تاريخ البوسنة والهرسك
تقع البوسنة والهرسك في الجزء الغربي من شبه جزيرة البلقان ما بين خطي عرض 42,25° و45,15° شمالا، وخطي طول 15,45° و19,14° شرقا. تحدها جمهورية كرواتيا من الشمال والغرب، وصربيا والجبل الأسود من الجنوب والشرق. وتبلغ مساحتها نحو 51,129 كم²، ويبلغ عدد سكانها 4.124,256 نسمة (حسب إحصاء سكان عام 1991)، ويبلغ الكثافة السكانية نحو81 شخصا لكل كيلومتر المربع.
ويعود اسم الهرسك اسم المنطقة التي يشكلها حوض نهر نرتڤا، فيما البوسنة على المناطق الوسطى والشرقية والغربية، وهي تشكل بذلك الجزء الأكبر من البلاد.
لقد كانت الحدود السياسية للبوسنة والهرسك نتاجا لسياسة من المعاهدات والاتفاقيات خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في الفترة ما بين عامي (1699-1878). ولقد تم اتخاذ قرار في الجلسة الثانية لمجلس التحرير الوطني المعادي للفاشية في يوغسلافيا عام 1943 أن يتم اعتماد حدود عام 1918 حدودا للبلاد باستثناء بعض التغييرات قرب سوترينا وفي مناطق بوسانسكو گراهوڤو وبيهاتش.
إن البوسنة والهرسك هي بلد أوروبي ذو تاريخ طويل. فلقد كانت كيانا جيوسياسيا هلما طيلة الفترة الممتدة من العصور الوسطى وحتى الوقت الحاضر.ولقد كانت مملكة مستقلة فترة طويلة خلال الحقبة الممتدة من عامي 1180 وحتى عام 1436، وأصبحت ما بين عامي 1580 إلى 1878 عبارة عن أيالة وهو المصطلح المستخدم لتسمية أكبر وحدة من الأراضي ضمن الدولة العثمانية، ثم انفصلت وتحولت ما بين عامي 1878، و1918 أرضا تابعة "للتاج الملكي" تابعة للإمبراطورية النمساوية-المجرية، ومن ثم أصبحت في الفترة ما بين 1945و1992 إحدى الجمهوريات الاتحادية في يوغسلاڤيا السابقة. وهكذا فإنها كانت خلال 650 سنة من ثمانمائة عام الماضية موجودة على الخرائط كيانا يطلق عليه اسم البوسنة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قبل التاريخ والعصر الروماني
البوسنة كانت مأهولة منذ العصر الحجري الحديث. وفي أواخر العصر البرونزي، فإن سكان العصر الحجري الحديث حل محلهم قبائل مقاتلة من الهندو-أوروپيين عـُرِفوا بإسم إليريون. الهجرات الكلتية في القرنين الرابع والثالث ق.م. نقلت العديد من القبائل الإليرية من مواطنهم السابقة، ولكن بعض القبائل الكلتية والإليرية امتزجت.[1] الأدلة التاريخية القاطعة لتلك الفترة قليلة، ولكن عموماً يبدو أن المنطقة قد سكنها عدد من الشعوب المختلفة التي تتكلم لغات متباينة.[1]
المسيحية كانت قد وصلت للمنطقة بالفعل بنهاية القرن الأول، كما يشهد العديد من التحف والأغراض من ذلك الوقت. وإثر أحداث عامي 337 و 395 حين انفصمت الامبراطورية، وقعت دلماتيا وپانونيا ضمن الامبراطورية الرومانية الغربية. المنطقة غزاها القوط الشرقيون في 455، وتعاقب عليها الغزاة بين اللان والهون في الأعوام التالية.
إن أقدم وثيقة فيها ذكر للبوسنة هي من كتاب جغرافي سياسي ألفه الإمبراطور البيزنطي قسطنطين پورفيروجنتوس عام 958م.
العصور الوسطى (958–1463)
Early Bosnia
By the 6th century, Emperor Justinian had re-conquered the area and large parts of the former Western Empire for the Eastern Roman Empire with its capital in Constantinople. The Slavs, a migratory people from southeastern Europe, were allied by the Eurasian Avars in the 6th century, and together they invaded the Eastern Roman Empire in the 6th and 7th centuries, settling in what is now Bosnia and Herzegovina and the surrounding lands.[1] More South Slavs came in a second wave, and according to some scholars were invited by Emperor Heraclius to drive the Avars from Dalmatia on the coast of the Adriatic Sea. Around this time the Eastern Romans speaking Latin were evolving into what was called in later centuries as the Byzantine Empire, speaking the Greek (named for the ancient city of Byzantium, now the capital of Constantinople since the 330s, established by Emperor Constantine the Great).[1]
Modern knowledge of Bosnia in the western Balkans during the Dark Ages is patchy. Upon the looter invasions by the Avars and Slavs from 6th-9th century, bringing Slavic languages, both probably gave way to feudalism only with the might by the Frankish penetrating into the region in the late 9th century (Bosnia probably originated as one such pre-feudal entity). It was also around this time that the Bosnians were Christianized. Bosnia, due to its geographic position and terrain, was probably one of the last areas to go through this process, which presumably originated from the urban centers along the Dalmatian coast.[1]
In addition to the Slavic-speaking population, a good number of romanized people remained in south Bosnia by the year 1000. Speaking a Balkan Romance language (related to Romanian), and having retreated into mountainous areas and adopted a pastoralist way of life, they became known as Vlachs. With time they assimilated, though maintaining specific customs, and the word Vlach came to indicate any shepherd. Being well-versed with horse breeding, Vlachs came to dominate trade and caravan from coastal merchant town towards the interior, growing prosperous and coming to dominate entire regions of Hum, thus merging in Bosnia's medieval feudal society.[2]
بانية البوسنة
ولقد توسع الحكم المجري في عام 1102 ليشمل البوسنة، ولكن حكمها ما يسمى بالبان (وهو الحاكم البوسني في العصور الوسطى) لأنها كانت منطقة بعيدة وعصية. ولقد أصبحت سلطة (البان) تزداد استقلالية يوما بعد يوم. وبعد أواخر القرن الثاني عشر أصبحت البوسنة دولة مستقلة نوعا ما لأول مرة في تاريخها.
وبرز ثلاثة من حكام البوسنة خلال فترة العصور الوسطى وهم: كولين بان (الذي حكم من 1180 إلى 1204)، وبان ستيبان كوترومانيتش (1322-1353) والملك ستبان تڤرتكـو (1353-1391). ولقد توسعت البوسنة تحت حكم ستيبان كوترومانيتش بإتجاه الجنوب لتشمل إمارة (هوم) الهرسك، ثم توسعت الهدود أكثر بإتجاه الجنوب لتشمل جزءا كبيرا من ساحل دلماتيا تحت حكم الملك تورتكو.
لقد كانت البوسنة مقطوعة عن مركز الإمبراطورية الرومانية حتى أواسط القرن الرابع عشر مع مجيء الفرانسيسكان إلى البوسنة. ولربما انفصلت الكنيسة البوسنية عن الكنيسة الكاثوليكية في وقت مبكر من ثلاثينات القرن الثالث عشر حيث كبر الشرخ مع روما مع ازدياد استقلالية الكنيسة البوسنية.
مملكة البوسنة
Bosnian history from then until the early 14th century was marked by the power struggle between the Šubić and Kotromanić families. This conflict came to an end in 1322, when Stjepan II Kotromanić became ban. By the time of his death in 1353, he had succeeded in annexing territories to the north and west, as well as Zahumlje and parts of Dalmatia. He was succeeded by his nephew Tvrtko who, following a prolonged struggle with nobility and inter-family strife, gained full control of the country in 1367. Under Tvrtko, Bosnia grew in both size and power, finally becoming an independent kingdom in 1377. Following his death in 1391 however, Bosnia fell into a long period of decline. The Ottoman Empire had already started its conquest of Europe and posed a major threat to the Balkans throughout the first half of the 15th century. Finally, after decades of political and social instability, Bosnia officially fell in 1463, while resistance was active and fierce for a few more centuries. Southern regions of Bosnia, nowadays known as "Herzegovina" would follow in 1483, with a Hungarian-backed reinstated "Bosnian Kingdom" being the last to succumb in 1527.
الحكم العثماني (1463–1878)
وخضعت البوسنة في عام 1463م، للحكم التركي العثماني، ولقد أشار معلق غربي في عام 1595م، إلى أن "اللغة البوسنية أصبحت اللغة الثالثة في الإمبراطورية العثمانية، ولقد كانت عائلة سوكولو في استنبول والتي خرج العديد من رؤساء الوزارات من أصول بوسنية. ولقد كان هناك تسعة رؤساء وزارة من أصل بوسني خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر. ويبقى دخول جزء كبير من سكان البوسنة في الإسلام الحكم التركي العثماني أحد أهم الميزات للتاريخ البوسني الحديث.
