الطباعة في عصر محمد علي
في 4 نوفمبر 1821، افتتح محمد علي لأول مرة في مصر دارا للطباعة بمساعدة الخبراء الأجانب، وعلى أساس آلات الطباعة التي خلفتها البعثة العلمية الفرنسية. وقد تسلم ادارة المطبعة نقولا مسابكي السوري الاصل، الذي ارسل خصيصا الى ايطاليا لدراسة فن الطباعة (1815-1820). صارت المطبعة تنشر الكتب المدرسي في شتى حقول العلم والمعرفة باللغة العربية والفارسية والتركية. بادئ ذي بدء كانت الترجمة تتم على أيدي شبان عديمي الخبرة في ميدان التجرمة ، ثم تسلم الى المحريين والمصحيين ممن امتازوا في علم اللسان وصناعة البيان، فيبذلون جهودا جبارة لاصدارها، وكان المحرر المسؤول في مقدمة هؤلاء الثقات. [1]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مطبعة بولاق
- مقالة مفصلة: مطبعة بولاق
مطبعة بولاق أو المطبعة الأميرية، هي أول مطبعة رسمية حكومية في مصر. وتعتبر أول مطبعة تقام على أسس صناعة الطباعة وعملت على إحداث نقلة ليست نوعية فحسب بل نقلة كمية ومعرفية للعلم في المنطقة العربية بأسرها. وقد أنشأها محمد علي باشا عام 1820.
لم تنشأ مطبعة بولاق بمفردها مستقلة عن بقية مشروعات محمد علي بل كانت جزءاً من مشروع تنموي كبير، وكانت كأي مؤسسة أخرى من مؤسساته يُرجى منها أن تساهم بإنجاح جانب من ذلك المشروع التنموي الكبير.
جريدة الوقائع المصرية
- مقالة مفصلة: جريدة الوقائع المصرية
وأصدرت هذه المطبعة الأهلية وتعرف بمطبعة بولاق أول جريدة عربية رسمية هي الوقائع المصرية والجدير بالذكر أن الغموض لا يزال يكتنف تاريخ هذه الجردية في الاستعراب السوفيتي ، وذلك بسبب فقدان مجموعاتها في الأرشيفات العربية، والمصرية خاصة، ولأن أعدادا قليلة وصلتنا من الأعداد التي صدرت خلال الإثني عشر عاما الأولى. ولتقديم صورة عن الفوضى القائمة في التأريخ لهذه الجريدة نقول ان ج. رينو، مدير الجمعية الآسيوية في باريس، أكد سنة 1831 أن الجريدة المذكور ظهرت في أول عهدها بالعربية فقط، ثم باللسان التركي لعدة أشهر، أكد فيليب الطرزي كبير ثقافة مؤرخي الصحافة العربية سنة 1910 "ان الجردية ظهرت في أول عهدها في اللسان التركي فقط، ثم برزت في اللغتين العربية والتركية، ثم عادت تركية محضة ثم عربية خالصة ولم تزل، وهي تصدر الآن ثلاث مرات في الأسبوع".
والرأي الأخير، رغم عدم صحته ، لا يزال يلاقي قبولا واسعا في أوساط المستعربين السوفييت والأجانب. ان المعلومات الواردة في كتاب جان دين "موجز المصادر التركية في القاهرة" ومؤلف خليل صابات "تاريخ الطباعة في الشرق العربي" والصور الشمسية الموجودة فيهما. فضلاا عن المكروفلم الذي استلمناه من الخارج لصور مايربو على العشرة من أعداد الجريدة الصادرة في العامين الأولين (1831-1833) لجريدة الوقائع المصرية أوصلتنا الى الاستنتاجات التالية:
أولا – كانت الجريدة منذ اليوم الأول نصف شهرية لا اسبوعية، فقد صدر العدد الأول في 25 جمادى الأولى 1244 هـ الموافق 3 كانون الأول (ديسمبر) 1828، أما الثاني فتاريخ 9 جمادي الآخرة أي 17 كانون الأول (ديسمبر) . أما الأعداد الصادرة سنة 1831 والتي رأيناها بأم العين منذ 9 شوال 1247 حتى 28 منه، اي ثمانية أعداد خلال عشرين يوما، وكذا صدرت أعداد سنة 1832 وفجأة تحول صدورها سنة 1833 الى مرتين في الأسبوع بدلا من ثلاث مرات.
ثانيا: الاعداد التي رأيناها والصادرة في الحولين الأولين وفي السنوات اللاحقة كانت باللغتين العربية والتركية، مع رجوح كفة المواد الصادرة بالتركية، وسيزول عجب القارئ الكريم ازاء حقيقة تغاضي الكتاب العرب عن هذه المسألة، اذا أخذنا بالحسبان الظروف السائدة بين الأوساط الحاكمة العليا فقد كان اللسان التركي مهيمنا تماما.
