حصار دمنهور 1806
اعتزم الألفي عندما وصلت العمارة التركية الى الاسكندرية ان يستقر في دمنهور ليتخذها مركزا يجمع فيه قواته ويدير خططه، وكان يظن ان اهلها لا يخالفون له أمرا بعد وصول الوالي الجديد، فأعلنهم بقدوم العمارة التركية ووصلو فرمان يقلده حكم مصر، وطلب اليهم تسليم المدينة ونزولهم على حكمه، لكن الاهالي رفضوا التسليم، واعدوا لمقاومته والامتناع في المدينة، وأرسلوا الى السيد عمر مكرم ينبؤنه بالخبر فأبلغه الى محمد علي باشا، ووضع الألفي الحصار حول دمنهور لاكراهها على التسليم.[1]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تضامن محمد علي والعلماء في مقاومة فرمان العزل
استوثق محمد علي من معاضدة السيد عمر مكرم، ومن ثم عزم على مقاومة ارادة الباب العالي، وأخذ يتأهب للحرب والقتال، واتفق هو والسيد عمر على أن يجتمع العلماء ويكتبوا محضرا في شكل التماس بالاعتراض على عزل محمد علي والاحتجاج على تولية موسى باشا ورجوع السلطة للمماليك.
ومضمون هذا الاعتراض ان الامراء (المماليك) قد عرضوا على السدة السلطانية تعهدهم بدفع الاموال الاميرية الى خزانة الدولة العلية واداء مرتبات الحرمين الشريفين والعفو عن جرائمهم الماضية في مقابل اقرارهم على دخول مصر القاهرة، وان طلبهم قد حاز القبول، ومن ثم صدر الامر السلطاني بعزل محمد علي باشا وتوجيه ولاية سلانيك اليه وتقليد موسى باشا ولاية مصر، وقبلت توبتهم على ان يقبل العلماء والوجاقية والرؤساء والوجهاء بالديار المصرية كفالتهم، على أن الموقعين على العريضة لا يستطيعون كفالتهم "فان شرط الكفيل قدرته على المكفول، ونحن لا قدرة لنا على ذلك، ولما تقدم من الأفعال الشهيرة، والأحوال والتطورات الكثيرة، ولا يمكننا التكفل والتعهد لأننا لا نطلع على ما في السرائر وما هو مستكن في الضمائر، فنرجوا عدم المؤاخذة في الأمور التي لا قدرة لنا عليها، لأننا لا نقدر على دفع المعتدين والطغاة والمتمردين، الذين أهلكوا الرعايا ودمروهم، وعدد العلماء في عريضتهم مساوئ المماليك ومظالمهم، وأطروا فعال محمد علي باشا، وختموا كلامهم بتفويض الأمر الى السدة السلطانية ، وكتبوا من العريضة نسختين احداهما الى القبطان باشا والاخرى الى السلطان بعدما وقعوا عليها بامضاءاتهم وأختامهم.
ومعنى هذا البيان على ما فيه من اظهار الولاء والاخلاص للسدة السلطانية أنهم لا يجيزون تغيير الوالي، ولا يرضون بعودة الحكم الى المماليك، ولا يقبلون كفالتهم، وأنهم متمسكون بولاية محمد علي، وفي هذا من تأييده في مركزه والاستهانة بالفرمانات (الشاهانية) ملا يغرب عن البال.
أما قبطان باشا فقد مضى في تنفيذ مهمته، فبعث الى العلماء برسالة ينبئهم فيها بعزل محمد علي باشا وتقليد موسى باشا، ويدعوهم الى الامتثال للأمر، وبعث بمثل هذه الرسالة الى السيد عمر مكرم، وبثالثة الى السيد محمد السادات، فلم يلق منهم جوابا صريحا بالامتثال ، بل ابدوا أعذارهم، وكانت الأوامر تقضي برحيل الجنود الأرناؤد مع محمد علي ، فتذرعوا بأن امتناع الجنود عن الرحيل وعصيانهم يترتب عليه تعرض البلاد للخراب، فكرر قبطان باشا عليهم الامر في رسالة شديدة اللهجة قال فيها: "انه لا يقبل هذه الاعذار ولا ما نمقوه من التمويهات التي لا أصل لها ولابد في تنفيذ الاوامر وسفر الباشا (محمد علي) هو وحسن باشا وعساكرهم وخروجهم من مصر وذهابهم الى ناحية دمياط وسفرهم الى الجهة التي أمروا بالذهاب اليها، ولا شيء غير ذلك أبدا".