ولقد أعد القس الزائر الرسولي الألباني بيتر مازاريتشي تقريرا في عام 1624م أوضح فيه أنه كتن هنك 150 ألف كاثوليكي يعيش في البوسنة و175 ألف أرثوذكسي 450 ألف مسلم في البوسنة في ذلك الوقت. ولقد قام الأتراك خلال الخمس عشرة سنة الأولى من حكمهم ببناء مسجد في سراييفو التي كانت تدعى (فرهبوسنة) وتكية (مكان إقامة الدراويش) وخانا للمسافرين (مسافر خانة)، وحمّاما تركيا، وشيدوا جسرا فوق نهر ميلياتسكا، وصمموا نظاما لنقل المياه بالأنابيب، وبنوا السراي وهو مقر الحاكم وهكذا أعطى المدينة اسمها (سراييفو)، كما تم بناء السوقا الكبيرا (باشتشارشي) أيضا.
وقد جرت العادة بأن يقوم الأثرياء بتخصيص وقف لتأمين الدخل للمؤسسات الهامة (ليس فقط المساجد) ويعرف هذا باسم (ڤاكف) أو (الوقف) باللغة العربية.
ويقول بأن ثلث الأرض المزروعة كانت ملكا للأوقاف عندما وقعت البوسنة تحت احتلال إمبراطورية النمساوية الهنغارية سنة 1878. ومنذ الأيام الأولى للحكم النمساوي في البوسنة عمدت السلطات النمساوية إلى مصادرة ممتلكات الأوقاف. وبعد الحرب العالمية الأولى واصلت مملكة يوغوسلافيا نفس السياسات من خلال ثلاث حملات لما عرف بالإصلاح الزراعي. وأتت الحكومة الشيوعية على ما تبقى من ممتلكات الأوقاف بتأميمها وإقامة المدارس والمباني العامة عليها.
ويرد ذكر القساوسة الأرثوذكس لأول مرة خلال ثمانينات القرن الخامس عشر. فمن المعروف أن العديد من الأديرة المنتشرة في البوسنة قد تم بناؤها في القرن السادس عشر (مثل تافنا، ولومنيتسا، وبابراتشا، وأوزرن، وغوستوفيتش)، فيما ورد ذكر دير رومانية الشهير في شمال غرب البوسنة سنة 1515. ولقد كانت حروب البوسنة عديدة حتى إنه لا يكاد يمضي جيلان حتى تأتي حرب جديدة. إن الحرب التي لم تتمكن بعدها الإمبراطورية العثمانية من استراد عافيتها كانت ضد النمسا خلال أعوام 1683-1699. لقد احتل النمساويون هنغاريا تدريجيا في الفترة ما بين 1684 و1687، مما دفع آلاف المسلمين أن يفروا جنوبا بيعدا عن أراضيهم حيث غصت البوسنة باللاجئين. وقد فر حوالي 30 ألف مسلم من (ليكا) من الغرب بحلول عام 1687. ولقد كان لتدفق اللاجئين من جميع الأنحاء تأثير هائل على حجم وطبيعة سكان البوسنة. وهناك تقديرات تشير إلى أن حوالي 130 ألف لاجئ دخلوا البوسنة بسبب تلك الحرب.
ولقد استطاع حاكم البوسنة علي باشا حتشيموفيتش أن يهزم الجيش النمساوي في معركة بانيالوكا 1737، حيث تم ترسيم الحدود الشمالية للبوسنة الحديثة خلال اتفاقية السلام التي تلت تلك الحروب وعرفت باسم (اتفاقية بلگراد للسلام 1739).
ولقد كان للحرب النمساوية التي تلت ذلك عام 1788، تداعيات سياسية خطيرة. فلقد اتفق كل من القيصر النمساوي جوزيف الثاني وقيصرة روسيا كاترينا العظمى على الاستيلاء على الأراضي العثمانية في البلقان واقتسامها فيما بينهما. ولقد أرسى هذا العمل نمط المصالح الجيوسياسية في شبه جزيرة البلقان، والذي سيؤدى في نهاية المطاف إلى احتلال النمسا للبوسنة في عام 1878م، وضمها للنمسا بعد ثلاثين سنة من ذلك التاريخ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الحكم النمساوي-المجري (1878–1918)
ولقد قررت القوى العظمى في أوروبا خلال اجتماعها في مؤتمر برلين عام 1878 أن تصبح البوسنة تحت احتلال وإدارة الإمبراطورية النمساوية المجرية على الرغم من أنها ما زالت نظريا تحت سيادة وسلطان العثمانيين. ولقد بدأت عملية الاحتلال النمساوي للبوسنة، وتمت خلال ثلاثة أشهر، ولقد كانت هناك مقاومة شرسة وهجمات ثوار متكررة، ولكن لم تزد خسائر النمساويين عن 946 قتيلا و3,980 جريحا.
ولقد تسبب الاحتلال النمساوي للبوسنة في موجة من اللاجئين المسلمين هاجر معظمهم إلى تركيا، ولقد أصدرت السلطات النمساوية الهنغارية أرقاما رسمية تبين أن حوالي 32625 مهاجرا غادروا في الفترة ما بين عامي 1883 و1905 بالإضافة إلى 24 ألفا آخرين غادروا بين عامي 1906 و1918. ولكن هذه الأرقام لا تتضمن أولئك الذين هاجروا في السنوات الأربع الأولى للاحتلال وحتى 1883. ولقد ادعى بعض المؤرخين المسلمين أن العدد الكلي للهجرة الجماعية كان حوالي 300 ألف، ولكن يبدو أن هذا الرقم أعلى من المعقول. ولقد تم في عام 1889، تدشين الكاتدرائية الكاثوليكية في سراييفو، وتبع ذلك إقامة كنيسة القديس آنته بادوفانسكي الجديدة في سراييفو.
ولقد كان حاكم البوسنة في الفترة ما بين 1882 و1903 هو مؤرخ نمساوي ودبلوماسي سابق بنيامين كالاي. وكانت سياسته البوسنية تعتمد على عزل البلاد عن تأثيرات المد القومي والحركات السياسة القومية في صربيا وكرواتيا، وكان يعرف في الوقت نفسه بالعمل على إنشاء فكرة الأمة البوسنية بوصفه عاملا موحدا مستقلا عن العوامل الأخرى. ولقد كان من المهم لفكرته كي تنجح أن يكون المسلمون هم أول من يتبنى فكرة الأمة (الشعب) البوسنية.
وفي 1909، تم منح المسلمين نظاما يتيح لهم إدارة الأوقاف، وتم انتخاب برلمان بوسني في السنة اللاحقة خلال فترة تولي الوزير العام للمالية اللبرالي بارون لوريان الذي شغل ذلك المنصب ما بين عامي 1903 و1912. وعلى الرغم من أنها كانت مبادرة ومنحة محدودة ولم تكن تملك أي سلطة تشريعية، فإنها مكنت العديد من المنظمات التي أنشأتها المجتمعات المحلية حينها مثل المنظمة القومية للمسلمين (1906) والمنظمة القومية للصرب (1907) والجمعية القومية الكرفاتية (1908) من أن تبدأ وظيفتها كأحزاب سياسية. وعلى الرغم من أن بعضا من رجالات المسلمين المرموقين أعلنوا عن أنفسهم على أنهم كروات أو صرب فإن مثل هذه الأعمال الفردية لم تهدد وضع المسلمين بشكل عام، والذين أصبحوا في ذلك الوقت كيانا سياسيا معتبرا.
وبعد اغتيال ولي العهد فرانز فرديناند في أواخر تموز من عام 1914 قامت الإمبراطورية النمساوية المجرية بإعلان الحرب على صربيا. وبدأت الحرب العالمية الأولى، التي استمرت إلى عام 1918 حيث انتهت بهزيمة دول المحور.
سراييفو بعد العثمانيين
بعد أربعة قرون من العيش كولاية عثمانية تطبق فيها الشريعة الإسلامية والفرمانات والتنظيمات السلطانية، انتقلت البوسنة والهرسك لتعيش مرحلة مختلفة مع الاستعمار النمساوي المجري المسيحي، بعد أن تخلى الأتراك عنهم في معاهدة برلين إلى الأبد، وقد ظلت مقاطعتا البوسنة والهرسك تحت الاحتلال مدة 40 عاما.
كانت سلسلة أحداث غير المتوقعة هي التي أخرجت البوسنة من الدولة العثمانية، ففي عام 1877 م أعلنت روسيا الحرب على الدولة العثمانية انتقاما لهزيمة أتباعها الصرب والجبل الأسود وتمكنت من تحقيق النصر وانتزاع مكاسب كثيرة في معاهدة سان ستيفانو وهو ما لم يعجب إمبراطورية النمسا والمجر بسبب تغير موازين القوى لمصلحة الروس في البلقان، فضغطت فيينا إلى أن تمكنت مع دول أوربية أخرى من عقد مؤتمر ثان في برلين قسمت فيه الغنائم مرة أخرى، فذهبت البوسنة والهرسك للنمساويين واقتُطعت مقدونيا من بلغاريا للعثمانيين وحصلت كل من صربيا والجبل الأسود على استقلالهما.
