جون ميلتون
جون ميلتون John Milton | |
---|---|
وُلِد | 9 ديسمبر 1608 (الأسلوب القديم) بريد ستريت، چيپسايد، لندن، إنگلترة. |
توفي | 8 نوفمبر 1674 (عمره 65) بنهيل، لندن، إنگلترة |
مكان الدفن | St Giles-without-Cripplegate |
الوظيفة | شاعر، نثر الجدل، موظف مدني |
اللغة | الإنگليزية، اللاتينية، الفرنسية، الألمانية، اليونانية، العبرية، الإيطالية، الإسپانية، الأرامية، السريانية. |
العرق | English |
الجامعة الأم | كلية المسيح، جامعة كمبردج |
أبرز الأعمال | الفردوس المفقود |
التوقيع |
جون مـِلتون (John Milton؛ عاش 9 ديسمبر 1608 - 8 نوفمبر 1674) شاعر وعالم إنگليزي من القرن 17، يعرف أكثر لقصيدة "الفردوس المفقود" Paradise Lost التي كتبها في عام 1667. أصيب في فترة لاحقة من حياته بالعمى، وكتب حول ذلك قصيدة مكونة من 14 بيتاً شعرياً. إلى جانب جفري تشوسر ووليام شيكسپير، يعتبر جون ملتون من أبرز شعراء الأدب الإنجليزي.
ولد جون ميلتون في مدينة لندن في 9 ديسمبر 1608. كان مهتماً بكتابة المقالات والقصائد. قصيدته الأكثر شهرة، "الفردوس المفقود"، التي تعتبر من أعظم الأعمال الشعرية في اللغة الإنجليزية. تلقى جون ميلتون تعليمه في كمبردج بين عامي 1625 و 1632، وهناك كتب قصيدة "في صباح يوم ميلاد المسيح" (بالإنجليزية: On the Morning of Christ's Nativity). كان طيله حياته شخصية نشطة في القضايا السياسية والدينية،
وإبان الحرب الأهلية الإنجليزية أصبح في صف أوليڤر كرومويل المعارض للحكم الملكي. استطاع الفرار من عقوبات حتمية بعد رجوع الحكم الملكي في عام 1660. بعد إصابته بالعمى في عام 1652، كرس نفسه لكتابة قصيدة "الفردوس المفقود" التي تحكي قصة الشيطان وهبوط آدم وحواء. بعد أربع سنوات نشر قصة انتصار المسيح على غواية الشيطان في "استرداد الفردوس" (Paradise Regained) والدراما "عذاب شمشون" (Samson Agonistes). تشتمل أعماله المعروفة الأخرى على المسرحية القصيرة "كومس" (1637)، و "أريوباجيتيكا" (1644). توفي في 8 نوفمبر 1674، في بكنگهامشاير.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
حياته
النشأة
كان جد ملتون كاثوليكياً حكم عليه في 1601 بدفع غرامة قدرها ستون جنيهاً لتغيبه عن الصلوات الأنجليكانية، وحرم ابنه من الميراث لأنه تخلى عن الكنيسة الرومانية. أما جون ملتون، الذي تبرءوا منه وأنكروه فقد حصل على قدر لا بأس به من المال بوصفه كاتباً عمومياً في لندن، صاحب قلم برع في كتابة أو نسخ المخطوطات والوثائق والمستندات القانونية. وأولع بالموسيقى، ونظم القصائد الغزلية القصيرة، واحتفظ في داره بكثير من الآلات الموسيقية ومن بينها أرغن، وانتقل هذا الانعطاف نحو الموسيقى إلى الشاعر الذي ربما أقر بأن المرء لكي يجيد الكتابة، لابد أن تتغلغل الموسيقى في نفسه، وأن تكون له أذن موسيقية واعية. أما الأم، سارة جفري، فكانت ابنة خياط تاجر، أنجبت لزوجها ستة أبناء كان صاحبنا جون ثالثهم. أما أخوه الأصغر فأصبح ملكياً يدين بالولاء لأسرة ستيوارت، وواحد من رجال الكنيسة التقليدية. على حين أن جون أصبح جمهورياً بيوريتانياً من أنصار كرومول. وكان البيت في "برد سترت" مؤسسة بيوريتانية تقية مخلصة، ولكن غير متزمتة، فإن حب الجمال الذي ساد عصر النهضة، امتزج هنا بالنزوع إلى الخير والفضيلة، الذي أتى به الإصلاح الديني.[1]
واشترى جون الأكبر عقاراً، وأثرى، واستخدم معلمين (بيوريتانيين) من أجل جون الأصغر، وأرسله في سن الحادية عشر إلى المدرسة إلى مدرسة سانت بول. وهناك تعلم الصبي اللاتينية واليونانية والفرنسية والإيطالية وبعض العبرية، وقرأ شكسبير ولكنه آثر عليه سبنسر. وأنا لنلحظ، عابرين، أنه تأثر كثيراً بالترجمة الإنجليزية لكتاب "الأسبوع" لمؤلفه دي بارتاس (1578)، وهو عبارة عن ملحمة تصف خلق الدنيا في سبعة أيام:
وفي سن السادسة عشرة انتقل إلى كريست كولدج في جامعة كمبردج. وهناك أدى نزاعه مع أحد المدرسين إلى التضارب والتلاكم بالأيدي. وأحس صمويل جونسون "بالخجل حين أروي ما أخشى أن يكون حقيقة، وهي أن ملتون كان من أواخر من وقعت عليهم العقوبة البدنية من طلبة الجامعتين كلتيهما". وطرد لمدة فصل دراسي واحد ثم سمح له بالعودة، وكان بالفعل ينظم شعراً جيداً. وفي 1629، وهو في الحادية والعشرين، نظم قصيدة غنائية في الاحتفال "بصبيحة عيد الميلاد". وبعد ذلك بعام واحد، نظم قصيدة من ستة عشر بيتاً، أحياء لذكرى شكسبير ولتنقش على قبره، وقد ووفق بعد ذلك على نشرها في الطبعة الثانية لإعمال شكسبير:
وقضى ملتون في جامعة كمبردج ثمان سنوات، وحصل على درجة البكالوريوس في 1628، والماجستير 1632. ثم تركها دون أن يحس بالولع المعهود في المتخرجين بحضور يوم الكلية التي تخرجوا منها. وكان أبوه يتوقع أن ينخرط في سلك الكهنوتية. ولكن الشاب المغرور أبى أن يقسم يمين الولاء للمذهب الأنجليكاني وطقوسه الدينية:
ومذ رأيت كيف غزا الطغيان الكنيسة-بمعنى أن الذي يرسم قسيساً يجب أن يتعهد بأن يكون عبداً رقيقاً، وفوق ذلك يقسم اليمين الذي لو لم يلتزم إلتزاماً يبعث على الضجر فإنه أما أن يحنث في يمينه أو يرائي في إيمانه-فأني وجدت من الأفضل إيثار الصمت البريء أمام الوظيفة المقدسة، وظيفة الكلام والوعظ، التي تشتري بالعبودية والقسم الكاذب.
وآوى ملتون إلى البيت والده الريفي في هورتون بالقرب من ونزر، ومن الواضح أن والده تولى الإنفاق عليه هناك، وتابع هو دراساته، القديمة بصفة أساسية، إلى أن ألم حتى بأصغر المؤلفين اللاتينيين شأناً. وكتب قصائد باللغة اللاتينية، أثنى عليها كاردينال كاثوليكي. وسرعان ما جعل دفاعه باللاتينية عن سياسة كرومول يرن صداه في أنحاء أوربا. وحتى حين كتب نثراً بالإنجليزية، فأنه كتب باللاتينية حيث كان يخضع الإنجليزية لتقديم وتأخير وتعقيدات والتواءات كلاسيكية، ولكنه كان يكتب في لغة غريبة ساحرة رنانة.
ويحتمل أنه في هورتون وسط الحقول المورقة والخضرة في الريف الإنجليزي، كتب القطع المزدوجة، التي خلدت ذكرى الابتهاج الخالي من الهم، ونوبات الكآبة في شبابه العابر، سواء بسواء. إن كل سطر من لالگرو "Allegro" يطالب بأن يتغنى به الناس. و"لالجرو" هي "الابنة الجميلة، الممتلئة الجسم، المرحة اللطيفة، والمولودة من "زفير" الريح الغربية العليلة وهي تداعب أورورا الفجر" أن كل شيء في مشهد الريف يدخل الآن البهجة على قلب الشاعر: القنبرة تشق سكون الليل، الديك يختال في مشيته أمام دجاجاته، الكلاب تقفز عند سماعها بوق الصياد، شروق الشمس "في أشعة وضاءة في لون الكهرمان" (أصفر ضارب للحمرة). بائعة اللبن التي تغني والقطعان التي تلوك غذاؤها، ورقص الشبان والشابات على الحشائش، والأمسيات بجوار المدفأة أو في المسرح:
إذا مثل بن جونسون إحدى تمثيلياته الراقية أو صدح شكسبير الشاعر العذب القوي الخيال بألحان الغابة الشعبية الفطرية الموسيقى.
وتفك الأغلال التي تقيد روح التأليف والانسجام الخفية، إنك إذا استطعت أيها المرح أن توفر لي هذه المباهج كلها، فإني أود أن أحيا معك.
وحتى الآن لم يكن ثمة بيوريتاني متجهم عبوس مكتئب، بل شاب إنجليزي مفعم بالصحة يجري في عروقه بعض دم شعراء عصر إليزابث.
ولكن طرأ بين الحين والحين مزاج آخر، حتى بدت هذه المسرات تافهة للعقل المفكر، حين يتذكر المأساة (التراجيديا)، ويفتش عن مغزى، ولا يجد في الفلسفة إجابات، بل تساؤلات للم يحس بها من قبل. عندئذ يأتي "Penseroso" المفكر:
تلك هي المتعة والمسرات التي يجدها "الرجل المفكر"، وإذا بدت مرتبطة بالمكآبة، فإن الشاعر سيقضي حياته مع الكآبة. ففي هاتين القصيديتين البهيجتين، يكشف ملتون عن ذاته وهو في الرابعة والعشرين، شاباً تتحرك مشاعره لكل ما في الحياة من جمال، ولا يجد حرجاً في المسرات والملذات، كما وجد التفكير المحير في الحياة والموت طريقه إلى نفسه فتأثر به، كما أحس بالصراع بين الدين والفلسفة يحتدم بين جوانبه.
الدراسة، الشعر والسفر
وحانت أول فرصة ليبرز فيها الشاعر ويذيع صيته في 1634 حين كلف بكتابه مسرحية ريفية يمثلها ممثلون مقنعون في الاحتفالات بتولية إرل يرد جووتر رئيساً "لمجلس الغرب". ولحن هنري لاوس الموسيقي التصويرية. أما شعر ملتون فكان مجهولاً أسم مؤلفه تواضعاً. وكان موضع ثناء وإطراء، إلى حد أنه حمل على الاعتراف بأنه مؤلفه. وأطراه سير هنري وتون قائلاً: في أغانيك وقصائدك رفة دورية (نسبة إلى الدوريين الذين غزواً بلاد الإغريق في القرن 12 ق.م.) لم أر لها مثيلاً في لغتنا حتى اليوم.
وكان عنوان القطعة في الأصل "مسرحية في قصر لدلو" (في شروبشاير) أما اليوم فهي تسمى "كومس Comus" (المسرحية) وقد مثلها اثنان من صغار النبلاء مع شقيقتهما، وكانت فتاة في ربيعها السابع عشر، من وصيفات الملكة هنريتا ماريا. وعلى الرغم من أن معظم المسرحيات كان شعراً مرسلاً غير مقفى، محشواً بالأساطير، فقد كانت زاخرة بالغناء العاطفي المرح والأناقة الرائعة الشجية: وتميزت ببراعة لم تتكرر في شعر ملتون فيما بعد وكانت الفكرة الرئيسية فكرة تقليدية: عذراء فاتنة، تتجول في الغابات على غير هدى، وهي تشدو: "بأغنيات ربما خلقت نفساً من تحت براثن الموت".
ويدنو منها الساحر "كومس" ويقرأ عليها تعويذة حتى تتخلى عن عفتها، ويتوسل إليها أن تلهو معه، وقد تألقت نضارة وشباباً، فتدافع الفتاة، في فصاحة بالغة عن الفضيلة وضبط النفس و "الفلسفة السماوية"، وجرت كل الأبيات على خير وجه. فيما عدا قطعة ربما كانت مشئومة، إشارات إلى "الجمهورية"، كان من المحتمل أن يؤدي بهذا الجمع الحاشد المسرف النفور والاستياء:
وفي 1637 اعتل مزاج الشاعر وتكدر صفو حياته بغرق صديقه الشاب ورفيقه الشاعر إدوارد كنگ. وأسهم ملتون في كتاب تذكاري عن كنج، بقصيدة رثاء "ليسيداس Lycidas" منظومة في شكل رعوي مصطنع محشوة بالآلهة الموتى، ولكنها غنية بالأبيات التي لا تزال تحلق فيها الذكرى الحبيبة.
وا أسفاه ماذا يحملنا على أن نرهق أنفسنا بهذا الهم المقيم، في النهوض بصنعة الراعي (نظم الشعر) البسيطة المحتقرة، وللتأمل بكل ما أوتينا من قوة في ربة الشعر الجحود؟. أما كان من الخير، كما يفعل الآخرون، أن يلهو ويلعب مع الراعية أما ريللس في الظل، أو يعبث بخصلات شعر "نيرا". أن الشهرة هي الحافز الذي يثير الروح الصافية وهي آخر الوهن في (العقل الرفيع)، ليزدري بالمباهج، ويكد ويشقى طوال أيامه. ولكن حين نأمل في الحصول على الجزاء الوفاق. وتفكر في الانطلاق إلى الوهج الخاطف تأتي "الروح العمياء" (ملك الموت) بآلهتها البغيضة، لنقضي على الحياة الواهنة الخيوط.