أضف الى ذلك ان الناشرين – لم يتعمدوا نشر معظم المواد بالتركية – بهدف الحط من قدر اللغة العربية لسبب بسيط جدا وهو أن المواد العربية احتلت مركز الصدارة في العدد الأول.
ولكن، ينبغي التذكير ان افتتاحية العدد البكر من الوقائع المصرية كانت باللسان التركي.
"تفضل عطوفة مولانا العادل (عساف – اسم كبير وزراء الملك سليمان الحكيم، وأطلق هذا اللعب على محمد علي تكريما لمقامه – المؤلف)، بانشاء ديوان الجرنال ، وبابداء رغبته السامية في جمع التقارير والمعلومات الواردة من عماله على المدن والأرياف ، ومن ثم مناقشتها ونشرها وايصالها الى من يهمه الأمر، كي يتمكن المسؤولون من تكوين فكرة عما يفيد الناس فيتبعوه، ويضر الناس فيتحاشوه.ورغم أن ديوان الجرنال يسعى لتحقيق هذه الأهداف النبيلة، فان مولان المعظم محمد علي باشا الكبير قد صرف همته الى توسيع نطاق المعارف بين السكان، فرأى ان الحاجة ماسة الى ايجاد جريدة تقوم بنشر أوامر الحكومة الخديوية واذاعة اعلاناتها واخبار جلسات الديوان الكبير وديوان الخديوي. فضلا عن التقراير الواردة من بلاد الحجاز والسودان، ورأى سماحته أن عملا كهذا سيكون عظيم الفائدة لأعيان البلد ووجهائها وأشرافها، اذ يجدون على صفحاتها المعلومات الضرورية عن الشؤون العامة، وبعون الله العلي القدير نسعى لنشر هذه الجريدة التي سميناها الوقائع المصرية".
تلى هذه الافتتاحية عنوان كبير "صناعة المحروسة" وهو عبارة عن الأخبار الواردة من شتى مؤسسات الدولة لم تظهر معنونة في العدد التالي الصادر في 9 جمادي الآخرة 1244 (17 كانون الأول (ديسمبر) 1828)، وان الوقائع اتخذت مظهرا يميزها كجريدة حقيقية. ولذا يجدر بنا التحدث عن الجرنالات التي شكلت الاساس الذي قامت عليه هذه الدورية.
لقد أمر محمد علي باشا بانشاء دفتر الحوادث اليومية لدى المعية السنية أو مجلس الشورى، وأوكل الاشراف عليه لكل من فخري أفندي وأمين أفندي. هذا الدفتر بالذات جعل من التقارير الكشوف ذات أهمية كبرى في حياة البلاد الادارية، واستبدلت بكلمة الدفتر "الجرنال" المأخوذة عن الايطالية (والأقل رجوحا عن الفرنسية) فهي اذن كلمة دخيلة على العربية والتركية معا. تجمع على شكل جرنالات أو جرانيل وسرعان ما أنشئ قلم الاقليم والجرنال لدى المعية السنية وتسلم ادارته دايت بك معاون الخديوي، وعلى اساسه قام ديوان الجرنال 1828 في القلعة مقر الخديوي، اقتصرت مهمته بداية على تنظيم ومراقبة اعمال الدواوين في القاهرة ومصر العليا ومصر السفلى وفقا للتقارير والكشوف المرسلة من المصالح الحكومية في العاصمة وبقية المدن والريف.
اضف الى ذلك ان محمد علي كان يمسك بزمام السلطة ويفرض على جميع الدواوين والمجالس التابعة لها ارسال التقارير بصورة منتظمة الى مجلس الشورى والتي كانت تجمع وتنسق تدريجيا فيما عرف بالجرنالات اليومية. فكانت المهام الرئيسية لديوان الجرنال تتركز في ترتيب وتصنيف التقارير والأخبار والمعلومات، ومن ثم نشرها واذاعة أوامر الحكومة واعلاناتها وسائر الحوادث اليومية.
اضافة الى مجلس الشورى كان هناك ما يسمى بديوان الخديوي أو الديوان الملكي المصري أو ديوان القلعة، نسبة الى مقره، بادئ ذي بدء لم يكن له أي فرع خاص، وكانت الجرنال تنظم وفقا للمعلومات الواردة من ديوان الدعوة (القضاء) . أما التقراير الواردة من رؤساء مخافر الشرطة الى المدير القائم بأعمال ناظر الديوان حول الشؤون الخارجة عن نطاق صلاحياتهم، كتنظيم العمليات المعادية للحكومة والجرائم الخطيرة وعمليات التشهير وغيرها، فقد مثلت الأساس الذي قامت عليه الجرنالات.