ثم تنفيذا لتلك المعاهدة دخل ربع مليون جندي نمساوي ومجري أراضي البوسنة والهرسك، وتم وضع البلاد تحت الإدارة العسكرية لمدة أربع سنوات بعد أن بدأت عمليات المقاومة المسلحة، ومن ثم تولت إدارة مدنية شئون البلاد بدءًا من 1882م جاءت خصيصا لتنفيذ ما عرف بمشروع تحديث البوسنة.
كان أول ما حرصت عليه فيينا هو تقليص علاقة البوشناق المسلمين الدينية والسياسية مع اسطنبول إلى الحد الأدنى، واتبعت في ذلك إجراءات عدة أهمها إنشاء منصب رئيس العلماء وتشكيل مجلس العلماء ليصبح (أعلى جهاز لإدارة وتنظيم الشئون الدينية للمسلمين البوسنيين)، وعين الإمبراطور النمساوي الشيخ مصطفى حلمي حاجي عمروفيتش كأول رئيس للعلماء، إضافة إلى أربعة قضاة كأعضاء في مجلس العلماء، وفي عام 1888 تم الانتهاء من بناء المدرسة الشرعية وأطلق عليها مكتب النواب (أصبحت لاحقا كلية الدراسات الإسلامية) بهدف تعليم العلوم الشرعية وتأهيل القضاة الشرعيين، وقد امتدح مفتي مصر الراحل الشيخ محمد عبده (1849-1905) تلك المدرسة عندما اقترح على الحكومة المصرية تأسيس مدارس لتخريج القضاة الشرعيين على غرار مكتب النواب في سراييفو.
المجموعة اليوغسلاڤية
- مقالة مفصلة: المجموعة اليوغسلاڤية
لقد أخذ الكاهنان الكاثوليكيان يوسيپ ستروسمايرٍ Strossmayer Josip Juraj وفرانيو راشكي Franjo على عاتقهما مسئولية تبني تقاليد الإليرية, وقد كانا رفيقان متلازمان لا يفترقان, فالكاهن ستروسماير أسقف دياكوفو Djakovo والمتحدث بإسم إكليروس كرواتيا كان سياسياً ماهراً له سلطات واسعة وتأثير طاغ على شعبه وعلى الرأي العام في الخارج. ولكن كانون راشكي Canon Racki كان أكثر ثقافة فكان له فضل تطوير الأفكار الأساسية "لليوجوسلافية" لتصبح عنوناً لبرنامجه السياسي. وهكذا وبينما رفض ستارشفيتس Starcevic (حاكم كرواتيا) الحركة الإليرية وجدنا ستروسماير راشكي يتوليان تطويرها وإشاعتها. وبينما كان هدف الإليرية العاجل توحيد سلاف الجنوب في الإمبراطورية، كانت "اليوجوسلافية" تستهدف تجميع كل سلاف الجنوب معاً سواء تحت التاج المجري أم بدونه. وبينما توجهت الإليرية لوسط أوروبا لكسب أنصارها وركزت على الوحدة اللغوية والثقافية والتغاضي عن المسائل الدينية, تجهت اليوجوسلافية إلى البلقانيين وسعى زعماؤها للتغلب على الخلافات الدينية بين الصرب والكروات. وبينما كان ستارشفتش يرغب في كرواتيا المستقلة كان ستروسماير وفرانيو راشكي يريان كرواتيا جزء من فيدرالية سلاف الجنوب. وفي سبيل تعزيز أهدافهما قاما بتأسيس أكتديمية "يوجوسلافية" أكثر من أن تكون "كرواتية" للأداب والعلوم لتوفير سبل أخرى لنشر كل مؤلفات وكتابات سلاف الجنوب لإشاعتها بين أكبر عدد من الناس.
وتمشياً مع معتقدات ستروسماير نراه يحاول إقامة إتصالات مع حكومة الصرب. وآنذاك كان أمير الصرب ميشيل ووزير خارجيته جاراشنين كما سبقت الإشارة ينشطان في السياسة الخارجية لتوحيد كل من الجبل الأسود واليونان ورومانيا ضد الدولة العثمانية, وتراسلا مع ستروسماير بهدف إستخدامه لتحقيق أهدافهما أكثر من العمل على توحيد سلاف الجنوب (التابعين للنمسا), فقد كانت ولايات الدولة العثمانية هدفهما وليس النمسا. وفي الواقع عندما كان ستروسماير يعتقد في عام 1866 أنه توصل إلى تفاهم مع الصرب كان أمير الصرب يتفاوض مع المجر لتوقيع إتفاق على حساب الكروات.
وبالإضافة إلى هاتين المجموعتين (الإليرية واليوجوسلافية) كان هناك حزبان كرواتيان أيضاً أحدهما مع المجر والثاني مع النمسا. وكان أنصار المجر لا يزالون ييدون فكرة وجوب إنضمام كرواتيا مع المجر في جبهة واحدة ضد النمسا مع إستعادة الحقوق والميزات التي كانوا يتمتعون بها قبل عام 1848 وإلغاء نظام باخ Bach. وفي تلك الأثناء أيضاً كان إيفان مكازورانيتش Mazuranic وهو كاتب روائي شهير قد ألف حزب الإستقلال القومي وتتلخص أهدافه في إستعادة مملكة ترييونه Triune التي كانت تزال تحت حكم النمسا. ورغم إنقسام الوعي السياسي بين الكرواتيين بين أربع مجموعات سياسية, إلا أن سياسات ثلاثة منها كانت تقوم على التعاون مع المجموعات القومية الأخرى.
على أن ميثاق أوجليخ كان ضربة لكل تلك الأحزاب ماعدا حزب أنصار المجر الذين وافقوا عليه. وفي 1878 وقعت المجر وكرواتيا إتفاق آخر بإسم "ناجودبا Nagodba وهو نوع من التسوية منحت بمقتضاه كرواتيا-سلافونيا درجة هائلة من الحكم الذاتي حيث أصبح لكرواتيا سابور Sabor خاص بها أي مجلس برلماني, وأصبحت الكرواتية لغتها الروسية, وعلمها برفرف بجانب العلم المجري, فضلاً عن إشتراك نواب منها في البرلمان المركزي العام في بودابست عاصمة المجر. ومع هذا ظلت المجر تعين محافظ كرواتياً وتحتفظ برقابة معتبرة على ميزانيتها.
غير أن ستروسماير, وراشكي, وستارشفيتش, وكفاتيرنيك Kvaternik, ومازورانيتش رفضوا جميعاً ذلك الإتفاق لأسباب مختلفة. وتمكن محافظ كرواتيا الجديد ليفن راوش Levin Rauch من تزييف إنتخابات برلمان كرواتيا (السابور) لكي تأتي أغلبية تؤيد أنصار المجر. وهكذا وعندما أخفق كفاتيرنيك في إقرار برنامجه السياسي قام بتنظيم ثورة في راكوفيكا Racovica لتحرير كرواتيا بالقوة, لكن الجيش سحقها بسرعة وقتل قائدها,وتحرر ستروسماير من أوهامه النظرية وإنسحب من النشاط السياسي وإن إستمر يؤيد فكرة "اليوجوسلافية" ويدعمها في كتاباته ومحاضراته حتى وفاته عام 1905.
والواقع أن الإختبار الحقيقي للعلاقات الصربية-الكرواتية, وفكرة اليوجوسلافية خلال أزمة سبعينيات القرن التاسع عشر وخاصة بعد إحتلال النمسا والبوسنة والهرسك في 1878. وعند ذاك تم النظر إلى موضوع الإحتلال على أساس أن الأفكار القومية الكرواتية والصربية أصبحت في صراع مباشر. فمثلاً كانت إدارة النمسا للبوسنة والهرسك ضربة قوية للقومية الصربية حيث كانت الصرب تعتبر البوسنة والهرسك أرضاً صربية بحكم العرق. أما كرواتيا فمانت ترى أنه طالما أن البوسنة والهرسك أصبحت تحت سيادة النمسا فسوف يكونمن العسير عليها أن تؤكد على مطالبتها بهما أكثر مما لو بقيتا جزء من الدولة العثمانية, أو في حالة وقوع الأسوأ ألا وهو أن تصبح البوسنة والهرسك تحت سيطرة الصرب. وكانت مسألة إحتلال النمسا للبوسنة والهرسك تهم أنصار اليوجوسلافية,وأنصار كرواتيا المستقلة. ولكن نظراً لموقع الصرب وكرواتيا في الوسط فإن الذي يسيطر على البوسنة والهرسك يسيطر على سلاف الجنوب,وبدون البوسنة والهرسك تكون كرواتيا المستقلة ضرب من المستحيل.