الحرب الأهلية، النثر
يبدو أن جون ملتون الأكبر (الوالد) أحس بأن ست سنوات من الانصراف إلى العمل في رواية وأناة في هورتون كانت جزاء وفاقاً للموهبة التي ابتدعت مثل هذه القطع الغنائية. وليكمل حسن صنيعه أرسل ابنه ليتجول في أنحاء القارة مع دفع كل النفقات. وغادر ملتون إنجلترا في إبريل 1632 يرافقه خادم. وقضى بضعة أيام في باريس (وكانت آنذاك تحت قبضة ريشليو العسكرية)، وأسرع إلى إيطاليا، حيث أقام شهرين في فلورنسة، زار خلالها گاليليو الكفيف نصف السجين، والتقى برجال الأدب، وجلس إلى الجامعيين، وتبادل معهم التحية في شعر باللاتينية، ونظم بالإيطالية قصائد السونيت، وكأنه نشأ وترعرع على ضفاف نهر أرنو أو نهر بو. وفي ناپولي استقبله ورحب به وكرمه نفس المركيز مانسو الذي صادق وناصر تاسو وماريني من قبل وقضى في روما أربعة أشهر التقى فيها ببعض الكاردينالات المثقفين وأحبهم، ولكنه أعلن بصراحة مذهبه البروتستانتي. ثم عاد إلى فلورنسة، ثم قصد إلى البندقية عبر بولونيا وفيرارا، ثم ذهب إلى فينيس عبوراً بمدينة فيرونا وميلان ثم قفل راجعاً إلى لندن مروراً بجنيف وليون وباريس (أغسطس 1639).
وفي كتاباته الأخيرة دون قطعتين مشهورتين عن رحلته في إيطاليا.
وكتب رداً على تعريض أحد الخصوم به: "أشهد الله أنه في كل تلك الأماكن التي لا تلقى فيها الرذيلة إلا أيسر الاستنكار والتثبيط، وترتكب في أقل خجل وأيسره، لم أحد أنا قط عن جادة الفضيلة والنزاهة". وبتذكر كيف امتدح النقاد الإيطاليون شعره:
وهكذا بدأت أوافق كل الموافقة على ما ذكره هؤلاء النقاد الإيطاليون أو يقول نفر من أصدقائي هنا في بلدي، كما استمع بنفس القوة إلى اسحثاث داخلي ينمو بين جوانجي كل يوم، من أنه بالعمل الجاد والانكباب على الدرس (وهذا ما اعتبره قدري في هذه الحياة) بالإضافة إلى الميل الطبيعي، بهذا كله يمكن أن أخلف شيئاً مكتوباً للأجيال القادمة، وقد لا يرتضون أن يفنى (بل يبقى ويخلد على الزمن).
وبدأ ملتون الآن يخطط لملحمة تخلد ذكر وطنه وعقيدته، وتخلد اسمه على مر القرون. وكان لزاماً أن تمضي عشرون سنة قبل أن يتمكن من البدء فيها، وتسع وعشرون سنة قبل أن يتمكن من نشرها. وفيما بين فترتي نظمه الشعر: الفترة الأولى (1630-1640) والثانية (1658-1668)، لعب دوراً في الثورة الكبرى، وسخر قلمه للحرب والنشر.
المُصلح
في 1639 استأجر ملتون مسكناً لرجل أعزب في "سانت بريد تشيرشيارد" في لندن، حيث تولى التدريس لأبناء أخته. وبعد سنة واحدة انتقل معهم إلى أولدرزجيت ستريت"، وهناك (1643) أستقبل عددا آخر من التلاميذ بين سن العشرة إلى سن السادسة عشرة آواهم وعلمهم،وحصل من ذلك على دخل متواضع يكمل به المبلغ الذي خصصه له والده. وفي كتاب إلى "مستر هارتلب (1644) صاغ ملتون آراءه في التعليم. فأتى لهذه اللفظة بتعريف قوي رائع:
وأحس ملتون أن هذا يمكن تحقيقه على خير وجه بأن نغرس في الذهن الناشئ إيماناً قوياً باله واحد بصير، وأن نعوده على ضبط النفس وفقاً لنظام واقي (التحرر من الانفعال، عدم التأثير بالفرح أو الترح، الخضوع دون تذمر لحكم الضرورة) وضرب لتلاميذه مثلاً يحتذونه: "الدراسة الشاقة والطعام اليسير". فقلما أجاز لنفسه يوماً "اللهو والمتعة وبعد الدين والأخلاق، يجب أن تأتي الدراسات اللاتينية والإغريقية القديمة، والتي لم يستخدمها ملتون مجرد نماذج للأدب، بل وسائل لدراسة العلوم الطبيعية والجغرافيا والتاريخ والقانون والأخلاق والفسيولوجيا والطب والزراعة وهندسة العمارة، والخطابة والشعر والفلسفة واللاهوت. وإذا كان هذا التوفيق الفريد بين العلم والإنسانيات قد أفترض أن النزر اليسير قد أضيف إلى العلم منذ سقوط روما، فيجب أن نلاحظ أن هذا حقيقي فعلاً، اللهم إلا بالنسبة لـگاليليو، بل أن كوپرنيكس نفسه كان له سلفه الإغريقي في شخص أرستارخوس.
وفوق ذلك، اقترح ملتون تعريف تلاميذه كذلك ببعض النصوص الحديثة في العلوم والتاريخ، بل حتى ببعض النماذج الحية في الفنون العملية، وكان يأمل في أن يستقدم إلى حجرات الدراسة صيادين وبحارين وبساتين ومشتغلين بالتشريح وصيدليين ومهندسين ومعماريين، لينتقلوا إلى التلاميذ أحدث ألوان المعرفة في هذه المجالات وخصص وقتاً كافياً للموسيقى والتمثيل، وساعة ونصف الساعة يومياً للرياضة البدنية والتدريب العسكري. ويمكن أن يطوف طلابه أرجاء البلاد في جماعات على صهوات الجياد، يرافقهم أدلاء معروفون بالرزانة والحصافة، لتعلموا ويلاحظوا، "أو" يلتحقون بالبحرية بعض الوقت ليتعلموا الملاحة ومصارعة البحر، وأخيراً وبعد بلوغهم سن الثالثة والعشرين، يمكنهم أن يسيحوا خارج إنجلترا. وهذا برنامج شاق، ليس لدينا دليل على تطبيقه تطبيقاً كاملاً في مدرسة ملتون، وربما كان في حيز الإمكان تطبيقه أو أن التلاميذ اقتبسوا من معلمهم شيئاً من غيرته وجده.
وراوده أحياناً حلم إنشاء أكاديمية تنافس أكاديمية أفلاطون وأرسطو. ولكنه افتتن بأحداث العصر البارزة والشغل بها. من ذلك أن التئام البرلمان الطويل (1640) كان نقطة تحول في حياته، بل يكاد يكون تحولاً عنيفاً غير طبيعي عن الشعر والتعليم إلى السياسة والإصلاح. وفي 11 ديسمبر قدم حزب "الجذر والفرع" البيوريتاني الذي انتسب إليه بعض أصدقائه قدم إلى البرلمان عريضة صارخة ممهورة بخمسة عشر ألف توقيع (يحتمل أن يكون من بينهم ملتون) يلتمسون فيها إقصاء الأساقفة عن الكنيسة الإنجليزية. ورد جوسف هول أسقف أكستر على العريضة "باحتجاج متواضع إلى المحكمة العليا في البرلمان" (يناير 1641)، دافع فيه عن النظام الأسقفي بأنه مأخوذ عن "عصر الرسل الأبرار بلا انقطاع...حتى العصر الحاضر" فاستل خمسة من الكهنة المشيخيين أقلامهم في "الرد على الاحتجاج المتواضع" (مارس 1641) وقعوه باسم مستعار مكون من الأحرف الأولى من أسمائهم . ورد الأسقف هول وبعض الأسقفيين الآخرين، وأقر مجلس العموم الاقتراح، ورفضه اللوردات. واشتد الجدل على المنبر وفي الصحب وفي البرلمان، وانضم ملتون إلى المعمعة بكتيب من تسعين صحيفة "إصلاح يمس نظام الكنيسة في إنجلترا (بونيه 1641).
وفي عبارات قوية لاهثة، استوعب بعضها نصف صفحة، عزا ملتون تدهور الكنيسة الرسمية إلى سببين: الإبقاء على الطقوس الكاثوليكية، واحتكار الأساقفة لسلطة تعيين القساوسة. وهزأ ملتون "بهذه الطقوس الفارغة التي لا معنى لها، والتي تحتفظ بها الكنيسة لمجرد أنها علامة خطيرة للانزلاق نحو روما، والتي لا تستخدم إلا كمجرد مسرحية تعرض أبهة الأساقفة". إن الأساقفة-كانوا يتسللون خلسة إلى الكاثوليكية في طقوسهم-وتلك طعنة صريحة لرئيس الأساقفة لود الذي كان قد قدمت له قبعة الكاردينالية. وأنكر ملتون ما زعمه جيمس الأول وشارل الأول من أن الأساقفة ضرورة لا زعامة لحكومة الكنيسة وللنظم الملكية. وأهاب بالاسكتلنديين المشيخيين أن يواصلوا حربهم ضد النظام الأسقفي، وتضرع إلى الثالوث الأقدس أن يرعى المصلحة العامة:
وعندما رد الأسقف هول على القساوسة الخمسة المشيخيين وهاجمهم بعنف، انبرى ملتون لنصرتهم في بيان عاصف لابد أنه أخرج الأسقف وهو في الخامسة والستين من ردائه الكهنوتي: "نقد لاذع لدفاع المحتج على بيان المشيخيين"، ظهر، مجهولاً كاتبه، في يوليه 1641. واعتذر ملتون في المقدمة عن عنفه فقال:
وأعاد الأسقف وابنه الكرة ببيان عنوانه "حجة داحضة متواضعة جديدة" (يناير 1642) هاجما فيه كاتب "النقد اللاذع" بحدة تميز بها هذا العصر المغيظ المحنق. فرد ملتون كيد الأسقف في نحره ببيان عنوانه "دفاع ضد الحجة الداحضة المتواضعة" (إبريل) اعتذر فيه مرة أخرى عن سوء معاملته للأسقف هول، وشجب الفريد العريضة "التي أوردها هول" وهي اتهام ملتون بأنه طرد من كمبردج، وأكد ملتون للعالم بأسره بأن زملاءه في "كرايست كولدج" دعوه، بعد تخرجه، للإقامة معهم، وأكد من جديد طهارته التي لا مطعن فيها:
ومن ثم نجد ملتون يرثي لأخلاق كثير من الشعراء القدامى، ويؤثر عليهم دانتي وپترارك، اللذين لم يكتبا قط إلا تكريماً وتشريفاً منهما لأولئك الذين نذرا لهم أشعارهما التي عرضا فيها أفكاراً سامية نقية، دون تأثيم وانتهاك للحرمات. ولم ألبث إلا قليلاً حتى تأكد عندي هذا الرأي: إن هذا الذي لا يمكن أن يخيب أمله في أن يكتب كتابة جيدة، ويجدر أن يكون هو نفسه قصيدة صادقة، أي مركباً مكوناً من أفضل الأشياء وأشرفها، لا يقدم على أن يكون قصيدة عقود مدح وثناء للرجال البطوليين أو المدائن المشهورة، إلا إذا أوتي من التجربة والخبرة والمران على كل ما هو أهل للثناء والإطراء.
وبعد هذا المثال الذي اقتبسناه، انتقل ملتون إلى الحديث عن قدمي الأسقف وجوربه الذي يبعث "برائحة منتنة إلى السماء". وإذا بدت هذه اللغة غير لائقة باللاهوت فإنه دافع عنها "بقواعد أعظم البلغاء" وبأنه يحذو حذو لوثر، وذكر قراءه بأن "المسيح نفسه وهو يتحدث عن التقاليد البغيضة لا يتردد في استعمال ألفاظ مثل الغائط والمرحاض".
والآن نكتفي بهذا القدر من النزاع الكريه الكئيب، الذي سقناه لأنه يلقي ضوءاً على شخصية ملتون وعلى آداب السلوك في ذاك العصر، ولأنه وسط هذا الهراء القاسي وفوضى الأجرومية والجمل الطويلة، كانت هناك قطع نثرية ذات جرس موسيقي، مشرقة تهز المشاعر مثل شعر ملتون وفي نفس الوقت (مارس 1642)، وكان قد نشر باسمه كتيباً أكثر موضوعية: "إثارة تفكير حكومة الكنيسة في حظر السلطة الأسقفية":
"هذا النير البغيض الذي لا يمكن أن يزدهر أي عقل حر أو موهبة ممتازة تحت وطأة ما يفرضه من غباء وعداء تعسفي وطغيان." |
وسلم بالحاجة إلى نظام أخلاقي واجتماعي. والحق أن ملتون أدرك أن في نهوض النظام وسقوطه مفتاح ارتقاء الدول وانهيارها:
وفي كل المراحل كان ملتون يعي ويدرك كل قدراته ومواهبه. أنه قدم للجزء الثاني من رسالته بقطعة عن سيرة حياته، وأبدى فيها حزنه لأن النزاع قد باعد بينه وبين إخراج عمل عظيم شغل باله طويلاً: إن هذا الذي أداه أعظم العباقرة وصفوتهم في أثينا وروما أو إيطاليا الحديثة، والعبرانيون القدامى، لبلادهم، يمكن أن أقوم به أنا لبلدي، بدوري، ويقدر حظي من الحياة والعمل، هذا بالإضافة إلى أني فوق كل شيء مسيحي(. "وروى ملتون كيف أنه كان بالفعل يعد الموضوعات التي يضمنها مثل هذا الكتاب. ولكنه أراده عملاً يستطيع من خلاله "أن يصور نابضاً بالحياة وبصف...سجل الطهر والفضيلة بأسره"، و "كل ما هو سام ومقدس في العقيدة الدينية"، "وكأنما كان يتنبأ بأن الأعوام الستة عشر قد تنقض قبل أن تدع له الثورة الكبرى فرصة للشروع في الكتابة: فقال يعتذر عن تأخره:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
زواجه وطلاقه
في "الحجة الداحضة المتواضعة" كان الأسقف هول قد اتهم ملتون بأنه يسعى لشهرة أدبية، ويعلن عن مواهبه وقدراته وتجاربه وثقافته وبيئته السابقة، أملاً في الفوز "بأرملة ذات ثراء" أو أية جائزة أخرى. وفي "الرد" عليه عمد ملتون إلى تسفيه هذه الفكرة والتنديد بها، وقال أنه على النقيض من ذلك، "نشأ في بحبوبة من العيش" واتفق في الرأي مع "أولئك الذي يؤثرون في حكمه وتبصر وبروح طيبة، عذراء غير ذات ثراء عريض، وذات أصل كريم، على أغنى الأرامل". وبينما انساقت إنجلترا إلى الحرب الأهلية (1642)، انطلق ملتون إلى الزواج (1643).