وكتب العلماء رسالة أخرى الى قبطان باشا في شهر جمادى الثانية سنة 1221 (أغسطس سنة 1806) يذكرون فيها صراحة أنهم لا يرتضون عن محمد علي باشا بديلا، ومما جاء في هذه الرسالة قولهم: "ان محمد علي باشا كافل الاقليم وحافظ ثغوره ومؤمن سبله، قاطع المعتدين، وان الكافة من الخاصة والعامة والرعية راضية بولايته وأحكامه وعدله، والشريعة مقامة في أيامه، ولا يرتضون خلافه لما رأوا فيه من عدم الظلم والرفق بالضعفاء وأهل القرى والأرياف، وعمارها بأهلها ورجوع الشاردين منها في أيام المماليك المعتدين الذين كانوا يعتدون عليهم ويسبلون أموالهم ومزارعهم ويكلفونهم بأخذ الفرض والكلف (جمع كلفة) الخارجة عن الحد أما الآن فجميع أهل القطر المصري مطمئون بولاية هذا الوزير".
استعداد محمد علي للحرب
اعتمد محمد علي اذن تأييد زعماء الشعب له في المقاومة وأخذ يحرض رؤساء الجند على العصيان والمعارضة في رحيله، وقد صادف هذا التحريض هوى في نفوسهم لأنهم خشوا اذا هو ارتحل عن مصر أن تسقط رواتبهم المتأخرة وكانت تبلغ نحو عشرين ألف كيس، فاتفق واياهم على ان يقاوم الأمر الصادر له من الاستانة اذا اعطوه موثقا بأن يكونوا مخلصين له متفانين في الدفاع عنه فعاهدوه على الأمانة والاخلاص، وأقسموا له أنهم مؤيدوه وناصروه، فأخذ يعمل مطمئنا ويستعد للمقاومة، فأمد القلعة بالميرة والذخيرة، وحصن الطوابي الباقية من عهد الحملة الفرنسية والمحيطة بأطراف المدينة ، وأنفذ جيشا من جنوده الى الرحمانةي ليكون على أهبة الاستعداد لقتال الألفي بك والاتراك، وبعث الى حسن باشا بالصعيد يدعوه الى التقدم نحو القاهرة لتكون قوائها كلها على اهبة القتال.
رواية الجبرتي
قال الجبرتي في هذا الصدد: "وشرع الباشا في عمل آلات حرب وجلل ومدافع، وجمعوا الحدادين بالقلعة وأصعدوا بنبات كثيرة واحتياجات ومهام الى القلعة، وظهر منه علامات العصيان وعدم الامتثال، وجمع اليه كبار العسكر وشاورهم وتناجى معهم فوافقوه على ذلك".
وقال في موضع آخر: "وأرسل الباشا فجمع الاخشاب التي وجدها ببولاق في الشوادر والحواصل والوكائل وطلعوا بجميع ذلك الى القلعة لعمل العربات والعجل برسم المدافع والقنابر".
موقف زعماء الشعب
كل هذا الاستعدادات تدل على ان محمد علي قد اعتزم فعلا مقاومة قرار الباب العالي بالقوة، ولقد عاونه على انفاذ فكرة المقاومة ثقته بتأييد زعماء الشعب له وتضامنهم واياه في مقاومة عودة المماليك الى الحكم.