ويمكن فهم الأهمية الجغرافية السياسية للبوسنة والهرسك بالنسبة لكرواتيا في سياق مملكة ترييونة القديمة في العصور الوسطى إذا علمنا أن دلماشيا وكرواتيا وسلافونيا لا يمثلون إستارتيجية إلا بضم البوسنة والهرسك وفي هذه الحالة تستعيد مملكة ترييونة القديمة حيويتها وتصبح دولة مربعة الأضلاع.وعلى هذا فإن قيام الصرب بضم البوسنة والهرسك يعد كارثة لكرواتيا فيما يتعلق بأراضيها التاريخية. ولأن النقاط ذات الأهمية العسكرية في المنطقة تتركز أكثر في أراضي الصرب فإن الخطر سوف يبدو واضحاً إذا ما نجحت الصرب في تنفيذ مشروع الصرب الكبرى بضم البوسنة والهرسك, ففي هذه الحالة فإن كرواتيا سوف تفقد دعواها بشأن البوسنة والهرسك وكثيراً من أراضيها في الجنوب الداخلة ضمن النقاط العسكرية. وإذا أخذت الصرب إقليم لايكا Lika جنوب شرقي كرواتيا الذي يضم عدداً ضخماً من الصربيين فإن الصرب بهذا قد تدق إسفيناً بين كرواتيا ودلماشيا. وبالتالي لا يمكن الحيلولة دون ضياع باقي أراضي وإبتلاع جيرانها لها. وفي هذا السياق فإن كرواتيا كانت تمثل الجانب الضعيف في الحسية. ذلك أن 20% فقط من سكان البوسنة والهرسك يمكن إعتبارهم كروات على حين أن 43% منهم صرب أرثوذكس, والقسم الثالث من السكان مسلمون بين صرب وكروات.
على أن ذلك الجدل الذي حدث بشأن البوسنة والهرسك كان تمهيداً لوقوع خصومة بين الصرب والكروات على مدى ربع قرن من 1878-1903. وفي تلك الأثناء كما سبق أن رأينا كان ميلان أمير الصرب وإبنه الأسكندر يعملان بتنسيق لصالح النمسا. وفي كرواتيا نجح المحافظ شارل خوين-هدرڤاري Khuen-Hedervary خلال فترة حكمه 1883-1903 في زيادة روح العداوة والخصومة بين الصرب والكروات بإستخدام سياسة فرق تسد, فنراه يتعاطف مع الأقلية الصربية في مطالبها بشأن التعليم والإقتصاد والسياسة فإكتسب تأييد الطبقة الوسطى الصربية وبعض المثقفين ورجال الدين. وإزاء هذا الموقف ساند الكروات حزب الحقوق الذي أسسه ستارشفتس بكل قوة حتى تمكن في ثمانينات القرن التاسع عشر تحت شعارات القومية الكرواتية المزعجة والخطاب المعادي للصرب من السيطرة على المسرح السياسي في كرواتيا. وفي التسعينيات كانت العلاقات بين الكروات والصرب غاية في السوء حتى لقد وقعت مصادمات دموية بينهم في زغرب وفي مدن أخرى أدت إلى رد فعل غاضب من كرواتيا حتى لقد طالب البعض بإعلان حرب التطهير العرقي بين سلاف الجنوب.
كما توارت جانباً في تلك السنوات فكرة "اليوجوسلافية" كبرنامج سياسي. ولكن وفي 1903 حدث تغير في المسرح السياسي لم يكن متوقعاً ففي ذلك العام كما ينبغي أن نتذكر أصبح بيتر كارديورفيتش ملكاً على الصرب وعزل محافظ كرواتيا (خييون-هيدرفاري), وعزل بنيامين كالاي Kallay محافظا البوسنة والهرسك رغم تحسن أحوال الإقليم كثيراً مدة ولايته التي إستمرت عشرين سنة. وفي الوقت نفسه كان الموقف السياسي يزداد سوءً إذ حاولت النمسا أكثر من مرة أن تتبنى حركة قومية بوسنية منفصلة وترعاها, لكن التغييرات الرئيسية حدثت في الصرب وكرواتيا, فبينما تحسنت علاقات الكروات والمجريين, تدهورت علاقات الصرب مع النمسا تدهوراً حاداً. وبقيام حكومة جديدة في الصرب كانت الفرصة مهيأة إحتمال إستغلال مشكلات قوميات النمسا لصالح الصرب.
عرفنا أ، الصرب تحت حكم الملك بيتر كانت في صراع مستمر مع جاراتها الشمالية, وكان من الطبيعي أن تكون بلجراد عاصمتها مركزاً ثقافياً وحضارياً لنشاط سلاف الجنوب إذ شهدت تجمعات للطلاب وللمدرسين والأطباء وعدة معارض فنية وحفلات موسيقية. وفي 1904 كون بعض الطلاب والمثقفين جمعية بإسم سلاف الجنوب Slovenski Jug لتوحيد الصرب والكروات والسلوفينيين معاً, ومعهم البلغار, وكانت تراقب ما يحدث في بلجراد ومدى تحسن العلاقات الإقتصادية والسياسية الظاهر بين الصرب وبلغاريا. وهكذا أصبحت الصرب تحت حكم كاراديوريفيتش منطقة جذب.
كما حدثت تغييرات أيضاً في كرواتيا فلقد أدى ضغط المجر على الكروات إلى تمسكهم أكثر بقوميتهم الخاصة وليس باليوجوسلافية, فبعد 1895 وفي إضطرابات طلابية حادة في زغرب غادرها كثير من الطلاب سلاف الجنوب للدراسة في براج (رومانيا) وهناك وقعوا تحت تأثير الأستاذ توماس مازاريك Masaryk الذي كان قد أصبح هو وستروسماير في صدارة دعاة "اليوجوسلافية". وقد دأب مازاريك الذي كان مراقباً جيدأ لسياسات النمسا وأستاذاً ذائع الصيت يتمتع بالقدرة على الإقناع, على أن يؤكد لطلابه كيف أن سياسة النمسا والمجر تستهدف تقسيم الصرب والكروات لصالح الإبقاء على صيغة الحكم الثنائي (إمبراطورية النمسا-المجر). وهكذا وبحلول عام 1903 ظهر جيل جديد من شباب الصرب والكروات إستقر رأيهم على العمل سوياً ومن مث عقدوا إجتماعات وحضروا مؤتمرات ومجالس في بلجراد.
ومما كان له مغزاه في إطار تلك التغييرات التفاهم الذي تم بين أغلبية الأحزاب السياسية الكرواتية والصربية في أنحاء إمبراطورية النمسا والمجر, والذي إنطلق من دلماشيا بعد تعاون بينها على مدى أربعين سنة إلا في حالات تعارض المصالح القومةي مثلما حدث بشأن البوسنة والهرسك. وعندما تكرر الصراع بين المجر والنمسا في عام 1905 حول موضع الجيش, وقرر الزعماء الكروات في دلماشيا إستغلال الخلافات بين مركزي الإمبراطورية (النمسا والمجر), وحيث أنهم شعروا أن النمسا أصبحت تمثل الخطر الرئيسي على طموحاتهم القومية فقد قرروا التعاون ليس فقط مع الصرب ولكن أيضاً مع المجر وحتى إيطاليا على أمل كسب مساندة المجر في إستعادة مملكة ترييونه القديمة. ولقد كانت تلك الإعتبارات وراء ما عرف بقرار مؤتمر رييكا Rijeka (فيوم Fium) في أكتوبر 1905 الذي إنتهى إليه الأحزاب الكرواتية في دلماشيا. وبعد ذلك بأسبوعين صدقت الأحزاب الصربية في أنحاء الإمبراطورية على هذا القرار في إجتماع في مدينة زادار Zadar (زارا Zara) في مقابل إعتراف كرواتيا بالقومية الصربية في أراضي مملكة ترييونه. وقد أدت جميع تلك الظروف إلى تكوين التحالف الكرواتي-الصربي في 1905 الذي إعتمد برنامجه على قرارات مؤتمري رييكا, وزادار وتكونت عضويته من كل حزب العدالة الكرواتي, والحزب التقدمي الكرواتي, وحزب الإستقلال الصربي, والحزب الراديكالي الصربي, والإشتراكيون الديموقراطيون, وشخصيات مرموقة غير مرتبطة بأي حزب من الأحزاب. وكان هذا التكوين يعكس الموقف المعقد في كرواتيا, ووقعت قيادة التحالف في يد كل من فرانو سوبيلو Frano Supilo, وآنتيه ترومبيتش Ante Trumic, ويوسيب سمودلاكيه Josip Smodlake, وسفتوزار بريبيكفيتش Svetozar Pribicevic وكل منهم لعب دوراً رئيسياً في بناء مستقبل شعوب سلاف الجنوب وكان هدف التحالف تحقيق وحدة سلاف الجنوب, في الإمبارطورية يتبعه في المستقبل وحدة كل اليوجوسلافيين.