لم ينضم ملتون إلى جيش البرلمان، وعندما اقتربت القوات الملكية من لندن (12 نوفمبر 1642) نظم قصيدة (سونيت) يشير فيها على قادتها أن يحموا بيت الشاعر وشخصه؛ كما فعل الإسكندر الأكبر مع الشاعر بندرا من قبل، واعدا إياهم بأن ينشر على الملأ شعراً "حسن صنيعهم". على أن القوات الملكية ردت على أعقابها. ولم يمس بيت ملتون بأذى، وبقي ليستقبل زوجته.
وكان ملتون قد التقى بماري باول في فورست هل في أكسفوردشاير، حيث كان والدها قاضي الصلح. وهذا الوالد، ريتشارد باول كان قد اعترف من قبل، في 1627، بأنه مدين لملتون، وكان آنذاك في كمبردج، بمبلغ 500 جنيه، خفف فيما بعد إلى 312، ولكن لم يسدد بعد. والظاهر أن الشاعر قضى عند أسرة باول شهراً (مايو-يونية 1643) ولسنا ندري ليسترد الدين أو يحظى بزوجة. وربما أحس جون وهو في الرابعة والثلاثين، بأنه قد آن الأوان للزواج والنسل، وواضح أن ماري كانت تتحلى بالعذرية التي ينشدها. وفاجأ أبناء أخته بعودته إلى لندن متأبط ذراع زوجته.
ولم تدم السعادة طويلاً لأحد. فقد كره أبناء الأخت ماري كدخيلة عليهم، وكرهت هي كتب ملتون، وافتقدت أمها و "القدر الكبير من الصحبة والأنس والبهجة والرقص..." الذي كانت تنعم به في فورست هل. ويقول أوبري:
ويعتقد بعض الباحثين في الزواج غير المتكافئ أن ماري أبت عليه البناء بها. وبعد شهر طلبت السماح لها بزيارة والديها، فوافق ملتون، مع التفاهم بينهما على عودتهما. ولكنها ذهبت ولم ترجع. وبعث إليها برسائل تجاهلها، ولما لم يجد أي متنفس آخر لمشاعره، كتب ونشر دون توقيع "مبدأ الطلاق ونظامه" (أغسطس 1643)، وأهداه إلى "برلمان إنجلترا والجمعية" أي جمعية وستمنستر التي كانت تصوغ آنذاك اعترافاً بالمذهب المشيخي. وتقدم إلى البرلمان برجاء أن يتحلل من أغلال التقاليد، ويسير بالإصلاح قدماً، بإقرار أسس أو شروط أخرى للطلاق، غير الزنى، وعرض أن يوضح:
واقتبس ملتون القانون اليهودي القديم الذي ورد في التوراة (سفر التثنية 24-1) "إذا أخذ رجل امرأة وتزوج بها، فإن لم تجد نعمة في عينيه لأنه وجد فيها عيب شيء. وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته". وأوضح أن السيد المسيح رفض هذا الجزء من شريعة موسى. فقد جاء في إنجيل متي (5-31،32) "وقيل من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق. وأما أنا فأقول لكم أن من طلق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني"، واحتج ملتون بأنه "المسيح لم يقصد أن يؤخذ كلامه بمعناه الحرفي، كلمة بكلمة"، وكثيراً ما أعلن أنه لم يأت ليغير مقدار ذرة من شريعة موسى. وكافح ملتون حتى يجعل تفسيره الواسع يشمل قضيته الشخصية، حتى أنه ذهب إلى حد تبرير الطلاق لعدم القدرة على الإسهام في حديث مناسب معقول. "لأن عدم الصلاحية والتخلف في العقلية التي تنفر من الزواج، يمكن أن تهبط بالزواج إلى "حالة أسوأ من حياة الوحدة الموحشة" حيث تكون النفس النابضة بالحياة مربوطة إلى مجرد جثة(59).
ونفد الكتاب الصغير بسرعة، لأنه قوبل باستنكار عام. وفي فبراير 1644 نشر ملتون طبعة مزبدة منقحة ظهر اسمه في جرأة وشجاعة. ورد على ناقديه في أسلوب العالم المتفقه، في "تتراكوردون Tetrachordon" ثم في أسلوب أخف في كولاستريون Colasterion (صدر كلاهما في 4 مارس 1645)، تناولهم فيهما بأقسى القدح والألفاظ المقذعة-كتلة من الطين، خنزير، خنزير بري، ذو أنف بشع، محام له مخ الديك، حمار صفيق، بغيض، كريه الرائحة لقد استطاع ملتون في الصحيفة الواحدة أن يقفز من مرتفعات بارناسوس إلى أحط مهاوي السفاهة والبذاءة.
وحيث أخفق في أن يحصل من البرلمان على تعديل في قانون الطلاق، اعتزم أن يتحدى القانون، ويتخذ زوجة ثانية، وكان يفضل مسن دافيز التي لا يعرف عنها شيئاً إلا أنها رفضته. ولما ترامت شائعات هذه الخطبة إلى مسامع ماري باول قررت أن تستعيد زوجها ، على أي الأحوال، حلوها أو مرها، قبل فوات الأوان. وذات يوم بينما كان ملتون في زيارة لصديق فاجأته ماري وجثت بين يديه وتوسلت إليه أن يعيدها إلى مخدعه وبيته. وتردد هو، ولكن أصدقاءه ناصروا قضيتها، فقبل عودتها إليه. وانتقل الآن إلى بيت أوسع في باربيكا ستريت، ضمها كما ضم أباه وتلاميذه. وسرعان ما جاء أبواها أيضاً مع الشاعر، بعد أن تدهورت حالهما بهزيمة الملكية، مما جعل هذا البيت أقرب ما يكون إلى دار للمجانين، أو الفلاسفة. وزاد الأمر ضغثاً على أبالة في 1646، مولد طفلة ملتون الأولى آن. وخفف من هذه الفوضى موت ريتشارد پاول في يولية، كما أن جون ملتون الأكبر (الوالد) اختتم حياته المديدة الكريمة في مارس التالي. ومن ثم أصبح الشاعر وريثاً لمنزلين أو ثلاثة في لندن، ولبعض المال، وربما لبعض العقارات في الريف. وفي 1647 فض ملتون مدرسته وانتقل مع زوجته وابنته واثنين من أبناء أخته إلى "هاي هلبورن ستريت" وفي 1648 ولدت له ابنته الثانية ماري.
حرية الصحافة
- مقالة مفصلة: أريوپاگيتيكا
في 13 أغسطس 1644، تحدث القس المشيخي هربرت پالمر أمام مجلس العموم، واقترح علناً حرق رسالة ملتون عن الطلاق. ولم تحرق الرسالة؛ ولكن شكوى بالمر ربما أدت "بشركة المكتبات" التي تضم كل باعة الكتب الإنجليز، إلى لفت نظر مجلس العموم (24 أغسطس) إلى أن الكتب والنشرات تخالف القانون الذي يتطلب تسجيلها وإجازتها بمعرفة الشركة. وكان هذا القانون قد صدر في عهد اليزابث، كما أن البرلمان كان قد جدد العمل به في 14 يونيه 1643، بإصداره أمراً ينص على:
وكان ملتون يهمل دوماً تسجيل ما ينشره نثراً. وعلى الرغم من أن كتابه "مبدأ الطلاق ونظامه" ظهر بعد صدور الأمر سالف الذكر بشهرين، فإنه تجاهل ما يقضي به. وربما كان شاعرنا ذا حظوة لدى البرلمان لأنه ناصره في صراعه مع الملك، على أن البرلمان على أية حال، تغاضى عنه وحده ولكن الأمر ظل سيفاً مسلطاً على رأسه وعلى رؤوس سائر المؤلفين في بريطانيا. وبدى لملتون ضرباً من المحال أن يزدهر الأدب في ظل مثل هذه الرقابة. فماذا يجدي خلع ملك وتحطيم نظام أسقفي استبدادي قاسٍ، إذا استمر البرلمان والكنيسة على التدقيق والتحقيق في كل كلمة يتفوه بها الإنجليز؟. وفي 24 نوفمبر 1643 أخرج درن تسجيل أو إجازة أروع أعماله النثرية "أريوپاگيتيكا: حديث من جون ملتون عن حرية المطبوعات دون إجازة، إلى برلمان إنجلترا" وليس في هذا الحديث قذف ولا طعن ولا نقد لاذع، بل كان على مستوى عالٍ من اللغة والفكر وفيه يطلب إلى البرلمان بكل إجلال واحترام، أن يعيد النظر في قانون الرقابة، من حيث أنه ينزع إلى "تثبيط الهمم في سبيل العلم والمعرفة، ويعوق بل يقضي على أي إبداع واكتشاف يمكن أن يخرج في المستقبل إلى حيز الوجود في مجال الحكمة الدينية والمدنية كليهما." ثم يستطرد في قطعة مشهورة قيمة:
لست أنكر أنه من أعظم صلاحيات الكنيسة والدولة أن ترقب بعين يقظة كيف تحط الكتب من قدرها ومن أقدار الناس، ومن ثم يحتجز أو تسجن أو تطبق أقصى ما تقضي به العدالة على عوامل الشر لأن الكتب ليست أشباه ميتة إطلاقاً، بل أن فيها من الفعالية والحيوية مل يجعلها نشيطة في مثل نشاط النفس التي أنتجتها. ليس هذا فحسب، بل أنها كذلك، تحفظ، وكأنما تحفظ في قنينة، أبقى عصارة ودقة مؤثرة للفكر الحي الذي نماها وأبدعها. وإني لأدرك أنها نشيطة قوية الإنتاج مثل أسنان التنين الخرافية إذا نثرت على الأرض هنا وهناك انبعث منها رجال مسلحون (هكذا تقول الخرافة). ومن جهة أخرى، فإنه إذا لم يكن ثمة حيطة وحذر، فأن قتل الإنسان يعدل تقريباً قتل الكتاب الجيد. إن من يقتل رجلاً يقتل مخلوقاً عاقلاً على صورة الله، على حين أن من يدمر الكتاب الجيد، يقتل العقل نفسه، بل يقتل صورة الله، في صميمها. وكم من إنسان يعيش حملاً ثقيلاً على الأرض، ولكن الكتاب الجيد هو دم الحياة الغالي للروح السامية يصان ويختزن، قصداً لحياة وراء الحياة. حقاً أن أي عصر لن يستطيع استعادة الحياة، وقد لا يكون في هذا خسارة، ولا تعوض ثورات العصور في الغالب عن فقدان حقيقة منبوذة، ساءت حال أمم بأكملها من أجل افتقارها إليها.
وينبغي لذلك أن نكون حذرين يقظين لأي اضطهاد نصبه على الأعمال الحية لمشاهير الرجال البارزين، وكيف نبدد حياة الرجل الناضج المحفوظة المختزنة في كتاب. فإذا رأينا عملاً من أعمال القتل يرتكب على هذه الصورة، وهو في بعض الأحيان استشهاد، إذا امتد هذا إلى كل الإنتاج حتى ينتهي الأمر إلى مذبحة، فمن ثم لا ينتهي الإعدام عند خنق الحياة الفطرية، بل ينفذ إلى الجوهر السماوي الخامس البالغ الرقة، أي روح العقل ذاته، فيقضي على الخلود أكثر ما يقضي على مجرد حياة.
ويستشهد ملتون بالنشاط الفكري في أثينا القديمة، حيث لم تفرض الرقابة إلا على الكتابات التي تتضمن إلحاداً أو قذفاً، وهكذا حكم قضاة محكمة أريوباجوس العليا بإحراق كتب بروتاجوراس، وبنفيه خارج البلاد، لمقالة بدأها بالاعتراف بأنه لا يدري "إذا كان هناك آلهة أم لا". ويمتدح ملتون حكومة روما القديمة لإتاحتها قدراً كبيراً من الحرية للكتاب، ثم يصف نمو الرقابة في روما الإمبراطورية والكنيسة الكاثوليكية. ويحس ملتون بأن قانون الرقابة هذا تشتم من رائحة "البابوية"
ومهما يكن من أمر فإن ملتون لا يطالب بالحرية المطلقة للمطبوعات، فهو يؤمن بأن الإلحاد والتشهير والفحش يجب أن يحرمها القانون، ويرفض التسامح مع الكاثوليكية لأنها عدو للدولة، ولأنها هي نفسها موصومة بالتعصب. وفيما عدا ذلك، فإن الدولة التي تسود فيها حرية الفكر والكلام لابد أن ترقى وتنمو فيها سائر الأشياء سواء بسواء.
يخيل إلي أني أرى بعين البصيرة أمة كريمة قوية تستيقظ وتنفض النوم عن جفونها، مثل رجل قوي يفيق من سباته، وتهز خصلات شعرها. ويبدو لي أني أراها مثل نسر، يجدد شبابه ويفتح عينيه الحادتين في وقت الظهيرة.
ولم يلتفت البرلمان لدفع ملتون أو حجته، بل على النقيض من ذلك، سن قوانين تصاعدت صرامتها (1647، 1649، 1653) ضد إصدار مطبوعات غير مرخصة. وشكا أعضاء شركة المكتبات من أن ملتون لم يكن قد سجل "الأريوباجيتيكا". وعين مجلس اللوردات اثنين من رجال القضاء لمساءلته، ولسنا نعرف النتيجة. ولكن من الواضح أنهم لم يزعجوه، لأنه كان صوتاً ذا نفع وقيمة للبيوريتانيين المنتصرين.
وفي فبراير 1649، أي بعد إعدام تشارلز الأول بأسبوعين اثنين، نشر ملتون رسالة عن "ولاية الملوك والحكام"، ارتضى فيها نظرية العقد الاجتماعي التي تقول بأن سلطة الحكومة مستمدة من سيادة الشعب، وأنه من حق من يملكون السيادة أن يحاسبوا أي طاغية أو ملك شرير، وعزله وإعدامه، بعد إدانته إدانة عادلة". وبعد شهر واحد دعاه مجلس الدولة في الحكومة الثورية ليكون "سكرتير المجلس للغات الأجنبية". فنحي ملحمته جانباً، ليتفرغ لمدة أحد عشر عاماً، لخدمة جمهورية البيوريتانيين وحكومة "الحماية" على عهد كرومول.
