياة النور، والثروة، والجاه، والسعادة، لا حياة البيت التعسة، والحبل والولادة والقذارة، حياة النجوم اللاتى حدثتك عنهن" ورغم يقينها أنها فهمت المعنى، بقولها " تدعونى للفساد! يالك من مفسد اثيم" وتقول له لست رجلا بل أنت قواد، ويرد " أليس القواد رجلا؟ وحق جمالك الفتان ولا كل الرجال، وهل تجدين عند الرجل العادى غير وجع الدماغ؟ أما القواد فهو سمسار السعادة في هذه الدنيا..لو كنتى فتاه بلهاء لخدعتك، و لكنى قدرتك فآثرت معك الصراحة والحق، إن كلينا معدن واحد، خلقنا الله للحب و التعاون، فإذا إجتمعنا إجتمع لنا الحب والمال والجاه، وإذا إفترقنا إفترقنا للشقاء والفقر والذل، أو إفترق أحدنا على الأقل ... هو هنا يعطيها مفترق للطريقين .. الطريق الطويل بأن تعود لعباس الحلو وتتزوج في الزقاق أو الطريق القصير المسدود .. طريق المال والجاه المعبد بالدعارة.
ونصل إلى قمة أداء القواد في مشهد غير عادى فنيا ودراميا، مشهد المصارحة بأنه لا يحبها وانها مجرد رقم في مدرسة السعادة الحرام، عندما نشبت أظافرها في وجهه، كان يعلم انها ستعشقه أكثر لو ضربها .. فهى تعشق القوة وتعشق من يستخلص منها القوة .. ولكنه بإحترافية شديدة ولنترك محفوظ يصف هذا المشد شديد الثراء الفنى " لكنه من ناحية أخرى يقدر عواقب الإستسلام للغضب، ولا يغيب عنه أن دفع العدوان بالعدوان سيوثق الرباط الذى يروم نقضه، ويزيد من تعلقها به، فضبط نفسه، وكبح جماح غضبه، وصمم على أن يكاشفها بالقطيعة السافرة ، وذلك بالإنسحاب من المعركة، فتراجع خطوة وإنفتل آفلا ......" وبالفعل هذه اللحظة أنهت حبها الوهمى له و قررت أن تنتقم وتقتله ، وفجاة ينبعث صوت عباس الحلو وكأنه آت من قبر- سيموت بعد هذا المشهد مقتولا على أيدى عشاقها الإنجليز- حميدة؟؟؟ فتندهش وبسرعة عجيبة تقرر أن تستعمله لقتل القواد .. وبالفعل يخضع لها ويقرر أن يقتله و لكنه يقتل على يد السكارة في الحانة بعد ان يصيبها بكوب من الزجاج في رقبيتها ووجهها ... قاصدا تشوية هذا الجمال الملعون.
ويختم محفوظ الرواية على لسان الشيخ درويش بصفته الراوى و الضمير " يا ست الستات .. يا قاضية الحاجات .. الرحمة .. الرحمة يا آل البيت و الله لأصبرن ما حييت.. أليس لكل شئ نهاية؟.. بلى لكل شئ نهاية و معناه بالإنجليزية End.
الفيلم
- مقالة مفصلة: فيلم زقاق المدق
أخرج الفيلم المخرج الكبير حسن الإمام وله كلمة مشهورة قالها بنفسه عن نفسه: " قد أكون أحب الهز.. ولكني لا أهتز!!!" والحق أن فلسفة الهز أثرت كثيرا في إخراج الرواية للشاشة الفضية بل إهتزت كثير من الملامح الدرامية للشخصيات ،ففى مشهد دخول حميدة شقة القواد لأول مرة، يقف القواد واضعا كفه في وسطة صانعا مثلثا بين ذراعة وجسمه .. ويأتى (حسن الإمام) بالكاميرا من خلفه، ويضع حميده أمام القواد ويقترب بالكاميرا لكى يدخل حميدة في المثلث .... ليقول بلغة سنيمائية فجة أنه " طواها تحت باطه" كما يقول المثل الشعبى الشهير.. وجاء دور حميدة الذى لعبته الفنانة المحبوبة (شادية) عكس ما أريد منه فلقد أحببنا شادية و تعاطفنا معها بينما كان ينبغى ان نرفضها و نحتقرها كما أراد نجيب محفوظ.
غير مخرج فيلم زقاق المدق حسن الإمام نهايته من مقتل عباس لحلو إلى مقتل حميدة وهو مماأثر على جوهر فكرة الرواية التي تدور حول نهاية حتمية وفق مسار البناء الدرامي الذي برع فيه نجيب محفوظ وهي نهاية درامية لبطل ساذج دفعه حبه الأعمى لفتاة أمية إلى التهور والموت.
أثر الرواية
تم تحويل الرواية إلى فيلم اخر في المكسيك عام 1995 باسم El callejón de los milagros أو Midaq Alley وكان أول دور لسلمى حايك في السينما ونال العديد من الجوائز بالرغم من تعديل الرواية لتلائم النمط السينمائى المكسيكى الا انك تشعر انة في فيلم مصري دون أن تعرف ان نجيب محفوظ هو كاتبه.
المصادر
- كتاب المنتمى للدكتور غالي شكري.