غير أن سرعان ما إنهالت الجهود المتواصلة للتوصل إلى تفاهم بين الكروات والمجر خاصة وأن المجر تخلت عن مطلبها من النمسا بشأن إقامة جيش مستقل وتمت تسوية كل خلافاتها مع النمسا بشكل مؤقت. ورغم أن محاولات "ميجرة" الكروات ظلت مستمرة وأن جهوداً بذلت لكسر التحالف إلا أن جوهر الوضع ظل دون تغيير حتى عام 1918. ويبدو واضحاً أن المجر كانت تستهدف من التحالف دفعه تجاه الصرب ولم يكن هذا مفهوماً من المجر خاصة وأن كثراً من روابطها مع الصرب ظلت سرية. ومع ذلك لم ينجح التحالف في إخفاء رغبة الصرب في توحيد سلاف الجنوب بل وتمكنت من الفوز بوضع قيادي في البرلمان الكرواتي (السابور) بعد إنتخابات 1906, 1908. وعلى هذا وخلال ثلاثة سنوات تمكنت الأحزاب السياسية الكبرى الصربية والكرواتية من تسوية كثير من خلافاتها, وتشكيل جبهة مشتركة أصبحت الاتظيم السياسي الوحيد الأكثر نفوذاً بين سلاف الجنوب رغم عدم حصولها على أغلبية في الإنتخابات.
وفي تلك الأثناء برزت مرة أخرى مشكلة البوسنة والهرسك فبعد إحتلال النمسا لهما في عام 1878 أنفقت أموالاً ضخمة فيهما على بناء الطرق والمدارس والمباني العامة من أجل تحديث المناطق المتخلفة, وعملت على تهدئة سكانهما وخاصة أثناء ولاية المحافظ كالاي Kallay بين عامي 1883-1903, كما أقام أهالي البوسنة والهرسك أنفسهم بخطوات مهمة لتحسين وضعهم. ولكن عندما قامت النمسا بضم البوسنة والهرسك في 1908 في أعقاب إستيلاء جماعة الإتحاد والترقي على السلطة في الدولة العثمانية حدث رد فعل قوي وكبير في الصرب حتى لقد كان الكثير من الصربيين على إستعداد للذهاب للحرب لتخليص البوسنة. وعلى هذا وفي ديسمبر 1908 تكونت منظمة مدنية بإسم "جمعية الدفاع القومي" Narodna Odbrana لحشد الأمة وراء قضية البوسنة وإرسال متطوعين لمحاربة قوات الإحتلال النمساوي. وأما أنصار وحدة سلاف الجنوب في الإمبارطورية فقد عقدوا إجتماعات عامة وأصدروا بيانات وناشدوا الرأي العام في الصحف الأوروبية لتقديم الدعم والمساندة. وقد لاقى هؤلاء المساعدة المنشودة بفضل التصرفات الحمقاء لمسئول نمساوي يدعى آجرام Agram قام بعقد محاكمة سياسية لشخصيات صربية وكرواتية في كل من زغرب, وفريديونج Fredjung لها صلة بموضوع ضم البوسنة والهرسك والتحالف الكرواتي-الصربي.
بدأت محاكمة زغرب في مارس 1909 وإستمرت لمدة ستة أشهر وقد قام الإدعاء فيها على القول بأن التحالف الكرواتي-الصربي كان أداة في يد الصرب دون تقديم أية أدلة قوية فضلاً عن تزييف بعضها. ووجهت تهمة الخيانة لبعض أعضاء التحالف الكرواتي-الصربي, وكانوا من الصرب أساساً وإستهدفت المحاكمة تدمير العلاقات التنظيمية للتحالف بإثارة كل عضو ضد الآخر وإيقاع الفرقة بين الجميع. وبعد إدانة المتهمين قالت صحيفة بودابست المجرية "بستر لويد Pester Lioyd" أن المحاكمة كانت سياسية في كل شيء. ولكن وفي 1910 أصدر فرانز جوزيف إمبراطور النمسا قراراً بالعفو عن المسجونين.
أما محاكمة فريديونج فكانت أكثر صرامة لأنها كانت تستهدف تقديم تبرير للحرب ضد الصرب عندما بدا أن الصرب لن تقبل ضم النمسا للبوسنة. لكن الهدف الحقيقي من المحاكمة كان تدمير التحالف الكرواتي-الصربي وبعض أعضائه الذين وجهت لهم جميعاً تهمة خيانة حكومة الصرب. ومرة أخرى إستخدمت النمسا التزوير وتزييف الأدلة التي تم صياغة بعضها بمعرفة وزير خارجية النمسا الكونت آهرنثال Aehrenthal وعندما إتضحت الأمور أسقطت الإدعاءات وتم تبرئة المتهمين. والخلاصة أن كلا المحاكمتين قدمت مادة هائلة وعظيمة لدعاية سلاف الجنوب التي تلقت إهتماماً كبيراً من الصحافة الأوروبية.
ويلاحظ أن محاكمة فريديونج إستهدفت بشكل رئيسي شخص فرانو سوبيلو رئيس التحالف الكرواتي-الصربي ورغم عدم إدانته إلا أنه إستقال من منصبه لحماية التحالف. وبناء على هذا تم إنتخاب سفيتوازار بريبيكفيتش زعيم حزب الإستقلال الصربي رئيساً للتحالف. وبينما كان سوبيلو وهو كرواتي يقيم في دلماشيا ويعتقد أن كرواتيا يجب أن تقود وحدة اليوجوسلاف, وكان بريشتفتش وهو صربي يقيم في كرواتيا يرى أ، الصرب هي التي ينبغي أن تقوم بهذا الدور. ومعنى أن شخصية صربية أي بريشتفتش تقود التحالف كان مثالاً آخر من نجاح محاولات التوفيق بين الشعبين السلافيين (الصرب والكروات) منذ عام 1903, فضلاً عن أن بريشتفتش الصربي يمكن أن تستخدمه حكومة الصرب ذاتها ليكون همزة وصل لها تأثيرها.
وبصرف النظر عن أهداف التحالف فلابد أن نعرف أن شعبية فكرة "اليوجوسلافية" وسط دائرة كبيرة من الناس وإستمرار الأخطاء التي إرتكبها المسئولون المجريون والنمساويون من الشيوفونيين (المتعصبون قومياً) جعلت أغلبية الكروات عشية الحرب العالمية الأولى يتطلعون إلى الإصلاح في نطاق النمسا وليس تصفيتها وتكوين دولة سلاف الجنوب المتحدة مع الصرب, ومع ذلك ظلت مخاوف الكروات وترددهم قائمة. وهكذا تبنى "حزب العدالة الأصيل" الذي إنشق في تسعينيات القرن التاسع عشر من حزب المحافظين فكرة إقامة "كرواتيا الكبرى" والتي تضم البوسنة والهرسك ذات حكم ذاتي في نطاق الإمبراطورية النمسا, وكانت فكرة معادية للصرب. أما حزب الفلاحين برئاسة ستيبان راديتش Shjepan Radic الذي أصبح أقوى حزب كرواتي بعد الحرب العالمية الأولى فكان يساند فقط وحدة سلاف الجنوب التابعين للمجر. وقد رحب الإشتراكيون الديموقراطيون بهذه الفكرة وكانوا يتطلعون إلى وحدة قومية-ثقافية بين سلاف الجنوب بدون الإنفصال عن النمسا. يضاف إلى هذا أن برنامج "إقامة الثلاثية Trialism أي دخول سلاف الجنوب في وحدة سياسية بوضع متكافئ مع كرواتيا والصرب كان يحظى بإعجاب واسع, وهو البرنامج الذي إرتبط بإسم وريث العرش فرانز فرديناند رغم أنه لم يكن يؤيده في الحقيقة. ويلاحظ أن برنامج معظم الأحزاب الكرواتية كانت تعبر بطريقة أو بأخرى عن خشيتها من الإختلافات الدينية مع الصرب.
ومع ناية القرن التاسع عشر وحلول القرن العشرين حل عنصر آخر في سياسات كرواتيا, ذلك أن الكروات حتى ذلك الحين كانوا يستخدمون وسائل قانونية وسلمية لتحقيق أهدافهم, إلى أن ظهرت مجموعة من شباب الطلاب كفرت بكل من أنصار التحالف الكرواتي-الصربي ومعارضيه وتمسكوا بالعنف سبيلاً. وعلى هذا تمت محاولتين في 1912 لإغتيال محافظ كرواتيا سلافكو كافاي Slavko Cavaj, ومحاولتان آخرتان في 1913, 1914 لإغتيال خليفته إيفو سكرليش Ivo Skerlecz.