سكرتير اللغة اللاتينية
كان النظام الجديد في حاجة إلى من يتقن اللغة اللاتينية، ليحرر المراسلات الأجنبية، وكان ملتون المرشح البارز لهذا العمل. حيث كان يستطيع الكتابة باللغات اللاتينية والإيطالية والفرنسية كأحد أبناء روما القديمة أو فلورنسة أو باريس، كما أنه كان قد أثبت في أشد أوقات الحرج أنه مخلص لقضية البرلمان في نزاعه ضد الأساقفة والملك. وكان مجلس الدولة لا "كرومول" هو الذي استخدمه لهذا العمل. ولم يكن له صلة وثيقة بالحاكم الجديد، ولكنه لا بد أن يكون قد رآه كثيراً، وأنه قد أحس في تفكيره وفي كتاباته، بالتقارب مع هذه الشخصية المرعبة. ولم يستخدم المجلس ملتون لمجرد ترجمة رسائله الأجنبية إلى اللاتينية، بل كذلك، ليبرز للحكومات الأجنبية، في نشرات لاتينية، وجه العدالة والحق في السياسة الداخلية التي ينتهجها المجلس، كما يبرز، فوق ذلك كيف كان من الحكمة وسداد الرأي الإطاحة برأس الملك.
وفي أبريل 1649، فور تقليده منصبه، انضم ملتون إلى موظفين آخرين في المجلس في وقف نشرات الملكيين وأنصاره المساواة ضد نظام الحكم الجديد. وكانت الرقابة على المطبوعات آنذاك أشد صرامة منها في أي وقت مضى في تاريخ إنجلترا، متعبة في ذلك القاعدة العامة التي تقول بأن الرقابة تشتد بتزعزع مركز الحكومة. إن الرجل الذي كان قد دبج بأفصح بيان النداء الذي لم يكن له نظير من قبل، من أجل حرية الصحافة بات الآن ينظر إلى الرقابة من وجهة نظر السلطة الحاكمة. على أنه يجدر بنا أن نلاحظ أن ملتون قال من قبل الأريوباجيتيكا: إنه من أهم صلاحيات الكنيسة والدلوة أن ترقب بعين يقظة كيف تحط الكتب من قدرها ومن أقدر الناس ومن ثم تحتجز أو تسجن أو تطبق أقصى ما تقضي به العدالة على عوامل الشر".
ومذ كان جون للبيرن بصفة خاصة كاتباً مزعجاً من أنصار المساواة، فإن المجلس أصدر تعليماته إلى ملتون ليتولى الرد على كتابه المتطرف "اكتشاف أغلال جديدة". ولسنا ندري هل قام ملتون بهذه المهمة أو لم يقم. ولكنه يروي هو نفسه أنه "أمر" أن يرد على "صورة الملك" وامتثل لهذا الأمر فنشر في 6 أكتوبر 1649 كتاباً من 242 صفحة تحت عنوان "محطم الصورة". وارتياباً، ولكن اعتراضاً من بأن "صورة الملك" هو ما أوهم بأنه من تأليف شارل الأول نفسه، فإنه-أي ملتون تناول حجة الملكية فقرة فقرة، وانبرى لتنفيذها بكل مل أوتي من قوة ومن خلال ذلك دافع عن سياسة كرومول، وبرر إعدام الملك، وأبدى احتقاره "لتلك الشرذمة من الغوغاء المتقلبين الذين يعوزهم التفكير السليم المولعين بالصور،..قطيع ساذج عاجز تربى على الذل والخنوع....يفتتن بالطغيان".
واستبد الغيظ والحنق بشارل الثاني، وهو يتجول في القارة، فاستأجر أعظم علماء أوربا كلود سوميز ليتولى الدفاع عن الملك الميت، وسرعان ما أصدر "سالماسيوس" "دفاعه عن الملك السابق شارل الأول"، في ليدن (نوفمبر 1649)، نعت فيه كرومول وأتباعه بأنهم "أوغاد متعصبون...وأنهم العدو المشترك للبشرية" وأهاب بكل الملوك، من أجلهم هم أنفسهم؛ أن يجهزوا الجيوش للقضاء على هذا الوباء...يقيناً أن دم الملك العظيم يستصرخ كل الملوك والأمراء في العالم المسيحي للثأر له. ولا يمكن أن يقوموا بعمل فيه هدوء روحه وسكونها خيراً من أن يعيدوا لوريثه الشرعي كل حقوقه كاملة، ويستردوا له عرش أبيه....وأن يذبحوا، كضحايا على جدث الميت المقدس، هذه الوحوش البالغة الضراوة، الذين تآمروا على قتل هذا الملك العظيم.
وخشي كرومول أن-تزيد حملات مثل هذا العالم الذائع الصيت في أوربا من الاستياء السائد في القارة ضد حكومته، فطلب إلى ملتون الرد على سالماسيوس. وجهد السكرتير اللاتيني في إنجاز هذه المهمة قرابة عام كامل، في ضوء الشموع، على الرغم من تحذير طبيبه له بأنه يفقد بصره تدريجياً، وأنه مهدد بالعمى. وكانت إحدى العينين عاطلة بالفعل، وفي 31 ديسمبر ظهر "دفاع الشعب الإنجليزي عن نفسه ضد دفاع سالماسيوس عن الملكية-لجون ملتون"، بدأ بالسخرية من سالماسيوس لبيعه خدماته لشارل الثاني، واستطرد ليظهر أن سالماسيوس قبل أربع سنوات فقط كتب يهاجم النظام الأسقفي الذي يدافع عنه الآن:
وهذا هو ما حدث على وجه الدقة. أن سالماسيوس كان قد أضفى على تشارلز الأول صورة مثالية. ولكن ملتون يحط من قدره. ويشتبه في أن شارل حرض دوق بكنجهام على دس السم لوالده جيمس الأول، ويتهم الملك الميت بكل "ضروب الفساد الخلقي والإثم مع الدوق المذكور، ويتهم شارل بتقبيل النسوة في المسرح، وبمداعبته أثداء العذارى والعقيلات علناً". وكان سالماسيوس قد أطلق على ملتون أسماء كثيرة، فثأر ملتون بأن نعت سالماسيوس بأنه، غبي، خنفساء، حمار، كذاب، قذاف مغتر، مرتد، معتوه، جهول، متشرد، عبد ذليل، ويسخر من سالماسيوس لسيطرة زوجته عليه، ويعنف على أخطائه اللاتينية. ويدعوه إلى أن يشنق نفسه، ويضمن له الدخول إلى الجحيم. ونظر توماس هويز إلى هذه الكتب المتنافسة من علياء فلسفته، فأعلن أنه عاجز عن أن يقرر أي الفريقين أقوى لغة وأيهما أضعف حجة. على أن مجلس الدولة قدم الشكر لملتون.
تلقى سالماسيوس نسخة من "دفاع" ملتون أثناء وجوده في بلاط الملكة كريستينا في ستوكهولم، ووعد بالرد عليه، ولكنه أبطأ. وفي والوقت نفسه انصرف ملتون عن الشؤون الخارجية إلى شؤون بيته. ففي 1649 انتقل إلى دار في "شيرنج كروس" ليكون قريباً من عمله. وهناك وضعت زوجته ولداً، لم يلبث أن مات، وفي 1652 وضعت بنتاً "دِبورا" كلفته ولادتها حياة أمها. وفي تلك السنة فقد ملتون بصره تماماً. وعندئذ نظم قصيدة من أروع قصائده (السونيت) "عندما أتدبر كيف فقدت نور عيني". وأبقى عليه المجلس سكرتيراً لاتينياً، وخصص له كاتباً ليدون له ما يمليه عليه.
ومني، وهو رهين العمى، بخسارة أخرى، ففي عام 1653 انهارت الجمهورية التي طالما هلل لها ورحب بها، إلى "ملكية عسكرية" وأصبح فيها "حامي الحمى" كرومول، في واقع الأمر ملكاً. وراض ملتون نفسه على هذه التطورات بقوله: "أن أساليب العناية الإلهية يحوطها الغموض والإبهام". وظل على إعجابه بكرومول وامتدحه بأنه "أعظم بني الوطن وأكثرهم تألقاً وامتيازاً...أنه أبو البلاد"، وأكد له "أن في ائتلاف المجتمع الإنساني ليس ثمة شيء أحب إلى الله، أو أكثر التئاماً مع القليل من أن يتولى أسمى العقول السلطة العليا".
وسرعان ما طلب إليه أن يتولى الدفاع عن "حامي الحمى" في اتهام خطير. ذلك أنه في 1652 ظهر كتاب يشكل عنوانه نفسه صيحة الحرب "صرخة الدم الملكي" إلى السموات ضد الإنجليز الذين قتلوا أباهم" وبدأ الكتاب بأن نعت ملتون بأنه "حيوان شرير بشع، قبيح المنظر، ضخم الجسم، مكفوف البصر....جلاد...يستحق الشنق". وقرن الكتاب إعدام شارل الأول بصلب المسيح، واعتبر قتل الملك كبرى الجرائم وسخر من جهر "الغاصبين" بإيمانهم بالدين:
وكما فعل سالماسيوس، أهاب المؤلف المجهول بدول القارة أن تغزو إنجلترا وتعيد آل ستيوارت إلى العرش. وختم الكتاب بتوجيهه إلى الحارس القذر المتوحش، جون ملتون، المدافع عن قتل الآباء وقتلتهم، مع الأمل في أن يلقى وشيكاً شر الجزاء فيضرب بالسياط:
حول هذا الرأس الحانث سدد الضربات جيداً، وشوه كل بوصة فيه بآثار العصا، إلى أن تصبح الجثة كتلة هلامية واحدة. هل توقفت؟ اضرب حتى تتفجر الصفراء من كبده من خلال عينيه الداميتين. |
واستحث مجلس الدولة ملتون للرد على هذا العنف، ولكنه تمهل توقعاً لحملة من سالماسيوس، أملاً في أن يرد على الخصمين في رسالة واحدة. ولكن سالماسيوس قضى نحبه (1653) دون أن يتم رده. وخدع ملتون في اعتقاده بأن كاتب "صرخة الدم الملكي" هو ألكسندر مورس، وهو قسيس عالم في مدلبرة فطلب إلى مراسليه في المقاطعات المتحدة موافاته ببيانات عن حياة موريس العامة والخاصة. وكتب أوريان أولاك، طابع الكتاب، إلى هارتاب، صديق ملتون، مؤكداً أن موريس ليس هو المؤلف. ولكن ملتون أبى أن يصدق هذا، وأيده في هذا، ما يتناقله الناس في امستردام. وفي إبريل 1654 كتب جون دروري إلى ملتون، محذراً إياه بأنه مخطئ في نسبه "صرخة الدم الملكي" إلى موريس، ولكن ملتون تجاهل هذا التحذير، وفي 30 مايو كتب الدفاع الثاني للشعب الإنجليزي"-جون ملتون.
وكان سحر البيان في هذا الكتاب الذي بلغ عدد صفحاته 173، أمراً مشهوداً، حيث أملاه باللاتينية رجل كف بصره تماماً. وعزا أعداؤه ما أصابه من عمى إلى العقاب الإلهي جزاء خطاياه الفادحة. وأجاب ملتون على هذا بأنه لا يمكن أن يكون، لأن حياته كانت مثالية، وهو يشعر بالفرح والابتهاج لأن الدفاع الأول:
ثم يعرج ملتون على عدوه الجديد، فيذكر أن "موريس" تعني بالإغريقية "مغفل" ويتهمه بالهرطقة والتهتك والزنى، وبأن خادمة سالماً سالماسيوس حملت منه سفاحاً، ثم هجرها. بل أن طابع "صرخة الدم الملكي" نفسه يجلد بالسوط، وكل إنسان يعرف أنه غشاش مفلس سيئ السمعة.
وفي ظرف ومرح أكثر، ويستعرض ملتون أعمال كرومول، ويدافع عن حملاته في أيرلندة، وعن حل البرلمان، وعن استيلاء على السلطة، ويوجه الحديث إلى "حامي الحمى":
ولكن بعد عبارات الإجلال والإكبار هذه، لم يتردد ملتون في أن يمحض كرومول النصح في أمر السياسة. فأشار عليه بأن يحيط نفسه برجال من أمثال فليتوود ولمبرت (وهما من المتطرفين)، وأن يدعم حرية الصحافة وأن يترك الدين منفصلاً تمام الانفصال عن الدولة. كما ينبغي ألا تجمع أية عشور لرجال الدين، فإنهم بالفعل متخمون، (وكل ما فيهم سمين، حتى عقولهم دون استثناء". ويسترسل ملتون فيحذر كرومول من أنه "ونحن نعده، دوننا جميعاً، أعدل وأقدس وأفضل رجل" إذا أقدم على قمع الحرية التي دافع عنها، فلن تكون النتيجة إلا وبالاً ودماراً، لا لشخصه فحسب، بل كذلك لكل متطلبات الفضيلة والتقوى. ويوضح ملتون بأجلى بيان أنه لا يقصد "بالحرية" الديمقراطية، وهو يسأل الناس:
وفي أكتوبر 1654 أعاد أولاك طبع "الدفاع الثاني" لملتون، في لاهاي، مع رد عليه بقلم موريس بعنوان "دليل دامغ". وفي المقدمة أكد الطابع أن موريس ليس مؤلف "صرخة الدم الملكي"، وأنه، أي أولاك، تسلم مخطوطته من سلماسيوس الذي أبى أن يميط اللثام عن أسم المؤلف. وأنكر مورس إنكاراً تاماً أنه المؤلف، وأكد أن ملتون قد أبلغ بهذا الأمر مراراً وتكراراً، واتهمه بأنه قد رفض من قبل تغيير "دفاعه"، لأنه لن يتبقى من شيء يذكر إذا حذف من السباب الذي وجهه إلى موريس. وفي أغسطس 1655 أصدر ملتون كتاباً من مائتين وأربع صفحات "دفاع عن النفس" ورفض أن يصدق إنكار مورس، وأورد من جديد فعلته الشائنة مع خادمه سالماسيوس، وأضاف أنها، في شجار مشروع أوسعت مورس ضرباً وطرحته أرضاً، وكادت أن تفقأ عينيه. ولكن تبين في خاتمة المطاف أن أحد رجال اللاهوت البروتستانت، واسمه پيير دي مولان، هو الذي كتب "صرخة الدم الملكي"، وأن مورس هو الذي نشره وكتب إهداءه. ولما دعي مورس ليكون راعياً لإحدى كنائس الإصلاح قرب باريس، أرسل شاعرنا عدة نسخ من "الدفاع الثاني" إلى الأبرشية لمنع تعيينه. ولكن مجلس الأبرشية عينه على الرغم من ذلك كله، وختم مورس سيرته التي اكتنفتها المضايقات (1670) وهو أنصح الوعاظ البروتستانت بياناً في باريس أو فيما حولها.