ولقد كان تاييدهم صادرا عن نية صادقة وعقيدة راسخة في نفوسهم، لانهم هم الذين اختاروه للولاية، فهم بحكم اختيارهم يريدون ان تنفذ ارادتهم بتثبيت قدم محمد علي في الحكم ولانهم من جهة اخرى يعلمون ان تعيين موسى باشا مع اطلاق يد المماليك ورؤساهم في الحكم معناه الرجوع الى حكم المظالم والارتكاس في الفوضى، وهذا أمر لا ترضاه نفوسهم لانهم هم الذين أثارو الشعب على هذه المظالم ولقد رأوا في سياسة محمد علي باشا ورجوعهم اليهم في تقرير الضرائب التي يفرضها وفاءا بالعهد الذي قطعه على نفسه حين ولايته الحكم على ان يسير بالعدل والقسطاس، فلا جرم ان تطمئن نفوسهم اليهم، كل هذه الظروف جعلت تأييد زعماء الشعب لمحمد علي امرا طبيعيا يقضي منطق الحوادث بأن لا مناص منه. فمناصرة زعماء الشعب لمحمد علي باشا هي تاييد للسياسة التي رسموها من قبل، وتثبيت للسلطة التي كسبوها في تسيير شئون الحكومة، وهذه السلطة نفسها لم يتجاهلها الباب العالي لانه جعل رجوع المماليك الى الحكم معلقا على كفالة العلماء لهم، ولقد استمسك العلماء بهذا الشرط فصرحوا في عريضتهم الى الدولة انهم لا يقبلون هذه الكفالة ولا يرضون بها، ومعنى ذلك انهم لا يريدون رجوع الحكم الى المماليك ولا يبغون عن محمد علي بديلا.
موقف زعماء الشعب
كل هذا الاستعدادات تدل على ان محمد علي قد اعتزم فعلا مقاومة قرار الباب العالي بالقوة، ولقد عاونه على انفاذ فكرة المقاومة ثقته بتأييد زعماء الشعب له وتضامنهم واياه في مقاومة عودة المماليك الى الحكم.
ولقد كان تاييدهم صادرا عن نية صادقة وعقيدة راسخة في نفوسهم، لانهم هم الذين اختاروه للولاية، فهم بحكم اختيارهم يريدون ان تنفذ ارادتهم بتثبيت قدم محمد علي في الحكم ولانهم من جهة اخرى يعلمون ان تعيين موسى باشا مع اطلاق يد المماليك ورؤساهم في الحكم معناه الرجوع الى حكم المظالم والارتكاس في الفوضى، وهذا أمر لا ترضاه نفوسهم لانهم هم الذين أثارو الشعب على هذه المظالم ولقد رأوا في سياسة محمد علي باشا ورجوعهم اليهم في تقرير الضرائب التي يفرضها وفاءا بالعهد الذي قطعه على نفسه حين ولايته الحكم على ان يسير بالعدل والقسطاس، فلا جرم ان تطمئن نفوسهم اليهم، كل هذه الظروف جعلت تأييد زعماء الشعب لمحمد علي امرا طبيعيا يقضي منطق الحوادث بأن لا مناص منه. فمناصرة زعماء الشعب لمحمد علي باشا هي تاييد للسياسة التي رسموها من قبل، وتثبيت للسلطة التي كسبوها في تسيير شئون الحكومة، وهذه السلطة نفسها لم يتجاهلها الباب العالي لانه جعل رجوع المماليك الى الحكم معلقا على كفالة العلماء لهم، ولقد استمسك العلماء بهذا الشرط فصرحوا في عريضتهم الى الدولة انهم لا يقبلون هذه الكفالة ولا يرضون بها، ومعنى ذلك انهم لا يريدون رجوع الحكم الى المماليك ولا يبغون عن محمد علي بديلا.
المصادر
- ^ الرافعي, عبد الرحمن (2009). عصر محمد علي. القاهرة، مصر: دار المعارف.
{{cite book}}
: Cite has empty unknown parameter:|coauthors=
(help)