ورغم أننا نركز في هذا العرض بصفة أساسية على الوقائع التي حدثت في كرواتيا-سلافونيا, إلا أنه يتعين متباعة التطورات التي وقعت في سلوفينيا. ففي وسط سلاف الجنوب ظل السلوفينيون أكثر ولاء لمملكة المجر, وكان الحزب الإكليريكي Clerical Party أقوى أحزابهم يساند فكرة الثلاثية (ترياليزم) وليس فكرة اليوجوسلافية, كما أن جناحي الحزب الليبرلي السلوفيني كانا مهتمان بالحصول على حقوق أكثر في الحكم الذاتي لسلوفينيا في إطار الإمبراطورية النمسوية-المجرية وليس على حسابها, وكذا الإشتراكيون الديموقراطيون الذين كانوا يركزون أكثر على الحكومة الذاتية القومةي في الشؤون الثقافية وليس بالإنفصال عن مملكة المجر. وفي هذا السياق لم يكن هناك بين السلوفينيين من يعتقد أن قضية القومةي السلوفينية لا يمكن أن تحل إلا في إطار دولة كبرى لسلاف الجنوب إلا بعض الطلاب أعضاء مجموعة النهضة Preporod التي كونت أثناء حروب البلقان. وهذا يعني أن "اليوجوسلافية" لم تكن تمثل قوة حيوية بين السلوفنيين قبل عام 1914.
على أن رد الفعل في مملكة الصرب تجاه فكرة "اليوجوسلافية" مع كل الإعتبارات كان أقل تعاطفاً مما كان لدى سلاف مملكة النمسا والمجر. والحقيقة أن بيتر إلى حد ما كان قد أصبح رمزاً لوحدة سلاف الجنوب وكانت بياناته مثار إعجاب لكثير من الطلاب الصربيين والمثقفين في المجر وفي النمسا على السواء وكان المسئولون في المملكة يخشونها. غير أن القوى السياسية المسيطرة في الصرب من ضباط الجيش والسياسيين لم تكن معنية كثيراً بمصير السلوفينيين والكروات وإنما كانت مهتمة أكثر وعلى مدى قرن من الزمان بتكوين دولة الصرب الكبرى التي تشتمل على أراضي يعتبرونها صربية تاريخياً وعرقياً. على أ، الصربيين تحت حكم النمسا من المدنيين المسئولين والعسكريين وخاصة في البوسنة والهرسك كانوا يعترضون على مصالح القوى السياسية وتوجهاتها بطبيعة الحال. لكن هذين الفريقين كانا غير متفقين في الوسائل التي تستخدم في مواجهة تلك المواقف رغم تشابه مواقف كبل منهما فالسياسيون كانوا واقعيين وحذرين منهم والعسكريون وبدعم ملحوظ من رجال الدين الأرثوذكس كانوا يرغبون بالمخاطرة بالحرب ضد الدولة العثمانية أو إمبراطورية النمسا والمجر من أجل الأهداف القومية. ومن المفهوم أنالحكومة كانت تلاغب في تقرير سياسة الدولة, لكن الملك بيتر كان يراوغ, وكان المأزق أن الجيش الذي أتى به إلى الحكم في 1903 كان لا يزال يحتفظ بافكار الحكم الذاتي. وعلى هذا واجه بيتر طوال العشر سنوات السابقة على 1914 ضغوطاً من السياسيين ومن الجيش في الصرب الذي كان لكل منهما خططه الخاصة بالنسبة للمستقبل البلاد.
غير أن ضم النمسا للبوسنة والهرسك في 1919 كان ضربة قاصمة للجميع فحكومة الصرب إعترفت بأن عليها التخلي عن القضية بل لقد كبحت نشاط منظمة "نارودنا أودبرانا" التي كانت تجمعاً مدنياً وليس عسكرياً. لكن الجيش لم يفهم موقف الحكومة هذا وشعر أن الدولة في أحسن الحالات تقودها شخصيات ضعيفة أو مجموعة من الخونة في أسوأ التقديرات. ولهذا قرر بعض ضباط الجيش الإستعداد لمواجهة أية أزمات دولية وإستغلالها لإستقدام صرب الدولة العثمانية و النمسا إلى أراضي الصرب وذلك لمواجهة ما بدا أنه خطر يهدد أمتهم.
وفي 1911 تكونت في الصرب جمعية سرية بإسم "الوحدة أو الموت" Ujedinjenje ili Smrt وكانت تعرف أيضاً بإسم "اليد السوداء" Crana Ruka بزعامة الكولونيل دراجوتين ديمتريفتش Dragutin Dimitrijevic, وبسيودونيم آبيس Pseudonym Apis . وكان ديمتريفتش وهو أحد المتآمرين في إغتيالات 1903 رجلاً شديد الوطنية ومشهوراً, لكنه يثق في أن يضع مصير الصرب في يد الحكام المدنيين. ومن ثم كانت نواة مجموعته من ضباط الجيش, وبعض ممكن فتنتهم مظاهر التآمر أو الذين تبنوا بشدة برنامج "الرابطة الصربية". ولقد قامت جمعية اليد السوداء بالتأكيد على غرضها في المادة الولى من لائحة نظامها الأساسي حيث نصت على أن غرضها "تحقيق النموذج المثالي لوحدة الصرب", ونصت المادة الثانية على بلوغ هذا الهدف يكون من خلال "العمل الثووري أكثر من الثقافي وعليه أن يبقى سراً عن عامة الناس". وفي عام 1913 أصبح ديمتريفتش رئيس المخابرات الصربية وهو منصب له أهمية كبرى, وكان للجيش شبكة من العملاء وسط صربيي الدولة العثمانية والنمسا, وبواستطهم كان ديمتريفتش يعمل من أجل توحيد الصرب وليس سلاف الجنوب.
ومن المفارقات أن مهمة السيطرة على الجيش في الصرب كانت من إختصاص الحكومة التي كان يرأسها نيقولا باشيك Pasic والذي كان في الوقت نفسه زعيم الحزب الصربي الراديكالي, وكان يدرك حدود قوة بلاده بإعتباره سياسياً متشدداً على درجة واضحة من الوعي والفهم, وإكتسب خبرات كثيرة أثناء إداراته للعلاقات مع النمسا وخلال جهوده الدبلوماسية أثناء حروب البلقان. وكان عليه أن يأخذ بأحد طريقتين: إما أن تركز الصرب على إقامة "الصرب الكبرى", وإما أن تسعى لإقامة دولة موحدة لسلاف الجنوب. ولاشك أن فكرة "الصرب الكبرى" كانت تلقى تأييداً غامراً من الصربيين بكل فئاتهم: السياسيون, والمهيمنون, والعسكريون, ورجال الدين, والفلاحون, ومعظم الطلاب والمثققفين وكان هو نفسه متمسكأ بها. وبينما كانت القومية الصربية جزء من تقاليد الماضي كانت اليوجوسلافية في أحسن الأحوال تصور غامض ومبهم فضلاً عن أنه لم يكن بإمكان باشيك أن يتجاهل طموحات الجيش الذي زادت قوته ومكانته بسبب دوره السياسي في 1903 وإنتصارته في حروب البلقان 1912-1913, وقد يتحدى الحكومة في بعض المسائل بشكل مؤثر.
وفي الوقت نفسه إعترف باشيك بأنه لا يستطيع مجافاة أنصار فكرة "اليوجوسلافية", إذ كان يتوقع إستمرار حالة العداء والخصومة مع إمبراطورية النمسا والمجر في المستقبل لأن الأراضي التي تطالب بها حكومته لا تزال في يد النمسا. وعلى هذا فإن أي فرد يمكنه تقديم المساعدة لتحقيق أغراض الصرب ينبغي تشجيعه بوضوح. وهكذا إحتفظت حكومة الصرب سراً بعلاقاتها ليس فقط مع الصربيين في الأراضي الأخرى ولكن أيضاً مع أنصار فكرة اليوجوسلافية في البوسنة والهرسك وفويفودينا وكرواتيا والبلاد التي تضم نسبة كبيرة من الصربيين. ولعل أبرز دليل على حدود إهتمامات باشيك باليوجوسلافية قلة إهتمامه بالسلوفينيين الذين نظر إليهم بإعتبارهم أعضاء أساسيين في حركة اليوجوسلافية ويحتاجون الصرب أكثر من إحتياج الصرب إليهم.