ويبدو ملتون في مظهر أرق في قصيدة السونيت "مذبحة پيدمونت" (1655) . ويحتمل أنه هو الذي دون الرسائل التي أهاب فيها كرومول بدوق سافوي ليضع حداً لاضطهاد "الڤودوا Vaudois" (أتباع پيتر ڤالدو-بيوريتانيون منشقون في جنوب فرنسا)، وإلى مزران وحكام السويد والدنمرك والمقاطعات المتحدة ومقاطعات سويسرا، ليتوسطوا لدى الدوق.
وفي 1656، بعد أربع سنوات من حياة العزوبة، تزوج ملتون من كاترين وودكرك التي لم تكتحل عيناه بمرآها، بطبيعة الحال ولكنها أثبتت أنها بركة ونعمة عليه، فكانت ممرضة صابرة متجلدة لزوج مكفوف عنيف، وأما لبناته الثلاث، ولكنها قضت نحبها (1658)، أثناء وضع طفل لم يعمر. وكانت تلك سنة عصيبة على ملتون، حيث رحل عن الوجود وكرومول أيضاً، فكان لزاماً على السكرتير اللاتيني أن يحافظ على منصبه، قدر طاقته، في غمرة فوضى الأحزاب التي انحدرت بريتشارد كرومول إلى مجرد رجل عاجز تافه محب للخير. وعلى الرغم من أن ملتون لابد كان يدرك أن إنجلترا سائرة في طريق استعادة ملكية آل ستيوراث، فإنه أصدر في أكتوبر 1658 طبعة جديدة من "دفاع الشعب الإنجليزي عن نفسه" في أسلوب يغري بالاستشهاد. وفي مقدمة رائعة وصف ملتون "الدفاع الأول" بأنه "أثر ... تتعذر إزالته بسهولة"، وزعم أنه من وحي السماء ووضعه في المرتبة التالية لمآثر كرومول، الذي أنقذ حرية إنجلترا.
وقاوم في شجاعة عمياء حركة إعادة تشارلز الثاني، وعندما وصل جيش مونك إلى لندن، وتردد البرلمان بين الجمهورية والملكية، نشر ملتون في فبراير 1660 رسالة موجهة إلى البرلمان، تقع في 18 صحيفة، "الطريق الممهد والسهل لإقامة جمهورية حرة، ومزاياه المرتقبة بالمقارنة إلى مساوئ ومخاطر إعادة الملكية في هذه الأمة". ومهرها في جرأة وبسالة باسمه (بقلم جون ملتون) وفيها ناشد البرلمان:
وتنبأ ملتون بأن كل (الاعتداءات القديمة) التي ارتكبتها الملكية ضد حرية الشعب سوف تعود وشيكاً بعودة الملكية. واقترح أن يحل محل البرلمان (مجلس عام) يضم أقدر الرجال الذين ينتخبهم الشعب للعمل حتى الموت، ولا يخضعون للعزل إلا عند الإدانة بإحدى الجرائم، ويجدد المجلس بانتخابات دورية. وعلى هذا المجلس، على أية حال أن يوفر أكبر قدر ممكن من حرية الكلام والعبادة والحكم المحلي. واختتم ملتون رسالته بقوله:
وتجاهل البرلمان هذا الالتماس الذي ينطوي على القضاء عليه. وظهرت النشرات المطبوعة التي تهاجم ملتون، وحبذت إحداها شنقه وأصدر مجلس الدولة، وهو آنئذ ملكي النزعة، أمراً بالقبض على طابع رسالة ملتون، وفصله من منصبه (السكرتير اللاتيني للمجلس) فكان جوابه على ذلك إنه أصدر طبعة ثانية مزيدة من الرسالة "الطريق الممهد السهل" (إبريل 1660) وحذر البرلمان من أن الوعود التي يقطعها الآن شارل من اليسير أن تنقض بمجرد تثبيت دعائم السلطة الملكية الجديدة. وسلم بأن غالبية الشعب ترغب في عودة تشارلز الثاني، ولكنه دفع بأن الأغلبية ليس لها الحق في استعباد الأقلية أو التحكم فيها. إنه لمن الأعدل....إذا وصل الأمر إلى حد الفرض بالقوة، أن ترغم الأقلية مجموعة أكبر مجموعة أكبر منها على أن تعيد إليها حريتها. من أن تفرض الأغلبية على أقلية من الناس من بني وطنهم أن يكونوا عبيداً أرقاء لهم، بشكل يسيء إليهم أبلغ إساءة. وتكاثرت الهجمات والحملات على ملتون وناشدت إحداها الملك تشارلز الثاني، وكان آنذاك في بريداً أن يتذكر جيداً الإهانات التي وجهها ملتون من قبل في رسالة "محطم الصور" وغيرها، إلى والده تشارلز الأول. واقترحت أن يضم ملتون إلى قائمة قتلة الملك الفعليين، لأنه يستحق الإعدام.
وقبل أن تصل هذه النشرة إلى تشارلز الثاني، كان قد أبحر هو بالفعل إلى إنجلترا، وفي 7 مايو، ودع ملتون أولاده وآوى إلى مخبأ مع أحد الأصدقاء. ولكن كشف أمره وأودع السجن، وبات مصيره لمدة ثلاثة أشهر مرهوناً بما يقرره البرلمان الملكي ورأى كثير من الأعضاء أنه إذا كان ثمة من يستحق الإعدام، فهو ملتون. وكان هذا متوقعاً. ولكن مارڤل دافينانت وبعض الأعضاء الآخرين توصلوا إلى البرلمان أن يرحم شيخوخته وبصره المكفوف فاكتفى البرلمان بالأمر بإحراق بعض كتب بعينها من مؤلفاته، حيثما وجدت. وأطلق سراحه في 15 ديسمبر، فاتخذ داراً في هلبورن، انتقل إليها هو وأولاده، حيث انصرف-بعد أحد عشر عاماً صاخباً عصبياً مضطرباً، عن النشر، إلى الفترة الثانية من نظم الشعر، وهي فترة بالغة الروعة والعظمة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الشاعر العجوز
وجد ملتون بعض السلوى والعزاء في العزف على الأرغن وفي الغناء، ويقول أوبري "كان صوته رخيماً رقيقاً" وفي 1661 انتقل إلى دار أخرى، وفي 1664 استقربه المقام نهائياً في بيت في Artillery Wolk، فيه حديقة صغيرة استطاع أن يتمشى فيها دون أن يقوده أحد سوى يديه وقدميه. وكثيراً ما أقدم إليه أبناء أخته لزيارته ومعاونته، وقد نسوا ما كال لهم من ضرب في سابق الأيام، كما جاء إليه الأصدقاء ليقرئوا له، أو يكتبوا ما يمليه عليهم. وتولى بناته الثلاث خدمته بصبر نافد وجهد جهيد. وكانت كبراهن-آن-عرجاء شوهاء لكناء. وكانت ديبورا تتولى له الكتابة، وتعلمت هي وأختها ماري قراءة اللاتينية واليونانية والعبرية والفرنسية والإيطالية والأسبانية، ولو أنهما لم تكونا تفهمان ما تقرآن. والحق أن أياً منهما لم تذهب قط إلى مدرسة، ولكنهن تلقين بعض الدروس الخاصة. ولكن لم يحظين من التعاليم إلا بأقل نصيب، على أحسن الفروض وباع ملتون معظم مكتبته قبل وفاته، لأن بناته لم تعنين بالكتب إلا قليلاً. وشكا من أنهن بعين الكتب خفية، وأنهن أهملن شأنه في وقت الحاجة والشدة، وأنهن تأمرن مع الخدم على مغالطته وسلبه عند شراء حاجيات المنزل، ولم تشعر البنات بالسعادة في هذا البيت الكئيب، مع والد قاسٍ كثير المطالب سريع الغضب. ولما سمعت ابنته ماري بأنه يرتب لزواج جديد قالت: "ليس ثمة أنباء تستحق أن تسمع عن زفافه، ولكن النبأ الجدير بالاستماع هو نبأ وفاته"(. واتخذ ملتون في 1663، وهو آنذاك في الخامسة والخمسين، زوجة ثالثة، هي اليزابث منشول، وكانت في الرابعة والعشرين من العمر. وتولت خدمته بإخلاص وأمانة حتى آخر أيام حياته. وبعد سبع سنوات مع زوجة الأب التي وصفها أوبري بأنها "وديعة مسالمة مرحة مقبولة" هجر البنات الثلاث منزل والدهن، ليتعلمن، على نفقة ملتون بعض الحرف.
الفردوس المفقود
وكانت عودة الملك قد كلفته كثيراً، وكادت أن تكلفه حياته، ولكنها مهدت الطريق لنظم "الفردوس المفقود". فلولاها ربما أفنى ملتون نفسه في التراشق بالنشر في المعركة، لأن "المقاتل" كان في مثل قوة "الشاعر" في شخصه. وبرغم هذا كله، لم يودع ملتون قط الأمل في أن يكتب لإنجلترا شيئاً تتغنى به لقرون قادمة. وفي 1640 أعد بياناً بموضوعات يمكن أن تكون ملحمة أو دراما، كان من بينها موضوع خطيئة آدم (خروجه من الجنة)، وأساطير الملك آرثر (ملك بريطانيا الذي يفترض أنه عاش في القرن السادس ق.م.، وبطل المائدة المستديرة) وتأرجح بين اللاتينية والإنجليزية، بأيتهما يكتب، وحتى حين قر قراره على "الفردوس المفقود"، موضوعاً له، فكر في أن يكتبه على شكل مأساة إغريقية، أو رواية دينية، على غرار روايات العصور الوسطى، وفي أوقات مختلفة نظم بعض أبيات أو مقطوعات أدخلت فيما بعد في القصيدة. ولم يتسن له إلا بعد وفاة كرومول، أن يجد فسحة من الوقت يومياً، ليكتب الملحمة، وفي 1658 فقد بصره تماماً.
في الأيام السود، وألسن السوء، ولو أنها ولت، فقد لفنا الظلام واكتنفتنا الأخطار من كل جانب.
وتواردت على ذهنه الأبيات، حين كان يرقد عاجزاً أرقاً، ويكاد ينفجر بها. فينادي على من يكتب له قائلاً: "إنه يحتاج إلى من يحلبه". وكانت تنتابه حمى الشعر، فيملي أربعين بيتاً "في نفس واحد"، ثم يجد في تصحيحها عندما تعاد تلاوتها عليه. ويحتمل ألا تكون ثمة قصيدة نظمت بمثل هذا الجد والكد والشجاعة والجراءة. وداخل ملتون شعور قوي بأنه يمثل لإنجلترا هوميروس واشعيا معاً، حيث اعتقد بأن الشاعر صوت الله، وأنه نبي أوحي إليه أن يعلم الناس.
وفي 1665، حين انتشر الطاعون بلندن، اتخذ التدابير صديق سجين من الكويكرز، هو توماس الوود، لنقل ملتون ليقيم في "كوخه المكون من عشة حجرات في "كالفونت سانت شيل في بنكجهام مشير". وهناك في هذه "المقصورة الجميلة" أكمل الشاعر "الفردوس المفقود" ولكن من ذا الذي يقدم على نشرها؟ لقد كانت لندن في اضطراب بالغ في 1665-1666 بسبب الحريق الذي جاء في أعقاب الطاعون، وإذا كان ثمة شيء من الفرح والمرح باق، فهو عودة الملكية في صخبها وعربدتها. وفي حالة نفسية ليس معها مجال لملحمة من 10558 بيتاً الخطيئة الأولى. لقد حصل ملتون من قبل على ألف من الجنيهات عن رسالته "دفاع الشعب الإنجليزي" أما الآن، في 27 إبريل 1667، فقد باع كل حقوقه في "الفردوس المفقود" إلى الناشر صمويل سيمونز لقاء خمسة جنيهات نقداً، مع الاتفاق على دفعات أخرى قيمة كل منها خمسة جنيهات، يتوقف تسديدها على ما يباع من الكتاب، فكان كل ما حصل عليه هو 18 جنيهاً. ونشرت القصيدة في أغسطس 1667. وبيع منها العامين الأولين 1300 نسخة، وفي الأحد عشر عاماً الأولى بيع 3000 نسخة. وربما لا يقبل على القراءة القصيدة بأكملها مثل هذا العدد من القراء في أية سنة من أيامنا هذه، فليس لدينا فراغ كبير، حتى لقد اخترعنا كثيراً من الأدوات التي توفر الجهد.وتشترك "الفردوس المفقود" مع "انياذة فرجيل"، فيما أصاب كلتيهما من نكسة وتعويق، لظهورهما بعد الياذة هوميروس، فإن مشاهد المعركة والمحاربين الخارقين للطبيعة يفقدون قوتهم وسحرهم، ولكنهم تقليداً ومحاكاة. ولا ريب في أن هوميروس قلد نماذج قديمة، ولكنا نسيناها ولم نعد نذكرها، وذهب جونسون إلى أن "الفردوس المفقود"، بطبيعة موضوعها، تمتاز على ما عداها، بأنها ممتعة مشوقة للجميع دائماً "ولكنه
اعترف بأن" أحد لم تساوره الرغبة في أن تكون أطل مما هي. أن موضوع "الخطيئة الأولى للإنسان. وثمار الشجرة المحرمة التي جلب مذاقها القاتل الموت والفناء على العالم، وجلب علينا كل الكروب والويلات"، كان موضوعاً مناسباً إلى حد كبير، لأيام شباب ملتون، حين كان يتلقى سفر التكوين على أنه تاريخ، وحين كانت الجنة والنار، والملائكة والشياطين، هي نسيج التفكير اليومي. أما اليوم فإن موضوع القصيدة أكبر عائق في سبيلها، إنها قصة خرافية تروي للشبان في أحد عشر قسماً، وأن الاستمرار في مشاهدة مثل هذا العرض الطويل اللاهوت من البداية حتى النهاية جاف قاس عتيق، ليتطلب اليوم جهداً شاقاً متصلاً. وما كان الهراء ليسي عليه يوماً مثل السمو والرفعة قط. إن عظمة المشهد وجلاله، ومعانقة الجنة والنار والأرض، والانسياب الفخم المهيب للشعر المرسل، ومعالجة الموضوع المعقد ببراعة فائقة، والوصف الرقيق الجديد للطبيعة، والمحاولة الموفقة لإسباغ الواقعية والشخصية على آدم وحواء، وكثرة القطع الشعرية البالغة الروعة والقوة، كل أولئك بعض الأسباب التي جعلت من "الفردوس المفقود" أعظم قصيدة في اللغة الإنجليزية.