وبقدر ما كانت جرنالات ديوان الجرنال هامة فان جرنالات الديوان الخدمي أصبحت أعظم أهميةب النسبة للجريدة الرسمية، بمعنى أن الوقائع الصمرية أصبحت بمثابة جرنال جامع وشامل لكل الجرنالات الأخرى في البلاد المصرية، ومن الظاهر أن وفرة المعلومات الصادرة عن دوائر الشرطة بالقياس الى أخبار الديوان الخديوي، هي التي أثارت دهشة رينو واستغرابه عند رؤيته لجريدة الوقائع المصرية .
كان الكاتبان المعاصران دي غادلفين وبارو قد نشروا في باريس عام 1837 كتابتهما المعنون "تاريخ حرب محمد علي في سورية وآسية الصغرى ضد الباب العالي العثماني 1831-1833" ضمناه ملحقا بالوثائق الرسمية تحت اسم "نشرات الجيش السوري" . وقد أفاد الكاتبان ان هذه النشرات كانت تعد في القاهرة وتذاع في سورية، وأكدا أن النشرة ذات الرقم 10 لم تر النور قبل نشر كتابهما. وهكذا، فالنشرات قيد البحث تشير الى مصدر الأخبار القادمة من ساحات المعارك عن طريق نشرة المركز العسكري (كلمة نشرة بالفرنسية مكتوبة بحرف صغير) و"جرنال الجيش السوري (كلمة جرنال مكتوبة بحرف كبير).
من الواضح أن كلمة "نشرة" يجب اعتبارها مرادفا لكلمة جرنال (جرنال الجيش الموجود في سورية أو قيادته المركزية)، أو تلميحا الى الجرنالات – النشرات اليومية العسكرية التي لا تزال محفوظة في أرشيف الديوان الملكي. ولكن، كيف نفرق بين كلمتي "النشرة" و"الجرنال" المشار اليهما أعلاه، وكيف نتفهم مغزاهما؟ ترى هل هي اشارة الى جريدة منتظمة كانت تصدر في الأراضي السورية من القيادة العسكرية المصرية؟ اذا قدر لمثل الصحيفة الوجود فمن المفترض أن تنشر بلغتين كالجريدة التي أشار اليها المؤرخان دي غالدلفين وبارو "غزيت القاهرة العربية والتركية" لأن كبار الضباط وضباط الصف في الجيش المصري كانوا يجيدون التركية بينما غالبية الجنود ممن يتكلمون العربية ولا يجيدون القراءة. ويحتمل أيضا أن تكون الجريدة فرنسية اللغة لوجود عدد غير قليل من الضباط الفرنسيين ذوي الرتب العالية في سلك الضباط، فضلا عن توفر قاعدة الحرف اللاتيني في ارض الشام. الأمر الذي دفع محمد علي لاصدار جريدة تعرف الرأي العام الأوروبي على خططه المعادية للسلطان التركي، وكسب تأييده ومناصرته في الحرب الدائرة. ونذكر في هذا المقام أنه بعد احتلال مصر لسورية شن ألكسندر بلاك مدير تحرير لومنيتور أوتومان الموالي للأتراك والحاقد أشد الحقد على العرب – شن حملة اعلامية ضخمة على المصريين، فكان رد الفعل الفوري من قبل الخديوي محمد علي أنه أمر باشناء جريدة لومنيتور إيجبسن الفرنسية (1833-1834).
ومهما يكن من أمر، فان جريدة الوقائع المصرية ظهرت باللسانين العربي والتركي مع رجحان كفة الأخيرة، برعاية الدكتور كلوت بك الذي فوض ادارتها وتحريرها الى العالم رفاعة رافع الطهطاوي.كما كانت الجريدة تصدر ملحقا فرنسيا غير دوري بعنوان "انفورماسيون إجبسن" (أخبار مصر). وقد تولى تحرير القسم العربي بعد الطهطاوي كثير من أرباب الشهرة الواسعة في العلم في مقدمتهم حسن العطارن وفي القسم التركي سامي بك (سامي باشا لاحقا) . ومن الجدير بالذكر أن الصحفي الارمني أنطون ديوري من الأستانة لعب دور كبير في مناصرة الجريدة. وما ان تسلم حسن العطار مشيخة الأزهر سنة 1832 حتى ناب عنه في الجريدة تلميذاه شهاب الدين المكي (نحو 1796-1857) وعبد الرحمن السعودي. وقد أسهم شهاب الدين الملقب بشاعر القاهرة اسهاما كبيرا في تطوير الموسيقى والعلوم التطبيقية.
المصادر
- ^ نجاريان, يغيا (2005). النهضة القومية-الثقافية العربية. دمشق، سوريا: أكاديمية العلوم الأرمنية - الدار الوطنية الجديدة.