وبحلول عام 1914 كسبت اليوجوسلافية أنصاراً متشددين في كل بلاد سلاف الجنوب, إلا أنها كانت من حيث المبدأ مجرد تصور كرواتياً وينقصها مساندة جماهيرية كبيرة من الصربيين والسلوفينيين وحتى في كرواتيا ذاتها لأن التحالف الكرواتي-الصربي لم يكن يمثل أغلبية سكان إمبراطورية النمسا والمجر كانوا يفضلون أفكاراً تدعو إلى توحيد سلاف الجنوب ضمن الحدود السياسية القائمة. وفي الصرب أيضاً كما رأينا, كان هناك إتفاق قوي حول أن هدف الصرب في المستقبل ينبغي أن يكون إقامة الصرب القومية التي تضم كل أراضي الصرب حيثما كانت.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مملكة يوغوسلاڤيا (1918–1941)
صدر في الثلاثين من أيار (مايو) من عام 1917، إعلان يدعو فيه السياسي السلوفيني كوريشيتس وآخرون إلى توحيد السلوفينيين والكروات والصرب في إطار دولة واحدة. ولقد أصدر البرلمان الكرواتي إعلانا مشابها في التاسع تشرين الأول (أكتوبر) من عام 1918، كما أصدرت الجمعية الوطنية الكرواتية بيانا مشابها في 29 من تشرين الأول (أكتوبر) من نفس عام.
ولقد كان الحزب الذي لقي تأييد كل المسلمين (إلى حد احتكار كل تأييدهم) هو منظمة المسلمين اليوغسلاف، والذي تأسس في سراييفو في شباط (فبراير) من عام 1919. ولقد كان ترشح قائد الحزب د. محمد سباهو يتمثل في أن يحافظ على هوية البوسنة كدولة مستقلة ضمن الدولة اليوغسلافية. وعندما أجريت انتخابات في يوغسلافيا كلها في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1920 فاز حزب محمد سباهو بكل أصوات المسلمين في البوسنة تقريبا مما مكنه من شغل 24 مقعدا في الجمعية التشريعية الوطنية.
وقام الملك ألكسندر في كانون الثاني (يناير) عام 1929 بتعليق الدستور، وأعلن أن الدولة لن تعرف بعد اليوم باسم مملكة الصرب والكروات والسلوفينيين، بل إن اسمها سيصبح مملكة يوغسلافيا. ولقد تم تقسيم الدولة إلى تسع مقاطعات أو وحدات داخل المملكة نفسها تقطع الحدود القديمة للدول التي تشكل دولة يوغسلافيا. فلقد تم تقسيم البوسنة إلى أربع مقاطعات هي: فرباسكا التي ضَمّت أجزاء من كرواتيا، ودرينسكا والتي ضمت جزءا كبيرا من صربيا، وزيتسكا التي كانت تتألف من الجبل الأسود، وبريمورسكا مع جزء من ساحل دالماتسيا. وبهذا تم تقسيم البوسنة لأول مرة منذ 400 عام.
ولم يكن المسلمون البوسنيون مسرورين لهذا التقسيم أبدا، فلقد كانوا أقلية في كل من المقاطعات الأربع. ولم يقبل الكروات بدستور ألكسندر، فبدأت مرحلة طويلة من النزاع السياسي بين الصرب والكروات استمرت سنوات، وفي آب (أغسطس) من عام 1939 توصل كل من الوزير الصربي تسفيتكوفيتش، والزعيم الكرواتي ماتشيك إلى اتفاق حل الهيكلة الجديدة ليوغوسلافيا. ولقد كانت أولى النقاط التي اتفقا عليها هي تقسيم البوسنة والهرسك، ودمج المقاطعتين الكرواتيتين الرئيستين وهما سافسكا وبريمورسكا (التي ضمت أجزاء من البوسنة والهرسك) بحيث أصبحتا مقاطعة واحدة هي المقاطعة الكرواتية، وأن على سكان باقي أنحاء البوسنة والهرسك أن يقرروا من خلال استفتاء عام إذا كانوا يريدون الانضمام إلى صربيا أو كرواتيا.
وتوفي محمد سباهو في يونيو عام 1939، أثناء أدق مراحل المفاوضات. ولقد دعا خلفه جعفر كولينوفيتش إلى إنشاء دولة خاصة – البوسنة والهرسك، ولكن تم تجاهل طلبه.
الحرب العالمية الثانية (1941–1945)
Bosnia was the geographical mother of the partisan movement, providing ample space amongst its mountains for training and development.[3]
وفي السادس من نيسان (أبريل) 1941، قامت القوات الألمانية بغزو يوغوسلافيا، وبعد أربعة أيام، أي في 10 من أبريل 1941، أعلنوا عن قيام دولة كرواتيا المستقلة المعروفة باللغة المحلية بـ (NDH)، حيث ضمت جميع أجزاء البوسنة والهرسك، لكنها لم تكن دولة مستقلة بل كانت عبارة عن منطقتين محتلتين من قبل الألمان والإيطاليان، حيث كان الخط الفاصل بين المنطقتين يمر بشكل قطري عبر البوسنة من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي.
ولم يكن لدى الحزب الشيوعي اليوغوسلافي الذي نظم انتفاضة ضد القوات الألمانية عام 1941، أدنى فكرة عما يجب أن يكون عليه وضع مسلمي البوسنة والهرسك، فقد كتب في عام 1936 المفكر الشيوعي السلوفيني أدوارد كاردل قائلا: "لا نستطيع أن نعتبر المسلمين على أنهم شعب قائم بذاته، ولكن على أنهم جماعة عرقية خاصة". وفي مؤتمر الحزب الذي عقد عام 1940، استثنى ميلوفان جيلاس المسؤول عن سياسة القوميات في الحزب الشيوعي المسلمين من قائمة الشعوب اليوغوسلافية.
ولقد كان هناك اضطهاد للأقليات وبخاصة الصرب واليهود فيما يسمى بدولة كرواتيا المستقلة ما بين عامي 1941 و1945. وقد أصر قادة مسلمون بارزون خلال صيف وخريف عام 1941 سلسلة من القرارات العامة والاحتجاجات على حكم الرعب هذا. ولقد ظهرت مثل تلك القرارات في سراييفو وبرييدور، وموستار، وبانيالوكا، وبييلينا، وتوزلا.
يوغوسلاڤيا الاشتراكية (1945–1992)
واستولى الشيوعيون على السلطة في يوغوسلافيا عام 1945. وبناء عليه فقد تم إنقاذ غالبية المسلمين فبدلا من أن يتم ابتلاعهم من قبل صربيا أو كرواتيا حصلوا على حل فدرالي تبقى فيه البوسنة والهرسك موجودة. وما كان أهم من ذلك بالنسبة إليهم هو نهاية القتل. ويفيد أن هناك حوالي 75 ألف مسلم بوسني قضوا في الحرب العالمية وهي نسبة تعادل 8,1 % من مجموع سكان المسلمين. تعامل الشيوعيون بقسوة شديدة مع كل من لم يقبل بحكمهم. ويقدر المؤرخ نويل مالكولم إلى أن حوالي 250 ألف شخص قد قضوا في الإعدامات الجماعية التي قام بها تيتو، وفي مسيرات الموت والإجبارية ومعسكرات الاعتقال في الفترة ما بين عامي 1945 و1946.
ولقد كان الدستور الاتحادي اليوغوسلافي الذي أعلن في كانون الثاني (يناير) 1946 نسخة من الدستور السوفيتي الذي أعلن قبل ذلك بعشر سنوات. ولقد تضمن الدستور بنودا تؤكد على أن يوغوسلافيا سوف تحافظ على حريات المعتقد، ولكن الأمور كانت مغايرة لذلك تماما عند التطبيق. ولقد أغلقت المحاكم الشرعية في عام 1946، وتم في عام 1950 إغلاق آخر الكتاتيب التي كان التلاميذ يتعلمون فيها معلومات أساسية عن القرآن. فلقد تم حل جميع الجمعيات الإسلامية الثقافية والتربوية، مثل جمعيات "غيرت"، "نارودنا أوزدانيتسا" و"بريبورود" ولم يتم الإبقاء إلا على الجمعية الدينية الإسلامية الرسمية ومدرستين إسلاميتين تخضعان لرقابة مشددة. وتم إغلاق المطبعة الإسلامية في سراييفو وتولت الدولة إدارة الهيئة المشرفة على الأوقاف. ولقد كانت هناك مقاومة سرية ضد بعض تلك الإجراءات. إذ استمر الناس في تداول الكتب الإسلامية، وكان الأطفال يتلقون التعليم في المساجد، وتابعت بعض الطرق الصوفية والدراويش الاحتفال بمناسباتها في المنازل، واستمرت المنظمة الطلابية المعروفة بمنظمة الشبان المسلمون في مقاومة الحملة ضد الإسلام، إلى أن تم سجن مئآت من أعضائها ما بين عامي 1949 و1950، وعلى عكس اعتقاد الحزب الشيوعي اليوغسلافي من خلال سني تيتو الأولى في الحكم، فإن قضية الهوية المسلمة في البوسنة لم تختفي. وإنما كان السؤال يدور حول ماهية تلك الهوية: هل هي دينية، أم عرقية أم قومية ؟
ولقد أعطى إحصاء السكان عام 1948 للمسلمين ثلاثة خيارات: إما أن يكتبوا بأنهم مسلمون صرب أو مسلمون كروات أو مسلمون دون قومية معلنة. وكانت النتائج كما يلي 72 ألف أعلنوا أنفسهم على أنهم صرب، و25 ألف على أنهم كروات، ولكن سجل 778 ألف على أنهم مسلمون فقط. وأظهر إحصاء السكان لعام 1953 نتائج مماثلة. فيما ظهر في إحصاء السكان لعام 1971 ولأول مرة "مسلم بالمعنى القومي للكلمة".