وتبدأ القصة في جهنم حيث الشيطان على هيئة طائر "ضخم الجسم"، ذي جناحين مبسوطين، ينصح ملائكته الهابطين بألا ييأسوا:
لم يضع كل شيء، فإن الإرادة التي لا تقهر، وتدبر للأخذ بالثأر والكراهية التي لا يخبوا أوارها أبداً، والشجاعة التي لا تخضع ولا تستسلم، أما أن تنثني متوسلة للرحمة، على ركبتين ضارعتين، وتعظم من سلطانه...فهذا أمر دنئ حقاً هذا خزي وعار أنكى من هذا السقوط ويبقى العقل والروح ولا سبيل إلى قهرهما.
وكأني بهذه الأبيات تردد صدى كرومول وهو يتحدى شارل الأول، وصدى ملتون وهو يتحدى شارل الثاني؛ وثمة عدة قطع في وصف الشيطان تذكرنا بملتون:
عقل لا يغير منه زمان أو مكان، فالعقل راسخ في مكانه، يستطيع في نفسه أن يجعل من الجنة جحيماً، ومن الجحيم جنة.
وفي الأجزاء القديمة من القصيدة نجد أن فصاحة ملتون أغرته بأن يرسم لإبليس صورة تكاد تتسم بالود والعطف، وكأنه زعيم ثورة ضد السلطة الرسمية الاستبدادية. وتخلص الشاعر من أن يجعل الشيطان بطل الملحمة بتصويره، فيما بعد، بأنه "أبو الأكاذيب" الذي "يجثم مثل ضفدع الطين" أو كالأفعى التي تنزلق ملتوية فوق الوحل. ولكن في هذا القسم من الملحمة نفسه ينهض الشيطان مدافعاً عن المعرفة: المعرفة محرمة محظورة؟ لماذا ينفس عليهما ربهما ذلك؟ هل تكون المعرفة إثماً؟ أو تكون فناء؟ هل يعيشان (آدم وحواء) على الجهل وحده؟ أو أن حالتهما السعيدة هي دليل طاعتهما وإيمانهما؟ سأثير في عقليهما مزيداً من الرغبة في المعرفة.
ومن ثم يحاور حواء وكأنه كنيسة عقلانية تحمل على كنيسة جامدة تعيش في ظلام الجهل، تقف عقبه كأداة في طريق انتشار المعرفة:
لماذا إذن كان هذا التحريم؟. لماذا كان، إلا ليرهب عباده ويبقيهم على حالة من الانحطاط والجهل، إنه يعلم أنه في اليوم الذي تأكلان من تلكما الشجرة، فإن أعينكما التي تبدو الآن صافية ولكنها كليلة، سوف تنفتح وتصفو تمام الانفتاح والصفاء، ومن ثم تكونان مثل الآلهة.
ويأمر روفائيل، وهو أحد الملائكة، آدم، بأن يكبت من حبه لاستطاع الكون، فليس من الحكمة أن يتطلع الإنسان إلى معرفة ما وراء نطاقه الفاني(115) فالإيمان أعقل من المعرفة.
وكان لنا أن نتوقع ألا يفسر ملتون "الخطيئة الأولى" بأنها رغبة في المعرفة، بل أنها علاقة جنسية. أنه على النقيض من ذلك، ينشد تسبيحة غير بيوريتانية إطلاقاً، من أجل مشروعية اللذة الجنسية، في حدود الزواج، ويصور آدم وحواء منغمسين في مثل هذه القيم المادية، مع بقائهما على "حالة البراءة"، ولكن بعد "الخطيئة" أي أكل الفاكهة المحرمة من شجرة المعرفة-بدأ يستشعران الخزي والعار في الاتصال الجنسي. وهنا ينظر آدم إلى حواء على أنها مصدر كل الشر، "ضلع أعوج بالطبيعة" ويرثي لأن الله خلق المرأة:
لماذا خلق الله في النهاية هذه البدعة على الأرض، هذه العلة الجميلة في الطبيعة، ولم يملأ العالم على الفور، برجال مثل الملائكة، دون أثاث، أو يجد طريقة أخرى لتوالد بني البشر؟
ومن ثم فإن الإنسان الأول، في تاريخ الزواج في الكتاب المقدس، سرعان ما اصطنع ذريعة ليطلق الرجل زوجته في سهولة ويسر، وهنا نجد ملتون ينسي آدم، ويكرر شعراً ما سبق أن ذكره نثراً، عن خضوع المرأة خضوعاً حقيقياً تاماً للرجل. وسيعود إلى هذه اللازمة في قصيدة "Samson Agoniates". فهي حلمه الأثير الحبيب إلى نفسه. وفي رسالته السرية "العقيدة المسيحية" دافع عن إعادة "تعدد الزوجات"، ألم يجره العهد القديم. ألم يترك العهد الجديد هذا القانون الحكيم الشجاع دون إلغاء أو تعطيل؟.
ومهما فسرت "مخالفة الإنسان الأول لأمر ربه" (الخطيئة الأولى)، فقد ثبت أنها موضوع أصغر من أن يملأ اثني عشر قسماً، لأن الملحمة تتطلب سلسلة من الأحداث والأعمال، ولكن حيث أن ثورة الملائكة انتهت حين بدأت القصة. فإن المسرحية لا تدخل إلى القصيدة إلا عن طريق الذكريات أو العودة إلى الماضي، وهو صدى آخذ في الذبول والزوال. ومشاهد المعركة موصوفة وصفاً جيداً، بما في ذلك التصارع المناسب بالسلاح، وشج الرؤوس وتقطيع الأوصال، ولكن من العسير أن تشعر بالألم أو بنشوة الابتهاج لهذه الضربات الخيالية. وعلى غرار الكتاب المسرحيين الفرنسيين يطلق ملتون لنفسه العنان للخطابة، فالجميع ابتداء من "الله" إلى حواء يخطبون، ولم يجد الشيطان في سعير جهنم ما يحول بينه وبين البلاغة وأنه لمن المزعج حقاً أن نعلم أنه حتى في الجحيم سنكون مضطرين إلى الاستماع إلى محاضرات".
"والرب" في هذه القصيدة ليس هو التألق الذي يجل عن الوصف الذي تحس به في "جنة دانتي" فهو في القصيدة فيلسوف سكولاس (فيلسوف نصراني من العصور الوسطى)، يدلي بأسباب مطولة غير مقنعة، لأنه وهو القادر على كل شيء، يجيز للشيطان أن يوجد، وإن يغوي الإنسان، متنبئاً، طوال الوقت، بأن هذا الإنسان سيبذل ويخضع، ويجلب على البشرية يأسرها قروناً من الخطيئة والشقاء والتعاسة. ويحاج بأنه بدون الإثم لا تكون الفضيلة، وبدون التجربة لا توجد الحكمة والتعقل، ويرى أنه من الأفضل أن يواجه الإنسان الإغراء ويقاومه، من عدم التعرض للإغراء إطلاقاً، دون أن يتوقع أبداً أن الصلوات سوف تتوسل إلى الله ألا يقود الإنسان إلى الغواية والإغراء. ومن ذا الذي يطبق التعاطف مع تمرد الشيطان على هذا السادي الذي لا يصدق؟ (السادية: الابتهاج بالقسوة المفرطة).
وهل كان ملتون يؤمن حقاً بهذا الهول الجبري المقدر؟. من الواضح أنه كان كذلك، لأنه بسط الكلام فيه، لا في "الفردوس المفقود" فحسب، بل في رسالته السرية "العقيدة المسيحية" كذلك. أي أن الله، قبل خلق الإنسان بزمن طويل، قدر أي الأرواح يكتب لها الخلاص، وأيها قدر عليها العذاب المقيم. وانطوت هذه الرسالة، على أية حال، على شيء من الهرطقة. ولم ينشرها ملتون قط، ولم يكشف أمرها إلا في 1823، ولم تصل إلى المطبعة إلا في 1825.
إن هذه الرسالة وثيقة جديرة بالذكر، فهي تبدأ في إطار من التقوى، ودون جدل أو لجاجة، بافتراض أن كل كلمة في الكتاب المقدس هي وحي من عند الله. وسلم ملتون بأن نصوص الكتاب المقدس قد طرأ عليها "التزييف والتشويه والتبديل" ولكنها حتى في صيغتها الراهنة، من صنع الله. وهو لايجيز غير التفسير الحرفي الأمين. فإذا جاءت الأسفار بأن "الرب"، استراح، أو خاف، أو خاف، أو ندم، أو كان غاضباً، أو حزينا، فإنه ينبغي أن تؤخذ هذه الألفاظ بمعناها الظاهري، ألا تخفف على أنها مجازات، بل كذلك أجزاء الجسم والصفات الجسدية التي تنسب إلى "الله" يجب قبولها على أنها حقيقية من الوجهة المادية. ولكن "الله" بالإضافة إلى هذا الكشف الظاهري الذي جاءت به الأسفار المقدسة والذي يكشف به عن كنهه فإنه، زودنا بوحي داخلي، هو الروح القدس الذي يتحدث في داخل قلوبنا. وهذا الوحي الداخلي "الملك الخاص لكل مؤمن، أسمى بكثير...ومرشد أصدق، من الأسفار المقدسة(124). ومهما يكن من أمر، فإن ملتون يقتبس من الكتاب المقدس، ما يؤيد ما يسوق من حجج، على أنه البرهان الحاسم الدامغ.
وعلى أساس من الأسفار المقدسة، ينبذ ملتون نظرية الثالوث الأقدس التقليدية، ويؤثر عليها هرطقة آريوس (الذي بقول بأن المسيح ليس من مادة الله، بل هو خير خليقة فقط)، فالمسيح بكل معنى الكلمة، أبن الله، ولكن الأب ولده في زمن ما، ومن ثم فهو غير معاصر للأب وليس متساويا معه أبداً. فالمسيح هو الوسيط الذي خلقه الله على أنه "اللوجوس أي الكلمة" الذي سيخلق منها كل من عداه. ولا يسلم ملتون "بالخلق من العدم"، فعالم المادة، مثل عالم الروح؛ انبثاق أو فيض سرمدي من المادة الإلهية. وحتى الروح نفسها، فهي مادة رقيقة جداً أثيرية، ولا يجوز تمييزها تمييزاً حاداً عن المادة. وفي النهاية، المادة والروح، والجسم والنفس في الإنسان، شيء واحد. وثمة شبه كبير يستحق الملاحظة بين هذه الآراء، وآراء هوبز (1588-1689) وسبينوزا (1632-1677)، وقد نرى أنهما فارقا الحياة في نفس العقد من السنين الذي مات فيه ملتون (1608-1674). وربما أطلع ملتون على مؤلفات هوبز التي لها دوي ملحوظ في بلاط شارل الثاني.
وظلت عقيدة ملتون خليطاً غريباً من التوحيد والمادية، ومن مذهب حرية الإرادة عند جاكوب أرمينيوس (لاهوتي بروتستانتي هولندي 1506-1609)، ومن مذهب الجبرية أو القضاء والقدر عند كلفن. ويبدو في كتاباته أنه كان رجلاً متعمقاً في أمور الدين. ومع ذلك لم يذهب قط إلى الكنيسة حتى قبل فقد بصره، ولم يقم الشعائر الدينية في بيته. وكتب دكتور جونسون:"في توزيع ساعاته لم يخصص وقتاً للصلاة، وحده، أو مع أهل بيته. وحذف الصلوات العامة، لقد حذف الصلوات جميعاً". وازدرى رجال الدين، ونعني على كرومول احتفاظه بعدد من رجال الدين تدفع الدولة رواتبهم، على أنه لون من "عبادة الأوثان"، يؤذي الدولة والكنيسة معاً. وفي أحد بياناته الأخيرة "بحث في العقيدة الحقة، والهرطقة والانشقاق عن الكنيسة والتسامح، وأمثل الطرق للحيلولة دون نمو البابوية" (1633) عارض بطريق مباشر الإعلان الثاني الذي أصدره شارل الثاني عن التسامح (1672)، محذرا إنجلترا من التسامح مع الكاثوليك وأنصار التوحيد، أو أية شيعة أخرى لا تعترف بالكتاب لمقدس أساساً وحيداً لمذهبها.
أن هذا الرجل الذي تفوح منه رائحة الهرطقة، عرف عنه مقاومة رجال الدين وتدخلهم في الشؤون العامة والخروج على الكنيسة، هو نفس الرجل الذي أخرج للعقيدة المسيحية أكرم شرح حديث لها.