ولقد أصبح الخلل في النظام الاقتصادي الاشتراكي واضحا بعد وفاة تيتو وتزايدت التوترات القومية. فلقد ارتفع معدل التضخم السنوي في يوغوسلافيا إلى 120% في عام 1987 وإلى 250% في عام 1988. وبلغت ديون يوغوسلافيا الخارجية في نهاية تلك السنة عشرين مليار دولار أمريكي. وازدادت نسبة الفقر بين السكان مما أفسح المجال أمام المتعصبين القوميين في تحريضهم على سياسات الامتعاض والاستياء.
ولقد تجمع في يوم عيد القديس فيد (فيدوفدان) وفي 28 حزيران (يونيو) 1989 مئات الآلاف من الصرب في موقع معركة گازمستان في كوسوفو بولييا قرب بريشتينا عاصمة إقليم كوسوفو كي يحتفلوا بالذكرى المئوية السادسة لمعركة كوسوفو. ولقد خاطب سلوبودان ميلوشڤيتش الحشد قائلا: "وبعد مرور ستة قرون، ها نحن من جديد في معارك ونزاعات، إنها اليوم ليست بمعارك مسلحة، ولكن لا يمكننا أن تستبعد أن تصبح كذلك" فهلل الحشد لذلك.
إن الجدول الصغير للأحزاب السياسية المستقلة الذي بدأ يجري في يوغسلافيا في 1988 تحول إلى طوفان في كانون الثاني (يناير) من عام 1990. فلقد انسحب الشيوعيون السلوفينيون من مؤتمر الحزب الشيوعي اليوغوسلافي، وقامت كل من سلوفينيا وكرواتيا بإجراء التحضيرات لانتخابات متعددة الأحزاب في ربيع عام 1990، وقد انتصر في تلك الانتخابات التي أجريت في سلوفينيا تحالف ليبرالي قومي، فيما فاز في انتخابات كرواتيا "الحزب القومي الجديد " وهو الاتحاد الديموقراطي الكرواتي بزعامة فرانيو توجمان. أما في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1990 في البوسنة والهرسك فقد حصل حزب العمل الديموقراطي المسلم على 86 مقعدا من بين 240 مقعد في الجمعية التشريعية فيما حصل مسلمون آخرون بما فيهم الاتحاد المسلم البوشناقي بزعامة عادل ذوالفقارباشيتش على 13 مقعدا. وحصل الحزب الديموقراطي الصربي بزعامة رادوفان كاراجيتش على 72 مقعد.
ولقد صرح ميلوشيفيتش في بداية عام 1991 بأنه سوف يضم بقوة مناطق من كرواتيا والبوسنة والهرسك إلى صربيا إذا ما حصلت أي محاولة لاستبدال الهيكل الفدرالي ليوغوسلافيا بترتيب آخر أكثر تحررا وذا طابع كونفدرالي. وقامت كل من سلوفينيا وكرواتيا بإعلان استقلالهما في 25 حزيران (يونيو) 1991. وهكذا أصبح من الضروري للبوسنة والهرسك أن تعلن استقلالها أيضا وإلا فإنها ستبقى جزءا ممسوخا في يوغسلافيا وتحت السيطرة الصربية. وفي السادس من نيسان (أبريل) عام 1992 اعترف الاتحاد الأوروبي بالبوسنة والهرسك كدولة مستقلة. ولقد كان ذلك اليوم هو نفس اليوم الذي بدأ فيه العدوان على البلاد.
حرب البوسنة (1992-1995)
وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة قد اعترفت بالبوسنة والهرسك بتاريخ 22 أيار (مايو) 1992 وقبلت عضويتها إلا أن حظر الأسلحة السابق الذي فرض على يوغسلافيا ككل لم يرفع. بل كان الأمر وكأن شيئا لم يكن ولم يتغير. فلقد كان القادة العسكريون الصرب يتفاخرون بأن لديهم أسلحة وذخيرة تكفي لخوض الحرب في البوسنة والهرسك لست أو سبع سنوات قادمة، حيث لن يكون للحذر أي تأثير فعلي على قدرتهم العسكرية. ولكن على العكس منهم كان للحظر تأثير كبير على دفاعات البوسنة، حيث يمكن اعتبار أن حظر الأسلحة بالنسبة للدفاعات البوسنية هو حكم بالإعدام على المدى الطويل.
وسرعان ما ضغطت الحكومتان الأمريكية والألمانية من أجل رفع الحظر، ولكن عارض وزير الخارجية البريطاني دوغلاس هيرد الفكرة بشدة، مدعيا أن ذلك "لن يؤدي إلا إلى إطالة مدة الحرب" فلم يتم رفع حظر الأسلحة، ولكن استمر القتال، وطال أمده إلى نهاية عام 1995. فلقد انتهى القتال في الحادي والعشرين من تشرين الثاني(نوفمبر) من عام 1995 مع توقيع اتفاقية دايتون للسلام، التي تم التوقيع عليها في باريس في 24 من كانون الثاني (يناير) 1995.
وكانت نتيجة الحرب العدوانية تهجير نصف سكان البوسنة من المسلمين، ونهب الممتلكات الخاصة والعامة والأوقاف وحرق وتدمير مئات القرى والمدن، ومقتل 250 ألف مسلم معظمهم من المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ.
الجوامع والمساجد والمكاتب وازوايا ومباني الأوقاف:
1. الجوامع المهدمة : التي دمرت من قبل الصرب 534 الكرفات 80 إجمالي 614
2. المساجد المهدمة : التي دمرت من قبل الصرب 175 الكرفات 43 إجمالي 218
3. الكتاتيب المهدمة : التي دمرت من قبل الصر 55 الكرفات 14 إجمالي 69
4. الزوايا المهدمة : التي دمرت من قبل الصر 3 من الكرفات 1 إجمالي 4
5. الأضرحة المهدمة : التي دمرت من قبل الصر 34 الكرفات 3 إجمالي 37
6. مباني الأوقاف المهدمة : التي دمرت من قبل الصر 345 الكرفات 60 إجمالي 405
7. الجوامع المتضررة : التي تضررت من قبل الصر 427 الكرفات 110 إجمالي 537
من بين حوالي 200000 ألف قتيل وشهيد وفي فترة العدوان 1992-1995م لقد إستشهد أيضا عدد 6 من رئساء الأئمة و61 إماما ومعلم واحد و4 أساتذة وطالب واحد من كلية الدراسات الإسلامية و15 تلميذا من مدرسة غازي خسروبيك ومؤذن واحد و3 خرجي مدرسة غازي خسروبيك و5 أئمة متقاعدين و5 موظفي كانو يعملون في إدارة المشيخة الإسلامية. لقد استطاعت المشيخة الإسلامية في البوسنة والهرسك بتوفيق من الله ومن ثم بدعم ومساندة أهل الخير من شتى أنحاء العالم الإسلامي بإعادة بناء حوالي 200 مسجد، ولكن أكبر اهتمامنا منصب على إعادة بناء مسجد فرحات باشا الشهير في بانيالوكا ومسجد علاجة في فوتشا ومسجد كاراجوزبك في موستار.
نمو السكان: عام 2005م ولد34627 طفل وتوفى 34402 مواطن. نسبة النمو السكاني 0،1% في 2005م. العجز في التجارة الخارجية يصل إلى 6 مليارات عام 2005م
انظر أيضاً
- Demographic history of Bosnia and Herzegovina
- History of present-day nations and states
- تاريخ يوغوسلاڤيا
- تاريخ البلقان
- تاريخ اوروبا
- التطهير العرقي في البوسنة
الهامش
- ^ أ ب ت ث ج Malcolm, Noel (1994). Bosnia A Short History. New York University Press. ISBN 0-8147-5520-8.[صفحة مطلوبة]
- ^ John V. A. Fine,John Van Antwerp Fine, The Late Medieval Balkans: A Critical Survey from the Late Twelfth Century Archived 2017-11-09 at the Wayback Machine. University of Michigan Press, 1994 p.19
- ^ "Basil Davidson: PARTISAN PICTURE". Archived from the original on 2019-01-06. Retrieved 2012-12-06.