السنوات الأخيرة
احتفظ ملتون مع دخوله في العقد السابع من العمر، فيما خلا فقد البصر، بصحبة جسمه واعتداده بنفسه، وهما اللذان دعماه وسانداه في كل الصراعات الدينية والسياسية التي خاضها. ويصفه أوبري بأنه "نحيل...متوسط القامة"...فهو جسم جميل متناسب الأجزاء، وبشرته فوق المتوسطة...صحيح الجسم، لا يشكو علة، قلما يتناول الدواء، كل ما في الأمر أن النقرس انتابه في أخريات أيامه (129)". وكان شعره الذي فرقه في الوسط يتدلى على كتفيه في حليقات أو عقصات. ولم تنبئ عيناه عن فقد بصره. وظلت مشيته ثابتة منتصبة. وكان إذا غادر بيته بدا على زيه شدة الحساسية والكلف بملابسه، وتمنطق بسيف، لأنه كان فخوراً ببراعته في المبارزة واللعب بالسيف(130). وأضفت عليه الثقة الزائدة عن الحد وقاراً، وعزوفاً عن المرح. ولكنه كان مع ذلك حلو الحديث إلا إذا لقي معارضة. ولم يكن بيوريتانياً بكل معنى الكلمة: كان عنده شعور البيوريتانيين بالإثم، والجحيم والإصطفاء والأسفار المقدسة التي لا تخطئ، ولكنه استساغ الجمال واستمتع بالموسيقى، وألف رواية، واحتاج إلى عدة زوجات، وتخلفت أثاره من حيوية عصر اليزابث وسطر زانته الخالية من المرح. وكان أنانياً، أو أنه كشف عن أنانيته الطبيعية إلى حد الإفراط غير المألوف. إنه كما قال أنطوني رود: "لم يكن يجهل مواهبه(131)"، وكما قال جونسون: "قل من الرجال من كتب كثيراً وامتدح قليلاً من الناس، مثله"، وربما تطلبت العبقرية أنانية يدعمها اعتداد داخلي بالنفس، حتى تقف في ثبات في وجه الجمهور. إن أثقل ما يمكن قبوله في ملتون هو طاقة الكراهية والبغضاء عنده، وإساءته المفرطة لمن اختلفوا عنه وذهب إلى أنه ينبغي علينا أن نصلي من أجل أعدائنا، ولكن ينبغي أيضاً أن نستنزل اللعنات جهاراً على أعداء الله وأعداء الكنيسة، وكذلك على الأخوان المضللين الزائفين، أو من يقترفون الآثام الفظيعة ضد الله، أو حتى ضد أنفسهم". أما الوجه الآخر لهذه العاطفة المشبوبة، فهو شجاعة النبي في استنكار زمانه، فإنه بدلاً من أن يكمم فاه ما اقترن بعودة الملكية من شغف وصخب، هاجم في عنف، غراميات البلاط "في عهد تشارلز الثاني"، "والشهوات والاغتصاب" في القصور، و"البسمات المشتراة على شفاه بنات الهوى" و "المسرحيات الخليعة أو حفلات الرقص في منتصف الليل".
وكأنما كان ملتون يقذف بآخر سهم في جعبته تحدياً للعصر المظلم، حين نشر في يوم واحد (20 سبتمبر 1671) في غير ما شفقة ولا رحمة، اثنين من أعماله: "الفردوس المستعاد" و"شمشون المعذب". في 1665 بعد أن انتهى توماس إلوود من قراءة ملحمة ملتون الأولى تحداه قائلاً: "لقد تحدثت هنا كثيراً عن الفردوس المفقود، فماذا عساك تقول الآن عن الفردوس الذي وجد؟"، وطرقت الفكرة ذهنه بشدة، ولكنه تسائل: كيف يعرض استعادة الفردوس في أية مرحلة في التاريخ، فإن موت المسيح نفسه لم يطهر الإنسان من الجريمة والشهوة والحرب ولكنه فكر أنه رأى في مقاومة المسيح لإغراء الشيطان، وعداً بأن جانب الله في الإنسان لابد يوماً أن يقهر جانب الشيطان في الإنسان نفسه، ويهيئه للحياة تحت حكم المسيح والعدالة على الأرض.
ومن ثم فإن ملتون في الأقسام الأربعة من "الفردوس المسترد"، لم يركز في حياة المسيح على الصلب، بل على "تجربة الإغراء في البرية"، حيث يقدم الشيطان للمسيح "ولداناً...أجمل من سقاة الآلهة"، ثم "الحور والعذارى الفاتنات، وسيدات من حدائق التفاح الذهبي" ثم يعرض عليه المال والثراء-ولكن أولئك دون جدوى. ثم يريه الشيطان روما الإمبراطورية تحت حكم تيبريوس المنهوك المكروه الذي لم يعقب، فهلا يريد المسيح أن يقود ثورة بعون من الشيطان، وينصب نفسه إمبراطوراً على العالم؟ ولما لم يرق هذا في عيني يسوع ، ولم يستهو قلبه فإن الشيطان، أراه أثينا بلد أرسطو وأفلاطون، فهلا رغب في اللحاق بهما ليكون فيلسوفاً؟ ثم يدخل المسيح والشيطان في حوار غريب حول مزايا الأدب اليوناني والعبري. فينحاز المسيح إلى جانب أنبياء وشعراء بني إسرائيل على أنهم أسمى بكثير من اليونانيين:
أخذت اليونان عنا هذه الفنون، ولم تحسن تقليدها. |
وبعد قسمين من الملحمة استغرقهما الحوار، أقر الشيطان بهزيمته، وبسط جناحيه وطار، على حين تتجمع فرقة من الملائكة حول المسيح المنتصر، وتنشد:
الآن انتقمت لآدم المغدور به، وبالتغلب على الإغراء استعدت الفردوس المفقود. |
ولم يروِ ملتون لنا القصة بمثل الروعة الفياضة الرنانة التي تجلت في الملحمة الأولى الكبرى، ولكن بمثل براعته في الشعر، وميله إلى الحاجة، وهما أمران معهودان فيه، كما كشف في القصة حتى حادث صلب المسيح، وربما كان مرد ذلك إلى أنه لم يتفق مع القائلين بـأن موت المسيح هو الذي فتح أبواب الجنة من جديد. فالفضيلة وضبط النفس وحدهما اللذان يجلبان السعادة. ولم يدرك ملتون قط لما رفضت إنجلترا أن تأخذ بمأخذ الجد، إعادة كتابة الأناجيل على هذا الشكل المضحك، وذهب إلى القول بأن الملحمة الثانية ليست أقل من الملحمة الأولى، اللهم إلا من حيث مداها. وكان لا يطيق أن يسمع أن "الفردوس المفقود" تفضل "الفردوس المسترد".
وتألقت عبقرية ملتون لآخر مرة في "شمشون أجونست-الجبار". إنه بعد أن تحدى هوميروس وڤرجيل ودانتي، بملحمته، نراه الآن يتحدى أخيللس وسوفوكليس برواية ارتضت كل القيود المأساة (التراجيديا) اليونانية. وهو في المقدمة يطلب إلى القارئ أن يلحظ أن المسرحية (الدراما) تخضع للوحدات التقليدية القديمة، وتتجنب "خطأ الشاعر في خلط المادة الهزلية (الكوميدية) بأحزان المأساة ووقارها ورهبتها، أو في إدخال شخوص تافهين مبتذلين. وهنا نجد ملتون يولي ظهره لعصر اليزابث، ويشق طريقه إلى اليونان ولا يبعد كثيراً عن النماذج اليونانية. إن شمشون الذي فارقته قوته بعد أن حلقت دليلة سبع خصلات من شعر رأسه، وقلع من أوثقوه من الفلسطينيين عينيه، نقول أن شمشون هذا لا يحكي فقط، أوديب المكفوف في كولونس، بل أنه يحكي ملتون نفسه يعيش في عالم بغيضاً يرى منه أثراً:
والحق أن الرواية كلها يمكن تفسيرها بأنها قصة رمزية متناغمة متماسكة: فملتون هو شمشون يناضل ويتعذب في محنته، وبنو إسرائيل المقهورون هم البيوريتانيون، أي الشعب المختار حطمته عودة الملكية، والفلسطينيون هو الملكيون الوثنيون المنتصرون، وهدم هيكلهم يكاد يكون تنبؤاً "بالثورة الجليلة" التي أطاحت بآل ستيوارت "الوثنيين" في 1788. أما دليلة فهي المرأة الخائنة ماري پاول، Powell. وتكرر فرقة الموسيقى (الكورس) حجج ملتون وناقشاته من أجل الطلاق. ويكاد ملتون يكون قد تخلص من غضبه وحقده بترديد تلك الحجج والناقشات على لسان شمشون الذي يتقبل نهايته التي لابد آتية:
"سوف تمضي سلالة المجد، أما سلالة الخزي والعار التي ستبقى فسألحق بها وشيكاً." |
وفي يوليه 1674 أحس ملتون بأنه يضعف وتنحط قواه، ولأسباب لا نعلمها أهمل تدوين وصيته. وبدلاً من ذلك وجه إلى أخيه كريستوفر وصية "شفوية" تكاد تكون غير مسطورة، نقلها كريستوفر على وجه الآتي:
وأعاد ملتون هذه الوصية الشفوية على أسماع زوجته وأناس غيرها في أوقات مختلفة.
وتشبث ملتون بالحياة في عزيمة قوية. ولكن آلام النقرس اشتدت عليه يوماً بعد يوم حتى شلت يداه وقدماه. وفي 8 نوفمبر 1674 وأنهكت الحمى قواه، وفارق الحياة في تلك الليلة. وعاش ملتون خمساً وستين سنة وسبعة أشهر. ودفن في مقبرة كنيسة الأبرشية، في سانت جيل كربلجيت، بجوار والده.
وكان القانون الإنجليزي يعترف بالوصايا الشفوية حتى 1677، ولكن المحاكم كانت تدقق قيها تدقيقاً شديداً. واعترض البنات على وصية أبيهم، ورفضها القاضي، وأعطى ثلثي المال للزوجة، والثلث الباقي، وقدره 300 جنيه للبنات. أما الحصة في أموال پاول فلم يدفع منها شيء قط.
وأنا لنعلم عن ملتون أكثر كثيراً مما نعلم عن شكسبير، ولا بد من تدوين الكثير عنه حتى نخرج له صورة حقيقية أو نصفه وصفاً كاملاً. ولكنا لا نزال نجهل ما يكفي للحكم عليه-إذا كان هذا ممكناً بالنسبة لأي رجل. فنحن لا نعلم، بشكل كاف، لماذا أثار بناته استياءه إلى هذا الحد، ولا كيف عاملن زوجته الثالثة التي واسته وأراحته في سني شيخوخته، ولكنا نستطيع فقط أن نبدي الأسف على أنه عجز عن كسب حبهم. ولسنا ندري بالتفصيل لماذا ارتضى أن يكون رقيباً على الصحافة أيام كرومول، بعد دفاعه المجيد عن "حرية المطبوعات". ويمكن أن نعزو كثيراً من تعسفه وبذاءته في الخصومة إلى أحول العصر ومعاييره. وقد نغتفر غروره وأنانيته باعتبارهما الركيزة التي تستند إليها العبقرية إذا لم تجد إلى القليل من ثناء الدنيا وإطرائها. ولسنا بحاجة إلى الاستماع به رجلاً. والإعجاب به شاعراً، وواحداً من أعظم الناشرين الإنجليز.
إن الذين يعتزمون قراءة الفردوس المفقود من البداية إلى النهاية، سيتولاهم الدهش إذ يجدون أنها غالباً ما تحلق في آفاق عالية من الخيال والبيان، حتى ليغتفرون إن عاجلاً أو آجلاً، الصفحات المملة المحشوة بالنقاش أو العلوم أو الجغرافيا، وكأنها بمثابة فترات لالتقاط الأنفاس من فرط الثأر والتحليق. وأنه لمن الحمق أن نتوقع أن تبقى هذه التحليقات المفرطة في التناغم والعاطفة بصفة مستمرة، فقد يكون هذا في القصائد القصيرة. وهناك في نثر ملتون وبخاصة في "الأريوباجيتيكا"، قطع، لا يسمو عليها، في قوتها وروعتها، وفكرها وموسيقاها، شيء من سلسلة الأدب الدنيوي في العالم.
وأضفى عليه معاصروه شهرة يشوبها الحسد والتذمر، وفي الفترة التي صعد فيها حزبه إلى منصة الحكم، كان مناضلاً ثائراً، ونسيت قصائده الغنائية الأولى. ونشر ملتون قصائده الكبرى في عهد عودة الملكية، ذلك العهد الذي احتقر شيعته، ورضي له البقاء على قيد الحياة، على كره منه. وعندما طلب لويس الرابع عشر من سفيره في لندن أن يعدد له أحسن الكتاب الإنجليز الأحياء، كان جواب السفير: لا يوجد منهم من يستحق الذكر إلا ملتون الذي دافع من قبل، من سوء الحظ، عن قتل الملوك الذين كانوا آنذاك يشنقون أحياء أو أمواتاً. وحتى في هذا العصر المستهتر المشاغب، على أية حال، نجد أن أشهر شعرائه، جون دريدن، الذي قال عنه ملتون من قبل أنه "ناظم قواف جيد، وليس بشاعر". نقول أن دريدن هذا، اعتبر "الفردوس المفقود" "من أعظم وأروع وأسمى ما أبدع هذا العصر وهذه الأمة من قصائد". وبعد أن دالت دولة أسرة ستيوارت عاد إلى ملتون مجده ومكانته الرفيعة. وأطنب أديسون في مداحه في مجلة "سبكتاتور". ومنذ ذلك الوقت ازدادت صورة ملتون رفعة وقداسة في ضمير بريطانيا حتى ناجاه وردزوث في 1802:
"أي ملتون، ما كنا أجدرك أن تكون حياً بيننا في هذه الساعة..، أن روحك مثل نجم رحل عنا بعيداً، لقد كان لك صوت يهدر كالبحر، صاف مثل السموات المكشوفة، صوت كريم حر". |
أن نفسه كانت مثل أثر باق، قام بعيداً عن أقرب الناس إليه، ولكن عقله حلق مثل السموات العلى، فوق كل هموم البشر، وصوته يدوي في الاستماع مثل "البحر المتلاطم الأمواج" عند هوميروس.
ميلتون والاستعادة
ويمكن ان نضيف الى ذلك ان ميلتون شارك الكثيرين من شعراء النهضة ـ خاصة سبنسر ـ في القدرة على استخدام الأساطير الكلاسيكية بطريقة جادة في اطار من الشعر الديني. ولاشك ان احساس ميلتون بالكرامة وايمانه بالجنس البشري بصورة عامة منعه من تصوير الكائنات البشرية كديدان أو حتى شرذمة من المخطئين خلقوا من أجل ان يخطئوا.
كتب ميلتون بكتابه الكثير من الأعمال الدينية ومن أشهرها «الأعمال الالهية والأيام» والتي تعطي نبذة عن خلق العالم ومسيرة الانسان داخل هذا العالم، وكذلك يتحدث ايضا عن سقوط الانسان بسبب آثامه المتكررة.
ويختلف الصراع الداخلي في أعمال ميلتون عن ذلك الموجود في أعمال الشعراء الميتافيزيقيين والآخرين، حيث يرى ميلتون ان الصراع ينشأ نتيجة للصدام بين انسان صالح وعالم ظالم وليس نتيجة لأخطاء وذنوب هذا الانسان.
كذلك يتميز ايضا بشغفه الزائد بالشعر الرعوي الذي ينبع من ايهامه بالطبيعة من حوله وجمالها الفتان، وكانت المرحلة الأولى من كتابته في هذا المجال عن وصف تقليدي منظم ولكن ما لبث ان كون فكرة جديدة عن الطبيعة مؤداها انها رمز للانسجام الكامل مع السماء ويرى بعض النقاد ان السطر الافتتاحي من الفردوس المستعاد يضع الفردوس المفقود في مصاف الشعر الرعوي حيث يرى في هذا السطر ان الفردوس المفقود ما هو الا قصيدة عن الحديقة السعيدة!
ربما كون هذا الوصف غريبا بعض الشيء ولكن لو تعمقنا في أحداث الفردوس المفقود نجد ان قدرا كبيرا منها يتناول حياة آدم وحواء وقد كان النمط الرعوي مرتبطا بالمراحل الأولى من تطور ميلتون كشاعر، نلاحظ ان كثيراً من الشعراء اتبعوا النهج نفسه، فعلى سبيل المثال نجد أن سپنسر بدأ قبل أن يكتب قصيدته الشهيرة «The Fair Queen».
في الفردوس المفقود يوضح ميلتون كيفية فقدان انسان للجنة وذلك بسبب طاعته، ثم بعد ذلك يعرض الأسباب التي أدت لسقوط الانسان حيث يروي قصة آدم وحواء مع الشيطان وكيف استطاع الشيطان أن ينجح في اغوائهما بشتى الطرق من أجل معصية الله، وذلك عن طريق تحريضهما على الأكل من الشجرة التي تعرف بشجرة المعرفة، أما في قصيدته «ليسيداس» فكان ميلتون يرثي الملك إدوارد الذي تحطمت سفينته ومات غرقا في البحر الايرلندي وكان عمره لا يتعدى الخامسة والعشرين.
ويتناول ميلتون هذه الفكرة بطريقة فيها نوع من الجدة والحداثة، حيث يحاول الشاعر ان يصنع إكليلاً من الزهور لصديقه المتوفى ولكن عندما يذهب لاحضار الزهور التي يصنع منها هذا الاكليل نجد ان الزهور لم تنضج بعد وهنا يحاول ان يوجد نوعا من العلاقة بين الزهور غير الناضجة وبين صديقه الذي مات في ريعان شبابه، كما لو كان كلاهما قد قطف قبل أوانه. هذا المعنى عبّر عنه أمل دنقل اثناء مرضه الذي مات فيه في قصيدته عن باقة الزهور.
أما في "عذاب شمشون" فهو يحكي قصة شمشون الذي وقع في الأسر وتم ايداعه سجن غزة. وبعد ذلك يرد المحاولات المتكررة من أصدقائه وأبيه (مانيو) لاخراجه من السجن، واثناء فترة سجنه يأمره الحاكم ان يستعرض قوته أمام الشعب في أحد الاحتفالات ولكنه يتمنع في البداية، ثم لا يلبث ان يوافق على ذلك وتستمر القصة على هذا المنوال الى ان تنتهي بموت شمشون في مشهد تراجيدي مؤثر.
كذلك هناك الكثير من قصائد الحب المؤثرة في كتابات ميلتون ومنها على سبيل المثال قصيدته «كوموس» التي تحكي قصة حب مثيرة بعيداً عن الاثارة الجنسية التي كانت تتصف بها كتابات ذلك العصر.
قصائد منشورة
آراء دينية وفلسفية
الفلسفة
الفكر السياسي
علم اللاهوت
التسامح الديني
الانفصال
التاريخ
إرثه وتأثيره
النقد المبكر لشعره
النظرية الرومانسية
إرثه الأدبي
تأثيرات ملتونية
أعمال ملحمية ودرامية
- 1631: لالگرو L'Allegro
- 1631: المفكر Il Penseroso
- 1634: كوموس (مسرح الأقنعة)
- 1638: ليسيداس Lycidas
- 1645: قصائد السيد جون ميلتون، بالإنگليزية واللاتينية
- 1655: في المذبحة الأخيرة في پيدمونت
- 1667: الفردوس المفقود
- 1671: الفردوس المسترد
- 1671: شمشون الجبار
- 1673: Poems, &c, Upon Several Occasions
نثر سياسين فلسفي وديني
- Of Reformation (1641)
- Of Prelatical Episcopacy (1641)
- Animadversions (1641)
- The Reason of Church-Government Urged against Prelaty (1642)
- Apology for Smectymnuus (1642)
- مبدأ الطلاق ونظامه (1643)
- Judgement of Martin Bucer Concerning Divorce (1644)
- Of Education (1644)
- أريوپاگيتيكا (1644)
- تتراكوردون (1645)
- كولاستريون (1645)
- ولاية الملوك والحكام (1649)
- Eikonoklastes (1649)
- دفاع الشعب الإنگليزي عن نفسه [الدفاع الأول] (1651)
- الدفاع الثاني (1654)
- A Treatise of Civil Power (1659)
- The Likeliest Means to Remove Hirelings from the Church (1659)
- الطريق الممهد والسهل لتأسيس كومنولث حر (1660)
- Brief Notes Upon a Late Sermon (1660)
- Accedence Commenced Grammar (1669)
- تاريخ بريطانيا (1670)
- Artis logicae plenior institutio [Art of Logic] (1672)
- Of True Religion (1673)
- Epistolae Familiaries (1674)
- Prolusiones (1674)
- A brief History of Moscovia, and other less known Countries lying Eastward of Russia as far as Cathay, gathered from the writings of several Eye-witnesses (1682)[2]
- De Doctrina Christiana (1823)
الهوامش
- ^ ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
- ^ "Online Library of Liberty – Titles". Oll.libertyfund.org. Retrieved 4 January 2010.
المصادر
- Beer, Anna. Milton: Poet, Pamphleteer, and Patriot. New York: Bloomsbury Press, 2008.
- Campbell, Gordon and Corns, Thomas. John Milton: Life, Work, and Thought. Oxford: Oxford University Press, 2008.
- Chaney, Edward, The Grand Tour and the Great Rebellion: Richard Lassels and 'The Voyage of Italy' in the Seventeenth Century (Geneva, CIRVI, 1985) and "Milton's Visit to Vallombrosa: A literary tradition", The Evolution of the Grand Tour, 2nd ed (Routledge, London, 2000).
- Dexter, Raymond. The Influence of Milton on English Poetry. London: Kessinger Publishing. 1922
- Dick, Oliver Lawson. Aubrey's Brief Lives. Harmondsworth, Middl.: Penguin Books, 1962.
- Eliot, T. S. "Annual Lecture on a Master Mind: Milton", Proceedings of the British Academy 33 (1947).
- Fish, Stanley. Versions of Antihumanism: Milton and Others. Cambridge: Cambridge University Press, 2012. ISBN 978-1-107-00305-7.
- Gray, Thomas. Observations on English Metre. "The Works of Thomas Gray". ed. Mitford. London: William Pickering, 1835.
- Hill, Christopher. Milton and the English Revolution. London: Faber, 1977.
- Hobsbaum, Philip. "Meter, Rhythm and Verse Form". New York: Routledge, 1996.
- Hunter, William Bridges. A Milton Encyclopedia. Lewisburg: Bucknell University Press, 1980.
- Johnson, Samuel. "Rambler #86" 1751.
- Johnson, Samuel. Lives of the Most Eminent English Poets. London: Dove, 1826.
- Lewalski, Barbara K. The Life of John Milton. Oxford: Blackwells Publishers, 2003.
- A History of the County of Oxford: Volume 5: Bullingdon Hundred. 1957. pp. 122–134.
- Masson, David. The Life of John Milton and History of His Time, Vol. 1. Cambridge: 1859.
- McCalman, Iain. et al., An Oxford Companion to the Romantic Age: British Culture, 1776–1832. Oxford: Oxford University Press, 2001.
- Milner, Andrew. John Milton and the English Revolution: A Study in the Sociology of Literature. London: Macmillan, 1981.
- Milton, John. Complete Prose Works 8 Vols. gen. ed. Don M. Wolfe. New Haven: Yale University Press, 1959.
- Milton, John. The Verse, "Paradise Lost". London, 1668.
- Peck, Francis. "New Memoirs of Milton". London, 1740.
- Pfeiffer, Robert H. "The Teaching of Hebrew in Colonial America", The Jewish Quarterly Review (April 1955).
- Rosenfeld, Nancy. The Human Satan in Seventeenth-Century English Literature: From Milton to Rochester. Aldershot: Ashgate, 2008.
- Saintsbury, George. "The Peace of the Augustans: A Survey of Eighteenth Century Literature as a Place of Rest and Refreshment". London: Oxford University Press. 1946.
- Saintsbury, George. "A History of English Prosody: From the Twelfth Century to the Present Day". London: Macmillan and Co., 1908.
- Scott, John. "Critical Essays". London, 1785.
- Stephen, Leslie (1902). . Studies of a Biographer. Vol. 4. London: Duckworth & Co. pp. 86–129.
- Sullivan, Ceri. Literature in the Public Service: Divine Bureaucracy (2013).
- Toland, John. Life of Milton in The Early Lives of Milton. Ed. Helen Darbishere. London: Constable, 1932.
- von Maltzahn, Nicholas. "Milton's Readers" in The Cambridge Companion to Milton. ed. Dennis Richard Danielson, Cambridge: Cambridge University Press, 1999.
- Watts, Isaac. "Miscellaneous Thoughts" No. lxxiii. Works 1810
- Wedgwood, C. V. Thomas Wentworth, First Earl of Strafford 1593–1641. New York: Macmillan, 1961.
- Wilson, A. N. The Life of John Milton. Oxford: Oxford University Press, 1983.
وصلات خارجية
- Many 17th century digital facsimiles of Milton's works by John Geraghty
- "The masque in Milton's Arcades and Comus" by Gilbert McInnis
- Milton's cottage
- أعمال من John Milton في مشروع گوتنبرگ
- Famous quotations
- Site dedicated to Milton
- Books on Milton's life and works
- Works by or about جون ميلتون in libraries (WorldCat catalog)
- Open Milton – an open set of Milton's works, together with ancillary information and tools, in a form designed for reuse, launched on Milton's 400th Birthday by the Open Knowledge Foundation
- Milton Reading Room – online, almost fully annotated, collection of all of Milton's poetry and selections of his prose
- Milton-L Homepage – a scholarly website devoted to the life, literature and times of Milton. It hosts the webpage for the Milton Society of America, as well as the Milton listserv, an Internet discussion group for Milton.
- John Milton index entry at Poets' Corner
- Milton 400th Anniversary – lots of Milton material and details of the Milton 400th Anniversary Celebrations, from Christ's College, Cambridge, where Milton studied
- Thomas Ellwood's Epitaph for John Milton
- A common-place book of John Milton, and a Latin essay and Latin verses presumed to be by Milton. Cornell University Library Historical Monographs Collection. {Reprinted by} Cornell University Library Digital Collections
- "John Milton-poet or politician?" on BBC Radio 4's In Our Time, featuring John Carey, Lisa Jardine, Blair Worden
- Heroic Milton: Happy Birthday - Frank Kermode in The New York Review of Books
- Audio: Robert Pinsky reads "Methought I Saw My Late Espoused Saint" by John Milton (via poemsoutloud.net)
- Timeline of the Life and Works of Milton at The Online Library Of Liberty
- Areopagitica (Jebb ed.) [1664]. See original text in The Online Library Of Liberty.
- The Poetical Works of John Milton, edited after the Original Texts by the Rev. H.C. Beeching M.A. (Oxford: Clarendon Press, 1900). See original text in The Online Library Of Liberty.
- The Prose Works of John Milton: With a Biographical Introduction by Rufus Wilmot Griswold. In Two Volumes (Philadelphia: John W. Moore, 1847). See original text in The Online Library Of Liberty.
- The Ready and Easy Way to Establish a Free Commonwealth, edited with Introduction, Notes, and Glossary by Evert Mordecai Clark (New Haven: Yale University Press, 1915). See original text in The Online Library Of Liberty
- Online exhibition at Christ's College celebrating the 400th anniversary of Milton's birth
- The Tenure of Kings and Magistrates, edited with Introduction and Notes by William Talbot Allison (New York: Henry Holt and Co., 1911). See original text in The Online Library Of Liberty.
- Australian radio interview, Stephen Fallon and Nigel Smith on Milton at 400
- Australian radio feature on John Milton at 400
- L'Allegro, Il Penseroso, Comus and other John Milton's works in HTML format.
- صفحات تستخدم جدول كاتب بمتغيرات غير معروفة
- Articles with hatnote templates targeting a nonexistent page
- مواليد 1608
- وفيات 1674
- إنگليز من القرن 17
- كتاب اللغة اللاتينية من القرن 17
- خريجو جامعة كمبردج
- مناهضة الكاثوليكية في إنگلترة
- مكفوفون من إنگلترة
- كتاب مكفوفون
- جمهورية بريطانيون
- Burials at St Giles-without-Cripplegate
- فلاسفة مسيحيون
- علماء لاهوت مسيحيون
- كتاب مسيحيون
- منشقون إنگليز
- كتاب مقالات إنگليز
- شعراء إنگليز
- شعراء ملحميون
- جون ميلتون
- كتاب كلاسيكيون جدد
- أشخاص درسوا في مكرسة سانت پول، لندن
- أشخاص من مدينة لندن
- شعراء اللاتينية ما بعد الإمپريالية
- مؤلفو سونيتات